وبما ان عقولنا لكثرة معاشرة الغنم قد اقتنعت بسياسة القطيع صار يلزمنا من يفكر لنا ويتخذ القرارات عنا ، وبما أننا ما نزال غارقين في ظلمات الجهل والتخلف ، ولم نرتقي بعد إلى مرتبة إنسان ، فقد رأت أمريكا أننا وبسبب تخلفنا العقلي لا يجب أن نحمل سلاحا لأننا سنؤذي أنفسنا ، ! يا لها من فكرة رائعة صفق لها حكامنا فهي تثبت عبقرية من سلمنا لهم قيادنا ، هاهي أمريكا تسحب السلاح من أيدينا وتقتلنا به باسم القضاء على الإرهاب . القطيع الخبيث يرهب الذئب المسكين ويتركه يتضور جوعا ، فجأة انتبه القطيع للعصا السحرية التي يحملها الذئب بين فكيه ، أحس بلسع السياط ، ووجد نفسه محشورا في حظيرة التخلف ، يرشح السقف نتانة وصديدا ، وهو يلعق السم بتلذذ ، بقرنين موهنتين حاول نطح القضبان ، وارتد خائر القوى ، اجتاح الذئب الحظيرة ، هناك من يحتاج إلى تأديب فقد خرج عن سياسة القطيع ، وأراد انتزاع حريته ، فماذا يفعل يا ترى الذئب المسكين ؟
ΘΘΘ
قانون الطبيعة يخضع للسياسة الأمريكية
لم تعد الدنيا كما أيام زمان!
تتنهد جدتي معلنة عجزها عن فهم ما يجري ، تبدأ نهارها بهذه العبارة السحرية متحسرة على أيام العز والرخاء ، أيام الحنطة السعيدة ، والجار الأكثر من أخ !
ونحن الذين لم نعش ذلك الزمن نشارك في الحسرات والتمنيات ، تجلس جدتي على شرفتها ترقب الياسمين والمطر ، وتتنهد (( إيه متى كان أيلول يأتي ويرحل دون أمطار ؟ !))
جدتي لم تع ِ الحقيقة ، حتى المطر بات يخشى أن يأتي في أيلول كي لا يدرج في قائمة الإرهاب
السوق تحكمه السياسة الأمريكية ، العرض والطلب ، الاستهلاك ، السلع ، تلوث البيئة ، وتتنهد جدتي (( رحم الله أيام أكياس الورق ، وصناديق الخشب ، الفواكه المرصوفة ، العين تأكل قبل الفم )) جدتي لم تصل إلى الحقيقة كاملة ، فلا أكاد أصل البيت حتى تكون البندورة قد اختنقت داخل الكيس الأسود وتغيرت رائحتها ، والبقدونس أرمي نصفه في سلة المهملات . تحيا أكياس النايلون !
كل ما حولنا يدخل فصل الإرهاب ، ويمشي على خط السياسة نفسها ، أسلوب الإعلانات في الفضائيات ، ابتسامة المذيعات ، كل شيء فيه نكهة مخدر سريع المفعول ، نفتح أفواهنا ببلاهة ونتلقى المزيد ونهز رؤوسنا علامة الموافقة والإعجاب والذهول . تنام الأوجاع بسلام ، تنام الضمائر بسلام ، وننسى مع أول شخير للحلم كل المآسي التي مرت أمام شبكية العين مصحوبة بصوت طقطقة منتظمة للمكسرات المتوجة أمام التلفاز ! يا إلهي ، ما أشبه هذا بالسرطان الذي يعشش في الجسد فينهكه ويسير به إلى الموت المحتم !
السرطان ذاك الشبح المخيف الذي يهيمن بظله القاتل على ألوف المرضى يوميا ساحبا جثثهم إلى الأبدية . حيث الصمت والهدوء ، حيث لا تمتد يد مخبر لتنزع لسانك بدل الخبر ، ولا تصوب بندقية إلى صدرك لأنك جربت التفكير وعرفت الحقيقة ، الهدوء هناك ، لا كلاب تنبح ولا سلطات تطوي أضلعك تحت عجلاتها المقيتة ، عندها ستصرخ كما يحلو لك ، أم تراك ستنعم بالهدوء ناسيا ما كان ؟
همسة :
يقال أن حفاري القبور ينتمون إلى المخابرات الدولية وأنهم يزرعون على كل شاهدة حجرية جهاز تنصت ، إياك أن تصرخ .
حرب انتقائية للقضاء على السرطان :
دقة تنتزع إعجابك ، وسرعة لا تترك لك وقتا للتفكير ، بنفس العقلية فكرت الدكتورة (( كيث)) وفريقها ، بنفس التكتيك الذي تقضي به أمريكا على الشعوب المستضعفة ، وجدت الطبيبة البريطانية الحل .
الخلايا الخبيثة تقوم بتنشيط الجين telomerase للعمل على ضمان بقاء الخلية حية وانقسامها لفترة تتجاوز عمرها . فريق البحث فكر بخداع هذه الخلية ، وجعلها تنشط جينا آخر تعتقد أنه هو نفسه الذي يحافظ على حياتها فيؤدي إلى قتلها !
علاج واقعي ! يدخل العقار إلى الجسم ، يكمن ، يخادع ، تمتص الخلايا الجرعة راضية مستسلمة ، وهي تظن أنها تحافظ على حياتها ، وببساطة تدمر نفسها . !
وينهض المريض من أوجاعه مطلقا صرخة النصر .
ويقول البرفسور نك ليمواين من مركز امبريال لبحوث السرطان : (( إن الخطوة اللاحقة يجب أن تكون إثبات القدرة على استهداف الخلايا السرطانية بصورة انتقائية )) !
إنها الحرب ، إنها الحرب الانتقائية بامتياز ، أخيرا سيتم القضاء على الإرهاب السرطاني ، ولن يكلف ذلك أمريكا أكثر من لعبة صغيرة ، استهدفت بها دولا كثيرة من قبل ونجحت ، فكانت حرب لبنان ، والصومال وأفغانستان واجتياح الكويت ، والحبل على الجرار كما يقولون ، والحبل ربطته أمريكا حول رقابنا وتشدنا به في الوقت الذي تراه مناسبا !
مرضى السرطان سيشكرون الإدارة الأمريكية لأنها دربت الأطباء على سياستها فاستطاعوا إيجاد العلاج لهذا المرض الخبيث . لن يفكر أحدهم بالهرب بخلاياه السرطانية من وجه الإدارة الأمريكية ، كلهم ينتظرون الشفاء ، وكلهم ينتظرون أن تهدأ أوجاعهم ، لننسى إذا ذاكرتنا بجرعة سلام .
ΘΘΘ
كم هو سهل قلب الحقائق في زمن العجائب هذا ؟
كم هو سهل ابتكار الألفاظ والمسميات ، وإطلاقها بالشكل الذي نريد ! كم هي هائلة تلك التعابير المتعددة التي ينهل منها الصحفيون فيقلبون مفاهيم الحدث ؟
يا للغة المسكينة ، لغتنا تلك التي ضاقت بمفرداتها ، وانفجرت بها مسمياتها ، فاستحالت إلى شظايا ، تدمر ، تقتل ، وتزرع الابتسامة في آن واحد !
يا للغة المسكينة ، تنظر إلينا من خبائها ، تفتعل المراوغة ، وتستسلم راضية . بحبر أسود نسكرها ، تقلب شفتيها انتعاشا ، وتغرق في ضحك هستيري مجنون ..
يكشف المد ّ قناعه ، يسقينا رمادا . يبتلع الجذر أدمغتنا ، وننساق وراء نواحه نادبين ، تائهين ، ومنومين مغناطيسيا ... يا لروعة أن تكون مسلوبا !
هل قلت يا لروعة ذلك ؟
نعم ! أن تكون مسلوبا ، يعني أن تضحك ، وتصفق دون أن تشعر بحزن أو فرح ! دون أن تكسر حاجز الخوف والرغبة ، دون أن تقتحم عالم التفكير ، ولماذا تفكر ؟
هم يفكرون عنك .. هم يكتبون لك .. هم يأخذون عنك القرار ، أنت لا تستطيع ذلك ، إمكانياتك البسيطة عاجزة عن الفهم ، والقرار صعب ! ولا وقت لديك لإفراغ المخ من تداعياته ، ولا وقت لحزن يتوجع على أعتابك ..
البكائيات على الأوطان لا تنتهي ، وأنت تشعر بالصداع المر يخترق رأسك ! أف .. تغير المحطة ، نفس الوجوه ، نفس الأحداث ، يا للمهزلة التي لا تنتهي . متى سيصمتون ، متى سيغيرون هذه الاسطوانة الكئيبة ؟ تغلق التلفاز ، الجرائد اليومية تحمل نفس الأخبار بعناوين مختلفة !
تقرأ (( صحافي يفوز بجائزة لالتقاطه صورا رائعة تصور فرحة السكان في أفغانستان لتخلصهم من طغيان طالبان )) يبهرك الخبر والصور المرفقة معه ، متى تتخلص من طغيان حكوماتك ؟
بكل صفاقة يلونون لك الخبر ، وأنت تبتسم بغباء !
تغوص في مقعد دافئ ، تتناولك الأحاسيس المثيرة للحدث ! تأخذ بيدك برفق إلى حيث يريدون ، موطئ القدم مدروس مسبقا ً . تضعها في رمال متحركة ، والغريب أنك لا تشعر بالدوار .
الغباء أحيانا نعمة ، لا يدركها إلا أصحاب العقول ، على حد قول الشاعر (( مع التعديل ))
وذو العقل يشقى بالسياسة بعقله وأخو الجهالة بالغباوة ينعم
قلم / إبتسام تريسي