كاسك يا وطنْ
يقولُ لي العقلُ : ما أعقلكْ إذ قتلتَ السؤالَ الذي شَغـلكَ
لقد كادَ في ساعةِ البوحِ لولا التردد و الخوف أنْ يقتلكْ
أعيذكَ بالصَّمتِ يا شاحبَ الوجهِ مِنْ شرِّ شِعركَ أنْ يسألكْ
سينجيكَ إنْ فـحَّ في أذنيكَ و وسوسَ شيطانُ شِعركَ لـكْ
و أسكركَ الحبرُ حتى ثملتَ فقالتْ بناتُ الردى :هيتَ لـكْ
و أوشكَ موتكَ أنْ يختمَ النصَّ عنكَ بـ " كانَ هنا و هـلكَ "
عَقِلتُ
و أمهلتُ عقليْ ثلاثاً..
و لا عقلَ في الشِّعرِ فوقَ ثلاثٍ..
فخذ أيها الشِّعرُ..
في وطنٍ يقتلُ العقلاءْ
مِنْ دمي ما تشاءْ
هنا ما يشاءُ الردى للجميعِ..
و ليس لنا ما نشاءْ
هنا قد يداهمنا الموتُ..
بينَ الشهيقِ و بينَ الزفيرِ..
و يكتبُ صوتُ الرَّصاصةِ أسماءنا..
في الهواءْ
هنا يصبحُ القنصُ كالصَّيدِ..
تسليةً..
قتلُ أيٍّ امرئٍ مثل شربةِ ماءْ
ثمنُ الرأسِ..
كأسٌ مِنَ العرقِ الوطنيِّ..
وما للرؤوسِ التي بقيت فوقَ أجساد أصحابها..
مِنْ عزاءْ
هنا سَكِرَ الموتُ مِنْ دمنا..
و تقيأ أشلاءنا في العراءْ
هنا رقصَ الموتُ حتى الصباحِ برفقتنا..
كانَ يبصقُ فوقَ الجباهِ رصاصاً..
و يهذي ببعضِ المقاطعِ مِنْ "موطني..موطني"..
و يدوسُ الرؤوسَ التي لم تطاوعهُ بالانحناءْ
حينَ كانَ المغني يغني :هنا وطني..
كنتُ أبحثُ عن وطني فيهِ كالغرباءْ
حينَ كانَ يغني لحريتي..
كنتُ أشحذُ حريتي مِنْ صحونِ الفضاءْ
حينَ كانَ يبثُّ على موجةِ الحلمِ لي كذبةً..
كنتُ أعلكها كي أنامَ..
فيعلكني أرقي..
ويمزقني الحزنُ و الانطواء
حينَ كانَ يحرر نصفَ فلسطينَ..
في نصفِ بيتٍ مِنْ الشِّعرِ..
كنتُ أحاولُ تحريرها مِنْ يدِ الشِّعراء
لم تكنْ ذاتَ يومٍ بلاديْ
بلاديْ
فما مِنْ رصيفٍ بلا وارثٍ يدَّعيهِ..
و ما مِنْ رغيفْ
بلا سارقٍ يتربصُ بي عندَ أقصى الرَّصيفْ
و ما مِنْ سماءْ
تبللُ وجهَ الأديمِ إذا أيبسَ القحطَ أوردةَ الفقراءْ
و ما مِنْ هلالٍ..
و ما مِنْ ضياءْ
تلملمهُ أعينُ السَّاهرينَ هنا بانتظارِ الوعودِ..
التي تتناثرُ تحتَ المنابرِ كالدُّرِ..
مِنْ عرقِ الخطباءْ
لم تكن ذات يومٍ بلاديْ
بلاديْ
و لكنني كنتُ أحفظُ كلَّ تفاصيلها..
كي أدافعَ عنها
فإنْ قال لي سيّدي :أنتَ منها
و طالبني بدمي في سبيلِ معاليهِ
هل سألبِّيهِ
هل سأغنيهِ : خذ من بقايا دمي ما تشاءْ
و هل سوفَ أدعو له بعدَ موتي على قدميهِ..
بطولِ البقاءِ ؟
لم تكن ذات يومٍ بلاديْ
بلاديْ
فقد سُرقتْ قطعةً قطعةً
قتلتْ شهقةً شهقةً
و اكتفيتُ أنا بالرِّثاءْ
و كنتُ أرى ظلَّ قاتلها يتسلَّقُ أعناقَنا..
كنتُ أسمعُ أصواتَ شحذِ السكاكينِ
كنتُ أشمُّ حديدَ الزنازينِ
كنتُ أحسُّ بطعمِ دمي
في فمي
حينَ يسقطُ في وطني أحدُ الشُّهداءْ
و كنتُ أرى جسدي وردةً..
تحتَ أيِّ حذاءٍ..
يدوسُ عليهِ بأمرِ حذاءْ
لم تكنْ ذاتَ يومٍ بلاديْ
بلاديْ
وقفتُ على بابِ غرفتها..
أحرسُ العطرَ في شعرها..
و أفتِّشُ أنفاسَ مَنْ يعبرونْ
وما كنتُ أعلمُ أنَّ الزناةُ بها يفعلونْ
وكنتُ أصبُّ لهم مِنْ دمي في الكؤوسِ نبيذاً..
و هم بدمي يَسكرونْ
و كنتُ أقدِّمُ لحمي و عظمي..
لهم في الصحونْ
و هم يأكلونَ و لا يشبعونْ
و كانتْ بلاديْ
تنوحُ على نفسها و عليَّ..
و همْ يضحكونْ
و كانتْ بلاديْ
تلملمُ مِنْ تحتِ أقدامهم دمعها..
ثمَّ تنثرهُ في جميعِ العيونْ
و تسجِّلُ أسماءهم واحداً واحداً.
بأظافرها..
فوق جدرانِ كلِّ السُّجونْ
ليعرفَ أبناؤها شكلَ غاصبها..
عندما يكبرونْ
لم تكنْ ذاتَ يومٍ بلاديْ
و لكنها أصبحتْ ذاتَ يومٍ..
و أصبحتُ منها
فمنْ سيدافعُ غيريَ عنها ؟
قلم / حمزاتوف - منتديات الساخر