رسائل زائر
| | من روائع حجة العرب وأمير البيان | |
من مكتبتي اخترت لكم
الزعيم مصطفى كمال : " سيأتي يوم إذا ذكر فيه الرافعي ، قال الناس : هو الحكمة العالية ، مصوغة في أجمل قالب من البيان" الأستاذ العقاد : " إني كتبت عنه ـ أي عن الرافعي ـ أن له أسلوباً جزلاً ، وأن له من بلاغة الإنشاء ما يسلكه في الطبقة الأولى من كتاب العربية المنشئين " وقال عنه أحمد زكي باشا الملقب بشيخ العروبة: " لقد جعلت لنا شكسبير كما للإنجليز شكسبير، وهوجو كما للفرنسيين هوجو، وجوته كما للألمان جوته". إنه حامل لواء الأصالة , وأمير القلم واللسان ... رافع راية البلاغة وإمام البيان .. المتفرّد في كتابة الرسائل الأدبية التي يفوح منها عبق الحب والسمو والجمال وفصاحة اللسان .. ولمن أراد أن يعرف هذا العلم الشامخ من أعلام الأدب العربي فله في مجموعته خير دليل وبرهان ومن مكتبتي اخترت لكم من مجموعته الثرّة الغنيّة
أوراق الورد رسائلها ورسائله تأليف مصطفى صادق الرافعي الناشر دار الكتاب العربي بيروت – لبنان عدد الصفحات: 260 وقد جاء على لسان محمد سعيد العريان في مقدمته تحت عنوان كانت قصة حب "من أراد أوراق الورد على أنه قصة حب في رسائل لم يجد شيئا , ومن أراده تسلية وإزجاء الفراغ لم يجد شيء , ومن أراده نموذجا من الرسائل يحتذيه في رسائله من يحب لم يجد شيئا , ومن أراده ( قصة قلب ) ينبض بمعانيه على حاليه في الرضى والغضب , ويتحدث بأمانيه على حاليه في الحب والسلوان وجد كل شيء . إن أوراق الورد منجم من المعاني الذهبية , لو عرفه المتأدبون من شبابنا لوضعوا يدهم على أثمن كنز في العربية في معاني الحب والجمال يكون لهم غذاء ومادة في الشعر والبيان ". أما ما جاء على لسان أمير البيان مصطفى صادق الرافعي في مقدمة الكتاب عن سبب تسميته " أوراق الورد " "كان معها ذات يوم وردة لا أدري أيتهما تستنشي الأخرى فجعلت لها ساعة من حفاوتها تلمسها مرة صدرها ومرة شفتيها ... ثم دنت الشاعرة الجميلة فناطت ولادتها إلى عروة صاحبها فقال لها : وضعتها رقيقة نادية في صدري , ولكن على معان في القلب كأشواكها ..فاستضحكت وقالت : فإذا كتبت يوما معاني الأشواك فسمها (( أوراق الورد )) وكذلك سماها !..
وما أحسب حب هذا الشاعر وتلك الشاعرة قد كان في كل حوادثه إلا تأليفا من الأقدار لهذه الرسائل بمعانيها , حتى إذا كسيت المعاني ألفاظها , انبثقت كالنور وصدحت كالنغم وجاءت كإشراق الضحى , لتناسم الأرواح بعبارات صافية من روح قوية فرض عليها أن تحب , فلما أحبت فرض عليها أن تتألم , فلما تألمت فرض عليها أن تعبر , فلما عبرت فرض عليها أن تسلو ..!" فكانت رسائلها ورسائله التي تحدّث عنها من أرقى وأسمى فن المكاتبات والمراسلات في فلسفة الجمال والحب محاطة بفصول يعجز القارئ على فهم هذا الحب العجيب اليائس الذي كان من طرف واحد . ونراه ينادي على قلبه ليدوّن لنا التاريخ لغة الحب في أجل معانيها النفيسة بما فيها من شعل مضطرمة تلتهب بلهيب الشوق , وألم وعذاب الهجر كان لي قلب , فيا عجبي = ليس في جنبي سوى أثره ضاع من فابحثوا تجدوا = في ابتسام الحسن أو نظره ويحه قلبا أعيش على = صفوة عيشي على كدره يرتقي كالنسر ثم ترى = مرتقاه عين منحدره ***** ههنا قلب وحامله = ميت الأمن على حذره ذاب ذوب العطر مذ وقدت = للهوى نار على زهره ضرّه ما كان منفعة = نفعه ما كان من ضرره عابس كالليل . ليس به = أمل إلا سنا ( قمره ) *****وكأننا هنا نسمعه يردد أشعر بيت في الغزل من شعر المحدثين لبشار بن برد أنا والله اشتهي سحر عيني = ك وأخشى مصارع العشاق
أمير البيان في هذا الكتاب الفريد ينثر لنا خواطره ورسائله وهو يسمو بها فوق المادة ولا يأمل إلا أن يسجّل لنا خيالاته المستعرة من وحي الإلهام المنسجم فيما بينهما وما أجمل ما قاله : "أنت علمتني بحبك أن هذا الكون على اتساعه موضع خاص بقلبي وحده , فما اتسعت اللغة في مذهب تعبيرها ففي قولك إني أخطأت معنى خاص بي وحدي يا حبيبتي .. وإذا ابتسمت وقلت إني أخطأت , فتلك ألفاظ مبتسمة من دلالها , وإذا عبست وقلت إني أخطأت , فتلك ألفاظ متعنتة من دلالها , إذن فاعلمي أن في كلمات غضبك معنى كذلك أراه لي وحدي يا حبيبتي .. وكلام الكبير مع الطفل يكون بلغة واحدة وهو في الحقيقة بلغتين لمعنى عاجز في الطفل , وكلام الحبيب مع المحب بلغة واحدة هو كذلك بلغتين لمعنى قادر في المحب . فالمعنى المفهوم من إحدى اللغتين في قولك إني أخطأت , هو يا حبيبتي لي وحدي وكما أفهمه أنا وحدي ... وإدلالك عليّ برهان خاصيتك مني , فلم لا يكون اتهامك إياي برهان خاصيتي منك ؟ سأتذلل لك يا حبيبتي وسأرضيك وسأطيعك و... وسأخطئ ...!" ويختم رسائلها ورسائله بعنوان والسلام عليها فيعترف لها بأن الحقائق السامية التي تعشقها روحه وفكره لا يمكن لها أن تدخل عالم النسيان بالرغم من قسوة وألم الهجران ... " .. ولا أقول إن ما كان في النفس جنونا وعقلا من معاني الحب قد رجع في النسيان كالكلمة المكتوبة على ورقة حبس في الورقة معناها إلى أن يوجد من يقرؤه فيخرجه . ... ولا أقول إنه قد اختفى من ذلك الوجه برهانه الذي كان يقوم بسحره الساحر دليلا مقحما في كل قضايا الحبيبة المتناقضة , فلا تتوافى وهي متناقضة إلا على نتيجة واحدة هي أنها الحبيبة , مهما تأت أو تدع فليس بشيء منها على هوان . ... ولا أقول إن روضة الحب قد انتهت إلى أيامها المقشعرة التي تظهر فيها كل أشجارها حاملة من اليبس والتجرد إعلان آخر الفصل .. ... ولكني أقول ... والسلام عليها !" فكانت النتيجة أن امتزج الحب مع الأدب في فصول هذا الكتاب الرائع لنشهد تحفة ثمينة من أجمل كنوز الرسائل الأدبية
أمينة أحمد خشفة |
|