أبا ايبان تسلى بفكرة دولة فلسطينية شرقي الاردن وقال انه اذا اختفى الحسين من الساحة، “فلن تكون هذه نهاية العالم”. الرئيس الامريكي، ريتشارد نكسون اراد ارسال الجيش الاسرائيلي لمهاجمة الجيش السوري ولكنه تردد بين الجو فقط أم في البر ايضا، في شمالي الاردن أم في جنوب سوريا. في البنتاغون، حيث خطط التنسيق بين الجيشين قال موظف كبير ان من الافضل أن يعمل الجيش الاسرائيلي بداية والجيش الامريكي ينضم في المرحلة الثانية إذ في الترتيب المعاكس من شأن القوات الامريكية أن تظهر عديمة الوسيلة والجيش الاسرائيلي سيظهر كمن هرع لانقاذها.
كل هذا وقع في ايلول 1970، “ايلول الاسود” أو بلغة الجيش الاسرائيلي أزمة “الجمر”، التي بدأت بصدام اردني فلسطيني وانتهت بوفاة الرئيس المصري جمال عبدالناصر. وقد غطيت القضية بتوسع في مذكرات اللاعبين الرئيسين فيها، في الكتب وفي البحوث ولكن هذه السنة، دون انتظار الذكرى الاربعين صبت عليها الادارة الامريكية دلوا من الالوان في شكل ملف محاضر مشوقة للمباحثات، البرقيات والمكالمات التي رفعت السرية عنها.
الدروس لم تتقادم، إذ ان الصلات التي بين السياقات السياسية والحملات العسكرية تتواصل وفي الخلفية تحوم امكانية ان تستفز ايران القدس او واشنطن لتوجيه ضربة لها. وعلى هذا السبيل تتضح اهمية ايلول 1970 كنقطة انعطافة، سواء في التخطيط العسكري المشترك لاسرائيل والولايات المتحدة ام بوضع البنية التحتية لما اصبح بعد ثلاث سنوات من ذلك، في تشرين الاول 1973 القطار الجوي والبحري الامريكي لتسليح اسرائيل في حربها ضد مصر وسوريا. الوثائق تمنح وصف احداث ايلول 1970 بعدا جديدا، هام وراهن. في مركز الشهر متعدد التحولات كان اسبوعان وقفت فيهما المنطقة على شفا الفوضى، ولا سيما في ثلاثة ايام مصيرية، 20 – 22 ايلول. وهي تجعل ايلول الاسود حدثا جديرا بالتحليل المعمق. الشخصية الاسرائيلية المركزية ظاهرا هي شخصية السفير في الولايات المتحدة، اسحق رابين. مرجعية أمنية، رئيس أركان الانتصار في حرب الايام الستة، كان بعد سنتين ونصف السنة في واشنطن مقربا من الادارة ولا سيما من مستشار الامن القومي كيسنجر. الاتصالات بين الادارة ورئيسة الوزراء غولدا مائير التي مكثت في تلك الايام في نيويورك وكذا مع القائم باعمالها يغئال الون، وزير الخارجية ايبان ووزير الدفاع موشيه دايان، دارت اساسا من خلال رابين.
الرجل الاساس في الادارة كان كيسنجر. ومع انه كان لا يزال مجرد ضابط أركان، بعيد عن المكانة العالمية التي اقتناها في السنوات التالية، فقد تمكن من توجيه سياسة نيكسون في الاتجاه الذي يرغب فيه، ولكنه حرص على أن يوقع على ذلك مسؤولون اكبر منه وعلى رأسهم خصمه، وزير الخارجية وليم روجرز. تعقيد الازمة تنبع من الوضع في العالم (مواجهة امريكية – سوفييتية، وغرق أمريكي في حرب فيتنام)، من التخوف من أن يؤدي صدام بين الدول المرعية للقوتين العظميين الى تصعيد الدور المباشر للقوتين العظميين في حرب شرق اوسطية ومن الرغبة في اعطاء فرصة لمبادرة روجرز لوقف النار في حرب الاستنزاف بين اسرائيل ومصر ومحادثات غير مباشرة بينهما، دارت بوساطة مبعوث الامم المتحدة غونار يرنغ.
قبيل وقف النار، الذي أعلن في 7 آب 1970 توقفت النار، ولكن المصريين خرقوا بند تجميد الوضع وقدموا الى الامام صواريخ ارض – جو نحو قناة السويس. وقد فعلوا ذلك بتشجيع السوفييتيين الذين شارك طياروهم في الدفاع الجوي عن مصر بل ان خمسة منهم سقطوا في المعركة مع سلاح الجو الاسرائيلي.
ابن الكلبة هذا
الازمة بدأت في عملية جوية متزامنة قامت بها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي اختطفت اربع طائرات مسافرين لشركات غربية، وانزلتها في مطار اردني واحتجزت مئات المسافرين – بينهم اسرائيليون ذوو جنسية مزدوجة – كرهائن. ولم يرضَ الامريكيون من الوهن الذي ابداه الحسين في فرض سيادته على ياسر عرفات وعلى منافسيه من منظمات “الفدائيين”، وعملوا على اخلاء مواطنين امريكيين علقوا في المعارك في عمان.
في محادثاته مع مساعده العسكري الكسندر هيغ، ابدى كيسنجر استياءه من سلوك روجرز (“الفيلد مارشل ابن الكلبة”) ومساعده لشؤون الشرق الاوسط جوزيف سيسكو الذي اصبح لاحقا مساعد كيسنجر في ذات المنصب. “ابن الكلبة هذا سيكون على الخط مع روجرز في غضون ثانيتين”، حذر كيسنجر هيغ. مناورة مميزة لكيسنجر كانت الحديث مع رابين وتوجيهه لما يقول (وما لا يقول) لسيسكو. كيسنجر أخفى اجزاء من المعلومات عن رابين ايضا.
وهاكم جملة مشوقة من الاقوال من تلك الايام:
سيسكو لكيسنجر: “لتوي تحدثت مع رابين. حسب اقواله لا تقلق، لا تقلقوا، حل الظلام ولن نصطدم بعرب مستعدين للقتال في الليل”.
كيسنجر لسيسكو: “روجرز وأنا تحدثنا مع الرئيس، الذي لا يزال يميل الى تفضيل استخدام طائرات امريكية وليس اسرائيلية، اذا ما تحرك السوريون او العراقيون داخل الاردن”.
سيسكو: “ولكن روجرز يتساءل لماذا نفضل (الطائرات) الامريكية على الاسرائيلية”.
كيسنجر: “السؤال ليس ما الافضل، بل لمن يوجد سبب اكثر وجاهة للعمل – للامريكيين سيكون هذا تدخل اجنبي، بينما للاسرائيليين سيكون موضوع أمن قومي، وهم ايضا يمكنهم أن يصونوا النشاط بشكل افضل. مسألة اخرى هي خلف من تقف قوة ردع أكبر”.
مساعد وزير الدفاع دافيد بكارد: “كل ما تم في اعداد القوات داخل الولايات المتحدة سيتسرب. قد نتمكن من عمل شيء ما مع قوات في المانيا”.
كيسنجر: “الرئيس ليس متحمسا لاستخدام قوات اسرائيلية”.
مورر: “وقف النار (في القناة) سيطير من النافذة، اذا ما استخدمت قوات اسرائيلية”.
سيسكو: “الافضلية الاولى هي لاستخدام قوات اردنية، الثانية للامريكيين، الثالثة للاسرائييين”.
كيسنجر: “في الوضع الحالي في الاردن، لا أمل في مبادرة السلام. لا يمكن ان نطلب من الاسرائيليين التفاوض على تسوية حدودية مع حكومة لا تسيطر في بلادها”.
مورر: “اذا استخدمنا فرقة 82، ستكون لنا أربعة الوية، منها واحد في اوروبا، ولكن ستكون لنا مشكلة في المرحلة الثانية – قوة صمودنا محدودة. يحتمل ان نقف ايضا امام امكانية هجوم سوري وعراقي على لبنان وعلى الاردن”.
رئيس قسم العمليات، الجنرال ملفن زايس: “سرية اولى ستصل في غضون عشرين ساعة وباقي اللواء في اعقابها”.
كيسنجر: “سرية واحدة هل يمكنها أن تنجو؟”
زايس: “سنقرر لاحقا. أحد ما يجب أن يكون الاول”.
كيسنجر: “هل يمكننا الامر بتدريب مفاجىء، كتبرير لحالة التأهب؟”
زايس: “هذا لواء مع هدف مزدوج، منزل من الجو وبري. في اللحظة التي نبدأ فيها بتحميل المظليين واعداد الطائرات سنطلق اشارة”.
كيسنجر: “اذا لم نفرض الامرة على الفدائيين في الاردن، فان مبادرة السلام ستسقط. اسرائيل بحاجة الى حكومة تعمل حيالها ويكون بوسعها تنفيذ تعهداتها. احساس الرئيس هو سحق الفدائيين اولا. فهل يمكننا أن ننفذ عملية لتحسين مكانة الحسين؟ كم من الوقت سنضطر للبقاء؟”.
رئيس الاركان الادميرال تومس مورر: “لدينا خطة لحملة كهذه. السؤال هو ماذا يحصل اذا ما اتسعت. وباعتبار الاحتياجات في فيتنام فقد يكون من الصعب علينا تجنيد الذخيرة وعناصر اخرى. دوما نحن ملزن بالتفكير بالخطوة الممكنة التالية”.
كيسنجر: “هل يمكننا أن نفترض أن العراقيين والسوريين سيتدخلون”.
مورر: “الحذر يستدعي عمل ذلك”.
كيسنجر: “وعندها؟”.
مورر: “ندخل الى الاردن أربعة الوية، لمعالجة الوضع”.
رئيس الـ سي.اي.ايه ريتشارد هلمس: “هل معنى الامر ان في حينه نبقى في الولايات المتحدة دون احتياطي استراتيجي؟ هذا يذهلني”.
مورر: “صحيح، هذا كل ما لدينا”.
زايس: “لا توجد أي وحدة قائمة اخرى في الولايات المتحدة. يتعين علينا أن نقيم وحدة ونرسلها الى اوروبا للحلول محل اللواء هناك. اضافة الى ذلك، فان فرقة 82 ليست في وضع لامع. هي في مستوى جاهزية ب، أي 85 في المائة من الملاكات مأهولة”.
مورر: “ومع ذلك نبعثها”.
كيسنجر: “كيف ستتطور المعركة؟”.
سيسكو: “سنهبط في المطار ونتحرك من هناك، لمساعدة الجيش الاردني في تطهير المدينة. اذا تدخل العراق وسوريا، لا اعتقد ان اسرائيل ستجلس مكتوبة الايدي. المعنى هو في واقع الامر حملة امريكية اسرائيلية لمساعدة الحسين في العيش ضد الفلسطينيين، السوريين والعراقيين. العالم العربي باسره سيضطر الى دعم سوريا والعراق”.
كيسنجر: “اذا عمل الملك ضد الفدائيين دون دعم امريكي، فهل العراقيون سيتدخلون؟”.
سيسكو: “اذا تدخلوا، فسيتدخل الاسرائيليون، بناء على طلب الاردنيين، بقوات برية”.
كيسنجر: “هذه ستكون نهاية الملك”.
سيسكو: “صحيح، ولكن القوات الاسرائيلية افضل من الامريكية. الاسرائيليون والاردنيون سبق أن تحدثوا في ذلك”.
مورر: “دوما يمكننا ان نعطي الاردنيين مساعدة جوية من حاملات الطائرات”. (في السياق اعرب رئيس الاركان عن تخوفه من ان الطيارين الامريكيين الذين قطعوا الاتصال في المعارك الجوية مع السوريين، من شأنهم أن يقودوا اعداءهم الى حاملات الطائرات، التي ستهاجم من الجو).
قذائف وطائرات بالرزمة
كيسنجر: “اذا عملت اسرائيل لمساعدة الحسين فهذا سيكون يرضينا، واذا ما استعد السوفييت او المصريون للتحرك، فسنستعد لابقاء السوفييت في الخارج”.
سيسكو: “وعلينا أن نستعد لتزويد اسرائيل بالكثير من المعدات الاضافية إذ انها ستستهلك معدات كثيرة بسرعة”.
هلمس: “اذا كان الحديث يدور عن اربعة ألوية، تصفية احتياطنا الاستراتيجي، فهذا غير وارد، سياسيا”.
كيسنجر: “ولهذا يفضل قوات اسرائيلية. العنصر الناقص سيكون تظاهرة قوة امريكية تكفي لابقاء السوفييت والمصريين في الخارج”.
سيسكو: “لا اعتقد أن المصريين سيتدخلون ولكن سيتعين علينا ان نوفر طوق دفاع ضد السوفييت. في الوضع السائد في الاردن، ستحتاج اسرائيل ايضا الى علاوات لصيانة نفسها ضد العراقيين. وسنضيف الى الرزمة طائرات وقذائف. المصريون لا بد سيحركون صواريخ ارض – جو الى مقربة من القناة. ومعقول ان يكون الطيارون السوفييت اكثر تدخلا. وسيتعين على ناصر تشديد معركته ضد اسرائيل، على ما يبدو في اجتياحات تظاهرية صغيرة”.
هلمس: “يحتمل أن يقصف خط بارليف”.
سيسكو: “اذا عالج الفدائيين في الاردن، فالفدائيين في لبنان قد يعملون. بدون تدخل خارجي، سيعالجهم الجيش اللبناني جيدا، اذا حصل على معدات عسكرية اضافية، على الاقل حاملات جنود مجنزرة”.
كيسنجر: “بعد نهاية هذه الازمة قد نكون مطالبين بحسم مسألة هل نسحق أم لا نسحق الفدائيين”.
سيسكو: “التسوية السياسية لا تزال هي الوسيلة المفضلة على الفدائيين. اجزاء كبيرة في اوساط الفلسطينيين لا تزال تفضل الحل السياسي على الحل العسكري. ومع ذلك، يحتمل أن تغير نتائج الازمة موقفنا من العناصر الواقعية للتسوية. منذ سنين ونحن نقول للاسرائيليين بان مشروع الون لن ينجح. لعلنا ندرسه من جديد، باعتبار الظروف المتغيرة”.
كيسنجر: “اذا نشبت حرب أهلية في لبنان، كنتيجة لعملية فلسطينية ويطلب لبنان أن نتدخل، ماذا سيكون موقفنا؟”.
هلمس: “كان هذا جد أصعب في 1958. الان، مع الفدائيين كعنصر تعقيد…”.
كيسنجر: “اذا لم نفعل نحن ذلك، فهل نرغب في ان يفعله الاسرائيليون، او احد آخر؟ يجدر فحص الوثائق”.
هارولد سوندرز من مجلس الامن القومي: “كما تذكر، كان لنا خيار اسرائيلي”.
كيسنجر: “أليس لدينا شيء افضل من الاسرائيليين؟ لنفحص مرة اخرى الوثائق”.
من أي مصدر كان
في عشرين ايلول في الساعة 22:00 حسب توقيت واشنطن، 5:00 في صباح اليوم التالي في اسرائيلن اعلن كيسنجر لرابين بان الحسين يطلب، في رسالة نقلها من خلال السفير البريطاني في عمان ان يهاجم سلاح الجو الاسرائيلي المدرعات الاسرائيلية التي اجتاحت الاردن، احتلت اربد وتستعد للتقدم جنوبا. وفيما كانا يتحدثان، وصلت برقية ارسلت قبل ساعتين من ذلك من السفير الامريكي في عمان: “الحسين هاتفه ليطلب من نيكسون “تدخل مادي فوري في الجو وفي البر للحفاظ على سيادة، وحدة اراضي واستقلال الاردن. هناك حاجة لهجمات جوية فورية على القوات الغازية، من كل مصدر كان مضاف اليها غطاء جوي. أبلغونا رجاءا في أقرب وقت ممكن متى يمكن لقواتكم ان تنزل”.
كيسنجر، في حديث مع روجرز حلل طلب الحسين كدعوة لعملية جوية اسرائيلية وتدخل بري امريكي. روجرز وافق: لا مفر، سلاح الجو الاسرائيلي يجب أن يعمل والا سيتفكك كل شيء.
نيكسون لكيسنجر: “مهما يكن من أمر علينا أن نعمل، سواء نحن ام الاسرائيليين. خسارة أن ليس لدينا مزيدا من القواعد البرية. عمليتنا يجب أن تكون سريعة وحادة”.
كيسنجر: “وساحقة. محظور علينا أن نتورط مع السوريين الملاعين اولئك في حرب اخرى لثلاثة اشهر”.
نيكسون: “للاسرائيليين دوافع متداخلة. لديهم الان ايضا الرغبة والقدرة لجهاز الامن. هم يريدون ان يدخلوا وان يقعروا المنطقة بعض الشيء”.
كيسنجر: “هم يريدون ان يمزقوا السوريين بعض الشيء، الامر الذي لم يقع من نصيبهم حتى الان”.
نيكسون: “حبذا!”.
روجرز: “دايان اسف دوما انه لم يفعل هكذا في هذه الجبهة”.
ورطة الحسين، في نظر الامريكيين، كانت انه دون تدخل اسرائيلي سيفقد حكمه، ولكن نتيجة مشابهة كانت متوقعة ايضا لتدخل اسرائيلي، لان الملك سيندد به كعميل. نيكسون تردد أي عملية اسرائيلية افضل ضد القوات السورية – في الاردن، كما افترض التحليل العسكري ولكن مع خطر التعقيب السياسي في حالة عدم الانسحاب من المنطقة التي ستحتل، ام في جبهة الجولان لقطع خطوط التموين للقوة الغازية وانطلاقا من التخوف من أن يغرى السوفييت بالتدخل. في نهاية المطاف اختار البديل الثاني، “الافضل ان يهاجم الاسرائيليون سوريا”. رابين تحفظ. اذا كان الهدف هو تدمير القوة الغازية، فلا معنى لمناورات التمويه في جبهة اخرى.
الجيش الاسرائيلي، كما افاد الجنرال روبرت كاشمان من الـ سي.اي.ايه جند الاحتياط ونقل لواءين مؤللين الى الجولان. وقال الادميرال مورل: التجنيد لديهم لا يحتاج وقتا طويلا”. “بين 48 و 72 ساعة”، ادلى كيسنجر بدلوه. نيكسون طلب من اسرائيل ان تعلن، مع ادخال القوات الى الاردن بان ليس لها نية للاحتلال والضم ولكن لم يكن يهمه ان تنسى الميليشيات اذا تغير الوضع. “قل لهم انه ينبغي لهم أن يكونوا ظاهرين جيدا في البداية”، أمر كيسنجر. “اذا تفككت الامور يمكنهم أن يخلوا باقوالهم ونحن نقبل بذلك بتفهم”.
مساعد وزير الدفاع باكر قرأ مسودة بيان زعم انه اصيغ في القدس، ولكن عمليا كتب في واشنطن، ستتلوه غولدا مائير لتبرير “هجمات قوات الجو والبر الاسرائيلية على القوات من سوريا التي غزت الاردن، بدبابات من انتاج سوفييتي وعلى المستويات المساعدة لها”. بعد أن صاغ موقف اسرائيل ترددت قيادة ادارة نيكسون في الاعلان عن تأييدها أم مجرد الصمت.
الملك عاصف
بعد قليل من الساعة 21:00 استعد نيكسون للنوم المبكر كي يستيقظ منتعشا للقاء مع اعضاء الكونغرس. ونفد لكيسنجر الحبر في ذروة كتابة مذكرة، روجرز ذهب الى المرحاض – كل شيء موثق – وهيغ ابلغ كيسنجر بان الوضع في عمان يتضعضع. “اعتقدت أنهم يسيطرون في هذه البلدة النتنة”، عقب كيسنجر. “الملك حقق تقدما معقولا في عمان”، قدر مورر. “منذ اربعة ايام وهو يحقق تقدما معقولا”، هزء كيسنجر.
المعلومات من عمان لم تكن لا لبس فيها وفي واشنطن شككوا بمصداقية السفير هناك، دين براون. “الملك عاصف ومهزوز نفسيا”، قدر نيكسون. المقرب بين الموالين للحسين، زيد الرفاعي، “تحرك بين الروح المعنوية العالية وبين الاكتئاب جيئا وذهابا”، حذر سيسكو رابين. عندما نشر في الصحف بان الاردن طلب المساعدة، انفعل نيكسون في ضوء حقيقة ان “للاردن ايضا توجد مشكلة تسريب”.
ماذا عرف السوفييت؟ “لديهم مستشارون عسكريون في الوحدات السورية”، قال كيسنجر. “التأهب السوري لا بد صار معلوما لهم”. مسؤولان كبيران في وزارة الخارجية اختلفا معه: في الجيش السوري، خلافا للجيش المصري، المستشارون السوفييت يوجدون في قيادات اعلى، “ولنا كان مستشارون في فيتنام ومع ذلك لم نعرف كل نواياهم ولم نتمكن من التحكم بهم”.
التدخل الاسرائيلي لم يكن لازما. كان يكفي الردع ورفض حافظ الاسد، وزير الدفاع وقائد سلاح الجو، مساعدة القوات البرية التي بعث بها خصمه، الرئيس صلاح جديد؛ في غضون شهرين اسقط الاسد جديد. وفي الملفات بقيت مناشدة غير مسبوقة من رئيس امريكي لاسرائيل بارسال جيش لمساعدة دولة عربية وتعهد من جانبه، هو ايضا غير مسبوق، للدفاع عنها من تدخل سوفييتي في هذا السياق.
قبل أن تنتهي الازمة خططوا في وزارة الخارجية الامريكية لابلاغ السفارات في العواصم العربية التي يوجد فيها “تخوف على رجالنا”، ببداية هجمات لسلاح الجو الاسرائيلي “لاعطائهم انذارا مبكرا من بضع ساعات للاستعداد”. كيسنجر، العالم بخطر التسريب، تساءل اذا كان ممكنا توقيت الانذار مع بداية الهجوم ولكن الموظفين رفضوا التعهد بذلك.
ولما كانت الاجهزة لا تتغير مع الظروف، فان الاستنتاج هو أنه حتى لو اشركت اسرائيل ادارة اوباما مسبقا في أسرار حملة مستقبلية في ايران، من الافضل لها أن تحتفظ لنفسها بالعنصر الاهم – أي اللحظة الدقيقة لاطلاق القذائف الموجهة لضرب المنشآت الايرانية.
(أمير أورن – هآرتس )