وقائع المفاوضات السياسيّة ومحاضر تُنشر للمرّة الأولى
االأخبار-ابراهيم الأمين
مضى عام على عدوان إسرائيل في تموز عام 2006، وحتى اليوم لا يزال طرفا المعادلة الداخلية يتبادلان الاتهامات حول المسؤولية السياسية عن الأخطاء التي أفاد منها العدو مباشرة، أو من خلال وكيله الدبلوماسي الأميركي. هناك الكثير من المواقف مقابل القليل من المعطيات والوقائع عمّا دار في الغرف المغلقة، وخصوصاً ما يتصل بالموقف الأميركي وتسلسله التراجعي، وكذلك حال موقف الرئيس فؤاد السنيورة بما يمثّله في تلك اللحظة من موقع سياسي ورسمي
لم تكن المقاومة الإسلامية قد أصدرت بيانها عن نجاح مجموعاتها في أسر جنديين إسرائيليين قرب الحدود مع لبنان، حين باشرت السفارة الأميركية في بيروت الاتصالات. كان الوقت لا يزال ولش في لبنان (أرشيف)مبكراً في العاصمة الأميركية. لكن خطوط الهاتف الساخنة لا تبقي أحداً غارقاً في نومه. والنشاط المباشر والمكثف الذي أجرته السفارة الأميركية في تل أبيب أيقظ الجميع، وتعامل بنشاط مع الناشطين أصلاً من الزملاء في بيروت.
تبلغ الرئيس فؤاد السنيورة المعلومات أول بأول من الأجهزة الأمنية ومن معاونين. كان سؤاله الأول عن ردة فعل إسرائيل. لم يكن قليل الغضب وهو يتواصل مع أركان 14 آذار ومع المقربين في الحكومة. لكن الوقت مرّ بسرعة حين دعي الجميع الى متابعة المؤتمر الصحافي للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أكد فيه العملية ولفت انتباه الجميع في لبنان وخارجه الى استعداد المقاومة للمواجهة، بعدما شدد على أن أبعاد العملية محصورة في انتزاع حرية الأسرى الموجودين لدى العدو.
حسين الخليل، المعاون السياسي لأمين عام حزب الله السيّد حسن نصر اللهتسارعت الاتصالات مع ساعات المساء. كانت الإدارة الأميركية طلبت مباشرة من الرئيس السنيورة ومن قادة 14 آذار إدانة العملية، وذلك لتجنب ردة فعل إسرائيلية. لم يكن الأمر سهلاً على فريق السلطة. لكن المخرج كان في الموقف الذي أعلنه بعد الجلسة الحكومية الوزير غازي العريضي والذي كرره الرئيس السنيورة مراراً بعد ذلك، «لم نكن على علم بما جرى ولسنا المسؤولين عنه». كان السنيورة يبرّر هذا الموقف بأنّه لتفادي مواجهة شاملة، ويقول مقرّب منه ربما كان هناك احتمال بعدم شنّ إسرائيل حرباً لو أن حزب الله قبل بعد ذلك تسليم الأسيرين للحكومة وترك أمر مبادلتهما بالأسرى اللبنانيين الى الرئيس السنيورة. لكن المقرب نفسه الذي يكره حزب الله ولا يعارضه فحسب، كان يعرف أن الأمر أكبر من ذلك، وأن الحديث يدور عن أمر كبير في طريقه الى لبنان.
14 آذار والاستعداد للحصاد
ومع أن فريق 14 آذار، وفي واجهته الرئيس السنيورة، أطلق ما يكفي من المواقف غير الراضية عن عملية المقاومة، إلا أن كل هؤلاء كانوا في انتظار كلمة السرّ الآتية هذه المرّة مباشرة من السعودية: «إنّها مغامرة غير محسوبة تعرّض لبنان للخطر»، كانت هذه العبارة كافية لإطلاق العنان لكلّ ما تلاها من مواقف وتحرّكات، ليتبيّن لاحقاً أنّ الإدارة الأميركية كانت على صلة بكل بيان وبكل موقف، حتّى قبل وصول وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. وبعد ساعات قليلة على قصف العدو مطار بيروت الدولي، جاءت الإشارة العملانية إلى أن شيئاً كبيراً سوف يحصل، من السعودية نفسها عندما صدرت أوامر إخلاء السفارة وإجلاء الرعايا مباشرة عن طريق دمشق.
ويروي مرجع سياسي بارز أن بعض قادة 14 آذار لم يخفوا ما في صدورهم وما في جعبتهم، إذ سارع النائب السابق فارس سعيد الى إبلاغ مساعدين للعماد ميشال عون بأنّ فترة السماح انقضت، وأنّ ساعة الحساب اقتربت، وأنّ ما سوف يحصل سيعيد ترتيب الأمور بطريقة مختلفة. لم يكن سعيد يجتهد أو يحلّل، بل كان يردّد ما قاله في ذلك اليوم النائب وليد جنبلاط لزوّاره، ومن بينهم إعلاميّون: إنّ ما حصل من قبل حزب الله سوف يفتح نار جهنّم عليه، ولن يكون بمقدور أحد مساعدته، وسوف يدفع هو وكلّ من يحالفه، وحتى النظام السوري، الثمن باهظاً. سارع جنبلاط إلى تهدئة جمهوره المتوتّر أصلاً، وطلب إليهم الاستعداد لاستقبال النازحين. وكلما كانت العمليات الحربية تشتدّ، كان فريق 14 آذار يرفع من سقف تضامنه الإنساني مع أبناء الجنوب، ويرفع من سقف حملاته السياسية الانتقادية.
سعد الحريري نفسه سارع إلى التلويح بأنّ الحساب آتٍ بعد توقّف الحرب. كان الرجل شديد الوثوق من أنّ المقاومة سوف تدفع ثمن فعلتها على يد إسرائيل أوّلاً، ومن ثمّ على يد بقية اللبنانيين. وهو لم يخفِ في اتّصالاته مع شخصيات وصحافيين لبنانيين توقّعه حصول تطوّرات كثيرة في أيّام قليلة.
وخلال الأيّام الأولى للحرب، كان الحريري محتفظاً بخط الاتصال المباشر مع قيادة حزب الله. وأبلغ قيادة الحزب بأنّ الأمور سوف تكون أصعب إذا لم تحصل مبادرة سريعة من خلال تسليم الأسيرين إلى الرئيس السنيورة. وأصرّ على طلبه ملمّحاً في أحد الاتّصالات إلى أنّ الخطوة سوف تسمح بتخفيف الضغط، إن لم توقف الحرب نهائياً.
رايس... غير مستعجلة
وحده الرئيس السنيورة لم يكن يتصرف من تلقاء نفسه. كان هاتفه لا يتوقف عن العمل. تواصل مع كل من وصل إليه من قادة العالم أو المؤثرين في القرار. وكان في كلّ مرّة ينهي فيها اتصالاً، يزداد غضباً: ليس في العالم من يقف معنا، على حزب الله أن يبادر فوراً إلى تسليم الأسيرين، ولن يكون هناك أيّ كلام قبل هذه الخطوة.
شعر السنيورة بأنّ الأمر سيطول. اتصالاته المتتالية بوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، وما كان يتلقّاه من السفارة الأميركية في بيروت، كان يُختصر بما مفاده: لسنا مستعجلين على أي خطوة قبل حصول أمرين: أن تقول اسرائيل أنها حققت وضعاً ميدانياً يتيح لها التفاوض براحة، وأن يبادر حزب الله الى تقديم إشارات الاستسلام من خلال نقل الجنديين الأسيرين الى مكتب رئيس الحكومة.
لم يكن كافياً إطلاق مجلس الوزراء موقفاً يسحب فيه الغطاء عن عملية المقاومة. كان الأميركيون يرون في الأمر تحصيل حاصل، وأن المطلوب الآن العمل على منع تكرار الأمر من خلال القبول بآليات تؤدي الى سحب سلاح حزب الله. لم يكن فريق 14 آذار ممانعاً، لكنّه كان يرى في الأمر مشكلة، وكان يريد من الخارج مساعدته على ذلك.
كانت الجبهة لا تزال مشتعلة. السنيورة والفريق الحاكم يعتقدون أنّ المقاومة في حالة تراجع، وأنّ الجيش الاسرائيلي يتقدم نحو تحقيق نصر حاسم، فيما تشير المداولات الجارية في الأمم المتحدة وفي عواصم القرار إلى أنّ لإسرائيل الحق في أخذ الوقت الكافي لإنجاز المهمّة.
انتقل السنيورة، بدوره، إلى فكرة «الحلّ الشامل». كان يشرح وجهة نظره بأنّه طالما حصل ما حصل، فإنّه لا يمكن العودة إلى ما كنّا عليه قبل 12 تموز. كان يتحدّث عن ضرورة إنجاز ترتيبات تمنع تكرار الأمر. وكان يشرح بصراحة: لم نعد نقدر أن يبقى حزب الله حرّاً في خطواته هذه. سلاحه لم يعد محلّ إجماع وطني. وهو يقدم على خطوات لا علاقة لها بلبنان، بل باستراتيجيا خارجية، ولسنا لنقبل بأن يحصل وقف لإطلاق النار من دون التوصّل إلى حلّ شامل: انسحاب اسرائيلي من شبعا وإطلاق المعتقلين والعودة الى اتفاقية الهدنة مقابل سحب سلاح المقاومة وحل البنى العسكرية والأمنية التابعة لحزب الله، على أن تتولّى قوات دولية، الى جانب الجيش اللبناني، تنفيذ هذا الأمر. كانت هذه فلسفة السنيورة التي مهّدت لاحقاً لفكرة النقاط السبع.
«الفهدة» في بيروت
تهبط المروحيّة الأميركيّة التابعة لقوات البحرية المارينز في لبنان، ومنها تنتقل الوزيرة رايس ومساعدها دايفيد ولش وأعضاء آخرون في وفدها الى مجموعة اللقاءات المعدة لها. اليوم هو 24 تموز 2006، وفيه تمهّد اسرائيل لمعركة في بنت جبيل تطيح أية مفاعيل سياسية يمكن ان تحملها رايس في زيارتها تل أبيب، ويفترض بهذه المعركة البرية في بنت جبيل أن تسهّل ممارسة رايس ضغوطاً على المفاوض اللبناني، وتحديداً على مفاوض المقاومة المكلّف من حزب الله التحدّث باسمه، الرئيس نبيه بري. ويفترض أيضاً أن تحوّل كثافة النار في الجنوب الكلامَ إلى وجهة تأكيد تكريس انتصارات عسكرية إسرائيلية تحقّقت (أو يفترض رئيس الحكومة الإسرائيلية أنه سيحقّقها) يوم 25 تموز في الميدان العسكري، وهو اليوم الذي ستصل فيه رايس الى تل أبيب. ولن تُكرّس هذه الانتصارات المأمول حصولها إلا عبر تحقيق كل المطالب الإسرائيلية.
قبل وصولها الى بيروت وهي على متن الطائرة التي أقلّتها الى قبرص، تؤكّد رايس للصحافيين موقفاً متشدداً، تنقله كل وسائل الإعلام: لا بد من استخدام اتفاق الطائف والقرار الدولي الرقم 1559 لتحقيق السلام في لبنان، وهي تشير صراحة الى نزع سلاح حزب الله وانتشار الجيش اللبناني على كل الأراضي اللبنانية. وربطت رايس بشكل مباشر بين وقف إطلاق النار وإيجاد الأسباب لديمومته، ومنها إطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى حزب الله.
وفي بيروت كان الرئيس السنيورة من بين قلّة تتوقّع وتعلم بزيارة رايس، وهي كانت حادثته يوم 23 تموز هاتفياً، فيما باقي القوى والأطراف اللبنانية لم تعلم بالزيارة حتى إعلانها في وسائل الإعلام. وكان في استقبال رايس وزير الخارجية فوزي صلوخ، وانتقلا معاً لتبدأ المباحثات عند الساعة الثانية وعشر دقائق بين رايس والوفد المرافق لها، والسنيورة وفريقه الذي ضم، إضافة الى وزير الخارجية، المستشار محمد شطح وعدداً من المختصين، وانتهت عند الرابعة وعشر دقائق. غادرت رايس السرايا من دون الإدلاء بأي تصريح، إلا أنها أطلقت لاحقاً تصريحاً مقتضباً عن قلقها «على الوضع الإنساني في لبنان»، أُذيع مباشرة قبيل وصولها الى منزل رئيس مجلس النواب.
قالت رايس خلال الاجتماع إن العالم يقف الى جانب لبنان وحكومته، ولكنّ توقف الحرب يتطلب تنفيذاً فورياً للقرارات الدولية، وخصوصاً القرار 1559: عليكم الاستعداد لنشر قوات دولية جديدة على طول الحدود مع إسرائيل، ونشر قوات كبيرة من الجيش اللبناني هناك، ونزع سلاح حزب الله.
وعندما تحدث السنيورة عن الجرائم التي ترتكب وضرورة الضغط على اسرائيل لوقف إطلاق النار، كان لا يخفي في الآن نفسه موقفه من «الحل الشامل»، فتحدّث عن إخلاء مزارع شبعا، وعن الاستعداد للعودة الى اتفاقية الهدنة مع نقاش جديد لبنودها.
في عين التينة
وزير الخارجية فوزي صلوخ (أرشيف)وفي عين التينة كان الرئيس نبيه بري بانتظارها، وكانت الأعمال الحربية المتواصلة لليوم الثالث عشر تلقي بظلالها على قصر الرئاسة الثانية. وكان بري قد استقبل ذلك الصباح السفير السعودي الذي كان يقوم بحركة دبلوماسية واسعة.
دخلت رايس وكان برفقتها مساعدها ديفيد ولش والسفير في بيروت جيفري فيلتمان وآخرون. وهي باشرت عرض «سلة
شروطها»:
1 ـــــ حل حزب الله وإنهاء كل أشكال وجوده العسكري والمدني والمؤسساتي جنوبي نهر الليطاني.
2 ـــــ يُجدّد عمل قوات الطوارئ لشهر واحد، وتُرسل وحدات من القوات المتعددة الجنسيات الى المنطقة برفقة آلاف من عناصر الجيش اللبناني.
3 ـــــ يُعلن وقف للعمليات العسكرية خلال هذه المدة، وبعد فرض الأمن يعود النازحون الى بلداتهم.
لم يكن نبيه بري القلِق بحاجة إلى من يغضبه، حيث كان بادياً عليه، منذ لحظة استقباله رايس، أنه غير منشرح، وهو ردّ سريعاً على رايس: «هذا ليس مشروعاً للحل، بل مشروع لتخريب البلاد. ولن يكون هناك أي مجال للحل إلا بعد وقف تام لإطلاق النار وعودة فورية للنازحين، وبعدها ينتشر الجيش بمساعدة قوات الطوارئ وحدها. وأنا أضمن عندها ان يحصل التبادل ويُطلق الجنديان الاسرائيليان مقابل إطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين».
إلا أن رايس أجابت بسرعة: لسنا هنا في معرض بحث ملف الأسيرين.
ولم يفوّت بري الفرصة لتأكيد الطروحات والمطالب اللبنانية قائلاً: «وماذا عن مزارع شبعا المحتلة».
رايس: هناك حل لها.
ولش وجنبلاط في بيروت (أرشيف)بري: لم أفهم كيف يتم الأمر.
رايس: هناك حل، ولكن ما طرحته لا ينجح (مشيرة الى طرح بري حول وقف النار وقوات الطوارئ وعودة المهجرين).
بيد أن بري الذي يعرف أن ما تطرحه رايس لن يمر في لبنان، توجه بحديثه الى السفير جيفري فيلتمان الذي كان ضمن الوفد المرافق: سيد جيف، أنت تعرف لبنان، هل تعتقد أن ما طرحته وزيرة الخارجية قابل للحياة؟
لم يجب الأخير، وتابع بري متحدثاً إلى رايس: «هل تعتقدين أن أموراً كهذه يمكن ان تحصل من دون كلام مباشر مع سوريا وإيران؟».
رايس: نحن لا نتكلم مع سوريا، ربما هناك أصدقاء لنا يقومون بهذه المهمة.
يقف بري متجولاً في الغرفة، ويظهر لضيفته القدر الكبير من الغضب. ولا تلبث رايس أن تقول: «اسمع دولة الرئيس، هل تريد ان تساعدنا على حل المشكلة أم ماذا؟ الكل يريد التخلص من سلاح حزب الله، والعالم كله يقف الى جانبنا، بما فيه الحكومات العربية».
يلتفت إليها بري: «ربما كان ما تنسبينه الى الحكومات صحيحاً، ولكن هل تعرفين أن رأي الشعوب العربية مخالف تماماً؟ الناس يرون في حزب الله الآن رمزاً لكرامتهم، والسيد نصر الله اليوم له حضور يضاهي حضور جمال عبد الناصر لدى الجمهور العربي».
تبدو الأجواء أكثر توتراً. تلتفت رايس الى مساعديها وتقف مستعدة للخروج. تجري مصافحة باردة مع ابتسامات لا توحي بشيء. وأثناء الخروج من مقر عين التينة، يقترب ديفيد ولش من مسؤول العلاقات الخارجية في حركة أمل علي حمدان ويقول له بصوت خافت: «اسمع، ربما لم يتبلّغ الرئيس الرسالة بوضوح. يجب أن ننهي هذه المسألة، وقل له إن ملف مزارع شبعا سوف يكون ضمن سلة الحل».
غادرت رايس متوجهة الى مقر السفارة الأميركية في عوكر. وعلى الطريق تحدثت مع السنيورة، وأبلغته بأنه يجب العمل بقوة على الرئيس بري، وعدم التوقف عن الضغط عليه لأجل القبول بالشروط، وإلا فإنّ الحرب سوف تستمر وسوف تعنف.
لفت السنيورة انتباه المسؤولة الأميركية الى ان الحل الشامل يفترض علاجاً للمسألة من أساسها. أعطت رايس إشارة إلى أنها لم تستوعب، فردّ السنيورة: يجب أن ننزع كل ذريعة. يجب العمل بقوة على ملف مزارع شبعا، وهي مسألة حساسة بالنسبة إلى الرئيس بري. وطلب إليها إبلاغه موقفاً واضحاً في هذا الشأن. وافقت رايس وطلبت من السنيورة تولّي هذه المهمة.
بعد نصف ساعة، اتصل رئيس الحكومة برئيس المجلس النيابي قائلاً: يبدو أن هناك التباساً في شرح الوزيرة الأميركية. أنا متأكد من أن ملف مزارع شبعا سوف يكون ضمن الحل الشامل.
استسلام... لطيف
السنيورة ورايس (أرشيف)بعد وقت قصير من ذلك اليوم، وبينما كانت رايس في السفارة الاميركية في عوكر تلتقي قيادات 14 آذار، كان السنيورة قد وصل الى عين التينة حاملاً الى بري، اقتراح الحل الذي يفترضه عملياً، وفيه:
1ـــــ توجه الحكومة نداءً الى الحزب لتسليمها الأسيرين الإسرائيليين.
2ـــــ تعلن الحكومة أن الأسيرين صارا بحوزتها، فيتم إعلان وقف لإطلاق النار وفك الحصار البحري والجوي والبري.
3ـــــ تبدأ فوراً مفاوضات سريعة ومكثفة لتبادل الأسرى والمعتقلين بين إسرائيل والحكومة اللبنانية.
4ـــــ يباشر عناصر حزب الله الانسحاب الى خلف نهر الليطاني.
5ـــــ تباشر إسرائيل الانسحاب من مزارع شبعا وتتوقف عن أي نوع من الخروق للسيادة اللبنانية.
6ـــــ يتم إرسال قوات كبيرة من الجيش اللبناني الى المنطقة الجنوبية، ويصدر قرار في مجلس الامن بتعزيز قوات اليونيفيل وتفعيل عملها في تلك المنطقة.
7ـــــ يعلن لبنان وإسرائيل العودة الى اتفاقية الهدنة الموقعة عام 1949 ويفتح نقاش حول البنود الواردة فيه مع انفتاح على تعديل ما يجب تعديله.
يستمع بري الى رئيس الحكومة الذي يلفته إلى انه مضطر خلال 3 ساعات الى السفر متوجهاً الى روما، وهو يريد جواباً سريعاً. يقول له بري إنه سوف يشاور قيادة حزب الله ويبلغه بالجواب. يخرج رئيس الحكومة من عين التينة، وبري يزداد غضباً. فيرسل على الفور الأفكار التي حملها رئيس الحكومة الى الحاج حسين الخليل الذي كان وسيطاً بينه وبين السيد حسن نصر الله.
لم يمض الوقت الطويل حتى يتسلم الأخير الأفكار، وما إن اطلع عليها حتى عمد فوراً الى تحديد الرد، وبعث به الى الرئيس بري وفيه:
1ـــــ يتم الاعلان فوراً عن وقف لإطلاق النار ومباشرة إسرائيل الانسحاب الى خلف الحدود الدولية.
2ـــــ إن المقاومة لا تمانع في انتشار سريع للجيش اللبناني جنوبي وشمالي النهر، وفي أي مكان يريده.
3ـــــ يقر الحزب بوقف كل أشكال الوجود العسكري العلني. وتُحدَّد مهمة أي قوة إضافية لقوات الطوارئ ضمن آليات تمنع عليها القيام بأعمال تفيد إسرائيل.
4ـــــ إن الأسيرين لن يخرجا من يد المقاومة، ويمكن تكرار تجربة التفاوض السابقة على أشلاء لجنود من العدو حين تولى الرئيس الراحل رفيق الحريري الأمر، من خلال إطار تفاوض تم الاتفاق عليه مع الحزب، وجرت الأمور يومها بسهولة وتم التوصل الى حل.
وأبلغ نصر الله بري عبر الحاج حسين خليل بأن هناك من يريد وضع الشروط بطريقة تجر البلاد الى حرب داخلية، وهو أمر لن يحصل. ولتستمر الحرب مع العدو الى أبد الآبدين.
استراتيجية المقاومة
لم يكن بري يتوقع جواباً مختلفاً. وهو استعاد في هذه اللحظة دقة الأوضاع، وكذلك النقاش الإضافي مع قيادة حزب الله الذي مهّد لوضع «استراتيجية المقاومة» خلال التفاوض، وتقوم على الآتي:
1ـــــ رفض البحث نهائياً في أي فكرة تقول بإرسال قوات متعددة الجنسيات الى لبنان، ومنع أي نقاش حول اللجوء الى الفصل السابع في أي قرار دولي جديد.
2ـــــ موضوع الأسرى لن يحل إلا من خلال تفاوض غير مباشر وآلية تبادل كالتي يعرفها الجميع.
3ـــــ الجيش اللبناني موضع ترحيب في أي وقت وفي أي مكان. وتوفر له كل انواع المساعدة بما في ذلك المساعدة اللوجستية.
4ـــــ لا مانع من تعزيز عناصر قوات الطوارئ الدولية ولكن من دون أي تعديل لمهامها.
5ـــــ لا مجال لأي نوع من وقف إطلاق النار ما دام هناك جنود للعدو على الاراضي اللبنانية. وأقل ما يمكن القبول به هو العودة الى الوضع الذي كان قائماً قبل 12 تموز.
6ـــــ رفض وقف إطلاق النار على مراحل. وضمان عودة فورية وكاملة لكل النازحين الى قراهم وبلداتهم دون أي تأخير.
7ـــــ رفض أي نقاش أو أي تعهد شفهي أو خلافه أو أي نص يتناول سلاح المقاومة، واعتبار الأمر محصوراً في أيدي القوى اللبنانية حصراً.
8ـــــ تنظم المقاومة بنفسها حركة رجالها في أي منطقة. ولا يمكن القبول بأي آليات من شأنها التدخل في هذا الأمر. ولا مجال لأي نوع من التفاوض حول هذه المسألة.
9ـــــ على المجتمع الدولي إقناع إسرائيل بالخروج الفوري من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. ويُرفض أي نوع من البحث الذي يقود الى وضعها تحت الوصاية الدولية.
10ـــــ التزام الحكومة والرئيس السنيورة بتحرك عاجل عربي ودولي من أجل إلزام إسرائيل تحمّل مسؤولية الدمار الذي حصل، وإجبارها على دفع التعويضات كاملة.
بادرة دعم للسنيورة
في هذه الأثناء، كان مصدر أميركي مرافق لرايس في زيارتها يتحدث عن أن هذه الزيارة «تشكل بادرة مهمة من رايس لإعلان دعمها للشعب اللبناني وحكومة السنيورة»، بينما كان رئيس الوزراء البريطاني حينها طوني بلير يصرّح بـ«أن ما يحصل في لبنان كارثة ستسيء إلى البلد وتضعف ديموقراطيته».
غادرت رايس بيروت مساء الاثنين في مروحية عسكرية أميركية متوجهة الى قبرص مجدداً حيث ستنتقل منها الى تل أبيب. وسمح رئيس مجلس النواب، الذي تنوعت أسباب غضبه، لمصدر مقرّب منه بالتسريب الى وسائل الإعلام أنه «لم يحصل اتفاق» مع وزيرة الخارجية الاميركية على الطروحات التي تقدمت بها. وقالت المصادر «لم يحصل اتفاق بين الطرفين بسبب إصرار رايس على أن تكون كل عناصر الحل في سلة واحدة». وأضافت «لقد رهنت وقف إطلاق النار بنشر قوة دولية عند الحدود مع إسرائيل وبأن لا يكون لسلاح حزب الله وجود جنوبي نهر الليطاني وبأن تتم عودة النازحين لاحقاً».
صدرت الصحف اللبنانية في اليوم التالي تحمل العناوين المتشائمة. «النهار» قالت في عناوين صفحتها الاولى: لقاء سلبي لرايس مع بري، والسنيورة يطرح الثوابت ويرأس الوفد الى مؤتمر روما، «سلة رايس»: جنوبي الليطاني منطقة عازلة وقوات دولية.
النقاط السبع
كان السنيورة قد سافر الى روما. انتقل من بيروت إلى قبرص بالمروحية. لم تنفع كل الوساطات في فتح ممرّات آمنة للسفر ولمواد الإغاثة. وكانت رايس قد وعدت بتسهيلات في هذا الشأن دون نتائج مهمة. وفي الطائرة التي أقلّته من قبرص، كان الوزير فوزي صلوخ يراجع مع السنيورة الأوراق المبعثرة أمام رئيس الحكومة حول النقاط التي طرحتها رايس، والنقاط التي أبلغها بري للسنيورة. وفي السادس والعشرين من شهر تموز، أطلق الرئيس فؤاد السنيورة في افتتاح مؤتمر روما مبادرة ما سيعرف لاحقاً باسم النقاط السبع.
... وجلسة النقاط السبع
وفي 27 تموز، عقدت جلسة في مقر مجلس الوزراء المؤقت برئاسة الرئيس إميل لحود وبحضور السنيورة، جرت خلالها مناقشة النقاط السبع، وما تم من اتصالات في مؤتمر روما. وتم الاتفاق على أنّ ما طرحه السنيورة هناك هو «عناوين عامة، وعندما تطرح بالتفصيل فإنّها ستناقش في مجلس الوزراء، وهو من سيتخذ القرار المناسب
بشأنها».
طلب الوزير محمد فنيش الكلام. وأبدى ملاحظات تضمّنت التأكيد على أن ما هو معروض الآن لا يمثّل قراراً رسمياً صادراً عن الحكومة، بل مجرد أفكار قابلة للنقاش بنداً بنداً. سجّل ذلك في المحضر، ثمّ دارت مناقشات حادّة قبل أن يتدخل الرئيس لحود: اسمعوا، سوف ننقسم هنا، ونخرج من دون اتفاق، وسيؤثر ذلك على صورة الموقف اللبناني، فيما العدو يواصل الحرب. لنتّفق على موقف موحد. ثم كان الاتفاق بأن الأمر يبت نهائياً في وقت لاحق. وانتهت الجلسة بإعلان وزير الاعلام غازي العريضي المقررات الرسمية، وتأكيده على وحدة الحكومة والموقف الوطني في مواجهة الحرب التي تشنّها إسرائيل على لبنان.
التقى بري في إطار متابعته لمؤتمر روما الرئيس السنيورة. وقال بري «إن مؤتمر روما قد فشل»، وإن «مقياس نجاح مؤتمر روما كان يدور حول نقطة معينة وهي: هل ينجح المؤتمر في الوصول الى وقف إطلاق النار، وما لم يصل الى هذا الامر فمعنى ذلك الفشل».
بري في الميدان
في هذه الأثناء، شعر بري بأن فريق السنيورة والأميركيين لا يريدون أي حل. هم يريدون فقط الضغط. وهو بات رافضاً لمجاراتهم: «سكرت معي، اذهب أنت وفاوضهم، لن أتحدث معهم بعد اليوم». هذا ما أبلغه بري الى الحاج حسين الخليل الذي رد بأن القرار في الحزب هو أن التفاوض يتم فقط عبر الرئيس بري، وأن كل من يتصل يسمع هذا الجواب.
فجأة، يرسل بري بطلب معلومات عما يدور على الجبهة وحقيقة الوضع الميداني، ويضع السيد نصر الله في أجواء الضغوط القائمة، ما دفع بنصر الله الى خطوة سريعة:
قرابة منتصف الليل، بعد 26 تموز، يصل الحاج حسين الخليل فجأة الى عين التينة. يصعد الى ملاقاة بري في منزله لا في مكتبه. يكون الأخير في ثياب النوم. يسأله عمّا يجري، ويقول له الخليل: «أنقل لك تحيات السيّد وقيادة الحزب. وأريد أن أبلغك أن الأمور تسير وفق ما نراه مناسباً. المعارك مستمرة في الجنوب، والمجاهدون يواصلون ضرب القوات الاسرائيلية عند كل نقاط الحدود. والاشتباكات تدور على بعد أمتار قليلة. خرجت إليهم قذائف الكورنيت والدبابات تتفجر واحدة تلو الأخرى. قصف المستوطنات سوف يزداد يوماً بعد يوم، واليوم اتخذ القرار بتوسيع دائرة القصف، وسوف تقوم المقاومة بضرب أهداف جديدة في جنوبي حيفا وشمالي تل ابيب. ولن يكون هناك مكان آمن في إسرائيل. المجاهدون يسمعون صراخ الجنود الإسرائيليين وعويلهم. بدأ الارتباك يسيطر على العمل العسكري والسياسي في إسرائيل. والتخبط واضح في سلوك القيادات الميدانية. لقد تورطوا الآن في قرار الحرب البرية. لن ينجحوا في احتلال قرية واحدة. المبادرة كلها باتت بيد المقاومة.
بدأت ملامح بري تتغير. قفز وصار يهتف: من الأوّل قل لي ذلك، ردّيت لي روحي.
وتابع الخليل: الفرنسيون يضغطون للتفاوض المباشر معنا. هم يتصلون الآن بالسيد نواف الموسوي وهو يجيبهم: اذهبوا الى الرئيس بري. ممثل كوفي أنان في لبنان غير بيدرسون قصد الحاج وفيق صفا وأبلغه أن الوضع الميداني الاسرائيلي مربك للغاية، وأن التخبط بدأ يسود صفوفهم. وهو يعرض حلاً سريعاً من خلال وقف فوري لإطلاق النار يستمر مدة اسبوع، على أن تبقى الامور على حالها من حيث الانتشار، وبعدها يصار الى تحقيق الأمور الأخرى. ونحن أجبنا بأن لا وقف لإطلاق النار قبل انسحاب كامل والعودة الى ما قبل 12 تموز.
بعد هذا اللقاء، سارع بري للتأكيد عبر الإعلام العالمي أن لبنان لا يوافق على قوات دولية «لأننا لسنا بحاجة إليها»، داعياً الى نشرها في إسرائيل. ورد على سؤال عن نزع سلاح حزب الله بالقول «هم يريدون نزع سلاح حزب الله ونحن نريد نزع سلاح إسرائيل». كانت السخرية السوداء التي يطلقها بري تشير الى غضبه من ناحية، وثقته بأن المقاومة لا تزال صامدة وتملك المبادرة على الأرض. ولمن التقوا به في تلك الاثناء، كان بري يستمتع بالحديث عن صواريخ المقاومة المضادة للآليات التي بدأ حزب الله باستخدامها، وكان يصف لمحدثيه كيف أن هذه الصواريخ تنفجر أول مرة لتضرب تصفيح الآليات، والمرة الثانية لتدخل القدرة الانفجارية الى داخل الآليات الاسرائيلية.
في نهاية هذا اليوم نفسه، كانت هيئة المتابعة لقوى 14 آذار تعقد اجتماعاً لها في قريطم وتدعو فيه الى الوحدة خلف الحكومة اللبنانية «وتمليكها أوراق التفاوض كاملة» كي تستطيع انتزاع المكاسب لمصلحة لبنان.
في اليوم التالي، أي 28 تموز، كان حزب الله قد أطلق مرحلة «ما بعد حيفا» تنفيذاً لتهديد امينه العام بأن توسيع ضرب المناطق اللبنانية سيؤدي الى توسيع دائرة قصف المقاومة للمناطق الاسرائيلية، فضرب للمرة الاولى العفولة. يومها، زار السفير الأميركي فيلتمان الرئيس السنيورة لمدة ساعة، وخرج ليقول إنّ «هناك توافقاً كبيراً في الأولويات بين الحكومة اللبنانية والولايات المتحدة الأميركية»، واعداً لبنان بتدريب جنوده وتجهيزه «للوصول الى الحدود بحسب اتفاق الطائف».
في 29 تموز، تلقّى بري اتصالاً هاتفياً من جاك شيراك الذي كان قد عقد في باريس اجتماعاً مصغراً لحكومته لبحث تطورات الوضع في لبنان. وأكد شيراك لبرّي خلال الاتصال «العمل بكل إمكانات فرنسا لوقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات آمنة للمساعدات الانسانية».
وفي اليوم التالي، وصلت رايس الى إسرائيل. اتصلت بالرئيس السنيورة وأبلغته نيتها العودة الى بيروت سريعاً. التقى السنيورة السفير الإيراني محمد رضا شيباني الذي «طلب موعداً عاجلاً»، ثم عاد لتحضير زيارة رايس مع سفيرها في بيروت فيلتمان.
(الحلقة الثانية في عدد الاثنين)
النقاط السبع
الرئيس فؤاد السنيورة (أرشيف)النقاط السبع التي طرحتها وأقرتها الحكومة اللبنانية:
«وقف إطلاق نار فوري وشامل وإعلان اتفاق حول المسائل التالية:
أ ـــــ التعهد بإطلاق الأسرى والمحتجزين اللبنانيين والإسرائيليين عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ب ـــــ انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى ما خلف الخط الأزرق وعودة النازحين إلى قراهم.
ت ـــــ التزام مجلس الأمن وضع منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت سلطة الأمم المتحدة حتى ينجز ترسيم الحدود وبسط السلطة اللبنانية على هذه الأراضي، علماً بأنها ستكون، خلال تولي الأمم المتحدة السلطة، مفتوحة أمام أصحاب الأملاك اللبنانيين. ويتعين على إسرائيل تسليم كل خرائط الألغام الباقية في جنوب لبنان إلى الأمم المتحدة.
ث ـــــ بسط الحكومة اللبنانية سلطتها على كامل أراضيها عبر انتشار قواها المسلحة الشرعية، ما سيؤدي إلى حصر السلاح والسلطة بالدولة اللبنانية، كما نص اتفاق المصالحة الوطنية في الطائف.
ج ـــــ تعزيز القوة الدولية التابعة للأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان وزيادة عديدها وعتادها وتوسيع مهماتها ونطاق عملها وفقاً للضرورة بهدف إطلاق العمل الإنساني العاجل وأعمال الإغاثة لتوفير الاستقرار والأمن في الجنوب ليتمكن النازحون من العودة إلى منازلهم.
ح ـــــ التزام الأمم المتحدة التعاون مع الفرقاء المعنيين باتخاذ الإجراءات الضرورية لإعادة العمل باتفاق الهدنة الذي وقّعه لبنان وإسرائيل عام 1949، وتوفير التزام مضمون هذا الاتفاق، إضافة إلى بحث التعديلات المحتملة عليه أو تطوير بنوده عند الضرورة.
خ ـــــ التزام المجتمع الدولي دعم لبنان على كل الأصعدة ومساعدته على مواجهة العبء الكبير الناتج من المأساة الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها البلد، وخاصة في ميادين الإغاثة وإعادة الإعمار، وإعادة بناء الاقتصاد الوطني».
كيف انتقل الحلّ من سلّة واحدة إلى مرحلتين... إلى القرار 1701؟
مضى عام على عدوان إسرائيل في تموز عام 2006، وحتى اليوم لا يزال طرفا المعادلة الداخلية يتبادلان الاتهامات حول المسؤولية السياسية عن الأخطاء التي أفاد منها العدو مباشرة، أو من خلال وكيله الدبلوماسي الأميركي. هناك الكثير من المواقف مقابل القليل من المعطيات والوقائع عمّا دار في الغرف المغلقة، وخصوصاً ما يتصل بالموقف الأميركي وتسلسله التراجعي، وكذلك حال موقف الرئيس فؤاد السنيورة بما يمثّله في تلك اللحظة من موقع سياسي ورسمي
في 30 تموز، استفاق الجميع في بيروت على أنباء مجرزة قانا الثانية. كانت عشرات الجثث لا تزال بين أنقاض بيوت مختلفة في الجنوب. وأتت مجزرة قانا الثانية لتفاقم الضغط الإنساني الهائل الذي يعيشه اللبنانيون. قامت تظاهرة أمام مقر الأمم المتحدة، وبدأت بالتحوّل الى العنف حين وصلت أنباء المجزرة. وكان على بري وحزب الله ممثَّلاً بنوابه مناشدة المتظاهرين عدم استخدام العنف، كما تدخل نواب حزب الله مباشرة لتهدئة الموقف.
طلب بري من مساعديه ترتيب انتقاله سريعاً الى السرايا الكبيرة. اتصل برئيس الحكومة وقال له: انتظرني سوف أكون عندك خلال دقائق. وعندما وصل إليه، قال له: اسمع، لن يكون هناك من يرحّب بعودة رايس الى بيروت، وما حصل اليوم يفوق كل قدرة على التحمل. الشارع يغلي والمهجرون سوف يخرجون عن أي هدوء إذا جاءت رايس الى بيروت الآن. وأنا أبلغك بأن موقفي وما يمثله في هذه اللحظة حاسم لجهة أن التفاوض قد جمّد وهو ممنوع حتى يصار الى إعلان وقف فوري لإطلاق النار.
بدا السنيورة متأثّراً بالأنباء الواردة من الجنوب. وافق بري على صعوبة الوضع وعلى أولوية وقف إطلاق النار. وطلب الى معاونيه ترتيب تواصل هاتفي سريع مع رايس، وإبلاغ السفير الأميركي في بيروت بأن زيارتها الى بيروت لم تعد مستحبة الآن. وبعد قليل، نقلت شاشات الفضائيات صورة المؤتمر الصحافي لبري والسنيورة، وأعلن كلاهما أن أي أمر خارج وقف إطلاق النار غير مطروح حالياً، فيما أكّد برّي أنّ المطلوب «وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط، وعدم إجراء أية محادثات قبل ذلك، وتشكيل لجنة للتحقيق في المجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ومنها مجزرة قانا اليوم». وأعلن أنه «بعد ما حصل، فإنّ شروط تبادل الأسرى قد تغيّرت، دون أن يكشف النقاب عن هذه الشروط».
وقال بري «عندما أتت السيدة رايس الى بيروت المرة الماضية، قلت لها إن وقف إطلاق نار فورياً هو الذي يجدي وليس السلة الواحدة التي تحملينها، وهذا لا يعني أننا نحن ضد أي بحث سياسي، على العكس نحن منفتحون على كل بحث سياسي، ولكن تحت النار وتحت ضغط النار، أخشى المجازر. هذا الكلام هو ما قلته لها وكررته اليوم، وها هو قد حصل».
ذاك المساء، عقد مجلس الوزراء جلسة استثنائية برئاسة رئيس الجمهورية، وبحث، إضافة الى موضوع المجزرة، مسائل حياتية طارئة.
في اليوم التالي على المجزرة، ومع قرار أسفٍ ضعيف من مجلس الأمن الدولي كردّة فعل وحيدة على ما حصل، يصل وزير خارجية فرنسا فيليب دوست بلازي للمرّة الثالثة خلال الحرب الى لبنان، ويلتقي بري والسنيورة ووزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ.
ولش وحلّ على مرحلتين
في الرابع من آب، يعقد بري والسنيورة اجتماعاً في عين التينة. وبعد إلغاء زيارة رايس، قرّرت الأخيرة إيفاد مساعدها ولش لمتابعة البحث. يصل الأخير على عجل ويلتقي السنيورة في السرايا، ويبحث معه سريعاً الأفكار الخاصة بقرار جديد عن مجلس الأمن الدولي لتنظيم الأمور على الحدود بين لبنان وإسرائيل. وأبلغه بأن الأفضل أن يكون القرار تحت الفصل السابع، وأن يتم ذلك في إطار وضعية جديدة للقوات الدولية بحيث تعطى صلاحيات أوسع تمكّنها من نزع سلاح المقاومة ومن منع إسرائيل من ارتكاب عدوان جديد على لبنان. يسمع ولش من السنيورة الكلام نفسه عن ضرورة إنجاز شيء ما في مزارع شبعا حتى يتم جرّ الرئيس بري الى هذا الموقف، وإلا فإن الأمور تتطلب بحثاً مختلفاً. يرفض ولش موضوع شبعا: إسرائيل لن تقدم على هذه الخطوة الآن، هل تعتقدون أنها ستقدّم هذه المزارع هدية لحسن نصر الله؟!.
عند الحادية عشرة والنصف ظهراً، ينتقل ولش ومعه السفير الأميركي جيفري فيلتمان الى عين التينة. ويفتتح اللقاء مع بري قائلاً: لقد أصبح من الضروري التوصل سريعاً الى وقف فوري لإطلاق النار. ولنعمل على حل كل المشاكل، وفي ذلك مصلحة للبنان ولإسرائيل. ويجب ألا تُترك الامور مفتوحة هكذا من دون حل. وبعدما فكرنا في كل شيء، نرى أنه يمكن البحث في حل على مرحلتين: الأولى، يتم خلالها وقف لإطلاق النار، وبقاء أمور الجبهة على حالها. والثانية، يتم خلالها الاتفاق على كل المبادئ بالنسبة إلى مستقبل عمل قوات الطوارئ الدولية وبقية الامور، على أن يتم الحل في مدة أقصاها أسبوع.
مجزرة قانا ألغت زيارة رايس إلى لبنان (أرشيف - رويترز)
كان ولش يتحدث وفي خلفية الصورة تجديد مجلس الأمن الدولي لشهر واحد لقوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان، وهي أقصر مدة يعطيها المجلس الدولي لهذه القوة منذ إنشائها عام 1978.
يسأل بري ضيفه ولش: وماذا عن الأسيرين، لقد أقامت إسرائيل الدنيا ولم تقعدها من أجلهما؟
ولش: هذا الأمر غير وارد الآن.
بري: حسناً، وماذا عن مزارع شبعا؟
ولش: إسرائيل لا تريد القيام بأي شيء هناك، وأقول لك صراحة، لن تقدم إسرائيل على أي خطوة تعتبر بمثابة انتصار لحزب الله.
بري: أعرف أن الأمور صعبة، ولكن تذكر أنك كنت هنا مع السيدة رايس قبل مدة، هل تذكر على ماذا اختلفنا؟ كنت أقول لها بحلّ على مرحلتين، وكانت هي تقول بالسلة الواحدة. وأصررتم على أنّكم اتّفقتم مع السنيورة على سلّة واحدة. ثم بعثتم لي بأن مزارع شبعا ضمن هذا الحل، هل تشرح لي من فضلك ما الذي حصل؟
ولش: معك حق في ما تقوله، ولكن إسرائيل غير موافقة على هذه الصيغة. هي لن تترك مزارع شبعا لأنّ في ذلك انتصاراً واضحاً لحزب الله.
بري: اسمح لي بأن اقول لك إنّني لا أصدّق أنّ في إسرائيل من يجرؤ على قول لا لكم. واسمح لي أيضاً بأن أوضح لك أمراً مهماً: أنا هنا أقوم بدورين، الأول بصفتي رئيساً لحركة أمل الداعمة لحزب الله والمنخرطة معه في المعركة ضد قوات الاحتلال، والثاني دور المفاوض باسم المقاومة. وأنا أريد منك أن تقنعني قبل أن أتفاوض مع الحزب ونصل الى شيء.
ولش: ماذا تقصد بقولك هذا؟
بري: أقصد أنه لو خرج السيد حسن نصر الله الآن وقال أو كتب بخط يده إنه غير مهتم الآن بمزارع شبعا، فأنا أقول له: لا. استعدّ لأنّ علينا معركة تحريرها بالقوّة. وأنا أقول لك يا سيد ولش، إنّه لا مجال للتساهل في هذا الموضوع، اذهب وفاوض إسرائيل وأقنعها بأن ملف المزارع هو من ضمن الحل الشامل، وبعدها نواصل الحديث.
ولش: نحن لدينا وجهة بهذا الشأن مثل أن تبقى الآن تحت سيطرة إسرائيل، ونعد بأن الأمين العام للأمم المتحدة يباشر مهمة ترسيمها وتحديدها، وبعدها نصل الى قرار.
يبدأ بري بالتوتر، ويظهر الأمر عليه، ويقف مراراً خلال المقابلة ويتحدث مع ضيفه بكلمات مختصرة.
فجأة قال ولش بصوت مرتفع: لنعمل الآن على وقف فوري لإطلاق النار. وهذا أفضل، وعندها يظل كل من الطرفين في مواقعه الحالية. وخلال أقل من اسبوع، نجهز قوة دولية تتولى الانتشار جنوباً.
بري: هل تعرف ماذا يعني بقاء المتواجهين لأسبوع في أرض واحدة، انك كمن يضع البنزين قرب النار. ثم عن أي قوات دولية تتحدث؟
ولش: نحن ندرس صيغة جديدة، نغيّر اسمها ومهامها وعديدها. وقد اتفقت مع الرئيس السنيورة على أن يكون قرار مجلس الامن بتشكيلها مندرجاً تحت الفصل السابع.
يدهش بري ويسأل: ما الذي تقوله؟ اسمع، من جانبنا ليس هناك إلا وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب فوري لقوات الاحتلال الى خلف خط 12 تموز، وعودة فورية لجميع النازحين الى بيوتهم، ثم يتولّى الجيش اللبناني الانتشار ويمكن تعزيز قوات اليونيفيل كما هي، بنفس الاسم وبنفس الصلاحيات. ولا قرار تحت الفصل السابع.
ولش: حسناً، هناك حل، ليس الفصل السابع بل 6,9، وهو أمر يوافق عليه السنيورة أيضاً. وقد قبل بكل التعديلات المقترحة على عمل القوة الدولية جنوبي الليطاني.
بري: لا موافقة من قبلنا.
خرج ولش غاضباً، وصار يتحدث مع الذين التقاهم من دبلوماسيين بتوتّر. وكان يعمد الى استخدام لغة التهديد، برغم أن أحد أعضاء الوفد المرافق كان يقدم له دورياً تقارير مصدرها السفارة الاميركية في تل أبيب ووزارة الخارجية في واشنطن، وفيها الأنباء غير الجيدة والتعليمات الواضحة: في إسرائيل يريدون وقفاً لإطلاق النار فقط، ولا تأتِ على ذكر أي شيء آخر. فأبلغ السنيورة وفريقه بالتوقّف عن المطالبة بالحل الشامل. «لا مجال لحل شامل، وليتوقف رئيس الحكومة عن المطالبة بدعمه لتولي إدارة المفاوضات حول الاسرى، لا أحد يريد التحدث بهذا الموضوع الآن، المطلوب فقط وقف فوري لإطلاق النار من أجل أن تعيد إسرائيل ترتيب أمورها الميدانية، هي تحتاج الى وقت».
توصيات إلى السنيورة
منعاً لأيّ التباسات، بادر ولش الى إعداد لائحة توصيات ـــــ مطالب وتقديمها الى الرئيس السنيورة، وفيها:
1ـــــ إعادة النظر في تسليح الجيش اللبناني وتعديل النصوص التي تقول بأن إسرائيل هي العدو. وبالتالي إعادة النظر في هيكلية الجيش وفي تركيبته بما في ذلك إعادة تنظيم جهازه الاستخباراتي بمساعدة «المجتمع الدولي» الممثل بالقوة الدولية المزمع تشكيلها.الرئيس نبيه بري تولّى التفاوض باسم المقاومة (أرشيف)
2ـــــ التعهد بتدريب ضباط الجيش في بلاد حليفة للولايات المتحدة الاميركية مثل تركيا والأردن ومصر، وإبعاد عدد من الضباط المحسوبين على سوريا وعلى حزب الله و«تنظيف» الأجهزة الأمنية والعسكرية من العناصر القريبة من الحزب أو الموالية له.
3ـــــ تقديم مساعدات تقنية وعسكرية، من بينها طائرات مروحية جديدة ومدرعات حديثة، تتيح له القيام بأعمال ردعية ضد أي قوة محلية من شأنها تهديد قوته، ومنحه صلاحيات التوسع في أي مكان تحت إشراف القوة الدولية.
4ـــــ تكليف فرق أمنية وعسكرية وخبراء من القوة الدولية تولي المراقبة والتثبت على مداخل مطار بيروت الدولي ومرفأ بيروت وبقية المرافق البرية والبحرية، ونشر قوة دولية عند كل المعابر البرية مع سوريا من الجنوب إلى الشمال، والسماح لهذه الفرق بالتأكد من أسماء المسافرين الآتين وطريقة وصولهم إلى لبنان، و تفتيش كل البضائع والأجهزة الإلكترونية العائدة إلى شركات خاصة.
5ـــــ قيام تعاون أمني عسكري بين لبنان ودول حلف الأطلسي بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية لتعزيز قدرات قوى أمنية أخرى غير الجيش اللبناني، مثل قوى الأمن الداخلي وأجهزة أخرى تتبع لوزارة الداخلية أو لرئاسة الحكومة.
مشروع القرار الدولي
في الخامس من آب، بدأ الصدى السلبي للاتفاق الأولي الاميركي الفرنسي حول مشروع قرار مجلس الأمن بالوصول الى بيروت. وزير الخارجية بالوكالة طارق متري الذي يترأس الوفد اللبناني هناك يتحدث عن اتفاق «تفاعلي» يمكن تغييره وهو مطروح للنقاش. وفي السادس من آب، يعلن الرئيس بري «رفض لبنان لمشروع القرار»، مؤكداً أنه لمصلحة إسرائيل لا لبنان، ويعلن أنه أصبح «في حلّ من موضوع الأسيرين، فأنا كنت مفوّضاً بهذا الموضوع، وهم أعفوني منه ولم تعد لي علاقة به».
وشملت اتصالات رئيس الوزراء، من ناحيته، رايس وبلير وكوفي أنان والمفوّض الأعلى للسياسة الخارجية الاوروبية خافيير سولانا وعدداً آخر من الوزراء الغربيين، معرباً عن رفض لبنان لمشروع القرار الأميركي الفرنسي، ومرسلاً إليهم اقتراح لبنان البديل.
في السابع من آب، يلتقي وزراء الخارجية العرب في بيروت، ويلقي السنيورة كلمة لبنان أمام اللقاء الطارئ للوزراء العرب، ويبكي مرتين خلال اللقاء، ويقر مجلس الوزراء يومها إرسال 15 ألف جندي لبناني الى الجنوب، بالتزامن مع انسحاب قوات الاحتلال الى خلف الخط الأزرق، ويعلن الجيش اللبناني استدعاء الاحتياط من قواته.
قدّم الوزير متري لممثلي الدول الأعضاء في نيويورك مقترحات لبنانية تقضي بإدخال تعديلات وصفت بأنها «جوهرية» تركز على أمور ثلاثة: الأول، يدعو الى وقف شامل لا جزئي لإطلاق النار على أساس انسحاب إسرائيلي كامل حتى الخط الازرق وفك الحصار الجوي والبحري والبري عن لبنان وتأمين عودة سريعة وآمنة لكل النازحين. والثاني، يطلب توسيع عمل القوة الدولية الحالية وعدم ربط المشروع الشامل بالقوة المتعددة الجنسيات، وبالتالي عدم اللجوء الى الفصل السابع. أما الثالث، فيتعلق بالعمل سريعاً على إنهاء نقاط الخلاف المتمثلة بإتمام عملية تبادل للأسرى وتسليم مزارع شبعا الى القوة الدولية. في المقابل، يتعهد لبنان نشراً سريعاً لقوة كبيرة من الجيش اللبناني على طول الحدود، وتقديم تسهيلات للقوة الدولية ومنع أي وجود مسلح في هذه المنطقة.إيمييه وسولانا في بيروت خلال حرب تمّوز (أرشيف - وائل اللادقي)
ورغم أن الحكومة أرادت من خلال هذه الخطوة تأكيد التزامها البنود السبعة التي أعلنها الرئيس فؤاد السنيورة في روما، والتي حظيت لاحقاً بإجماع مجلس الوزراء ودعم القوى السياسية الأخرى، إلا أن المعلومات التي وردت الى المراجع الرسمية لا تشير الى تقدم في المساعي الدولية، وإن كانت هناك مشاريع تعديلات على الشكل الآتي: الدعوة الى وقف شامل لإطلاق النار بحيث تتوقف كل أنواع الاعمال الحربية، بما في ذلك الهجمات المتبادلة بين مجموعات المقاومة والقوات الإسرائيلية. على أن يتم بعدها، خلال عشرة أيام الى أسبوعين، نشر آلاف من الجنود اللبنانيين في خطوة تتزامن مع وصول قوة من ألفي جندي ينضمون الى قوات اليونيفيل تتولى تسلم المواقع التي احتلتها إسرائيل في هذه المنطقة وإلغاء أي نوع من الوجود المسلح في كل المنطقة التي ينتشر فيها الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل. ثم يصار في وقت لاحق، خلال مدة تمتد من شهر الى شهرين، إلى إنجاز «إنهاء الملفات العالقة» بما في ذلك ملف الاسرى ومزارع شبعا والقوة الدولية.
وذكرت مصادر رسمية رفيعة المستوى أن هناك مرونة بارزة من جانب دول كثيرة في مجلس الأمن، ومن بينها فرنسا، إزاء هذا الأمر ولكن المعضلات تنحصر في الآتي: تريد إسرائيل إطلاقاً فورياً لسراح الجنديين الأسيرين وإعلاناً رسمياً بنزع سلاح المقاومة جنوبي نهر الليطاني، بينما يريد «حزب الله» انسحاباً فورياً وتاماً لقوات الاحتلال من المنطقة وعدم فتح ملف سلاحها على غير طاولة الحوار اللبناني وتوفير ضمانات كاملة بعودة كل نازح الى بيته.
التمايز الأميركي ــ الفرنسي
في هذه الأثناء، كانت المداولات في الأمم المتحدة تظهر نوعاً من التمايز بين فرنسا والولايات المتحدة حول طريقة التعامل مع البنود الرئيسية التي يجري العمل عليها. وتبيّن أنّ فرنسا عرضت الحلّ من خلال قرارين، الأوّل يخضع للفصل السادس فيما يخضع الآخر، الذي يطرح بعد مهلة تمتد من 30 الى 60 يوماً، للفصل السابع، وذلك مقابل عرض الولايات المتحدة لقرار واحد وفق الفصل السابع.
لكن باريس وواشنطن رفضتا معاً طلب لبنان وقفاً فورياً وشاملاً لإطلاق النار، واتفقتا على وقف الأعمال العدائية مع تفصيل يقول إن القرار يشمل كل الأعمال الهجومية من قبل حزب الله ويشمل أيضاً الأعمال الهجومية الإسرائيلية، وهذا يعني إلزام اسرائيل وقف الغارات ما لم تتعرض لعدوان، بينما يمنع حزب الله من قصف الصواريخ وكذلك من مهاجمة قوات الاحتلال الاسرائيلية في لبنان.
أما بشأن الانسحاب الاسرائيلي، فقالت الولايات المتحدة إنه يجري فوراً تعزيز قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة بنحو عشرين ألف جندي، ثم يصار الى نشرها مع وحدات من الجيش اللبناني، على أن يتم ذلك بالتوازي مع الانسحاب الإسرائيلي من دون تحديد مسبق للمدة الزمنية المفترضة لإنجاز هذه العملية.
أمّا فرنسا فرأت أنه يجب الاستعانة بعديد قوات اليونيفيل الموجودة حالياً في لبنان وأن يُزاد عديدها وفقاً لهامش الصلاحيات الخاصة بالأمين العام للأمم المتحدة، على أن تبدأ سريعاً، وخلال فترة تزيد على أيام وتقلّ عن أسابيع، بتسلم المواقع من القوات الإسرائيلية التي يفترض بها العودة الى خلف الخط الأزرق. ويقوم الجيش اللبناني بنشر قواته في الوقت نفسه.
وفي ما خص مزارع شبعا، قالت فرنسا بأن يبعث الأمين العام للأمم المتحدة، خلال فترة ثلاثين يوماً، رسالة الى الحكومة اللبنانية يعرض فيها مختلف الحلول القانونية لمزارع شبعا بما فيها الحل المقترح في البنود السبعة. أما الولايات المتحدة فتقول من جهتها بأن القرار يدعم إنهاء عملية ترسيم منطقة شبعا وتحديدها من دون الدخول في أي تفصيل.
وحول عودة النازحين وفتح المرافق الحيوية، اتفق الطرفان على أن تقوم القوات الدولية بمساعدة السلطة على نشر قواتها وعلى توفير المساعدة الإنسانية لعودة النازحين، ولكن من دون تحديد أي مدة زمنية ومن دون ربط الخطوة بقرار وقف إطلاق النار.
أما بالنسبة الى المطارات والمرافق والمعابر البرية والبحرية، فيقول الاقتراح الأميركي بأن تُفتح لأغراض مدنية بحتة وبشكل قابل للتحقق. وتعرض واشنطن تفصيلاً يقول بأنه يجب التدقيق في منع إدخال المواد والأشخاص وأي أنواع من الأمور التي تعتبر مساعدة للأعمال الإرهابية وأن تتولى القوات الدولية عملية التدقيق هذه. أما فرنسا فتقول بفتح هذه المرافق لأغراض مدنية من دون طلب بند التحقق.ولش وفيلتمان في عين التينة خلال المفاوضات (أرشيف - وائل اللادقي)
واتفق الطرفان على أن يصار الى إطلاق فوري وغير مشروط للأسيرين الاسرائيليين وعلى تشجيع الجهود وبشكل عاجل لتسوية موضوع السجناء اللبنانيين في السجون الاسرائيلية.
وبشأن سلاح المقاومة، تقترح الولايات المتحدة ان يصار، خلال فترة ستة أشهر، الى إعادة تقويم أداء القوة الدولية وأن يصار الى إعادة بحث تسليحها وتأهيلها وتوسيع نطاق عملها بما يؤدي الى تحقيق مجموعة من العناصر المطلوبة لضمان الأمن، بما في ذلك نزع سلاح غير القوى اللبنانية في كل المنطقة التي تنتشر فيها، وتفكيك البنية العسكرية لغير الدولة اللبنانية. وأبدت فرنسا تحفظها عن هذه الخطوة.
في هذه الفترة، التقى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، ولمرّات ثلاث، السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان. وكانت هناك مشاورات مع الرئيس نبيه بري ومع الوزير محمد فنيش. وقد أبلغ لبنان الجانبين الأميركي والفرنسي رفضه أي مشروع قرار يبقي على قوات احتلال، لأن أعمال المقاومة ستتواصل ضدها.
إيمييه ــ بري
سعى السفير الفرنسي في بيروت برنارد إيمييه إبراز التمايز بين الفرنسيين والأميركيين في المقاربة لمسودة القرار 1701. وقبيل زيارة ولش للبنان، طلب السفير الفرنسي موعداً عاجلاً من بري قائلاً إنه يرغب في مقابلته قبل لقاء بري ولش. وفي هذه الأثناء، كان بري قد بعث برسالة الى الرئيس الفرنسي جاك شيراك، يدعوه فيها للتدخل، وتتضمّن إشارة الى ان ما يحصل هو حرب إبادة للشيعة في لبنان، وان فرنسا في حالة مشاهدة لما يحصل، وعدم تدخلها يحمّلها هي والمجتمع الدولي المسؤولية.
قال إيمييه لبري إن شيراك وصلته الرسالة، وهو مدرك ان هناك صعوبات، ولذلك «نحن طرحنا تغييرات في نص القرار المقترح، وهي أن يُتّفق على مرحلتين: في الأولى، توقف الأعمال الحربية، وفي الثانية، يرسل الجيش الى الجنوب. ولن نشير الى الفصل السابع، ونبقي على الفصل السادس وتُعزّز اليونيفيل على هذا الأساس، ولكن لا بد من النقاش في آلياتها وأساليب عملها (قواعد الاشتباك)، ونعد ألا يكون هناك أية إشارة أو مقاربة لما يسمى ملف سلاح حزب الله».
يشكر بري له هذه الطروحات ويسأله هل من الممكن ان نعلم أين أصبحت مزارع شبعا؟
فيجيبه إيمييه أن «لا جديد، فلنؤجل هذا الموضوع، وخاصة أن لا استعداد اسرائيلياً للبحث الجدي فيه، ولنركز على بحث الفترة الفاصلة ما بين المرحلتين، وقف الأعمال الحربية والوقف النهائي لإطلاق النار».
بري: حسناً، لنفترض أننا اخترنا 12 آب موعداً لوقف العمليات الحربية، وأنّ الجيش وقوات اليونيفيل الجديدة تنتشر في 20 آب، فماذا سيحصل في العشرين من آب؟
إيمييه: من 12 الى 20، بحسب هذا التصور، يدخل الجيش اللبناني، وتصل طلائع اليونيفيل، وتقوم اسرائيل بالانسحاب من أماكن محددة ويحصل اختفاء للمظاهر المسلحة من جانب المقاومة، ثم يعلن وقف كامل ودائم لإطلاق النار.
بري: حسناً، ما بين 12 و20 آب، قوات الاحتلال موجودة والمقاومة موجودة، وإذا حصل تواجه ما بينهما، سواء بادرت اسرائيل إلى عملية ضد المقاومة أو بادرت المقاومة إلى إطلاق النار على الاحتلال، فماذا سيحصل في هذه الحالة؟
إيمييه: لا أعلم! ما هو اقتراحكم؟
بري: أوّلاً، يجب ان أخبرك أن ما دام هناك قوات احتلال على الأراضي اللبنانية، فللمقاومة الحق بالقيام بعمليات ضد هذه القوات. وبالتالي، يبقى وقف الأعمال الحربية محصوراً بوقف قصف المدنيين. فلتتعهّد إسرائيل بوقف الطلعات الجوية والغارات، أتعهّد أنا بالمقابل باسم المقاومة بوقف الصواريخ على المدن والمستعمرات.
إيمييه: هذه مسألة صعبة وقد تأخذ وقتاً، وأنا أنصحك بأن تطلب هذه الضمانات من ديفيد ولش.
بري: ما أقترحه أنا هو العودة الى تفاهم نيسان 1996، ولكن أريد ان أسألك أين هي عودة المهجرين؟ لم تأت على ذكرها؟
لا يجيب إيمييه وينتهي اللقاء.
الحلّ المقبول من المقاومة
مساء 9 آب 2007، حصل اجتماع خاص في عين التينة، تم خلاله التفاهم على بنود الحل المقبول من جانب المقاومة وأُبلغ الى الجانب الأميركي والى جهات أوروبية والى السنيورة أيضاً، وفيه:
1 ـــــ يجري العمل منذ اللحظة بتفاهم نيسان عام 1996، والمقاومة مستعدة لوقف قصف العمق الاسرائيلي إذا توقفت الغارات الاسرائيلية والقصف على المدنيين في كل لبنان. يترافق ذلك مع تقديم ضمانات دولية كاملة بحماية المدنيين بعد عودتهم الى قراهم. واذا ما استمر وجود أي جندي اسرائيلي على الأراضي اللبنانية، فإن المقاومة سوف تضربه من دون توقف، ولتكن المواجهة محصورة عندها بين جهتين عسكريتين وليُحيّد المدنيون.
2 ـــــ ينتشر الجيش اللبناني في كل المناطق التي يريدها. ولا مانع من تعزيز القوات الدولية وفق البناء نفسه لناحية التركيبة والمهمات والصلاحيات.
3 ـــــ رفض استقبال أي قوة دولية أو أي جيش من أي دولة في العالم يأتي بناء على قرار من مجلس الأمن، ورفض كل ما يمكن أن يندرج في أي قرار يقوم وفق الفصل السابع.
4 ـــــ لن يكون هناك منطقة منزوعة السلاح، لا جنوبي النهر ولا شماليه. هناك فقط أمر واحد وهو منع المظاهر المسلحة، وهو أمر محترم وقائم، لا في الجنوب بل في كل لبنان.
في اليوم نفسه، يتّصل النائب سعد الحريري بالرئيس بري مرّتين: الأولى ظهراً، والثانية مساء، ويقول إن لديه اقتراحاً بأن يصدر قرار جديد عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ولكن يكون هناك نقاش حول الصلاحيات الخاصة باستخدام القوة بقصد الدفاع عن النفس. فيرد عليه بري: لا مجال لمثل هذا الأمر، وأنت تعرف ان الفصل السادس يوفر للقوات الدولية حق الدفاع عن النفس.
في الخارج، كانت الاتصالات تتسارع. مباحثات تجري من دون توقف بين إيران وقطر، وتواصل مع الرئيس بري. وزير خارجية قطر حمد بن جاسم يناقش اقتراحاً مع نظيره الإيراني منوشهر متكي. يرسل الأخير سفيره في بيروت محمد علي الشيباني الى رئيس المجلس، ويبلغه بأن الحريري يطلب من دولة الإمارات العربية التحدث مع قطر لأجل القبول بإقرار مجلس الأمن القرار تحت الفصل السابع. وينقل اقتراحاً بأن «يعلن كوفي أنان شفهياً أن عمل القوات الدولية سيكون تحت الفصل السابع». يرفض بري الأمر فوراً، ويلفت انتباه محدثه: إن كل ما يتلوه الأمين العام سوف يسجل في محضر الجلسة وهو له القوة نفسها.
أما الاقتراح الآخر بشأن شبعا فيقضي بأن يتعهّد كوفي أنان في الجلسة نفسها بأن يعمل على إيجاد حل لمسألة شبعا ضمن حل عام. ويقول القطريون انهم اتصلوا بإسرائيل، وطلبوا منها الإجابة مباشرة عن هذا الاقتراح.
ولش مجدّداً في بيروت
في العاشر من آب، يزور دايفيد ولش بيروت مجدّداً حيث يلتقي رئيس الحكومة مرّتين بحضور السفير الأميركي فيلتمان. والتقى نبيه بري وفوزي صلوخ، وأكد أمام الإعلام «استغراب بلاده رفض لبنان مشروع القرار الأميركي الفرنسي». واكتفى بري بعد الزيارة بالقول «السيد ولش مزيّن بارع لقرار بشع».
في اليوم نفسه، يصل رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى عين التينة عند التاسعة مساء. يقدّم لبرّي موجزاً عن محادثاته مع رايس ومع وزير خارجية ألمانيا، وذلك بحضور السفيرين الأميركي والفرنسي. ويعلن تمسّكه بالبنود السبعة، وينقل تهديداً مبطّناً من رايس بأنّ المشكلة سوف تتوسّع إلى شمالي الليطاني وأنّه لا يوجد قرار سريع من مجلس الأمن الدولي.
يعود ولش إلى لبنان في الوقت الذي لا يزال فيه رفع الأنقاض والبحث عن الجثث جاريين في منطقة الشياح بعدما أغارت الطائرات الحربية على أحد المباني مخلّفةً 56 شهيداً هناك. يبدأ بري بالتحدّث عن مجزرة الشياح، ويشرح له مدى صعوبة الأوضاع، وان الوقت ليس مناسباً لطرح مطالب سياسية، وان الجانب الاميركي لا يساعد في وقف إطلاق النار،
فيجيب ولش ببرودة لافتة «كلما تقدمنا خطوة، تضعون العوائق والعراقيل».
تظهر على الرئيس نبيه بري علامات الاستفزاز من هذا الموقف، ويقول غاضباً «ما هي العوائق؟ هل أطالبك بمزارع شبعا كما طالبت من قبلك رايس؟ وهي وافقت يومها في البداية وبحضورك، إلا أنك أجبتني أنك لا تريد أن تعطي نصراً لحزب الله بالانسحاب من شبعا»، فيؤكد ولش وجهته محاولاً احتواء غضب بري: «صحيح نحن لا نريد أن نعطي نصراً لحزب الله»، وبدوره يؤكد بري لولش «حزب الله ليس بحاجة الى تحرير شبعا اليوم لتحقيق النصر، لقد حقق الآن أكبر نصر في تاريخ المنطقة، وهذا ليس رأيي الشخصي فقط، بل هو رأي كل العالم العربي والإسلامي»، ويضيف بري «وعلى كل حال أنت لم تسمع ماذا تقول اسرائيل، وما ينشر في وسائل إعلام تل أبيب، وهي التسريبات بأنها لم تكن ترغب في الحرب البرية، بل إن الولايات المتحدة فرضت عليها هذه الحرب».
يحاول هنا ولش ان يستعيد زمام المبادرة فيقول «أنت من عقّد لي مهمتي، ولكن دعنا ندخل في التفاصيل، لماذا لديكم موقف ضد إصدار قرار لمجلس الأمن تحت الفصل السابع؟»، يتهكّم بري بعد ان يظهر هدوءه: «لأنّكم أنتم ضد الفصل السادس»، فيسأل ولش: «وكيف يدافع عناصر قوات الطوارئ عن أنفسهم؟»، فيجيب بري بقليل من الاستفاضة «حق الدفاع عن النفس موجود في الفصل السادس، وبحسب معلوماتي أن فرنسا والدول الأخرى المشاركة في القوات الدولية، كما التي تريد المشاركة، يطالبون بالفصل السادس. فلماذا تتمسكون بموقف ملكي أكثر من الملك؟»،
يحاول ولش الوصول الى تسوية ترضيه: «دعنا نصوّت مع الفصل السابع، ولكن من دون أن نأخذ بكل الصلاحيات التي يعطيها هذا الفصل. وأنا أعطيك وعداً بألا يكون في لبنان قوات دولية، ولكن قوات طوارئ دولية بشرط ان تكون تحت الفصل السابع»، ويضيف ولش «أنا أستغرب موقفك. كنتُ منذ قليل عند الرئيس السنيورة، ومباشرة قبل حضوري الى هنا، كان قد وافق على صيغة الفصل 6 فاصلة 9 (6,9)، أي أنه قريب جداً من الفصل السابع».
ينتقل هنا بري الى طرح ما لديه: «أنا يا سيد ولش أعطيك التالي: تتوقف الأعمال الحربية في 12 آب، ويقرّ وقف دائم وتام لإطلاق النار، بحيث إنّ حزب الله لا يطلق الصواريخ ولا المدفعية ولا القنابل على اسرائيل، وبالمقابل لا تلجأ اسرائيل الى الطلعات الجوية ولا القصف البحري والمدفعي على كل المنشآت المدنية اللبنانية، واذا ما قام حزب الله أو أي طرف بالهجوم على قوات الاحتلال الاسرائيلية داخل لبنان، فإن اسرائيل لن تقوم برد على القرى أو المدنيين. أضف الى ذلك أننا نريد عودة المهجرين مباشرة الى منازلهم، حتى لو كانت هذه المنازل مدمرة»، فيقول ولش «هذه نقطة مهمة جداً».
ويتابع بري «ودعني أضيف بموضوعية، إذا استغل الاسرائيلي الوقت، ولم نصل الى وقف دائم لإطلاق النار...»، فيقاطعه ولش «سأضطر إلى السفر الى اسرائيل؟»، فيتابع بري «إذا اعتبرت أنت أن هذا أمر موضوعي ومهم، فأنا أريد ضمانة من الولايات المتحدة، ومن رايس تحديداً، من أجل ضمان الانسحاب في الوقت المحدد».
هنا يبدأ ولش بالتشاور مع فريقه المرافق، ومن ضمنه محامون، ويسحب أحد أعضاء الوفد المرافق لولش ورقة ويتلو نص تفاهم نيسان عام 1996، فيتدخل بري مؤكداً «ويطبق على الاتفاق أيضاً قصف البوارج الاسرائيلية».
فيسأل ولش «وكيف يتم الأمر؟، فيجيب بري: «تكفيني اتفاقات الشرف»، فيحسم ولش موقفه قائلاً: «كي لا نخسر الوقت، وحتى لا نؤخر صدور القرار، تقوم رايس بعد صدور القرار الدولي بضمان الأمر وتفصيله على شكل تفاهم نيسان»، فيرتاح بري «جيد، انظروا في شأن هذا المخرج، وإذا وافقتم، فأنا المسؤول عن موقف حزب الله والمقاومة، وأذكرك بأن على رايس أن تعلن ما اتفقنا عليه».
عند نهاية اللقاء، يخرج ولش ويعلن أمام الصحافيين التالي «كان الاجتماع صعباً ولكنه مثمر، وأكثر من جيد، تأخرنا لأننا دخلنا في النقاط الحساسة».
... ومن جديد
في الحادي عشر من آب، يزور ولش الرئيس بري في عين التينة، يرافقه فيلتمان. ويقول بري بعد اللقاء «النقاش يمر بكل الدقائق الحساسة، وفي بعضها يحصل تقدم، ولكن عوّدتنا التجربة ألا نقول فول ليصير بالمكيول».
يزور ولش أيضاً الرئيس السنيورة الذي يشير الى حصول تقدم بسيط جداً. ويعقد السنيورة اجتماعاً مع المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا بحضور الوزير فوزي صلوخ. ويعود رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري الى بيروت.
في ذلك اليوم، يتبنى مجلس الأمن الدولي القرار الرقم 1701 بالإجماع. وفي 12 آب، يوافق مجلس الوزراء اللبناني بالإجماع على قرار مجلس الأمن الدولي، وكان السيد حسن نصر الله قد اعتبر في كلمة متلفزة أن القرار أتى غير منصف وغير عادل، وخاصة انه يحمّل لبنان المسؤولية وكأنه هو المعتدي، مضيفاً «نحن نتحفظ عن بنود القرار ونترك بحثها الى وقت لاحق».
الاثنين، في 14 آب، يوجّه نبيه بري نداءً إلى النازحين يدعوهم فيه الى العودة الفورية الى ديارهم والثبات في أرضهم...!
يتوقف إطلاق النار، لكن المعركة السياسية تفتح. يومها، كان نصر الله يتابع عودة النازحين الى منازلهم وقراهم. كان يسمع الناس تتحدث عن الحرب بفخر وعن انتصار المقاومة وصمودها، لكنه لم يكن يقدر على كتم غيظه: لقد كان هناك من تآمر علينا خلال الحرب، ولن نبقى في هذه الحكومة!