حمامة زائر
| | "أحذر من مؤامرة لا تستهدف سوريا وحسب وإنما تريد ابتلاع المنطقة وتغيير وجهها" | |
القاصة السورية فاديا عيسى قراجة تقول:
"أحذر من مؤامرة لا تستهدف سوريا وحسب وإنما تريد ابتلاع المنطقة وتغيير وجهها" حوار من إنجاز نعيمة الزيداني
ضيفتنا لهذا العدد من فرح أديبة سورية شابة من مدينة حمص, صدرت لها العديد من المجموعات القصصية و نالت العديد من الجوائز اعترافا بتميزها وصدقها في الكتابة وروعة نصوصها. إنها "فاديا عيسى قراجة" القاصة المبدعة التي استطاعت أن تتخطى بقصصها جدار الصمت لتحتضن تلك الصرخات المكتومة للمهمشين والمسحوقين وتجعل لصوتها صدى قويا يسمعه كل من يدخل عوالمها القصصية...
أهلا بك في هذا اللقاء مع قراء فرح.في البداية , لمن تكتبين ؟و لماذا تكتبين ؟وكيف تعيشين لحظاتك الإبداعية؟
المبدع في لحظة الإبداع الوليدة يفرِّغ شحنة تسد بوابة روحه , ولا يفكر بالمتلقي وهذا في اللحظة الإبداعية الأولى , ولكن حينما يستقيم النص , وينجلي كصورة ثانية يبدأ المبدع بغربلة النص ويقوّم مساراته ويحدد رسائله , وكإجابة أقول بأنني أكتب لنفسي أولاً التي أنطلق منها برسالة خاصة محلية لتتحول إلى رسائل عامة عالمية , أكتب للمحبين , أكتب للسلام , أكتب للمرأة المحنّطة التي عشقت قالبها وترفض كسره, أكتب للطفولة التي تكبر قبل أوانها , أكتب للرجل الذي لا يبارح أدبي . الكتابة فعل مشابه لفعل الموت والولادة .. وحيال هذين الأمرين لا جواب حقيقي يشفي العليل وهذا في معرض إجابتي عن سؤالك لماذا تكتبين .. لحظاتي الإبداعية لا تحتاج لأي شكلية معينة ولا لأي طقس, فقد قرأت لإحدى الأديبات بأنها لا يمكن أن تبدع إلا إذا رشت عطرها الخاص وارتدت لونها المفضل, وكتبت بقلم ما , بالنسبة لي أكتب تحت أي ظرف وبأي ثوب وبأي لون باستثناء الحالة التي أكتبها فمن الضروري أن أتقمصها وأدخل تفاصيلها لدرجة أنني أعاني لفترة زمنية من مضايقة أبطال قصصي الذين لا يتركونني حتى ولادة شخصيات أخرى تعمل هي الأخرى على احتلال ذاكرتي ..
ماهي الذكريات التي تحتفظين بها من عوالم الطفولة؟ وكيف ساهمت هذه المرحلة في بلورة معالم شخصيتك كامرأة أولا وكأديبة ثانيا ؟
أشكرك جداً على هذا السؤال الذي سأجد المتعة كلها في الإجابة عليه. لعل أهم مؤثر في أدبي والذي ترك بصمة لا تزول وهو من أعاد صياغة شخصيتي وكررها آلاف المرات هو حرماني من والدي الذي رحل حين كنت طفلة صغيرة لدرجة أنني لا أعرفه إلا عبر صوره , وقد كنت منذ الطفولة أبحث عن أي شيء يربطني به إن كان من خلال مكتبته التي تركها , أو من خلال استنطاق ذاكرة المكان التي تضج به , شيء آخر ترك أثراُ وجدانياً في روحي وهي قريتي الفاتنة التي كانت بمثابة الحلم لي , أو بتعبير أدق كانت فردوسي المفقود الذي عدت إليه لأنهل من جنانه الصور الفاتنة الخلابة , وأقول بكل تواضع أن قريتي هي المسرح الحقيقي لروايتي الأولى التي تنتظر دور النشر ,كل هذه العوامل وغيرها من إرهاصات عامة تضاف إلى الخاصة ساهمت في بلورة شخصيتي وتكريس بعض القناعات , وإلغاء غيرها.. والمرأة الأديبة لا تختلف عن المرأة العادية سوى بحساسيتها أمام التفاصيل, وكم من امرأة مرت في أدبي كان لها الفضل الكبير في رسوخ فكرة أو مسح أخرى...
كيف تقيمين المشهد الثقافي النسوي العربي على العموم والسوري على الخصوص ؟
رغم أنني ضد تجنيس الأدب أجيبك بشكل عام... بعد دخولي العالم الافتراضي كان لي الحظ الكبير في الإطلاع على الأدب العربي بكافة أجناسه , وحتى التعرف على المبدعين والمبدعات من كافة الأهواء والمشارب, وحسب ما لمسته فإن هناك نية جادة لدى المرأة المبدعة في أن تخلع الوصاية الذكورية عن كاهلها وتنطلق مغردة خارج السرب , إن كان في طرق أبواب المحظورات أو في تجاوز الخطوط الحمراء التي يضعها رقيب أبله لا يجيد فك شيفرة أتفه النصوص , وبالمقابل وجدت أن هناك أديبات لا زلن يحافظن على التقليدية في تناول النص الأدبي دون أي تجديد يُذكر , هذا بشكل عام أما المشهد السوري النسوي أظنه قد تخطى الكثير من العقبات , وما يسمى بتأطير المبدعة ضمن قالب مسبق, وهناك العديد من الأسماء النسوية التي تزخر بها الساحة السورية ... وأقول رغم ذلك أن هذا لا يكفي ليشكل مشهداً مكرساً من القص النسوي...
حدثينا عن علاقتك بشخصياتك القصصية, وإلى أي مدى تمكنت من توظيف المقومات السردية الأساسية في القصة لتحقيق أهدافك الإنسانية؟
من مهمة الكاتب رصد نبض شارعه , وإخراج المسكوت عنه سواء في دخول غرف النوم أو ورشات العمال أو حقول الفلاحين ... أما علاقتي بشخوصي فهي علاقة خاصة جداً تشبه علاقة العاشقة بمعشوقها , فكلما أذلني النص واستعصى في خروجه العسير كلما عشقته أكثر "يعني علاقة العبد بمولاه بكل ما تعنيه هذه الكلمة" , ربما أنقطع عن حياتي الطبيعية لأيام وربما لأسابيع في حال كانت الولادة عسيرة وهذا بالضبط ما يجعلني أعشق هذه الشخصية بعينها , وخصوصاً إذا كانت من لحم ودم...هنا تزداد نقمتي على نفسي لأنني لم ولن أستطيع رسمها بعيداً عن قالبها المعتاد , وأقول بتواضع بأنني أعتمد على التجديد في الطرح والرسم والمعالجة والنتيجة أو القفلة , وأرفض أن أكتب مثل الآخرين .. أما القسم الثاني من سؤالك قد يكون للنقاد القول الفصل فيه ولكن أحب أن أنوه أن المقومات السردية يكتسبها القاص من تجربته القصصية بعيداً عن المدارس الأكاديمية .. وهذه الخبرة أو الممارسة تأخذه إلى أبعد مدى في اللعب بها وتقديمها وتأخيرها بفنية قد تكون نخبوية ولا يستطيع كل متلقي فهمها , ولا ننسى أن للممارسة الإبداعية الدور الكبير في إتقان اللعب على حبال القص .... وأتمنى أن تكون قصصي بكل ما تحمله من مقومات, ومقولات قد حققت هدفها الإنساني.
"المرأة المستسلمة والرجل الذي يعيش بعقلية سي السيد." ثنائية تسلطين عليها الضوء من خلال كتاباتك القصصية. هل تعتقدين أن بإمكانك كقاصة عربية لامعة إعادة تشكيل علاقة الرجل بالمرأة بحيث يصبح التكامل هو أساس العلاقة؟
أشكرك على كلمات المديح التي أتمنى أن أستحقها ... لا بد من رسالة للأدب , نحن نكتب ذواتنا, وذوات الآخرين, وكوني امرأة لا بد أن أقتحم الغرف السرية حيث يتوارى العرف السائد حول ما يسمى بمفهوم العبد والسيد , وقد اشتغلت في مجموعتي الأخيرة على هذه الثنائية التي شوهها هذا العرف تحت مسميات باهتة دون أن يأخذ بعين الاعتبار التطور الذي وصلت إليه العقلية النسوية لو جاز لي التعبير وذلك بخروجها للشارع , فمن غير المعقول أن تخرج المرأة للعمل وتساهم في بناء وطنها, ومساندة الرجل في رفع وتيرة الحياة وتبقى تحت ذات النظرة من حيث القصور العقلي والفكري والجسدي , فالمرأة هي الرحم والحضن والحلم , لذلك كان لا بد أن تنهض قصصي بهذا المعمار الخطير الذي رُجم قبل أن يرتفع , وأتمنى أن يكون لرسالتي هذا التأثير سواء كان على الرجل أو المرأة ...
في قصتك"بيني وبين هارون الرشيد"ترسمين بقلمك معالم ثورة أنثوية على الحياة داخل جبة الخضوع, حدثينا عن بواعث كتابتك لهذه القصة؟وهل تاب أخيرا حب هارون الرشيد إلى رشده كما تمنيت في نهاية القصة؟
أشكرك أستاذة على اختيارك لهذه القصة لأن على هارون الرشيد الملك أن يعترف بأن زنوبيا موجودة شاء من شاء وأبى من أبى , فالصرخة يجب أن تكون بحجم التجاهل ...
كيف تتفاعلين كمثقفة سورية مع الأزمة العصيبة التي تعيشها سوريا ؟وهل تؤمنين بنظرية المؤامرة الخارجية التي يرى فيها البعض تفسيرا لما يحدث؟
قبل أن أكون الكاتبة فاديا فأنا المواطنة فاديا, وربما متابعتي للحدث العالمي وفهمي لطريقة الآخر يجعلاني أقر بأن ما يحدث في سوريا هو مؤامرة قولاً واحداً , وإقراري هذا لا يعني أن سوريا تنعم بالديمقراطية والعدالة والحرية والرخاء, بالعكس أقول إلى جانب المؤامرة هناك أخطاء مرتكبة كما في كل بلد عربي ولكن أرفض أن تدار أزمة وطني بهذه الفجاجة المكشوفة من قبل وسائل الإعلام التي شوهت صورته وأذلت ناسه من حيث دس السم في الدسم, كاستغلال الفساد وغيره من أجل أجندة خارجية , أو تصفية حسابات لا علاقة لها بما يحصل فكما نرى أن قناة الجزيرة المحسوبة على أمير قطر لا تعنيها الخارطة الديمقراطية لدول الخليج والتي لنا ملاحظات جمة عليها .. إذاً : دوري كمثقفة أن أشير إلى الخطأ وأحذر من مؤامرة لا تستهدف سوريا وحسب وإنما تريد ابتلاع المنطقة وتغيير وجهها وذلك بتقسيمها إلى كنتونات تخضع لطوائف وإثنيات .. وهذا بالضبط ما أشير إليه دائماً في مقالاتي وللأسف لا ألاقي سوى ردوداً تعتمد الطائفية والتعصب, وإلغاء الآخر...
للأسف, تبقى قدرة الكاتب العربي على التغيير محدودة نسبيا في مجتمع تتدنى فيه نسبة القراءة.هل من سبيل لتجاوز هذه الإعاقة المجتمعية؟
سؤال جميل : هي بالفعل إعاقة مجتمعية , وقد كرسها كل مجتمع لدرجة أن كلمة مثقف وقارئ تأتي على شكل تهكم , أو تندر , وقد اقترحت العديد من الحلول وهي ليست بمعجزة كما كان يأتيني الرد , فقلت مثلاً يجب أن نضع في منهاجنا التعليمي حصة خاصة للمطالعة .. والشيء الآخر إجراء مسابقات حقيقية للنابغين الأطفال في الشأن الأدبي , وعندما أقول حقيقية يعني بعيداً عن المحسوبيات ... وأيضاً إجراء مسابقة في القراءة, وزيارة دورية للمكتبات العامة وإطلاق يد المبدع كي يلتقي بأطفال المدارس ويستمع لأفكارهم كي تتهذب الذائقة الأدبية لديهم... ولكن للأسف تُصرف ملايين الدولارات من أجل مدرسة لانتخاب ملكات الجمال والرقص والغناء رغم أنني لست ضد هذه الأفكار ولكن يجب أن يوازيها نفس الحرص على تكريس القراءة كحالة عامة... ولكن لا حياة لمن تنادي ........
هل ترين أن هناك اهتماما من طرف صناع الأفلام والمسلسلات بتقديم القصص الجادة ذات المضمون الهادف لتصل رسالة أولئك الذين يحملون هم التغيير الايجابي للمتلقي العربي؟
سأتحدث عن الدراما السورية التي سبقت عصرها في التجديد والمعالجة الاجتماعية ودخول حقول الألغام في مواضيع شتى دينية وسياسية وعاطفية, ووطنية , يعني بالمختصر أظن أنها الدراما الحقيقية الوحيدة في الوطن العربي التي قدمت الجديد بكل همومه و نطالبها بالمزيد من الجرأة كي تكتمل صورة المجتمع الذي تعالج قضاياه , بينما بعض صناع الدراما في بلدان أخرى كرسوا موضوع تعدد الزوجات والأزواج وقد أخذت بعض المسلسلات وبأجزاء متعددة على عاتقها هذه الفكرة ولاقت إقبالاً جماهيرياً خطيراً مثل مسلسلي (الحاج متولي , وزهرة وأزواجها الخمسة ) .. مثل هذه الأعمال ما هو الهدف الذي تطرحه, وما هو التغيير الذي تنشده وأي قصص جادة تعالجها ؟؟ أسئلة نضعها برسم كل من صفق لهذه الأعمال...
كيف هي علاقتك كمبدعة عربية بالنقاد؟ ومالذي أضافوه إلى تجربتك؟
علاقتي مقطوعة تماماً بالنقاد وهناك ما يشبه الجفاء الأدبي , فقد نشرت أربع مجموعات قصصية, وتم رفض الخامسة في اتحاد الكتاب العرب في سوريا وكنت أنتظر هذه النتيجة , لأن النقاد أو ما يسمى بالنقد العربي لا يريد كتابة مختلفة , ولا تهمه الأفكار الجديدة , بقدر ما يهمه تلميع أسماء لها وزنها الاجتماعي على حساب الأقلام الحقيقية التي تغرد خارج سرب السائد , وكل ما حصل عليه أدبي من نقاد سوريين وعرب كلمات لا ترقى للنقد الحقيقي الذي يُخرج كنوز النص إن وجدت .. وبالتالي لم يضف النقاد أي شيء يُذكر إلى تجربتي سوى إصراري على نهجي في اختراق السائد...
إلى جانب القصة لك أيضا اهتمام بالشعر, حدثينا عن علاقتك بالقصيدة؟ وهل يمكننا الحديث عن حضور الرجل في نصوصك كمصدر من مصادر الإلهام؟
بداية أنا لم أكتب قصيدة واحدة وهذا شرف لا أدعيه إنما لي نصوص وجدانية نابعة من حالات إنسانية تمر هنا وهناك... و أؤكد بأنني مهتمة بالشعر كقارئة , فأنا أعشق أبا نواس ولدي مشروع دراسي لشعره وحياته وعوالمه وتقلبات العصر الذي عايشه. أما الشق الثاني من سؤالك فهو من أمتع الأسئلة لأنني أتنفس بالرجل, ليس في نصوصي فقط وإنما في حياتي.
وعلى أرض الواقع, هل هناك رجل يقف بجانبك في حياتك الخاصة أو العامة لنقول بذلك وراء كل عظيمة رجل؟
سأجيب بكل صراحة بأن هناك رجلا يدير بيتي الوجداني بحضوره المميز , ورؤيته غير العادية لمنجزي الأدبي, وأدين بالفضل لحضوره الشامخ الذي جعل لمفرداتي هذا التمرد كله . وأنا أقر بأنه كما وراء كل عظيم امرأة, فإن وراء كل مغمورة عظيم...
لكل منا أحلام يود تحقيقها ,ماهي أحلام الأديبة والمبدعة فاديا التي لازالت حبيسة قاعة الانتظار؟و ماهي مشاريعها المستقبلية؟
بما أن الكتابة مثل رداء بينلوب يفكها الكاتب وينسجها آلاف المرات فإن الحلم دائم التجدد , فأول أحلامي يخص المرأة في أن تسعى لتغيير واقعها , وتخطي المحظورات , كما لدي حلمي الخاص الذي يشبه حلم كل امرأة في أن أجد الرجل الذي يقف مع جنوني في تغيير العالم , وقهر المستحيل , وحلم أدبي في أن أكتب مالم يكتبه غيري . أما عن مشاريعي فبعد رفض مجموعة أهل المغارة من إتحاد كتاب سورية أظن بأنني سأبحث عن دار نشر تتبنى هذا العمل , إضافة لروايتي التي كنت سأقدمها للإتحاد ولكن غيرت رأيي ففيها من التجديد ما سيجعلها تُرفض كغيرها ..
كلمة أخيرة منك لمجلة فرح
بداية أتمنى لمجلة فرح التقدم والتطور وتحقيق أهدافها, وأشكركم لاهتمامكم بما تقدمه الساحة الأدبية من مبدعين ومبدعات فهذه لفتة كريمة منكم. أتمنى أيضا ألا تفرد مجلتكم أكثر من صفحة لطبق اليوم, أو آخر خطوط الأزياء, والتسالي, وبرجك اليوم, لأن المرأة قضية بحد ذاتها فلها تركع كل القضايا مهما كانت... شكرا لكم, وأتمنى أن أكون قد رسمت الخطوط البيانية لكل ما ينغص حياة المرأة المبدعة...
|
|