( قصة.. وشعر وشاعر)ــ * محمد عقيله العمامي *
أريد أن أقدم لكم شاعرا غنائيا ! أريد أن أقدمه لأنه يجيد رصف الكلمات ، ويتقن وزنها في يسر
وسلاسة .. وفوق ذلك كله أنقذني من موقف مزعج تورطت فيه من حيث لا أدري !!.. ولذلك إن لم تجدوا شعره ممتعا - وهذا أمر بعيد الاحتمال – فسوف
تجدون في أشعاره ما قد ينقذكم من مغبة المواقف المزعجة ، وقاكم الله منها !! ..فدعوني أحكي لكم القصة من بدايتها . أعترف أولا ، أنني أجد في كتابة القصة القصيرة متعة ، فهي متنفسي للومضات التي تبرق في عقلي بين حين وآخر. أعترف أنني أبتهج كثيرا عندما أخلق من هذه الومضات مشاهدا ملونة غالبا ما تسعد قراؤها ؛ ومع ذلك أنفر كثيرا من المشاركة في الأماسي القصصية !! لأنني – ببساطة – لست مقتنعا بقراءة قصة على حشد كريم من مدعوين يتعذر عليهم تتبع ملل السرد ، وفداحة الأخطاء النحوية المزعجة ! فالقصة القصيرة – كما أراها – ليست ممارسة منبرية كالخطابة أو الغناء ، أو الشعر . القصة القصيرة كالأنثى الجميلة ، تكون المتعة معها في الاختلاء بها ! . فهي – أعني القصة – تستمتع بها عندما تأخذها بين يديك ، تتحسس وجهها -أعني غلافها - برفق ثم تفتحه ، ثم تطويه .. والمرء لا يختلي – بقصة – إلاّ عندما يكون رائقا هادئا .. قد يستلقي بها ، فوق أريكة مريحة ، أو فراش دافئ . قد تثيره ، عندما يكتشف فتنتها - أعني جمال حبكتها !- والصمت القصير بين عبرات الغزل ، كالنقطة بين الأسطر ، والتنهيدة كالفاصلة .. والدهشة كيف يوصلها القاص للمستمعين ؟ كيف يقدم لهم علامات التعجب والاستفهام ... ما المتعة من وقوف القاص وراء منصة ، وينطلق في سرد قصة هي في الأساس لم تكتب لهذا الغرض . والقاص – غالبا – ما يسرع في سرده ، لأنه يعلم أن السرد الطويل هو وسيلة فعالة لإرسال المتلقيين في سبات عميق ! فتظاهر المتلقين بحصرهم على الهدوء ، وصعوبة متابعة أحداث القصة ، وتصنع القاص في سرده .. كلها أمور تخلق الملل . لهذا السبب أتجنب دائما المشاركة في هذه الأماسي ، سواء بالمشاركة أو حتى بالحضور .. ولكن من منا كاتب لم يجد نفسه محاصرا في أمسية قصصية ، من دون رغبة منه . يوما ما وجدت نفسي مشاركا في أمسية قصصية ، وعندما انتبهت أن الحاضرين أخذوا يتتابعون في مغادرة القاعة ، قبل أن يحين موعد إلقاء قصتي ، قررت أن أنتقي أقصر قصصي على الإطلاق ، وعندما فتحت المجموعة التي تحوي هذه القصة ، وجدت بصفحتها ورقة مطوية ، تذكرتها على الفور فقد كانت تحوي قصيدة مدهشة أهداها إلي الشاعر الذي أريد أن أقدمه إليكم بمناسبة صدور هذه المجموعة القصصية ، فخطر على بالي أن أجعل من مشاركتي شعرا أكثر منها نثرا . عندما اعتليت المنبر أخبرت الحاضرين عن رأي في السرد القصصي ، واقترحت عليهم أن يتحاملوا على أنفسهم ، ويطردوا النعاس ويسمعوا قصتي التي لا تتعدى في مجملها نصف صفحة واحدة ، وإن أعوضهم عن ذلك بإلقاء قصيدة تتعلق بالموضوع ذاته . لم أترك لهم فرصة الاعتراض . وعندما انتهيت من قراءة القصة ظل الحاضرين على ما هم عليه ، ولكن بعد الانتهاء من إلقاء القصيدة انفجرت القاعة بالتصفيق للشاعر وليس للقاص ! . دعوني أولا أقدم لكم القصة : ( استأذنتها . أعطته لي ، قلما كهرمانيا بلون شفتيها المكتنزتين . أعطته والابتسامة المشرقة تغمر وجهها مثلما تغمر شمس الربيع الصباحية الحقول الزاهرة . كتبتُ به نموذج إيوائي ونسيته بجيبي . يومان لم أرها خلف نضد الاستقبال ، فظل القلم معي ثلاث ليال . حاولت أن أكتب به ، ولكنه عصاني . رفض أن يطاوعني .. لم يكتب لي حرفا واحدا !! اليوم ، عندما رأتني ، هللت .. وسألتني بلهفة المشتاقة : - " أين قلمي .. رد قلمي ! " . خيل لي – عندما اهتز القلم بين أصابعي وأناملها – أنه يرقص مبتهجا بالعودة إليها . سألتها عن مكان ما . وفيما كانت تفكر رفعت القلم بعفوية ،نحو ثغرها فتلألأت أسنانها. لمس القلم شفتيها ، فبدا لي أنها تقبله . أعترف أنني غرتُ منه ! لم انتبه عما سألت ، كنت مشغولا بفرحة القلم وهي تثبته بفتحة ثوبها .. بين نهديها ! سبحان الله .. هل للأقلام قلوب ؟ أعذرني أيها القلم الكهرماني ، فقد حرمتك منها ثلاث ليال طويلة ! ) . هذه هي القصة ، وهي عنوان المجموعة ، وهي التي أهداني صديقي محمد بوقرمه قصيدة نظمها ( خص قص ) لهذه القصة . يقول فيها :
رد القلم يا صاحبي خليه .. ينعم بصحبة غاليين عليه .. حرمتا منهم ..
ستين ساعة ما قدر يوصلهم .. محبوس في دارك يريد وصلهم ..لاطالهم لا أنت طلقت أيديه
ما طلقت سراحه .. لو كان تلقى تاخذه مطراحه .. مبسوط وأوسادك نهود الراحة وهو يتجمط ماعاد من يبيه
موالف بيها .. عيشة دلال في جنبها لاقيها .. والحق ما يقدر يفرط فيها ومعاك يشقى بالشقاء تبليه
ماهو منه .. فراق الغوالي جاه غصبا عنا .. منك حرمته من سكون الجنه ..على النارحطيته تقلب فيه
عارف حاله .. معاك يفقدهن أيام دلاله .. في الليل قصه وفي النهارمقاله .. أوقت القلق تقعد اتخبط فيه
رده خير.. لا ينفعك في خط لا تسطير.. ولايطاوعك لو ادير مهما ادير.. وعارف مصيره في الخلا ترميه
واجدين كيفا كانو.. سمرو الليالي معاك ياما عانو.. تكتب وتشطب عمرهم ما خانوا .. وانسيتهم وأيجي الدور عليه
فما رأيكم في هذه الصور البديعة ؟ أليس الشعر هو سيد المنبر ؟ إن كان الأمر كذلك أريدكم أن تتذكروا الشاعر محمد بوقرمه ، الذي نتوقع أن يفتح لنا جرابه ويتحفنا بروائع مدهشة نظل طويلا نرددها معه .