عرض وتحليل لكتاب المذيعة اللبنانية السابقة في قناة الجزيرة لينا زهر الدين، "الجزيرة.. ليست نهاية المشوار"، والذي وقعته رسمياً في لبنان يوم 12 يوليو/تموز
حيث فتحت النار على المدير العام لشبكة الجزيرة القطرية وضاح خنفر، ونائب مدير التحرير السابق في غرفة الأخبار في القناة أيمن جاب الله، مدير قناة الجزيرة مباشر حالياً.
وتقول إن تعيين خنفر في هذا المنصب "كان صدمة للجميع"، وتتساءل "كيف أن مراسلاً ليس لديه الخبرة الكافية، ولم يمضِ على وجوده في الجزيرة أكثر من عام، يقفز من أولى درجات السلم إلى أعلاها على الإطلاق مرة واحدة؟"، وتصف خنفر بأنه كان "مراسلاً مغموراً وهامشياً" حين كان يعمل صحفياً للقناة في جنوب إفريقيا، قبيل اندلاع الحرب على العراق عام 2003، وتضيف أنه كان وقتها "يقتات على خبر من هنا ومعلومة من هناك".
أما عن جاب الله فتقول زهر الدين "إن كثيرين كانوا يعتبرون الخلفية المهنية لجاب الله ضعيفة جداً، ولم يكن قادراً على صياغة تقرير أو إنتاج أي مادة صحفية مهمة". وتضيف أنه منذ مجيئه للقناة بدأت نوايا خنفر الحقيقية بالظهور، فبمعونة ومساندة جاب الله بدأت حملة تعيينات في القناة شملت من وصفوا بـ"المتشددين"، مع تعزيز التيار الإسلامي الذي كان موجوداً أصلاً ولو بشكل مستتر.
وفي الكتاب تفاصيل كثيرة تسرد من خلالها زهر الدين، ابنة بلدة "ميس الجبل" قضاء مرجعيون جنوب لبنان، تجربتها في الجزيرة والتي امتدت إلى أكثر من ثماني سنوات، وتقف فيه عند محطات عدة من حياتها المهنية والشخصية منذ طفولتها، ومعايشتها الحرب الأهلية في لبنان، إلى أن التحقت "صدفة" بكلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، مروراً بانتقالها للعمل في تلفزيون أبوظبي حتى حطت رحالها أخيراً في قناة الجزيرة. كما أن الكتاب لا يخلو من بعض المواقف الطريفة.
وهنا أعرض لأهم ما في جاء في كتاب المؤلفة من تفاصيل، يصح أن توصف بـ"المثيرة" خصوصاً لغير المطلعين على خبايا مهنة الصحافة، والتي أرى أنها مهمة لفهم النتيجة التي دفعتها وثلاث من زميلاتها المذيعات إلى الاستقالة من القناة في الخامس والعشرين من مايو/أيار 2010. لذلك آثرت أن أقسم عرض الكتاب وتقديمه في ثلاثة مقالات، وأورد في كل منها ما جاء بالكتاب بنفس الترتيب، لاشتماله على تفاصيل قد يرى البعض أنها غير ذات أهمية، إلا أنها في النهاية تتجمع لتشكل الظروف المحيطة بقضية الاستقالة والتي أثارت جدلاً واسعاً في الوسط الصحفي عربياً وعالمياً.
نظرية البئر والحجر
تشهد زهر الدين أن الجزيرة قلبت الموازين الإعلامية في العالمين العربي والإسلامي، وأنها الحجر الذي حرك المياه الراكدة في العديد من البلدان، وفتحت عيون الحكام والشعوب على أهمية الصورة والخبر، وتجرّأت على قول الحقيقة، وتجاوزت الخطوط الحمراء. وما من بلد أو حكومة حاولت إسكات القناة عبر الإغلاق، واستهداف مراسليها حتى الموت، إنما كانت حاقدة كارهة للحرية والديمقراطية، وهي محاولات زادت من تألق الجزيرة عن غير قصد.
وتوضح أن الأجندة الخاصة للجزيرة، كما في كل المؤسسات، والتي تأتي في بعض الأحيان على حساب القواعد الدنيا للمهنية والاحتراف والجهد والانتماء، هو الشيء الذي لا يمكن قبوله أو المساومة عليه. وتعترف أنها أخطأت حين وضعت الجانب المهني قبل الشخصي في تعاملاتها مع زملائها، لتكتشف لاحقاً أنه لا مكان لمثل هذه الأمور في مكان فيه ظلم ومحسوبيات.
وتقول زهر الدين، التي التحقت بالجزيرة في الخامس من مايو/أيار 2002، وعملت فيها ثماني سنوات وبضعة أيام إلى أن قدمت استقالتها منها في 25 مايو/أيار 2010؛ إن "وضعي لهذا الكتاب بين أيدي القراء لا أريد أن يُفهم منه أنه حقد على الجزيرة، أو فضح لأسرار مهنية، هي أمانة في عنقي سأبقى أحملها طوال حياتي. لكن غايتي وهدفي وأملي من سرد تجربتي المتعلقة بالقناة هو أن يعي المسؤولين فيها أهميتها، وأهمية رسالتها وحضورها وشعبيتها، فيبادرون إلى التصحيح، ليحافظوا على هذا الصرح الإعلامي سليماً معافى بعيداً عن الأهواء الشخصية والممارسات الخاطئة، فلا يجوز أن يتم التعامل مع موظفيها كأنهم عبيد لا رأي لهم ولا مشورة، ثم يدعي بعد ذلك أنه يمثلها ويرفع شعار الرأي والرأي الآخر".
البداية الصدفة
تبدأ المؤلفة كتابها بسرد قصة دخولها إلى عالم الإعلام، وكيف أن الأمر كان برمته "صدفة". وتقول بنت ميس الجبل، البلدة "المطلة على كتف فلسطين"، كما يقول وفيق نصر الله، مدير المركز الدولي للإعلام والدراسات، في تقديمه للكتاب؛ إنها لم تهو الإعلام أو الشهرة منذ نعومة أظفارها، وأكثر ما تذكره عن طفولتها اهتمامها بالحيوانات الأليفة وخصوصاً القطط. وتسرد معايشتها للحرب الأهلية في لبنان منذ بدايتها، وكذلك الحروب الإسرائيلية، وتنقلاتها حينذاك رفقة أهلها أكثر من مرة من ملجأ إلى آخر.
وتقول إن صديقتها سهى زين الدين كان لها دور كبير في دخولها عالم الإعلام حين أقنعتها بالتقدم إلى امتحان كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية من دون علم أحد، بمن فيهم أبيها الذي كان يفضل أن تدرس الأدب الفرنسي. وعندما نجحت في الامتحان، لم يرد والدها إفساد فرحتها في النجاح، فضمها بين ذراعيه قائلاً: "فلعتِها يا لينا حسناً مبروك". وتخرجت في الكلية صيف 1997.
بعد التخرج التحقت بتلفزيون "نيو تي في" (الجديد حالياً)، للتدرب على الأداء في نشرات الأخبار لمدة شهرين، انتقلت بعدها إلى إذاعة الشبكة الوطنية للإرسال NBN مراسلة محلية ومحررة للقسم العربي والدولي. وفي موقف طريف تقول لينا إنه في إحدى المرات تغيب أحد المذيعين، فطُلب منها على عجل تقديم النشرة رفقة مذيعة أخرى، وبعد أن أعلنت زميلتها اسمها إيذاناً بانتهاء النشرة، ارتبكت لينا.. وتقول: " ببساطة.. نسيت اسمي!". استمرت في هذا العمل سنة ونصف السنة قبل أن تقدم استقالتها.
اتصال قلب حياتها
اتصل بها شخص يُدعى حسن فرحات يسأل عن إحدى زميلاتها، ويُصر على أنها هي. ثم قال لها: بما أني اتصلت بكِ، وجرى هذا الحديث بيننا، فما رأيك أن تتوجهي إلى فندق الكومودور في بيروت لمقابلة لجنة من تلفزيون أبوظبي تبحث عن فريق عمل تلفزيوني كامل لإحداث تجديد في القناة؟. وكانت المقابلة التي تقول عنها لينا إنها "أحدثت انقلاباً نوعياً وانعطافة مهمة" في حياتها المهنية والعائلية، حيث تم قبولها للعمل براتب عشرة آلاف ريال إماراتي (2800$). وكان الانتقال في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1999. ومن الطريف أنها عندما اتصلت بأمها لتبلغها بصوت مرتجف: عندي خبر مفرح. فردت أمها: خير ما هو؟ هل أنت حامل؟.
وصلت أبوظبي وخضعت لاختبارات تحت الهواء لمدة شهرين، وهناك تعرفت لأول مرة على منتج نشرات الأخبار أيمن جاب الله، والذي لا تنكر لينا أنه أشرف على تدريبها، إلا أنه كان يتعمد إزعاج المذيعات قبيل ظهورهن على الهواء بدقائق، مما يؤثر بطبيعة الحال على أدائهن على الشاشة.
تحرير جنوب لبنان
تقول لينا إن فترة الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو/أيار 2000 كانت الأصعب في حياتها، حين أوكلت لها الإدارة في تلفزيون أبوظبي الجزء الأكبر من المهمة، وكان عليها أن تفصل حيها بين ما هو شخصي ومهني. وكان تلفزيون أبوظبي أول من نقل مشاهد بدء الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب.
وتروي في هذا الصدد أن الرئيس اللبناني السابق إميل لحود طلب من قائد الحرس الجمهوري العقيد مصطفى حمدان الاتصال برفيق نصر الله، مراسل القناة في ذلك الوقت، وسأله: هل أنت فعلاً عند نقطة الحدود؟، وعندما أكد له المعلومة انتزع لحود السماعة من العقيد وسأل نصر الله بصوت عالٍ تملؤه البهجة: "أنت فعلاً عند نقطة الحدود يا رفيق؟، أجاب: أنا عند آخر متر من الحدود يا فخامة الرئيس، لقد أزلنا الشريط وحررنا أرضنا".
في الأيام الأخيرة في تلفزيون أبوظبي قدمت لينا برنامجاً من سبع حلقات للتضامن مع الفلسطينيين في انتفاضتهم والتي اندلعت في سبتمبر/أيلول 2001، وخصص للقدس تحديداً، وكان بعنوان "لأجلك". أثنى على البرنامج رئيس مجلس الإدارة في القناة آنذاك أحمد البلوشي قائلاً لها: "لن أسمح لك بالذهاب إلى أي محطة أخرى، ستبقين معنا وهذا كلام نهائي". كانت حينها استقالة لينا قد احتجزت في أدراج الإدارة، لكن إصرارها جعل المسؤولين عاجزين عن ثنيها.
كان العرض هذه المرة من الجزيرة، وكان أول من هاتفها للانضمام إلى القناة إبراهيم هلال، رئيس تحرير الأخبار حينها، والذي انتقل بدوره إلى قناة الجزيرة بعد مشاكل مع إدارة تلفزيون أبوظبي على خلفية فساد في أحد مكاتب القناة الخارجية، قالت لينا إنها "غير متأكدة من صحتها". أصر عليها هلال بالانضمام للقناة فوراً دون إبطاء رغم أنها طلبت منه التمهل. وفعلاً تم الانتقال سريعاً. وتقول زهر الدين: "إن قناة الجزيرة كانت المكان الذي طالما حلمت فيه مذ دخلت عالم الإعلام، وتحديداً مجال الأخبار".
عرض وتقديم: موسى محمود الجمل
دبي
29 يوليو 2011