للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلتدهور العلاقات المصرية الامريكية في النصف الاول من عام 1967 610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6017 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 191 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 191 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
    تدهور العلاقات المصرية الامريكية في النصف الاول من عام 1967 Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

     تدهور العلاقات المصرية الامريكية في النصف الاول من عام 1967

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    متابعات
    مختارات
    متابعات


    المشاركات : 1292
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    تدهور العلاقات المصرية الامريكية في النصف الاول من عام 1967 Empty
    مُساهمةموضوع: تدهور العلاقات المصرية الامريكية في النصف الاول من عام 1967   تدهور العلاقات المصرية الامريكية في النصف الاول من عام 1967 Icon_minitime24.07.11 23:50

    من مذكرات أكرم الحوراني



    تدهور العلاقات المصرية الامريكية في النصف الاول من عام 1967

    بمناسبة ذكرى الوحدة السورية المصرية القى عبد الناصر خطابا (23/2/1967) كشف فيه عن التدهور الشديد في العلاقات بين مصر والولايات المتحدة الامريكية، واعلن عن الغاء مؤتمرات القمة وعزمه على انتهاج سياسة مواجهة النفوذ الامريكي اعتمادا على وحدة القوى الثورية في العالم العربي، مع اعترافه بأن هذه المؤتمرات قد حققت فعلا وحدة العمل العربي وقيام منظمة التحرير وانشاء الجيش والكيان الفلسطيني برغم محاولة الولايات المتحدة تصفية القضية الفلسطينية، كما حققت هذه المؤتمرات القيادة العربية الموحدة، وتمويل دول المواجهة المحيطة باسرائيل، ففتحت اعتمادات للاردن وسورية ولبنان وبهذا تحققت بعض النتائج العملية لاجل قضية فلسطين.

    كان الغاء مؤتمرات القمة يعني بالنسبة للانظمة العربية الموالية للولايات المتحدة والغرب انه لا تعايش بينها وبين النظام الثوري في مصر وان عبد الناصر بما له من زعامة في العالم العربي قد وضع هذه الانظمة في مواجهة شعوبها.

    ولكن الامر الهام الذي كشف عنه عبد الناصر في هذا الخطاب هو ان الولايات المتحدة قد طلبت منه ايقاف التجارب الذرية والصاروخية(1) التي كانت تجرى في مصر، ووقف اي زيادة في الجيش المصري، كما طلبت لنفسها حق التفتيش للتحقق من مراعاة هذه المطالب، وعندما رفضت مصر ذلك بدأت الولايات المتحدة تهدد بقولها ان الرأي العام والكونغرس يعارضان اعطاء مساعدات القمح.

    وقد تحدث عبد الناصر عن المصاعب الاقتصادية التي تعانيها مصر بسبب قطع المساعدات قائلا :

    نحن تعبانين فعلا اقتصاديا لأن اميركا قطعت عنا مساعدات القمح فبعنا قسما من احتياطي الذهب، ولكن ذلك لا يعني انهيارنا الاقتصادي، وقال :

    ان علينا ضغوطا مالية، وتحاول اميركا مع بعض الهيئات الدولية القيام بهذه الضغوط لخلق مشاكل في بلدنا، ثم هدد بقوله:

    ان الذين يضغطون علينا اقتصاديا لا يمكن ان ندفع لهم الديون مهما طالبونا، واعلن :

    "إن مرحلة جديدة من مراحل النضال العربي قد بدأت بعد أن انتهت مؤتمرات القمة بوحدة القوى الثورية، وان الجمهورية العربية المتحدة بوصفها البلد الاكبر تتحمل مسؤولية الصمود في هذه المعركة بمواجهة الضغط الاميركي والبريطاني، والضغوط الاقتصادية والحرب النفسية وحرب الشائعات" كما اعلن ان مصر تؤيد سورية في ازمة النفط القائمة بينها وبين شركة النفط العراقية وانها منعت الطائرات الاميركية والبريطانية الحربية التي تحمل عسكريين من التحليق في الاجواء المصرية، وانها لن تقدم لها التسهيلات بعد الان.

    كان هذا الخطاب تهديدا من عبد الناصر بنسف العلاقة القائمة بين مصر والولايات المتحدة التي ظلت ترى في ناصر عنصرا هاما في مقاومة الشيوعية (حسب المفهوم الاميركي) ونفوذ الاتحاد السوفيتي، وقد ورد في كتاب سنوات الغليان لمحمد حسنين هيكل شرح لهذه العلاقة يمكن تلخيصه بما يلي :

    بعد انفصال سورية عن مصر طلب الرئيس كندي ومجلس الامن القومي (تشرين اول 1961) تقريرا حول السياسة التي يجب ان تتبع مع عبد الناصر، فكان رد المخابرات المركزية :

    "ان ناصر لا يزال عنصرا هاما في مقاومة الشيوعيين ونفوذ الاتحاد السوفيتي في المنطقة، وهنالك قدر معقول من الافتراض بأنه اذا تلقى مساعدات مناسبة فقد يجد ان من مصلحته الاستمرار في سياسة تكفل بقاءه داخل حدوده، وعدم التدخل في شؤون الآخرين الى جانب العداء للشيوعية والاتحاد السوفيتي، كما ستدفعه فيما بعد الى رؤية الضوء الذي يسهل عليه حل عقدة استمرار الصراع مع اسرائيل، واذا أمكن الوصول الى سلام بين مصر واسرائيل فليس هنالك قوة عربية او مجموعة قوى تستطيع ان تعرقل هذا الاتجاه".

    وبناء على هذه المطالعة التي وردت في تقرير المخابرات المركزية فإن دين راسك وزير خارجية الرئيس كندي اقترح (كانون ثاني 1962) امداد مصر بالمعونة لابعادها عن اي اقتراب من السوفييت، ولأنها ستساعد ناصر على الشعور ان لديه ما يفعله في مصر مما لا يغريه بالخروج وراء حدوده، كما اقترح ان تكون المعونة لعدة سنوات لكي يكون الارتباط طويل المدى".

    ويعلق هيكل على كل ذلك بقوله :

    "ولم تمض الا اسابيع حتى كان الدكتور عبد المنعم القيسوني، يقود وفدا اقتصاديا الى الولايات المتحدة، ويوقع هناك اتفاقا طويل المدى، حصلت به الجمهورية العربية المتحدة على ما يساوي 500 مليون دولار من القمح في اربع سنوات، وقد كتب الرئيس كندي خطابا للملك سعود ولغيره من رؤساء الدول العربية مطمئنا اياهم بعد هذا الدعم لعبد الناصر، وجاء في الكتاب حرفيا :

    "اعتقد ان هذه السياسة اذا نجحت فإن اصدقاءنا في المنطقة سيكونون اول المستفيدين من المناخ في الشرق الاوسط" (601-613)

    بدء الخلاف بين ناصر والادارة الاميركية

    بدأ الخلاف بين ناصر والادارة الاميركية بعد اشهر من ارسال الجيش المصري لليمن بهدف لجم جموح الثورة اليمنية من ان تمتد اليها الدعوة الشيوعية والنفوذ السوفيتي، وقد ذكرت سابقا ان الامام احمد قد اجاز للصين الشيوعية ان تشق طريقا حديثة من صنعاء الى الحديدة، كما ان جنوب الجزيرة العربية، من عدن، الى ظفار عمان، الى البحرين كان يتوقد بالثورة او احتمالاتها على النفوذ البريطاني.

    لقد ظن الرئيس كندي عندما اجاز ارسال الجيش المصري الى اليمن ان باستطاعة الولايات المتحدة -مادامت تقدم القمح الى مصر- ان تسيطر على الوضع مما يجعل انسحاب الجيش رهنا بمشيئتها، ولكن عبد الناصر لم يكن ينوي الانسحاب، بعد ان اصبحت ورقة اليمن في يده، فقد كان وجوده في اليمن فرصة سانحة لن تعوض لمد زعامته وحضوره ونفوذه الى الجزيرة العربية، واحكام سيطرته على مداخل البحر الاحمر، مما يشكل تهديدا خطيرا للمصالح البترولية البريطانية والامريكية وللملاحة الاسرائيلية.

    بينما اعتبرت المملكة العربية السعودية ان وجود الجيش المصري في اليمن واقامة نظام جمهوري ثوري فيها هو تهديد للنظام الملكي السعودي. وهكذا بدأت الحرب تتحول من حرب ضد الملكيين في اليمن الى حرب بين الجيش المصري والسعودية التي كانت تدعم بكل الوسائل، بالتعاون مع الاردن، وبمباركة بريطانية القبائل اليمنية الموالية للامام البدر.

    "وبينما كان الرئيس كندي ميالا الى حل توفيقي، كانت بريطانيا ترى ضرورة مواجهة جمال عبد الناصر بالحزم الى درجته القصوى وكانت المصالح الاقتصادية والمالية الاميركية في نفس الاتجاه مع بريطانيا، لأن شركات البترول وخطوط الانابيب والنقل، ومجموعات البنوك كان رأيها قاطعا بأنه لا يمكن السماح لأية اتجاهات ثورية ان توجد قرب منابع البترول، او تمثل تهديدا محتملا للنظام الذي استقرت قواعد التعامل معه منذ سنوات طويلة، وان اي شيء غير ذلك هو قبول باحتمالات مجهولة وخطرة على حساب اوضاع معروفة ومأمونة" (سنوات الغليان ص640).

    كان الحل التوفيقي الذي اقترحه كندي في رسائل بعثها بتاريخ 17/11/1962 الى عبد الناصر والامير فيصل والملك حسين يتضمن :

    1- انسحاب القوات الاجنبية من اليمن على مراحل وان تكون مراحل متسارعة.

    2- انهاء المساعدة الخارجية للملكيين.

    3- سحب القوات التي ادخلت بعد ثورة اليمن الى المنطقة المجاورة للحدود السعودية اليمنية على مراحل، وان تكون متسارعة. (أي القوات السعودية والاردنية).

    كما تعرض كندي في هذه الرسائل الى الخطوات الاجرائية التي تؤمن هذا الحل.

    وبتاريخ 18/12/1962 اعترف كندي بجمهورية اليمن، وكان معنى هذا الاعتراف ان الولايات المتحدة قد ضمنت النظام الجمهوري في اليمن وان مهمة عبد الناصر في ذلك البلد يجب ان ينتهي.

    وكان الوضع في هذه الفترة قد استقر لليمن الجمهوري على النحو الذي وصفه رالف بانش في تقريره ليوثانت سكرتير الامم المتحدة بعد ان طار فوق كل ارجاء اليمن ونزل في عدد من القرى الرئيسة:

    "ان النظام الثوري الجديد قد مد سلطته على كامل التراب اليمني، وان القوى المعادية للثورة اليمنية متمركزة كلها في قواعد خارج ارض اليمن". (سنوات الغليان ص652).

    وكان الملك فيصل قبل اسابيع خلال زيارته واشنطن : قد حصل على وعد مؤكد من الرئيس كندي بأن الولايات المتحدة سوف تقف بحزم لضمان امن السعودية وسلامتها من اي تهديد" (سنوات الغليان ص653).

    كما ارسلت الولايات المتحدة عددا من الطائرات للسعودية، وعددا من المدمرات لسواحلها الشرقية، للاعراب بشكل علني عن التعهد الاميركي بضمان النظام السعودي.

    لم تؤد ضمانات الرئيس كندي ولا اقتراحه فك الاشتباك بين المصريين والسعوديين الى نتيجة، فقد بقيت السعودية تعتبر ان النظام الجديد في اليمن هو تهديد لامنها وللاوضاع فيها، وان كندى لا ينظر الى القضية من منظور الصراع بين الجمهوريات والملكيات المحافظة في المنطقة، وانما في اطار الصراع الدولي مع الاتحاد السوفيتي" (سنوات الغليان ص637). كما بقيت بريطانيا وشركات البترول معادية بشدة للاوضاع الجديدة في اليمن.

    اما بالنسبة لعبد الناصر الذي اجاب بشكل مبهم على اقتراحات الرئيس كندي عندما ابدى استعداده للانسحاب "بعد موافقة الحكومة اليمنية"، فقد كان متشككا من نوايا كندي بسبب الحشود والتعزيزات على الحدود اليمنية السعودية (رسالة ناصر الى عبد الحكيم عامر-سنوات الغليان ص651) ومن جهة ثانية فقد اصبح وجود الجيش المصري في اليمن يشكل ورقة هامة في يده بمواجهة السعودية وبريطانيا واسرائيل والولايات المتحدة نفسها.

    لقد وجدت بريطانيا وبدعم من شركات البترول ان بقاء الجيش المصري في اليمن هو فرصة ممتازة لاستنزافه واستنزاف موارد مصر، مما يؤدي الى اسقاط عبد الناصر، ويشير هيكل في سنوات الغليان الى تقرير مقدم لوزير خارجية بريطانيا دوغلاس هيوم ورد فيه :

    "ان الاحتمال الثالث هو قبول بقاء الجيش المصري في اليمن، والعمل على استمراره ورفع تكاليف بقائه بما يؤثر على بقاء ناصر في القاهرة، وهذا احتمال تكمن فيه فرص هائلة اذا احسن استغلالها، خصوصا وان طبيعة ارض اليمن وقبائله كما اثبتت تجارب الماضي بما فيها تجاربنا نحن، تقدم ظروفا مواتيه للاستنزاف" (ص656).

    ويشير كارل فون هورن رئيس قوات الامم المتحدة التي ارسلت لفك الاشتباك على الحدود اليمنية السعودية الى ما اصبح عليه الوضع في اليمن بما يلي:

    "لقد اصبحت اعتقد أنه لا السعوديين ولا المصريين لديهم النية لفك الاشتباك ويزداد اعتقادي يوما بعد يوم ان وجود مراقبين للامم المتحدة في اليمن هو في الواقع عملية تغطية سياسية موجهة للرأي العام العالمي" (سنوات الغليان 654).



    في النصف الاول من عام 1963 جرت محاولات من طرف السعودية لفك الاشتباك على الحدود اليمنية، وكان ذلك بعد انقلاب الثامن من شباط في العراق والثامن من آذار في سورية، عندما وجد النظام السعودي نفسه محاصرا بالانظمة الثورية من الشمال والجنوب، فتوصل الطرفان الى ما سمي باتفاق الطائف الذي تبعه اتفاق آخر بتاريخ 5/8/1965 هو اتفاق جدة، ولكن تنفيذ هذا الاتفاق بقي متعثرا ومتباطئا من الجانب المصري حتى عام 1967، وعندما حدثت حرب حزيران كان ما يقرب من 50 الف جندي مصري ما يزالون في اليمن..

    لقد حاول كندي خلال عام 1963 الى ما قبيل اغتياله اواخر هذا العام ان يستحث عبد الناصر على الانسحاب ويتبين ذلك في رسالته اليه بتاريخ 19 اكتوبر 1963 التي وردت في سنوات الغليان (ص721):

    "يتعين على بروح التبادل الصريح للآراء الذي اعتقد ان كلينا بات يقدر قيمته- ان انهي اليكم قلقي الشخصي الشديد لتباطؤ الجمهورية العربية المتحدة حتى الان على الاضطلاع بدورها في اتفاقية فض الاشتباك في اليمن. واعتقد ان من الانصاف ان اذكر ان السعوديين يضطلعون بالجانب الخاص بهم من الصفقة، وبناء عليه فلا املك اي تأثير على فيصل عندما يتبين انه، وقد اضطلع بجانبه من الصفقة، ما زال يرى القوات المصرية في اليمن ويسمع في القاهرة عبارات معادية.

    ومن ناحية اخرى، لم تقم الجمهورية العربية المتحدة بانسحابات على مراحل، وبالدرجة التي تتفق مع فهمنا لروح الاتفاقية، ونحن نفهم بعض الاسباب التي دعت الى ذلك، ومع هذا فلا يسعنا ان نغمض العين ازاء حقيقة ان الجمهورية العربية المتحدة لا تفي بعهد قطعته للامم المتحدة وتم بضمانة الولايات المتحدة باعتبارها صديقا للطرفين، وبسبب دوري الشخصي في هذا الامر، فاعتقد انكم تستطيعون فهم شعوري بالورطة حين ارى حكومة الولايات المتحدة تتعرض للنقد من الخارج والداخل على حد سواء، وليس امامي مفر من ان اقول لكم ان هذه المسألة تعقد جهودي الخاصة في الكونجرس لمواصلة سياستنا الودية في مجالات المصلحة المتبادلة، واذ نحن سمحنا لليمن بأن تؤثر في مصالحنا الاكبر منها، فإننا نكون بذلك فقدنا قدرتنا على تشكيل الحوادث وسمحنا لها بأن تطغى علينا".

    "ثم لجأ كندي للضغط على عبد الناصر فتقدم مبعوثه اليه ماكلوي بهذه المطالب :

    1- ان الولايات المتحدة تطلب من مصر ايقاف برنامجها لانتاج الصواريخ.

    2- ان الولايات المتحدة تطلب من مصر الاستغناء عن خدمات عالم الصواريخ الالماني الشهير وولفجانج بيليز، وبقية الخبراء الالمان الذين يعملون معه.

    وعندما اشار ناصر الى تجارب الاسرائيليين في هذا المجال، كان جواب المبعوث الاميركي:

    "ان حصوله على رد ايجابي من مصر الان يعزز موقفه امام الاسرائيليين حين يقابلهم، كما ان مثل هذا الرد الايجابي يثبت للرئيس كندي صدق نوايا الجانب المصري، كما يسهل موقفه امام الكونغرس في موضوع المساعدات الاقتصادية لمصر" (سنوات الغليان ص715)

    وبتاريخ 22 تشرين ثاني 1963 اغتيل الرئيس كندي، ولعل في اغتياله ما يدفعنا الى هذا التساؤل :

    هل كان اغتيال كندي نتيجة لموقفه المسالم اللين مع عبد الناصر لميوله الليبرالية المعروفة التي لم تكن ترى في الاطاحة بالانظمة المتخلفة والاستعاضة عنها بانظمة حديثة عسكرية صديقة ما يهدد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، بل بامكان مثل هذه الاوضاع ان تلجم جماح الثورات وان تحد من جنوحها نحو التطرف، وبالتالي نحو الاتحاد السوفيتي؟

    ويمكننا هنا ان نشير الى عبارة وردت في احدى رسائل كندي لعبد الناصر:

    "اننا نؤيد صبغ العالم العربي بالصبغة العصرية، كما اعتقد اننا اظهرنا ذلك في اليمن، على اننا مهتمون طبعا بالا تكون هذه الحركات على حساب اسرائيل او الدول العربية التي اذ تأخذ نفسها بالنظم العصرية تفضل الابقاء علىانظمة الحكم الحالية فيها (سنوات الغليان ص707)

    لقد اشرنا سابقا الى حديث عمر ابو ريشة معي عن المقابلة التي تمت بين الملك فيصل وكندي بعد انقلاب السلال في اليمن، وكان عمر آنذاك سفيرا لسورية في واشنطن واثيرا عند فيصل.

    في تلك المقابلة التي كانت مقابلة عاصفة، قال كندي لفيصل اننا نتحمل مسؤولية دعم نظامكم المتخلف، بينما هدد فيصل بنسف آبار البترول والعودة الى حياة البداوة.

    ويشير هيكل في سنوات الغليان الى هذه المقابلة بقوله:

    "وكان هذا الاجتماع حساسا لدرجة ان المحضر الخاص بوقائعه وضع في خزانة مكتب الرئيس ضمن الوثائق التي لا يمكن اذاعتها او الحصول عليها بواسطة قانون حرية المعلومات". (ص634)

    بعد اغتيال كندي، اصبحت الستراتيجية الاميركية في عهد جونسون القضاء على الثورة في فيتنام، واحتواء زعامة عبد الناصر وتحجيم دوره ونفوذه في المنطقة العربية الحساسة بالنسبة لمصالحها البترولية، وكانت وسيلة جونسون لتحقيق هذا الهدف وقف المساعدات الامريكية لمصر وهي بأمس الحاجة اليها حتى يرغم عبد الناصر على القبول بالشروط التي طلبتها منه الادارة الامريكية والتي كشف النقاب عنها في خطابه الذي اشرنا اليه آنفا بتاريخ 23/2/1967.

    وكان قبول جمال عبد الناصر بالشروط الاميركية ماسا بالسيادة المصرية وقضاء على مكانته وزعامته في العالم العربي، مما اضطره لرفضها والاعلان عن تراجعه عن سياسة المهادنة(2) التي انتهجها في مؤتمرات القمة، والتي ارجأت النزاع المسلح بين العرب واسرائيل بشأن قضية تحويل مجرى نهر الاردن، الى سياسة المجابهة وتهديد الولايات المتحدة عندما قال في ذلك الخطاب :

    "نحن على استعداد لنعمل جيشا لثوار الجنوب العربي وتسليحه بكل انواع الاسلحة، وان الملكية لن تعود الى اليمن والذي سيعتدي على اليمن سنضربه".

    ولا شك ان عبد الناصر لم يقدر ان يؤدي تأزم العلاقات بين مصر والولايات المتحدة واثارة موضوع حرية الملاحة الاسرائيلية في خليج العقبة الى حرب حزيران، بل كان يعتقد ان الاوراق التي بيده كافية لجعل الولايات المتحدة تعود عن موقفها بقطع المساعدات عن مصر.

    تطور الاحداث العربية والدولية خلال عام 1967

    خلال عام 1967 كانت الولايات المتحدة تعاني من خسائرها وهزائمها في حرب فيتنام وعلى الرغم من كل ما استعملته من اسلحة الدمار ومن كل الفظائع والمذابح التي ارتكبها الجيش الامريكي فإنها كانت عاجزة عن القضاء على الثورة الفيتنامية.

    لقد وجد الاتحاد السوفيتي الذي يدعم الثورة الفيتنامية، نتيجة للمأزق الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، ان الفرصة قد اصبحت سانحة لاشغالها في الشرق الاوسط الذي يهيمن على معظم احتياطي البترول بالاضافة الى موقعه الاستراتيجي بالنسبة للاتحاد السوفيتي.

    كان تطور الوضع العربي والدولي ملائما لتسراتيجية الاتحاد السوفيتي في المنطقة العربية، فنظام 23 شباط في سورية قد ربط مصيره بدعم وتأييد الاتحاد السوفيتي نظرا لعزلته الداخلية والعربية والدولية، هذا في الوقت الذي بلغ فيه الخلاف بين ناصر وجونسون عند انتهاء اتفاقية المساعدات حد المجابهة مما دعا سورية ومصر لتوحيد سياستهما مع الاتحاد السوفيتي في المنطقة العربية، فعقدا بينهما معاهدة الدفاع المشترك واعلنا تخليهما عن وحدة الصف العربي الى وحدة القوى الثورية في المنطقة العربية.

    بدأت سورية نزاعها مع اسرائيل على المنطقة الحرام المنزوعة السلاح التي كانت اسرائيل تحاول دائما السيطرة عليها، وبعد عدة اشتباكات قدمت الحكومة السورية الى مجلس الامن مذكرة جاء فيها ان اسرائيل تلقى تشجيعا من الدول الاستعمارية والقوى الرجعية التي ترى في اتجاه سورية نحو تحقيق العدالة عاملا يهدد مصلحتها، وان سبب التدهور في المنطقة هو تصميم الاسرائيليين على تصفية حقوق العرب نهائيا في المنطقة المجردة بين سورية واسرائيل.

    ثم ترافق هذا النزاع على المنطقة المجردة مع تصعيد العمليات الفدائية خلال شهري نيسان ومايس من عام 1967، فقد اعلنت اسرائيل (19/4) انها قتلت فدائيا فلسطينيا ورفيق له حاولا زرع الالغام بالقرب من خطوط الهدنة، وبتاريخ 29/4 اعلنت عن ثلاث انفجارات في الانابيب التي تنقل المياه الى مستعمرات القسم الشرقي من الجليل الاعلى، وبتاريخ 2/5 اعلن ناطق اسرائيلي ان فدائيي فتح الذين انطلقوا من الاردن نسفوا انبوبا للمياه بالقرب من الحدود الاسرائيلية، وبتاريخ 7/5 اعلن ان فدائيي فتح قصفوا بمدافع الهاون مستعمرة المنارة في الجليل الاعلى، كما نسفوا محطة ضخ المياه قرب مستعمرة كفر ناحوم عند بحيرة طبريا وكان اوثانت امين عام الامم المتحدة قد شجب بتاريخ 12/5 اعمال النسف والتدمير ودعا حكومات سورية والاردن ومصر الى بذل كل ما في استطاعتها من تدابير لوقف ذلك.

    في هذه الفترة اخبر الاتحاد السوفيتي مصر وسورية بان اسرائيل تحشد جيشها للهجوم على سورية واحتلال دمشق (كما هدد احد القادة الاسرائيليين) الا ان رئيس وزراء اسرائيل ليفي أشكول نفى في رسالة وجهها الى كوسيغن رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، وجود مثل هذه الحشود، واسف على عدم تلبية طلبه ارسال وفد سوفيتي الى اسرائيل للتحقق من عدم صحة حشد الجيش الاسرائيلي على الحدود السورية، بينما رد الاتحاد السوفيتي بأن لديه وسائله لمعرفة ذلك بدون الذهاب الى الجبهة.

    وبتاريخ 14/5/1967 عشية الذكرى التاسعة عشرة لقيام اسرائيل، حدد اشكول في خطاب له سببين للحرب هما منع حرية الملاحة في البحر الأحمر ومحاولة منع اسرائيل من تحويل مجرى نهر الاردن وقال ان اسرائيل هي التي تختار الوقت والمكان والوسائل لمواجهة "المعتدي" وكشف عن مخطط اسرائيل في المنطقة العربية، بعد انتصارها، بأن الشرق الاوسط لن يكون منطقة عربية وإنما منطقة قوميات متعددة.

    لقد اعترف موشي ديان بعد حرب حزيران بأن العمليات الفدائية لم تكن سببا لهذه الحرب، وان قيام بعض الفلسطينيين الذين هجروا من بلدهم بهذه العمليات التي تشبه وخز الابر -كما وصفها- لا يشكل سببا مقنعا امام الرأي العام الامريكي والغربي لشن الحرب.

    ولكن الموقف اخذ يتبدل بالنسبة للراي العام في الولايات المتحدة والغرب لمصلحة اسرائيل عندما اخذت دبابات وناقلات الجيش المصري تجتاز شوارع القاهرة بتاريخ 16/5 بما يشبه الاستعراض العسكري وهي في طريقها الى مدن القناة، وقد وصفت وكالة روتر هذا الوضع بما يلي :

    "ان عددا كبيرا من السيارات المدرعة وسيارات النقل قد تدفقت على القاهرة من المعسكرات الواقعة جنوبها متجهة الى الشمال، الى الاسكندرية والاسماعيلية، وقد سار موكب السيارات عدة ساعات مما عرقل السير في شوارع القاهرة".

    كما اشار غيرها من الوكالات الى تدفق القوات المصرية باتجاه المناطق الشمالية والشرقية عبر القاهرة، وان ما يزيد على عشرين قطارا خاصا تولت نقل المدرعات والدبابات والمدفعية، وان الطرق بين القاهرة والسويس والاسماعيلية ظلت مقطوعة طوال الليل لتتمكن القوافل العسكرية من الوصول الى مناطق الجبهة.

    وبتاريخ 17/5 اعلنت مصر حالة الطوارئ بين جميع قوات الجيش بسبب الحشود الاسرائيلية على الحدود السورية، الامر الذي نفته اسرائيل.

    لقن ظن جمال عبد الناصر ان تصعيد الضغط على الولايات المتحدة بتهديد امن اسرائيل سيجرها الى التراجع عن ضغطها على مصر، ويقطع الطريق على المزاودات والانتقادات السورية ففي تاريخ 16 مايو رأى عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة ان يتخذ خطوة اخرى للضغط على اسرائيل، فطلب من الفريق فوزي رئيس اركان الحرب ان يرسل خطابا الى قائد قوات الطوارئ في قطاع غزة وشرم الشيخ الجنرال رايلي جاء فيه :

    احيطكم علما بأنني اصدرت اوامري للقوات المسلحة للجمهورية المتحدة بأن تكون على استعداد لأي عمل ضد اسرائيل في نفس اللحظة التي ترتكب فيها أي عمل عدواني ضد اي دولة عربية، وطبقا لهذه الاوامر فإن قواتنا تحشد الآن في سيناء وعلى حدودنا الشرقية وحرصا منا على سلامة القوات الدولية فإنني اطلب منك ان تصدر اوامرك بسحب القوات من مراكزها على الفور، وقد اصدرت اوامري الى قائد المنطقة العسكرية الشرقية حول هذا الموضوع وطلبت ان يبلغني تنفيذ هذه الاوامر(3)

    وبما ان وجود قوات الطوارئ كان بطلب من مصر بالاتفاق مع الامم المتحدة فإن يوثانت الامين العام للامم المتحدة طلب من الجنرال رايلي ان توجه مصر خطابها اليه (اي الى بوثانت) لانه لا يستطيع من الناحية الموضوعية سحب قوات الامم المتحدة فقط من منطقة الحدود المصرية الاسرائيلية في قطاع غزة وشرم الشيخ وانه مضطر لسحب القوات الدولية من غزة وسيناء بكاملها وابلاغ الجمعية العامة بذلك.

    لم يكن سهلا على جمال عبد الناصر ان يتراجع عن الامر الذي صدر بسحب القوات الدولية من الحدود ولم يبق امامه سوى ان يطلب سحب القوات الدولية من سيناء بأكملها بعد ان قال له امين عام الامم المتحدة بوثانت علنا:

    ان وجود هذه القوات رهن بمشيئة الحكومة المصرية وسينسحبون بمجرد ان تطلب ذلك.

    بعد انسحاب القوات الدولية من كل سيناء اصبح خليج العقبة تحت اشراف الجيش المصري، مما اضطر عبد الناصر ان يعلن بتاريخ 23/5 في خطاب له اغلاق خليج العقبة بوجه اسرائيل قائلا :

    ان المواد الستراتيجية لا تستطيع المرور ولو كانت على سفن غير اسرائيلية "وان المتحدة تطبق على خليج العقبة نفس القواعد التي كانت تطبقها قبل حرب السويس".

    لقد شعرت بعد ان سمعت خطاب عبد الناصر آنذاك انه يريد ان يفتح نافذة صغيرة للتراجع عندما خص المواد الستراتيجية بالمنع، والذي دعاني الى ذلك ما اخبرني به خليل كلاس عندما كنت نائبا لرئيس الجمهورية في الحكومة المركزية عام 1959، بأن القيسوني اجابه عندما سأله عن حقيقة ما يدور في الكواليس عن شائعة السماح للبضائع الاسرائيلية بالمرور في قناة السويس قائلا :

    ان احد موظفي القناة كان سبب هذا الاشكال عندما افشى الموضوع مما اضطرنا لمنع البضائع الاسرائيلية من المرور بالقناة.

    يقول محمود رياض في مذكراته :

    "وعندما رفض اوثانت انسحابا جزئيا لقوات الطوارئ، لم يعد باستطاعة مصر التراجع عن طلبها ولم يكن امامنا سوى ان نطلب الانسحاب الكلي لقوات الامم المتحدة وهذا يتضمن بالطبع القوات الموجودة في غزة وشرم الشيخ، وقد ادى انسحاب قوات الامم المتحدة من شرم الشيخ الى دخول قواتنا العسكرية اليها، وهذه الخطوة بدورها فرضت علينا العودة الى المشكلة القديمة الخاصة بملاحة اسرائيل في خليج العقبة".

    كما يقول :

    "لقد كان قرار سحب قوات الطوارئ الدولية قرارا متسرعا يفتقد الى اي قيمة عسكرية ولا يشكل اي ضغط عسكري على اسرائيل".

    "لقد تلقفت اسرائيل هذا التطور الجديد لكي تحول الازمة التي بدأت بتهديداتها بالغزو العسكري لسورية الى قضية اخرى تماما هي حرية الملاحة في خليج العقبة، وبدأت الازمة الجديدة تحل في مكان الصدارة في عواصم عديدة من العالم وفي مقدمتها واشنطن بالطبع" (ص37-38).

    أهمية اغلاق خليج العقبة على الصعيدين العربي والاسرائيلي

    بعد اعلان عبد الناصر اغلاق خليج العقبة بوجه اسرائيل، اصبحت المنطقة العربية تغلى كالمرجل حماسة وتأييدا لمصر، شعوبا وحكومات، كما جعل اسرائيل جيشا وسكانا وقادة واحزابا، تجمع على شن الحرب بما فيهم اشكول الذي كان يقف قبل ذلك بوجه دعاة الحرب مشترطا ضرورة اخذ موافقة الولايات المتحدة قبل الاقدام على ذلك.(4)

    كانت حرية الملاحة في خليج العقبة، والسيطرة على مياه نهر الاردن الركنين الاساسيين اللذين تقوم عليهما برامج التنمية بالنسبة للدولة الاسرائيلية، فحرية الملاحة في هذا الخليج تفتح امامها ابواب الاتصال والاتجار مع آسيا وافريقيا، اما بالنسبة للعرب فقد كان خليج العقبة احد الطرق التي يشكلها المسلمون للحج بالاضافة الى اهميته الستراتيجية.

    لاشك ان عبد الناصر كان يشعر بمسؤولية تجاه الرأي العام بسبب السماح لاسرائيل بحرية المرور في المياه المصرية اثر قبوله بعد حرب السويس بالتسوية التي قضت بنشر قوات الطوارئ الدولية في الاراضي المصرية كحارس لحرية الملاحة الاسرائيلية بخليج العقبة فمنذ عام 1957 اصبحت السفن الإسرائيلية التي تمر بمضائق تيران في طريقها الى ميناء ايلات تنزل العلم الاسرائيلي، وما ان تعبر المضائق وتقترب من الميناء حتى تعود الى رفعه من جديد "وكانت هذه الحركة تستند الى ترتيب سري شفوي ظل كتوما عشر سنوات". (كتاب الأسد لباتريك سيل ص217).

    لقد كان جمال عبد الناصر يقول عن نفسه انه رجل حذر وحيسوب، وقد قال ذلك امامي في مناسبات عديدة، فما الذي ورطه باغلاق خليج العقبة بالوقت الذي يعلم فيه ان اسرائيل يمكن ان تشن الحرب في حال اغلاقه؟

    لاشك ان سبب ذلك ثقته بأنه سيستطيع السيطرة على الازمة بحيث لا تخرج عن اطارها السياسي فينتزع بالطرق الدبلوماسية ما خسره في حرب السويس لأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لن يسمحوا بقيام حرب في المنطقة يمكن ان تهدد السلام العالمي، وان تسوية هذه الازمة ستعيد سياسة التفاهم التي انقطعت بين الولايات المتحدة ومصر.

    كما ان الذي شجعه على هذا الاعتقاد ما أثاره اغلاق خليج العقبة من التأييد لزعامته بصورة لم يحظ بها احد قبله، ومن هتاف الجماهير وهي ترى بطلها يعود الى ساحة الصراع بعد ان اعلن تخليه عنه في مناسبات عديدة، ففي مثل هذه الظروف لن تسمح الولايات المتحدة بشن الحرب كما لن تجرأ اسرائيل عليها.

    لقد أدى هذا الجو الشعبي اللاهب ولاسيما في الاردن لأن يسافر(5) الملك حسين فجأة الى القاهرة حيث عقد اتفاقية للدفاع المشترك، مع انه كان اكثر القادة العرب ادراكا لمخاطر الاشتباك مع اسرائيل نظرا لمطامعها التوسعية على حساب المملكة الاردنية بصورة خاصة، وعندما عاد الى عمان، يرافقه الشقيري، جرى له استقبال شعبي منقطع النظير، وقد سمحت هذه الاتفاقية للقوات العراقية بدخول الاردن، كما باركتها الرياض فأعلنت تأييدها لها ببيان رسمي.

    وكان الملك فيصل قد اعلن قبل ذلك (23/5) اثناء مروره في لندن :

    "ان منطقة الشرق الاوسط لن تشفى من امراضها وتبلغ العافية مالم تتم تصفية اسرائيل" وعندما سئل عن كفاية الاستعداد العربي لتحقيق ذلك قال:

    "عندما تجتمع الدول العربية على تصفية اسرائيل وتوحيد كلمتها وخططها وقواها بما اتفق عليه في مؤتمرات القمة فإنها قادرة على تحقيق ذلك" وعندما سئل عن المضاعفات الدولية، قال :

    "يجب الا تخيفنا هذه المضاعفات وتثبط من عزائمنا وفي ايدينا اسلحة كثيرة، ونحن نملك سلاح البترول، واذا خاض العرب معركة جماعية وتدخلت بعض الدول الاجنبية فإن السعودية ستوقف تدخل البترول، فكل شيء يهون في سبيل استرداد العرب والمسلمين لفلسطين".

    لقد جاء موقف السعودية ودول النفط العربية الاخرى مشجعا لجمال عبد الناصر بامكانية النجاح في معركته السياسية ضد امريكا واسرائيل، فقد صرح وزير الخارجية الكويتي بتاريخ 24/5 بأن سلاح البترول يمكن ان يدخل ساحة المعركة، كما اعلنت ليبيا استعدادها لمنع تدفق البترول الى اي دولة تشترك بالعدوان، بالوقت الذي اعلن فيه هواري بومدين عن عزمه ارسال قواته الى الجبهة المصرية، واعلنت تونس انها ستسمح للقوات الجزائرية بالمرور في اراضيها، كما اعلن الملك الحسن انه سيضع قواته تحت تصرف المتحدة.

    لقد تناست الانظمة العربية خلافاتها، ووحد الشعب العربي كلمتها، ماعدا النظام في سورية الذي تابع حملاته ضد السعودية والاردن وتهجمه على الملك حسين متجاهلا اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعها الحسين مع عبد الناصر، وكان موضع دهشة واشتباه العالم العربي، عندما ذهب النظام الى ابعد من ذلك فأرسل سيارة مفخخة انفجرت على الحدود عند موقع الرمثا الاردني بتاريخ 23/5/1967 فذهب ضحية هذا الحادث التخريبي ستة عشر مواطنا عربيا، وعلى الرغم من فظاعة ما حدث فإن الناطق الرسمي الاردني قال :

    "بالرغم مما انطوى عليه هذا الحادث الدامي من اسى وحزن فإنه لم يثن الاردن عن مسيرته القومية في الطريق العربي المشترك في مواجهة الصهيونية".

    تابع عبد الناصر خلال النصف الثاني من شهر مايس 1967 تصعيد حملته الاعلامية والسياسية، فألقى في مجلس الامة المصري خطابا اكد فيه ان مصر مستعدة للمجابهة ولفتح قضية فلسطين، وان الاتحاد السوفيتي سيمنع تدخل اي دولة حتى يعود الوضع الى ما كان عليه قبل عام 1956.

    وبتاريخ 30/5 اعلن : اننا سنقرر الوقت والمكان لبدء المعركة، ولن نترك الاسرائيليين يقرروا ذلك، وقال بأن القضية ليست قضية العقبة وجزر تيران (التي احتلتها اسرائيل) وانما هي قضية طرد العرب من فلسطين وسلب حقوقهم واننا نريد استرداد هذه الحقوق غير منقوصة، ولن ترهبنا تهديدات اميركا وبريطانيا، وان وزير الدفاع شمس بدران اخبره بعد عودته من موسكو بان الاتحاد السوفيتي سيقف الى جانب العرب، وكان ناصر قد صرح بتاريخ 27/5 بأن المعركة لن تكون محصورة في جزء من الوطن العربي، وان هدفها تدمير اسرائيل.

    كما صرح أحمد الشقيري (6) رئيس منظمة التحرير في تلك الفترة :

    "اننا سنساعد الاسرائيليين على تسهيل سفرهم بالبحر، وان كل من يبقى على قيد الحياة يبقى في فلسطين، وبتقديري انه لن يبقى احد منهم على قيد الحياة"

    لقد استغلت اسرائيل هذه التصريحات اذ كان ذلك هو نفس ما اعتادت ان تروج له وسائل اعلامها لتحقيق مزيد من العطف على موقفها مما يبرر امام الرأي العام العالمي بدء الحرب التي كانت تعد لها، حتى ان سفير سورية في الامم المتحدة صرح آنذاك :

    "ان من يأتي الى نيويورك يدهش للهستيريا العامة في وسائل الاعلام لمصلحة اسرائيل في ازمة خليج العقبة".

    مواقف الدول الكبرى من ازمة الملاحة في خليج العقبة.

    كانت بريطانيا آنذاك ما تزال تحمل حقدا دفينا على العرب عامة وعلى عبد الناصر خاصة بعد معركة القنال عام 1956، ولا سيما بعد ان اصبح جيشه في اليمن مهددا لما تبقى لها من نفوذ ومصالح بترولية في المنطقة العربية، ولذلك حاولت الحكومة البريطانية برئيسها ولسن ووزير خارجيتها جورج براون تشكيل فريق دولي يفتح خليج العقبة بالقوة امام الملاحة الاسرائيلية، ولكن هذا الاقتراح لم يحظ بموافقة الدول الكبرى الاخرى، كما سافر جورج براون بتاريخ 26/5 الى الاتحاد السوفيتي ليستطلع موقفه تجاه مؤتمر الذروة للدول الكبرى الذي اقترحه دوغول لايجاد تسوية سياسية للازمة في محاولة لاستبعاد شبح الحرب عن المنطقة العربية، وبعد الاتصال بالمسؤولين كشف في تصريح له في موسكو بأن الاتحاد السوفيتي لن يحضر هذا المؤتمر الا على شرط مسبق بتعهد هذه الدول معالجة قضية فيتنام، فكان موقف الاتحاد السوفيتي موقف المساوم من هذه الازمة.

    اما موقف الاميركي فقد اعلنه وزير الخارجية دين راسك بتاريخ 30/5 عندما قال :

    "ان على جميع اطراف الازمة المحافظة على الهدوء وفسح المجال امام المساعي السلمية وانه لا يعتقد انه على الولايات المتحدة وروسيا ان تتحملا مسؤولية منع اي هجوم اسرائيلي محتمل، الامر الذي طلبته مصر من الدول الكبرى، وانني لا اعتقد بأنه علينا ان نتحمل مسؤولية كبح اي طرف من الاطراف".

    وقد دل هذا التصريح على ان الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي متفقان على عدم التدخل في حالة نشوب حرب بين العرب واسرائيل، وهو موقف يتماشى مع مصلحة الطرفين، فالولايات المتحدة ليس من مصلحتها ان يخرج عبد الناصر من هذه الازمة بنصر سياسي كبير يزيد في قوته عربيا ودوليا على حسابها وحساب إسرائيل بينما كان الاتحاد السوفيتي لا يخشى اشتعال الحرب في المنطقة، الامر الذي يرسخ نفوذه وتوجه العالم العربي نحوه، واعتماد العرب عليه كحليف استراتيجي، سواء ادت هذه الحرب لانتصارهم او الى هزيمتهم.

    أما فرنسا فقد تفردت في موقفها عن الدول الثلاث الكبرى عندما اعلن دوغول بتاريخ 1/6/67 موقف فرنسة من ازمة خليج العقبة بما خلاصته :

    ان فرنسة ليس طرفا بأي شكل وفي اي موضوع مع اي من الدول الاجنبية، وترى ان من حق هذه الدول جميعا البقاء، ولكنها تعتقد ان اسوأ ما يمكن هو اشتعال الحرب، ولن تحصل الدولة التي تبدأ الحرب على موافقة فرنسا وتأييدها (وقد فهم من هذه الاشارة انها تحذير لاسرائيل بأن فرنسة ستوقف تزويد اسرائيل بالسلاح اذا بدأت الحرب) كما ورد في بيانه :

    "واذا امكن المحافظة على الوضع الحالي فإن مشكلات الملاحة في العقبة، ووضع اللاجئين الفلسطينيين، واحوال الجوار بين الدول المعنية، يجب ان تسوى عن طريق قرارات دولية، وينبغي ان تأتي هذه القرارات نتيجة لتفاهم الدول الاربعة الكبرى الاعضاء في مجلس الامن، ولا تزال فرنسة تصر على الاقتراح الذي قدمته بهذا الصدد".

    كان موقف دوغول الذي انفردت به فرنسة موضع تأييد وتأثير كبيرين في المنطقة العربية، فزار الملك فيصل، وزعين، والاتاسي، وماخوس، باريس واجتمعوا بالرئيس دوغول، ورغم الهجوم الاعلامي الشديد من اسرائيل على دوغول بسبب هذا البيان، فإن دوغول استمر على موقفه المبدئي هذا الى ما بعد هزيمة العرب في الخامس من حزيران، فأصدر بتاريخ 22/6 بيانا آخر اتهم فيه اسرائيل بالبدء بالحرب وأكد ان فرنسة لا تعترف بالتغييرات الاقليمية التي حدثت بسبب العمل العسكري، وقال موجها الاتهام الى الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في وقت واحد:

    ان الحرب في فيتنام خلقت جوا نفسيا وسياسيا ادى الى القتال في الشرق الاوسط، وكرر موقف فرنسة بأنه يحق لكل دولة في الشرق الاوسط ان تعيش بما فيها اسرائيل وشجب بدء اسرائيل بالحرب وشجب كذلك ما قيل من تصريحات حول تدميرها.



    في تلك الفترة، عندما كنت لاجئا في لبنان دعاني السيد جورج نقاش صاحب جريدة لوريان لوجور، وسفير لبنان في فرنسة، الى منزله في الجبل، فجرنا الحديث الى موقف دوغول كما شرحه هو بنفسه للسفير اللبناني عندما قال له :

    "ان موقفنا تجاه العرب تحكمه مصالحنا، فالعرب يمتلكون اكبر احتياطي للبترول في العالم، ويحكمه من جهة اخرى موقف فرنسة الاخلاقي من قضية النزاع العربي الاسرائيلي".

    وقد جاء في احدى الرسائل التي تبودلت بين دوغول وبين غوريون والتي نشرتها الصحف اللبنانيةـ تهديده لاسرائيل بعد بدء اعتداءاتها على جنوب لبنان، باستعمال فرنسة للقوة اذا استولى الاسرائيليون على جنوب لبنان طمعا بمصادر المياه فيه، ووصف دوغول الدولة الاسرائيلية بالكيان التوسعي.

    بعد ان اطمأنت اسرائيل الى موقف الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعدم التدخل في حال نشوب حرب بينها وبين العرب، وبعد العطف الشديد الذي كانت تلاقيه في الغرب عامة وفي الولايات المتحدة خاصة، لم يعد القادة الاسرائيليون ينتظرون اكثر من ذلك لشن الحرب في هذه الفترة التي يعتبرونها فرصة سانحة لهزيمة العرب هزيمة منكرة باقل التضحيات والخسائر، فالجيش السوري يعاني من التصفيات التي استمرت عدة سنوات، والجيش المصري يعاني حرب الاستنزاف في اليمن منذ عام 1962 وما يزال فيه ما يقرب من خمسين الف جندي يشكلون ثلث الجيش المصري، وهكذا تشكلت في اسرائيل وزارة قومية تضم كل الاحزاب الاسرائيلية، وتولى وزارة الدفاع موشي ديان الذي كان يطالب بشن الحرب دون انتظار موافقة الولايات المتحدة، "كما ان الحكومة الاسرائيلية قد ارسلت بعد تأليفها مئير عميت مدير الموساد الى واشنطن للحصول على الضوء الاخضر الاميركي، فقال له هلمز رئيس المخابرات المركزية : "ان احدا في واشنطن لن ينزعج اذا شنت اسرائيل حربا على العرب، وان الوضع السياسي للرئيس جونسون لا يتيح له ان يقول ذلك صراحة" (باتريك سيل - كتاب الاسد ص223).

    كان الاشتباك الجوي الكبير بين اسرائيل وسورية اوائل شهر نيسان 1967 دليلا على الاوضاع المتردية التي وصل اليها الجيش السوري بعد التسريحات التي توالت منذ الثامن من آذار 1963 الى ما قبيل حرب حزيران، فقد امتدت ساحة الاشتباك الى العمق السوري فحلقت الطائرات الاسرائيلية فوق دمشق وقصفت بعض المواقع حولها، وصدر بعد الاشتباك بلاغ سوري يعلن عن سقوط خمس طائرات اسرائيلية بينما ادعى البلاغ الاسرائيلي انه اسقط اثنتي عشر طائرة سورية، وعلى اثر هذه المعركة صدر بلاغ اردني يقول بوجود ثلاثة طيارين سوريين في الاردن، وانه سيجري ايصالهم الى سورية عندما تسمح حالتهم الصحية، بينما تجاهلت الاذاعة في دمشق خبر سقوط الطائرات السورية في الاردن، مع ان الطيارين الثلاثة وهم الملازم احمد القوتلي والنقيب علي عنتر والنقيب محي الدين داوود قد صرحوا في عمان بأن المعركة لم تكن متكافئة وانهم تصدوا بطائراتهم الثلاث لاثني عشر طائرة اسرائيلية قبل سقوط طائراتهم.

    وقد علقت وكالة الاسوشيتدبرس (9/4/1967) على هذه المعركة "بأن المراقبين العسكريين يقولون بان سورية تملك 20 طائرة ميغ 21، بينما الطيارون الموثوق بهم سياسيا والذين يسمح لهم بالطيران لا يتجاوز عددهم اصابع اليد، والمعروف ان معظم الطيارين قد فصلوا في عمليات التطهير المتواصلة، كما اظهرت هذه المعركة نقصان الوحدة الفعالة بين دول المواجهة العربية".

    وبسبب الضجة التي اثارها اختراق الطيارات الاسرائيلية سماء العاصمة السورية لاول مرة منذ حرب 1948 ادلى وزير الدفاع وقائد سلاح الطيران حافظ اسد بتصريح ورد فيه ما يلي :

    1- لقد تطور سلاحنا الجوي بعد الثورة تطورا كبيرا من حيث الكمية ومن حيث النوع ومن حيث التدريب بشكل لا يترك مجالا للمقارنة بين ما كنا نملكه قبل الثورة وما نملكه الآن.

    أ‌- اصبح لدينا زيادة كبيرة في عدد الطائرات.

    ب‌- نوع الطائرات التي حصل عليها سلاحنا بعد الثورة من احدث الطائرات في العالم وافضلها تسليحا.

    ج‍‌- عدد الطيارين اصبح اكبر بكثير.

    د- امكانيات التدريب ومناهجه التي اتبعت بعد الثورة لم تكن بالمرة موجودة قبل الثورة.

    2- يركز العملاء باستمرار وبعض الصحف والمجلات العميلة ان هناك اعدادا هائلة من الطيارين المسرحين، الامر الذي يضعف سلاح الطيران السوري ويجعله عاجزا عن اداء مهمته واحب ان اؤكد بهذه المناسبة ان عدد الطيارين العاملين -اي المؤهلين لخوص المعارك الجوية- والذين هم خارج الخدمة لا يتجاوزون عدد اصابع اليد.

    3- اثبت سلاحنا في كل المعارك التي خاضها تفوق الطائرة وكفاءة الطيار التدريبية وروحه المعنوية العالية واخلاص للشعب والثورة.

    4- انسجاما مع استراتيجية الثورة قام سلاحنا الجوي بضرب قواعد العدوان داخل الارض المحتلة، اي ان سلاحنا الجوي اصبح في المستوى الذي يمكنه من القيام بواجبه على اكمل وجه وله مهمات محددة ومرسومة بموجب الخطة الموضوعية سيؤديها وانا اؤكد اننا سنوقع بالعدو خسائر اكبر بكثير مما يمكن ان يسببه لنا سلاح العدو وقد اثبتنا ذلك بمعركة طبريا ومعركة 7 نيسان، رغم ان الاخيرة كانت محضرة من قبل العدو ومنسقة مع الرجعية التي اباحت للعدو اجواء يعمل فيها بحرية في محاولة للضرب من الخلف.

    وكان من المفروض في مثل هذه المفاجأة كعرف عسكري، في منطقتنا على الاقل الا تتاح الفرصة لسلاحنا الجوي ان يشترك في المعركة ويرد بالشكل الحاسم والفعال الذي رد به.

    وبالمناسبة، كثيرا ما وردت الابواق وتاجرت بوصول طائرة عدوة الى سماء دمشق، هنا بديهية لابد لكل مواطن ان يعرفها وهو ان مفاجآت الطيران ممكنة مهما كانت قوة السلاح المضاد، وهناك حالات عديدة مماثلة مرت على الدول الكبرى، ولابد لي ان اقول ان سلاحنا الجوي دخل اجواء الارض المحتلة عشرات المرات بعد 23 شباط للاستطلاع وغير الاستطلاع، وآخر مرة توغل طيراننا عشرات الكيلومترات في سماء العدو وكان ذلك بتاريخ 14/5/67 وفي حدود الساعة الثانية عشرة ظهرا وقد اطلقت المدافع المضادة للطائرات -م ط- وصواريخ هوك على طائراتنا ورغم ذلك قامت بمهمتها كاملة وعادت الى قواعدها سالمة.

    لذلك قد يشاهد المواطنون طائرة العدو ولكن ليتأكدوا اننا قادرون على الرد وسنرد لا في سمائنا فحسب بل وفي سماء الارض المحتلة وفوق مدنها.

    س‌- كيف سيكون ردنا في حالة العدوان.

    ج- اصبحت استعداداتنا لمواجهة اي عدوان كاملة وقد اخذنا بعين الاعتبار احتمال تدخل الاسطول السادس. ومعرفتي لامكانياتنا تجعلني اؤكد بأن اية عملية يقوم بها العدو هي مغامرة فاشلة.

    وقد اصبحت قواتنا جاهزة ومستعدة ليس فقط لرد العدوان وانما للمبادرة لعملية التحرير بالذات ونسف الوجود العدواني الصهيوني من وطننا العربي. وهناك اجماع من جيشنا الذي طال استعداده ويده على الزناد في المطالبة بالتعجيل في المعركة، ونحن الان بانتظار اشارة من القيادة السياسية.

    وانا كعسكري ارى ان الوقت قد حان لخوض معركة التحرير ولابد على الاقل في نظري، من اتخاذ حد ادنى من الاجراءات الكفيلة بتنفيذ ضربة تأديبية لاسرائيل تردها الى صوابها وتجعلها تركع ذليلة مدحورة تعيش جوا من الرهبة والخوف يمنعها من ان تفكر ثانية بالعدوان. واعتقد ان شعور اخواننا في الجمهورية العربية المتحدة هو نفس شعورنا وكذلك شعور جماهيرنا الكادحة في كافة اجزاء الوطن العربي. (البعث 21/5/1967)

    لقد تجاهلت القاهرة تماما انباء هذه المعركة، ولم تذع عنها شيئا الا بعد توقفها بأربع وعشرين ساعة دون اي تأييد او تعليق، بينما كانت الدولة الوحيدة التي طالبت القيادة العربية الموحدة بالعمل السريع هي الاردن، وقد اثار موقف القاهرة البارد من العدوان على سورية مخاوف النظام فيها مما دعا وزير الخارجية ابراهيم ماخوس الى استدعاء القائم بالاعمال المصري للاتصال بحكومته ومعرفة موقفها الاكيد من اي عدوان على سورية، ونتيجة لهذا الاتصال تقرر ان يزور سورية وفد عسكري مصري برئاسة الفريق محمود صدقي قائد سلاح الطيران، ولكن يبدو ان التفاهم على موضوع تنسيق الدفاع الجوي بين البلدين لم يؤد الى اي نتيجة مما دعا رئيس الاركان أحمد سويداني الى التصريح :

    "انه لم يجر البحث في انشاء اي قاعدة جوية في سورية لا مصرية ولا غير مصرية، وان في سورية من القواعد العسكرية ما يكفي"..

    وردا على مطالبة الاردن القيادة العربية الموحدة بالعمل السريع قال سويداني:

    "الحديث عن التضامن العربي ضد اسرائيل تزييف ودجل فسورية الثورة لا تؤمن بالتضامن بين انظمة تتنازع البقاء ولا تبني موقفها الدفاعي ولا الهجومي على خطط المرحومة القيادة الموحدة" (الحياة 23/4/1976)

    بعد ايام قليلة من زيارة الوفد العسكري المصري لسورية تعرض عبد الناصر في خطاب له بتاريخ 1/5/67 للمعركة التي جرت بين سورية واسرائيل واوضح طبيعة المحادثات التي اجراها الوفد العسكري المصري فقال " إنه قد جرت تساؤلات كثيرة عن عدم تنفيذ اتفاقية الدفاع المشترك، والسبب ان الطائرات المقاتلة المصرية مداها محدود واذا انطلقت من مصر فإنها لا تصل الى الحدود السورية، وبعد ان اعرب عن استعداد مصر لتنفيذ الاتفاقية العسكرية قال :

    "ان الطريقة الوحيدة هي ان يكون لنا طائرات في سورية، وقد عرضنا مساعداتنا من اول يوم وقعت فيه الاتفاقية وقلنا للسوريين اذا كنتم عايزين طيارات او طيارين "سنديهم" ولكن الاخوان السوريين قالوا ان عندهم كفاية، وبعد العدوان عندما سافر الفريق محمود صدقي كررنا نفس العرض" وقد لوحظ ان الصحف السورية نشرت هذا الخطاب باختصار مع عدم الاشارة الى هذه الفقرة.

    لقد كانت الاعتداءات الاسرائيلية على المنطقة المجردة مثار النزاع الدائم بين الجيش السوري والجيش الاسرائيلي، ولم تكن تؤدي الى مثل هذا الاشتباك الكبير الذي حدث على الحدود وفوق سماء دمشق، ولاشك انه كان للهجوم الاسرائيلي هدفان، الاول هو اختبار مدى فعالية الاتفاقية العسكرية الثنائية بين مصر وسورية، والآخر هو تحول الانظار عن خطة اسرائيل الاساسية وهي بالدرجة الاولى تحطيم الجيش المصري، مما يجعل الطريق مفتوحا امام احتلال الضفة الغربية، وكانت الفترة ملائمة لمثل هذه الخطة، فقسم كبير من الجيش المصري ما زال في اليمن وقد ادى استمرار الحرب حتى عام 1967 الى نزيف خطير عاناه الاقتصاد المصري والجيش على السواء، وقد اساءت هذه الحرب الى سمعة الجيش وكفاءته العسكرية واضرت بروحه المعنوية، فقد كانت الخسائر البشرية والمادية كبيرة جدا لا تقوى حتى الدول الكبرى على احتمالها، اذ بلغت ضحايا الجيش المصري أكثر من عشرين الفا، بينما قدرت ضحايا الشعب اليمني بمئتين وخمسين الفا وقدر عدد المهجرين الى المملكة العربية السعودية بنصف مليون، وكانت النتيجة بعد خمس سنوات من القتال المرير ان اصبح ثلث الجيش المصري مسمرا في مثلث تعز -صنعاء- الحديدة بينما كان باستطاعة عبد الناصر ايقاف هذه الحرب بتنفيذ ميثاق جدة الذي اقر تأليف حكومة يمنية حيادية مؤقتة تمهد لانسحاب قواته، ولوقف المساعدات السعودية للملكيين، واجراء استفتاء في اليمن على النظام الذي يرتضيه شعبها ولاشك ان النظام الجمهوري كان سيحظى بالنجاح في هذا الاستفتاء، فقد كانت غالبية الشعب اليمني مع الاطاحة بنظام الادارة المتخلف الذي عزل اليمن عن العالم.

    كان وضع الجيش السوري اكثر سوء من وضع الجيش المصري، وكان هذا الوضع معروفا ومكشوفا، فقد نشرت مجلة التايم الامريكية في الشهر الاول من عام 1967 مقالا يتضمن وصفا للوضع الذي يتردى فيه الجيش السوري ورد فيه :

    "ان هذا الجيش المسلح بأسلحة روسية قديمة يبلغ تعداده (60) الفا بينما لدى اسرائيل جيش تعداده 350 الفا كما تملك سورية اقل من 500 دبابة و126 طائرة، منها ست وعشرون طائرة ميغ 21 فقط يمكن استعمالها في الخطوط الامامية، فالقوات السورية ناقصة بشكل مشين لان التطهير شمل اكثر من نصف ضباطها، وعمداء اليوم كانوا نقباء منذ امد لا يتجاوز الثلاث سنوات، واكثر من ذلك فإن ثلث الجيش السوري مقيم في دمشق لدعم النظام وحمايته".

    كما جاء في كتاب الاسد لباتريك سيل(7) ما يلي :

    "كان الجيش السوري غير مؤهل للحرب تماما فقد كان قوة سيئة التدريب ناقصة الضباط، تعدادها 50 الف، وقد جرى تجهيزها من الاتحاد السوفيتي بأسلحة كانت قيد التنسيق في الجيش الاحمر، وكان لدى هذا الجيش 500 دبابة نصفها صالح للاستعمال تدعمها 100 طائرة ميغ 17 ولكن بدون اي قذائف للدفاع الجوي، بيد ان اخطر ضعف كان يكمن في هيئة الضباط الممزقة التي اقعدتها حملة التطهير"

    تفاعل قضية سحب القوات الدولية من سيناء :

    رسالة جونسون لجمال عبد الناصر والمذكرة المرفقة بها بتاريخ 23/5/1957

    لم يكن عبد الناصر يجهل ان سحب القوات الدولية واغلاق خليج العقبة قد ابلغ الازمة بين مصر واسرائيل حافة الهاوية، وان الانفجار العسكري بينهما اصبح محتملا، ولكنه ظل واثقا من نفسه ومن استطاعته السيطرة على الازمة ضمن نطاقها السياسي وايجاد مخرج لها، ولو ببعض التنازلات لتفادي الانفجار، فقد كان الرجحان العسكري على مصر مؤكدا قبل حرب اليمن، وهكذا رأى في رسالة جونسون له، والمذكرة المرفقة بها مخرجا للازمة بتسوية سياسية، على الرغم مما فيهما من تأكيد لوقوف الولايات المتحدة بجانب اسرائيل، وضرورة السماح بالملاحة في خليج العقبة باعتباره ممرا مائيا دوليا، ولأهمية الرسالة والمذكرة نثبت هنا بعض ما جاء في خلاصتهما التي وردت في مذكرات محمود رياض :

    "لقد ذكر لي عدد من اصدقائنا بما فيهم السفير باتل انكم قلقون لأن الولايات المتحدة قد ايدت اتجاهات غير ودية تجاه الجمهورية العربية المتحدة واود ان تعلموا بصورة مباشرة ان هذا ابعد ما يكون عن نوايانا".

    "ان من واجبكم وواجبي في الوقت نفسه الا ننظر الى الوراء وانما ننقذ الشرق الاوسط من حرب اعتقد انه ليس هنالك من يريدها، ولست اعرف الخطوات التي سيقترحها عليكم السكرتير العام للامم المتحدة يوثانت، ولكنني أحثكم على ان يكون واجبكم الاول تجاه امتكم وتجاه منطقتكم وتجاه المجتمع العالمي كله هذا الهدف السامي : وهو تجنب الحرب".

    وتشير المذكرة الى ثلاث نقاط :

    1- الى الاعمال الفدائية على الحدود السورية الاسرائيلية التي وصفتها المذكرة بالإرهابية، والى انها تخالف شروط اتفاقية الهدنة.

    2- الى قلق الولايات المتحدة من السحب السريع لقوات الطوارئ مما يمكن ان يؤدي الى جعل مشكلة المحافظة على السلام في الحدود المصرية الاسرائيلية اكثر صعوبة، لذلك فإن الولايات المتحدة تؤيد مهمة السكرتير العام يوثانت في القاهرة، وكلها ثقة في ان حكومة الجمهورية العربية المتحدة ستبحث على نطاق شامل امكانيات استمرار المحافظة على السلام بشكل من الاشكال على الحدود بين الجمهورية العربية المتحدة واسرائيل.

    3- اشارت المذكرة الى ضرورة توقف تعبئة القوات وحشدها على الجانبين، والى ان الولايات المتحدة تأمل بأن يبدأ الطرفان (الاسرائيلي والمصري) وغيرهما من الدول الاخرى التي اتخذت احتياطات عسكرية في اعادة قواتها الى قواعدها الطبيعية.

    وتنتهي المذكرة الى القول :

    "ونحن ننتهز هذه الفرصة لنعيد تأكيدنا بالتزامنا المستمر بمبدأ حرية المرور الى خليج العقبة لسفن جميع الدول، فإن حق المرور الحر والبريء الى هذه المياه يعد جزءا من المصلحة الحيوية للمجتمع الدولي، ونحن موقنون بأن التدخل في هذه الحقوق قد تكون له عواقب دولية خطيرة.

    وفي الموقف الحالي فإن حكومة الجمهورية العربية المتحدة والحكومات العربية تستطيع ان تتأكد بيقين وان تعتمد على ان حكومة الولايات المتحدة تعارض معارضة صارمة أي عدوان في المنطقة من اي نوع، سواء كان مكشوفا او في الخفاء، وسواء قامت به القوات النظامية او قوات غر نظامية".

    وفي النهاية اشارت المذكرة الى ان ذلك هو سياسة الولايات المتحدة الدائمة (ص38-41)

    ويعلق محمود رياض في مذكراته على الرسالة والمذكرة بما يلي :

    "وبعد ان قرأ جمال عبد الناصر الرسالة، سكت قليلا ثم سألني عن تقييمي لها، وقلت له انني الان اشعر بالاطمئنان من عدم قيام حرب جديدة فهاهو رئيس الولايات المتحدة يدعو كافة الاطراف الى احترام اتفاقيات الهدنة وهو مطلب مصري ابلغنا به مجلس الامن ثم ان جونسون يؤكد في رسالته ان مصر تستطيع ان تعتمد على ان الحكومة الامريكية تعارض معارضة صارمة اي عدوان في المنطقة، سواء قامت به قوات مسلحة نظامية او غير نظامية، اما بالنسبة الى موضوع الملاحة في خليج العقبة، فهو موضوع يمكن ان نصل الى حل بشأنه، اما عن طريق اللجوء الى محكمة العدل الدولية كما اقترح السناتور فولبرايت رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي، او عن طريق عودة قوات الطوارئ الى شرم الشيخ عندما يزول التهديد الاسرائيلي". (ص42)

    وكمبادرة من عبد الناصر لتهدئة الازمة وفتح باب الحوار مع الولايات المتحدة فقد وافق على المشروع الذي تقدم به امين عام الامم المتحدة والذي تضمن النقاط التالية :

    1- يطلب من اسرائيل الا ترسل اي سفينة عبر خليج العقبة.

    2- يطلب من الدول التي ترسل سفنها الى ايلات الا تحمل مواد استراتيجية الى اسرائيل.

    3- يطلب من مصر عدم مزاولة حق تفتيش السفن التي تمر عبر خليج العقبة كما اعطى جمال عبد الناصر وعدا ليوثانت بألا تكون مصر البادئة بهجوم عسكري على اسرائيل، فغادر يوثانت القاهرة بتاريخ 25/5 وهو يتصور ان مقترحاته التي قبلها عبد الناصر كفيله بتهدئة الازمة.

    "كما ارسل جمال عبد الناصر رسالة مطولة الى الرئيس جونسون شرح فيها موقف مصر كما تراه بالنسبة لشرم الشيخ ومشيرا الى ان اسرائيل ترفض العمل باتفاق الهدنة ومؤكدا من جديد بأن مصر لن تكون هي البادئة بالعدوان.

    وقد اضاف عبد الناصر بأنه يرحب بزيادة هيوبرت همفري نائب الرئيس الامريكي الى القاهرة في اي وقت بل انه زيادة في تأكيد حسن نية مصر، فإن عبد الناصر قال انه من جانبه على استعداد لارسال زكريا محيي الدين نائب رئيس الجمهورية في الحال الى واشنطن" (مذكرات محمود رياض، ص46)

    ولأهمية هذه الرسالة فإننا نثبت نصها كما جاء في تلك المذكرات :

    "انني ارحب بمبادأتكم في الكتابة الي حول الوضع الراهن في الوطن العربي اعتقادا مني بأنه مهما بدت نقطة الالتقاء بيننا خارج نطاق رؤيتنا في هذه المرحلة فإن اية محاولة مشتركة من جانبنا لايجاد حوار مباشر قد يساهم على الاقل في تبديد جزء من السحابات المصطنعة التي يراد لها ان تصور ممارسة الحق وكأنه امر حرام وان تصور حق الدفاع وكأنه عدوان، ولقد يكون من المفيد -في مجال الحكم على احداث الساعة- ان نراها في ترابطها الزمني والمنطقي المتكامل حتى نتجنب سوء الفهم وحتى نصل الى تقييم سليم ومعقول وعادل لواقع الامور التي نعيش في وسطها. ومن اجل ذلك سأحاول ان اشير الى عدة حقائق او ان اصفها بأنها حقائق مبدئية.

    اولا : علينا ان نعود بذاكرتنا الى الايام القليلة السابقة على الاجراءات التي اتخذتها الجمهورية العربية المتحدة مؤخرا وان نتذاكر الموقف العدواني الخطير الذي خلفته السلطات الاسرائيلية ازاء الجمهورية العربية السورية والتهديدات العدوانية التي اعلنها عدد من المسؤولين الاسرائيليين وما اقترن به ذلك من حشد قوات ضخمة على الحدود السورية تدبيرا لعدوان اكيد على سوريا، لقد كان طبيعيا عندئذ ان تقوم الجمهورية العربية المتحدة بمسؤوليتها وان تتخذ كافة الاجراءات التي يتطلبها العمل دفاعا عن الوطن العربي ضد العدوان المدبر.

    ثانيا : تطلبت الاجراءات الدفاعية التي اتخذتها الجمهورية العربية المتحدة ان تتقدم قواتنا المسلحة الى مواقعها الامامية على الحدود حتى تكون قادرة على مواجهة تطورات الموقف ولتكون بوجودها قادرة على التدخل ضد الغزو الاسرائيلي المدبر وحرصا منا على سلامة قوات الطوارئ الدولية فقد قدرنا ضرورة انسحابها واصبح هذا امرا منتهيا.

    ثالثا : كان منطقيا بعد انسحاب قوات الطوارئ الدولية ان تتقدم القوات المسلحة العربية لاحتلال مواقعها واحتلت من بين هذه المواقع منطقة شرم الشيخ المطلة على مضيق تيران وكان منطقيا ايضا ان نمارس حقوق سيادتنا الثابتة على المضيق وعلى مياهنا الاقليمية في الخليج.

    وهنا ايضا اود ان اعود بك بضعة سنين الى العدوان الثلاثي ضد الجمهورية العربية المتحدة وهو العدوان الذي ما زلنا نذكر بالتقدير الموقف العادل الذي اتخذته بلادكم ازاءه.

    وقد مارست الجمهورية العربية المتحدة قبل العدوان حقوقها القانونية الثابتة ازاء الملاحة الاسرائيلية في المضيق وفي الخليج -هي حقوق لا تحتمل التشكيك- وبعد رحيل قوات الطوارئ وحلول القوات المسلحة العربية محلها في هذه المنطقة لم يكن من المتصور ان يسمح بمرور السفن الاسرائيلية او المواد الاستراتيجية المرسلة لها -وموقفنا في ذلك فوق انه ثابت شرعا- فهو يستهدف في الواقع ازالة آخر أثر للعدوان الثلاثي اعمالا لهذا المبدأ الاخلاقي الذي يقضي بعدم مكافأة المعتدي على عدوانه.

    وفي كل ما اتخذناه من اجراءات دفاعا عن اراضينا وحقوقنا اوضحنا امرين: اولاهما - اننا سندافع ضد اي عدوان يقع علينا بكافة ما نملك من قدرات وامكانيات.

    وثانيهما - اننا سنظل نسمح بالمرور البرىء للسفن الاجنبية في مياهنا الاقليمية. وهذه حقائق تتصل بالموقف الذي اعلنته الجمهورية العربية المتحدة والتي لا نرى فيها اي مدعاة لكي يتخذها البعض مبررا لفرض جو من الازمة او لشن هذه الحملة النفسية الموجهة ضدنا.

    وفي الوقت الذي تأخذ فيه هذه الحملة ابعادا واشكالا متزايدة نرى تجاهلا كاملا ومؤسفا لعدد من الحقائق الاخرى التي اود ان اصفها بأنها حقائق اساسية فهذه الحقائق هي التي تفرض في الواقع حكمها على مجرى احداث اليوم وستظل تفرض حكمها في المستقبل الى ان يصل الجميع الى تقدير كامل لها ولابعادها ولجذورها وسأشير هنا الى حقيقتين :

    اولاهما - هي حقوق شعب فلسطين وهي في نظرنا اهم حقيقة ينبغي الاعتراف بها، لقد استطاعت القوة المسلحة المعتدية ان تطرد الشعب من وطنه وتحوله الى لاجئين على حدود هذا الوطن وتقف قوى السيطرة والعدوان اليوم حائلا دون حقهم الثابت في العودة اليه والعيش فيه رغم قرارات الامم المتحدة التي كان آخرها في العام الماضي.

    وثانيهما - تتصل بموقف اسرائيل ازاء اتفاقات الهدنة وهو موقف لا يتمثل في مجرد انتهاك مستمر لاحكام هذه الاتفاقيات بل وصل الى حد انكار وجودها او الالتزام بها وبل والى احتلال المناطق المجردة من السلاح وطرد مراقبي الامم المتحدة منها واهانة المنظمة الدولية والاعتداء عليها، وهاتان هما حقيقتان اساسيتان لابد من تقدير لهما للحكم على مجرى احداثه اليوم وتطوراتها.

    ولقد اشرتم في رسالتكم الى نقطتين :

    اولاهما - ما أشرتم اليه من اننا ينبغي ان ننسى الماضي جانبا وان نعمل على انقاذ الشرق الاوسط بل والعالم كله بتجنبه الاعمال العسكرية فبالنسبة لهذه النقطة اود ان اشير الى ان سياسة الجمهورية العربية المتحدة لا تكتفي باتخاذ السلام العالمي هدفا لها بل اننا في سبيل هذا الهدف نأخذ دورا ايجابيا لا ارى الاستطراد في بيانه تجنبا للوقوع في دائرة التمجيد الذاتي، اما بالنسبة للقيام بتجنب الاعمال العسكرية فيكفي هنا ان اكرر ما سبق ان اعلنت من ان كافة ما قمنا به من اجراءات فرضتها قوى العدوان ومع ذلك فإن قواتنا لن تبدأ بأي عدوان، ولكننا بلا شك سندافع ضد اي عدوان يقع علينا او على اي بلد عربي بكل ما نملك من قدرات وامكانيات.

    وثانيتهما - هو ما أشرتم اليه من ان مشاكل العصر لا يمكن حلها عن طريق اختراق الحدود بين الدول بواسطة الرجال والسلاح وانا اتفق معك في هذا الرأي ومع ذلك فينبغي ان ننظر في كيفية تطبيق هذا المبدأ على كل حالة فإذا كان قصدكم هو عبور بعض افراد شعب فلسطين خطوط الهدنة فإنني اود هنا ان اشير الى ضرورة بحث هذا الجانب في نطاق النظرة الشاملة لقضية شعب فلسطين وهنا ايضا اتساءل عن مدى قدرة اية حكومة في ان تسيطر على مشاعر اكثر من مليون فلسطيني فات ما يقرب من العشرين عاما دون ان تهتم العائلة الدولية -ومسؤولياتها هنا مسؤولية لا يمكن الفرار منها- باعادتهم الى وطنهم. وتكتفي الجمعية العامة للامم المتحدة في كل دور من ادوار انعقادها بتأكيد هذا الحق. ان ما يقوم به بعض افراد الشعب الفلسطيني من عبور الخطوط الهدنة هو في الواقع الا مظهر من مظاهر الغضب الذي اصبح -عن حق- يتملك هذا الشعب ازاء الانكار الكامل لحقوقه من جانب العائلة الدولية ومن جانب القوى التي تقف مع إسرائيل وتعاونها ماديا وادبيا.

    وفي الواقع اننا مهما حاولنا ان نفصل بين جوانب المشكلة فلا بد ان نعود في النهاية الى جوهرها واصلها الذي يتمثل في حق شعب فلسطين في ان يعود الى بلاده ومسؤولية العائلة الدولية في ان تكفل له ممارسة هذا الحق" (ص46-49)

    في تلك الفترة كان في القاهرة مبعوثان للرئيس جونسون احدهما هو شارل يوست الذي اكد لمحمود رياض ان مكلف من وزارة الخارجية لاستطلاع الموقف وللتأكيد بأن الولايات المتحدة ستكون ضد اي طرف يبدأ بالعدوان، وقد اجابه رياض اننا من ناحيتنا لن نبدأ هجوما مسلحا، وقد اكدنا لكم ذلك بناء على طلبكم.

    وفي الوقت نفسه قابل عبد الناصر روبرت اندرسون المبعوث غير الرسمي من جونسون الذي ذكر ان الولايات المتحدة تبحث عن حل سلمي للازمة وانها سوف تقف ضد كل من يبدأ بالعدوان المسلح، فكرر ناصر من جديد موقف مصر بأنها لن تبدأ العدوان.

    وفي تاريخ 2/6 استدعى محمود رياض السفير الامريكي نولتي ليسلمه رسالة عبد الناصر الى جونسون، وعندما سأله :

    كيف ترى الان احتمال ان تبدأ اسرائيل بالهجوم ضدنا؟ اجاب السفير :

    ان هذا الاحتمال قائم بنسبة خمسين بالمئة .. ويعلق محمود رياض على هذا الجواب في مذكراته :

    واعترف بأن هذه الاجابة قد جعلتني في حيرة شديدة من موقف الولايات المتحدة، فها نحن لدينا فى القاهرة مبعوثان من الرئيس الامريكي، معروف عنهما الموضوعية وعدم التحيز، ليؤكدا ما جاء في رسالة جونسون بأن الولايات المتحدة لن تقبل بعدوان اي طرف على الاخر وفي نفس الوقت فها هو السفير الامريكي في القاهرة يقول انه يرى ان احتمال ان تبدأ اسرائيل الحرب هو احتمال قائم بنسبة خمسين في المائة، وكان واضحا في ان السفير يقول لي ذلك صدورا عن رأي شخصي، وبدأت اشترك مع عبد الناصر لاول مرة في شكوكه حول مدى صدق الرئيس الامريكي جونسون وجدية تعهده الرسمي.

    في اليوم الثاني (3/6) جرى تبليغ محمود رياض من قبل المبعوث يوست بأن جونسون وافق على استقبال نائب رئيس الجمهورية زكريا محيي الدين فطلب عبد الناصر من رياض ان يقترح الخامس من حزيران موعدا لوصول محيي الدين اي بعد 48 ساعة من جواب واشنطن فوافق المبعوث الامريكي على الفور ثم بلغه محمود رياض ما يلي :

    اننا على استعداد للتسليم بامرين، اولهما معاونة الولايات المتحدة لاسرائيل، وثانيهما ان تقدم الولايات المتحدة حمايتها لاسرائيل، ولكن في مقابل ذلك يجب ان يكون هناك التزام من اسرائيل بعدم العدوان، كما ان المساعدة العسكرية اذا تجاوزت قدرا معينا تصبح على وجه التأكيد تشجيعا على العدوان". (مذكرات محمود رياض ص50-51)

    بعد ان تحدد الخامس من حزيران موعدا لزيارة محيي الدين لواشنطن قررت اسرائيل ان يكون هذا التاريخ موعدا للهجوم على مصر لاحباط اي محاولة لتسوية الازمة سياسيا بين مصر والولايات المتحدة، فقد كانت هذه الازمة في الظروف الراهنة للجيش المصري والجيش السوري، فرصتها ليس فقط من اجل فتح خليج العقبة امام الملاحة الاسرائيلية وانما من اجل الحصول على مكاسب اقليمية بالاستيلاء على الضفة الغربية وغزة والجولان والسيطرة على الشطر العربي للقدس واعلانها عاصمة لاسرائيل.


    http://www.jablah.com/modules/news/article.php?storyid=2619
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    تدهور العلاقات المصرية الامريكية في النصف الاول من عام 1967
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات عامة ومنوعة :: فضاءات فلسطين والعرب-
    انتقل الى: