جاء في كتاب مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ، للباحث والعالم الجليل : أ.د. ناصر الدين الأسد ، في (الباب الخامس "دواوين الشعر الجاهلي " ، الفصل الأول "الدواوين المفردة"/أصول روايات ديوان امرئ القيس وأنواعها /الروايات المجموعة :الضرب الأول : الروايات المختلفة المتداخلة : 2_نسخة ابن النحاس: (ص507):
"وأول إشكال يفجؤنا في هذه النسخة هو تحقيق اسم صاحبها. فقد جاء في الورقة الأولى: "شرح ديوان امرئ القيس المسمى بالتعليقة للعلامة ابن النحاس" ثم كتب بجوار هذه الكنية بخط مائل "بهاء الدين أبي العباس أحمد"، وبجانبه علامة التصحيح والاستدراك "صح". وقد بذلنا جهدنا لمعرفة صاحب هذا الاسم، فلم نعثر له على أثر فيما بين أيدينا من كتب الرجال والتراجم والطبقات. وليس في هذه الكتب ممن يسمي ابن النحاس إلا اثنان، أولهما أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس. والثاني: أبو عبد الله بهاء الدين بن النحاس محمد بن إبراهيم بن محمد. فرجحنا أن يكون الكاتب الذي استدرك في نسختنا على اسم ابن النحاس فجعله أبا العباس أحمد قد أخطأ وأنه كان يقصد أبا عبد الله محمدًا هذا الذي ذكرناه، ولقبه بهاء الدين كما أثبته كاتب الاستدراك. فإذا كان ترجيحنا هذا صحيحًا -إذ لم نعثر على بهاء الدين أبي العباس أحمد، ولعله لا وجود له- فإننا نريد أن نرجح ترجيحًا آخر وهو أن صاحب هذا الشرح هو أبو جعفر بن النحاس المشهور، وليس البهاء بن النحاس. وتفصيل ذلك أن البهاء بن النحاس "ولد سنة 627 وتوفي سنة 698" كان شيخ الديار المصرية، وأكثر شهرته في النحو و"لم يصنف شيئًا إلا ما أملاه شرحًا لكتابه المقرب". فهو إذن من رجال القرن السابع، بينما لا نجد في النسخة التي بين أيدينا ذكرًا لأحد من الرواة بعد النصف الأول من القرن الرابع...".
استوقفني هذا القول وأنا حريصة على مناقشته ، وإيضاح أبعاده ، معتمدة على ما أصابته سهام عيناي وقبضته يداي من أسفار.
ولعل الأمانة العلمية تقتضي قبل مناقشة هذا الرأي، التصريح بآراء بعض الدارسين الذين فحصوا هذا القول من قبل ، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
محمد أبو الفضل الذي قال :"لقد تعرض د.ناصر الدين الأسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي لهذه النسخة ووصفها وصفًا دقيقًا ، وتعرض لدراسة شخصية الشارح ، ثم خلص إلى استبعاد نسبتها إلى أبي عبد الله بهاء الدين بن النحاس محمد بن إبراهيم بن محمد المتوفى سنة 698هـ، ورجح أنها لأبي جعفر بن النحاس المتوفى سنة 337هـ .أما أنا فمع استبعادي افتراض أن يكون البهاء بن النحاس المذكور هو صاحب النسخة ، إلا أني لا أوافق على ترجيح أن يكون أبو جعفر النحاس هو صاحبها ، وقد عارضت رواية المعلقة وشرحها في هذه النسخة بروايتها وشرحها لأبي جعفر النحاس المطبوع في برلين سنة 1876م فوجدت بينهما اختلافًا بينًا ولهذا فإني أعدّ نسبة هذه النسخة لشارحها ما تزال غامضة .(ديوان امرئ القيس ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، دار المعارف، مصر، ط5، 1990،ص15_16).
وأنور عليان أبو سويلم ومحمد علي الشوابكة اللذان عنيا بدراسة ديوان امرئ القيس وملحقاته وتحقيقه بشرح أبي سعيد السكري ، إذ قالا:
"نحن نعتقد أن نسبة هذا الشرح إلى أبي جعفر النحاس تكاد تكون موثقة وأقرب للقبول للأسباب التي عرض لها ناصر الدين الأسد .(ديوان امرئ القيس وملحقاته بشرح أبي سعيد السكري ، دراسة وتحقيق :أنور عليان أبو سويلم ومحمد علي الشوابكة ، مركز زايد للتراث ، ط1، 2000، ص143).
وتظل الآراء كالأمواج المتكسرة أمام الحقيقة ، ولا حقيقة (أو لنقل نتيجة) إن كانت المقدمات خاطئة ، ولاأحب أن أخوض في مجال تصحيح الآراء أو تقييمها ، وإنما أود مساءلتها بشغف ونفس طويل إلى أن يرجع لي صدى الحقيقة التي يطمئن إليها قلبي ويقنع بها عقل القارئ.
ولا أحبذ أن أبدأ بما هو مشكل كما بدأ شيخي ، وإنما ألتمس الطريق الواضحة التي ترشدني لغايتي ، وهي الأسئلة المعرفية ...
فمن هو بهاء الدين أبي العباس أحمد؟
أحق هو قول شيخي إن هذا الرجل تغيب ترجمته في كتب الرجال والتراجم والطبقات؟
وهل كانت أكثر شهرة الرجل في النحو ، ولم يصنف شيئًا إلا ما أملاه شرحًا لكتاب المقرب ؟
أثمة ما يوجب أن يكون ابن النحاس هو ذاته بهاء الدين؟ ألا يمكن أن يكون أحدهما مثبتا للشعر والآخر شارحًا له ؟
أصحيح أننا لا نقع في الكتب إلا على اثنين ممن يسمون ابن النحاس؟
ويبقى سؤال أخير وهو:
أين الخطأ هل هو من الكاتب الذي استدرك على النسخة ؟ وهل المخرج من عتمة الكهف إلى النور هو إحالة المجهول(بهاء الدين أبي العباس أحمد) للمعروف(أبو جعفر بن النحاس)؟
هذه هي الأسئلة التي شغلتني ، وأما إجابتها فلن أتسرع وألقيها وإنما أتريث وأتدرج إلى أن أصل إلى حل لها ، وإن خذلني التريث فتكفي المحاولة والإخلاص.
أما "بهاء الدين أبي العباس أحمد" فلا تستنكرون إن قلت لكم إنه موجود ! وبالمثل لن أستنكر طلبكم الدليل على هذا .
لنقرأ ما جاء في الأسفار :
أ_المجموعة الأولى :
1_"...وكان ولده (أي القاضي الفاضل )القاضي الأشرف بهاء الدين أبو العباس أحمد ابن القاضي الفاضل كبير المنزلة عند الملوك، وكان مثابراً على سماع الحديث وتحصيل الكتب، ومولده في المحرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة بالقاهرة، وتوفي بها في ليلة الاثنين سابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن بسفح المقطم إلى جانب قبر أبيه..."
(وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، تحقيق إحسان عباس، دار صادر ، بيروت، ج3، ص163).
2_"...وفيها توفي القاضي الأشرف : بهاء الدين أبو العباس أحمد ، بن القاضي الفاضل : محيي الدين عبد الرحيم البيساني ، في سابع جمادى الآخرة بمصر . ومولده في المحرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة . وكان الملك الكامل قد عرض عليه الوزارة فأباها ، وتوفر على الترسلية إلى الديوان العزيز ، والمشورة . وكان صالحاً نزهاً عفيفاً ، سمع الحديث وأسمعه .
(نهاية الأرب في فنون الأدب ، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، تحقيق : مفيد قميحة، دار الكتب العلمية ، بيروت، لبنان 2004 م، ط1،ج29، ص206).
3_وفي ترجمة أحسبها وافية عن بهاء الدين ، والعذر منكم ؛ لإني سأقتبسها كاملة لأهميتها:
جاء في ترجمة" أحمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن أحمد اللخمي": في كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب ، لابن العديم :أبو العباس بن أبي علي بن أبي المجد البيساني المصري المعروف بالقاضي الأشرف بن القاضي الفاضل، أصل سلفه من بيسان، وانتقلوا إلى عسقلان، وولي جده قضاءها، وولد أبوه بها، ثم انتقل عنها إلى مصر حين غلب عليها الفرنج، فنشأ بمصر على ما نذكره في ترجمته إن شاء الله، وولد له هذا الولد أبو العباس بمصر في المحرم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، أخبرني بمولده جمال الدين محمد بن علي الصابوني، وكان رجلا حسنا فاضلا، شريف النفس، وقورا مشتغلا بما يعنيه.
سمع الحديث الكثير في كبره بدمشق وبغداد وحلب، وغيرها من البلاد، وكان سمع الحافظ أبا محمد القاسم بن أبي القاسم الحافظ الدمشقي، وفاطمة بنت سعد الخير وغيرهما، وقدم علينا حلب رسولا إلى بغداد فسمع بها من جماعة منهم: أبو الحجاج يوسف بن خليل بن عبد الله وغيره، وكان قد سمع إنشاد السعيد ابن سناء الملك، وأجازت له بحنى الوهبانية وطبقتها، وكان ينظم الشعر، ولم يزل يطلب ويسمع الحديث حتى علت سنه.
ووقف على أهل الحديث كتباً حسنة بالمقصورتين المعروفتين به وبوالده بالكلاسة من جامع دمشق.
وكان أخبرني عنه جماعة من المحدثين أنه يمتنع من الرواية والتحديث، ثم إنني اشتريت أجزاء من مسموعاته، فوجدته قد حدث بمدرسه أبيه بالقاهرة في سنة ثمان وعشرين وستمائة بشىء من حديثه، وسمع منه جماعة من طلبة الحديث منهم صاحبنا - بالديار المصرية - أبو الحسن علي بن عبد الوهاب بن وردان، وروى لنا عنه شيئا من شعره أبو الفضل عباس بن بزوان الإربلي، وأبو عبد الله بن الصابوني، وكنت اجتمعت به في سنة ست وعشرين وستمائة بدمشق، وفي سنة.... وثلاثين بمصر، ولم يتفق لي سماع شيء منه.
أنشدني أبو الفضل عباس بن بزوان قال: أنشدني القاضي الأشرف أحمد بن عبد الرحيم بن علي بن البيساني لنفسه، وقال: أنشدتها الوزير ببغداد ارتجالا حين أرسلت إلى بغداد
يا أيها المولى الوزير ومن له نعم حللن من الزمان وثاقي
من شاكرٌ عني بذاك فإنني من عظم ما أوليت ضاق نطاقي
مننٌ تحفّ على يديك وإنما ثقلت مؤونتها على الأعناق
أنشدنا جمال الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن الصابوني قال: أنشدني القاضي الأشرف بن القاضي الفاضل لنفسه بالقاهرة:
الحمد للّه وشكراً له كم نعمة ألبسني فاخرة
أعطاني الدنيا بأفضاله وأنظر لما خول في الآخرة
أنشدني جمال الدين ابن الصابوني قال: أنشدني القاضي الأشرف بن الفاضل قال: أنشدني هبة الله بن جعفر بن سناء الملك لنفسه:
لعلوي جربت لا لانحطاطي جربي رفعةٌ وما هوداء
جربت قبلي السماء وناهي ك علوّاً أن أشبهتني السماء
ولقد أجمع الرواة وما في ذاك خلفٌ أن اسمها الجرباء
سمعت أبا الفضل عباس بن بزوان رفيقنا رحمه الله يقول: مات القاضي الأشرف أبو العباس أحمد بن القاضي الفاضل بالقاهرة في ليلة الاثنين سابع جمادي الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن في يوم الاثنين بعد صلاة العصر بسارية إلى جنب والده رحمهما الله.
4_" ...فإنني لما أعنت على تصنيف كتابي المسمى أحدهما بإغراب العمل في إعراب أبيات الجمل والآخر المسمى الوضاح في شرح أبيات الإيضاح أردت أن أعززهما بثالث يجري في مسارهما ويحسن في تتبع آثارهما ذكرت من عجائب اللغة التي شرف الله قدر منزلتها وجعل علم الدين والدنيا منوطا بفهمها ومعرفتها ما بينت فيه ما أتفقت مبانيه واختلفت ألفاظه ومعانيه ودعاني ذلك إلى أن أشفعه بما أتشفع به إلى مجلس المولى الأجل الأشرف الأمين بهاء الدين أبي العباس أحمد بن القاضي الأجل الفاضل أبي علي عبد الرحيم بن القاضي الأجل الأشرف بهاء الدين أبي الحسن علي لأنه أعزه الله فريد دهره ووحيد عصره يرى بالعلم ما لا يراه الظمآن بزلال قد عذب أو المحب بوصال من أحب. (اتفاق المباني وافتراق المعاني ، سليمان بن بنين الدقيقي النحوي، تحقيق : يحيى عبدالرؤوف جبر، دار عمار ، عمان، ط1،1985،مقدمة المؤلف، ص83).
5_" ...سمع جميع هذا الكتاب من أوله إلى آخره وهو كتاب تاريخ واسط القصب لبحشل على الشيخ الإمام العالم الأوحد لصاحب الورع تاج القراء تقي الدين أبي الحسن علي بن الشيخ الإمام أبي الفتح المبارك بن الحسن بن أحمد بن ابراهيم بن باسوية الواسطي المقري أثابه الله الجنة برحمته وإيانا بسماعه فيه نقلا من القاضي أبي طالب الكتاني المحتسب بسنده المذكور بقراءة المولى الإمام العالم الأوحد الصدر الكبير المحترم القاضي الأشرف بهاء الدين أبي العباس أحمد بن القاضي الفاضل السعيد أبي علي عبدالرحمن بن علي البيساني أيده الله تعالى وولده الإمام العالم عز الدين أبي عبدالله محمد وصاحب هذه النسخة وكاتبها الفقير الى رحمة ربه تعالى مظفر بن أبي القاسم بن أبي الفرج بن الجوزي وهذا خطه وذلك آخرهما يوم الأثنين خامس عشرين ذي الحجة من سنة ثماني وعشرين وستمائة..." ( تاريخ واسط، أسلم بن سهل الرزار الواسطي، المحقق : كوركيس عواد، عالم الكتب، ط1،1406هـ،ص267).
وبعد :
لا أغفل عزيزي القارئ فطنتك في الوصول إلى شيء من قراءة هذه النصوص بل وأشياء ، ولتسمح لي أن أسجل ما انتهيت إليه ، ولعله يلتقي معك .
شعّت المجموعة الأولى من النصوص والأخبار بأنوار عديدة وصلني منها أن بهاء الدين أبي العباس أحمد هو ابن القاضي الفاضل ، نعم القاضي الفاضل الذي قال صلاح الدين في حقه لا تظنوا أني فتحت بيت المقدس بسيوفكم وإنما فتحته بقلم القاضي الفاضل .
وقد ثبت من الأخبار أنه ولد سنة 373هـ ، وتوفي 643هـ ، وأنه كان مثابرًا على سماع الحديث وإسماعه ، وتحصيل الكتب ، وله دور فاعل في ديوان الترسل والإنشاء، وقد عرضت عليه الوزارة فرفضها .
ومن المهم التنبيه إلى أنه كان ينظم الشعر ، وله صلة بالشعراء (ابن سناء الملك)، وقد ذكرت الأخبار بعض الرواة لشعره ( أبي الفضل عباس الإربلي )/و(أبي عبد الله بن الصابوني) .
ولم تضرب الأخبار عن شعره صفحًا إذ ذكرت طرفًا منه .
وأطمئن لشهادة المخبر عن بهاء الدين أبي العباس أحمد بأنه فريد دهره ووحيد عصره يرى بالعلم ما لا يراه الظمآن بزلال قد عذب أو المحب بوصال من أحب .
كل هذه الأخبار مهمة ولكن ما زال الوقت مبكرًا لإصدار حكم ، لنكمل عزيزي القارئ رحلة البحث في المجموعة الأخرى...
ب_ المجموعة الثانية :
1_" ...ودفن بمقبرة الإمام أحمد رحمه الله وفيها بهاء الدين أبو العباس أحمد بن نجم بن عبد الوهاب بن الحنبلي الدمشقي أخو الشهاب والناصح وكان أكبر الأخوة ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة وسمع من أبي الفضل بن الشهرزوري وحدث عن الحيص بيص الشاعر وأجاز للمنذري وتوفي في حادي عشرى ذي القعدة بدمشق ودفن بالجبل".( شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لعبد الحي بن أحمد العكري الدمشقي، ابن العماد، دار الكتب العلمية،ج5، ص118).
2_"...سنة ست وعشرين وستمائة .. ودفن بمقبرة الإمام أحمد بباب حرب..وفي هذه السنة في حادي عشرين ذي القعدة توفي بهاء الدين أبو العباس أحمد بن نجم بن عبد الوهاب الحنبلي الدمشقي، أخو الشهاب والناصح. ودفن بالجبل. وكان أكبر الإخوة. فكان مولده: سنة تسع وأربعين وخمسمائة: سمع من القاضي أبي الفضل بن الشهرزوري. وحدث عن الحيصَ بيص الشاعر. وأجاز للمنذري".
( ذيل طبقات الحنابلة ، ابن رجب الحنبلي،ج2، ص119).
وهذه ترجمات أخرى لشخص آخر يدعى بهاء الدين أحمد ، يكفيني منها القول إنه كان رجلًا محدّثا للشعر ، والفقه .
ج_المجموعة الثالثة :
1_تقي الدين الفاسي : هو السيد الشريف الإمام العلامة الحافظ المؤرخ قاضي القضاة تقي الدين أبو الطيب محمد بن قاضي القضاة بهاء الدين أبي العباس أحمد بن عليّ الحسني الفاسي المكي المالكي، ولد سنة 775، وأجاز له أبو بكر بن المحب وإبراهيم بن السيار ورحل وبرع وخرج، وأذن له الحافظ العراقي بالتحديث، ومات في كشف الظنون سنة 832.
(فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني تحقيق إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، ط2،1982،ج1، ص269).
2_ قال أخبرنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي بن الحسين التوري، قال حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن محمد بن الحصين قراءة عليه، قال حدثنا أبو محمد جعفر بن محمد بن نصير بن القاسم الخواص، قال حدثنا أحمد بن محمد، قال حدثنا محمد بن الحسين، قال حدثني سعيد أبو عثمان البزار، قال حدثني محمد بن عبد الله المهلبي، قال حدثني أبو بكر بن عبد الله العتكي، قال قال عدي بن زيد:
وصحيحاً أضحى يعود مريضاً وهو أدنى للموت ممن يعود
وأطبا بعدهم لحقوهم ضل عنهم سعوطهم واللدود
أين أهل الديار من قوم نوج ثم عاد من بعدهم وثمود
بينما أهل للنمارق والدي باج أفضت إلى التراب الجلود
ثم لم ينقضي الحديث ولكن بعد ذاك الوعيد والموعود
( الأمالي الشجرية، ابن الشجري).
هذان خبران عن شخصين مختلفين ، وأحسب أن الرواية الثانية التي جاءت في كتاب الأمالي مهمة
لأن اسم أبي العباس أحمد اقترن بسلسلة من الأشخاص أوصلت في نهاية المطاف إلى قول شاعر
جاهلي هو عدي بن زيد.
هذه هي الأخبار التي وجدتها عن بهاء الدين أبي العباس أحمد ، ولم يذكر فيها كلها أن هذا الشخص هو ذاته ابن النحاس .
****************************
ولا أحب أن أسير مع ركب شيخي الذي يقود إلى أن الكاتب الذي استدرك على اسم ابن النحاس فجعله أبا العباس أحمد _قد أخطأ ، وأنه كان يقصد أبا عبد الله محمدًا ؛ فالأخبار هدتنا إلى بهاء الدين أبي العباس أحمد .
ومن الضروري أن نذكر بعض الروايات والأخبار عن البهاء ابن النحاس ، بما قد يجلي المشهد .
1_بهاء الدين ابن النحاس الحلبي محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر، الإمام العلامة حجة العرب،...، شيخ العربية بالديار المصرية؛ ولد في سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وستمائة بحلب، وتوفي سنة ثمان وتسعين وستمائة بالقاهرة... تخرج به جماعة من الأئمة، وكان من أذكياء بني آدم، وله خبرة بالمنطق وإقليدس...ثقة حجة...ولم ألق أحداً أكثر سماعاً لكتب الأدب من الشيخ بهاء الدين، وانفرد بسماع " الصحاح " للجوهري، ... ولم يصنف شيئاً إلا إملاء على كتاب "المقرب " لابن عصفور من أول الكتاب إلى باب الوقف أو نحوه. توفي يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين..."(فوات الوفيات،محمد بن شاكر الكتبي،تحقيق إحسان عباس،دار صادر ،بيروت، ج3_ص294_297).
2_ " محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي أثير الدين أبو حيان الأندلسي الجياني ولد في أواخر شوال سنة 654 ....ولازم بها الشيخ بهاء الدين ابن النحاس فسمع عليه كثيرا من كتب الأدب".( الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة،الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني،تحقيق محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية،1972م، صيدر اباد، الهند، ج6،ص58).
ومثله ما جاء في كتاب نكث الهميان في نكت العميان، للصفدي:
_محمد بن يوسف ... أبو حيان الغرناطي النفزى... ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله كثيراً، وأخذ منه كتب الأدب.
وما جاء في فوات الوفيات :
_"محمد بن يوسف.... ولما قدم من البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس ... وأخذ عنه كتب الأدب".( فوات الوفيات،محمد بن شاكر الكتبي،تحقيق إحسان عباس،دار صادر ، بيروت،ج4، ص71_72)
3_" ...المتوثي القطان محمد بن أحمد بن عبد الله بن زياد...محمد بن أحمد بن عبد الله بدر الدين الحلبي، أخبرني من لفظه الشيخ أثير الدين قال: رفيقنا عند الشيخ بهاء الدين ابن النحاس كاتب مترسل شاعر مجيد حسن الخط..."( الوافي بالوفيات ، الصفدي) .
4_"العلامة حجة العرب الإمام الأستاذ بهاء الدين أبو عبد الله محمد ابن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الحلبي النحوي المعروف بابن النحاس...كان إماماً عالماً علامة بارعاً في العربية، نادرة عصره في فنون كثيرة. وله نظم ونثر.( النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري بردي).
5_ابن النحاس : (627 - 698 هـ = 1230 - 1299 م) "محمد بن إبراهيم بن محمد، بهاء الدين، ابن النحاس الحلبي: شيخ العربية بالديار المصرية في عصره. ولد في حلب، وسكن القاهرة وتوفي بها.
له " إملاء على كتاب المقرب " لابن عصفور، من أول الكتاب إلى باب الوقف أو نحو، و " هَدٌى أمهات المؤمنين - خ " و " التعليقة - خ " في شرح ديوان امرئ القيس. وله نظم. وهو غير " ابن النحاس " الشاعر، فتح الله. (الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي ،دار العلم للملايين،بيروت، ط15 ، 2002 م، ج5، ص297).
6_محمد بن النحاس (627 - 698 هـ) (1230 - 1299 م) محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر الحلبي (أبو عبد الله، بهاء الدين، ابن النحاس) أديب، مقرئ، نحوي.ولد بحلب، وروى عن الموفق بن يعيش وابن اللتي وجماعة، وتوفي بالقاهرة في جمادى الاولى.
من آثاره: شرح المقرب في النحو، شرح قصيدة فيما يقال بالياء والواو للشواء الحلبي، التعليقة في شرح ديوان امرئ القيس، وديوان شعر.( معجم المؤلفين، عمر بن رضا بن محمد راغب بن عبد الغني كحالة ،مكتبة المثنى ، بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت، ج8، ص219).
هذه هي أبرز الأخبار ، وقبل مناقشتها ، أشير إلى أن المقري ذكر له بعض الشعر (انظر: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب،أحمد بن المقري التلمساني، تحقيق إحسان عباس،دار صادر، بيروت ،لبنان ،ج2،ص227).
استبنت من هذه الأخبار أن بهاء الدين ابن النحاس كان حجة العرب ، وإماما ثقة ، وأن له خبرة ومِكنة في العلوم تتجاوز علوم اللغة والنحو إلى الأدب دراسة وتدريسًا ، والمنطق ، والكتابة والخط فهو كاتب مترسل حسن الخط ، وبارع في العربية ، وقد وصف بأنه نادرة عصره في فنون كثيرة ، وله نظم ونثر .
ولست على يقين من صحة ما جاء في بعض الأسفار من ذكر لكتب أخرى له غير المقرب ، من مثل :
_هدي أمهات المؤمنين ، والتعليقة في شرح ديوان امرئ القيس ، وديوان شعر، وشرح قصيدة فيما يقال بالياء للشواء الحلبي .
ولكن من الضروري تسجيلها ، والقول : بأن بهاء الدين لم يكن بعيدًا عن عالم الشعر فيما ظهر لي ومن المحتمل أن تكون التعليقة له ، وهذا يحتاج إلى مزيد من الدراسة والعمق.
وأحسب أن الدراسة النصية للتعليقة هي خير مؤيد بعد هذه الروايات...وإن كنت سأتجاوزها.
إلا إنه يؤنسني صنيع شيخي وهو يرجح بأن التعليقة لأبي جعفر النحاس ، معتمدًا على محاورة بعض الأخبار ، وعلى نصين من تعليقة ابن النحاس.
وإن آنسني المنهج، فإن النتيجة التي أجد أنها مقحمة، وطمس الموجودات ضعفا هذا الاستئناس .
وأكرر ختامًا قول شيخي :
"...وقد بذلنا جهدنا لمعرفة صاحب هذا الاسم، فلم نعثر له على أثر فيما بين أيدينا من كتب الرجال والتراجم والطبقات. وليس في هذه الكتب ممن يسمي ابن النحاس إلا اثنان..."
ولا أملك إلا الأدلة التي أسعفتني بها بعض كتب التراجم ، إذ هالتني كثرة الأشخاص الذين يسمون بابن النحاس ؟!
للنشر