يا كلمات الشعراء احترقي واتقدي مشاعلًا
يا كلمات الأنبياء رفرفي ترقرقي في دربنا مناهلًا
لكي يموت شاعر على الدروب المظلمة
وتستفيق أمة على أساها نائمة"
(عبد الرحيم عمر ،الأعمال الشعرية الكاملة ، ص128)
يعنى هذا البحث باستخدام عبد الرحيم عمر للأسطورة والرمز باعتبارهما أداة فنية في بنية النص الشعري ، ومن نافلة القول الإشارة إلى أن استخدام الأسطورة في الشعر العربي الحديث ليس إعادة إنتاج للمبنى القصصي والفكري الظاهر في الأسطورة الأصلية ، وإنما هي في النهاية أداة وتشكيل ، لا تقف عند الظاهر ولا تطفو على السطح ، وإنما تشكل النص وتتشكل به .
ويعد عبد الرحيم من أوائل الذين اهتموا بالأسطورة ، باعتبارها أداة تشكيل وبناء ، في الشعر العربي الحديث في الأردن وفلسطين ، بيد أن اهتمامه لم يكن انسياقًا وراء الاحتفال السائد ، آنذاك ، بالأسطورة لدى الشعراء والرواد في الوطن العربي ، ولا محاولة للتباهي بإظهار الثقافة وادعاء الحداثة ، وإنما كان استلهامه للأسطورة جزءًا من حساسيته الشعرية ، وبحثه عن الأدوات الشعرية القادرة على تشكيل تجربته ، ومحاولة فهمه للعالم .
وربما يتبادر إلى الذهن شيء من المفارقة بين أسلوب عبد الرحيم عمر في التشكيل الشعري ونظرته إلى وظيفة الإبداع وبين استخدام أداة فنية تسهم في تعقيد عملية التلقي وقد تؤدي إلى الغموض ، فعبد الرحيم عمر _الذي كان أحد رواد الشعر الحديث في الأردن وفلسطين _ يقول حول عنف المعركة بين المحافظين والمجددين :
"وما سببه ذلك من ردّة فعلٍ لدى المجددين ضدَّ كلِّ ما هو قديم ، من جهةٍ ، ثم إسراف بعض من المجدّدين في السعي وراء الغامض المبهم من الصورة ، والخيال ، والكلمة ، وكلِّ أداة من أدوات البناء الشعريِّ من جهة أخرى ، وتجاهل بعض المجددين لطبيعة المناخ الفني الذي ستعيش فيه حركةُ التجديد هذه ولجوئهم إلى استحضار أشكال تعبيرية نبتت في مناخات غربية ، ومحاولة فرضها على المناخ الأدبي العربي من جهة ثالثة" ( عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة، منشورات مكتبة عمان ، الأردن ، 1989م ، ط1 ص28).
بيد أن من يتأمل صنيع عبد الرحيم عمر يدرك أنه ظل وفيًا لنظرته إلى الشعر ، فهو يرى الشعر رسالة فنية ، وليس من الطبيعي أن يسعى لاستخدام أدوات فنية تضعف من قيمة الوضوح وتؤدي إلى شيء من الغموض وربما الإبهام.(انظر: عبد الرحيم عمر ،المصدر نفسه، ص28)
وآية ذلك أنه لم يغال في التوسل بالأسطورة ، وما استلهمه منها في شعره ينسجم مع الرؤية الكلية التي تنبثق من الإحساس بمأساة المكان ، التي تنضوي تحت ثنائية الإقامة والرحيل ، وهي ثنائية تتآزر مع منظومة من الثنائيات التي تقيم بناء شعره الفكري إذ تأتلف معها ثنائية العدل والظلم ، والحرية والعبودية ، والوطنية والعمالة ، والأنانية والتضحية ، والجرأة والجبن إلى غير ذلك.
" ولعل عدم ميل عبد الرحيم إلى الإكثار من استخدام الأسطورة يعود إلى علة بنائية ، إذ يحتاج هذا الاستخدام إلى نوع من الأناة ، والصنعة الخفية ، والصبر على تأمل الفكرة الشعرية في جوهر الأسطورة وتمثيلها وإحالتها إلى روح خفية في شبكة العلاقات المتآزرة ، وعبد الرحيم عمر أقرب إلى الشاعر المطبوع وربما يضيق ذرعًا بالوقوف أمام هذه التقنيات الحديثة " (إبراهيم السعافين ، الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر ،من أوراق ندوة " عبد الرحيم عمر الشاعر الذي قال شيئا وارتحل" التي عقدتها وزارة الثقافة بمناسبة الذكرى الثانية لوفاته ، الأردن ، 1998، ص17) .
بيد أن قلة الأساطير المباشرة في شعره لا تمنع استلهام روحها في شعره ، ولا بدّ من الدراسة التفصيلية لاستجلاء هذا الجانب .
المحور الأول ( الأساطير الغربية ) :
لعل توظيف الأساطير الغربية هي الظاهرة الأنضج والأكثر حضورًا في قصائد الشاعر الذي عمل على استحضارها وإسقاطها على الواقع ، وكثيرًا ما انطلق الشاعر في بناء القصيدة من خلال ثقافته الأسطورية ، إذ يكون البعد الأسطوري هو الحافز لكتابة القصيدة .
كما هو الأمر في قصيدة " من ليالي بنلوب" :
مات النهارْ
يا مغزلي المنكودَ قد مات النهارْ
والزائرون التافهون تجمعوا خلف الجدار
لكنهم لن يدخلوا
يا بيتي المحزون إني في انتظارْ
ستفُلُّ كفُّ الليل ما حاك النهارْ
لكن سيولدُ من جديدْ
يومٌ جديدْ
وأعود أرنو للبحارْ
وأعلِّقُ العين الحزينة بالبعيدْ
ويدورُ مغزلي العنيدْ (الأعمال الشعرية الكاملة ، ص75).
كتب عبد الرحيم عمر هذه القصيدة في أثناء اغترابه في الكويت1959 ، وقد ابتدأ قصيدته بمقدمة صغيرة عرّف فيها القارئ بالأسطورة الإغريقية ، ثم ذكر أن " بنلوب" كانت تتسلى في غياب زوجها بحياكة الصوف ، ولكنها كانت تفلّ في الليل ما تغزله في النهار ، فعاشت عمرها في انتظار حبيبها "أوديسس"الغائب.
واستعار عبد الرحيم جو أسطورة بنلوب _أوديسس ؛ ليعبّر عمّا تلاقيه "بنلوب" - وأحسب أنها هنا"فلسطين" _من حزن وألم في ظل المحتل وبعد الأهل ، وهي ما زالت تنتظر "أوديسس" الفارس العربي المخلّص ، فتأتي الرؤى مضيئة تبعث على التفاؤل ، فالجبين مرفوع ، والحلم حنون ، والحب لم تنل منه السنون ، والمحيّا جميل ، وهذه القصيدة تذكرنا إلى حد بعيد _بقصيدة بدر شاكر السياب "رحل النهار" إلا أن السياب كتبها بعد عبد الرحيم عمر ، ويذكر " السندباد" بدلًا من "أوديسس" فهو تركيب مزدوج يقوم على جمع نموذجين أسطوريين ، أحدهما
عربيّ ، والآخر إغريقي :
رحل النّهار
ها إنه انطفأت ذبالته على أفق
توهجّ دون نار
وجلست تنتظرين عودة سندباد من السّفار
والبحر يصرخ من ورائك بالعواصف والرعود
هو لن يعود (بدر شاكر السياب ، رحل النهار ، مج1، دار العودة، بيروت، 1989، ص229) .
أما في قصيدة "غرباء في الجزائر" فصورة "بنلوب" هي هي ، فما زالت تنتظر عودة الحبيب الغائب، يقول :
لم تزل " بنلوب" ترنو للجديد يهلُّ من شيب الزمان
وللجديد يطلُّ من موج البحار ولا تملُّ مُسائِلَهْ:
يا عابر الدرب العنيد أما رأيت من البعيد
شجًا يذوب على الحديد ولوعة متحاملة ؟ ( ص396_397)
لا زالت "بنلوب" عبد الرحيم تنتظر الغائب ، وتسأل عن عودة الحبيب الغائب ، وكأني بالشاعر قد ملّ الانتظار ، وشعر بثقله ، فخفّت روح الأمل لديه ، وخاصة وأن فترة ربع قرن أو يزيد من الأحداث (بين القصيدتين) كانت كافية ليغيّر عبد الرحيم رأيه في العودة ، وخاصة وأنه استبصر الحقيقة أكثر من قبل .
ولكن في القصيدة الأولى "من ليالي بنلوب" نجده قد بنى قصيدته على تلك الأسطورة ، وقد استوحى جوهر الأسطورة وروحها ، فبعثها حيّة في جسد وروح جديدين .
أما في قصيدته الثانية " فبنلوب" تمر مرورًا عابرًا ، رغم إفادته من هذه الإشارة ، بحيث شكلت الوجه التعبيري الذي انتظم الأمل بالنصر والعودة الذي قامت عليه القصيدة.
أما أسطورة "بروميثيوس" فقد وظفها في شعره في قصيدتين هما :
"انتظار" وقصيدة "ضائع على الدرب " ، ففي قصيدة انتظار 1959 ، يقول عبد الرحيم مضمنًا أسطورة سارق النار الثائر "بروميثيوس:
يا ليل قد شابت أمانينا وعاث بها الظلام
فمتى الصباح يهلُّ !؟ قد ملَّ النيام
حتى نجومك باهتات ترتعش
مقرورة تشكو انتفاضات الرياح
وتلفُّها
وكأنّ ما يعنيك أمرٌ مبهم
فنسيتها وتركتها
وتركت أرض الله في صمتٍ ثقيلْ
وكتمت أنفاس الحياة ( ص78)
وقد قدم عبد الرحيم للقصيدة بالمقدمة التالية : " في الأساطير اليونانية أن بروميثيوس قد تمرّد على الآلهة التي أرادت لبلاد اليونان الجميلة أن تعيش في الظلام ، فاختطف النار من مركبة إله الشمس ، وألقى بها لليونان " .
فعبد الرحيم يسقط أحداث هذه الأسطورة على الواقع العربي المعاصر ، هذا الواقع الذي يعيث به الظلام الطويل ، وكأنه يبحث عن منقذ مخلص يأتي لأمته العربية بالضياء ، ويطرد حشرجات هذا الليل البهيم .
والشاعر "يتمثل أبعادًا عامة في طبيعة الفكر البروميثي تتلخص في هذه الحَيْرة بين التطلع للخلاص واليأس من تحقيقه في آنٍ ، والقصيدة بمجملها تقدم صورتين : صورة تضجر الإنسانية من طول الظلام ، وما رافق هذا الظلام من غياب الإحساس بالحياة ، أما الصورة الأخرى فتكمن في جذوة الأمل حيث يعلو الإحساس بالخلاص ، أو في بعث النور في ليل البشر " (علي الشرع ، الفكر البروميثي والشعر العربي الحديث، منشورات جامعة اليرموك، 1993 ، ص69) .
والشاعر لا يصرّح بالإشارة إلى أسطورة "بروميثيوس" بل يكتفي بالإيحاء بمضمونها ، فبروميثيوس رمز الثورة والثوار ، وهو قوة التغيير الذي يجتاح العالم العربي ، إلا أن اليأس من التغيير يغمر قلب الشاعر، فيقول :
وتموت أصداء النداء
وتغيض في الأرض الحزينة
حيث الدم المطلول والشرف الذبيح
والصّمْت إلا حشرجات الميتين
ثم ابتهالات النساء
ياربّ قد حقَّ الجزاء
ياربِّ إنا كالشظايا فوق أرض المعركة
ماتت أحاسيس الجراح (ص79)
وفي قصيدته الثانية "ضائع على الدرب" لا يصرّح الشاعر بالإشارة إلى الأسطورة ، بل يكتفي بالإيحاء بمضمونها ، وذلك من خلال المقابلة بين الظلمة والنور ، وهي " تقدّم صورة ألصق بأسطورة بروميثيوس وبملامحه الفكرية والفنية ، والشاعر يتقمص في هذه القصيدة روح التمرد الإنساني رغم إحساسه العميق بالحدود الضيقة التي يتحرك فيها "( علي الشرع، ص70) .
فهو يقول:
فانوسكَ الخابي مجاعة مقلتيك
ضاع الطريق
لا الريح تكشفه ولا جرُّ الخطا المكدود فوق الرمل
يقطع رهبة الليل العميق
التيه خلفك ضاع ما قدمت من عرق
ومن دمع سفحت على الطريق
ومصير جدِّك ينتظر (ص31)
وهكذا فإن "بروميثيوس" يبقى رمزًا للإرادة التي لا تقهر ؛ لأنه واثق من انتصار قضيّته :
ضاع الطريق
وسننتصر
وسننتحر (ص33)
وفي قصيدة "إيفاجينايا ...تواجه البحر" ارتقى عبد الرحيم فنيًا في استخدام الأسطورة حتى غدّت جزءًا من بنية القصيدة ، وقد قدّم الشاعر لقصيدته بالمقدمة التالية :" ثار البحر ، وأوشكت الحملة المتوجهة إلى طروادة على الغرق ، فسارع أجامنون إلى الكاهن ، فجاء الجواب أن عليه إلقاء ابنته إيفاجينيا إلى أعماق البحر استجابة لرغبة " يوسيدون" الذي يريد الزواج بها " ويقول فيها :
يا عروس الأبدية
أنتِ يا من كُوِّنتِ من نور عيني ، ومن رفات روحي!
أنت...يا إيفاجينايا
عابس وجه الصباح
وصراخ الموج والحيتان في الآفاق ترجيع استغاثات جريح
بالجراح
أنزلت آلهة الأولمب بالجملة أنواع الرزايا
فغدت مشلولة غص بها البحر فما في عصفه درب غدوٍّ أو
رواح
فاصبري ايفاجينايا
وافتدي الحملة !
روّي غلّة الرّبِ الذي سدّ عليها الدربَ
روّي غلة العبد الذي استعدى عليها الربَّ
كوني الزاد والخمرا
وكوني الدفء والجمرا
وكوني مريم العذراء ، كوني شهرزاد (ص439_440).
بشبكة اتصالات محكمة تلتقي "إيفاجينايا " بمريم العذراء وشهرزاد لتمثل هذه النساء قصة التضحية ، وتلتحم مع مأساة الشاعر الوطنية ، لتصبح "إيفاجينايا" رمزًا لكل تضحية وفداء ، وليرى فيها فلسطين التي قُدِّمت لليهود ، وقد شحن الشاعر قصيدته بجو هذه الأسطورة ، وصاغها صياغة جديدة ، فانعتق من أسر قيود الأسطورة القديمة ؛ ليستوحي جوهر الأسطورة وروحها ، فيبعثها في جسدٍ وروح جديدين يرتكزان على التضحية والفداء .
أما "فينوس" آلهة الحب عند الرومان" (آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ، ترجمة سهى الطريحي ، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1963، ط1، ص165.
فقد وظفها الشاعر دون الشكل المطور لأساطيره السابقة ، فلم تؤدِّ سوى وظيفة تفسيرية توضيحية ، بحيث أصبح غرضها هنا كغرض التشبيه في الشعر التقليدي ، فهو يقول في قصيدته "هذيان" :
كان محموم الخيال
ثائرًا ليس يَعي معنى الهُدوء
باحثًا عن غامضٍ يجهل سرّه
هو طيفٌ
هو صورة
أبدعت فينوسُ فيه كلَّ ذرّةْ (ص257_258).
ففينوس التي احتلت مكانة بسيطة في المجتمع الإلهي الروماني ، والتي ترمز أيضًا إلى الربيع والخصوبة ، هي التي ألهمت الشاعر هذا الإبداع .
وفي قصيدته " في مهرجان جرش" جعل " أرتيمس ، تزفّ إلى زفس" فيقول:
واليوم ، ها أنا ، والهوى المكتوم في القلب يرتعش
بادٍ أساي ، معذّب الخطوات أعبر يا جرش !
أشتاق للوادي الوريف
لغلالة الليل الشفيف
لمواكب التاريخ تسرد قصة الآباء والغرباء
والصّرح المنيف
ظمآن جئتك يا جرش
متطلعًا لمواكب العشّاق ...زُفَّت " أرتميسُ" "لزفس"
تلقى حبَّها ، تفنى وتخلد في صبابات من الحب اللهيف .
....
إلى أن يقول :
وتطير أشواقي سكارى
لتحوم ولهى فوق "حمّام العذارى "؟
فعسى يبلُّ الظامئ الملهوف شوقًا يا جرش
وعسى نبدّدُ غلّ آلاف السنين من العطش ( ص424_ 425) .
فقد جعل الشاعر " أرتيمس" إلهة القمر (لطفي الخوري، معجم الأساطير ، ج1،دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1990، ص31_32) أو إلهة الصيد (آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ، ص161_162) ، تزف إلى "زفس" أعلى آلهة الإغريق إله البرق والرعد في السماء (المصدر السابق نفسه، ص161_162) ، ربما لإضفاء روعة وبهجة ومرح.
وفي قصيدته " الأرض المحرمة " يقول موضحًا الأسطورة :"في الأساطير القديمة غضبت الآلهة على رجل ما فقضت بأن يعيش حياته طائرًا يجوب الجو حول جبلٍ في البحر ، ومنحته فرصة الخلاص إذ يزور البر مرة كل سبع سنوات ، فإذا وجد امرأة تحبه ، تخلّص من ذلك العذاب ، وإن لم يجد عاد إلى الطيران حول الجبل في البحر مرّة ثانية " (ص163):
حملتك فوق أجنحتي
خيالًا حاني القسمات والصورة
وهدهدت الجراح وطرت في المنفى
أدور أدور لا عشًّا أطير له ولا مرفأ
يموت الليل تهجره عذارى الليل مذعورة
ويبقى ظلي المطرود يوقد غافي الأنواء
تحمله وتدفعه
كأني رائد المجهول أكتب في الفراغ الهش أسطورة (ص163) .
فعبد الرحيم يؤكد في قصيدته هذه متكئًا على الرمز الأسطوري على شخصية الفرد الذي لم يحقق أحلامه ، وهي تصور معاناة عبد الرحيم نفسه في هذه المرحلة ، وخاصة وأنه كتبها بعد حرب حزيران 1967م :
لو أني مرة أرسو على القاع الحزين هناك
أرقد تحت زيتونة
وأشتم الثرى أبكيه أذرف دمعتين إليك
واحدة لأنك يا أبا الأقدار تظلمني وترفض ميتتي دونه
وأخرى دمعة للحزن أذرفها وأتركها كما أرضي مأسورة
أراك أراك يالجدائل الأنوار ما انهمرت على الكتفين
ولا عشاقها ذهلوا
فالأرض المحرّمة هي وطن الشاعر الذي حُرِمَ منه باحتلاله ، ورجل الأسطورة الشقي هو عبد الرحيم (الشاعر) ، فهو يستوحي جوهر الأسطورة وروحها ، فيبعثها حيّة في جسد وطنه وروحه ، وقد شحنها بالحيوية والدلالات المعاصرة في صياغة جديدة ، يرغمها على التفاعل مع إرثه ، والانعتاق من أسر قيود هذه الأسطورة .
وفي قصيدته " من أجلنا ...لا ترحلوا " يلتفت الشاعر التفاتة لكيوبيد فيقول :
وأفتح قلبي للجمال يحوطه على علة أعددتُ للحبِّ نادبا
ولولا هو أنا ما ترنم طائر ٌ بوجدٍ ، ولا زانت ذُكاء مغانينا
...
ولا سهر "كيوبيد" صبًّا لياليا ولا سمعت أسحار فجرٍ قوافينا (عبد الرحيم عمر ، تيه ونار ،وزارة الثقافة، عمان ، 1993، ص27_28) .
"فكيوبيد" إله الحب عند الإيطاليين واسيروس عند الإغريق "(آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ، ص168) يحضر الشاعر عند الحديث عن الحب والجمال ولوعة المحبين ، ولكنه توظيف جزئي لا يعدو كونه تضمينًا للحظات شاعرية سرعان ما تزول .
ومن الأساطير البابلية ما يبدو في قصيدة " حطين" إذ تبدو التفاتة سريعة " لتموز " الذي أحبته عشتار ، ولسبب ما غريب ومجهول ، أدّى هذا الحب إلى موت تموز ، وهكذا اختطف الموت تموز إله الحصاد ، وهو في عزّ شبابه ، وأجبر على النزول إلى العالم السفلي " (لطفي الخوري ، معجم الأساطير ، ص202) ، ويقول فيها:
تثاءب ، إذ أغفت ذُكاءُ نهارُها ومال إلى صبح الثريَا انحدارها
وما زال يُحصى نجم تموز ساهرٌ تأبَّت عليه كأسها وجرارُها
وها هو في وقر المشيب وهمُّه جفافُ عيون لا يكفُّ انهمارها
هو اليوم يومٌ والغداة قريبةٌ ولابدَّ يومًا أن تولّي عسارها (عبد الرحيم عمر ، تيه ونار، ص58_59) .
وهي_ أيضًا_ التفاتة سريعة تؤكِّد أن أنماط الإفادة من الأسطورة لدى الشاعر قد تفاوتت ، ما بين التفاتة عابرة ، واستحياء جوهر الأسطورة وروحها ، وبعث الحياة في جسد القصيدة .
وإذا كان هذان النمطان من الإفادة من الموروث الأسطوري والرمزي القديم قد شاع استخدامهما عند عبد الرحيم ، فإنّ ذلك لا يعني أن شعره قد اتسّم بنمطٍ محدّد من هذين النمطين ، وإنما قد يجتمع هذان النمطان لدى عبد الرحيم عمر .
والملاحظ _أيضًا_ أن هذا الزخم الملحوظ من توظيف الأساطير في شعره كان في الخمسينيات وبداية الستينيات ، ولكن حدّة التوظيف الأسطوري ، واتكاءه على الأسطورة أخذت تفتر في أعماله الشعرية المتأخرة .
المحور الثاني (الخرافات والأساطير العربية) :
استوحى عبد الرحيم عمر عددًا من الأساطير العربية في قصائده ، ففي قصيدة " من حكايا السندباد" يقف في بعض مقاطع القصيدة موقف الشاهد أو الرواي ثم لا يلبث أن ينتقل متكلمًا بصوت الشخصية بتخلص موفق ، إذ يقول:
كانت الأعين ترنو
ما الذي عاد به يوم المعاد
من كنوز الأرض هذا السندباد ؟
وتهادى الرّخ فوق الأفق مزهو الجناح
ساخرًا من عزّة الجو ، ومن هوج الرياح
ثم أهوى بجناحيه ، وألقى ببقايا سندباد (ص52)
ويتخلص من صوت الراوي (الشاهد) الذي حضر عودة السندباد ، بهذا المقطع :
وجلسنا صامتين
نرمق العائد باليأس من الدنيا القصية
صمتنا امتد صحارى بيننا
ما له؟ ويلٌ له ! هل ملّنا
ورأينا عالمًا ملء حناياه يمورُ
كان شيء في حناياه يثور
فهو لولا الصمت ما حبّ السفر
واعتذرنا أننا عشنا قرونًا صامتين
ورجوناه ، فما ضنّ علينا
كان في جعبته دنيا حكايا وحكايا (ص53)
وينتقل من هذا المقطع ليتكلم بصوت السندباد الذي يسرد حكاية رحلته على قومه :
هبطت قافلة القوم على وادٍ خصيب
ساحر الخضرة موفور العذوبة
دافئ الشمس ، تراه نبع خير وخصوبة
غير أنا لم نجد فيه بشر
وزرعنا أرضه حبّا ورحنا نتغنى بالحصاد
آه أيام الحصاد !
عجلّي بالله أيّام الحصاد (ص54) .
ويستمر السندباد يسرد حكايته للقوم بصورة مستوحاة من الجو التصويري العام للأسطورة ، مدخلًا تفصيلات تخدم المضمون العام للقصيدة ، مستمدة من تجربة الشاعر الخاصة ، فيقول :
ربِّ ظل الموت هذا
ربّ ما هذا أنضجٌ أم شحوب
جلّل الأرض فلا نيسانُ نيسان
وملء الجو أطيار رهيباتٌ تجوب ؟
ربّ ما هذا أشدوٌ أم نعيب ؟ ( ص54) .
ويبحث السندباد في هذا الجو المظلم الرهيب عن النجاة ، ليتخلص من الذّعر والدمار ويفترق عن من كان معه في دروب غربته .
ويختم السندباد حكايته بلقاء الصوتين معًا (صوته وصوت الشاعر) فيقول:
يا بلادي ! يا مطلَّ النور في سود الليالي
ها أنا قد عدتُ من هول مسيري
وعثارات الأسى تُدمي مصيري
واعتلى الرخ معارج الفضاء
يتهادى من سماءٍ لسماء (ص55_56) .
ومن خلال تتبعنا لحكاية السندباد نجد أن الشاعر قد استطاع أن يلبس واقعه المعاصر لباسًا أسطوريًا ، فعندما ننظر إلى المضمون ننسى ذلك اللباس ، ويظهر لك ملامح قصة معاصرة ، وهي قصة الإنسان العربي الفلسطيني ، وخاصة وأن دماء السندباد عربية ، وهو أول من حطّ في الوادي الخصيب (فلسطين) ، وأقام فيها حضارة، وزراعة ، دلالة على التمسك بالأرض ، ودحضًا لادعاءات اليهود ، وحقهم التاريخي في فلسطين .
وهنا يستخدم عبد الرحيم " السندباد" رمزًا لكثرة الترحال ، هذا الذي لم يعد بشيء ذي بالٍ من أسفاره الكثيرة ، حيث عادت بقاياه وحسب ، ويحاول عبد الرحيم أن يسبغ مزيدًا من الجو الخرافي على القصيدة ، إذ يورد كلمة (رخ) وهو الطائر الخرافي الذي ذكر في قصص السندباد ، ومضمون هذه المقطوعة شبيه بمضمون قصيدة " حامل الخرز الملون للسياب" (مصلح عبد الفتاح النجار ، الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر ، صوت الجيل ، ص77).
ويوظف عبد الرحيم "السندباد" مرة ثانية في قصيدته " سندباد يواجه التحدي " ولكنه لا يجوب البحار ، بل هو يقطع المفازات والصحاري ، لذلك ساقته رحلته هذه إلى الموت طعينًا ، فيقول:
أقفر الوادي
وأنت الآن في مأزقك الدامي وحيد
ياغريب الدار
لاماءٌ ولا زادٌ وهذي قسوة الصحراء
تلقيك إلى رائعة الموت طعينًا من جديد (ص373) .
فسندباد الذي يواجه التحدي هنا هو الفلسطيني الثائر المتمرد الرافض للظلم والمقاوم له ، وها هو الآن طعين في مأزقه الدامي ، غريب عن وطنه ، مع أن كل رحلات السندباد مهما طالت فإنها تنتهي بعودته ، لكن هذه المرة رحلته تؤدي إلى موت محقق ، فلا أمل في عودته .
"وقد تمثّل في أن الشاعر استطاع أن يشعرنا بأنه يعبر عن أشياء واقعية ، في حين كان يبني في الوقت نفسه صورة خيالية لمشاعره "( عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967 م ، ص212) .
و في قصيدته "الليل والرحلة الفاشلة" يوظف الغيلان _تلك المخلوقات الخرافية_ للتعبير عن الخوف فيقول:
مراكبنا كنوز الحزن كم شطّ الرحيل بها ، وكم خانت
مراسيها
وكم جابت بحار الأرض تقهر موجها العاتي وتجتاحُ
وكم قد راح للغيلان والحيتان ملاح (ص169) .
ويستخدم الشاعر الغيلان رمز الخوف ، ويقرنها بسواد التيه (الضياع) والشوك في قصيدة أخرى هي " السفر في الصحاري المورقة":
وقيل لنا سواد التيه في الشوك والغيلان
نعايشها بلا حذر
وقيل لنا بأن العين في الصحراء حلمٌ دائمٌ
بالموت والظّفر
وقيل، وقيل ، لكن الذي خبأتُهُ في القلب
دمعك ساعة السفر ( ص254) .
وفي قصيدة " في المنستير " يبدو الشاعر كأب هادئ وديع يحكي لأطفاله قصّة "الغول" فيقول:
كان أطفال المدينة يحلمون
بالهدايا والمرايا والثمر
وبأنغام نشيدٍ أو قصيدة
كنت أروي لهم ذاك المساء
قصة الطفلة والغول ودوّت في الفضاء
فإذا وجه المساء
وجه حقد ودماء وشرر
وإذا أحلام أطفالي نفايات على كف القدر ( ص219) .
أما في قصيدة "كفى حزنًا" فيرى الشاعر أن " الغيلان" البشرية قد حطّمت الأحلام العذبة ، وأماتت الأمل في نفوسنا فيقول :
بعيدٌ حلمنا المسحور في إغفاءة الصحراء
وعبر قصائد الشعراء
عبر منابر الخطباء
عبر مواقف الوسطاء والتجار والشهداء
عبر المستحيل المر
والأمل الذي ما مات
عبر تراكم الخيبات
مشينا نحوه دهرًا
ترصّد خطونا المحفوف بالأعداء
أسراب من الغربان ، والغيلان
تلاحقنا وتملأ ليلنا قهرًا (ص434) .
وفي قصيدة "أقوال شاهد عيان" يثور الشاعر على غيلان الليل البشرية والزيف والخداع ، فيقول:
مدلج رغم سبات القوم في جنبيه
عضّات النصال الجارحة
خانه الركب
وخلّاه على وجه الفلاة اللافحة
فهو مخذول ...ومنذور لإلهام الجموع الرازحة
رافض للزيف والتيه وغيلان الليالي الجائحة (ص485) .
وفي قصيدته "رجاء" يعيش بين أمل وضياء ، ولكنه سرعان ما يعود إلى الخوف والغيلان التي تنهشنا ، فيقول:
ياسرحة تلوح لي في واحة مسحورة المدى
أمشي لها وفي يدي غمائم الندى
وجبهتي من لهب البروق تخطف الضياء
ومؤنسي قيثارة شجية الصدى
يا سرحة المدى
أشواقنا أقدارنا
ودربنا تحوطه الغيلان والردى!
ترى أيستقر ظعننا ؟ أم سيرنا سدى ؟ (ص487).
هذا في عالم عبد الرحيم الشعري ، أما في مجال المسرحية الشعرية ، فإن الشاعر قد اتكأ في مسرحية " وجه بملايين العيون" على أسطورة عربية ، وهي أسطورة (أساف ونائلة) فقيل : "إن رجلًا من جرهم يقال له أساف بن يعلى ، وامرأة تدعى " نائلة بنت زيد"من جرهم ، وكان يتعشقها أساف بأرض اليمن ، فأقبلا حاجّين فدخلا الكعبة ، فوجدا غفلة من الناس وخلوة في البيت فَفَجُرَ بها في البيت، فمسخا "( لطفي الخوري ، معجم الأساطير ، ج1 ، ص38) .
فقد أخذ عبد الرحيم هذه الأسطورة ليعطيها مدلولات معاصرة ، فتوقف عند الصراع الطبقي ، وعند دور الفارس الذي يقدّم دمه في كل معركة ويضع مصيره مع مصير الجماعة ، وقد اتكأ على هذه التقلبات الفكرية في مجتمع جرهم ، لتكون رمزًا للتقلبات الفكرية المعاصرة والإنقلابات العسكرية ، والتي يكون فيها شخص رمزًا للنهضة والتقدم ، ولكل ما هو إيجابي ، ثم ما إن تحتل الدبابة الأولى دار الإذاعة والتلفاز حتى نسمع لأول مرّة بأنه خائن .
وهنا _في هذا العمل الأسطوري المسرحي_ يتوقف عبد الرحيم عند قضية من يصنع الوعي ، ودور الفرد في التاريخ .
ففي المشهد الثالث من الفصل الأول يقول:
نائلة : لم أفقد الأمل
فللشباب والنفوس الضائعة
وللقلوب الضارعة
إلهها هبل
أساف: وما تعنين ؟
نائلة: أعني أن قصتنا ، تمضي بنا مثلما قد قدّر القدر
أساف : بل إنها مثلما شاؤوا وما قدروا
عتب :لافرق بينكما
أساف: بل بيننا افترق الرأيان ، نائلة
غريمها اللات لكن خصمي البشر
نائلة: استغفر اللات عن رأي بليت به
وما يجهر به ربّاه لي قبل
لكن كل محبي جرهم لهم رب يداري أساهم
واسمه هبل
أرى علينا لزامًا أن نحج له نرجو الشفاعة فينا
نرجو تجنب ما قالوا وما فعلوا (ص316_317) .
ويقع هذا العمل المسرحي في حوالي ثمانين صفحة ، وتمثل الأسطورة (أسطورة أساف ونائلة) الجانب الرئيس الذي اتكأ عليه عبد الرحيم ، حيث اتضحت صورة استخدام الأسطورة في شعره , فغدا ديوان " وجه بملايين العيون" ، "يمثل ذروة استخدام الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر ، فهو العمل الذي ذابت فيه الأساطير في القصيدة ، حتى استطاع أن يتوصل إلى نموذج راقٍ من استخدام هذه التقنية التعبيرية بإفراد عمل كامل لها ، فأبرز هذا الاستخدام قدرة عالية ، وتقنية بارزة ، وثقافة راقية أهلّت عبد الرحيم لمثل هذا الاستخدام " (مصلح ، ص80) .
المحور الأخير (الرمز الشعري والإشارات الأسطورية) :
لعل من أهم الظواهر الحداثية التي نعثر عليها في قصائد عبد الرحيم ، هو ذلك التوظيف الواعي والمنظم للرمز ، ويبدو أن هذا التوظيف كان مما ساعد في انتشال الشاعر من الوقوع الكلي في حومة التقليد باتجاه نوع جديد من الكتابة .
ويبدو أن استقصاء هذه الظاهرة في قصائده من الصعوبة بمكان في مثل هذا البحث ، ومع ذلك فلا بدّ من وقفة متأنية عند هذه الظاهرة اللافتة ، فقد احتفى الشاعر بهذا البعد، وحرص على إقامة نوع من العلاقات الرمزية التي تدور في فضاء النصوص ، إلا أن هذا الرمز لم يكن يأخذ موقعه المطلق والثابت باطراد ، بل كان الشاعر يكيف هذا الرمز والرؤية الخاصة لديه .
فالليل مثلًا ظل يرمز إلى المعاناة في كثير من قصائده إلا أن هذا الاتجاه لم يرق إلى درجة الثبات ، فنحن نجد الليل يكتسب نقيض دلالته في قصيدة " المُطَارَدْ" ، حين يصبح الليل ضروريًا لإنهاء معاناة "المطارد" لكونه _أي الليل_مخبأ وسترًا من الضوء الفاضح .
أنا أمشي ثم أمشي ضاق وجه الأرض لم ألقَ ملاذًا
...
يا وشاح الليل كن لي مخبأ
قد ذرعت الأرض أبغي مرفأ (ص147)
وهنا لا بدّ من أن نشير إلى الدراسة التي قدمها إبراهيم خليل في كتابه "فصول في الأدب الأردني وتقده" ، إذ يسوق حكمًا متسرعًا تنقصه الدقة والاستقصاء حين يقول :
"فالليل يرمز على الدوام _في قصائده_للمعاناة ، وهو الجسر الذي لابدّ من اجتيازه لبلوغ الهدف من كل رحلة ، وهو جسر يقود من يسيرون عليه للنجاة " .(إبراهيم خليل ، فصول في الأدب الأردني ونقده ،منشورات وزارة الثقافة ، الأردن، 1991م، ص151)
وأما الرموز التراثية التي نجدها تشيع في قصائده كثيرًا ، فإن الشاعر يوظفها توظيفًا خاصًا وينقلها من فضاءاتها إلى فضاء أكثر واقعبة وجدّة ،فهو حين يستحضر "صلاح الدين الأيوبي" ، إنما يفعل ذلك وهو يلبسه لبوس الواقع مع تحييد العامل الزمني ، ومن هنا يعمد إلى إيراده بصورة مشوهة ، فهو يلوث كفه بالحبر ويلقي الراية الثكلى ...، هذا التشويه لا يطال شخص صلاح الدين إذا ما نظرنا إلى الأمر من منظار تعاقبي ، بقدر ما يطال الدلالة التزامنية التي يرمز إليها صلاح الدين بوصفه قائدًا تاريخيًا مسلمًا ، إنه يستحضر صلاح الدين مثالًا أعلى يشير إلى نقيضه من الحكام الذين يتسمون بهذه الصفات :
وقيل كبا صلاح الدين لوث كفه بالحبر في الرملة
وأنبتت الليالي السود أحلامًا صليبية
فمن للراية الثكلى وقد ألقى بها أرضًا صلاح الدين
وخيل الروم في اليرموك قد عادت لها صولة
وعاد الفتح أحزانًا رمادية (ص251) .
ينم الشاعر عن توق إلى ذلك الماضي العريق ، لكن الزمن الحاضر يشوه تلك الصورة المشرقة ، مما يؤدي إلى تداخل خيوط الرؤية بين زمنين (الماضي/ الحاضر) ، إذ تصبح الإحالة الدلالية شرطًا من شروط فهم هذه الصورة التي تورد الرموز النضالية والأبطال التاريخيين بصورة ممسوخة ومشوهة بوصف ذلك إسقاطًا فنيًا على البديل الواقعي :
سمع المعتصم الصوت فما برّ
وما أوفى بوعد (ص228) .
المعتصم هنا رمز مجرد من أبعاده الزمانية ، يكتسب عموميته من الإحالة التي يوحي بها النص إلى القائد المعاصر ، وهذا التحول من معتصم يرتبط بذروة تاريخية إلى معتصم آخر لا يفي بالوعد ، يرصد العلاقة التحويلية بين قطبين زمنيين ، ويخلق حالة من اليأس والإحباط في فضاء النص.
وحين تأتي دورة الزمن على الإنسان ، وتحوره بهذه الطريقة فإنها تبقى عاجزة عن تشويه التاريخ نفسه ؛ ذلك لأن الإشعاع التاريخي يبقى خالدًا ضمن إطار زمني ثابت :
لم تزل حطين حطينا
وأجنادين واليرموك ما زالت هناك
عجزت عنها الخطوب
وغبار الزوبعة
عبثًا جاهد كي يحجب قرص الشمس عنا ( ص262_263) .
وحين يحاول الشاعر أن يصف الفجيعة التي يعايشها بصفته فردًا من مجموع شعب مجرد ومقتول كل يوم ، فإنه يفعل ذلك من خلال الرمز_ الضحية الذي يتجسد على هيئة نماذج بشرية تاريخية لا تعترف بالحواجز الزمنية ، فتصل إحالاتها إلى الراهن ، ذلك لأن الضحية واحدة في كل عصر :
وأراك جرحًا داميًا عبر العصور ينزّ من كبد الزمان
وأراك هابيل القتيل ويوسف الصدّيق أُبصر فيك
عبد الناصر المطعون فينا كل يوم (ص271) .
إن هابيل القتيل ويوسف الصديق وعبد الناصر المطعون رموز دلالية تحيل مباشرة إلى الرمز المقابل /الجاني بعموميته دون ذكره في البنية اللغوية ، واكتفاء النص بإيراد أسماء الضحايا وتغييب القاتل إمعان في الهزيمة النفسية الناجمة عن واقع مأساوي ، وفي المقابل فإن الشاعر يورد رموز الظلم والطغيان في سياقات مستقلة ، مثل هولاكو ونيرون ...يقول :
" وأطل نيرون البغيض على الحرائق والطلل
أشداقه السوداء تهذي بالأغاني الداعره
روما قضاؤك فاصبري يا عاثرة
نيرونك المسعور يحلم بالدماء الطاهرة (ص73) .
وقصيدة "الهزيمة" خير تصوير للمأساة التي لحقت بأبناء شعبه عندما تشردوا في بقاع الأرض ، وسيف هولاكو يطاردهم أينما كانوا فيحيلنا الشاعر إلى مرجعية تاريخية تذكرنا بهولاكو الذي غزا الشرق ودمر كل ما أتت عليه يده ويد جنوده بوحشية الإنسان الأول ، فهولاكو شخصية تاريخية ، لكن لها طابعها الأسطوري الذي يرتبط بإثارة الكثبر من التداعيات عن القسوة والوحشية وسفك الدماء بل القضاء على الحياة نفسها أينما كانت:
سيفُ هولاكو على رأسى يدور
حدّه يلهو بذُعْرِ الكلمات (ص39).
كما يحيلنا الشاعر إلى قصة أبي زيد الهلالي وفروسيته المشهودة، كما أن عنترة بن شداد له من الفروسية حظ ونصيب في الأدب العربي الشعبي ، فتمثل الآن أبو زيد وعنترة بن شداد في ثوب جديد ، ثوب الخزي والعار ، كما أن الخيول البلق لم تعد خيولًا عربية ، و البطولات العربية فقدت معنى الرجولة ، وأصبحت تصارع طواحين الهواء .
ولعل إشارته إلى فرسان الهواء في قصيدة "الهزيمة" جنبًا إلى جنب مع أبي زيد الهلالي ، وعنترة العبسي ، في مقطع واحد ، تدل على نظرته إلى وحدة الفكر الإنساني ، والتراث العالمي:
قد مضى عهدُ البطولة
وأبو زيد الهلالي
ذاب خزيًا من حصانه
وابن شداد توارى
عاد لا عبلة في الحي
ولا الحي فخور بطعانه
والخيولُ البُلْقُ ليست عربية
والكماةُ البله في أعرافها
ماعرفوا معنى الرجولة
(بيا لفرسان طواحين الهواء ) ! (ص40) .
بعد هذا التصور الذي يتقاطع ثم يفترق ما بين الهزيمة بوحشية المحتل أو بطولات العرب المفضوحة ، يُمني الشاعر النفس بالعودة وإن كان يخلد إلى السكون ، وما هذا الخلود إلا خلود المرارة والمأساة واليأس والإحباط الذي خيم على رؤوس العرب أجمعين ، فتصبح عمّان الملجأ الأول بعد رحلة العذاب ، رحلة الهزيمة:
آهِ يا عمان لولا
هبّة النخوة تهمي
فوق يأسي المدلهم
لصلبتُ القلبَ أحرقتُ حناني يومَ موتِك
ورميتُ الناي للغربة ، للريح ، لأفَّاقٍ
يجوب الأرضَ مرهون الضميرِ
أنا لا أحلمُ باللذة ، بالبخور،
بالليل الخرافي العطورِ
تلك أحلامُ أميرِ
وأنا يا أمِّ شاعر
رأسه في القمر الزاهي ،
ورجلاه في أعماق السعيرِ
حُلمي أن تسميعني ... (الأعمال الشعرية الكاملة ، ص37_38).
وتبقى قيمة هذه الرموز في إشارتها الخفية إلى مثيلاتها في الواقع مما يحقق في النص مستويين ينظر من خلالهما الشاعر إلى واقعه .
وتتكرر كذلك مفردة القرصان رمزًا إلى السلطة الجائرة وتعسفها في التعامل مع الطرف المقابل ، في أنحاء العالم من خلال نظرة إنسانية شاملة :
كانت الشمس كما تعرفها إفريقيا
أبدًا ساطعة تكشف ما في ساكن الغابات
من خصب
وخيرات دفينه
حين ثارت صرخات الأمر بالضرب ودوى
مدفع القرصان في الأرض الطعينة
وتهاوى عدد بين قتيل وجريح وأسير
وسرى الذعر كما يسري المساء (ص249) .
وطبيعة المعركة التي يخوضها الشاعر مع شعبه ضد قوى الهيمنة ، تجعله يميل إلى إيراد رموز النضال والتضحية من خلال نظرة إنسانية دون أن يقيد نفسه بإطار وطني أو قومي ، كما في قصيدة "إلى بابلو نيرودا":
يا نيرودا أي قمة
تولد الكلمة في أفواهنا الخرساء خرساء صموت
تولد الكلمة لا تنفك في أشداقنا البلهاء تذوي وتموت
تتلوى في هوان الصمت أو ذل الهزيمة
في أسى لوركا الشهيد
وأسى بوليفيا
وجيفارا والرصاصات الأثيمة (ص229)
فهذه رموز تشير إلى محطات نضالية ، يتوقف الشاعر عندها ويتبناها رمزًا إنسانيًا خارج إطار الرؤية القومية أو الإقليمية ، ويقول أيضًا :
وكأننا في غير هذا العصر لم نسمع
بجيفارا وبن بلا وهافانا وهانوي العظيمة (ص272) .
إن هذا الاندغام بين الرمز الإنساني والمكان ، يوحد الصيغة النضالية ، ويضفي طابع الشمول على الرؤية الإنسانية التي ينطلق الشاعر منها في بناء القصيدة .
وإذا كان الكثير من هذه الرموز قد أسهم في بلورة الرؤية التي يسعى الشاعر إلى تجسيدها في نصه ، فإن إيغال الشاعر أحيانًا في إيراد هذه الرموز والمسميات السياسية ، قد أضفى على القصيدة طابعًا سياسيًا وفضاءً عامًا ، أفقد لغتها إطارًا من الخصوصية الشعرية ، وأكسبها خطابًا سياسيًا بعيدًا عن لغة الشعر المتوترة والموحية .
وفي قصيدة " لن أهز الشجرة" يخرج التوظيف الرمزي في قصيدته من بساطته وانحساره إلى آفاق أكثر عمقًا وتنوعًا ،فالشاعر يقيم علاقة تضاد واشتباك بين رؤيته الخاصة ، ورؤية النص القرآني ، ويظهر ذلك بوضوح من خلال العنوان ، فهو استجابة سلبية للأمر الوارد في الآية : "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا"(سورة مريم الآية 25) .
إنه لا يقيد نفسه برؤية النص الآخر ، ولا يلتزم بحرفيته ، بل يحوّر في بنيته لتستجيب لرؤية واقعية ، يريد الشاعر أن يعبّر عنها وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالة السياسية .
إن فعل التمرد الذي يتفاعل في نص الشاعر ليس موجهًا إلى النص القرآني ، بل لما يولده من دلالات ، إن مريم هنا هي المعادل الموضوعي للشعب الفلسطيني .
وما آلامها إلا آلام هذا الشعب المشرد ..وهنا يبرز الفعل التحريضي في النص .
فعلى هذا الرمز مريم _الشعب أن لا ينتظر الثمر ليسقط عليه ، بل لا بدّ من الثورة :
وتضيع صرختك المريرة في تجاويف السنين
أحلامك الصدئات مذ كانت صليب من عذاب
يارب هل جفت عروق النهر في الأرض اليباب
هزّي إليك بجذعها
ياربّ قد كلّت يداي ولا ثمر (ص137)
وتحتل شهرزاد _وهي من الجو العربي الذي أشاعته ألف ليلة وليلة في تراثنا الأدبي والفني _مكانًا جيدًا في قصائده ، ومنها قصيدة بعنوان " كيف ماتت شهرزاد " التي تبدو فيها شهرزاد رمزًا للأمة التي تسلط عليها حكامُها ، فأذلوها ، واستجازوا كيدها ، وسلبوها الأمن والراحة والاستقرار والحرية والكلام ، وأذاقوها ألوانًا من الكبت والقسوة مما جعلها أمة تسهل هزيمتها ويسهل تشتيتها ، ويسهل قيادها ، فليل شهرزاد كنهارها ، مملوء بالمخاطر ، وشهريار يسلط عليها سيفه بلا رحمة :
يا شهرزاد
وليلُكِ الآتي مليء بالمخاطر
ولا أنت قادرةٌ على أن ترتضي الزيفَ القديم
ولارضيتُ يقول شاعر
ياشهرزاد!
يا أمةً إيمانُها ما كانَ إلا نبضَ كلمة
ونعيمُها وجحيمُها ترجيعُ نغمة
...
أرأيتِ غيرَ الرعبِ في ليلِ الحكايا الآتية
قولي لغيرِ الذلِ لا تشري بقاءك بالمذلة
ولتنبت الكلمات في ليل الأسى نور الأهلة
فالسيف أسلطه الزمانُ على جبينكِ ألفَ ليلة ( ص184_185) .
و في قصيدة " من حكايا الليل " ، يحاول الشاعر عبثًا أن يقيم فضاء انصهاريًا بين نصه والنصوص التي يحيل إليها ، إذ تبقى هذه النصوص بمعزل عن بنية النص ، ذلك أنها لم تشكل أساسًا ينبني عليه النص بقدر ما جاءت لتؤكد وتدعم الرؤية من الخارج ، فهو يورد قصة "عروة وعفراء" التراثية كدليل على الرؤية ، وكشارح لها ، من دون أن تتماهى في علائق النص :
" عفراء زفّت بالذهب
لتاجر من الشآم
وقيس مطرق حزين
أقام فوق قبر شاة ينتحب
يموت حزنًا ليته يدري الخبر " ( ص84) .
والغريب في هذا السياق ورود قيس بعد عفراء مباشرة ، وإن كانا يحيلان إلى دلالة واحدة إلا أن من شأن هذا التداخل بين مشهدين تراثيين أن يشتت الرؤية ، ويفككها ، بإيراد رموز تراثية متجاورة ، دون التمكن من استقصاء الصورة الكلية لهذا الرمز أو ذاك ، فلقد اقترن في ذهن القارئ الارتباط البدهي بين عروة وعفراء ، وقيس ولبنى ، ولعل هذا التفكك يعود إلى الفيض الثقافي الذي يغزو الذاكرة أثناء الكتابة ، مما يجسد وميضًا متنوعًا من الرموز التراثية والمعاصرة، التي لا يكتمل تشكلها في فضاء النص الجديد ، وما يكاد الشاعر ينتهي من استحضار هذا المشهد لعفراء التي تساق بالذهب ، وقيس المطرق الحزين ، حتى يسارع إلى رسم مشهد تراثي آخر :
شمشونُ جذّت شعرَهُ دليلَه
وفاؤها وحبُّها خديعةٌ وحيله
فلم يعد يخيفهم ولم يعد في عزمه عجائب البطوله (ص85 ) .
ونفاجأ بانحياز الشاعر الواضح لشمشون اليهودي في مواجهة دليلة الفلسطينية المحتالة ،إن النظر إلى هذه الإشارة الأسطورية بمنظار السياسي سيخلّف ارتباكًا وسوء فهم للنص ، إنما لا بدّ من النظر إليها من خلال موقف إنساني عام ينحاز فيه الشاعر إلى الذكورة بمعطياتها العامة ضد الأنثى المختالة المحتالة .
وتصور قصيدة"جريح قبل المعركة " صور مفعمة بالحزن والأسى كما حلّ بأبناء وطنه في الأردن ، وكأنهم الطوفان ، ثم بعد سكون الطوفان ، كان الأردن شظايا موطن ينهار ، فأعاد الذاكرة إلى قصة طوفان نوح عليه السلام ، فالجموع المكدسة هائمة على وجهها ، ونهر الأردن الذي يشهد هذه المأساة حوله أشلاء مبعثرة ، وتتلاحق الصور في معمار متقن ، بشهد على شاعرية تمتلك ناصية الكلمة وشفافية الرؤية .
وتتردد كلمة الطوفان كثيرًا في قصيدة " على سفينة نوح " التي قدّم لها الشاعر بالآية الكريمة " قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ"(سورة هود ،الآية 40) ، ومن المستغرب أن هذه القصيدة لم تستوقف إبراهيم خليل في معرض مقارنته بين بدر شاكر السياب وعبد الرحيم عمر.
فهي تكاد تكون إعادة إنتاج لقصيدة أنشودة المطر ، إذ مقابل " عيناك غابتا نخيل ساعة السحر " ثمة "عيناك حلوتان" ومقابل (عيناك حين تبسمان تورق الكروم ، وترقص الأضواء ...كالأقمار في نهر ، يرجه المجذاف وهنًا ساعة السحر " ثمة " وكالربيع فيهما تفاؤل حبيب وخضرة ترعش بالحنان " (الأعمال الشعرية الكاملة ص137).
وقد كتب عبد الرحيم عمر هذه القصيدة بعام 1962 ، أي بعد نشر قصيدة أنشودة المطر.
ومن التراث العربي الإسلامي نجد الشاعر يستوحي مادة قصيدته "صلاة أبي ذر الغفاري" ذلك الصحابي الذي ارتبط اسمه بالخروج على طاعة الخليفة المتشدد .
يارب هذا صوت عبدك خائف متألم
فإليك أشكو ما بيه
وإليك أنشر ذاتيه
مبهورة يارب روحي خاوية
قد حطمتها قسوة الباغين في ليل طويل
لكنني يارب لا أستطيع إلا أن أكون
ولن أكون كما يريد الظالمون ( ص187) .
وهذه القصيدة تصلح أن تكون إذا استثنينا عنوانها _ لسان حال لكل إنسان مغترب متوحد ، وهي تتميز بعاطفتهاالعميقة .
وتصلح قصيدة "في بطن الحوت " _مثل قصيدة أبي ذر الغفاري _ أن تكون لسان حال للمناضل المتمرد ، وإن كانت قد انطوت على توظيفات صورية لافتة لقصة النبي يونس والحوت الذي ورد ذكره في القرآن الكريم" فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ" (سورة الصافات ،الآية رقم 142).
أملكُ العُنفَ
وأظفاري
وإصراري على العودة
لكن عودتي مرهونة بالحوت يختار
...
مَنْقذي الآني ودربي
لم يكن يشبه درْبَه
وإذا مات فقد مت معه
فلكم سارت إلى الموت الرعيَّه
دون أن تدري وبادت بالمعيَّة (ص276) .
(ص273) .
و على غرار قصيدتي أبي ذر وفي بطن الحوت تأتي قصيدة " كولومبوس" ، التي يستعمل فيهاعبد الرحيم عمر اسم الرحالة كولمبوس وهنا لا بدّ من الإشارة بأن الشاعر قد تأثر في شعره بهاجس السفر والرحيل .
و يشكل الحقل الدلالي في هذه القصيدة إضاءة لفعل الرحيل الذي يعبّر عنه النص من خلال الرمز "كولومبس" (المدى المنفي ، منشور ، الغيمات ، سهر، جناح ، يضرب، يرتد، ظمأ ، سفر، الغيم...) هذه المفردات تتحرك في فضاء النص كمرادف لفعل الرحيل القسري :
تموت هنا وقلبك في المدى المنفي منشور على حجر
يمام يصحب الغيمات منذور على سهر
يظل جناحك الخفاق
يضرب في مدى الآفاق
كي يرتد من ظمأ إلى ظمأ
ومن سفر إلى سفر " (ص121)
ويشير عبد الرحيم في قصيدة "باقون "إلى نماذج تاريخية: صلاح الدين الأيوبي ، ورينولد، وريتشارد ، و يصحبنا إلى أجواء التاريخ الإسلامي المرتبط بصراع هذه الأرض ضد الغزاة ، الذين حلوا فيها دهرًا ، ثم رحلوا وراتحلوا على أعقابهم خاسرين :
إنهم إن هزمونا
وبَنَوْا فوق ذرى القدسِ حصونًا
وأحالوا أرضنا مستوطناتٍ وسجونا
فهمُ لن يفعلوا أكثرَ من رينولد
أو ريتشارد فينا
إنهم إن يهزمونا : فهم لن يقهرونا (ص263) .
ولعل قصيدة "المرقّش في أيامه الأخيرة " هي القصيدة الأجمل والأنضج من بين القصائد التي كتبها عبد الرحيم ، لأسباب منها :
_إنه لم يقدم لها بملخص يشرح الإشارات الواردة فيها .
_إنه لم يحدد أي المرقشين يريد الأكبر أم الأصغر، تاركًا للنص فرصة الاضطلاع بمهمة تشكيل رموزه في وعي ولا وعي القارئ ، اعتمادًا على مجموعة من الدلالات .
وبصرف النظر عما إذا كان قد قصد الشاعر المرقش الأكبر أم الأصغر ، فإن السيرة الشخصية لكليهما تتوافر على دلالات رمزية غنية :
أما المرقش الأكبر واسمه عوف بن سعد بن مالك فقد توفي عام 55 ق.هـ /555م ، وقد كان فارسًا مغوارًا وعاشقًا متيمًا ، أولع بابنة عمه أسماء فزوجها عمه أثناء غيابه عن القبيلة ، لرجل من بني مراد لقاء مئة ناقة.
واتفق إخوته على أن يخفوا خبر زواجها عنه ؛ إشفاقًا عليه ، وأوهموه أنها ماتت ، فحزن عليها حزنًا شديدًا ثم عرف بحقيقة الأمر ، فشد إليها الرحال ، مصطحبًا جارية له وزوجها ، فمرض في الطريق ولم يطق زوج الجارية العناية به وحرض زوجته على تركه ، فأطاعته على مضضٍ، فسمعهما المرقِّش الأكبر يأتمران به فكتب على مؤخرة راحلته أبياتًا قرأها شقيقه حرقلة، فقتل الرجل والمرأة بعد أن استعلم منهما عن مكانه وانطلق في أثره ،فعلم أنه اتصل بأسماء من خلال راع ، وأن أسماء ذهبت وزوجها لإحضاره فمات عندها لليلته .( من المفيد الإشارة إلى أنه سمي بالمرقش لأنه قال:الدار وحش والرسوم كما/رقش في ظهر الأديم قلم ، انظر: الأصفهاني ، الأغاني ،أخبار المرقش الأكبر ونسبه ، دار الكتب العلمية ، بيروت، ط1، ج6، ص136_145) .
وإن كان الكثيرون قد توقفوا عند ما كتبه المرقِّش ، فإنني أود أن أتوقف عند الفعل ذاته أي الكتابة ؛ فمن المعروف أن الكتبة في الجاهلية كانوا قلة ، وغير خافٍ تلك العلاقة المأساوية التي أراد أن يقيمها عبد الرحيم عمر بين الشاعر والمعرفة ، فأي علاقة أشقى من أن تكون الكتابة هي وسيلة الشاعر الوحيدة لفضح التآمر على حياته والغدر به .
وبوجه عام ، فإن قصة حياة المرقِّش الأكبر تلخص وتكثف معنى البطولة والوفاء حين ينكسران على صخرة العجز والغدر .
وتكمل قصة المرقش الأكبر قصة ابن أخيه المرقِّش الأصغر ربيعة ابن سفيان بن سعد بن مالك (ت5ق.هـ/570م) وهو الأشعر والأطول عمرًا كما تحدثنا المصادر .
فقد كان شابًا جميلًا مشغولًا بالرعي فطرقت مسامعه أخبار إحدى وصيفات فاطمة بنت الملك المنذر ، فقصدها ونال وطره منها ، ثم اتصل بفاطمة في خبر مطوَّل لا مجال للتوسع فيه هنا _ لكنه لم يجد مانعًا يحول دون تهيئة الأمور لأحد أصدقائه أملًا في أن ينال مثلما نال .(انظر: الأصفهاني ،الأغاني ، ج6، ص145_161) .
وتكثف قصة المرقِّش الأصغر مفارقة لا تخلو من مأساة ، إذ إنه على بساطة حرفته وقلة غيرته ينال ما لم ينله عنه على علو همته وفروسيته وغيرته المفرطة على أسماء .
أما الهذلي فقد كان ظله في الواقع أقصر كثيرًا من ظله الذي مدّه له عبد الرحيم عمر في القصيدة ، إبرازًا لعبثية الحياة ، إذ إنه لم يعد كونه حجارًا حسن الصوت ، كان يعمد إلى ابتزاز فتيان قريش ، فيشترط عليهم أن يدحرجوا له الحجارة مقابل الغناء ، وقد تزوج بنت ابن سريح المغني المشهور ، وسمع منها كل ما لأبيها من أصوات غنائية ، ثم نسب كثيرًا منها لنفسه (انظر: الأصفهاني ،الأغاني ، ج5، ص70_80).
فلنلاحظ إصرار عبد الرحيم عمر على اختيار " معادلات موضوعية" تتعامل بالكلمة ، فالفارق بين المرقِّش الأكبر والأصغر ، أو بينه وبين الهذلي هو كالفارق الماثل الآن بين الشاعر الذي يحاول أمرًا لا يناله ، ويناله آخرون لم يفكروا بمحاولته ، ناهيك عن أن المرقش الأكبر رجل مبادئ وقيم مطلقة .
فيما ليس الأصغر إلا رجل نزوات ، وليس أمر الهذلي بأفضل منه إذ هو ليس سوى مرتزق نهاز للفرص .
ونخلص من ذلك إلى القول بأن عبد الرحيم عمر عنى بالمرقشين الاثنين الأكبر والأصغر ، وأنه تعمد عدم التصريح بالمعني منهما حفاظًا على المفارقات التي أشرت إليها.
صحيح أن المرقش الأصغر لا يحضر مباشرة في القصيدة كما هو حال عمه ، ولكن المشهد لا يكتمل بدونه، إن القصيدة تنفتح على مشهد يصور مدى توجس الشاعر من المبهم الذي لا يستطيع تحديده بالضبط، المبهم الذي يذكره بالهذلي الذي يبكيه ويتمنى موته ، غير منتبه إلى
أنهما مسوقان إلى المصير ذاته :الموت ، وإلى أنه لم يبقَ سوى التغني بذكريات الحب والحبيب على نحو يذكر بأحزان المرقِّش وفجيعته بعجزه :
يا لأحزان المرقش
ها هو اليوم الذي ما عاد فيه قرن طعنِ أو نزالِ
أو دهاءْ
وعلى المفترق الدامي
عواءُ الذئب ، والغدرُ ، ووجهُ الفارس
الكابي الذليل (ص379)
وعلى الرغم من أن القصيدة تنشغل بعد ذلك ببيان التناقض الماثل بين الفنان الملتزم "المرقش" ، والفنان المرتزق "الهذلي"، خالصة إلى التسليم بانتصار الأخير في زمن الأنذال وانكسار الأول ، إلا أن عبد الرحيم عمر يصر على إبقاء نافذة الشاعر مشرعة :
طاويًا من عمره صفحة إصرار أصيلْ
راضيًا من زاد دنياه القليلْ
مؤمنًا ،مهما دنت أيامُّهُ
أن صدق العزم مفتاح السبيل
فارحميه ، وذريه مؤمنًا
ولو أن المنتهى صبرٌ جميلْ!( ص385_386).
وفي المقابل فإن الإشارة لبعض الرموز جاءت ضمنًا دون ذكر الاسم نفسه ، كما بالنسبة لإحالته إلى القائد الإسلامي " طارق بن زياد " في حادثة حرق السفن :
"والموت مهر للحياة
إنا حرقنا يوم أدلجنا قواربنا الصغيرة
لم يكن فينا التفات للنجاة "( ص32) .
أو في الإشارة إلى امرىء القيس دون ذكر اسمه :
لعْنَتُكُ كيف وأين تفرّ؟
هو اليوم أَمْرُ
هو اليوم أَمْرُ
وجُهْدُ لياليكَ شِعرٌ وخَمْرُ(ص36) .
أو ذكر نزيل الجب دون ذكر النبي يوسف أو التضحية بالخراف دون ذكر النبي إبراهيم ، أو ذكر قصة أهل الكهف ضمنًا كقوله :
وتسعى إلى كل كهف ، وتوقظ أحبابك النائمين (قصيدة هارب من حلمه ، ص35) .
و في قصيدة "الهزيمة" يستحضر الشاعر قصة يوسف ، نزيل الجب ليشير إلى حجم المعاناة والخديعة ، دون أن يستعيد كامل الدلالات المعروفة في قصة يوسف يقول :
فنزيلُ الجُبِّ ما زال ينادي
والصدى
يترامى خافتًا عبر المدى
عبثًا راحوا ، وهذي البئر تابوت الردى (قصيدة الهزيمة ، ص41) .
ومن النماذج التاريخية الثائرة التي يوظفها الشاعر_ في قصيدة " المُطَارَدْ" _ إبراهيم بن سليمان .
وقد قدّم عبد الرحيم لهذه القصيدة قائلًا " ضاقت الأرض في وجه إبراهيم بن سليمان وبلغ منه العياء مدى ، وفي ضواحي البصرة طرق باب دار كبيرة وسأل صاحبها أن يجيره فأُجير ، وبعد أيام اكتشف أن مجيره يطلبه لأنه قاتل أبيه فكشف له أمره " (ص145) .
يا مجيري في فمي أمر بودي أن أقوله
أنا إبراهيم كل الثار عندي
كنت أخفي غير ما كنت أبدي
لم أعد جارك لكنّا هنا ندُّ لندِّ
أنت في حلٍِّ من العهد فلا تمسك بعهد
ويفر الزمن
ضاقت العين فقد طال المقام
بغريب حط في أرض غريبة (ص150) .
الخاتمة
تبين لي في نهاية هذا البحث أن عبد الرحيم عمر ، استطاع أن يحتل موقعه الأدبي المتميز في الساحة الشعرية العربية ، وقد اكتسب أهمية خاصة ؛ لريادته في كتابة قصيدة مثلت توفيقًا بين نمطين ، فطبع قصيدته بطابع حداثي من خلال توظيف الأسطورة والتراث برموزه وإشاراته وشخوصه .
وكان عبد الرحيم عمر صاحب ثقافة غنية ومتنوعة ، اكتسبها من خلال قراءاته وتجاربه ، وقد زخرت قصائده بنتاج ثقافته ، وخلاصة تجربته ، فكانت قصيدته بحق صورة صادقة عن تكوينه الثقافي .
و أفاد الشاعر من الأساطير العربية وغير العربية في بنائه الشعري ، وعمل على توظيف الإشارات الدينية والتاريخية، مما جعل قصائده وعاء تتفاعل فيه عناصر تلك الثقافة بدرجة عالية من الكفاءة .
ونالت البنية الدرامية حظًا من بنائه الفني ، واستطاعت هذه البنية أن تعبر عن رؤية النص ومضمونه ، ووصل هذا التوظيف ذروته في عمله المسرحي "وجه بملايين العيون" الذي استلهم الأسطورة العربية .
و ظلت قصيدة عبد الرحيم عمر صورة للواقع الذي تطمح إلى تغييره والثورة عليه ، فهي لم تستطع أن تكون متفائلة حين يكون الواقع مشوهًا ، بل عاينت هذا الواقع وجسدته من خلال مفرداتها وصورها ، لكنها على ذلك ظلت تنظر جدليًا إلى هذا الواقع ، فعاينت النهار من وراء حجب الليل .
وبهذا فإن الهزيمة التي تجسدت على مستوى البناء ظلت تحمل هاجس الانتصار في قلب الرؤية .
وقد حمل البناء الفني قدرًا من الخصب والتنوع ، وظل ملتقى لعناصر التراث والرمز والأسطورة التي تتقاطع داخله.
واستطاع عبد الرحيم أن يكون رائدًا في استلهام الأساطير من غير أن يشكل هذا التوظيف حاجزًا أمام الإسقاط الواقعي ، فقد ظل شعره يحيل إلى فضاءين يتقاطعان من خلال رؤية مشتركة ، وفضاء متجانس وإن اختلفت الشقة بينهما .
هوامش البحث :
(1) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة، منشورات مكتبة عمان ، الأردن ، 1989م ، ط1 ،ص28، للاطلاع على حياة الشاعر انظر: ناصر شبانة ، الانتشار والانحسار ،دراسة في حياة عبد الرحيم عمر وشعره ، وزارة الثقافة ،الأردن ، 2002،ص11_24.
(2) انظر: عبد الرحيم عمر ،المصدر نفسه، ص28.
(3)إبراهيم السعافين ، الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر ،من أوراق ندوة " عبد الرحيم عمر الشاعر الذي قال شيئا وارتحل" التي عقدتها وزارة الثقافة بمناسبة الذكرى الثانية لوفاته ، الأردن ، 1998، ص17 .
(4) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص75.
(5) بدر شاكر السياب ، رحل النهار ، مج1، دار العودة، بيروت، 1989، ص229 .
(6) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص396_397.
(7) المصدر نفسه ،ص78.
(8) علي الشرع ، الفكر البروميثي والشعر العربي الحديث، منشورات جامعة اليرموك، 1993 ، ص69 .
(9) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة، ص79.
(10) علي الشرع، مرجع سابق ،ص70.
(11) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة، ص31.
(12) المصدر نفسه، ص33.
(13) نفسه، ص439_440.
(14) آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ، ترجمة سهى الطريحي ، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1963، ط1، ص165.
(15) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص257_258.
(16) المصدر نفسه، ص424_ 425 .
(17) لطفي الخوري، معجم الأساطير ،دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1990، ، ج1،ص31_32.
(18) آرثر كورتل ، مصدر سابق ، ص161_162.
(19) (المصدر نفسه، ص161_162.
(20) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص163.
(21)المصدر نفسه، ص163 .
(22) نفسه، 164_165.
(23) عبد الرحيم عمر ، تيه ونار ،وزارة الثقافة، عمان ، 1993، ص27_28 .
(24) آرثر كورتل ، مصدر سابق ، ص168.
(25) لطفي الخوري ، مصدر سابق ، ص202.
(26) عبد الرحيم عمر ، تيه ونار، مصدر سابق، ص58_59 .
(27) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص52، وكان آخر توظيف للأسطورة في قصيدته "مدن المقابر" نيسان 1989م ، حيث وظف أسطورة "إيزيس" و تمثل إيزيس في الأسطورة الأوزيزيسية ، سهول مصر الغنية التي يخصبها فيضان النيل السنوي ، انظر: شفيع محمود يوسف صبح ، عبد الرحيم عمر :دراسة في شعره ، رسالة ماجستير ، جامعة اليرموك ، 1995م، ص187.
(28) المصدر نفسه، ص53.
(29)نفسه، ص54.
(30) نفسه، ص54 .
(31) نفسه، ص55_56 .
(32) مصلح عبد الفتاح النجار ، الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر ، صوت الجيل ،ع21، وزارة الثقافة ،عمان ، 1993، ص77.
(33) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة،ص373 .
(34)عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967 م ، ص212 .
(35) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة،ص169 .
(36) المصدر نفسه، ص254 .
(37) نفسه، ص219 .
(38) نفسه، ص434 .
(39) نفسه، ص485.
(40) نفسه، ص487.
(41) لطفي الخوري ، مصدر سابق ، ج1 ، ص38 .
(42) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة، ص316_317 .
(43) مصلح النجار ، مرجع سابق، ص80 .
(44) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ، ص147.
(45) إبراهيم خليل ، فصول في الأدب الأردني ونقده ،منشورات وزارة الثقافة ، الأردن، 1991م، ص151.
(46) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص251 .
(47) المصدر نفسه ،ص228 .
(48) نفسه ، ص262_263 .
(49) نفسه، ص271 .
(50) نفسه، ص73 .
(51) نفسه ، ص39.
(52) نفسه، ص40 .
(53) نفسه، ، ص37_38.
(54) نفسه ، ص249.
(55) نفسه، ص229.
(56) نفسه، ص272 .
(57) سورة مريم ، الآية 25 .
(58) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص137.
(59) المصدر نفسه ، ص184_185 .
(60) نفسه ، ص84 .
(61) نفسه ، ص85 .
(62) سورة هود ،الآية 40.
(63) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص137.
(64) المصدر نفسه، ص187 .
(65) سورة الصافات ،الآية 142.
(66) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص276 .
(67) المصدر نفسه ، ص121.
(68) نفسه ، ص263 .
(69)من المفيد الإشارة إلى أنه سمي بالمرقش لأنه قال:الدار وحش والرسوم كما/رقش في ظهر الأديم قلم ، انظر: الأصفهاني ، الأغاني ،أخبار المرقش الأكبر ونسبه ، دار الكتب العلمية ، بيروت، ط1، ج6، ص136_145 .
(70) انظر: الأصفهاني ،الأغاني ، مصدر سابق ، ج6، ص145_161 .
(71) انظر: المصدر نفسه، ج5، ص70_80.
(72) عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة ،ص379.
(73)المصدر نفسه ، ص385_386.
(74) نفسه، ص32.
(75) نفسه، ص36 .
(76) قصيدة هارب من حلمه ، المصدر نفسه، ص35 .
(77) قصيدة الهزيمة ، نفسه، ص41 .
(78) نفسه، ص145.
(79) نفسه، ص150 .
قائمة المصادر والمراجع :
_ آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ، ترجمة سهى الطريحي ، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، 1963، ط1.
_ إبراهيم خليل ، فصول في الأدب الأردني ونقده ،منشورات وزارة الثقافة ، الأردن، 1991م.
_ إبراهيم السعافين ، الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر ،من أوراق ندوة " عبد الرحيم عمر الشاعر الذي قال شيئا وارتحل" التي عقدتها وزارة الثقافة بمناسبة الذكرى الثانية لوفاته ، الأردن ، 1998.
_ بدر شاكر السياب ، رحل النهار ، مج1، دار العودة، بيروت، 1989.
_ شفيع محمود يوسف صبح ، عبد الرحيم عمر :دراسة في شعره ، رسالة ماجستير ، جامعة اليرموك ، 1995م.
_ عبد الرحيم عمر، الأعمال الشعرية الكاملة، منشورات مكتبة عمان ، الأردن ، 1989م ، ط1 ، ويضم الدواوين التالية :
أغنيات للصمت .
من قبل ومن بعد.
قصائد مؤرقة .
أغاني الرحيل السابع .
_ عبد الرحيم عمر ، تيه ونار ،وزارة الثقافة، عمان ، 1993.
_ عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1967 م.
_ علي الشرع ، الفكر البروميثي والشعر العربي الحديث، منشورات جامعة اليرموك، 1993.
_ أبو الفرج الأصفهاني ، الأغاني ، دار الكتب العلمية ، بيروت، 1987م.
_ لطفي الخوري، معجم الأساطير ،دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1990، ، ج1.
_ مصلح عبد الفتاح النجار ، الأسطورة في شعر عبد الرحيم عمر ، صوت الجيل ،ع21، وزارة الثقافة ،عمان ، 1993.
_ ناصر شبانة ، الانتشار والانحسار ،دراسة في حياة عبد الرحيم عمر وشعره ، وزارة الثقافة ،الأردن ، 2002.
د.هدى قزع