للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلالبلاغ الأول للانفصال  610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6017 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 191 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 191 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
    البلاغ الأول للانفصال  Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

     البلاغ الأول للانفصال

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    زائر
    زائر
    Anonymous



    البلاغ الأول للانفصال  Empty
    مُساهمةموضوع: البلاغ الأول للانفصال    البلاغ الأول للانفصال  Icon_minitime22.07.11 15:09

    ـ من مذكرات أكرم الحوراني
    151

    1961 : عشرة ايام بعد الانفصال 28/9/1961 - البلاغ الأول للانفصال - البلاغ التاسع - الضباط الانقلابيون يتراجعون في البلاغ التاسع عن مهاجمة التأميم ويحصرون الحركة بمطالب الجيش - مقابلة مع الانقلابيين في الأركان العامة - مقابلة مع الضابط هشام عبد ربه قبيل حركة 28 آذار 1962 - الضابط المصري جلال هريدي على رأس قوة مظلات مصرية تتجه الى سورية - هل كان للمشير عبد الحكيم عامر علاقة بالانفصال؟ هل كان بقاء عامر قائدا للجيش المصري بعد الانفصال نتيجة "انقلاب ابيض" وهو التعبير الذي استعمله حسنين هيكل في كتابه سنوات الغليان؟ - تشكيل الحكومة السورية برئاسة مأمون الكزبري - محاولة الاتفاق على ميثاق وطني - بيانات سلطان باشا الاطرش وفارس الخوري وشكري القوتلي وقيادة حزب البعث في لبنان (حيث كان ميشيل عفلق) بتأييد الانفصال - رد الفعل الشعبي على تأليف حكومة الكزبري .



    في صباح يوم الخميس 28/9/1961 هرع الى منزلي العديد من الاصدقاء ليخبروني بأن انقلابا وقع، وان قوات الجيش تحتل دمشق منذ الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وانهم حاولوا أن يتصلوا بي هاتفيا فلم يستطيعوا، لأن خط الهاتف كان مقطوعا عن منزلي، وهكذا كان مصدري الوحيد للأخبار جهاز الترانزستور الذي كنت استمع اليه دون انقطاع طيلة النهار مع بعض الاصدقاء. ولم يعد هاتف منزلي للعمل الا صبيحة اليوم التالي للانقلاب.

    لقد أحسست لدى سماعي أخبار الانقلاب بأن كابوسا ثقيلا قد أزيح عن صدري بعد عامين طويلين من الحصار والمراقبة، ومنع الناس من زيارتي، واللحاق بي اينما ذهبت، حتى امتنعت عن مغادرة المنزل، وفي تلك اللحظات ازداد ايماني اكثر مما مضى بالديمقراطية التي تحترم حقوق الانسان وحريته، وتؤمن خبزه، وعاهدت ربي أن تبقى الديموقراطية - مثلما كانت دائما - في المكان الأول لكل ما أسعى لتحقيقه من أهداف وان تكون طريقي الوحيد لتحقيق تلك الأهداف، وتداعت الخواطر في ذهني بعد البلاغ الأول :

    لقد كنت على حق عندما وجهت الدعوة - كرئيس لمجلس النواب السوري- الى وفد نيابي مصري على أساس البحث في الاتحاد الفدرالي بين القطرين، وكنت على حق عندما رفضت الوحدة الاندماجية بين القطرين، وأصررت على الاتحاد الفدرالي في مؤتمر الحزب الذي انعقد قبيل الوحدة، ثم عندما عرضت على عبد الناصر -بعد قيام الوحدة عام 1959- أمر الرجوع الى صيغة من الاتحاد الفدرالي، التي تحفظ للاقليم السوري أوضاعه الديموقراطية وخصوصياته القطرية، بينما أدت به الوحدة الاندماجية الى الانفصال بل الى احتمال الاحتراب بين القطرين.

    واستطيع أن أؤكد بأن الجيش والشعب قد تلقى بأكثريته الساحقة نبأ هذه الحركة بالترحيب وان كثيرا من الذين انقلبوا ناصريين فيما بعد انما فعلوا ذلك بعوامل انتهازية ، أو لخيبة أملهم بالوضع الجديد بعد الانفصال، أما بالنسبة للسياسيين العاملين في الحقل العام فإن ما كتبه خالد العظم في مذكراته عن ذلك الانقلاب كان معبرا عن موقف الغالبية فيهم، يقول خالد العظم :

    "لقد توالت على مسمعي البلاغات فظننت أنني في حلم، وجلسنا جميعا حول المذياع نتمتع بسماع الأخبار المسرة المفرحة ولا سيما النشيد السوري الذي حرمنا سماعه، فاغرورقت عيناي بدموع الفرح لانهيار حكم بوليسي تعسفي لاقت منه سورية الامرين، ونحن مع أننا دعاة وحدة الا اننا لسنا من مؤيدي هذا النظام الذي أزال سورية من الوجود، وابعد زعماءها، ونكل بالمواطنين وأطاح باقتصاد سورية، وسلط الموظفين والمباحث المصريين على شؤون البلاد"(ص 200 الجزء الثالث).



    اذاعت محطة دمشق البلاغ الأول في الساعة السادسة والنصف من صباح 28/9/61 ، ثم توالى قبل الظهر تكرار هذا البلاغ، مع إضافة سبعة بلاغات اليه تتعلق بحفظ الأمن والنظام والامتناع عن مظاهرات التأييد التي انطلقت في كل ارجاء المدن السورية، أو بإغلاق المطارات، أو بالمحافظة على الضباط والمدنيين المصريين ومعاملتهم بالكرم والعناية وروح الأخوة، ثم اعلان نجاح الحركة والطلب الى المواطنين الانصراف الى أعمالهم والكف عن التظاهر والتجمهر ، وأكتفي هنا بتثبيت صيغة البلاغ الأول :

    بلاغ رقم 1: ان القيادة العربية الثورية العليا للقوات المسلحة، تعلن على الشعب العربي المكافح في سورية ومصر خاصة وفي البلاد العربية والعالم عامة، ما يلي :

    ان الشعب العربي المكافح في سورية ومصر يدعمه الجيش العربي فيهما، قد قام متكلا على الله العزيز القهار، بحركة عربية ثورية منظمة لمحق الانحراف والمنحرفين: أولئك الذين ضربوا الوحدة العربية المقدسة في الصميم، تلك الوحدة المقدسة التي ضحى الاباء والاجداد في كل قطر عربي بدمائهم وأرواحهم في سبيلها، تلك الوحدة المقدسة التي سطعت انوارها الأولى من قلب العروبة الناهض، سورية الثائرة على الطغيان، سورية المؤمنة الجبارة التي قضت على المستعمرين والمتآمرين عبر التاريخ .. تزأر اليوم وتثب بمزيد من عون الله العلي القدير، لتقضي على اشباه الطغاة والمستعمرين، المستغلين والمنحرفين الذين سلمهم الشعب العربي الابي في سورية كل مقدراته، مندفعا وراء الوحدة العربية المقدسة، التي عاش من أجلها، ويعيش ويموت من اجلها.

    ولكن الطغمة المتحكمة خانت الامانة، وضربت بالوحدة عرض الحائط، ونفرت الشعب العربي في الاقطار العربية الشقيقة من كل ما يتصل بالوحدة ، وأصبح كل هم هذه الطغمة الجائرة ان تثبت في كرسي الحكم السحرية لا غير، وباتت العهود والمواثيق والدساتير حبرا على ورق.

    وراحت هذه الطغمة الفاسدة تفتش عن الاساليب التي تكفل تحقير للشعب وافقاره، وتقتل في نفسه الجذوة المتقدة من الفضيلة والكرامة والفداء، كما وراحت تبدد الاموال العامة رشوات مفضوحة في رواتب، لتشكك الاخ بأخيه والاب بابنه، فيسود في النفوس الذعر والخنوع.

    كما راحت بين الحين والحين تصدر قرارات سمتها ثورية، والثورة منها براء. قرارات ظاهرها فيه الرحمة وباطنها فيه العذاب. كل ذلك ليخدعوا الكادحين من ابناء الامة، وخاصة العمال والفلاحين عصب الامة القوي ويدها الامينة المخلصة. ناهيك عن الخطة السافلة التي اتبعتها هذه الطغمة المجرمة في تصفية الجيش، سياج الامة، من ابنائه المخلصين وابطاله الميامين، وهم في ريعان شبابهم وعنفوان قوتهم.

    كما راحت هذه الطغمة تنشر دعايات مضللة، بغية صرف الانظار عما يقترفون من جرائم، وما يشيعون من فساد، الى كثير وكثير مما لا يخفى على الشعب العربي، من تمثيل وادعاء وكذب وخيانات.

    وقد أعمت بصيرة هذه الطغمة حمى الحكم، فنسوا أن الشعب العربي الثائر الذي سلمهم الامانة ليصونوها، قادر على سحقهم واسكات اصواتهم وانفاسهم.

    والشعب الان يمد يده الشريفة القوية ليتسلم حقه المقدس، وليعمل بكل امانة واخلاص في دعم الوحدة العربية المقدسة بين الأقطار العربية الشقيقة، من الخليج الى المحيط، على اساس متين من التكافؤ والمساواة والحرية والاخاء وليصون المواثيق والقوانين والانظمة الدولية، وليتبع كل ما من شأنه تحسين العلاقات مع الدول العربية الشقيقة خاصة، ومع الدول الاجنبية عامة.

    والله تعالى وحده هو نعم المولى ونعم النصير".

    لم يمض على اذاعة البلاغ الأول من اذاعة دمشق سوى ثلاث ساعات حتى سمع الناس من اذاعة القاهرة صوت جمال عبد الناصر يلقي اول بياناته ضد الانقلاب. ولقد ذكر في أول هذا البيان عدة مرات انها المرة الأولى التي يأتي فيها بنفسه الى دار الاذاعة، وهو الأمر الذي لم يفعله حتى خلال العدوان الثلاثي، وأكد على تصميمه بأنه لن يفصم الوحدة، وبعد أن امتدح سورية وقال انها قلب العروبة النابض، تعرض للقرارات الاشتراكية التي أصدرها وقال ان هذه الحركة ليست فقط ضد هذه القرارات وانما هي ضد الوحدة.

    ثم أعلن ان قوات الجيش الأول (الجيش السوري) في كل مكان تتحرك الآن للزحف الى دمشق لتقاوم هذه الحركة، التي قامت بها قوة صغيرة متمردة على إرادة الشعب، ولكن إذاعة دمشق تابعت كما أسلفنا طيلة قبل الظهر إذاعة بياناتها حتى وصل عددها الى الثمانية، وعندما بلغت الساعة الواحدة والنصف فوجئ الناس بعد هذا الخطاب الحاسم من عبد الناصر تجاه الانقلابين ان يدخل المشير عبد الحكيم عامر بمفاوضات مع ضباط الحركة، وأن يتم الاتفاق بينهم على اصدار البلاغ رقم9:

    "إن القيادة العربية الثورية للقوات المسلحة التي دفعها الشعور بالخوف على وحدة الصف العربي وحماسها للقومية العربية وتأييدها لها، ودفاعا عن مقوماتها تعلن للشعب العربي الكريم انها لا تنوي المس بما أحرزته القومية العربية من انتصارات، وتعلن انها رأت عناصر انتهازية مخربة تريد الاساءة الى قوميتنا، فقامت بحركتها المباركة، وانها عرضت قضايا الجيش وأهدافه على المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية وقائد القوات المسلحة العام، الذي تفهم امور الجيش على حقيقتها، واتخذ الاجراءات المناسبة لحلها لمصلحة وحدة القوات المسلحة والجمهورية العربية المتحدة. وقد عادت الأمور العسكرية الى مجراها الطبيعي، اعتمادا على ثقة القوات المسلحة بحكمة القائد العام وقائد الجيش الأول اللذين يحققان أهداف القوات المسلحة والجمهورية العربية المتحدة".



    لقد أحدث هذا البيان كثيرا من البلبلة في أوساط السوريين الذين ساءهم ان يعود التسلط المصري وتسلط المباحث والمخابرات على سورية، والى هذا الجو الذي أشاعه البيان رقم 9 تشير جريدة الحياة البيروتية في عددها الصادر يوم 29/9/61 بما يلي :

    "لقد أحدث البلاغ التاسع للانقلابيين السوريين بلبلة وحيرة في بيروت، فقد ظن بعض الناس أن انقلابا وقع ضد الانقلاب، وظن آخرون ان تسوية ودية قد تمت بين الضباط، وزاد في البلبلة أن إذاعة القاهرة اكتفت بنقل البلاغ دون أن تذكر بعده أي تفصيل، وعندئذ أخذت الشكوك تحوم حول ما حدث وتكاثرت الروايات والاجتهادات".

    لقد خيل الي بعد سماع هذا البلاغ ان جمال عبد الناصر لا بد ان يقبل بوساطة المشير كمرحلة أولى يهون عليه بعدها أن ينكل بقيادات الحركة واحدا بعد الآخر الذين سيضعف تماسكهم بعد انتهاء الحركة. كما لفت نظري في هذا البلاغ، اشارة لم تكن خافية، وهي ان الحركة قامت "عندما رأت عناصر انتهازية مخربة تريد الاساءة الى حركتنا" وهي إشارة لا تستهدف في ذلك الوقت الا عبد الحميد السراج، ولا سيما ان الانقلابين يقولون أنهم عرضوا على المشير عبد الحكيم عامر قضايا الجيش وانه تفهمها على حقيقتها واتخذ الاجراءات المناسبة لحلها لمصلحة القوات المسلحة والجمهورية العربية المتحدة، ولذلك أعلنوا عودة الأمور الى مجراها الطبيعي اعتمادا على حكمة المشير، دون أي ذكر لرئيس الجمهورية جمال عبد الناصر، وهذا من الاخطاء التي ارتكبتها الحركة والتي أثارت بلا ريب شكوك جمال عبد الناصر بالرغم من محاولة تلافي هذا الاغفال في الاغاني والتعليقات التي أذيعت بعد البيان التاسع.

    بعد إذاعة البيان التاسع استمرت محطة إذاعة دمشق بإذاعة برنامج محطة حلب التي كانت تبث كلمات التأييد لجمال عبد الناصر، ثم فوجيء الناس مرة أخرى وذلك في الساعة الخامسة والدقيقة العاشرة بمحطة دمشق تنفصل عن إذاعة حلب وتستأنف بث الأغاني الحماسية ثم تذيع البيان العاشر الذي جاء فيه: "إن المشير الذي وعد الانقلابيين بالقضاء على الانتهازيين والمخربين مما دعاهم لاذاعة البلاغ التاسع قد نكث بوعده، ولذلك فإن القيادة الثورية حرصا منها على انتصارات الشعب العربي والقومية العربية تعلن للشعب اعتبار البلاغ التاسع لاغيا" ثم اعلنت الاذاعة في الساعة الخامسة والدقيقة 35 ان المشيرعامر قد غادر دمشق الى القاهرة.

    وفي الساعة السابعة من مساء يوم الانقلاب أذاع عبد الناصر بيانه الثاني الذي نفى فيه موافقة المشير على البلاغ رقم 9، وقال ان الثوار تقدموا الى عامر بمطالب لم يقبلها أبدا، وأنهم طلبوا منه أن يعلن انتهاء الحركة، ولكنهم كانوا يضعونه تحت الحراسة. والذي يلفت النظر ان عبد الناصر كرر أكثر من عشر مرات انه لن يقبل المساومة ولا الحلول الوسط، ولكنه لم يوضح ما هو هذا الحل الوسط وما هي تفاصيل المساومة التي جرت بشأنه مما دعا جريدة الحياة لأن تعلق:

    "لقد ترددت في بيروت تكهنات كثيرة حول هذه الشروط فقيل ان الانقلابيين طلبوا أن يتنحى مرجع كبير ، وأن تصبح الجمهورية العربية المتحدة دولة اتحادية، ولكن الحقيقة بقيت مجهولة حتى الآن" (30/9/1961).

    على كل حال فإن الأمر الذي كان واضحا من اصرار عبد الناصر على عدم القبول بالحل الوسط هو أنه صمم على اتخاذ تدابير عسكرية ضد الانقلابيين.

    تأييد الجيش السوري لحركة النحلاوي :

    في اليوم الأول من حركة النحلاوي أي الخميس 28/9/61 انتهى تمرد الضابط حكمت الداية باستيلاء الضابط جورج محصل على مقاليد الأمور في حلب دون مقاومة تذكر، وفي صبيحة اليوم الثاني انتهى تمرد الضابط كامل زيتونة قائد المنطقة الساحلية وأعلن ولاءه لحركة النحلاوي.

    ويقول صلاح نصر في كتابه تجربة الوحدة : "إن كامل زيتونة كان يلعب على الحبلين وقد أعلن ولاءه للانفصاليين قبل هبوط المظليين في منطقة الساحل"(ص 263).



    كان قلقي شديدا من أن يكون البلاغ التاسع مكيدة يمكن أن تؤدي لعودة سورية لقبضة جمال عبد الناصر من جديد، ولكن في نهاية اليوم الأول وصبيحة اليوم الثاني شعرت أن الأمر قد استقر، ولكن كان لمخاوفي سبب آخر. فقد كنت أخشى أن يشتبك الضباط السوريون مع الضباط المصريين الذين كانوا يحتلون مراكز هامة. وكان تحت تصرفهم أنواع فتاكة من الأسلحة، ولو قدر لهذا المحذور أن يقع لنتجت أكبر كارثة قومية. ولكن ذلك لم يحدث بحمد الله إذ امتنع الضباط المصريون عن أي مقاومة، ولا شك أن الروح القومية كانت العامل الأول بعدم تصادم الضباط المصريين مع السوريين ولكن هناك عاملا آخر بدا لي فيما بعد عندما قرأت مذكرات عبد اللطيف البغدادي عن التنظيم السري للمشير في الجيش المصري الذي نقل العديد من ضباطه الى الجيش السوري، وعن الخلافات بين عبدالناصر والمشير من قبل قيام الوحدة وتهديد المشير بالجيش الذي يهيمن عليه، لذلك فمن المحتمل أن يكون هنالك ايعاز من المشير للضباط المصريين من تنظيمه السري بألا يقاوموا الانقلابيين، ويمكن أيضا أن يكون اتفاق المشير عامر مع الانقلابيين منذ اليوم الأول كان كافيا لامتناعهم عن المقاومة، لأن هذا الاتفاق لم يكن سريا بل تم الاعلان عنه صراحة في البلاغ التاسع.

    يقول صلاح نصر في كتابه تجربة الوحدة :

    "حينما قابل النحلاوي المشير عامر أكد له أن حركته لا تستهدف أغراضا انفصالية وان هدفها إجراء بعض الاصلاحات منها تخفيف عدد الضباط المصريين في الجيش السوري، وخاصة برئاسته (أي في مكتب المشير) وإجراء بعض التنقلات التي عرضها النحلاوي على المشير، وتيسيرا لانهاء الحركة وسحب القوات الى قواعدها، اقترح النحلاوي على المشير الموافقة على ترحيل بعض الضباط الى القاهرة، وهم اللواء أنور القاضي والعقيد احمد علوي والعقيد احمد زكي، والعقيد محمد استنبولي رئيس شعبة المخابرات السورية، والأخير من ابناء الاقليم السوري ، كذلك اقترح النحلاوي ترحيل الوزراء العسكريين الذين كانوا مجتمعين في الأركان وقد رحل الوزراء فعلا حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر" (ص259).

    ومما تجدر الاشارة إليه هنا أن الضباط المصريين الذين تم ترحيلهم كانوا معروفين بولائهم لعبد الناصر. وجاء في الصفحة نفسها من الكتاب :

    "لقد اتفق النحلاوي مع المشير على صيغة بيان يعلن بعد اتمام ترحيل هؤلاء الضباط ينهي بموجبه حالة العصيان وتعود الأمور الى طبيعتها وفعلا صدر البيان رقم 9".

    وجاء في خطاب عبد الناصر في مساء يوم الجمعة 29/9/61 أي في اليوم الثاني للانقلاب قوله :

    "كانت قوة صغيرة هي التي بدأت التمرد ولكنهم، أرادوا أن يضللوا، قالوا ان مطالبهم تختص بالجيش، غيروا بياناتهم السياسية وقالوا (للمشير) انهم حاولوا أن يحلوا بعض مطالب الجيش، ولكن كان واضحا ان العملية هي عملية تمويه وكسب وقت، قلت أمس انه لا يمكنني في أي حال أن أقبل حلا وسطا لأنني كنت أشعر ان محاولة الوصول الى حل وسط وإلى تسوية إنما هي مرحلة تكتيكية في الطريق الذي سار فيه التمرد".

    والذي يبدو أن المشير عبد الحكيم عامر الذي ذهب منذ اليوم الأول الى القاهرة قد عاود محاولته لاقناع عبد الناصر - بعد محاولاته المتكررة من دمشق بواسطة اللاسلكي - ان الحركة لا تستهدف الوحدة، وانما تستهدف تحقيق بعض المطالب التي تخص الجيش، وهي المطالب التي اتفق معهم على حلها، ولكن جمال عبد الناصر لم يقنع بأقوال المشير على ما يظهر فألقى خطابه هذا ليقطع كل أمل بالتفاهم مع ضباط الانقلاب.

    يقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته :

    ان عبد الناصر جمع رفاقه لاستشارتهم في نقاط خطابه الذي سيلقيه في 5 تشرين أول 1961 أي بعد اسبوع من الانقلاب، وفي أحد تلك الاجتماعات قال للبغدادي :

    "ان عبد الكريم النحلاوي أرسل إليه رسولا وأبدى رغبته في الحضور الى القاهرة ليتحدث مع جمال في الصلح، ولكن جمال لم يوافق على تلك الرغبة منه، رغم ضغط المشير عبد الحكيم عامر عليه" (ص 136 الجزء الثاني).

    لقد كان جمال عبد الناصر منذ صبيحة اليوم الأول لحركة النحلاوي مصمما على أن يقطع الطريق على أي تفاهم مع الحركة، فأصدر بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة أمرا بعزل المتمردين وتجريدهم من رتبهم واعفاء ضباطهم وجنودهم من كل ولاء لهم. وهذا يعني دعوة الجيش للتمرد عليهم وإهدار دمهم، وهؤلاء الضباط هم: العميد عبد الغني دهمان والعميد موفق عصاصة والمقدم عبد الكريم النحلاوي والمقدم حيدر الكزبري والمقدم منيب الهندي والمقدم هشام عبد ربه، وهو أمر يؤدي لقطع الطريق على كل تفاهم بين المشير وقادة الحركة، والحقيقة أن ضباط الحركة لم يكونوا فقط هؤلاء وانما عرفت أسماء أخرى فيما بعد منها: فايز الرفاعي، وسعيد العاقل، فخري عمر، شرف الدين زعبلاوي، برهان الدين بولس، تيسير الطباع وآخرين غيرهم.



    لقد ورد في خطاب عبد الناصر الذي القاه يوم الجمعة 29/2/1963 اتهام حركة النحلاوي بأنها حركة رجعية تستهدف إلغاء القرارات الاشتراكية، وليس هدفها تحقيق المطالب التي تقدمت بها الى المشير، وان ذلك لم يكن الا تضليلا.

    والسؤال الذي يطرح نفسه :

    لمذا تراجع قادة الانقلاب عن المطالبة بالغاء القرارات الاشتراكية في مفاوضاتهم مع المشير عبد الحكيم عامر ولم يرد أي ذكر لهذه القرارت في البلاغ رقم 29.

    والجواب ان هدف قادة الحركة كما تأكد فيما بعد (في حركتهم الثانية بتاريخ 28/3/1962) اي بعد خمسة شهور من الانفصال) كان حكم سورية ولم يكن ذكرهم لالغاء القرارات الاشتراكية الا من أجل التفاف اليمين السوري حولهم، هذا اليمين الذي كان التسابق على كسب تأييده موضع التنافس بين عبد الحميد السراج وعبد الحكيم عامر، ومما لا يخفى ان حركة 28/آذار/1962 التي انقض بها هؤلاء الضباط انفسهم بعد خمسة أشهر من انقلاب الانفصال على مجلس النواب الذي انتخب بعد حركتهم الاولى في 28 ايلول، واعتقال العديد من أعضائه مع رئيس الجمهورية ناظم القدسي كانت بحجة أنهم رجعيون انتهازيون، مع أن كل ما فعله هؤلاء كان برأي ضباط الانفصال وتأييدهم.

    ولقد كنت شاهدا على ما أشار إليه خالد العظم في مذكراته عندما قال لنا ناظم القدسي بحضور معروف الدواليبي وسعيد الغزي ومأمون الكزبري:

    "إن الضباط بلغوه ان الجيش ثائر ضد القانونين اللذين أصدرهما مجلس النواب بشأن (إلغاء) التأميم والاصلاح الزراعي وبأنهم يطلبون العودة إلى الاحكام السابقة، فسألنا رئيس الجمهورية ، هل هذا كل ما يريده الجيش؟ فأجاب :

    لا إنه يريد إبعاد الوزارة الحالية ويصر على أن يستقيل من النيابة بعض الشخصيات" (ص 264 الجزء الثالث).

    لقد قيل بعد حركة 28 آذار 1962 إنها كانت بدافع من جمال عبد الناصر الذي وعد ضباطها بالتأييد، ولم يكن هدفه من تشجيعها الا القضاء على النظام الليبرالي البرلماني القائم في سورية وقد نجحت الحركة في تحقيق هذا الهدف ولكنها فشلت في السيطرة على الموقف مما أغرق سورية في دوامة الانقلابات فيما بعد.

    انني لا أزال أذكر أنه قبل حركة 28 آذار 1962 دعاني الضابط هشام عبد ربه للاجتماع به مع ضابط آخر أظن انه فايز الرفاعي، وتم الاجماع في منزل في حي المهاجرين يمكن أن يكون منزله، وذلك بواسطة مصطفى حمدون، وقد فهمت منهم ان ضباط النحلاوي ينوون الاتصال بجمال عبد الناصر والقيام بانقلاب ضد الحكم الرجعي القائم الذي قضى على المكاسب التقدمية، وانهم يرغبون مشورتي في ذلك، فأوصيتهم ألا يثقوا أبدا بوعود جمال عبد الناصر في مؤازرتهم للانقضاض على الوضع القائم لمصلحتهم وقلت لهم :

    إنني بالرغم من خلافي الشديد مع رئيس المجلس ورئيس الجمهورية ومع الاغلبية اليمينية الرجعية في المجلس النيابي التي لاقيت منها الأمرين - كما تعلمون- فإنني أفضل حل المجلس بطريقة دستورية ديموقراطية دون اللجوء إلى انقلاب عسكري، كما قلت لهم :

    انه بإمكانكم الاتفاق مع رئيس الجمهورية الذي يخوله الدستور حل المجلس وإجراء انتخابات جديدة لمجلس آخر منسجم مع ما بلغته سورية من تطور وتقدم ثم قلت : لا تنسوا أنكم مسؤولون عن الوضع الدستوري السياسي النيابي الرجعي القائم، وكررت تحذيري لهم من اللجوء إلى الانقلاب العسكري لأن ذلك أمر خطير جدا سيودي باستقرار البلاد لمدة طويلة. ولكنني شعرت يومذاك ، بأنهم لم يقتنعوا بأقوالي على الرغم من أنهم لم يبوحوا لي بذلك صراحة.

    إرسال قوات المظليين بقيادة جلال هريدي الى سورية:

    بعد صدور البلاغ التاسع من إذاعة دمشق توقفت إذاعة القاهرة عن مهاجمة حركة النحلاوي، ثم عادت لمهاجمتها بعد أن أصدر جمال عبد الناصر أوامره بإرسال قوات من الجيش المصري الى اللاذقية، مبتدئا بإرسال لواء مظلي على عجل ريثما تصل القوات المحمولة بحرا، والتي تلقت أمرا بالتحرك مساء يوم 28 أيلول، وكان قوامها لوائين مشاة بأسلحتهم، والأسلحة الأخرى المساعدة، ولواء مدرعا وذلك عن طريق البحر، كما صدر أمر بأن يجري الاستيلاء على جميع بواخر النقل العربية لاستخدامها في نقلهم.

    غير أن عبد الناصر ألغى هذه الأوامر بعد أن أذيع انضمام حلب واللاذقية الى حركة النحلاوي، كما أوعز للمظليين وهم في الجو أن يعودوا، ولكن الدفعة الأولى بقيادة جلال هريدي كانت قد هبطت بالفعل في منطقة اللاذقية في مطار حمييم . يقول صلاح نصر :

    "إن قرار عبد الناصر بارسال قوات مصرية جاء تحت تأثيرات عاطفية انفعالية، هي إبقاء سورية بأي ثمن في إطار الوحدة، ولكن عدوله عن هذا القرار جاء نتيجة تقدير للموقف وحساب مختلف احتمالاته" ( عبد الناصر وتجربة الوحدة ص 270).

    ولكن لا شك أن العامل الحاسم في عدول عبد الناصر عن قراره بإرسال القوات العسكرية هو تأييد قوات الجيش في حلب واللاذقية لحركة الانقلاب في دمشق.

    يقول عبد اللطيف البغدادي في مذكراته :

    "كان الموقف الذي بني على أساس تحريك هذه القوات قد تغير تماما (أي انضمام حلب واللاذقية الى الانقلاب) واستمرار تنفيذ خطتنا بعد أن تغير إلى تلك الصورة كان يتطلب منا ضرورة استخدام القوة العسكرية في تأمين إنزال قواتنا هناك حيث انه من المتوقع أن تتصدى لهذا الانزال القوات العسكرية المؤيدة للانقلاب، وفي إمكانها إعاقته ومهاجمة قواتنا بالمدفعية والطائرات، ولم يكن في مقدورنا حماية قواتنا من هذا الهجوم لعدم توفر طائرات لدينا بعيدة المدى حتى يمكن تغطية هذا الانزال. وهذا الصدام العسكري بيننا ستكون نتائجه في الغالب لصالح القوات السورية، وربما تصاب قواتنا بخسائر جسيمة، دون أن تحقق الغرض الذي من أجله قد أرسلت، والأمر سينتهي بهزيمة عسكرية لنا سيكون لها صداها الواسع في العالم العربي وفي الخارج أيضا" (ص 118 الجزء الثاني).

    كما ذكر عبد اللطيف البغدادي ان جمال عبد الناصر قال في حديثه مع الوزراء السوريين العسكريين الذين ألحوا عليه بغزو سورية:

    "لو حدث وأغرقت لنا باخرتين مثلا وخسرنا المعركة فإن سمعتنا ستنزل الى الحضيض ونصبح دولة كدولة اليمن" (ص 119 الجزء الثاني).

    وفي تقديري إن عبد الناصر لم يكن مطمئنا الى أن القوات المصرية مستعدة للاقتتال مع الجيش السوري، والدليل على ذلك ان القوات المصرية في سورية لم تبد أي مقاومة ، كما أن جلال هريدي قائدقوة المظليين التي هبطت في منطقة اللاذقية قد استسلم فورا للقوات السورية، وقد سمعت بأذني حوارا معه أجرته محطة إذاعة دمشق حمل فيه بشدة على نظام عبد الناصر، فأشفقت عليه من عودته إلى القاهرة ولكنه بقي في موقعه في الجيش المصري بعد رجوعه إلى مصر، ولا شك أن الذي حماه هو كونه من ضباط المشير.

    لقد اجتاز جلال هريدي فلسطين خلال حرب حزيران 1967 من جنوبها إلى شمالها حتى دخل من الجليل الى لبنان، عندما كان مكلفا بالقيام بعمليات التخريب وراء خطوط الجيش الاسرائيلي.

    والخلاصة يمكننا أن نؤكد أن هدف ضباط حركة النحلاوي هو الاشتراك في حكم سورية تحت قيادة المشير عبد الحكيم عامر ولذا طلبوا من المشير أن يصطحبهم معه الى القاهرة، ولو قبل جمال عبد الناصر بما اتفقوا عليه مع المشير عامر لما أدت حركة النحلاوي الى الانفصال، ولكن عبد الناصر في خلافه المتكرر الطويل مع المشير والذي أشار إليه عبد اللطيف البغدادي في مواضع متعددة من مذكراته لم يخدع بهذا الموقف الذي كان حلقة تالية لمؤامرة الضابط عويس التي أشرت اليها بالتفصيل، وقد انتهت هذه السلسلة من المؤامرات بمحاولة المشير الانقلابية الأخيرة التي جرت بعد هزيمة الخامس من حزيران وكان الضابط جلال هريدي من أركانها.



    وختاما لهذا البحث ومحاولة لالقاء بعض الأضواء على الجو الذي كان سائدا ضمن بعض أوساط الجيش المصري في فترة الانفصال، وعلى موقف المشير في تلك الفترة، فإننا نثبت هنا فقرات مما ورد في مذكرات عبد اللطيف البغدادي، وكان يدونها يوميا، عن العلاقة بين عبد الناصر وعبد الكيم عامر وهي علاقة أفرد لها البغدادي في مذكراته فصلا خاصا تحت عنوان "الشك بين جمال وعبد الحكيم" (ص 167-218 الجزء الثاني).

    "8 اكتوبر 1961 (أي بعد حركة الانفصال بأسبوع) حول الموقف الداخلي في مصر وحول الانفصال عن سورية قال جمال عبد الناصر:

    لا يمكنني أن ابدأ باتخاذ أي إجراء قبل أن نحل مشكلة الجيش، وأعاد جمال الاقتراح الذي سبق ذكره وهو الخاص بنقل عبد الحكيم الى عمل آخر بعيدا عن الجيش وأن يتولى كمال الدين حسين قيادته بدلا عنه، وكان كمال قد اقترح على جمال أن يتولى هو بنفسه قيادة الجيش ولو لفترة، على أن يقوم كمال من بعده بتولي قيادته، ولكن جمال رفض الموافقة على ذلك الاقتراح".

    وجاء في موضع آخر من مذكرات البغدادي ذكر الضابط داوود عويس الذي تعرضت سابقا لواقعة تآمره مع ميشيل عفلق للاطاحة بجمال عبد الناصر بما يلي:

    15 اكتوبر 1961 (بعد ثلاثة أسابيع من الانفصال) : كان يبدو على جمال التأثر والغضب لأن هناك مجموعة من الضباط المحيطين بعبد الحكيم يقومون بعمل نشاط ضد شخصه، وطلب منا عدم ذكر أي شيء عن هذا الموضوع بحجة أنه خطير وانه يود أن يعرف تفاصيل أكثر وقال :

    اتضح لي أن المنشور السري الذي سبق وأرسل للبعض منا والموقع عليه باسم الضباط الأحرار قد أرسله اليكم مدير مكتب عبد الحكيم عامر في وزارة الحربية الضابط داوود عويس ، وليس الضابط علي شفيق السكرتير العسكري لعبد الحكيم عامر، وقال بأنه كان يعتقد من قبل بأن مرسل المنشور لا بد أن يكون علي شفيق لأنه كان يعلم بأننا كنا نقوم بمناقشة استبعاد عبد الحكيم من الجيش، وأنه أمكن الكشف عن حقيقة مرسل المنشورات داوود عويس عن طريق البصمة المتكررة التي وجدت على جميع المنشورات التي أرسلت.

    كما أخبرنا جمال عبد الناصر بأن صلاح نصر (مدير المخابرات العامة) يجتمع يوميا مع عبد الحكيم وانه يعمل لصالحه وأنه أمر (اي جمال عبد الناصر) بتغيير نمر تلفوناته، وقال :

    ان بعض الضباط الملتفين حول عبد الحكيم كانوا يقضون الليل في معسكراتهم أثناء أزمة سبتمبر الماضي (الانفصال) عندما أقدم عبد الحكيم على الاستقالة".

    وأخطر ما جاء في هذه المذكرات من أسرار قول جمال عبد الناصر لعبد اللطيف البغدادي:

    "ان أحد الضباط من سلاح المدفعية كان قد أبلغه عن طريق مكتبه في أوائل يناير عام 1962 عن وجود تنظيم سري في الجيش باسم الضباط الأحرار، وان هذا التنظيم يرئسه الضابط حسن رفعت، وان لهذا التنظيم لجنة تأسيسية مكونه من خمسة عشر عضوا، وانه لاحظ قبل حدوث الانقلاب في سورية (أي الانفصال في 28 ايلول 1961) بثلاثة أشهر أن أحاديثهم في اجتماعاتهم كانت تدور حول الوضع القائم في مصر والفساد والانتهازية والاستغلال، وانه لن يقضى على هذا الفساد المنتشر . إلا اذا تخلصوا من جمال عبد الناصر، وان يتولى الأمر في البلاد بدلا عنه عبد الحكيم عامر، وقال جمال:

    ان ما أخبره الضابط من معلومات قد تأكد بنفسه منها وأنها صحيحة وان الضابط قال له:

    ان تركيز الهجوم قد بدأ أثناء وجودهم في سورية قبل الانقلاب (الانفصال) واستمر بعد عودتهم للقاهرة، وان الاتفاق قد تم بين أعضاء التنظيم على القيام بانقلاب في شهر مايس 1962" كما جاء في مذكرات البغدادي:

    "ان جمال عبد الناصر أمر بإحالة 25 ضابطا الى المعاش من المتصلين بموضوع داوود عويس المتهم بإرسال منشورات سرية باسم الضباط الأحرار، كما أمر كذلك بإلقاء القبض على اليوزباشي حسن رفعت". ويعلق البغدادي أخيرا على هذه الأحداث بقوله :

    "انه لا يعلم كيف عمل جمال على تسوية الخلاف مع عبد الحكيم ولا كيف تمت هذه التسوية" "لأن جمال لم يذكر لي شيئا عنها، وقد بقيت القيادات العسكرية التي كانت من الواجب العمل على نقلها من أماكنها دون تغيير".

    وغني عن التذكير بأن مثل هذه المحاولات الانقلابية والتهديد بها كانت تستدعي في أي نظام وفي كل قوانين العقوبات في العالم ليس الاكتفاء بإحالة الضباط المتآمرين على المعاش، بل تقضي بإحالتهم للمحاكمة، ولكن جمال عبد الناصر اضطر للتسوية بإحالة بعض هؤلاء على المعاش.

    والذي يتكرر في مذكرات البغدادي في العديد من الوقائع ان جمال عبد الناصر كان يتراجع دائما كلما هم بوضع حد للمشير عامر وبإقصائه عن الجيش، ولم يختلف الأمر إلا بعد هزيمة الخامس من حزيران عندما فشل المشير وأنصاره بمحاولتهم الانقلابية ضد جمال عبد الناصر.

    إن ما سبق يلقي ظلالا من الشبهات والشكوك حول انتحار المشير اثر هزيمة حزيران، ويثير الظنون بأن السم قد دس له كما يعتقد أهل المشير وأنصاره.

    ويشير حسنين هيكل في كتابه سنوات الغليان إشارات غامضة الى التسوية التي يتحدث عنها البغدادي في مذكراته، عندما يقول أن بقاء عامر كقائد للجيش بعد الانفصال هو نتيجة لما يسميه البعض انقلابا أبيض، وقد ورد في الكتاب ما يلي:

    "ولعل الثغرة الأساسية التي تركها "جمال عبد الناصر" وراءه في هذه الظروف (أي ظروف عام 1962) ولم يقطع فيها بطريقة حاسمة كانت هي قضية القيادة في القوات المسلحة. كانت تجربة الانقلاب في سوريا قد أوضحت له أن أحوال القيادة العامة بما فيها شخص القائد العام تحتاج إلى مراجعة. كان هذا الموضوع قد طرح نفسه في أعقاب حرب السويس 1956، ثم عاد ليطرح نفسه بصورة أشد بعد الانفصال في سوريا، وكان لا بد من البت فيه، ولكن "جمال عبد الناصر" آثر تأجيل البت فيه ، فقد تحرج من ناحية دفعا لمقولة إنه يتخلص من زملائه في مجلس القيادة واحدا واحدا ، ومن ناحية ثانية، فلم يكن يريد إحداث هزة في الجيش في أعقاب الانفصال، ومن ناحية ثالثة، فإنه وهو مقبل على مرحلة يريد فيها تدعيم الجبهة الداخلية بتكثيف العمل في مجالات الانتاج والخدمات- لم يكن مستعدا لأن يعرض الأداة الرئيسية للأمن القومي لأي خلخلة في وقت تتزايد فيه التحديات من حول الجمهورية.

    وكان السكوت على الأوضاع السائدة في القوات المسلحة حلا وسطا، ولم يكن بالضبط انقلابا "ابيض" -كما تقول بعض النظريات- وعلى أي حال فإن خطر الحل الوسط إزاء أوضاع من هذا النوع الذي كان سائدا لم يكن أقل من خطر انقلاب"(ص 602 الجزء الأول).

    وفي هامش الصفحة 603 من الكتاب نفسه يعلق هيكل على ما يسمى انقلابا أبيض بما يلي:

    "الحقيقة انني لست من أنصار نظرية الانقلاب الأبيض التي تروج لها بعض الاجتهادات في محاولة ساذجة - في رأيي - لاعفاء جمال عبد الناصر من أي مسؤولية عن الجانب العسكري سنة 1967- ولو كانت هذه النظرية صحيحة، فلم يكن يحق لجمال عبد الناصر أن يقبل تحدي الحرب سنة 1967 مهما كانت الظروف والا فكيف يدخل الحرب بجيش خارج عن طاعة قيادته السياسية؟!

    خطب وبيانات عبد الناصر بعد انقلاب 28 أيلول 1961.

    خلال الاسبوع الأول الذي تلا انقلاب 28 ايلول ألقى عبد الناصر بصورة متتالية عددا من الخطب المتناقضة والمتضاربة. فقد أعلن في خطابه الأول في صبيحة 28 ايلول انه لن يفك الوحدة ودعا الجيش إلى القضاء على حركة النحلاوي ذاكرا الظروف التي تمت بها الوحدة "التي فرضها السوريون" كما قال، ونوه بأهمية القرارات الاشتراكية التي أصدرها في تموز عام 1961.

    أما في خطابه الثاني فقد ذكر أنه سحب قواته المرسلة الى اللاذقية حقنا للدماء ، ثم يعترف في خطابه الثالث الذي ألقاه في الأول من تشرين الأول 1961 بمسؤوليته عن وقوع الانفصال بسبب مهادنته للرجعية والاستعمار.

    وفي بيانه الرابع (5/10/61) يرفض أن تكون الحرب الأهلية وسيلة لتحقيق الوحدة، ويطلب من جميع قوى الشعب المتمسكة بالوحدة أن تدرك أن الوحدة الوطنية داخل الوطن السوري يجب أن تحتل المكانة الأولى ثم تمنى النجاح للشعب السوري. فاعتبر هذا الخطاب اعترافا ضمنيا بالجمهورية العربية السورية ولو لم يتم الاعلان عن ذلك صراحة.

    ونظرا لأهمية الخطاب الذي ألقاه في الأول من تشرين أول 1961 فإنني سأثبت بعض فقراته التي تشير بصورة واضحة إلى أهم الأسباب التي أودت بالوحدة بين سورية ومصر وأدت الى الانفصال، كما تشير الى أن الجيش السوري سيكون الجهة التي سيعتمد عليها عبد الناصر في خطته الهادفة الى القضاء على الوضع الدستوري الديموقراطي الذي نشأ بعد الانفصال، خوفا من استقرار هذا الوضع، الأمر الذي ستنعكس آثاره على مصر، مما يعرض نظامه للخطر، وتشير بعض أقوال عبد الناصر التي أوردها البغدادي في مذكراته الى خوف عبد الناصر وأركان نظامه من ذلك الانعكاس، وهو خوف ابتدأ مباشرة بعد أيام قليلة من انفصال سورية عن مصر:

    يسجل البغدادي في مذكراته عن يوم 4 اكتوبر 1961 ، أي بعد خمسة أيام من انقلاب الانفصال في سورية انه قال لعبد الناصر :

    "ما أسمعه يدل على أن الناس أصبحوا غير متحفظين في أحاديثهم لشعورهم ان أسطورة المخابرات غير صحيحة بعد أن وقع الانقلاب في سورية دون علمها" فيجيبه عبد الناصر :

    "ربما كان هذا صحيحا ولكنه في مجال ضيق ومحدود"، كما يقول :

    "بالنسبة للناس هنا فروحهم طيبة، وهيكل ذهب إلى السينما لمشاهدة فيلم عن مؤتمر بلغراد للتعرف على رد الفعل عند المشاهدين عندما تظهر صورتي في المؤتمر، ويقول هيكل ان السينما ضجت بالتصفيق عندما ظهرت صورتي من أول لحظة، وإن هيكل كان متخوفا من النتيجة عندما ذهب إلى السينما"(ص 143 الجزء الثاني).

    أما موقف عبد الناصر من الوحدة مع سورية مستقبلا فيشير الى ذلك البغدادي :

    "قلت لعبد الناصر بأن عدم الاستقرار الذي سيحدث في سورية بعد عودة الحياة الحزبية، قد يساعد على عودة الوحدة أقوى وأكثر رسوخا مما كانت عليه، فأجابني انه لن يقدم على ذلك ثانية ثم أردف : ابقوا اعملوها انتم" (ص 136 الجزء الثاني).

    كما يذكر البغدادي في الصفحة نفسها ان عبد الناصر أشار الى ضغط المشير عبد الحكيم عامر عليه لقبول الوحدة وأن رأيه كان أن نبدأ أولا بالاتحاد على أن تتم الوحدة بعد خمس سنوات من هذا الاتحاد. مع الاشارة إلى قول عبد الناصر:

    "إنه لما فكر في مشكلة سورية اتضح له انه انفصال الاقليم الشمالي قد وقع، وانه إذا لم يتم اليوم فسيتم غدا، وانهم في سورية ينظرون إليه نظرتهم إلى شبح متربص بهم يتحين الفرصة للانقضاض عليهم، وانهم لهذا السبب سيظلون يهاجمونه" (4 اكتوبر 1961 ص 133 الجزء الثاني).

    الاعتراف: بعض فقرات الخطاب الذي ألقاه عبد الناصر في الأول من تشرين الأول عام 1961 :

    قال عبد الناصر :

    "حاربتنا الرجعية وحاربنا الاستعمار، وخدعتنا الرجعية ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.

    يا إخواني : قابلنا كل هذا، قابلناه بصبر وقلنا ان احنا عاوزين نقيم وحدة وطنية، ولكن هل قبلت الرجعية بالوحدة الوطنية؟ لم تقبل الرجعية بالوحدة الوطنية. هل قبل أعوان الاستعمار بالوحدة الوطنية؟ لم يقبلوا بالوحدة العربية، ومن أول يوم بدأوا يعملون ضدها.

    النهار ده يا إخواني واحنا ينتكلم عن دور اعدائنا في هذه النكسة لا بد أن تكون لنا من الشجاعة ما يدفعنا الى أن نتكلم عن أخطائنا، احنا ايضا اخطأنا، أخطاء متعددة والا ما كنا وصلنا الى هذه النتيجة:

    أخطأنا أولا في أننا أمنا إلى الرجعية وخدعنا بالرجعية واعتقدنا أن الرجعية يمكن أن تستكين، واحنا أخطأنا ايضا في ان احنا هادنا الرجعية العربية، وان احنا خدعنا واعتقدنا انهم تابوا وانهم بيتجهوا الى أمة عربية وإلى جمع الصف وإلى جمع الشمل، ولكن اليوم نأخذ من هذا الدرس عبرة. خدعنا أيضا أيها الأخوة المواطنون، غلطنا أيضا في إيه؟

    في سنة 1956 اجتمعت العناصر الوطنية في سورية كلها وكافحت وقاتلت من أجل قيام الجمهورية العربية المتحدة، ولكن بعد قيام الوحدة أخذنا الغرور جميعا، واعتبرنا أن الأمر قد استتب لنا وبدأت الخلافات بين هذه الجبهة الوطنية، وبدأ التفتت في الجبهة الوطنية، جبهة العناصر الوطنية في سورية، بدأت الخلافات ليه؟

    لأن الغرور أخذنا واعتقدنا أن الكفاح من أجل القومية العربية انتهى، وبدأ الكفاح من أجل الحكم أو من أجل السلطة أو من أجل السلطان.

    كان هذا اكبر غلط، كلنا غلطنا في هذا، ودي حاجات غلطنا فيها، وبهذا تفتتت العناصر الوطنية، وبهذا تجمعت العناصر الرجعية، وبهذا أيها الاخوة واجهنا النكسة، فلنأخذ من هذا الدرس عظة وعبرة، ولنتجه إلى المستقبل ونحن نعرف ما قام به أعداؤنا ضدنا، ونعرف أيضا الأخطاء اللي احنا عملناها، وفي نفس الوقت هذه النكسة لن تكون هزيمة بأية حال من الأحوال.

    لنأخذ من الدروس عظة وعبرة، أنا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن أصدق أن الجيش الأول رجعي، أو أفكر بأن الجيش الأول (الجيش السوري) يشك بالقومية العربية، ولكن اعتقد أن هنالك من غرر ببعض الناس ويمكن بعض الناس دول خايفين يتراجعوا، ولكن أيضا بعض الناس اشترتهم الرجعية، هنالك بعض الناس اشترتهم الشركة الخماسية، هنالك بعض الناس اشترتهم ديكتاتورية رأس المال، ولكن ليتجه كل فرد إلى ضميره، وليتجه الى وطنه، وليتجه الى شعبه، كل فرد لا بد حيفهم وحيعرف ايه الموقف. وما هو الواجب الذي يتحتم عليه، كل فرد من أفراد الجيش الأول لا يمكن أن يكون سلاحا للرجعية أو سلاحا للاستعمار أو سلاحا لاسرائيل ابدا. انه دائما سلاح للقومية العربية وسلاح الوحدة العربية، انه سلاح الجمهورية العربية القوي.

    أيها الأخوة :

    في أخطاء شفناها النهارده، وان هذه النكسبة هي نقطة بداية من أجل التحرك الكامل، التحرك الكامل بكل قوانا ضد الرجعية وضد الاستغلال وضد الاستعمار ومن أجل إقامة العدالة الاجتماعية، من أجل حماية الاشتراكية ومن أجل حماية القومية العربية.

    إن علينا ايها الاخوة واجبا كبيرا نحو المستقبل، وأنتم الجنود الذين سترفعون الأعلام. من أجل تحقيق هذا الواجب علينا أن نتسلح بالشجاعة نحو الأعداء والشجاعة نحو أنفسنا، حتى يحقق الله أملنا، والله يوفقكم والسلام عليكم ورحمة الله.



    أوخر 1961:

    1- تشكيل الحكومة السورية بعد الانفصال برئاسة مأمون الكزبري - بيان الحكومة الجديدة.

    2- بيان من النواب السوريين السابقين وقيادات الأحزاب وبعض الفعاليات الاقتصادية.

    3- اجتماع السياسيين وقيادات البلاد في نادي الضباط لوضع الميثاق القومي.

    بتاريخ 29/9/61 وفي اليوم الذي هبط فيه المظليون المصريون في منطقة اللاذقية تم تشكيل الوزارة الجديدة برئاسة مأمون الكزبري على الشكل التالي:

    نعمان الأزهري (اللاذقية) للتخطيط والشؤون البلدية.

    أمين ناظيف (دمشق) وزيرا للزراعة.

    عوض بركات (دمشق) للصناعة والاقتصاد.

    عزت النص (دمشق) وزيرا للتربية والإرشاد.

    ليون زمريا (حلب) للمال والتموين.

    فرحان الجندلي (حمص) وزيرا للصحة.

    فؤاد العادل (دمشق) وزيرا للشؤون الاجتماعية.

    أحمد سلطان (حماه) وزيرا للعدل والأوقاف.

    عدنان القوتلي (دمشق) للداخلية.

    عبد الرحمن حورية (اللاذقية).

    مصطفى البارودي (دمشق) للدعاية والانباء والتلفزيون.

    وقد أصدر رئيس الحكومة في اليوم الثاني أربعة مراسيم:

    1- المرسوم الأول ينص على تسمية سورية بالجمهورية العربية السورية.

    2- يرفع بتاريخ 30/9/1961 العلم السوري فورا على جميع الدوائر والمؤسسات الرسمية ويكون النشيد والشعار نشيد وشعار الجمهورية العربية السورية السابقيين.

    3- تعيين البارودي وزير دولة للدعاية والانباء.

    4- تسريح اللواء محمد الجراح الأمين العام المساعد لشؤون الأمن العام والشرطة وتصفى حقوقه التعاقدية ويعين اللواء فاتح باقر بدلا عنه أمينا عاما مساعدا لشؤون الأمن العام والشرطة، كما تم اغلاق مكاتب المخابرات في دمشق وجميع المدن السورية.

    وفي الساعة 12.30 من ليل 29 - 30 أيلول 1961 أذاعت محطة دمشق البيان الوزاري للوزارة الجديدة مسجلا بصوت الدكتور مأمون الكزبري رئيس الوزارة، وقد أعلن فيه أن الحكومة موقتة، وان اعادة الاوضاع الدستورية ستتم بعد أربعة شهور، ثم بين سياسة الحكومة في الحقول الداخلية والعربية والخارجية، واستهل الكزبري بيانه بقوله :

    "في هذه الظروف التاريخية تعود سوريا لتؤكد للعرب والعروبة انها كانت وما زالت معقل العروبة الحصين وقلبها النابض وتدلل على انها كانت سباقة في ميادين التضحية والفداء وطالما فتحت صدرها لكل حركة عربية تحررية واحتلت مكان الريادة في القافلة العربية وساندت شقيقاتها الدول العربية في معارك تقرير مصيرها وحريتها.

    وقال ان سوريا قد ضحت واستهانت بكل غال ورخيص لتحقيق الوحدة مع مصر، وانها ما ان تقدمت خطوات في طريق الوحدة حتى رأت ان الذين تولوا مركز القيادة فيها قد اتخذوا صفة الفردية بشكل اخذ يبعد الوحدة عن أهدافها الحقيقة ويسوقونها في طريق بعدت بها عن طريق الوحدة العربية الشاملة التي لا تسلط فيها ولا احتكار.

    واضاف ان هؤلاء القادة لم يستجيبوا لنداءات الخير التي كانت تطالب بتغيير الاوضاع وتحقيق التكافؤ الكامل بين البلدين. وكانت النتيجة تصفية العناصر المخلصة من الضباط الذين حاولوا لفت نظر المسؤولين الى الحيف اللاحق بسوريا.

    ثم قال وقد حاول الضباط الاباة لفت المسؤولين عن الجيش الى الوضع الاليم حتى اذا بلغ السيل الزبى وانتهكت حريات الشعب الى حد لم يعد يصح معه السكوت هبت الحركة الثورية لتعبر عن اهداف الشعب ولتقوم الانحراف الذي شوه الوحدة وجعل منها مثالا سيئا وجعل الوحدة إفقارا والاخاء استرقاقا والمصالح المشتركة ابتزازا.

    وقد دعت نقمة الشعب القيادة الثورية العربية العليا للقوات المسلحة الى القيام بانتفاضتها تأكيدا وحفاظا على مصير الأمة. وتمشيا مع خطة القيادة الثورية التي آلت على نفسها ان تنهي مهمتها، أوكلت ادارة هذه الفترة الى حكومة مؤقتة لتسيير الدفة، وتأمل الحكومة ان تتنقل بالبلاد الى الأوضاع الدستورية المستقرة في أربعة شهور، وأيصال البلاد الى حياة ديمقراطية اشتراكية سليمة بالفعل لا بالقول تؤول الى الوحدة القويمة التي تريدها الامة العربية كلها.

    في السياسة الداخلية:

    1- تهتم الحكومة باعادة الحريات العامة للمواطنين قولا وفعلا بكفالة حرية الصحافة والرأي وضمان جميع الحريات الفردية والعامة التي حرم منها المواطن. وتعلن فورا الغاء قانون الطوارئ والمراقبة، وجميع التدابير التي تحد من حرية الفرد وفق شرعة حقوق الانسان. وتسهر على تكافؤ الفرص وسيادة القانون وتساوي المواطنين تجاهه فعلا.

    2- تعنى الحكومة باستكمال قوة الجيش ورفع مستوى تدريبه.

    3- تعاضد النقابات وتؤمن العمال من الاجراءات الكيفية وكفالة مستوى عادل من الاجور والخدمات لهم واشتراكهم بمجالس ادارة الشركات والمؤسسات والضمان الاقتصادي على أسس اشتراكية صحيحة، وتؤمن الحكومة بأن المؤاخاة بين اصحاب العمل والعمال واقامة العلاقات الانسانية بينهم هي افضل سبيل لسير العمل والانتاج. وستعنى الحكومة بقوانين الاصلاح في الزراعة وتأمين الازدهار للعمال الزراعيين.

    4- تقوم سياسة الحكومة على اساس توجيه الاقتصاد القومي لتحقيق الازدهار لجميع فئات المواطنين وتأمين الصالح العام. وتستلهم الحكومة سياستها الاقتصادية من واقع البلاد وتاريخها وموقعها الجغرافي وقابليات نموها. ومن رائد الحكومة تشجيع الادخار وتوظيف رؤوس الأموال واحترام الكسب المشروع واعادة الامور الى نصابها لبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين وترغيب الرساميل الخارجية ولا سيما العربية وقصر اقامة المشاريع على المرافق العامة أو المشاريع التي يعجز الافراد عن ممارستها. أو التي تفرضها مقتضيات الدفاع وفي المجال المالي والنقد وتهدف الحكومة الى تأمين التوازن بين النفقات والموارد العامة وتوزيع التكاليف بالعدل واستقرار النقد الوطني وتأمين حرية تحويله الى العملات الأخرى وتنظيم النقد.

    وستحافظ الحكومة على سمعتها الخارجية بحفظ التزاماتها.

    5- تعمل الحكومة على احلال الكفاءات في الادارة.

    في السياسة العربية.

    اما في النطاق العربي فالحكومة تمد يد التعاون مبسوطة الى جميع الدول العربية وتعمل معها على تحقيق وحدة العرب وحدة حقيقية شاملة على اسس من الحرية والمساواة، هذه الوحدة التي طالما عملت لها سوريا وضحت وما تزال تضحي من أجلها.

    وتضع الحكومة نصب اعينها العمل لاعادة الحقوق الى ابناء فلسطين وتساند نضال الجزائر وشتى ديار العرب والعروبة.

    وتؤكد الحكومة احترامها ميثاق الجامعة العربية وتعمل على تدعيمه وتوثيقه وتتعاون في اطاره مع بقية الدول الاعضاء.

    في الحقل الدولي تعلن الحكومة ان سوريا كانت مثالا يحتذى في الحفاظ على المواثيق والتمسك بشرعة الأمم المتحدة وبشتى المواثيق والاتفاقات. وستعمل الحكومة على تحسن علاقاتها مع جميع الدول التي تمد لها يد الصداقة، دون انحياز، مؤكدة اننا دعاة سلام واخاء وانسانية اصيلة. وختم الكزبري بيانه شاكرا الجيش مؤكدا أن الحكومة ستكون دوما حربا على الاستعمار والتسلط الفردي والاحتكار والسيطرة بكل اشكالها ولا تعمل لفئة دون فئة وجماعة دون جماعة.

    2- بيان من النواب السوريين السابقين وقيادات الاحزاب وبعض الفعاليات الاقتصادية يطلبون فيه انتخابات عاجلة والحد من التشريعات في انتظار قيام المجلس النيابي.

    بتاريخ 2/10/61 خابرني هاتفيا صلاح البيطار ودعاني الى منزله، بالوقت الذي كان يزورني خليل الكلاس، فذهبنا سوية لمنزل البيطار حيث وجدنا عنده خالد الحكيم ومنصور الأطرش العضوين في تنظيم صلاح البيطار السري كما أشرت الى ذلك سابقا، فأخبرنا صلاح بأن اجتماعا يضم جميع الأحزاب السورية وقياداتها السياسية معقود في منزل أحمد الشراباتي، وان من رأيه الا يفوتنا هذا الاجتماع، ولا سيما أن المجتمعين اتصلوا به ورجوا حضوره وحضوري وقال :

    لا يجوز أن نعزل انفسنا في هذه الحقبة عن الاحزاب والقوى السياسية الأخرى ، كما اقترح ان يذهب منصور الأطرش وخليل الكلاس الى هذا الاجتماع، ليستطلعا فيما اذا كان يضم فعلا ممثلي الاحزاب والقيادات السياسية والوطنية، أم انه مقتصر على قيادات الدرجة الثانية الأمر الذي يدعونا للاعتذار عن حضوره، ولبثنا في منزل البيطار ننتظر رجوع الموفدين اللذين أفادانا بعد عودتهما بأن الاجتماع يضم فعلا عددا كبيرا يمثل قيادات مختلف الاحزاب والتكتلات الاقتصادية والسياسية في البلاد، وعندما سألت فيما اذا كان رشدي الكيخيا حاضرا الاجتماع، قيل لي أنه غير موجود وقد أصر المجتمعون على ضرورة الاشتراك، ولم أقدر آنذاك مدى استغلال هذا الخطأ اعلاميا بسبب ان الاجتماع كان معقودا في بيت احمد الشراباتي وزير الدفاع السابق، المتهم بمسؤوليته عن انهزام الجيش السوري في حرب فلسطين عام 1948.

    كان منزل الشراباتي يعج بعدد كبير من رجال الأحزاب والقيادات السياسية والاقتصادية والوطنية، الذين كانوا يتداولون باصدار بيان يؤيد حكومة الكزبري وثورة الجيش المباركة -كما كانوا يقولون- وقد دخل صلاح البيطار في جدل مع الحاضرين حول فحوى هذا البيان الذي كان يرى مع تأييده لحركة الجيش دعوة المجلس النيابي السابق للانعقاد الذي وافق على قيام الوحدة ليصدر قرارا بفكها.

    أما الحاضرون فكانوا يصرون على أن يكون البيان مقتصرا على تاييد الحركة العسكرية، ولم أكن متحمسا لاقتراح البيطار، والسبب ان الوحدة بين مصر وسورية لم تقم بقرار من مجلس النواب فقط بل باستفتاء شعبي في سورية ومصر، وهذا يقتضي إجراء استفتاء شعبي آخر. وهو الأمر الذي جرى فيما بعد عندما تمت الموافقة على الدستور الموقت للجمهورية العربية السورية نتيجة للاستفتاء الذي رافق الانتخابات النيابية.

    وقبل أن يدخل صلاح البيطار في نقاشه حول دعوة المجلس أو عدم دعوته فإنني أكدت للحاضرين بشكل جازم بأننا غير مستعدين للتوقيع على بيان يؤيد حكومة الكزبري، لأن لنا تحفظات بخصوص تشكيلها وأسماء أعضائها فتراجع الحاضرون عن هذا الطلب.

    ويشير الى هذا الموقف خالد العظم الذي وصل الى الاجتماع متأخرا . اذ كان مسافرا في لبنان، وما لبث أن اجتمع اجتماعا منفردا بي وبصلاح البيطار:

    "كان تحفظ الاشتراكيين، أي الحوراني والبيطار، ينصب على نقطتين : الأولى تتناول الثقة بالحكومة المؤلفة، والثانية تتناول التردد في التوقيع على البيان، لئلا يقال انهما وحدا مساعيهما مع الرجعيين " (مذكرات خالد العظم ص 203 الجزء الثالث).

    ويصف خالد العظم وضع صلاح البيطار في ذلك الاجتماع بما يلي: "إن صلاح البيطار كان يؤكد في هذا الاجتماع انه ذاق الامرين مما كان يجري في عهد عبد الناصر، وانه اضطر للاستقالة في آخر الأمر مع رفاقه، ثم ردد انه موافق على كل شيء ما عدا الثقة بالحكومة" (ص 202 المصدر السابق).



    عند خروجنا من ذلك الاجتماع المنفرد كلف المجتمعون صلاح البيطار ونجيب الارمنازي بكتابة البيان المطلوب فدخلا سوية الى غرفة منفردة، وبعد فترة خرجا ببيان مكتوب بخط صلاح البيطار، وهو البيان الذي دعي من قبل الاعلام المصري بوثيقة الانفصال، وفي ما يلي نصه :

    بيان الى الشعب العربي في سوريا ومصر وفي جميع الاقطار العربية:

    "عقد في دمشق اجتماع ضم عددا من العاملين في الشؤون القومية استعرضوا فيه الوضع العربي العام والوضع السوري الخاص والحالة الدولية بعد قيام الجيش العربي الأبي في سوريا بعمله المجيد، فأجمع الرأي على تأييد القوات المسلحة السورية في ثورتها المباركة وعلى توجيه الشكر إليها، ضباطا وضباط صف وجنودا. كما اجمع الرأي على أن حكم الطغيان والتسلط والانحراف الذي اقامه الرئيس جمال عبد الناصر في كل من سوريا ومصر هو الذي افقد الوحدة بينهما معانيها السامية، فأبعدها عن أن تكون نواة للوحدة العربية الشاملة الصحيحة التي أمن بها ويتوق اليها كل عربي والتي لا تقوم الا على المساواة والتكافؤ بين البلاد العربية.

    كذلك اجمع الرأي على ان هذا الحكم الذي استهدف تشويه فكرة القومية العربية والوحدة العربية وخنق الحياة السياسية والديموقراطية ووأد الحريات العامة بالرغم عما بذل من نصح وتنبيه وتحذير هو الذي دفع الى ثورة الجيش العربي في سوريا تلبية لنقمة الشعب واستجابة لارادته باقامة حياة ديمقراطية دستورية حرة يمارس فيها سيادته ويتمتع بحرياته العامة في التنظيم السياسي والنقابي والاجتماعي.

    "ويرى المجتمعون، تحقيقا لذلك ، ضرورة الاسراع باجراء انتخابات حيادية حرة، وان يقتصر التشريع خلال الفترة الانتقالية على ما تقتضيه هذه الفترة لتسيير الامور. وان الشعب العربي في سوريا الذي دفعت عنه ثورة الجيش القومية التسلط والطغيان، يمد يده الى الشعب العربي الشقيق في مصر الرأسف في الاغلال ليتخلص من الحكم الديكتاتوري الذي أوجد التفرقة بين مصر وسوريا حتى يلتقي الشعب العربي في القطرين وفي كل قطر عربي على صعيد العمل المجدي وبلوغ الوحدة العربية المنشودة.

    "ويدعو الشعب العربي في سوريا الأمة العربية في جميع اقطارها الى ان تتبين موقفه وان تدرك اهدافه القومية السليمة في اقامة حكم دستوري ديمقوراطي صحيح يكفل للشعب سيادته وممارسة حرياته ويحقق الديمقراطية السياسية والاجتماعية والاشتراكية الصحيحة والوحدة العربية الشاملة.

    دمشق في 2-10-1961 التواقيع حسب الحروف الابجدية: أحمد قنبر، احمد الشراباتي، اسعد هارون، اكرم الحوراني، بشير العظمة، حامد الخوجا، حسن مراد، خالد العظم، رشاد جبري، سهيل خوري، صبري العسلي، صلاح البيطار، فؤاد قدري، محمد العايش، نجيب الأرمنازي ، هاني السباعي.

    عندما تلي البيان وافق عليه جميع المجتمعين، ولكنني انفردت بالاعتراض على عبارة فيه تنعت حركة النحلاوي بالثورة المباركة، ودار جدل حول هذا الموضوع، وأصر المجتمعون على هذا الوصف، والحقيقة انني اتخذت من هذه العبارة حجة للتخلص من التوقيع على البيان، فخرجت من الاجتماع مسرعا وتجاوزت حديقة المنزل حيث رايت منصور الأطرش وخالد الحكيم على رصيف الشارع فتبعني عدد من المجتمعين حيث حملوني حملا الى قاعة الاجتماع، وانني لأعترف بأن الضعف امام ضغط المجتمعين قد اعتراني، ولكن ذلك لا يبرر توقيعي على هذا البيان، لا لأنني لم أكن موافقا على فحواه، بل لأن هذا الاجتماع قد حضره بعض الأشخاص الذين اعتبرهم في خط آخر غير الخط الوطني الذي كنت فيه أسير.

    لقد طلب صلاح البيطار أن يوقع معنا خليل الكلاس ورياض المالكي ومنصور الأطرش ولكنني قلت له:

    "لا موجب لتوقيع هؤلاء الاخوان ولنتحمل انا وأنت وحدنا مسؤولية التوقيع على هذا البيان".

    وفي اعتقادي ان منصور الأطرش كان رسول عبد الكريم زهر الدين الى صلاح البيطار لاقناعه بضرورة حضور ممثلي البعث هذا الاجتماع.

    أما إصرار صلاح البيطار في هذا الاجتماع على عودة المجلس النيابي السوري الذي انتخب عام 1954 فكان قياسا على ما جرى سابقا عندما عاد مجلس النواب المنتخب عام 1949 ليمارس مهمته التشريعية موقتا بعد القضاء على ديكتاتورية أديب الشيشكلي، باعتبار أن حكم الشيشكلي الديكتاتوري لم يكن حكما شرعيا، مع أن الامرين مختلفان شكلا وموضوعا، ولا شك أن صلاح البيطار كان يعتقد أن عودة هذا المجلس الذي كان نائبا فيه مما يساعد على النجاح في الانتخابات المزمع إجراؤها.

    يقول خالد العظم في مذكراته :

    "إن صلاح البيطار قد رشح نفسه في معركة الانتخابات النيابية في دمشق وطلب مني العون على انجاحه (في انتخابات 1961) كما فعلت في انتخابات عام 1954، واشترك في الاستفتاء الذي رافق تلك الانتخابات، فوافق على الدستور الموقت المعروض على الاستفتاء، مع أنه يكرس تأسيس الجمهورية العربية السورية أي فصل سورية عن مصر، ولكن صلاح البيطار هو نفسه يحاسبنا (بعد انقلاب الثامن من آذار 1963) على اننا عملنا للانفصال وكان يريد احالتنا الى المحاكمة والحكم علينا بتهمة الخيانة العظمى" (ص 203 الجزء الأول). ومما تجدر الاشارة اليه بأنني كنت وراء نجاح صلاح البيطار في المجلس النيابي عام 1954 ، لا خالد العظم وذلك معروف عند الجميع، ولم يكن لتفاهمنا مع خالد العظم أهمية ملموسة على نجاح البيطار في تلك الانتخابات التي لم ينجح بها الا بشق الانفس. لأن صلاح البيطار لم يكن محبوبا، ولم يكن مقبولا حتى من بعض اقربائه. وانني زرت شخصيا الشيخ بهجت البيطار وأقنعته بمساعدة صلاح.



    كان وزير الاعلام مصطفى البارودي على اتصال مستمر بالمجتمعين في بيت الشراباتي مستعجلا صدور البيان لأن حكومة الكزبري كانت في وجل تحت وطأة اعلام عبد الناصر الذي بدأ يشن حملة شديدة مركزة على الوضع الجديد في سورية، ولا شك ان عبد الناصر قد فوجيء بصدور هذا البيان، لأنه كان مخدوعا بتقارير أجهزة المخابرات، التي كانت تصور له ان كل ما يقوم به ويعمله انما يقابل بالتأييد من الشعب السوري، وأن لا خصوم له في سورية إلا قادة حزب البعث، لذلك أصدر على الفور تكذيبا له، وادعت اذاعته انه بيان مزور. فنشرت حكومة الكزبري في الصحف صورة لنص البيان مكتوبا بخط صلاح البيطار.

    بعد صدور هذا البيان من دمشق صدر في 3 تشرين أول 1961 بيان آخر وقعه ايضا بعض النواب والسياسيين في حلب وفي مقدمتهم رشدي الكيخيا، وقد اتخذ الحضور في نهاية الاجتماع قرارا "بتأييد انتفاضة الجيش والعهد الذي نشا عنها معربين عن ثقتهم بأن القادة والمسؤولين سيعملون جاهدين لتحقيق الوحدة العربية في مختلف اقطار العروبة مع استعجال الحياة النيابية".

    ووقع هذا البيان النواب والسياسيون التالية اسماؤهم :

    رشدي الكيخيا - ناظم القدسي - عبد الرحمن كيالي - اسعد كوراني محمد سعيد الزعيم - فتح الله اسيون - علاء الدين الجابري - منير غنام - هنري هندية وجيه الحلاج - احمد ابو صالح - عبد الفتاح الزلط. (صحيفة الحياة اللبنانية 4/10/1960).

    ومن قيادة حزب البعث في لبنان صدر بيان يحمل جمال عبد الناصر مسؤولية الانفصال وكان ميشيل عفلق متفقا معها في ذلك، وقد قال لنا بعض أفراد هذه القيادة "إن عفلق كان متوجسا من صدور هذا البيان، وكان يفكر بالانتقال الى المنطقة الشرقية من بيروت، خوفا من اغتياله من قبل المخابرات المصرية القوية في لبنان" ومن المعروف ان ميشيل عفلق كان يعيش شبه متخف في تلك الفترة في لبنان، حيث هرب اليه بعد تورطه في قضية الضابط عويس الى ورد ذكرها سابقا وبالتفصيل.

    البيانات تتوالى من القيادات الوطنية والسياسية تعلن تأييدها لحركة 28 أيلول 1961.

    توالت البيانات في سورية معلنة تأييدها للانفصال من قبل جميع القيادات الوطنية والسياسية، ومن قبل بعض وزراء جمال عبد الناصر ونائبه نور الدين كحالة، ومن عدد من النواب الذين عينهم جمال عبد الناصر أعضاء في مجلس الأمة. ولأهمية بيان سلطان باشا الأطرش الذي بثته اذاعة دمشق فاننا نثبت هنا معظم فقراته وقد نشرته معظم الصحف السورية واللبنانية بتاريخ 15/10/1960 :

    "أذاعت محطة دمشق تسجيل حديث لسلطان باشا الأطرش أكد فيه انه لم يرسل برقية لأحد وكانت إذاعة صوت العرب قد أذاعت انه أرسل برقية لكمال جنبلاط. وقد قال سلطان باشا الأطرش:

    إن ما أذاعته صوت العرب على لسانه كان لغاية، وان البرقية التي طيرها هي للجيش وللحكومة بتأييد الحركة الثورية. لأن الوحدة التي تمت بين سورية ومصر في تلك الجلسة المعلومة التي عقدها المجلس السوري، كانت قائمة على شيء ثم ظهر شيء آخر، وأضاف :

    ولما اطلعنا على أغراض اصحاب المقاصد وغاياتهم ولم نكن في البداية مطلعين عليها نبذنا الشيء ولم نرد أن نسكت عليه، وقال :

    شو بدك من الانسان أكثر من أن يعرض نفسه للخطر؟ الاشخاص الذين حكموا مع المشير قالوا له نحن في قبضة يدك، ولكن عدل لنا الأمور والأحوال ونحن على عهدنا وعلى ما اتفقنا عليه، وعلى مبدأ الوحدة، ولكنه رفض، شو بدك اكثر من هيك؟

    ثم الرئيس القوتلي، رجل الوطنية، راح بذاته الى الرئيس عبد الناصر وقال له:

    إن الوضع ما بيسوى ولازم تعديله، وأنا ذاهب الآن فأجابه :

    هذا مش شغلك، اذهب أنت إلى المنفى فسأله القوتلي:

    إذن أنا منفي؟ فأجابه : اذهب الى المنفى.

    كانت البيانات شكل والذي يعملونه شكل آخر. قلنا مش هذا ما اتفقنا عليه، لذلك نؤيد الانقلاب، ونؤيد الحكومة الحاضرة، وكل انسان يشيع اشاعات لا يؤثر فينا، قالوا اني أبرقت لكمال جنبلاط في لبنان، ولكني لم ابرق اليه ولا علاقة بيننا وبينه قطعيا. هذا ما بدنا نحكيه وما في أكثر من هيك. وقال سلطان باشا :

    لقد حاربنا الامبراطورية الثانية في العالم وهي فرنسا حين كانت أقوى دولة برية، وقاتلنا في سبيل الوحدة العربية 44 سنة، وعلى الملوك والرؤساء العرب أن يتحدوا ويحققوا الوحدة العربية الشاملة لأن لا حياة لهم بدونها، وسيظلون متأخرين ما داموا متفرقين يفكر كل منهم بمسألة ، هذه نصيحتي لهم، وقد ضحينا في سبيل الوحدة وما نزال نضحي لها اننا نسعى بكل جهدنا للوحدة العربية الشاملة، وصار لنا 44 سنة نشتغل للوحدة وما نزال نشتغل لها. ولا يعني اذا وقع خلاف بيننا وبين مصر أن نترك الوحدة العربية ..

    وبتاريخ 7/10/61 نشرت جريدة الحياة ما يلي :

    بيان لفارس الخوري من المستشفى اذيع من إذاعة دمشق بتاريخ 6/10/61 جاء فيه :

    "استمعت مرات ومرات الى خطب عبد الناصر وأنا هنا على فراشي في هذا المستشفى (مستشفى السادات قرب قصر الضيافة في دمشق الذي كان يخطب من شرفته عبد الناصر) وقد هممت أكثر من مرة بأن أنهض لأرد عليه. وفي إحدى المرات قمت من فراشي لأخطب ولكن أحد المصريين وكان في المستشفى طلب إلي أن أصرف النظر عن ذلك، وكان جادا في كلامه، وكنت جادا في تنفيذ هذه الرغبة ، فقلت له :

    ألست حرا في أن أخطب ؟ لن يستطيع أحد أن يمنعني عن ذلك، فقال :

    أنا هنا للمراقبة وأمنعك من الاتيان بأي حركة لالقاء خطاب. فهل رأيتم مثل هذه الحال؟ يقف موظف نكرة ليمنع فارس الخوري من الكلام والتعبير عن رأيه، فأين هي الحرية؟ وهل بلغت الأمور حدا أن يسكتوا شخصا مثلي؟

    من مذكرات أكرم الحوراني
    المصدر
    موقع جبلة كوم
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    البلاغ الأول للانفصال
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات ..أدبية وثقافية :: قضايا ومقالات عامة-
    انتقل الى: