بريئة تجمع الطفلة الفلسطينية يافا مع الطفل السوري فارس ويوحّد قلبيهما ما يتقاسمانه مع الرفاق من سكاكر بطعم الليمون... هذه الحكاية الشفافة تفتح الباب على حكايات أخرى أبرزها حكاية عائلة الطفلة يافا كجزء من سفر اللجوء الفلسطيني. أنشودة بصرية ترافق قصيدة «أنشودة المطر» للشاعر العراقي بدر شاكر السياب في الفيلم التلفزيوني «طعم الليمون» الذي افتتحت عروضه الأولى في صالة سينما كندي دمر في دمشق.
يروي فيلم «طعم الليمون» فضلاً عن «الحكاية الفلسطينية» حكايات أخرى عن أناس بسطاء أبعدتهم الظروف السياسية عن أوطانهم ليجمعهم بيت واحد في حي دمشقي. ونجد في الفيلم عائلة فلسطينية تسكن في جوار عائلة عراقية وأخرى لبنانية ورابعة من الجولان، إلى آخرين من مناطق متفرقة في سورية... ويرد خبر قدوم النجمة الأميركية أنجلينا جولي وصديقها النجم الهوليودي براد بيت إلى العاصمة السورية لزيارة اللاجئين العراقيين فيتحضّر سكان البيت لاستقبالها.
الفيلم الذي أخرجه نضال سيجري عن فكرة للمخرج حاتم علي وسيناريو لرافي وهبة يروي حكايات شخصية وعامة. يقول المخرج سيجري، الذي يخوض تجربته الإخراجية الأولى للشاشة بعدما عرفه الجمهور كمخرج مسرحي، إن توجهه إلى التلفزيون لطالما كان مرتبطاً بنص ملائم ينطوي على حالة ما في داخله كإنسان تلح عليه أن يصوغها ويقولها بصوت عال ويجد لها الوقت الكافي والشكل اللائق لتقديمها، مضيفاً أن الإخراج التلفزيوني مثل الإخراج المسرحي بالنسبة إليه تلبية لهواجس لا تهدأ في البال بل تلح للبحث عن أفق جديد في مجال العمل الفني، وما هو إلا تنويع على مقام العشق والشغف.
وأوضح سيجري أنه لن يتردد في تكرار هذه التجربة إذا توافر نص ملائم يحمل أفكاراً جديدة أو يتيح له تقديم جديد، معتبراً «طعم الليمون» حصيلة جهد جماعي، فالعمل الفني جماعي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والحالة الجماعية اختبرها كثيراً في المسرح فكانت النتائج في معظم الأحيان مرضية، فالكل لا يتجزأ لذا نقل هذه التعاون إلى التلفزيون، والجميع مهمون في مواقعهم وشركاء في النتيجة من فنيين وفنانين وإنتاج وخدمات.
حول تعاونه الفني مع الليث حجو يقول صاحب شخصية أسعد الخرشوف إن هذا التعاون الإبداعي أخذ شكل الاستشارة في جميع تفاصيل الإخراج للوصول إلى النتيجة الأفضل، متمنياً أن يلقى الفيلم رضا جمهوره من دون أن يخفي قلقه الناتج من حرصه على أن يكون على قدر محبة الجمهور له، معللاً هذا القلق بأنه طبيعي ومرده الحرص على الخروج بنتيجة تحترم تفكير المشاهد، لذا يقف على كل تفاصيل الفيلم ولا يترك أياً منها للمصادفة ومن غير ادعاء المعرفة بل بابحثاً ومختبراً ومتعلماً.
حول أسلوب تناول زيارة النجمة الأميركية أنجلينا جولي، يوضح نضال أن الفيلم يلقي الضوء على زيارة جولي وبراد بيت إلى دمشق عام 2009 لتفقد أحوال اللاجئين العراقيين، من دون أن تكون زيارتها حكاية الفيلم بل المدخل والإطار لرواية الحكاية. فحكاية الفيلم هي حكاية حب بطعم الليمون، تعالج من خلالها القضايا العربية الكبرى وأحلام الناس البسطاء حين تمسي أحلامهم الصغيرة قضايا كبرى فنتأثر بالوجع وهواجس الناس وآمالهم تاركين ابتسامات جولي وبيت لأضواء تستأثر بابتساماتهما وتنسى الوجع الحقيقي في الصورة حولهما.
ديانا جبور، المدير العام لمؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني، تقول إن سؤالا مشتركا يؤرق معظم المبدعين في العالم هو كيف نمارس وفي آن واحد دوراً توعوياً وفنياً رفيعاً؟ وكيف نخرج من صلب حدث متأجج من دون أن تحرقنا نيرانه أو يحجب دخانه رؤيتنا؟ فلا يجوز أن نبقى صامتين إزاء حدث معاصر لأننا واثقون أنه مصيري وسيتحول إلى منعطف تاريخي إذ ليس فنا ذاك الذي يتحول إلى نشرة أخبار أو بيان سياسي فالفن الذي يتبرأ من السياسة هو على الأغلب فن يمارس دوراً سياسياً مريباً.
وترى جبور أن هذه المعضلة يحلها فن صادق رؤيوي لا يستسلم للحلول الجذابة والسهلة، كما في التجربة مع فريق عمل «طعم الليمون» خاصة العلاقة مع نضال سيجري وشريكه رافي وهبة، موضحة أن «إرادة مشتركة غامضة وربما نورانية جعلتنا نترك التجليات الأولى ونبحث عن شيء آخر فكان «طعم الليمون» عن آمال على اتساع ذراعين مفتوحتين لحياة وردية يتشوق إليها نازحون سوريون ولاجئون فلسطينيون ومهجرون عراقيون، آمال اعتقدوا أن زيارة أنجلينا كسفيرة للنوايا الحسنة ستوزعها عليهم ثمارا يانعة، لكن السيدة جولي لم تترك بعد الصور التذكارية إلا حموضة الليمون وشحوبه».
يفضح «طعم الليمون» أخلاق الشفقة الزائفة التي يروجها الغرب عبر سفراء «إنسانيته» إلى العالم من خلال رؤية شفافة ولافتة في تناول الهموم العربية، مقدماً خطابه الفني كرسالة لا ترد على البروتوكولات والتشريفات الوهمية ليافطة حقوق الإنسان التي عراها الفيلم بمرور النجمة الأميركية على مخيمات مليون ونصف مليون لاجئ عراقي بسبب الحرب الأميركية على بلاد الرافدين.
يقترح «طعم الليمون» كذلك حلولاً بصرية عالية المستوى، راصداً عذابات النازحين واللاجئين الفلسطينيين في سورية جنباً إلى جنب مع آلام اللاجئين العراقيين عبر توحيد الهمّ العربي لاستعادة الحقوق المسلوبة، ويرفع الصوت عالياً بمشاهد بالغة التأثير في وجه الدجل العالمي الذي تمارسه هيئات دولية كبرى للتغطية على جرائم استعمارية حديثة لم تترك في قلب الإنسان العربي على امتداد أرضه سوى الخيبة والخذلان كلّما طرح الغرب مشاريعه الجهنمية على مائدة المتاجرة بالأرض والحقوق العربية المسلوبة وتحت ذريعة الغيرة على حقوق الإنسان، في حين أنه لا يبغي من هذا المشهد الاستعراض الإنساني إلاّ وضع الورود على ضحاياه بابتساماته الصفراء المعهودة أمام كاميرات العالم المتحضر.
الممثلون في «طعم الليمون»: من سورية أمل عرفة، حسن عويتي، عبد الرحمن أبو القاسم، جمال العلي، خالد القيش، محمد حداقي، إيمان جابر، هاشم غزال، الفرذدق ديوب، سيف الدين سبيعي، ومن العراق جواد الشكرجي ونادرة عمران، ومن الأردن الطفلان لاريم شنار ومحمد شنار. إشراف ديانا جبور، التعاون الفني الليث حجو، مخرج منفذ فراس ابراهيم، مدير الإضاءة والتصوير عبد الناصر شحادة، الموسيقى التصويرية طاهر مامللي، تصوير خليل سلوم، إضاءة رافد الناصر، صوت عبود زيادة، ماكياج ردينة ثابت السويداني، ملابس هنادة صباغ، مونتاج حسام قاسم الرنتيسي، ميكساج خالد محسن، ديكور داوود حسن، مدير الإنتاج، فراس حربة.
سامر اسماعيل
دمشق