أحمد زكي بن محمد مصطفى أبو شادي
(1892 ـ 1955)
شاعر رومانسي وجداني، طبيب جراثيمي، أديب، نحال، ولد في القاهرة، وكان أبوه نقيباً للمحامين وأحد كبار أعضاء حزب الوفد البارزين، ونشأ هو وطنيّاً مشاركاً في الحركة الوطنية مؤيداً الزعيم مصطفى كامل، وتعرف في مجالس أبيه على أشهر شعراء عصره: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، وكان شديد التأثّر بخليل مطران بشكل خاصّ، درس الطب في مصر، والتخصّص في بريطانيا سنة 1913، حيث أتقن اللغة الانجليزية واطلع على آدابها، اتجه إلى شعر الوجدان والطبيعة، ونظم على نمط القصيدة التقليديّة، وعلى نظام المقاطع المتغيّرة القوافي، جدّد في الشكل والصياغة، وقام بدور إيجابي في الدعوة إلى الشعر الوجداني الرومانسي عندما شارك في (جماعة أبوللو) ومجلتها المعروفة بهذا الإسم، وعمل في وزارة الصحة بمصر متنقلاً بين مختبراتها، ثمّ عيّن وكيلاً لكلية الطب بجامعة القاهرة، وكان هواه موزعاً بين أغراض مختلفة لا تلاؤم بينها، الطب والشعر وتربية النحل، لكنّه برع في الشعر واشتهر به، وأصدر عدداً من الدواوين منها: (الانسان الجديد) و(إيزيس) و(النيروز الحر) و(من أناشيد الحياة) خلال إقامته في نيويورك بين عامي (1946 ـ 1955) وله (الشفق الباكي)، و(أطياف الربيع)، و(أنين ورنين)، و(أنداء الفجر)، و(أغاني أبي شادي)، و(مصريات)، و(شعر الوجدان)، و(أشعة وظلال)، و(فوق العباب)، و(الينبوع)، و(الشعلة)، و(الكائن الثاني)، و(عودة الراعي)، وآخرها (من السماء)، ونظم قصصاً تمثيلية، منها (الآلهة) و(أردشير) و(إحسان) و(عبده بك) و(الزباء ملكة تدمر) وأنشأ بالقاهرة مجلتين شعريّتين نشر فيهما قصائده، الأولى: (أدبي) والثانية: (أبولو) 1932 ، وأراد أن يكون نحالاً ومربياً للدجاج، فألف جماعة علمية سماها (جماعة النحالة) وأصدر لها مجلة (مملكة النحل) وصنف (مملكة العذارى، في النحل وتربيته)، و(أوليات النحالة) كما أنشأ مجلة (الدجاج) وصنف (مملكة الدجاج) وأصدر مجلة (الصناعات الزراعية) وانصرف إلى ناحية أخرى، فترجم بعض الكتب عن الإنكليزية، وصنف كتاب (الطبيب والمعمل) في مجلد ضخم، و(قطرة من يراع في الأدب والاجتماع) جزآن، وهو باكورة مصنفاته، و(شعراء العرب المعاصرون)، و(دراسات في الأدب المهجري)، وضاقت به مصر، فهاجر إلى نيويورك سنة 1946 وكتب في بعض صحفها العربية، وعمل في التجارة وفي الإذاعة من (صوت أميركا)، وألف في نيويورك جماعة أدبية سماها (رابطة منيرفا) وقام بتدريس العربية في معهد آسيا (بنيويورك)، وتوفي فجأة في 12/4/1955 بواشنطن.
(1) أدبنا وأدباؤنا في المهاجر الأمريكيّة ص 314 جورج صيدح. (2) الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر ص 205 عبد القادر القط. (3) معجم المؤلّفين ج 1 ص 226 عمر رضا كحالة. (4) الأعلام م 1 ص 127 خير الدين الزركلي.
وقد اخترنا قصيدة المناجاة كنموذج من شعره
مناجاة
طرفتْ، فلما اغرورقتْ iiعيني وصَحَتْ صحوتُ للوعة iiالبيْنِ
خمسٌ من السنوات قد iiذهبتْ بـأعـزِّ مـا سميتُه ii«وطني»
مـا زالـتِ «الأفراحُ» iiتنهبهُ وهْي «المآتمُ» في رؤى iiالفَطِن
«أفـراحُ» ساداتٍ له iiنُجُبٍ مـن كـل صُـعلوكٍ iiومُمتنِّ
طـالـتْ أياديهم، وإذ iiلمسوا أعلى الذُّرا سقطوا عن iiالقُنَن
يـا ليتهم سقطوا وما تركوا زُمَـراً تُـتـابـعهم بلا iiأَيْن
تـركوا الوصوليّين، صاعِدُهُمْ صِـنْـوٌ لهابطهم، أخو iiضَغَن
وكـأنَّـهـم أكـوازُ iiساقيةٍ دوَّارةٍ بـالـشـرّ iiلـلفَطِن
لا شـيءَ يشغلهم iiويسعدهم إلا الأذى فـي الـسرِّ والعلن
عـبـثوا بنا وبكلِّ ما ورثتْ (مصرُ) العزيزةُ من غِنى الزَّمن!
* * * *
هـذا الربيعُ السمحُ، iiواكفُهُ دمعي.. ودمعُ البؤسِ في iiوطني
خـلَّـفتُهُ أَسْوانَ.. قد iiسلبوا قـهـراً وشـائجَ نفعِهِ iiمنّي
خَـلَّـفـتُه لا شيءَ iiيشغلني إلاهُ، وهْـو بـشـغله iiعنِّي!
وتـركتُه الأغلى الذي iiفُتنتْ روحـي به، وأشاح عن iiفنِّي
يـا لـلـربيع مُمازحاً فَرِحاً ولـئـن بكى، ومُشنِّفاً iiأُذني!
أُصـغـي إليه ولا أُحسُّ iiبهِ وهـواه فـي قلبي وفي عيني
يـجـري ويـقفز في مداعبةٍ نـشـوانَ مـن فَنَنٍ إلى iiفنن
والـشمسُ قد تركتْ غلائلَها نَـهـبـاً لديه، فلجَّ في الفِتَن
وبـدتْ عرائسُهُ وقد iiوُلدتْ فـي الـفجر راقصةً iiتُغازلني
عَـرِيـتْ، وكلُّ كيانها iiعَبَقٌ ورؤى وأطـيـافٌ من iiاللَّوْن
يـا لُـطـفَها في ما iiتُبادلني بِـمـنوَّعٍ من سحرها الفنِّي!
وأنـا كـأنّـي لم أخصَّ iiبِها شِـعري، ولم يزخر بها iiزمني
وكـأنّـمـا غفرتْ iiمُجانبتي ورأتْ أسـايَ أجلَّ من iiدَيْني!
مـن ذا يُحسُّ شعورَ iiمُغتربٍ غـيـرُ الـربيع بدمعهِ iiالهَتِن
غـيـرُ (الطبيعة) وهيَ iiحانيةٌ تـسعى وتمنحنا الذي iiتجني؟
هـيَ بي ولَوْعة مهجتي أدرى وبـكـلِّ مـا ألقاه من iiمحن
ولـئن تكن عصفتْ iiفغَضْبَتُها شِـبـهُ العتاب يُساقُ iiللوَسِن
إنْ حـال دون لقائها مرضي وغـدا الفِراشُ مُحاصِراً iiذهني
فـبـكـلِّ جارحةٍ لها شغفي وبـهـا أظـلُّ مُناجياً وطني!