من منافع الزواج:
للزواج منافع وآثار دينية ودنيوية عدة، منها:
1 - أن الله قد امتن بالزواج على عباده فقال:]ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم ومودة ورحمة[: وكما جعل الزوجة سكناً فقد جعلها لباساً، قال تعالى: ]هن لباس لكم وأنتم لباس لهن[، وجعلها حرثاً فقال :]نساؤكم حرث لكم[.
2 - أن الزواج من سنن المرسلين فقد ذكر الله تبارك وتعالى ذلك عنهم فقال :]ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم وجعلنا لهم أزواجاً وذرية[ .
وذكر الله تبارك وتعالى عن نبيه موسى أنه بقي سنين يرعى الغنم مهراً للزواج.
وذكر r عن سليمان عليه السلام أنه كان له نساء عدة؛ فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي r قال:" قال سليمان بن داود لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: -أي الملك- إن شاء الله، فلم يقل، ولم تحمل شيئا إلا واحدا ساقطا أحد شقيه" فقال النبي r :"لو قالها لجاهدوا في سبيل الله" متفق عليه.
وحين جاء طائفة من أصحاب النبي r وسألوا عن عبادته، فاعتقدوا أن لهم شأنا ليس كشأنهم، فمنهم من اعتزل الناس، أخبر r أن الزواج من سنته وهديه، ففي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه -أن نفرا من أصحاب النبي r سألوا أزواج النبي r عن عمله في السر فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه فقال:"ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
فإذا كان المرسلون قد جعل الله تعالى لهم أزواجاً، وكان الزواج من سنتهم، وهم أعبد الناس وأعلم الناس، وأكثر الناس شغلاً، فلا مناص ولا مجال لأحد بعد ذلك أن يعتذر عن الزواج إلا أن يكون قد خالف سنة المرسلين، أو يكون فيه ما يمنعه من النكاح.
3 - أن الله قد أمر الأولياء -وهو أمر للمجتمع – بتزويج الأيامى، وهم من لاأزواج لهم من الرجال والنساء –ما سبق بيانه-]وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم[.
4 - لقد أمر النبي r أمراً عامًّا لأمته يخاطب فيه كل شاب على مدى عمر هذه الأمة الزمني " يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليع بالصوم فإنه له وجاء " والخطاب الذي للرجال تدخل فيه النساء.
5 - الزواج فيه تحصيل لخير متاع الدنيا؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " . رواه مسلم . وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة، قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لاتبغيه حوباً في نفسها وماله " .
6- الزواج فيه إكمال لشطر الدين؛ فقد روى الحاكم عن أنس رضي الله عنه أن النبي r قال : " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي " وفي رواية للبيهقي " إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتق الله في النصف الباقي " .
وإنما كان الزواج نصف الدين لأن النبي r قال في الحديث الآخر:"من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة" رواه البخاري من حديث سهل بن سعد، فإذا تزوج أعف مابين رجليه.
7 - وكما أنه صلى الله عليه وسلم قد أمر بالزواج وحث عليه، فقد نهى عن التبتل والانقطاع فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: رد رسول الله r على عثمان بن مضعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا .
8- نهى صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في التعبد على حساب حق الأهل والزوجة، فقال لعبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما – "يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فقلت –عبدالله بن عمرو- بلى يا رسول الله، قال:"فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا…." فدل ذلك على أن الزواج أفضل من التفرغ للعبادة، فكيف بغيرها.
9 - أن النكاح سبب لعون الله وتوفيقه؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة حق على الله عونهم : المكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
10 - أن ذلك سبب لزيادة عدد الأمم، ومكاثرة النبي صلى الله عليه وسلم . فقد قال صلى الله عليه وسلم : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم " رواه أبو داود والنسائي.
11 – الزواج له أثر صحي فقد أجرى عالمان نفسيان في جامعة شيكاغو إحصاءات دقيقة عن حالات من الجنون التي قاما بفحصها بين من يعالجونهم فوجدا أن بين كل مئة مجنون ومجنونة 83 مريضاً من العزاب و17 من المتزوجين والمتزوجات . كما أن معدل الإجرام أكثر عند العزاب منه عند المتزوجين . حيث بلغ في إحدى الإحصائيات 38 مجرماً أعزب مقابل 17 متزوجاً .
12- ومن أهم مقاصد النكاح وفوائده تحصين النفس، وحمايتها من الوقوع في الفاحشة، وهو ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج .. " وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ماتركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " . ويتأكد ذلك في العصر الحاضر الذي انتشرت فيه فتنة النساء وعمت بلاد المسلمين.
13 - الزواج يتيسر فيه للرجل والمرأة أنواع من العبادة والقرب لاتتيسر في غيره من حسن العشرة، والصحبة بالمعروف، وقضاء حق العيال والرحمة بهم، والانشغال بمصالحهم كل ذلك قربة إلى الله عز وجل . بل إن اللقاء بينهما وتحصيل الشهوة أمر يثابان عليه، ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " وفي بضع أحدكم صدقة " ،قالوا : يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " .
السلف والزواج:
ولإدراك السلف رضوان الله عليهم لسنة النبي r واعتنائهم بها، فكان مما أثر عنهم الاعتناء بالزواج والحث عليه، وهذه طائفة من أقوالهم وأخبارهم تدل على ذلك:
روى البخاري عن سعيد بن جبير قال : قال لي ابن عباس : هل تزوجت ؟ قلت لا . قال: فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً . وفي رواية لأحمد بن منيع وذلك قبل أن يخرج وجهي - أي يلتحي .
روى ابن أبي شيبة عن شداد بن أوس رضي الله عنه - وكان قد ذهب بصره – قال: زوجوني فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن لا ألقى الله عزباً .
وروى عن معاذ أنه قال في مرضه الذي مات فيه: زوجوني إني أكره أن ألقى الله عزباً .
وروى عن ميسرة أنه قال : قال لي طاوس : لتنكحن أو لأقولن لك ماقال عمر لأبي الزوائر : مايمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور .
وروى عن طاووس أنه قال: لايتم نسك الشاب حتى يتزوج.
وروى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال :لو لم أعش أو لم أكن في الدنيا إلا عشراً لأحببت أن يكون عندي فيهن امرأة .
وقال المروزي قال الإمام أبو عبدالله - يعني أحمد بن حنبل -: ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أربع عشرة، ومات عن تسع، ولو تزوج بشر ابن حارث لتم أمره، ولو ترك الناس النكاح لم يكن غزو، ولا حج ولا كذا، ولاكذا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح وما عنده شيء ومات عن تسع، وكان يختار النكاح ويحث عليه، ونهى عن التبتل، فمن رغب عن سنة النبي صلى الله عليه فهو على غير الحق، ويعقوب في حزنه قد تزوج وولد له، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : " حبب إلي النساء " قلت له - المروزي - فإن إبراهيم بن أدهم يحكى عنه أنه قال : " لروعة صاحب العيال .." فما قدرت أن أتم الحديث حتى صاح بي وقال : وقعت في بنيات الطريق : انظر ماكان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم قال : بكاء الصبي بين يدي أبيه يطلب منه الخبز أفضل من كذا وكذا، أين يلحق المتعبد العزب؟
ونقل ابن قدامة عن الإمام أحمد أيضا أنه قال :" من دعاك إلى غير التزويج فقد دعاك إلى غير الإسلام " .
وتزوج الإمام أحمد في اليوم الثاني لوفاة أم ولده عبدالله .
وكان يعقوب يدخل على المهدي ليلا ويرفع إليه النصائح في الأمور الحسنة الجميلة من أمر الثغور، وتقوية الغزاة، وتزويج العزاب .
وقال عبدالمؤمن المغربي : " ورجل بلا بعل كرِجْل بلا نعل ، والعزوبة مفتاح الزنى والنكاح ملواح الغنى، ومن نكح فقد صفد بعض شياطينه، ومن تزوج فقد حصن نصف دينه، ألا فاتقوا الله في النصف الثاني، فإن خراب الدين بشهوتين : شهوة البطن وهي الصغرى، وشهوة الفرج وهي الكبرى، فاعمر الركعتين وأحكم الحصنين .
الفقهاء والزواج :
يتحدث الفقهاء في مبدأ كتاب النكاح عن حكم الزواج وأهميته فلنورد مايسمح به المقام من أقوالهم في ذلك :-
وقد أعقب الأحناف باب العبادات بالنكاح . وعلل ذلك الكمال ابن الهمام في شرح فتح القدير فقال : " وهو أقرب إلى العبادات حتى أن الاشتغال به أفضل من التخلي لمحض العبادة على مانبين إن شاء الله تعالى فلذا أولاه العبادات ... ثم ذكر حكمه واختلافهم فيه، ورجح تفضيله على التخلي للعبادة وقال :" وبالجملة فالأفضلية في الاتباع لافيما يخيل للنفس أنه أفضل نظراً إلى ظاهر عبادة وتوجه، ولم يكن الله عز وجل يرضى لأشرف أنبيائه إلا بأشرف الأحوال، وكان حاله إلى الوفاة النكاح، فيستحيل أن يقرره على ترك الأفضل مدة حياته "... ومن تأمل مايشتمل عليه النكاح من تهذيب الأخلاق، وتوسعة الباطن بالتحمل في معاشرة أبناء النوع، وتربية الولد، والقيام بمصالح المسلم العاجز عن القيام بها، والنفقة على الأقارب والمستضعفين، وإعفاف الحرم ونفسه، ودفع الفتنة عنه وعنهن ودفع التقتير عنهن ... لم يكد يقف عن الجزم بأنه أفضل من التخلي " .
وقال ابن رشد :- فأما النكاح فإنه في الجملة مرغب فيه ومندوب إليه . .. وأما من احتاج إلى النكاح ولم يقدر على الصبر دون النساء، ولاكان عنده مايتسرى به وخشي على نفسه العنت إن لم يتزوج، فالنكاح عليه واجب .
وقال الكاساني : لاخلاف أن النكاح فرض في حالة التوقان، حتى أن من تاقت نفسه إلى النساء بحيث لايمكنه الصبر عنهن وهو قادر على المهر والنفقة ولم يتزوج يأثم .
قال ابن قدامة الحنبلي في المغني :" والناس في النكاح على ثلاثة أضرب ؛ منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء، لأنه يلزمه إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وطريقه النكاح . الثاني من يستحب له، وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور فهذا الاشتغال له به أولى من التخلي لنوافل العبادة . وهو قول أصحاب الرأي . وهو ظاهر قول الصحابة رضي الله عنهم، وفعلهم … وساق بعض الآثار التي أوردنا طرفاً منها ".
قال القرطبي :" المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة لايختلف في وجوب التزويج عليه " .