حلب الشهباء ... حكايا وآثار وصور

مختارات المشاركات : 1292 . :

حلب الشهباء شكلت عبر التاريخ ولا تزال محطة للالتقاء الحضارات شرقاً وغرباً، فهي واسطة العقد بين حضارتين وهي في منتصف طريق الحرير، ازدهرت وقدمت حضارة إنسانية رائعة ودورها يزداد دائماً ألقاً وبهاءً.

من الكتب الطريفة الجديرة بالمتابعة كتاب «تاريخ حلب المصور» لمؤلفة المحامي علاء نديم السيد الذي يشمل فترة أواخر العهد العثماني.‏
فترة مهمة‏
قدم للكتاب الدكتور بشير الكاتب الرئيسي الفخري للجمعية السورية لتاريخ العلوم بقوله: اختص الأستاذ علاء السيد ببحثه تلك الفترة من العهد العثماني بين أعوام 1880-1918 نظراً لأهميتها في تاريخ حلب.‏
ففي تلك الفترة كانت حلب تعتبر الولاية الثانية في الامبراطورية العثمانية في العاصمة استانبول، والتخلف في الامبراطورية العثمانية لم يكن خاصاً بالبلاد العربية وإنما كان عاماً، والنهضة الحضارية التي ظهرت في أوروبا الغربية لم تكن شاملة لجميع القارة، فالجهل والتخلف كانا مسيطرين على روسيا القيصرية(مثلاً)... إلى أن يقول: وهكذا فإن الأستاذ السيد في كتابه المذكور قد أوضح لنا الكثير من النقاط الغامضة المبهمة التي بقيت في أذهان الكثير من أبناء الجيل العربي السوري الذي ولد وتربى في عهد الانتداب الفرنسي على سورية وما صورته له بعض كتب التاريخ من تشويه أو تحوير للكثير من الحقائق التاريخية.‏
فالدولة العثمانية كما يبدو من الكتاب كانت تمثل امبراطورية كبيرة لها أنظمتها ودواوينها ومجالسها ومحاكمتها ومشاريعها وإنجازاتها.‏
وولاية حلب كان يختار لها دوماً ولاة ذوو مركز عال في الدولة وقد اعتمد اعتماداً كبيراً على مراجع قيمة وكتب مهمة وتطرق إلى تاريخ العائلات، كما أنه أورد رأيه الشخصي وتحقيقه عن بعض الحوادث.‏
كيف بدأت الفكرة؟!‏
أما المؤلف فيقدم لكتابه قائلاً: طالما فتنتي حلب هذه المدينة العريقة التي ساعدتني جولات جمعية العاديات صباح أيام الجمعة على التعرف على حاراتها العتيقة وجوامعها وكنائسها التاريخية ومبانيها الأثرية الخاصة والعامة.‏
بدأت الحكاية عندما حصلت على مجموعة صور نادرة لحلب في مطلع القرن العشرين طبعتها شركة وتار إخوان كانت مخبأة في قبو عتيق لم يفتح منذ عشرات السنين، انتقلت في البداية مع الناشر المهندس هيثم قباني على أن يكون الكتاب عبارة عن صورة وحكاية في حوالي مئتي صفحة، ولكن كلما بحثت في التاريخ المتعلق بالصور ازددت غوصاً في تاريخ كل حي وبناء في المدينة وهكذا كبرت الحكاية وتحول المشروع المتواضع من صورة وحكاية إلى تاريخ مصور للمدينة.‏
يقع الكتاب في 559 صفحة من القطع الكبير ويضم بين دفتيه أربعة أبواب، كل باب يضم أيضاً عدة فصول،‏
الباب الأول لمحة تاريخية، الباب الثاني حلب في عصر السلطان عبد الحميد الثاني، الباب الثالث حلب في العهد الدستوري العثماني، الباب الرابع والأخير حلب خلال الحرب العالمية الأولى.‏
منشآت معمارية‏
في الفصل الثامن من الباب الثاني وتحت عنوان المنشآت المعمارية يقول المؤلف: افتتح في تلك الفترة مكتب الصنائع في باب قنسرين في دار الصابوني أمام جامع الرومي شرقي مسجد الشيخ صفي الدين، كان للجامع ميضأة أمام المئذنة استأجرها الحاج أحمد الصابوني ليحفر موضعها دولاباً للجنينة التابعة لدوره التي أنشأها أمام الجامع، ثم اتصلت هذه الميضأة بالدار التي فيها الجنينة وعمر وراءه من الدور، ثم إن الحاج أحمد الصابوني افتقر وساءت أحواله وبيعت دوره بأبخس الأثمان، واشتهرت بين الناس شؤم هذه الدور لأخذه الميضأة، وإدخالها في ملكه وفي سنة 1901 استأجرت دائرة المعارف دار الصابوني تلك والكائنة أمام جامع منكسلي بغا واتخذتها مكسباً للصناعة لتعليم النجارة والحياكة وصنع الأحذية وفي عام 1900 تم إنشاء حديقة محلة العزيزية المعروفة بالمنشية الصغيرة والمنشية هي إحدى الكلمات الدارجة في حلب وسواها من الحواضر التي كانت خاضعة لحكم الترك (العثمانيين) مثل دمشق والقاهرة وبيروت، وأصل الكلمة من التركية عن الفارسية(منش) أي الطبيعة وتطلق على الحديقة العامة.‏
وهناك جدال بين فريقين من المهتمين بتاريخ المدينة يرى فريق وجود حديقتين اثنتين باسم المنشية في محلة العزيزية أولاهما محيطة بمخفر العزيزية ويعتقد أنها حديقة منشية العزيزية الصغرى.‏
وثانيهما تقع إلى القرب منها وهي حديقة المنشية الكبيرة الشهيرة التي سميت في البداية حديقة مرعي باشا الملاح ويعتقد أنها بنيت فوق مقر العبارة.‏
الحاكي في حلب‏
وكيف وصل الحاكي (الغرامفون) لحلب يقول:1905 جلب إلى حلب التاجر خجا دور شاهين أول حاكم(غرامفون) وكان محل خجا شاهين في شارع حمام التل بالقرب من بحسيتا ويبدو أنه بقي فيه حتى نهاية العشرينيات لأن إعلاناته كانت موجودة في جرائد تلك الفترة وذكر فيها أن محله في حمام التل ثم افتتح محلاً ثانياً في جادة باب الفرج وصار يبيع فيه الساعات إضافة إلى أجهزة الغرامفون.‏
كلمة الغرامفون تعني (الرسالة الصوتية) باللغة اللاتينية كما أطق عليه اسم فونوغراف (يعني التسجيل الصوتي).‏
في البدء كان الصوت يسجل على اسطوانة شمعية توضع على جهاز الغرامفون الذي يستطيع تسجيل الصوت أيضاً على هذه الاسطوانة ولكنها كانت سهلة التلف والكسر ولم تكن أداة عملية، تم استبدالها لاحقاً بالأقراص المصنوعة من الزفت، ولكن بقيت تسمية الاسطوانة تطلق على هذه الأقراص على الرغم من أنها لم تكن اسطوانية.‏
وأول سيارة‏
وعن وصول السيارة إلى حلب وكان ذلك عام 1909 يقول أحضر الخواجة يوسف أندريابن انطوان سيارة عمومية لتشغيلها بنقل الركاب بين حلب واسكندرون فلم تنجح تجربته بالنقل العام بواسطة السيارة، وأول سائق بحلب هو جورج فانزوغيان الملقب الأجوص لأنه كان أحول العينين.‏
شهادات في الكتاب:‏ يقول الدكتور بشير الكاتب: سيكون لهذا الكتاب مكان متميز في المكتبة الحلبية.‏
ويقول جمال باروت: كان تنقيب السيد عملاً شاقاً بكل معنى الكلمة، ولكن هذه المشقة كان فيها المتعة العظمى وهي متعة المعرفة والتاريخ.‏
أما السفير السابق محمد السيد فيقول: هذا الكتاب موثق بالمستندات والصور والمعلومات الدقيقة التي استطاع المؤلف أن يجمعها من أحفاد ذوي العلاقة بكثير من المبادرة والشجاعة.‏
جاء في الوقت المناسب الذي تشهده العلاقات المستجدة العربية التركية.‏
الكتاب: تاريخ حلب المصور أواخر العهد العثماني 1880-1918م - المؤلف: المحامي علاء نديم السيد - الناشر: شعاع للنشر والعلوم‏.
يمن سليمان عباس
المصدر: الثورة