للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلسمير الفيل / مختارات  610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6017 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 206 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 206 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
    سمير الفيل / مختارات  Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

     سمير الفيل / مختارات

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    حسين خلف موسى
    الإدارة
    حسين خلف موسى


    المشاركات : 221

    سمير الفيل / مختارات  Empty
    مُساهمةموضوع: سمير الفيل / مختارات    سمير الفيل / مختارات  Icon_minitime02.06.11 0:10

    سمير الفيل / مختارات  %20الفيل
    سيرة ذاتية موجزة


    الاسم بالكامل : سمير مصطفى توفيق الفيل .
    ـ المؤهلات : دبلوم معلمين 1971، ليسانس آداب وتربية 1988.
    ـ عمل لفترة طويلة ناظرا لمدرسة الإمام محمد عبده بدمياط ، ثم موجها للمسرح حاليا


    مصر ـ دمياط
    ـ روائي وقاص ومسرحي .
    ـ شاعر عامية ، وكاتب أغاني مسرحية .



    سيرة ذاتية و إبداعية


    ـ له أعمال مسرحية للاطفال منها " ألاعيب القرود في مملكة الأسود " التي فازت بجائزة يوم المسرح العالمي 1983 ، وأغلب نصوصه مثلت على مسارح مركز ثقافة الطفل .
    ـ له مساهمات واسعة في النقد الأدبي .
    ـ خاض تجربة الصحافة لعقد من الزمن .
    أصدر الأعما ل السردية الآتية:
    ـرجال وشظايا، "رواية " ،الهيئة العامة للكتاب ،1990.
    ـ خوذة ونورس وحيد، "قصة قصيرة " ، دار سما ،2001.
    ـ أرجوحة "قصة قصيرة "،مركز الحضارة العربية ،2001.
    ــ كيف يحارب الجندى بلا خوذة ؟، "قصة قصيرة "،المجلس الأعلى للثقافة ،2001.
    ـ ظل الحجرة "رواية "،مركز الحضارة العربية ،2001.
    ـ انتصاف ليل مدينة " مجموعة قصصية " ، اتحاد الكتاب ، 2002.
    قدم أعمالا أخرى منها:
    ـ مواجهات ،مديرية ثقافة دمياط ،مارس 2000 .
    ـ تقاطعات ثقافية ،مديرية الثقافة بدمياط ،مارس 2001.
    ـ "انكسارات القلب الأخضر ،قصص عبد العزيز مشرى "،سلسلة آفاق عربية ،مايو 2003.
    ـ "الحكيم وحماره "،سلسلة عين صقر ،هيئة قصور الثقافة ،1999.
    ـ " بستان فنون " ، كتاب قطر الندى ، العدد 130 ، يوليو 2006.
    أصدر خمسة دواوين شعرية هى :
    ـ الخيول ،مديرية الثقافة بدمياط ،سبتمبر 1982 .
    ـ ندهة من ريحة زمان ،الهيئة العامة للكتاب ،1991 .
    ـ ريحة الحنة ،مديرية الثقافة بدمياط ،1998 .
    ـ نتهجى الوطن فى النور ،هيئة قصور الثقافة ،إبريل 2000 .
    ـ سجادة الروح ،إ قليم شرق الدلتا الثقافى ،مايو 2000 .
    جوائز


    ـ فازت رواية "رجال وشظايا "بجائزة القوات المسلحة كأفضل ثانى رواية عن حرب أكتوبر 1997 ،كما حصلت نقس الرواية على جائزة أبها الثقافية 1992.
    ـ فازت قصته" فى البدء كانت طيبة "بأول جائزة مصرية عن أدب الحرب "مجلة صباح الخير ،"1974 ،وحصلت قـــصة " النحيب " على الجائزة الأولى لمسابقة مجلة النصر ،1985 ، كما حصلت قصة "قرنفلة للرحيل" على نفس المركز1987.
    ـ كرمته الدولة فى العيد الأول للفن والثقافة 1979،كما كرمه مؤتمر أدباء مصر فى الأقاليم الدورة 12بالأسكندرية 1997 ، مؤتمر دمياط الأدبي الخامس 1996. .
    ـ كرمته هيئات محلية عديدة ، منها : مديرية الشباب والرياضة ، جمعية تنمية المجتمع ، قصر ثقافة السويس ، مركز شباب شرباص ، وهيئات أخرى عديدة.
    ـ حاز على المركز الأول فى مهرجان مسرحة القصة القصيرة "إقليم شرق الدلتا الثقافى " عن عرض "إطار الليل "نوفمبر 1999.
    ـ حصلت مسرحيته "حكاية من هناك " على الجائزة الأولى للمسرح ،مسابقة منظمة الشباب 1974 .
    ـ فازت مجموعته القصصية " زيارة إجبارية لحصان البحر " بجائزة شركة موبل للبترول عن أدب الطفل 1989.
    نشاطات أخرى


    ـ قدم للإذاعة المصرية " البرنامج العام " عملين إذاعيين هما :" وجوه من أكتوبر"1991 ،" أوراق أكتوبرية"1996.
    ـ عمل محررا ثقافيا فى جريد ة " اليوم "السعودية فى الفترة من 1991 إلى 1995 ،ثم مراسلا لنفس الجريدة من 1996 إلى 2000.
    ـ شغل موقع أمين عام مؤتمر دمياط الأدبى لثلاث دورات ،ثم نفس الموقع لمؤتمر إقليم شرق الدلتا الثقافى 2003 .
    ـ قدم أغانى وأشعار أكثر من 35 مسرحية فى قصور الثقافة ،وفاز عن أعماله تلك بعدة جوائز متقدمة .
    ـ اهتم بفكرة إجراء حوارات مع المثقفين والأدباء الغرب ،والمستشرقين وأنجز فى ذلك ما يقترب من حدود ستين لقاء تم نشر أغلبه فــــــــــــــى " اليــــــوم "، "الجسرة "، "الثقافة الجديدة" ،وغيرها .
    من اعماله في نوادي المسرح :
    ـ سيد درويش 1983.
    ـ قلم ووطن 1989.
    ـ راهب الليل 1989.
    ـ صهيل في البحيرة 1990.
    ـ كلوا بامية 1990.
    ـ إطار الليل 1999.
    ـ القدس عربية 1996.
    ـ رئيس تحرير مجلة " رواد " التي تصدر عن قصر ثقافة دمياط ، ومن الملفات التي نشرتها المجلة : ضد التطبيع 26، د. لطيفة الزيات 27، الشاعر محمد النبوي سلامة 28، الشاعر السيد النماس 29،الشاعر السيد الغواب 30.
    ـ له كتابات متخصصة في مجال الفن التشكيلي المصري والعربي ، خاصة فترة وجوده بالدمام ،والقطيف، وسيهات ، وكافة مدن المنطقة الشرقية بالسعودية .
    قيل عنه


    ـ أعد عنه ملف فى مجلة" أوراق "التى تصدر من إقليم شرق الدلتا ،
    تضمن دراسات عن أدبه ، أشترك فيه عدد كبير من النقاد : في الشعر ( د. مدحت الجيار ، سعيد الوكيل ، أيمن بكر ، مسعود شومان ، تاج الدين محمد ، جمال سعد محمد ) .. وفي السرد ( عبد التواب يوسف ، مصطفى العايدي ، مصطفى كامل سعد ، سيد الوكيل ، د. ياسر طلعت ، فكري داود ، أمين مرسي ، حسن الشيخ ) . وخارج الملف كتب عنه : د. كمال نشأت ، محمد ابراهيم طه ، ابراهيم جاد الله ، د. عزة بدر ،د. مجدي توفيق ، د. رمضان بسطاويسي ، وآخرين .
    ـ أصدر عنه الناقد جمال سعد محمد كتاب "طاقة اللغة وتشكيل المعنى" عن دار الإسلام للنشر ، المنصورة ، 2002 .
    مشاركات


    ـ شارك في مؤتمرات عديدة ، منها : مؤتمر الرواية العربية في دوراته الثلاث ، أيام الحكيم ، الثقافة في عالم متغير ، دورة اتحاد الكتاب العرب بالقاهرة ( ديسمبر 2003) وغيرها .
    ـ شارك في برنامج " الأرض الواحدة " الذي تقدمه محطة تلفزيون الشمال والجنوب ، لندن ، بنص درامي ( قبلة النهر ) ، المملكة المتحدة 1991.
    اشترك في ورشة كتابة الأطفال بثلاثة نصوص قصصية ، وهي التي نظمتها اليونيسيف في يونيو 1991.


    البريد الألكتروني و العنوان
    Samir_feel@hotmail.com
    العنوان : دمياط ،ميدان سرور ،مدرسة محمد عبده الابتدائية المشتركة ،سمير الفيل .


    عدل سابقا من قبل حسين خلف موسى في 02.06.11 0:14 عدل 1 مرات
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    حسين خلف موسى
    الإدارة
    حسين خلف موسى


    المشاركات : 221

    سمير الفيل / مختارات  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سمير الفيل / مختارات    سمير الفيل / مختارات  Icon_minitime02.06.11 0:13


    التمر حنة
    سمير الفيل



    حين رفس بقدمه الباب بكل ما يمتلك من قوة لم يكن يتصور هذا المنظر أبدا ، فرغم أنه جاب أكثر موانيء العالم ، وشاف كل غريب ومحير لم يتصور أن يكون هو نفسه مضغة في الأفواه ، وسيرته على كل لسان . كانت في فراشها المكسو بالقطيفة الحمراء ، وهو في أحضانها يموء ، وقد وجمت لدخوله المفاجيء على هذه الصورة ، وهو نفسه استغرقته المفاجأة ، فقد كان ما تصوره عشيقها هو مجرد قط . قط سيامي شعره كستنائي يحرك ذيله في حبور ، وتتسع عينيه ما بين الدهشة والفزع .
    شدها من شعرها ، وصفعها على وجهها ، ولم يأخذ وقتا في التفكير حين سحب من جيبه سكينا حاد النصل وذبح القط المسكين . ارتمت على الذبيح تبكي ، ودمه يشخب . هبت مذعورة تدق بقبضتيها اللدنتين صدره العريض دقا جنائزيا لحوحا، توشك أن تقذفه باتهامها الذي خبأته في أعماق نفسها سنوات : مجنون .
    الطواهي صبري المر كما في جواز سفره لم يكن مجنونا ، فقد خضع لاختبارات قاسية ومضنية حتى التحق بالكلية البحرية ، لكنهم فصلوه من الدراسة في السنة الثالثة حين ذهبت الدفعة للتدريب في إحدى مواني اليونان ، فحضر بعد موعده المقرر بساعتين ، ولم يكتف بذلك بل جاء متطوحا من شدة السكر وبيده غانية ترطن بالإجريجي مع نبرة سكندرية شبقة ، تقول : أيووووووووووه.
    بعد أن فُصل أصر العمدة ـ أبوه ـ أن يظل في نفس السلك فسفـّـره إلى أمريكا وبفلوسه جاء بالشهادة مختومة ومعتمدة ، وعليها النسر الأصلع الرقبة ، من ينكرها يضعها في عينه ليطرفها أو يخوزقه بالكلمات الممرورة : طز فيك وفي أبيك . .
    بإحدى شركات السفن العملاقة التي تجوب أعالي البحار سلك طريقه ، و هي زوجته التي أحبها ، ومن أجلها ظل ثلاث دورات لا يستجيب لصفارة الميناء البحري في الأسكندرية ، وحين تأكد من حملها جدد التأشيرة ، وصعد على ظهر أول مركب مبحر نحو الشمال . في كل مرة يقضي شهورا متنقلا بين علب الليل ، ومقاهي وأرصفة أوربا ليعاقر النبيذ المعتق الذي سلب لبه ، لكن صورتها بالذات كانت دائما في جيب سترته . كان يخرج الصورة ويتأمل " تمرحنة " ، فيفوح الشذى عبر البلاد مخترقا المحيطات والقارات . فما هو الهاجس الذي جعله يشعر بأنها لم تعد مخلصة له البتة ؟ وما هو معنى الخيانة إن لم يكن ما رآه هو الخيانة بعينها ؟
    منذ عودته آخر رحلة سألها مباشرة ، وعينيه فيهما حيرة غائمة : ما الذي غيرك؟
    ألقت نظرة على المصابيح المشتعلة نورا في جوف ليل مستحيل بارد ، قالت له ، وهي تخفي فجيعتها : لم أعد لك . هذا كل ما في الأمر .
    أمرها أن تبادر بخلع ثيابها ، وتقف في الظلمة ليعرف بالضبط ماذا حل بها ، وحين طوحت رأسها رفضا واشمئزازا هرول ناحيتها ، ومد يده نحو قميص النوم الستان الأزرق بلون البحر ، وشقه نصفين ، ثم أخذ كل نصف ورفعه على جانب من مصراعي النافذة . لم تكد تتحرك لتستر جسدها حتى ومضت الرغبة في عينيه ، لكنها تلك التي تنازعها رغبة مضمرة في التشفي المقيت . لملمت أحزانها ، سألته في وقت ظنت فيه أنها لاتملك صوتا : وماذا بعد ؟ هل ستستريح بعدها ؟
    كان قد هدأ فعلا ، وأخبرها أن هواجس كثيرة تملأ رأسه ، وأن عليها أن تساعده كي يتجاوز تلك الرائحة التي تخنقه . وقد هم بإطفاء مصباح الحجرة ، فمدت يدها وأبقت النور . حملق في السقف وكان مطليا ببياض قديم ، وقد سقط على مدار خمس سنوات هي عمر زواجهما ، قالت له كالمأخوذة : حتى لو نلت جسدي فهناك ما يمنع تواصلنا . هناك شيء أسود مرعب يبدد هدوء نفسك .
    أسلم الطواهي نفسه لشرود لا نهاية له ، وأشعل سيجارة ، ثم راح ينفث دخانها في ألم ممض ، سألها : تمر حنة ؟ أتحبين غيري ؟
    ندت منها آهة حزينة ، وربتت على كتفه : قم لتنام . أنت مرهق . استرح . لا أحب أحداَ . لا أنت ولا غيرك.
    ومن النافذة أطلت فرأت شجرة التمرحنة التي زرعتها ، ومن قبل أخذت اسمها مطرقة ذابلة ، والزهر الذي يظهر في النور متفتحا ومستغرقا في البياض مرتجفا وبلا خضرة.
    عادت لحظتها إلى دارها الواسع في قريتها البعيدة ، وأبوها الجنايني يرفعها إلى شجرة البمبوظا لتقطف الثمرات السوداء المائلة للزرقة ، ثم تضعها في قبعة مصنوعة من الخوص : لماذا اخترت لي هذا الاسم يا أبي؟
    يضحك وهو يسندها كي تنجح في تسلق فرع جديد : إسألي أمك. وفتنة ، أمها تأتي بإناء من عصير الليمون البنزهير ، وتصب في كوب شفاف للأب والبنت : ألا يعجبك الاسم يا بنت؟
    تخجل تمرحنة : لا والله . أحبه . لكن ما سره ؟
    قبل أن تتزوج من الطواهي أخذتها الأم ، وأجلستها أمامها ، ودعكت أذنيها برفق ، ولطف . تسلل الضوء مع الكلمات : تعرفي يا أجمل بنت في الوجود . سأقول لك السر . كان أبوك يأتي كل مرة مساء الجمعة ليجلس معي ، وكانت أمي عنيدة ومهابة ، فلا تسمح لنا بالجلوس منفردين . مرة سهاها ، وجاء لها بوردة جوري حمراء ، ما أن شمتها حتى انتابتها نوبة عطس . الماكر كان دس فيها بعض النشوق الحراق . ظلت تعطس وتعطس وتأتي بمناديل لا حصر لها . واستغل الداهية ارتباك أمي وفرفط عود التمرحنة في صدري . هنا في مفرق النهدين . أنظري هنا بالضبط . كانت أحلى مرة تجمعنا جلسة .
    البنت تداري خجلها في ضحكة متكتمة : أبي يفعل هذا ،لا أصدق . الحاج عبد العليم . لا يا أمي قولي كلام آخر .
    مع دقات رتيبة لها إيقاع صارت تعرفه ، تقوم لتفتح الباب لخطيبها ، الذي دخل البيت من أبوابه ، لكنه يجلس شارد اللب ، وحين يمسك يدها تحس ببرودة شديدة ، وتقشعر لارتجافة خفيفة تشعر بها مع لمساته المترددة .
    حين انصرف حدثت أمها : أخافه يا أمي !
    وقلب الأم جاوبها : لا تتسرعي في الحكم عليه يا ابنتي . العشرة الجميلة تقرب القلوب ، وتلـّين الحجر الصوان .
    كان الأب حين يهل بصحبة الورد يدخل عليهما مرحا : أيه؟ فتنة وتمرحنة.. عليّ العوض يا رب !
    فتهب عاصفة من ضحك ، وقرقرة القلة حين يرفعها لفيه شهد زلال ، لا يستريح إلا وطوق الرقبة يشرب معه قطرات وقطرات كأنه يُسقط تلك المياه عن عمد ، والسفرة طبلية صغيرة مدورة عليها الفول والفلافل ، وأرغفة ساخنة طالعة من فرن الخبيز للتو ، وطبق الطحينة الذي لا يغيب عن عشاء كل ليلة .
    هو الآن قابع في ركن من الحجرة ، والدماء لطخت سجادة كشميري كان والدها عبد العليم قد اشتراها من سوق الموسكي في زيارته الموسمية لمولد سيدنا الحسين . لم يكن يعنيها أن ينتهي اليوم بنفس الكلمات التي تعدها بأن يكون هذا آخر تصرف جنوني .
    وإلى قفص الكناري مدت يدها ، ومسدت الريش الملون الجميل ، وهي تشهق بالبكاء ، وتحاول أن تلتمس له الأعذار ، حين انتهت أول سيجارة ، وسحب أخرى ، سألها والتماعة خاطفة تومض في العينين : هل يريحك أن تذهبي؟
    كان يقولها بمكر ، وشنطة سفره تطل من حافة الدولاب الذي صنع من أشجار الماهوجني ، فيما المرايا تحول وجهه إلى عشرات البحارة المحملقين في فراغ الليل الساكت المكفهر بحلقات دخان تنعقد في فضاء الغرفة : هل يمكنك أن تغفري لي هذه المرة ؟
    في كل عودة كانت تسبقه أسئلته ، وقبل أن يغلق الباب خلفه يحاسبها حسابا عسيرا عن الضحكات المفترضة التي ضحكتها ، وعن المسرات التي سردتها ، ويخنق كل رغبة لها في أن تتوحد به ، لكنه ينال متعته عنوة .
    حين يشعل بخور جاوة تشعر فعلا بالاختناق ، وتسارع بفتح نوافذ البيت ، وهو يغلقها من ورائها ، ويطرحها على السرير لينتهكها قسرا ، فتتحول بين يديه إلى دمية فاقدة الروح لا أكثر ، وبعد أن ينتهي من لعب دور الرجل ، ويخلو العظم من بعض ما به من نخاع يشد خصلة من شعرها بقوة ، ويضعها في حافظته الجلدية ، فيما تغالب دموعها ، وتشعر أنها فقدت روحها أبدا ، وتبددت مزقا .
    لم تعد هي تمر حنة التي تحب الحقول والأشجار والطيور ، لقد صارت شيئا مختلفا . حين يدخل للاستحمام بعد فعلته تنظر في المرآة ، وترى التجاعيد تزحف بإصرار لتشكل وجها لا تعرفه . يخرج ليسكب مزيدا من العطور الباريسية ، وكلما انتهى فتح الغطاء المعدني وسكب أكثر .
    مرة صرخ في وجهها : رائحة كريهة لا تريد أن تذهب يا تمرحنة . أفتحي كل النوافذ والأبواب . وحين فعلت قام يغلق كل مافتحته ، ويبكي أنه لا يعرف كنه تلك الرائحة التي يحملها معه من ميناء إلى ميناء ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن حجرة النوم إلى غرفة السفرة .
    تغسل عينيه دموع لا تعرف من أين يأتي بها . قام وأزاح القط المذبوح بيد ترتجف ، صعد السطح ، وألقى به بعيدا ، ثم أجبرها أن ترتدي القميص التركواز الذي ارتدته ليلة الدخلة ،كانت تنتفض من شدة الإحساس بالخيبة والألم أنها تطيعه ، ولرغبتها في أن تنتهي الليلة على خير ، فعلت كل ما أمر به ، ثم جلست في ركن آخر بعيد عنه ، حينها مد يده يبحث عن شموع ملونة ، ثم ما لبث أن أطفأ نور المصباح ، وسألها أن تشعل بالكبريت كل هذه الشموع ، وأن تغني أغنية كان قد غناها لها منذ خمس سنوات ، لكنها لم تستطع . لم يخرج صوتها أصلا ، فتوعدها أن تكون هي المذبوحة في المرة القادمة . وجلس على المائدة يغني وحده ، ولهب الشموع يتراقص مع نسمات تأتي من شباك بعيد في المطبخ : مسكينة أنت يا تمر حنة . هذا ما تقولينه في سرك ، ولا تستطيعين أن تنطقي به . إسمعي .. النساء خائنات إلا أنت ، والمرأة فاسدة ، لكنك مجرد زهور شجرة بلحاء بني .
    يقهقه قهقهات عالية وروحها تتسرب ، ولا تنحدر دموع . مجرد نحيب خافت يتردد في صدرها ، وعين صقر مدرب على الانقضاض تبصرها طول الوقت : من فضلك اتركني أذهب لحالي.
    كان يعرف أن أباها الجنايني الفقير قد مات ، وأمها فتنة تصرف على كوم لحم ، ومستحيل أن تترك كل هذا العز وتذهب للدار الفقيرة المسورة بأشجار بلدية لا ثمن لها .أشجار لبخ وكافورومستكة وجازورينا ، وعدة نخلات تطرح بلحا أحمر صغير النواة ، وحوش واسع فيه بعض بهائم .
    لقد أمسكها من منكبيها ، ووضع رأسه المتعبة على كتفيها : هل أعذبك حقا يا تمرحنة؟ ألا تشعرين بمتعة معي؟ أتريدين أن تعودي للبيت الواطيء بلا فيديو ولا ثلاجة ولا غسالة . تعودين للزير والقلة وروث البهائم يا جميلة .. يا بنت الناس ؟


    لم تنس تمر حنة يوما أمها الفلاحة البسيطة التي كانت تربي الطيور والدواجن في ذلك الحوش الواسع ، تنتظر مجيء يوم الجمعة لتذهب كي تبيع بعض ما ربته ، كي تـّوسع على زوجها . تشتري في العودة خبز فينو ، وقطع ملابس تخيطها بنفسها ، ولفائف حلوى ، وزجاجات عطر روح الفل . وعبد النعيم الذي تلقبه بالحاج دون أن يذهب للكعبة الشريفة في الحجاز ، أو يزور مقام النبي الغالي ليشرب ماء زمزم ، يرمقها في العودة بامتنان ، يسعل وهو يبعد جوزة المعسل ، ثم يسألها بسعادة : ماذا أحضرت معك يا ست فتنة؟
    في بداية زواجهما ، وحين يعود الطواهي من السفر تلبس له أجمل ثيابها ، وتتعطر ، تضع بودرة خفيفة على وجنتيها ، وتتعلق في رقبته وتطوقه ، وهي تهمس في أذنه : اشتقت لك.
    كان أول الأمر يبعدها براحة يده برفق كي يسألها عن سبب زينتها ، ولمن تتجمل إذا كان هو في سفر ؟
    فتضحك وتعتبرها مزحة : أنسيت أنك من أخبرتني بالموعد قبل أسبوعين في آخر مكالمة هاتفية لك.
    تمر سحابة سوداء تغشي وجهه ، ويغمغم في توتر : صحيح . الظاهر أنني صرت أنسى .
    كان هذا في أول سنتين من الزواج ، لكنه لما عاد في بداية السنة الثالثة ، ضربها ضربا مبرحا لأنها وضعت " الروج " والكحل ، كأنها تغيظه ، وأجهضها حين لم يكف عن لكمها في كل مكان من جسدها الطري الحساس .
    في المستشفى أخفت عن والدها الحاج عبد العليم حقيقة الضرب ، وأخبرته أنها كرت السلم بعد أن وضعت قدمها في درجة خالية ، ولما ضـيـّق عليها الخناق بعد أن لمح كدمات زرقاء في وجهها ، هزت رأسها أن الطواهي هو الذي ضربها وأهانها ، ومسح بكرامتها الأرض .
    غضب الحاج وكتم في صدره أحزانه ، ومن المستشفى أخذها الأب للدار . أركبها عربة حنطور بحصانين ، وفي الطريق ، همس في أذنها : واحدة من اثنتين . إما ينعدل حاله ، أو نخلـّص الموضوع . ألن يمكننا أن نجد لك لقمتك يا ابنتي.
    حضر الطواهي مع أولاد الحلال ، حاولوا إقناع الأب أن كل شيء قسمة ونصيب ، والاجهاض مقدر ومكتوب ، في اللوح المحفوظ قبل أن يولد الإنسان بألف ألف سنة ، وسبحان علام الغيوب .
    كانت في القاعة الجوانية تعضعض أظفارها ، سألها الحاج بوجه مربد : أتريدينه يا تمرحنة ؟
    صرخت لأول مرة في حضرة والدها الغالي الذي تموت ولا تعصي له أمرا : لا يا أبي . لا أطيقه .
    ثم مسحت مكان الدموع المنحدرة على وجنتيها فبانت الزرقة مبللة مكان الكدمات : إنصحني ماذا افعل ، خلصني منه !
    لكن فتنة تدخلت ، ومسحت على شعرها : لا أحد في عائلتنا يحمل لقب مطلقة . استرينا ياابنتي!
    وهي استمعت للنصيحة ، ورأت الأب تزلزله أحزان جنين منعت الحياة عنه قبضة يد غاشمة . كان يريد أن يكون له حفيد كي يرفعه في نور الشمس الوضاح ليقطف ثمار البمبوظا ، ويضحك في وجهه كلما بلل ملابسه!
    حين عادت كانت تمرحنة أخرى بلا روح . جسد خائر القوى ينام بالمسكنات ،ويصحو برنين المنبه المزعج، ولقد حاول أن يكسب رضاها ، فملأ عليها البيت الفاخر بأحواض زجاجية لأسماك الزينة ، وأقفاص عصافير ملونة، وببغاء له ريش عجيب ، وله صوت مبحوح يقول لكل من يهوب من الباب : تفضل يا باشا .
    يقولها بصوت أخنف كأنه رجل بنصف أنف ، وبلا أسنان ، وإلى جواره يتدلى من خطاف في السقف قفص سلك به عصفوران لطيفان من جزر الملايو . وفي كل عودة يسألها : لماذا أراك حزينة . لم لا تتزينين؟
    تطرق ، وفي الأرض تسمر نظراتها ، وهو يخرج لها هداياه المفضلة : ثعبان كوبرا من الأبنوس ، أسد أسيوي من العاج الشاهق ، نمر مفترس بأنياب حقيقية له عينان من الخرز ، تمساح محنط طوله نصف متر ، وآخر هداياه تمثال من خشب الصندل لإمرأة إفريقية حامل على وشك الوضع .
    جاء بهذا التمثال قبل ستة أشهر من واقعة القط السيامي ، ثبت عينين شريرتين في وجهها : حتى النساء الأفارقة يمكنهن ذلك، وأنت رثة وبائسة.
    كانت قد عرفت بعد أن عاشرته خمس سنوات وبضعة أشهر أنه لا يرمي من وراء كلماته الجارحة سوى إيلامها ، والانتقام لشيء لا تعرفه هي .
    يخطو ما بين حافة السرير ، والصالة ذات نباتات الزينة من البلاستيك بعد أن قطع بالسكين في الحديقة الخلفية نباتات " ذقن الباشا " و" الجهنمية " ، و" أجهز على اللبلاب لكونه يتسلق الحائط بلا أدب ، حتى نبات اللوف الذي كان يتسلل برفق من الحديقة نحو الشرفة المطلة مباشرة على الحديقة ، ليعانق نبات " الفيكس " في أصصه الفخارية انتزعه في قسوة .
    يعلو صوته : الرائحة تكاد تقتلني . أرحميني يا تمر حنة . أسكبي كل ما في الدولاب من عطور . هنا على وجهي ، وتحت ذقني ، ووراء أذنيّ . أريد أن أستريح. أستريح في ظل صلصال محروق!
    وقد أركبه أبوه العمدة وهو طفل صغير حصان جامح ، حمله وانطلق به نحو الحقول فهوى على الأرض والحصان في أقصى سرعة له ، فتحطم له ضلعان ، وكاد يفارق الحياة غير أن الأب كان يريد رجلا يرث كل أملاكه ، رجل قوي الشكيمة ، قاس لا يخاف أي أحد في الكون ، ولا يعرف قلبه معنى الرحمة ، وفي المرة التي اصطاد الخفراء فيها ذئبا حيا ، أحضر صبري المر ابنه الوحيد ، وأجلسه في الحوش أمام الدوار الذي لا يزورونه سوى كل صيف . سأذبح الذئب أمامك ، وستأكل كبده حيا . هيه؟
    اختفت نظرة الفضول في عيني الصبي ، وتظاهر بالشجاعة ، وهو يمد يده وينتزع الكبد الساخن النيء بعد أن طعن الأب الحيوان المفترس في رقبته فعوى عواءا مرعبا ، ثم عاجله بطعنتين مفاجئتين في الصدر . ذاق الولد الطعم المقزز النيء فأوشك على التقيؤ . حين هم بالفرار حاصرته أيدي الغفر ، وسمع صوت أبيه كأنه يأتي من واد سحيق : اتركوه كي يطلع امرأة . الناس تلعب به كالدلدول .
    كانت أمه تخفي وجهها في طرف ثوب أسود يصل حتى الكعبين ، تحاول أن تمنع دمعها من الانهمار . بعد أن مضغ الكبد مغمضا عينيه أمرها في صرامة : زغردي يا إمرأة. ابنك صار رجلا بحق .
    هو الذي أخبرها بكل ذلك وهو يداعب شعرها الأسود الفاحم الغزير المنسدل على كتفيها كشلال حرير أيام الخطوبة : سأحميك من أخطار الدنيا .
    الشيء الوحيد الذي لم تفكر به تمر حنة هو سؤال ظل يعكر عليها حياتها بعد أن تمت الزيجة وتحولت من فتاة إلى سيدة في لحظة أو ظل لحظة لا أكثر : ومن يحميني من هذا الشقي؟
    هي الآن تنظر إلى ظله وهو يتحرك في البيت جيئة وذهابا ، يفتح الأبواب ويغلقها ، وعيناه تغيمان فيما يشيح بيده نحو كائنات غير مرئية : رائحة لا تطاق .
    رأت أن تقضي وقتها في شيء لا يجدد غيرته ،ولا يثير أعصابه ، ففتحت درجا صغيرا أسفل الدولاب ، وأحضرت بعض كتب كلية الحقوق التي حصلت على شهادتها دون أن تعمل . بدأت تطالع بعض الصفحات في القانون الجنائي ، وما تلبث أن تبتسم لخطها الدقيق المنمنم بالقلم الرصاص قبل أن تترك مقاعد الدرس . شعرت بنفسها خفيفة وهي تسير في طرقات الكلية مع زملائها : شبان وبنات ، هي المرجع لهم عند كل سؤال صعب ، فجأة شعرت بنفسها تسير مترنحة في الصالة ، وهو منطو في ركنه المنعزل ، سارع باحتوائها قبل أن ترتطم بقطع الأثاث ، وسار بها نحو السرير : إستريحي الآن .
    ردت كالمأخوذة : لن استريح قبل أن أترك هذا السجن!
    نظر نحوها في استغراب ، وتوقع أن تجمع ملابسها في حقيبتها الكبيرة : أذهبي للفراش واستريحي . لن أضايقك . في الصباح خذي قرارك .
    حين خرج رأت أن العالم يتحرك فيه الشر ويظلل كل شيء . كانت طيبتها ونظرتها المتفاءلة للحياة هي سر تعاستها . قررت أن تدخل عالمه الدموي الشرير ربما تتقارب الأرواح فلا تخسر نفسها .
    كان بالقرب من قفص الببغاء هذا القفص الدائري من السلك به عصفور وعصفورة . جاءت بشفرة حامية من درج " الكومدينو " . مدت يدها وهبشت الهواء . ربما لامس السن الحامي الجلد الرقيق ، فقد تقصف ريش الجناح ، طرطش الدم على يدها ، عمها غم عظيم ، وبكت في حرقة : يا رب كيف يتخلص هذا الرجل من الرائحة . وكيف أتخلص من عذابي ؟
    شعرت بأنها اقترفت جريمة ، وملأها شعور بالعار ، مدت يدها للعصفور الذي انكمش وملأ عينيه برجاء مذهل ، فهمته ، بصبغة اليود طهرت الجرح ، وضمدته برباط حريري كانت تعقص به شعرها وهي فتاة قبل أن تتحول إلى إمراة في لحظة أو ظل لحظة .
    مدت رأسها تشرب الظلمة بعينين باكيتين : رب لم خلقتني أنثى ؟
    شعرت بالذنب فاستغفرت ربها ،وتيقنت أنها لا يمكن أن تكون شريرة أبدا لأن العصفور المسكين استكان بين يديها ، وراحت تمرر شفتيها وتبلل بريقها الزغب الخفيف ، وتمسح به ذلك الريش الناعم الجميل الذي تقصف بعضه . كانت حدقتاه بنيتين لامعتين ، يرقبها في لوم ، وهي ترجوه أن يسامحها ، وقد فعل حين شقشق ، فابتهجت ودفعته بيدها في القفص السلكي .
    سمعت خطوات أقدامه تقترب ، والأبواب تصطفق خلفه ، صوته يأتي محتجا ، يقصف هدوئها : أين العشاء يا تمرحنة ؟
    خرجت لتعد بيديها المرتعدتين السفرة ، فرأت وجهه كسيفا ، والعبوس يملأ مساحات سوداء تحت الجفنين ، شردت وهي تذهب للبعيد البعيد .
    كان وجه الحاج عبد النعيم يلوح لها من سفر مرهق ، وجه صبوح رغم الغضون التي تملأه ، وجه تنيره عينان سوداوتان جميلتان تشعان بصفاء غريب ، هتفت به : أبي أرفعني معك .
    فيما يشبه المواساة رد في خفوت : ليتني أستطيع يا تمر حنة.
    كانت يده تسندها ، يد الأب الحانية ، وقلبه يدق في انتظامه الأليف الذي تعرفه ،ورائحة الجنينة تنعش صدرها ، حتى أنها فتحت أزرار البلوزة واستنشقت نسيما طازجا ، وهي تواصل تسلق غصن لدن بعيد ، بينما يدها المدربة تقطف ثمار البمبوظا : أمي حكت لي ما فعلته يوم الوردة الجوري . كيف تفعل ذلك في جدتي؟!
    غمرته نوبة ضحك ، اهتز لها جسده الضئيل كله ، وهو يضع يده على فمها الدقيق : إياك أن تقولي لأحد . عيب يا بنت .
    ضحكا في نفس الوقت : أبي .
    تهدج صوته ووجهه النوراني يشع طمانينة : نعم يا ابنتي؟
    قالت في ضراعة : خذني معك يا أبي . خذني ولا تتركني له.
    انزوى البحار في الركن المظلم أ كثر، وهو يراها تشحب وتشحب ، وتصعد ، وقد خرس لسانه تماما ، فيما هي تمضي مبتعدة بوهن مستحيل وأنين لا قبل لأحد على احتماله .
    كانت تمرحنة قد ابتعدت بما فيه الكفاية ، وكان عليه أن يظل وحيدا في هذا البيت الذي فسد هواؤه ، ولقد انحنى ممسكا قطعة قماش محاولا أن يزيل بقع الدم بلا فائدة . كانت السجادة قد تشربتها تماما . ولم يكن بحاجة لدليل غير ما رآه بعينه ، كي يتأكد أن تمرحنة لن ترجع أبدا .
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    حسين خلف موسى
    الإدارة
    حسين خلف موسى


    المشاركات : 221

    سمير الفيل / مختارات  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سمير الفيل / مختارات    سمير الفيل / مختارات  Icon_minitime02.06.11 0:16

    خزين السنين
    سمير الفيل


    الست أم هاشم عضت زوجها . هكذا سرى الخبر في الحارة كلها ، فقد صحا الناس على هبد ورزع ، وصياح ، وفنجلوا أعينهم على المعلم أنوس الحلو سبع الحتة ، والقهوجي العترة يفر هاربا من بيته في غبش الصباح الخفيف ، وقبل أن تنشر الشمس أشعتها بقليل .
    حار الناس ، وتعجبوا من الأمر خاصة أن أم هاشم ليس لها لسان على أحد ، ولم تُعرف طيلة حياتها بالشراسة أو حدة الطبع ، بل أن الجميع يجلونها ، ويعتبرونها حلالة المشاكل ، وزوجها المعلم أنوس لا غبار عليه ، صحيح أنه بصباص ، ولا تمر أمرأة جميلة من أمام المقهى إلا ورفع المبسم العاجي لشيشته من بين شفتيه ، وصرخ كالذي أصابه مس : الله جميل يحب الجمال .
    وهي عبارة غير مؤثمة ، ولو جاءه أحد معترضا لدب إصبعه في عينيه ، فمن يجرؤ على أن يعترض على حكمة ربنا في نشر الجمال في الكون : في البساتين ، والبحار ، والسماء الزرقاء ، والنساء اللائي يجملن الكون بتغنجهن اللذيذ ، وهن يمررن أمام المقهى في شرخ النهار ، وقد حبكن الملاءة على القد المياس ، أما البنات من المفاعيص فلا حاجة بهن لحبك أي شيء ، فالثوب محبوك لدرجة أنه يحدد تضاريس الجسم بوضوح كامل ، حتى أنه سأل نفسه مرة ، وفي سره : أمعقول أن أم هاشم يوما كانت بنتا مثل هؤلاء؟
    لكن هذا بالطبع لا يجيب عن سؤال انتصب في الأزقة والحواري الضيقة المتفرعة من الشارع الذي يطل عليه المقهى القريب من منزله : لماذا عضت أم هاشم زوجها ، وهما يعيشان منذ زمن على الحلوة والمرة ؟
    أم هاشم أمرأة عاقر لم تنجب ، الجميع يشير أنه عيبها لأن زوجها يقف على شنبه الصقر ، فلا يهتز ، وهو فحل بشكله وكسمه ، وقد ارتضت بهذا التفسير ، ورأت أن كل شيء بتاع ربنا .
    الغريب أنها عضته عضة قوية ، تركت أثرا لا يمحى بسهولة ، والرجال الذين أسرعوا للاستفسار رأوا أثر الأسنان واضحة جلية ، بل أمكنهم أن يتعرفوا على مكان الأنياب والقواطع ، فقد كانت عضة بقسوة شديدة ، وبمنتهى الغل، فلا يمكن أن تذهب بسهولة .
    سألوه عن السبب الذي يدفع أمرأة طيبة ، مقطوعة من شجرة أن تفعل هذه الفعلة الشنعاء ، فتمرغ كرامة المعلم في الوحل . وقد أمهلهم قليلا حتى يسترد أنفاسه اللاهثة ويخبرهم بكل شيء ، عندها سيعرف الجميع من هو الظالم والمفتري وابن الحرام .
    ولم يكد ينتهي من كلامه ، وهو واقف على بعد ذراعين من باب بيته الواطيء بسلماته التي انمحت معالمها من كثرة الدهس ، حتى لمح الجميع أم هاشم تطل من الشباك في الدور الأرضي ، وتصرخ فيه : وديني لأوريك .
    أراد أن يندفع إلى الداخل ليعلمها الأدب ، ولكنها طرقت ضلفتي الشباك وهي تغلقه بإحكام ، وصوتها يتسلل عبر الشيش ، مبحوحا منكسرا، باكيا بحسرة : اللئيم الغشاش !
    قال لنفسه ، وهو يحكم وضع عمامته فوق رأسه : إقصر الشر في هذه الساعة الضيقة ، ولها فيما بعد حساب عسير .
    وقد صحبه الجيران إلى المقهى الذي كان الصبيان قد فتحوا أبوابه ، وراحوا يكنسون بالداخل ، ويلمعون البلاط الملوكي عند العتب ، فيما يديرون مؤشر الراديو لسماع آي الذكر الحكيم .
    شخط المعلم في الصبية أن يهموا ، ويعملوا شاي للرجالة ، وقد كانوا ستة أو سبعة ، وكنت الوحيد الشاب المتعلم الذي استشعر أنه غريب ، ومدسوس على القعدة ، فقلت في نفسي: لا بأس من حتة مجدعة ، تلم الدور وتعيد له المهابة ، فهو يعرف أنني طالب حقوق ، وابن صديقه الأسطى عوض الكتة . والأصول أصول .
    صرخت كالمستجير من الرمضاء بالنار : نساء ناقصات عقل ودين . أنت الكبير يامعلم ، ياما نسوان زهقوا رجالتهم . وأنت مش أول ولا آخر واحد . نابليون نفسه لـّطموه ، وسقراط طلــّعوا عين أهله .
    عدل العمامة ، وحدجني بنظرة مستفسرة ، فهززت رأسي مؤمنا على الكلام ، وللإيماءة والإشارة لو تعلمون مفعول السحر ، إذ انتشى ، ورجع بكرسيه للوراء ، وحكى بإسهاب شديد ، فعرفنا رأسنا من أرجلنا ، وهاكم السر الدفين .
    منذ أسبوع أو أكثر إنشغل المعلم أنوس الحلو في المقهى ، لا يكاد يجد وقتا ليهرش رأسه ، والبركة في الحكومة التي تفتق ذهنها عن لعبة الانتخابات ، فمرة انتخابات مجلس الشورى ، وثانية انتخابات المجالس المحلية ، وثالثة لانتخابات مجلس الشعب ، وهي الأهم ، موسم كله خير ، لا يكاد يمر يوم إلا ويغمزه واحد من صبية الإنتخابات بمائتي جنيه أو أكثر ، كل برغوث على قد دمه ، فيعلق صورة المرشح في صدر المجلس ، وعندما يشرف سعادته يكون الاستقبال بالأحضان ، ولابد أن يعد له مقعدا فخما من القطيفة بمساند ذهب ، ثم يصفق طالبا الحاجة الساقعة للمقهى كله على حسابه الشخصي ، لأن سيادة النائب عزيز ، وابن أمراء ، وبناء عليه يقف المقهى على رجل ، وتوزع المشاريب مجانا ، حتى للواقفين في الخارج من الفضوليين.
    إذا كان المرشح سياسيا محنكا ، فيمكنه أن يفقع بقين كلام ، بالصلاة على النبي ، يحشر في جمله كلمات مجعلصة عن الديمقراطية ، والعدل الاجتماعي ، والتحرر الوطني ، أما إذا كان عيي اللسان فعليه أن يسلم على كل واحد بحرارة ، ولو كان يعرف من يسلم عليه ، فعز الطلب ، حيث يمكنه أن يقبله ، ويهمس في أذنه : أوعى تنسانا . فيرد الزبون : عنيا لك .
    لكن هذا ليس المهم في موضوعنا ، المهم هو أنه في غمرة إنشغال المعلم أنوس في حكاية الانتخابات ، نسى أن يمول البيت ـ كما اعتاد دائما ـ بالجبن والزتون ، والحلاوة الطحينية ، والخبز الفينو الذي لا يحبه ، والخبز البلدي هو الوحيد الذي كان يصر على ارساله يوميا لأنه مدعم من الدولة .
    نكاية في زوجها الذي أصبح مشغولا عنها ، ولا يعود كل يوم إلا وش الفجر أقسمت أنها ستترك البيت فاضي ليعرف المعلم أنه مقصر ، ولا شيء يستوجب ذلك ، فالناجح في الانتخابات لن يمد يده في جيبه وينفحه ألف جنيه مثلا . والمعلم أنوس الحلو يخفي عنها أنه موسم رزق ، يدر عليه مالا وفيرا ، فالمكسب يضعه أولا بأول في سوستة الحزام الجلدي الذي لا يفارق بطنه ، وكلما تجمد مبلغ محترم خطف رجله إلى البنك ، ووضعه في حسابه ، ولا من شاف ولا من درى .
    عاد المعلم وش الفجر جائعا ، وفتح الثلاجة فلم يجد شيئا من الغموس ، لا جبنة ، ولا مربى ، ولا فول ، ولا بيض . فقط حبتين من الطماطم ، وبعض ثمار الفلفل ، وقرن شطة وحيد ، فأسقط في يده . كان هناك صف من الخبز البلدي الأسود الذي يفضله ، ففيه ردة تمتص الدهون من معدته ، فلا يتعب ليلا ، لكن ماذا يفعل والسوق كله أغلق أبوابه منذ أكثر من ساعتين ؟
    تفتق ذهنه على أن يبحث في حجرة الخزين أسفل السرير الخالي الذي كان قد اشتراه مع الجهاز انتظاراً لولي العهد الذي لم يأت مطلقا .
    بالتأكيد أم هاشم ، وهي الست الموصوفة با لشطارة ورجاحة العقل عملت حسابها لهذا اليوم ، وملحت زيتونا أو خيارا أو لفتا . يمكنه أن يتحامل على نفسه ، ويبلـّـع الأرغفة ببعض الزيتون أخضر كان أم اسود .
    زحف على ركبتيه ، وفتش بعينيه ، فلم يجد أي شيء ، لكنه تذكر أنه قد رأى منذ سنوات بعيدة بعض الزلعات ، ولا شك أنها أدخرتها لوقت مثل هذا .
    زحف أكثر ، واصطدمت رأسه بالحافة البعيدة ، وانخلعت العمامة ، فلم يأبه ، فقد كانت عصافير بطنه تزقزق .
    كان النور كابيا ، والضوء الشحيح لا يجعله يرى أي شيء . حرك يده لآخر ما تبلغه من مدى ، فاصطدمت أصابعه بجسم صلب .
    تاكد أنها قد فــُـرجت ، وزحف أكثر ، سحب الزلعة ، وأخرجها للنور ، وتشمم قبل أن يفتح رائحة الخزين ، فلم تكن هناك غير رائحة القدم لا أكثر .
    أسند الزلعة الفخار بشكلها الحلزوني ، واستدارة الحافة على طرف السرير ، وحاول فتحها ، فكانت شديدة الإحكام . إستغرب للأمر ، وراحت أصابعه المدربة تزيح حواية من قش قديم متهالك ، وضعتها زوجته على الفوهة . بصعوبة انفتحت ، مد يده ، وأذهلته المفاجأة .
    نقود مكدسة من كل فئة : خمسينات ، عشرينات ، عشرات ، وكل فئة محزمة ، ومرصوصة بعناية .
    عاد مرة أخرى زاحفا ، وأخرج الزلعة الثانية ، كانت مكدسة بأوراق مالية من فئه أقل ، لكنها ، أي القطع المالية تصل حتى النهاية .
    مع الزلعة الثالثة والأخيرة كاد قلبه أن يقف ، كانت العمله هذه المرة من فئة المائة جنيه القديمة ذات المئذنة الحمراء ، وهي نقود انتهى عهدها؛ فقد رأت الحكومة الرشيدة منذ سنوات بعيدة أن تجمع هذه الفئة ، ومنحت الناس مهلة لا تتجاوز الشهرين للاستبدال ، بعدها لم يعد للنقود القديمة أي قيمة شرائية .
    أسقط في يده ، وانفطر قلبه من الحزن . لو أنها أخبرته ، لاستطاع أن ينقذ هذه الثروة ، التي شقى العمر كله من أجلها ، وهو يجمعها قرشا على قرش ، و شلنا على شلن .
    إنها ست بيت لا تعمل ، فكيف حولت الزلع إلى خزائن محكمة الغلق ، وكيف فات الشيطان طيلة هذه السنوات أن يوسوس في عقله ، ويحذره من لعبة الست ؟
    وجم أنوس من هول المفاجأة ، ولكنه تماسك ، وقال إن الضرب في الميت حرام ، كل ما سيفعله أن يصادر تلك الثروة المفاجئة بدون حس ولا خبر .
    سكب مافي الزلعتين الأخرتين ، وراح يحصي ماله الذي عاد إليه بضربة حظ ، والجوع يفتك به . ومن أجل أن يركز ذهنه ، راح المطبخ وأعد فنجانا من القهوة التركي المعتبر ، ومدد ساقه اليمنى على السرير فيما دلدل اليسرى ، وراح يحصي أمواله المستعادة : بقلم وورقة راح يحسب ، ويضرب ويجمع ، والمرأة في الحجرة الأخرى تتقلب ، ربما أزعجها النور المضاء في الصالة ، فقامت كي تغلقه .
    خطت خطوتين ، و هي بقميص النوم الستان الأحمر ذي الفتحة المستديرة لنصف ظهرها ، تثاءبت ، وفي لمح البصر وقعت عينها عليه . اندفعت نحوه : سيب فلوسي .
    أبعدها بحدة : بقى كده يا أم هاشم ؟
    صرخت في الليل الآفل ، وفي وجهه المكدر : حقي ونصيبي . أنا باطبخ لك وأغسل لك ، وأكوي لك هدومك . مش كتير على ّ !
    سدد نحوها نظرة صقر ، وشاربه يهتز من الغضب : ده لو أخدتيه يكون مال حرام .
    حاولت أن تستعطفه : نفسي ياأنوس أروح الحجاز ، وأزور النبي .
    سخر منها وهو يعاود إبعادها : ولا مليم هتطوليه .
    تراجعت خطوة ، وضعت يديها في وسطها : سيب الفلوس أحسن لك . مش هتشوف طيب .
    كان غبش الفجر قد لاح من النافذة المغلقة : لو ناصحة مدي إيدك وأنا هاقطعها لك .
    كشرت عن أنيابها ، كانت تعرف أنها معركتها الأخيرة : باقول لك أيه . أنت عايز الفلوس تعمل بها أيه ؟
    رمقها بغضب ارتجف له بدنه : كل يوم فلقتيني ، المصروف مش مكفي . بحبح أيدك شوية . آدي أخرتها .
    حننت صوتها : أحنا الاتنين واحد يامعلم .
    رد كأنه يصوب نحوها طلقة : أحنا اتنين . سارق ومسروق.
    نظر نحو الجرة الثالثة المكدسة بالمئات المعطوبة : عارفة أنت محوشة هنا أيه ؟ شوية ورق يا جاهلة .
    بنفس مكروش : ولا مليم هتطوليه .
    شحب وجهها حتى أنها أحست بالاختناق : تقصد أيه؟
    هز منكبيه ، وصفار الموت يلمحه في وجهها : المئات دي بطلت . زي ما أنت بطلت يا جاهلة .
    زغدته في كتفيه : كان نفسي أروح الحجاز . وأزور الروضة الشريفة .
    واصل تهكمه المرير : بفلوس مش شريفة ؟
    حدجته بظرة عدائية : طول عمرك بخيل وأيدك ماسكة .
    رد عليها في حنق ، ولوعة مقطرة : وأنت طول عمرك مسرفة وإيدك سايبة .
    لم تمهله هذه المرة : كفاية إني مستحملة عيشتك ، وأنت عرف عيبك .
    انتفض واقفا ، وهم بصفعها : كله إلا الغلط . كانت الفرصة التي عاشت تحلم بها سنينا ، بكل الغل انشبت أسنانها في ذراعه الممدودة ، وعضت بكل قسوة الحرمان ، وضياع الحلم في الإنجاب ، ببؤس البيت القابع في البدروم ، وكلما تذكرت بخله عضت أكثر ، وهو يحاول أن يخلص يده بلا جدوى ، فقد كانت كالنمرة الهائجة . صرخ ، و صرخ ، ثم فرّ هاربا منها .
    في المقهى لم يحك المعلم أنوس الحلو كل ذلك ، لكنه حوم حول الموضوع ، إقترب ، وابتعد ، لكنـّـا استطعنا أن نعرف التفصيلات كلها من النسوة اللائي كن حمامات سلام بين الزوج المغدور ، والمرأة المتألمة .
    يبدو أن المساعي فشلت ، فقد حملت الست أم هاشم بقجة ملابسها ، وعادت لبيت أهلها مطلقة بالثلاث ، ولم تتمكن من زيارة النبي ولا أن تتملى عيناها بالروضة الشريفة.
    وقد ذهب المعلم أنوس إلى " ميت الشيوخ " ، وأحضر فتاة في الخامسة عشر من عمرها ، تزوجها على سنة الله ورسوله . حج معها بيت الله الحرام ، ولم تنجب الفتاة أبدا ، لكنه اشترى البيت كله ، وأخلاه من السكان بعد أن راضاهم ببعض رزم النقود التي كانت بجوف الزلعات .
    صعد بها إلى الدور العلوي بعيدا عن النمل والخنافس والرطوبة ، وذكرياته المريرة .
    بعد سنتين ماتت أم هاشم بحسرتها ، وكان ذراع المعلم مازال يؤلمه كلما تذكر ذلك اليوم البعيد .


    ====================================

    * هبد : أي خبط.
    * رزع : بنفس المعنى السابق لكن بصوت مدو .
    * فنجلوا ، فنجل العين : فتحها على اتساعها . كان يمكن أن أقول حملقوا . فضلت الكلمة ذات الدلالة الأعلى .
    * العترة : الشاب العترة هو الشاب الأجمل . ربما من العطر مع تبديل الحرف . يقال في الحوارات : هذا الرجل عترة أي يجمع بين جمال الشكل وحسن الخلق .
    * الزلعة : إناء خزفي يتم تمليح اللفت والجزروالبصل والليمون ، وكل شيء يصلح للتمليح فيها . لها اسماء أخرى ، مثل " الزروية " ، وهي عند أغلب الفلاحين . لاحظ أفلام الستينات ستجد الفتيات مثلا ينزلن ب" الزلع" أو " الزلعات " لملئها من ماء النيل .
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    حسين خلف موسى
    الإدارة
    حسين خلف موسى


    المشاركات : 221

    سمير الفيل / مختارات  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سمير الفيل / مختارات    سمير الفيل / مختارات  Icon_minitime02.06.11 0:19

    المأمورية
    قصة بقلم : سمير الفيل

    جلس جرجس أفندي بجوار نافذة القطار الذي مرَّ بين الحقول كسحلية فضية من عصور ما
    قبل التاريخ ، وفي ذهنه خاطر سعيد جعله يبتسم في وجه الأشجار التي بدت في تراجعها المثير أقرب لأشباح تفر القهقرى من حقبة النور إلى عصورظلام سحيقة كانت تعتلي فيها البشر وتخطف نساءهم الجميلات بدون أدنى سبب سوى الطمع والعين الفارغة . يضع يده المدقوقة بصليب أخضر صغير تحت ذقنه مترنما ببعض القداسات التي طالما رددها في صلاة الأحد ، وكيف له أن ينسى أصله وفصله ، ومجيئه من قلب الصعيد الحرون إلى نداوة الأسكندرية القشدة في ملمسها الطري ، وحلاوة شاطئها الممتد بلا حدود .
    أقنعته إيفون أن يذهب إلى سوق المنيرة حالما ينتهي من مأموريته ، ففيها الكوسة مجرودة ، ومحفورة القلب ، وحبات الباذنجان الرومي نفس الشيء ، والفلافلة الخضراء التي هي فاكهة المحشي دون غيرها . لم يلاحظ المرأة مقطوعة الذراع التي رمت على ركبتيه آية الكرسي وهي تختفي ، فقط وبصورة تلقائية ، وضع الدفتر الصغير في جيبه وجهز نصف جنيه ليعطيها إياه ، وغفا لحظة أو لحظتين ، إذ فتح عينيه فوجد يده مبسوطة ولا أثر فيها للنصف جنيه ، فتوقع أن المرأة سحبته في هدوء حتى لا تقلق منامه ، وهبت عاصفة غبار فغطت الزروع والمواشي في الحقول الواطئة ، واندفعت دوامة غبار نحو عربات الدرجة الثالثة التي قدت من خشب تم طلاؤه باللون الرسمي للحكومة ، وهو الكاكي الميت . كاكي بليد محايد غليظ في درجته التي لا هي بنية كلون جذوع الكافور العتيقة ، ولا هي صفراء بلون الذهب الفتان
    .
    ولما سرح عقله للذهب لا يعرف كيف لمح يد إيفون التي تزينها أسورة من عيار 21 مدموغة تهتز مترجرجة من تحت الإبط ، وهي تؤكد له أن الحال ميسور ، وعليه أن يحفظ مركزه ويركب مع الموظفين المحترمين في عربات الدرجة الثانية حيث المقاعد جلدية ، والديوان له أبواب تغلق وتفتح بحساب ، عليها ينقر الكمساري قبل الدخول ، ويتنحنح بإحم
    .
    و" إحم " هذه في عرف الناس المحترمين موطن للستر ، ودفع للبلية ، وتغطية كل ما انكشف عن زهق ، أو استهتار ، أو دلع
    .
    عليه أن يفرح كل الفرح أنه قد اقتنص هذه السفرية من فم الأسد ، فسوف يذهب للوزارة مشفوعا بخطاب رسمي عليه ثلاث توقيعات محترمة ولها حيثياتها : توقيع الموجه العام بنفسه ، ثم المدير المالي والإداري بجلالة قدره ، ويكمل السلسلة الذهبية خربشة وكيل الوزارة التي تبدو شتمة صريحة لكل من يدفع به حظه العاثر أن يدخل مكتبه
    .
    لقد دخل أمس ، وكما علموه طأطأ الرأس، فتكلم وعنقه محني لأسفل كأنه يتوقع صربة بالسيف ، : سيادتك مأمورية
    .
    لم يرد عليه سيادته ، ولا تحركت في وجهه عضلة فاستعان بصورة الرئيس التي كانت تضحك ضحكة رسمية مجاملة خلف المكتب البيضاوي وسلط نظره عليه فلاحظ أن البؤبؤ يتحرك فاستعاذ بالعدرا أن تنقذه من هذا اليوم الذي لا تبدو أن شمسه ستغرب بدون أن يرفت
    .
    إتنيل انطق . عايز إيه؟

    اصطكت كلمة " اتنيل " برأسه ، ونظر حوله فتأكد أن جميع مقدمي الطلبات قد انصرفوا ، فهو المتنيل الوحيد دون غيره ، لذا اقترب خطوتين من المكتب ، حاول أن ينطق ، فترددت الكلمة في الفراغ القائم بينه وبين السيد وكيل الوزارة وبدت كاهتزازات مغناطيسية تعيق لسانه من النطق ، ولم يسعفه سوى نظرة من إيفون التي دخلت المكتب بعد أن شقت الجدار كالسحرة ، وهي غالبا ما تفعل كلما ضاق به الحال ، فزغدته في كتفه : إنطق يا أبو عدلي . قول له إنك رايح تجيب الدروع من الوزارة . وأوعى لسانك يفلت بحكاية الكوسة والباذنجان والفلافلة . يالله يا أخويا .
    مد يده بالورقة وبصعوبة نطق، كأنه يخرج جملا من سم خياط : سيادتك . ذاهب مأمورية
    .
    دار وكيل الوزارة بالكرسي الهزاز ، دورة ونصف ثم واجهه وهو يدعك عينيه المحمرتين: فين؟

    فتح الله عليه بالكلام ، بعد أن بعثت فيه إيفون الحماس ، ثم ما لبثت أن تبخرت في الهواء ، لكنه كان قد تعافى من وعكته ، وانطلق لسانه كالفرقلة : الوزارة يا أفندم .ربنا يعلي مراتبكم
    فز من مقعده ، ونطر جسده المربع ، ووسع ما بين فخذيه ، وهرش ، ثم قرب الورقة كأنها حشرة : وزارة وزفت
    .
    مهر الورقة قرفا بتوقيع أقرب إلى البصقة ، لكن جرجس الحريص على السفرية سحب الورقة بود بالغ ، وهز رأسه امتنانا : شكرا يا افندم . ما نتحرم أبدا من توقيعكم الكريم
    .
    فعاجله وكيل الوزارة بلطمة أقوى من الأولى : لا تنس أن تغلق الباب خلفك يا تيس
    .
    كان هو الوحيد الذي سمعها ، وأمامه أمر من اثنين . أن يعود، ويلكم الرجل ويروح في ستين داهية ، أو أن يعمل أذن من طين ، وأذن من عجين ، ولا من شاف ولا من دري . وقد فضل الحل الثاني وأغلق الباب من خلفه ، فساورته الشكوك أنه تيس فعلا
    .
    يا خبر أسود لو أن أيفون عرفت بما جرى ، هو لا يجسر أن يخبرها أنه تلقى في يوم عمل واحد لقبين كلاهما ينجس بحر : المتنيل ، وهذه مقدور عليها ، فكل منا تنيل بشكل أو بآخر ، والتيس . هذه والله عيب وكبيرة في حقه . القطار يهتز ، ووجهه ممتعض قليلا ، لقد كان مكدرا طيلة ظهيرة أمس ، ولما نزل من عند مكتب وكيل الوزارة مال على محمد أفندي الفقي صديقه بقلم الأرشيف ، وهمس في أذنه : أريدك لأمر هام
    .
    ثم هبط دورا وأشار للعوضي كليلة كي يأتي معهما ، فالأمر عاجل ولا يمكن ان يؤجل أبدا
    .
    ارتبك محمد افندي ، ووضع سجادة الصلاة على المكتب علامة على أنه عائد ، حتى لا يأخذ " زنبة " ممن ينافسه على الدرجة ، أما العوضي كليلة فقد كان له ظهر جامد ، وظهره هو رئيس قسم الحسابات : صهره وخط دفاعه الأول ضد كافة أنواع " الزنب " ، و" الفتايل
    " .
    مع جرجس وديع شنودة هبطا السلم ، وكالمنومين صارا معه ، صفق المتنيل ، وجاء الجرسون ، فطلب محمد الفقي ككل مرة ثلاثة قرفة ، غير أن جرجس أفندي استوقف الجرسون ، وطلب قهوة سادة ، فأدرك محمد الفقي أن الأمر جلل
    .
    ـ لو تسمح يا محمد يا أخي .. هو أنا شكلي متنيل؟

    ـ لا سمح الله؟ مين يقدر يقول كده؟
    ـ طيب بص في خلقتي كويس يا عوضي .
    ـ بصيت . خلقة زي الفل
    .
    ـ يعني ممكن أكون تيس؟

    ـ يا جرجس افندي . تف من بقك.
    وجاء الجرسون بفناجين القهوة السادة في الطلبية الثانية ، وفهم محمد أفندي الفقي كل شيء ، فواسى صديقه القديم ، وزميل طفولته : بص يا جرجس أفندي . الكلمة العيب لما تطلع من أهل العيب تبقى مش عيب
    !
    غير أن العوضي كليلة وجدها فرصة ليثير معركة تعوضه عن العلاوة التي حبسها عنه الرجل المربع الواصل إلى فوق فوق ، فقد اقترح أن يشكوه جرجس للإدارة القانونية كي يحصل على حقه كاملا غير منقوص
    .
    وهنا أخطره محمد أفندي أن مصير الشكوى سلة المهملات ، مع زرع الجواسيس حوله تصيدا لخطأ طفيف يتم به نحره . وهنا استقر الرأي على أن من شتم فقد شتم نفسه ، وأن الرجل يمد أصله لسابع جد ، وهذا جده بلا شك دون وخسيس ، ثم أنك لن تدخل له كل مرة بورقة طلبا لمأمورية
    !
    استراح جرجس أفندي لهذا التفسير ، واطمأنت نفسه بعض الشيء ، وحين رجع البيت بدا مهموما ، سألته إيفون عن المأمورية ، فعلمت منه أنه قد ووفق عليها ، وككل سفرية لبست له الأحمر الستان اللميع ، ثم أطفأت اللمبة السهاري توفيرا لفاتورة الكهرباء ؛ وتمنعت أن ظهرها منقسم من شغل البيت ، لكنها لاحظت أن حرارة صوته قد خبت ، ويده بانت في الظلام مرتجفة ، فاستعاذت بالعدرا أن يخفف عن زوجها تعب وإرهاق الشغل
    .
    كان الحر قد لفح الجدران ومس الأجساد فاكتفت بغطاء خفيف ، وفي الظلمة الداكنة اشتجر الجسدان وسمعت أنين روحه ،وسرى في جسده نحيبه الخافت رغم الدلجة . مدت يدها نحو وجهه فلامست دمعا رقيقا كان ينحدر على الوجنتين بلاصوت ، فعانقته حتى الصباح ، وغفا بين ساعديها كطفل فيه براءة النرجس
    .
    جاء الكمساري وهزه من كتفيه برفق ، حاول أن يسحب الغطاء الخفيف ليستر عريه ، غير أنه لمح من حوله أناس مغبرين ، وأقدام مدلاة من الأرفف ، فتأكد أنه في عربة القطار المتجهة إلى القاهرة ، وكانت " السيمافورات " تتحرك وتعطي إشارتها ، وبيد مغلولة قدم التذكرة ، فعلمّ عليها الكمساري ومضى
    .
    فحص الطريق فتوقع أن يكون على مشارف بنها ، فعدل نفسه ، وأخرج "الإنجيل " وراح يقرأ منه ، ولكن منظر الملاءة التي كشفت الجسدين ظلت تؤرقه ، وكان وجه إيفون يلوح له كسيفا حزينا ، فهل أخبرها أحد أن زوجها قد أهين في ذلك المكتب الدوار أم أنها شعرت به حين لم يستطع أن يكون رجلها في ليلة صعبة لم يبرق فيها نجم واحد ؟ ليلة مرت عليه كأنها قطعة من صخر هائلة وضعت على صدره وكادت تكتم أنفاسه؟

    دقق النظر في أرضية القطار ، كانت صفوف من النمل تمضي في طريقها رغم الزحمة الخانقة ، وأقدام العسكر بالبيادات الثقيلة في الممرات . هولا يعرف السر الخفي لهذا الطابور المنتظم رغم أن الدهس قائم ومتوقع . صعب عليه أن يقتل النمل المسالم ، وكان من النوع المنزلي البطيء في سيره ، خشي أن يهز العسكري الذي يتحرك ببلادة كلما عبر بائع "غازوزة " فيفتك بالهياكل الدقيقة البائسة . تساءل في نفسه : أليست كائنات لها روح ؟
    وقبل أن يبحث عن إجابة ، مدت له سيدة سابغة في الأسود طفلا رضيعا : لو تسمح دقيقة لما أعدل نفسي .
    كأنها هدية هبطت إليه من السماء . كان وجها طفوليا كأنه ملاك ، أحنى رأسه ، قبلـّـه ، والمرأة تسوي فستانها " الملس " الأسود ، وتحكم إيشاربها ، أما هو فعيناه لا تغيب عن الملاك النائم ، وجاءه هاتف أن يقبله في وجنتيه المتوردتين ثانية ، فخشى أن يصحو الرضيع ، وهي أومات له ممتنة أن يرد لها طفلها، فهبط بصدغه الأيمن تجاه الوجه النائم فمس بذقنه الشوكية خده الأملس فصحا الطفل وتثاءب هنيهة ، ومالبث أن أغمض عينيه ، فتركته المرأة للرجل الودود ، وأسندت جذعها للضلفة الخشبية النصف مغلقة في نافذة القطار ، في المسافة الضيقة المحشورة بين المقعدين المتقابلين
    .
    كان هاني هو النائم ، بين يديه وهو يدور به في فضاء الغرفة ، وإيفون تحذره ألا يلقي به ويتلقفه حتى لا تتعب معدته ، ولكنه يسهيها ويفعلها والولد يصرخ ويرجع يغرغر بصوت ضحوك ، وهو يهتف به :" إنجغه
    " .
    كانت قد استراحت فحملته شاكرة ، وضحك حين شعر بالبلل يشف ويتسلل عبر النسيج القطني الخفيف للبدلة الصوف المعتبرة من صوف " لا نكشير" . كانت مجرد بقعة في بنطلون داكن لا يؤبه لها . واحتل وجهه صفاء غريب ، وعدت به الأيام لفترة ما بعد نصف الإكليل ، والتسابق بأقدام حافية في حديقة " أنطونيادوس " . لا يعرف كيف كانت تسبقه كل مرة رغم أنها أقصر منه قامة ، لكنها كانت كالرهوان ساعة العدو في ممرات الحديقة المتعرجة
    .
    هي أمهر من يضفر الخوص في أشكال جمالية فائقة مع أحد الشعانين ، بعدها تقدمها للأولاد هاني وعدلي ، وللبنت الوحيدة الجميلة مريم . تلك الفتاة التي أخذت من أمها رقتها ، ومن أبيها أدبه الجم . فكيف يكون تيسا ؟

    غشى وجهه حزن عميق إذ تذكر المكتب الدائري ، وكان القطار على وشك الدخول إلى محطة مصر ، فهزت المرأة رأسها وحيته ، وصمم هو أن يضع بين يديه الدقيقتين جنيها كاملا، وضعه فأفلته ، فطواه ودسه في لفة التيل تحت غطاء القطن شاهق البياض المشغول بوردة ، وغادر المكان دون أن ينتظر تمنعها .
    هبط مع الحشود ، وشعر بأنه يسير في نفس الخطوط الدقيقة للنمل الأسود المنزلي فشعر بالإهانة ، وراح يسارع الخطا ، يمرق من بين الزحام بصعوبة بالغة حتى وجد نفسه في مواجهة تمثال رمسيس الثاني فعرف أنه قد أصبح خارج المحطة ، وتألم أن وجد الكباري تحاصر جسده الفتي العملاق ، وحزن لما وجده فجأة وقد حمل وجه تيس
    .
    هز رأسه مرتين وحاول أن يطرد الخاطر السيء الذي لا يحيق بغير أهله ، فلم يتغير المنظر ولا اختفى القرنان من فوق الرأس المهيب
    .
    عند باب الوزارة كان رجال الأمن يعملون في همة ، أبرز لهم الخطاب الرسمي ممهورا بالتوقيعات وخاتم النسر ، لكنهم أدخلوه حجرة التفتيش ، وفتحوا حقيبته ، ودسوا أيديهم في الأوراق ، وبهدلوا ترتيب القوائم التي كان مكلفا بتسليمها للسيد المسئول ، ودسوا عصا رفيعة في مكان حساس من جسده ، فعلم أن وكيل الوزارة لم يكن يسخر منه ـ حين قالها ـ فهو يستحق أكثر من ذلك
    .
    فكر في العودة ثانية ، وقد تغضن وجهه لكن الإجراءات كانت قد تمت ، وعلى بعد خطوتين وجد في مدخل سلم البناية الرئيسية للوزارة رجلا ملتحيا وقد فرش كتب الأدعية وأعواد السواك ، وزجاجات المسك والعنبر ، فتخطى ذلك بصعوبة
    .
    سأل عن المكان الذي يتسلم منه دروع التفوق ، فأخبروه أن المسئول في الدور السادس . عند المصعد كان رجل أصلع يدخن سيجاراً ويكلم امرأة تضع كحلا ثقيلا في محيط عينيها وتمصمص شفتيها لتوزع الروج بحساب ، يخبطها برفق على كتفيها ناحية حمالة السوتيان ضربة المحب الولهان : إخصي عيك يا بوسي.. غبت وقلت عدوا لي
    !
    وقف خلفه حتى انتهى من ضرب الحبيب الذي هو مثل أكل الزبيب ، ولمح رجل السيجار ، وقد مد يده بقرصة خفيفة في عنق السيدة التي أنبته في غنج لطيف : رشيد بك!أخجل يا رشيد بك
    !
    لما أراد الصعود في المصعد خلف رشيد بك منعه العامل ؛ لأنه مخصص لمدير عام فما فوق ، وعلى شاغلي الدرجات الدنيا أن يشوفوا حالهم ، ويجددوا شبابهم بالزحف المقدس على السلالم
    .
    حدث جرجس أفندي نفسه ، مؤنبا إياها : لا تحبكها لهذه الدرجة . لوائح تطبق عليك وعلى غيرك ، ثم ليس لك عنق جميل كبوسي كي يقرصك فيه رشيد بك
    .
    بدا سعيدا بالاكتشاف ، وكلم نفسه وهو يتخطى الدور الثاني : وكيل الوزارة رجل خباص ، وينطق الغلط بحكم منصبه لا أكثر
    .
    لا أنت تيس ولا متنيل . أنت مواطن صالح بدليل أن التوجيه كله لم يجد رجلا في كفاءتك كي تتسلم عنه دروع التفوق على مستوى القطر . هي مأمورية يحسدك عليها زملاء المكتب ، وعليك أن تمشّي أحوالك ، وتكون مثل الجميع . إن شُــتموا صمتوا ، وإن أُغلق المصعد في وجوههم صعدوا . هل على رأسك ريشة يا أخي ؟

    كانت نفسه تحاسبه ، وهو يحاسب نفسه ، ووجه طفل القطار يلوح فيتبدد الحزن إلى حين ، ويضع يده على البلل الخفيف ، ويبتسم ، وكله ترقب لما ستقوله إيفون حين يحكي لها عن السيدة بملسها الأسود ، وكيف اختارته هو بالذات دون بقية الخلق لتضع بين يديه فلذة كبدها ، خشى فقط أن تقول له : أخشى أن تكون عينك زاغت .
    هي تعرفه راجل مستقيم ودوغري ، ولم يلمس امرأة أخرى غيرها من يوم الأكليل وحفل الكنيسة والقس يمسح رأسه ويقيم القداس . بالتأكيد سيأتي شاب لديه عزيمة ولا يقيم للعواقب أي حساب فيرد على الإهانة بمثلها ، وحين بلغ الدور الرابع كان يلهث وعرقه يتفصد لكنه عاد في العشرين من عمره ، ورفس الباب الثقيل بقدمه ، وتقدم من المكتب الدوار ، وجذب وكيل الوزارة من رابطة عنقه ، وقبل أن يلكمه ، شخط فيه : قل أنك مرة . والرجل من حسرته عملها على نفسه ، وبان البلل واضحا في نفس المكان بالضبط ،في مثلث مقلوب بين الفخذين ، وقد كانت اللطمة على صدغه الأيمن كافية جدا كي يدير له وكيل الوزارة بجسده الرجراج المربع الصدغ الأيسر ، وهو لم ينصت لتعاليم السيد المسيح ولطمه ، ولم يتركه قبل أن ينطق بوضوح والناس في الخارج يدقون بقبضاتهم الأبواب : أنا تيس . والله سيادتك يا جرجس أفندي رجل محترم . أنا وكيل وزارة تيس
    !
    وجد نفسه في الطابق السادس وصدره يعلو ويهبط وقد بلغ به الانفعال أقصى حد ، فتوجه نحو النافذة المطلة على المسقط ، وبصق بغل مكتوم ثم اتجه بخطا مسرعة نحو حجرة المسئول ، وكان الرضا يملأ نفسه بعد أن ثأر من غريمه
    .
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    حسين خلف موسى
    الإدارة
    حسين خلف موسى


    المشاركات : 221

    سمير الفيل / مختارات  Empty
    مُساهمةموضوع: منديل / سمير الفيل   سمير الفيل / مختارات  Icon_minitime02.06.11 0:20

    منــــديل
    أقصوصة

    -سميرالفيل


    منيرة فردت شعرها عند الكوافير . عادت وقد صار شلالا يلف منكبين ضامرين . لكن نظرتها الوادعة المحملقة في الفضاء استمرت طويلا . " كنت أظنك لن تأتي " .
    كان يقف بمواجهتها تماما ، يفصل بينهما سور من الحديد المشغول بزهور اللوتس .
    "
    إنها ستمطر يا منيرة ، تعالي نجلس في الكشك هناك " . مد يده نحوها فتغاضت عنها . أبقتها معلقة في الفراغ . تقدمته بوجه ممتقع قليلا : بدأت الأمطار تنزل بهدوء فيسمع لها وقعا حزينا : " قد جئت ولا أعرف ما المطلوب مني بعد الآن ؟ " .
    مس يدها ، وهي ركزت عينيها على الحفر الصغيرة التي تشهق فتمتليء بالماء رويدا رويدا : " احتملي سنة أو سنتين بالأكثر " . لاح الشحوب في وجهها المستدير ، وندت منها آهة مستكينة : " وماذا لو طرق باب بيتنا عريس جاهز ، وابن حلال؟ " .
    أمسك يديها عنوة ، ورأى في عينيها حزن ثقيل رمادي اللون : " يمكنك ان تتحججي بأي شيء . الدراسة مثلا ! " .
    هزت رأسها غير مقتنعة : " ولم الذهاب أصلا . أنا راضية بغرفة صغيرة فوق السطوح " .
    التفت إليها متوسلا : " وطعام كل يوم .. من أين أحضره ؟" .
    كان تبريره منطقيا وواضحا وضوح الشمس في يوم نصفه مشمس ، ونصفه غائم : " لا أظن خطتك ستفلح مع أمي . إنها تتوعدني . وأبي المشلول لا رأي له " .
    دمعت عيناها وهي تحدثه . انتفضت واقفة محتجة على الأوضاع المقلوبة في الكون كله . مد يده بمنديل أبيض بخطوط ذهبية من على " الكنار " لتمسح دموعها . رآها ترتجف فارتبك . وقع المنديل في الطين ، بينما خطت باتجاه السور . انحنى يلتقط المنديل ، وينطر ما لصق به من ذرات الطين . حين انتبه إلى الطريق لم يجد لها أثرا.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    حسين خلف موسى
    الإدارة
    حسين خلف موسى


    المشاركات : 221

    سمير الفيل / مختارات  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سمير الفيل / مختارات    سمير الفيل / مختارات  Icon_minitime02.06.11 0:23

    قصص قصيرة جدا
    سمير الفيل / مختارات  %20الفيل
    سمير الفيل


    دوران


    في دورانها المثير راحت تدبّ بقدميها الصغيرتين ، العاريتين على الأرض المليئة بالحصى . تتلمس المركز الثابت ، وتلف بلا توقف . حين يشتد بها الجوى تنضو قطعة من ملابسها . وحيدة هي ، وصورته في الإطار بالأسود والأبيض . بغليون من خشب عتيق ، بلا دخان يتصاعد . تدور ، وتنضو قطعة أخرى حتى تشعرأنها خفيفة خفة لا يمكن تخيلها أبدا.
    في تلك اللحظة انشقت الظلمة عنه . طوقها بساعدين قويين . لثمها في عنقها . لم تتوقف عن الدوران ، لكنها شعرت أن الأرض توقفت .
    سقطت حين اختلت خطواتها التي ارتبكت بتأثير القبلة المدوية . حين امتدت يدها لتضيء النور لم تجد أي أحد .


    ذوبان


    قيل عنها أنها حرام ، و" مالك" بالذات قال فيها الكثير . لكن كأسا واحدة قد تصلح من الأمور أعسرها .
    هكذا وجد نفسه يعاقرها ، وهي تشعشع في الطاسة ، وجسده لا يشعر بثقله حتى أنه ودّ لو يطير مثل فراشة ملونة رآها صباح أمس في حديقة المدينة .
    قيل إنها حرام ، وهو الفتى الأمرد ، المتعلم ، ابن الناس ، أوشك أن ينهي حياته عندما هجرته ، وفضلت عليه غريمه المحامي ، طويل القامة ، مفتول العضلات . اهتدى لحل وسط . ألا يموت وألا يحيا ، وأن يبقى في المنتصف تماما. حل وسط ، وخير الأمور الوسط . لم ينه حياته ، ودون أن يتمكن من نسيانها رفع كأسا ثانية فشعر بالظمأ أكثر . حدّث نفسه أنه سينساها ، وكانت دهشته هائلة أن وجدها تجلس أمامه على نفس المنضدة. لما عاد إلى نفسه بعد لحظات من شروده وجدها بفستان السهرة المشغول بالخرز الأزرق . توليه ظهرها بعد أن ملأت كأسها حتى الحافة . دون كلمة واحدة تماس الكأسان ، وفي غبطة مرتبكة مررت شفتيها على عنقه . قبلته قبلة أودعتها كل أشواق السنين الخوالي . ثم ذابت في عتامة كأسه الزجاجي الشفاف.

    وردية



    حين أنهى ورديته المسائية مرّ على بائع الفول ، وابتاع أقراص الطعمية الساخنة ، وبعض الأرغفة البلدية ، وعرج لعربة خضار ومنها اشترى حبتين من الطماطم المتوردة .
    صعد السلم المعتم فوجدها في ثوب الشيفون الأحمر ، وقد انحسر عن كتفيها . كانت ترمقه بفضول ، وتوقع أن تكون الليلة مختلفة لسبب يجهله فيما تحاصره ظنون لا يقدر على البوح بها .
    تصور أنها ستقوم حالا لتجهز السفرة . تقدمت نحوه بعد أن أغلقت الباب الذي كان مازال مفتوحا ، شعرت ببرودة الجو وبدلا من إحكام الروب على جسدها المشتعل بالفتنة فكت الزر الأقرب إلى نحرها ، فانفلت من العروة . خلعت عنه ملابس الشغل ، ففغم أنفها رائحته الذكورية المميزة.
    ارتعش من تيار الهواء البارد الذي جاء من نافذة حجرة النوم، قبل أن يرتدي بيجامته مدت يده تعانقه.
    قبلتها كانت حارة ، ودودة ، لم يتمالك نفسه إذ جذبها نحو الفراش . شم رائحة عطر لم يألفه . عطر ثقيل يدوخ الرأس . امتدت يدها تطفئ المصباح ، وارتعش الجسدان للحظات.
    أرقته أحلام مزعجة . قام في ساعات الفجر رائقة الضوء . لمح أقراص الطعمية ، جسها بيده فوجدها باردة ، أما الأرغفة فقد تيبست . انكشفت له أسرار صوّرها له عقله المضطرب ، خايلته طيلة تقلباته الممعنة في السواد أطياف تمرق في الحجرة . لما خرج إلى الشرفة وجد الناس نائمين عدا إمام الجامع ، كان يحرك مسبحته في يده وهو يسعل فيما تتحرك السحب المتكاثرة جنوبا في سماء رصاصية بليدة.

    خطاب


    بعد كوب الشاي الثقيل فكر أن يدعو زكية ليكتب لها الخطاب الذي ألحت عليه كي يسطره لزوجها المسافر إلى الخليج للعمل في مهنة المعمار.
    نادى عليها بأعلى صوته أن تصعد ، وهي لم تكذب خبرا . جاءت بالأوراق والقلم الأبنوس الأسود وأظرف الخطابات ماركة " الطائرة " بخطوطها الزرقاء والحمراء مؤطرة محيط المستطيل الورقي .
    جلست مواجهة له تماما ، وبدأت تملي عليه ما تريد من طلبات ، وتعلم زوجها الغائب بوحدتها ، مستجيرة من سطوة أحزانها بطلب عودته قبل أن ينفد صبرها.
    خيط تفكيرها انقطع حين وجدت يده تعدل حمالة قميصها الستان الخفيف. لم تجرؤ أن تبص في عينيه العسليتين ، فقد كانت تعرف أن وحدته تضنيه بعد موت السيدة حرمه وزواج البنتين ، واستقرارهما في بيتي الزوجية .
    تنحنح وارتعش صوته وهو يستعجلها : قولي يا زكية . لماذا سكت ؟
    مرة أخرى رأى الحمالة تنزلق من على كتفيها ، وبان منبت النهدين فأغمض عينيه ، وهو يواصل كتابته بخط النسخ.
    شعر بأنفاسها تتهدج ، وهي تمسك يده وتقربها من شفتيها : أعرف أنك صرت مثلي وحيدا، ودمعتك قريبة.
    لا يعرف السبب الذي جعله يفز من جلسته ، فيسدل الستائر ، ثم يعود فيحتضن يديها ، واضعا رأسه على كتفها ، باكيا كالأطفال؟!

    مسمار جحا



    تنغص عليه حياته فكرة أن تستولي مطلقته على الشقة بعد أن دفع فيها دم قلبه ، وبعد حكم المحكمة باستيلائها على العين محل النزاع لكونها حاضنة لطفلين رأى أن يستخدم حيلة بسيطة ، لعل وعسى .
    الشقة في الدور الثالث ، يصل إليها الشخص بسلم له درابزين خشبي رفيع، لا أثر للنور إذ إنّ كل شقة تضيء فقط للصاعد أو الهابط من طرفها ثم تعود الظلمة التامة.
    مكتبته الضخمة في غرفة نومهما المشتركة كانت " مسمار جحا" ، ومن باب العشرة القديمة والذوق اتفقا على نقلها رغم ضخامتها إلى الصالة على أن يأتي في ساعة معلومة كل جمعة ليأخذ منها ما يريد بلا كلام ، وبالمرة يتمكن من رؤية الطفلين داخل البيت لا خارجه.
    هكذا استمر الاتفاق الشفهيّ دون خرق للقواعد المتفق عليها حتى كان يوم جمعة إذ دق الباب فلم يجب أحد . دق ثانية وثالثة وعاشرة فلم يظفر سوى بصدى الدقات. لعب الفأر في عبه ، وخاف على الطفلين من السوء ، عندها أخرج مفتاحه القديم من جيب بنطاله . أدخله في ثقب الباب فانفتح ثم اندفع إلى الحجرة التي يعرفها تمام المعرفة . وجدها نائمة ، والطفلين عن يمين وشمال . رأى شيئا من فتنتها التي طمرتها الألفة . عارية الساقين وجدها. مد يده وغطاها. قبل أن ينصرف فتحت عينيها مستغربة . فوجئت به .
    قبل أن تصرخ فيه مستنكرة تراجع خطوتين واقسم بأيمان المسلمين أنه كان ينوي إحضار كتاب من الصالة ، وأنها لم تستجب لطرقاته المتوالية . هزت رأسها بمعنى أنها تصدقه ، لحظتها تقدم خطوة ، وجثا على ركبتيه فقبل الولدين النائمين .
    يبدو أنه نسى نفسه فقد أتبع ذلك بأن أمسك يدها وقبلها ، وهي المحرمة عليه شرعا بعد الطلاق.
    سحبت يدها برفق ، واعتذر لها أنه لم يقصد . سألته بعينيها إن كان ممكنا أن يعيد المياه لمجاريها . هز رأسه أن كل شيء قابل للإصلاح .
    في تلك الليلة بالذات ، وبعد أن رجع من عند المأذون ناما سويا على نفس السرير بذات الملابس المبهدلة التي كانا يرتديانها قبل ردها لعصمته . كل ما هناك أنها أخرجت زجاجة عطر " الأفعى " بقنينتها الذهبية وغلافها الزجاجي الشفاف ؛ فرشت منها ما بدد هواء الغرفة الثقيل ، حينها مالت وحملت الطفلين النائمين إلى الحجرة المجاورة ، وأحكمت فوقهما الغطاء.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    سمير الفيل / مختارات
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات ..أدبية وثقافية :: مختارات وقراءات أدبية :: موسوعات الكتاب والادباء-
    انتقل الى: