للنشر الإدارة
المشاركات : 3446 . :
| موضوع: مجرد بيدق/ لبنى ياسين 16.05.11 2:33 | |
|
المساحات تتلاشى على مد نظره, أبيض وأسود ليس إلا,يقول الفلاسفة انه في الحياة لا يوجد ابيض أو اسود صرف,إنما هي امتزاج كوني بين اللونين, فلا خير مطلق ولا شر صرف, يبتسم ساخرا من سذاجة الفلاسفة, فالحياة في نظره ليست إلا ابيضا أو اسودا, والأسود هو دائما ذلك الوجه المخالف له, ليس ثقة بان الخير متجسد في تكوين دمه الملكي, ولكن في النهاية كل إنسان يعتقد أن الشر هو كل ما ليس هو عليه, فان كنت اسودا لا بد أن الشر كما يتراءى لك هو نقيضك الأبيض,لكل فلسفته في الحياة , حتى هو من زاويته الغريبة لا يجد الخير والشر مطلقين,فكل يعتبر انه الخير...فمن الشر إذا؟؟
تأزف ساعة الصفر, منعطفات يفرضها القدر على تموجات أطياف الحياة, في لحظة ما هو الملك والكل طوع بنانه وفداء له, وفي لحظة أخرى...ليس سوى أسير ذليل أو ملك معزول أو صفحة من صفحات الماضي يعيث فيها الماكرون فسادا, فلا يذكر التاريخ إلا عثراته, ويتغاضى بفعل فاعل عن مآثره...ابيض أو اسود, يتغنى المخلصون والمستفيدون بدفء زمانه وسطوع مجده, لكنهم بعد سقوطه, قد يغيرون جلدهم, أو ُيبعدون عن كتب التاريخ- وقد استضعفوا- فلا احد يعرف الحقيقة إلا من زاوية الأقوى, وقد يكون ذلك الأقوى على حق...كما قد لا يكون, ويتسابق الخونة والمتضررون لعرض هناته وعثراته, وقد يتحرون الحقيقة والأغلب أنهم لا يتحرونها, وهو شخص واحد لا غير لكنه ...ابيض خالص أو اسود صرف, حسب الزاوية التي يقف فيها هؤلاء أو أولئك, الملك واحد والرؤى كثيرة...لكنها على كل حال ابيض أو اسود.
يحتدم القتال على الساحة, يلتحم الجيشان,إلى أي حد بوسعه الوثوق بأتباعه وكبار قادته, ليس غبيا لكي يعتمد على جنوده الصغار,فهم ما عاشوا في خيره لينقذوه من شر أعماله, لكن ماذا عن الكبار...أيتركونه ويمضون على مبدأ اللهم نفسي- وقد نالوا من خيره الكثير- أم يتابعون القتال معه حتى اللحظة الأخيرة, يحتدم القتال وهو في مكانه الآمن تحت الحراسة في الساحة, يراقب الأحداث وسط ضجيج السقوط وصمت التأمل واستعار الترقب,لطالما اعتقد أن وقوع البلية خير من انتظارها,كم هو مقيت ذلك الانتظار الذي يدرك انه سيقرر مصير حقبة في تاريخ امة وشخص بمثل عظمة بطشه, ينظر حوله, كل شئ ونقيضه ملتحم معا في هذه اللحظة, حتى هو ونظيره المناقض له الذي يقف على الطرف الآخر كما يقف هو تماما...ذات الترقب,نفس الانتظار, والقلق عينه يفرش عباءته هنا وهناك , ويحفه الجنود كما يحف عدوه .
يناور وزير حربه المخلص في محاولة لإنقاذ الملك, إلا انه سرعان ما يسقط,ويسقط وراءه أفراد جيشه تباعا فداء الملك, والملك هو الملك ,يجب أن لا يسقط, فالملك يعني كل شئ, الأرض...الوطن...الأمة...النصر,وبسقوطه يسقط كل شئ, ما الذي يجعل فردا واحدا أهم من امة ووطن؟؟!! ما الذي يجعل دمه أغلى واهم من دمائهم مجتمعة؟؟!!...ابيض...اسود.والخير حيث هو.
يقف شامخا مبتور الأمل على حافة جراح امة بأكملها,يتأمل قصائد الدماء المكتوبة بالقهر والهزيمة على ارض المعركة,ولا يهتز له رمش,فالقضية اكبر بكثير من مجرد معركة وجيش...ثم كيف يهتز له رمش وهو الملك ...والملك هو.
يعلن جيش العدو تقدمه باتجاه موقعه الملكي, الرقعة تضيق عليه وبه, ويتساقط أتباعه واحدا تلو الآخر, منهم من يسقط صامدا ومنهم من يستسلم متخاذلا...لم يعد هناك فرق, فالمهم هو النتيجة, والنتيجة لم تعد تبشر بخير, لكنه حتى هذه اللحظة ما زال الملك, هل ينظر في ساعته ليحدد لحظة سقوطه تماما, وما الفائدة, سيؤرخها العدو باللحظة التي يريد وبالطريقة التي يرغب طالما أصبح في الموقع الأقوى.
تسقط قلعة الملك وتنهار أحجارها المطلية بدماء الآلاف حجرة وراء أخرى, تنسحق الحجارة وتغدو ترابا احمر, هل سيذكر الأحفاد وهم يدوسونه انه قد صبغ بهذا اللون من دماء أجدادهم؟؟
هو لا يظن ذلك, فالتاريخ...لن يكتب بأيدي الأحفاد وبالتالي سيغفل حقيقة احمرار التربة, وسيعزوها إلى ظاهرة جيولوجية ما, سيفكرون في أمرها لاحقا عندما يأتي وقت التسجيل صارخا:فليسجل التاريخ.
كل شئ انهار دفعة واحدة وبطريقة مربكة تماما, من يعرف كيف سقطت القلعة؟؟...لغز محير لم يفهمه كائن , لكنها سقطت وجيش العدو يتقدم باتجاهه, وهو يتفقد رأسا لا يعرف تماما كم سيطول الأمر بها فوق جسده, لكنه لن يهبهم هذه اللحظة بالسهولة التي يتوقعونها,تحين منه نظرة ليرى أشلاء جيشه الممزقة وهي تفرش الأرض بساطا يكسو الأرض حبا, ويرى بان أتباعه المخلصين قد مسحوا عن وجه الأرض عن بكرة أبيهم, ,وظل الهدف الوحيد المتبقي. وبسقوطه ...ينحني تاريخ جبروته مسلما تاجه إلى جبروت إن لم يكن اكبر من جبروته فليس اقل إطلاقا.
تحين منه نظرة فإذا به وقد بقي في جيشه جندي واحد ...مجرد جندي, ليته كان حصانا يهرب به أو قلعة يلوذ بها...لكنه مجرد جندي,أي حظ عاثر يبيد جيشه ويترك له جندي فقط في معركة طاحنة كهذه.
وحده وجندي قزم يقاتلان جيشا كهذا !.
ما من منطق يقول انه قد يفوز,يتقدم خطوة ويتراجع أخرى في محاولة يائسة لكر وفر لم يعد بإمكانه المبالغة بهما.
يتقدم إذ يجد مكانا يتسع لمحاولة يائسة للفرار, ويتراجع خطوات عندما يهاجم الخصم,لعبة الحرب القذرة منذ فجر التاريخ.
استغرقته لعبة الكر والفر طويلا , وبدأ جيش العدو يتناقص واحدا تلو الآخر من حوله دون أن يفهم سببا لذلك, بقي وحده وجها لوجه أمام الملك الآخر , ولشده دهشته وجد الجندي الأخير المتبقي من جيشه وقد ضرب ملك العدو في مقتل...فكر في نفسه :أين ذلك الذي أقنعه انه لا يمكن الانتصار ببيدق؟؟؟
| |
|