الفرق بين سنن العادة وسنن العبادة
للشيخ الألباني رحمه الله تعالى
ما هو الضابط الشرعي للتفريق بين سنة العادة وسنة العبادة ؟
------------------
رقم الشريط : 367 موسوعة فتاوى الألباني الصوتية
السائل : بارك الله فيك بالنسبة ما هو الضابط الشرعي في التفريق بين سنة العادة وسنة العبادة ؟
الشيخ رحمه الله : اممم
الضابط يحتاج إلى شيء من العلم بالنسبة للذي يريد أن يفرق بين سنة العبادة وبين سنة العادة ، من المقطوع به أن هناك أفعالاً للنبي صلى الله وعليه وسلم كانت تصدر منه ، تقرباً منه إلى الله تبارك وتعالى ، هذا النوع هو من سنن العبادة ، ويقابله قسم آخر أيضاً من المقطوع به أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يفعل ذلك - أقل ما نقول - ليس بحكم العبادة وإنما بحكم العادة أو بحكم أمر يعود إلى رغبة الإنسان التي لا علاقة بها بالعبادة ، هذا القسم منه ما هو واضح أنه ليس له علاقة بالعبادة فيكون من قسم العادة ، وبين القسمين أمور مشتبهات .
أحد القادمين : السلام عليكم
الشيخ رحمه الله : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الشيخ رحمه الله : فإذا نظر إليها من زاوية معينة قد يميل الإنسان إلى إلحاقها بالعبادة ، فإذا نظر إلى هذا القسم الوسط بنظرة أخرى قد يميل حينذاك إلى اعتبارها من سنن العادة ، وحسبُ طالب العلم آآآآ آآ هذا القسم الثاني الذي يقابل القسم الأول يكفي طالب العلم أن يقف عنده .
مثلاً : كان لرسول الله صلى الله وعليه وسلم نعلان لهما قِبالان ، ما يبدو لأول وهلة لطالب العلم أن كون النعل لها قِبال واحد خلاف السنة !! والسنة أن يكون له قبالان !! ما يبدو أن هذه لها علاقة بالعبادة ، وإنما هي عادة عربية كانوا يلبسون هذا النوع من النعال ، ولا يلبسون النعال المعروفة اليوم الذي يسمى بالحذاء والموتيم أو الصباب أو ما شابه ذلك من أسماء تختلف بإختلاف البلاد .
ويبقى بالنسبة لطالب العلم القسم الذي ممكن أن يُلحق بالأول أو الثاني .
هذا يحتاج إلى علم بتمييز أو للجزم بأنه يلحق بالقسم الأول دون الثاني أو العكس مُلحق بالثاني دون الأول .
من أجل ذلك نجد بعض العلماء اتفقوا على أمور أنها من سنن العادة ، واختلفوا في مفردات منها هل هي من سنن العادة أو من سنن العبادة ؟
مثلاً : فيما يتعلق بالحج ، ونحن مقبلون قريباً إن شاء الله على الحج ، جاء أن النبي صلى الله وعليه وسلم نزل في البطحاء ، فقال بعض الصحابة وأظنها عائشة : ليس التحصيب بالسنة .
وإنما اتفقَ أن النبي صلى الله وعليه وسلم نُصِبَت له الخيمة هناك فنزلَ ، بعض الناس من القُدامى يظنون أن النزول الحصباء هناك البطحاء هو من تمام مناسك الحج ، وهنا قد يقع خلاف لأن المسألة تحتاج إلى شيء واضح جداً لنلحقه للقسم الأول أو بالقسم الثاني ، أن ندخل الآن في بعض الأمثلة الواقعية ، الآن الكثير من الشباب والحمد لله يعنون بتقصير لباسهم وعدم إطالته عملاً بالسنة ، فهل هذه سنة عادة أو سنة عبادة ؟
لو تظرنا إلى فعل الرسول عليه السلام منفصلاً عن بعض أقواله لربما تردد النظر في إلحاق هذه السنة العملية بالقسم الأول أو بالقسم الثاني ، ولكن لما جاءت أحاديث من قوله عليه السلام منها حديث أزرة المؤمن إلى نصف الساق ، فإن طال فإلى الكعبين ، فإن طال ففي النار ، هذا يقطع التردد في إلحاق هذه السنة بسنة التعبدية أو العادية ، ويؤكد أنها سنة تعبدية لأنه وصف منهج اللباس بالنسبة للمؤمن وقال : إنه إلى نصف الساق ، فإن طال ، لا بأس أن طال إلى الكعبين ، أما إن طال أكثر من ذلك ففي النار ، إذاً هذه سنة عبادة وليست سنة عادة .
يقابل هذا سنة ثابتة عن النبي صلى الله وعليه وسلم، وهو أنه كان له شعر طويل ، تارة يبلغ شحمتي الأذنين فإن طال بلغ رؤوس المنكبين ، بل ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما دخل مكة ، دخلها وله أربع غزائر ، ظفائر ، هل هذه الإطالة للشعر أولاً ثم تظفيرها وجعلها غزائر ثانياً هو سنة عبادة أم سنة عادة ؟
الجواب بالنسبة لي : لا داعي هنا ولا مبرر أو مسوغ للتردد هذه سنة عادة ، لماذا ؟
أولاً : لأن النبي صلى الله وعليه وسلم ليس هو الذي سن هذه السنة ، وإنما هي كانت موجودة قبل ولادة الرسول فضلاً عن قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ، آآآآ كانت من عادة العرب ، كانوا يربون شعورهم ، والشباب حتى اليوم في بعض البوادي السورية شاهدناهم ، الشباب منهم يظفرون شعرهم ، يجعلونه غزائر ، فهذه العادة لم يسنها الرسول عليه السلام ، إنما جرى على عادة العرب ، فأطال شعره ، فاتخذَ منه يوم دخل مكة ، دخلها وله أربع غزائر ، ليس هناك ما يضطرنا إلى أن نعتبر هذه السنة سنة عادة ، بخلاف سنة أخرى .
مثلاً : وهي ان الرسول عليه السلام كان يلبس البياض ، هل سنة عادة أو سنة عبادة ؟
لو لم يرد مثل قوله عليه السلام : ( خير ثيابكم البياض ، فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا فيها موتاكم ) لقلنا هذا ذوق ، والرسول كان يحب البياض كما يحب العسل مثلاً ويكره لحم الضب، ذوق هذا ، لكن لما جاء قوله : (خير ثيابكم البياض ) ثم أمر على الأقل أمر استحباب ، فقال : (فألبسوها أحياءكم ، وكفنوا فيها موتاكم ) خرجت هذه السنة عن كونها سنة عادة ودخلت إلى كونها سنة عبادة ، وبهذا المعيار ، وبهذا الميزان ، يجب أن نقيس أفعال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فما سنهُ هو ابتداءً ، ولم يكن هناك قرينة تجعلنا نؤمن بأنها سنة عادة ، فهي سنة عبادة ، أما ما فعله عليه السلام انسجاماً منه مع العادات العربية ، فهذه عادة عربية لا بأس من فعلها ولا بأس من تركها ، وما فعله عليه السلام من عمل له علاقة بجبلته وبذوقه فهذه أيضاً ليس لها علاقة بالأمور التعبدية ، والمثال الذي سبق ذكره آنفاً ، كان يحب عليه السلام العسل ، وقد نجد بعض الناس يكرهون العسل فما نقول خالفوا السنة !! لأن أكل العسل في أصله ليس عبادة ، فلو أنه لم يتيسر لإنسان ما أن يأكلَ العسل أو ما رغِب أن يأكل العسل ، فما نقول خالف السنة لكن خالف طبيعة النبي التي كانت تحب العسل ، لكن من جهة أخرى كان عليه الصلاة والسلام يكره لحم الضب ، والعرب يستسيغونه ، ولما وضع على مائدته عليه السلام ، وقيل له هذا لحم ضب ، أمسك ، وكان بين يديه أحد أصحابه المشهورين ألا وهو خالد بن الوليد كان يأكل بشهوة عارمة لدرجة لفتت النظر ، كان يأكل والمرق تسيل على لحيته ، فلما رأى نبيه لا يأكل ، قال : ( يا رسول الله أحرام هو ؟! ) ، لأنه صار صدمة في نفسه ، هو يأكل بنهم ورسول الله لا يمد يده ! فقال : ( أحرام هو ؟! ) ، قال : ( لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجد نفسي تعافه ) ، إذاً نحن ما نقول لمن يحب لحم الضب خالفت السنة ! لأن الرسول كره لحم الضب ، ولا نقول لمن قد لا يحب العسل وهذا موجود وفي أحد أولادي ! أنا أحب العسل وأحب الحلوى بصورة عامة ، لكن أحد أولادي يكره العسل ! فما أقول له خالفت السنة ! ، لأنه لا علاقة له بالعبادة .
على نحو هذا يجب أن ننظر إلى أفعال الرسول صلى الله وعليه وسلم ، وغفلة الناس وطلاب العلم خاصة في هذا الزمان عن هذا التفصيل وقعوا في شيء من الغلو ، فتجد بعض الشباب يتقصدون إطالة الشعر ، بزعم أن هذه سنة الرسول عليه السلام ، نعم أقول أن هذا من فعله عليه السلام ولكن ليس هناك ما يدل على أن هذا هو الأفضل ، بل قد صرح رسول الله صلى الله وعليه وسلم كما في صحيح مسلم قال : ( احلقوه كله أو اتركوه كله ) .
فإذاً إطالة الشعر ليس سنة تعبدية وإنما هي سنة عادية ، فإذا ظل الإنسان يحلق رأسه طيلة حياته ، ما يقال أنه خالف سنة النبي الذي أطال شعره طيله حياته إلا في الحج أو في العمرة ، وقد كان عليه السلام يحلق شعر رأسه ، وتعرفون الحديث الذي ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله وعليه وسلم ( قال : اللهم اغفر للمحلقين ، اللهم اغفر للمحلقين ، اللهم اغفر للمحلقين ، قالوا : وللمقصرين يا رسول الله ؟ ، قال : وللمقصرين ) لكن التقصير مفضول والفاضل هو الحلق ، فإذاً إذا ربى الإنسان شعره كعادة أو كمزاج يناسب طبيعته لا مانع من ذلك ، أما أن يتقصد التقرب إلى الله بإطالة شعره عليه السلام ، فنقول إن في هذا مخالفة لسنة النبي صلى الله وعليه وسلم ، وهنا دقيقة يجب الإنتباه لها :
الذي يطيل شعره ، إتباعاً للنبي صلى الله وعليه وسلم الذي أطال شعره ، هو يظن أنه اتبع النبي صلى الله وعليه وسلم ، لكني أقول بكل صراحة : إنه خالف النبي صلى الله عليه ويسلم، لكن المخالفة هنا ليست ظاهرة وإنما هي باطنية داخلية ، والاتباع ظاهر وهو يطيل شعره كما فعل النبي صلى الله وعليه وسلم ، ما وجه المخالفة ؟
وجه المخالفة : أننا يجب أن نلاحظ قول نبينا صلوات الله وسلامه عليه : {إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ،فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرتهإلى ما هاجر إليه } ، من خرج مجاهداً مع النبي صلى الله وعليه وسلم ظاهره ماذا ؟ مجاهد في سبيل الله ، لكن هو خرج لدينا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهو قد خالف النبي في نيته ، فهل يؤجر ثواب المجاهدين ؟! وقد خالف سيد المجاهدين ؟! في ماذا ؟ في النية .
الجواب : لا .
الآن الذي يطيل شعر رأسه اقتداء بنبيه ، مثله كمثل ذلك المجاهد الذي خرج مع النبي مجاهداً ، لكن نيته تخالف نية نبيه صلى الله وعليه وسلم، كيف هذا بالنسبة للذي يطيل شعره ؟
نقول له : هل تعلم أن النبي صلى الله وعليه وسلم حينما أطال شعر رأسه ، قصدَ بذلك التقرب إلى ربه ؟ إن كنت تعتقد ذلك فَفِعلُكَ نِعمَ هو ، وإن كنت لا تعتقد فإذاً خالفتَ الرسول في نيته ، هو لا يتقرب إلى الله عز وجل بحبه العسل !! ولا يتقرب إلى الله بكراهيته بأكل لحم الضب !! كذلك لم يتقرب إلى الله عز وجل بإطالة شعر رأسه ! فأنت تتقرب إلى الله ؟؟!!
فإذاً خالفت النبي صلى الله وعليه وسلم في أعز شرط من شرطي العبادة .
الشرط الأول : أن تكون النية خالصة لوجه الله تبارك وتعالى .
والشرط الثاني : أن يوافق عمل الرسول صلى الله وعليه وسلم .
أنت وافقت الرسول في عمله ، ولكنك خالفته في نيته .
صلاة الفجر كلٌ من السنة والفريضة ركعتان ركعتان ، فلو أن رجلاً صلى ركعتي سنة الفجر بنية الفرض هل أصاب السنة ؟!! الجواب : لا .
من ضلالات القاديانية أنهم يعتقدون أن سنة الفجر واجبة ، فحين هم يصلون هذه السنة شكلاً وافقوا الرسول عليه السلام ، قلباً ونيةً خالفوا الرسول عليه السلام ، فمن صلى ركعتي سنة الفجر بنية الفرض ، هذا مثَلُهُ خالف الرسول عليه السلام في النية ، ووافقه في الشكل ، الشكل هنا لا قيمة له ، لأن الأعمال بالنيات ، ومعنى الحديث : إنما الأعمال الصالحة بالنيات الصالحة .
فإذا كنا لا نعلم أن النبي صلى الله وعليه وسلم تقرب إلى الله بإطالة الشعر ، فلا يجوز للمسلم أن يتقرب إلى الله بما لم يتقرب به رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وهذا هو البدعة في الدين ، كما تعلمون الأحاديث المحذرة أشد التحذير من الابتداع في الدين ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، إذاً هذا إحداث في الدين لأنه يتقرب إلى الله بما لم يتقرب به رسول الله صلى الله وعليه وسلم، وهذه طبيعة المبتدعة ، لأنهم يأتون أعمالاً ما تقرَبَ بها النبي صلى الله وعليه وسلم إلى ربه عز وجل .
ولذلك فالمسألة هذه :
التفريق بين سنة العبادة - فنقتدي بالرسول فيها - وبين سنة العادة - فنحن مخيرين في فعلها وفي تركها لأنها سنة عادة - لكن لا يجوز لنا أن نزيد على النبي صلى الله وعليه وسلم في فعل سنة العبادة شيئاً هو لم يفعله ، وأعظم الأفعال ما كان متعلقاً بالقلوب ، لأن القلب يعمل كما يشرح ذلك ابن تيمية رحمه الله في كثير من مؤلفاته ورسائله .
وأرى لزاماً الآن أن ننهي الجلسة ، فنخشى أن نكون قد شققنا على صاحبنا الداعي لنا وجزاه الله خيراً .
أحد الحاضرين : ... ( كلام غير واضح ) يا شيخ .
الشيخ رحمه الله : جزاك الله خيرا .
أحد الحاضرين : ... ( كلام غير واضح ) حتى الظهر يا شيخ .
الشيخ رحمه الله : شكر الله لك ، لكن لابد لنا من مصالح ، لنا ولغيرنا ، لا سيما وقد رأينا بعض العيون يداعبها النعاس ( الشيخ يضحك ) .
ـــــــــ منقول ـــــــــ
رقم الشريط : 176 موسوعة فتاوى الألباني الصوتية