الأدب الجزائري المعاصر بين الرؤية الإبداعية وروافد التطور

زائر

إن الإبداع الأدبي الجزائري أخذ مكانته المرموقة في منظومتنا الثقافية، فتفتح على آفاق وأعماق وأبعاد غاية في الحداثة والتجديد، فاقتحم الساحة الواسعة للحياة بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية، فعمر النتاج الأدبي بكل أجناسه صحف الجزائر اليومية والمجلات الأسبوعية، وقد لمع من الكتاب عدد غير قليل كان يتحلى بالجدية والتفرد الإبداعي المميز.
وكان حتما ولزاما نتيجة للتطور الثقافي والاجتماعي نفسه أن يتأثر الإبداع الأدبي في تفاعله مع واقع الحياة المتطورة، بالتيارات الفكرية والاتجاهات الفنية التي بدأت تهب على الساحة الأدبية الجزائرية، فتعددت أنماط الإبداع الأدبي ومدارسه، فأصبح وراء كل مدرسة فنية دوافع كانت السبب في ظهور المذهب الواقعي النقدي في الأدب الجزائري.
ووضع الإبداع الأدبي الجزائري الراهن في قلب العصر وقطب رحاه، لا يعني التملص من الهوية والخروج عن التراث والتاريخ، وإنما يعني ضرورة التعامل بشكل جديد مع ذلك التراث، حتى لا يكون عبئا ثقيلا قد يعرقل حركة تطور الأدب والسير به إلى المستقبل، والاطمئنان على مكانته في العصر، ويضمن الإسهام الحضاري في معركة التنمية الفكرية التي تتخذ طابعا ثقافيا وحضاريا واضح المعالم. ومما لا مراء فيه أن الأدباء الجزائريين أفادوا كثيرا من الاتجاهات الفنية الغربية وحاولوا التوفيق بين التراث الأدبي العربي الأصيل وروح المعاصرة في إبداعهم الأدبين كما تداركوا ما فات غيرهم من الرواد، حين لم يقدموا لنا إطارا فلسفيا عاما للمسألة الجمالية في الإبداع الأدبي، فحاولوا هم تحديدها وتعميقها بصيغة فنية أكثر شمولية متبعين في ذلك نهج التناسق بين المبنى والمعنى، فتجدد الإبداع من خلال طرائف تعبير مستحدثة قادرة على الاستيعاب بوعي البعد الحضاري.
ولعل أبرز ما تتسم به التجربة الأدبية في الجزائر، أن مضمونها يرتكز على تجارب اجتماعية وسياسية ومصيرية، وارتباطها برؤية إيجابية للتاريخ ولحركة المجتمع، وبموقف يؤكد على وجهي التناقض في حركة الحياة، بالإضافة إلى تجسيد قيم إنسانية جديدة منبثقة عن هذا الاتجاه وإيديولوجيته في النظرة العامة إلى الإنسان والمجتمع.
ومن هذا المنطلق، فإن التطور الحاصل في الإبداع الأدبي الجزائري، ما هو إلا استمرار طبيعي لما تفرضه قوانين التغيير المحكومة بحتمية المسايرة الزمنية والحضارية، وإذا كان التراث الأدبي والفكري، قد شكل مجالا خصبا للإبداع الجزائري المعاصر، فإن التجربة الراهنة لم تلغه من حساباتها ولكنها استثمرته بوعي مختلف وبطرائق ممعنة في جعله مستجيبا للأبعاد الجديدة، وذلك بتأويله تأويلا جماليا يمنحه القدرة على الانبعاث الجديد، ومن هنا، كان الطرح الإبداعي طرحا فكريا وجماليا، ومستكملا لخصائص الإبداع وأدواته ووسائله بإتقانه، والوعي به من خلال ذلك تتبدى الرؤى التي تمتاز بكونها مزيجا متفاعلا في النص الأدبي، الذي يتشكل في أفق جمالي أدبي له فضاؤه الذي تحلق فيه الروح الإبداعية بما يكتنفها من أشواق وطموحات ورؤى تحقق ذاتية الأديب لنفسهن ومن ثم ليحقق البعد الاجتماعي ثانيا، ودون تقاطع مع بيئته الثقافية والإنسانية ثالثا، إن هذا الوعي بالوجود يدفعه للإعلان عن موقفه كمبدع معاصر، وأديب بخبرته وممارسة الوجود بالدرجة الأولى. وقد يكون في الوضع الأدبي السائد في الجزائر بانفتاحه على تيارات فكرية وفنية متنوعة ما من شأنه أن يدعو الأدباء والشعراء خاصة للاستجابة لضرورات العصر والتعامل بحرية مع التراث، ويمكن توضيح انعكاسات الانفتاح الحضاري على التيارات الفنية المعاصرة في الميادين الأدبية بالاتجاهات التالية، والمتمثلة في التنامي الكمي للإنتاج الأدبي والشعري خاصة، بفضل اتساع جماهير القراء وسهولة وتنوع وسائل النشر والإعلام.
ولا شك أن الإبداع الأدبي في الجزائر، قد جسد في اتساقه وتفاعله مع نفسه وممارسته في المجالات الاجتماعية والسياسية جوانب كثيرة مما عكسته مرآة المجتمع في ظلال فكرية وثقافية، شملت كل الأبعاد التي تحيط بالإنسان المعاصر.
ومن منطلق تأثر الأدباء الجزائريين بالثقافات الأجنبية وانفتاحهم الفكري والفني على المذاهب العالمية والتيارات والمدارس الأدبية، جعل هؤلاء الأدباء يخرجون من حدودهم الذاتية المغلقة، فسرحوا الطرف في أرجاء العالم الفسيح متفاعلين مع أفكاره الجديدة ومفاهيمه المعاصرة، فاقتبسوا الشيء الكثير من نظمه، ونهلوا من ينابيع المعرفة الإنسانية، كما استمدوا من روافد الثقافة العربية ومن نبع التراث الفكري العربي ما يجعلهم يؤدون دورهم الفعال في الارتقاء بإبداعاتهم.
وأية نظرة نقدية إلى الحركة الأدبية في الجزائر، لا بد أن تشير إلى قدرة هذا الأدب على اختلاف اتجاهاته وتنوع روافده، في أن يستند على الأفكار والرؤى والتجارب الخاصة التي كان لها سمات فنية متميزة ومتمايزة، وبرغم التباين في الطرح والمعالجة، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، فإن الأعمال الأدبية (قصة، رواية، شعراً، خاطرة) تحدد لنا طريقة هذا الأديب أو ذاك في تناول هذه الفنون الأدبية، وذلك حسب طبيعة موقفه الفكري ورؤيته الاجتماعية وتكوينه الثقافي.
وإن من أهم السمات الرئيسية للإبداع الأدبي الجزائري، في الوقت الراهن، هو تعدد الأساليب في التعبير بصورة لم يسبق لها مثيل وخاصة في مجال الإبداع الشعري، بحيث واصلت التجربة الشعرية تطورها واتسع تأثيرها على جمهور القراء بصورة ملموسة.
ونذكر _ على سبيل المثال _ لا الحصر _ الأعمال الشعرية التي أثارت قضايا ومناقشات لم تتوقف عند حد ما يتضمنه هذا الإبداع الشعري من محتوى معرفي، وإنما تعدته أساسا لما فجره من جدل حول الأبنية الفنية المختلفة داخلها، بالرغ من تعدد الأساليب والأشكال والصيغ البنائية التي يحملها هذه الإبداع الشعري، إلا أن الجوهر الحقيقي داخلها، من هذه الأعمال الشعرية ـ ديوان وجهك الغرب للشاعر ضيف الله امرأة للرياح كلها (ميلود حكيم) _ في جهة الظل (علي مغازي) (أسفار إلى معرفتي عينيك) ديوان عبد القادر رحماني، (العوسجي) أحمد عاشوري _ الحب الثالث للشاعر عبد الرحمن عزوق (الدخول إلى مملكة الحروف) عقاب بلخير _ (قصائد غجرية للشاعر عبد الله حمادي) (على صفاف الحزن _ محمد زراولة) وفي مجال الإبداع القصصي نجد كوكبة من الكتاب الذين دخلوا حلبة التجديد والتحديث والتجريب ، واستطاعوا أن يمضوا في الاتجاه بكل جدارة ومقدرة، فتأكدت فرادتهم، في الكثير أو القليل مما أعطوا، بهذا أعادوا للإبداع الأدبي الجزائري حضوره الراسخ في الساحة الوطنية وكذا في الوجدان الجزائري والعربي.
نذكر بعض هذه الأعمال القصصية التي تحركت باتجاه التطور والارتقاء أسلوبا وبناء فكريا _ الأضواء والفئران للكاتب مصطفى فاسي – الدفء المفقود للكاتب بشير خلف _ مجموعة العالم لو للكاتب سلومي سعيد _ الأشعة السبعة لعبد الحميد بن هدوقة _ أصداء خريف رجل المدينة لجيلالي خلاص، وغير ذلك من الأسماء التي يتعذر ذكرها أمثال: محمد مفلاح – حسين فيلالي _ العيد بن عروس _ جمال فوغالي.
أما في مجال الإبداع الروائي نذكر بعض الأسماء التي صنعت تجاربها الإبداعية، بعد أن اختارت للعمل الروائي قضية مصير، أمثال السائح الحيب _ الأعرج واسني _ خيلالي خلاص.
ومن هذا المنطلق، فإن البحث في الأدب الجزائري ما زال لم يأخذ حقه للرقي به إلى المستوى المطلوب/ فهو في حاجة إلى مزيد من الدراسة النقدية المعمقة التي تتناول جوانبه الفكرية والثقافية ورؤاه الإبداعية التي لم تنل حظها بعد.
ذلك لأن ما بذل من جهد في الميدان حتى الآن، لم يتجاوز بعد تلمس الخطوط العريضة التي تجعل الدارس يتخذها كنقاط استناد بارزة، ينطلق منها إلى الدراسة المتخصصة الهادفة.

مصطفى بلمشري

الأدب الجزائري المعاصر بين الرؤية الإبداعية وروافد التطور

الأدب الجزائري المعاصر بين الرؤية الإبداعية وروافد التطور :: تعاليق

الأدب الجزائري المعاصر بين الرؤية الإبداعية وروافد التطور

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة