متابعات / نوار خولي
يذكر التاريخ القديم في القرآن الكريم بإسم { القرون الاولى } ..
{ فما بال القرون الاولى ؟ قال : علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي و لا ينسى }
قد تغيب أحداث التاريخ من ذاكرة الناس .. لكن قواعد التاريخ تظل فاعلة في جماعات البشر ..
إن أثر السلوك الانساني لا ينقل في الكتب ولا على الألسنة .. فقط ..
إنما يستمر في أخلاق الناس وعاداتهم وأعمالهم ... وحتى أوهامهم ..
والأنباء حينما يدونها الناس بأيديهم في الكتب ..
يلحقها أخلاط من الشطط والخطأ ..
وحتى الزيادة والنقصان ..
والكذب والباطل ..
لذلك فإنني هنا سأعتمد على الأحداث المشهورة في تاريخ دمشق الكبير وساُغفل كل خبر فيه اسطورة ما .. ولكنني ساُدرج كل سرد تاريخي منطقي يكون العلم فيه بالشيئ من آثار ملموسة هو الدليل على وجوده بنسبة احتمال غالبة على غيرها ..
{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً
يعبدونني لا يشركون بي شيئاً
ومن كفر بعد ذلك فاُلئك هم الفاسقون }
صدق الله العظيم
دمشق ..
اسم سابق لعهد اللغات السامية .. وقد ذكر في النصوص المصرية على عهد الاسرة 18 .. والنصوص الآشورية .. وفي سفر التكوين وقد تكرر ذكرها في العهدين القديم والجديد ..
فقد ورد اسم دمشق في ألواح تحوتمس الثالث فرعون مصر بلفظ ( تيماسك ) .. كما ورد في ألواح تل العمارنة ( تيماشكي ) .. وفي النصوص الآشورية ورد الاسم ( دا ماش قا ) .. وفي النصوص الآرامية ورد الاسم ( دارميسك ) .. ولعل الكلمة تعني الأرض المسقية أو أرض الحجر الكلسي .. وفي العصور الإسلامية أطلق عليها اسم ( الفيحاء ) و ( جلق ) .. و ( الشام ) من قبيل تسمية الفرع بإسم الأصل ..
ومنطقة دمشق تعود إلى مئات ألوف السنين وبخاصة حول حوضي بردى والأعوج .. بل إن حوض دمشق كان بحيرة عاش الإنسان القديم حولها .. ولقد عثر على أدوات الإنسان الحجري القديم حول هذه البحيرة ..
وفي العصر الحجري الحديث تبين من الحفريات الأثرية 1960-1975 أن التلال المحيطة بالمدينة .. وهي ( تل أسود ) و ( تل الغريقة ) ويقعان جنوبي بحيرة العتيبة و ( تل الرماد ) في طريق سعسع .. تعود إلى هذا العصر وهي معالم الاستيطان البشري قبل التاريخ .. وتأكد لعلماء الآثار أن الإنسان في ذلك العصر وفي هذه التلال الأثرية كان يمارس الزراعة والقنص وكان يربي الماعز والبقر وقام بتطوير أدواته الصوانية .. وهذه التلال مجتمعة مع غيرها مما لم يكتشف حتى الآن تشكل واقع هذا المستوطن الذي كان يشكل دمشق المدينة الأقدم في العالم والتي استمرت مأهولة على عكس أريحا ..
فمنذ أكثر من 50 ألف سنة سكن انسان الكهوف منطقة ( يبرود ) وما حولها على ارتفاعات 1300 - 1600 متر فوق سطح البحر ..
كان الانسان في هذه المرحلة جامعاً للغذاء وصياداً .. وكانت ( يبرود ) المركز الرئيسي في المنطقة ..
في المرحلة اللاحقة .. نزل الانسان الى ارتفاعات 900 - 1200 متر فوق سطح البحر فسكن مناطق كهوف ( معلولا ) وما حولها .. وقد بدأت هذه السكنى اعتباراً من 10 آلاف سنة قبل الميلاد .. ومع أن سكنى الموقع قد تكون سابقة لهذا التاريخ إلا أن اعتبار الموقع مركزاً رئيسياً بدأ منذ حوالي 10 آلاف سنة قبل الميلاد .. وكانت ( معلولا ) المركز الرئيسي في المنطقة .. وقد بقي الانسان في هذه المرحلة جامعاً للغذاء وصياداً ..
انتقل الانسان الى ارتفاعات 700 - 900 متر فوق سطح البحر .. وذلك اعتباراً من حوالي 8 آلاف سنة قبل الميلاد .. حينها .. استقطبت ( صيدنايا ) وما حولها المركز الرئيسي وأخذت طلائع الزراعة في الظهور اعتباراً من الشمال السوري في منطقة الجزيرة .. وبدأت تنتشر مع بقاء الانسان يعتمد على جمع الطعام والصيد ..
ثم انتقل الانسان الى مشارف بحيرة ( دمشق ) الكبرى .. فسكن ( برزة ) وما حولها .. والتي أصبحت تستقطب المركز الرئيسي .. فكانت بذلك ام ( دمشق ) .. وبدأ تجمع الانسان في ( برزة ) اعتباراً من حوالي مطلع الألف السابعة قبل الميلاد ..
كانت النقاط التي تجذب انسان الكهوف للسكن هي تلك التي تكون على ضفاف البحيرات التي تصب فيها جداول أو أنهار .. ولا فرق سواء كانت البحيرة والنهر صغيراً أم كبيراً ..
لذلك .. فقد أخذ الانسان ينتقل الى مناطق دمشق مع تجفف البحيرة الكبرى .. وبعد انقسامها الى بحيرتي ( الهيجانة ) و ( العتيبة ) ظهرت منطقة ( تل أسود ) .. والتي ارخت الى ما حول 6250 قبل الميلاد ..
وأخذت طلائع الانسان تتجه من كهوف وأراضي ( برزة ) نحو المنحدر المار فيها مشكلاً وادياً صغيراً يقود الى منطقة شرق المدينة الحالية .. وبما أن منطقة دمشق تتمتع بصيف طويل جاف وشتاء قليل الأمطار والربيع والخريف قصيران مع تغير كبير في درجات الحرارة ما بين الليل والنهار ناتج عن مناخ الصحراء .. فقد أصبحت دمشق واحة ضخمة داخل الصحراء التي تحيط بها من أربع جهاتها أحدها الجبال ..
وقد قام انسان الكهوف بنشاط واسع في المنطقة الاولى التي نزلها في دمشق - شرق باب توما وباب شرقي - فأخذ في شق أقنية ( بردى ) التي تقع شرق المدينة .. وسكن تلك المناطق التي تجاور مزروعاته ومنتجاته .. وكان للزراعة الأثر الأكبر في نمو السكان .. وقد دأب في شق الأقنية والتوسع بالمنطقة الزراعية حتى تشكلت تلك الواحة الضخمة والممتدة عبر أميال كثيرة .. وتعد دمشق المدينة الاولى في العالم التي عرفت بتوزيع المياه الى المنازل والمزارع ..
تنال دمشق أهميتها من كونها واحة واسعة غنية ذات أغلال زراعية متنوعة وفيرة .. لذلك كان دأب سكانها الحفاظ على قنوات المياه ونمو تفرعاتها بما يتناسب مع نمو سكانها وتزايد متطلباتهم وحاجاتهم لاجراء المبادلات التجارية مع جوارهم وعلى الأخص سكان البادية المحيطة بـدمشق ..
عاش الانسان في تلك الأزمنة في بيوت صنعها من أغصان الأشجار والقصب الذي يحيط به والناتج عن مياه ( بردى ) وتربة البحيرة التي تجف .. وتلك البحيرات التي شكلتها قنوات مياه ( بردى ) وضفاف هذه القنوات ..
وكان الطريق الى دمشق صعب المرتقى سواء من الشمال لوجود الجبال أو الشمال الغربي .. إذ من الصعب جدا الوصول الى دمشق عن طريق البحر لوجود سلسلتي جبال ( لبنان ) الشرقية والغربية والتي غالباً ما تكون مكللة بالثلوج .. أما الاتجاه شرقاً وغرباً فهو وإن كان سهل الارتقاء فإنه صعب الوصول الى تلك المناطق الصحراوية المكشوفة التي لا ماء فيها وهي تجعل عابرها فريسة سهلة لسكان البادية الذين يتربصون مثل هذه الغنيمة السهلة حينها ..
لذلك فإن التأثيرات التي تصل دمشق ربطتها مع الشرق والجنوب وكلاهما أرض صحراوية .. فكان مصيرها متعلقاً مع الهجرات العربية .. أو مع الغزاة الآتين من الشرق أو الشمال من بلاد الرافدين .. أو الغزاة الآتين من الجنوب أو الجنوب الغربي عبر الانهدام السوري الافريقي من مصر .. وبذلك وقعت دمشق بعد نشوء الامبراطوريات الكبرى ضمن نطاق صراع الامبراطورية المصرية وامبراطورية بلاد الرافدين مع أن كلا الموقعين إنما يعود بنشوئه وتطوره الى البادية وحركات سكانها ..
وقد استقطب تل المعبد ( الجامع الاموي ) سكنى الهجرة الاولى وشكل نواة معسكر وربما كان في البداية من خيام بدائية ثم تحول الى معسكر أكثر ثباتاً ليشكل نواة قرية زراعية بعد أن استقر الانسان فيها .. وتعلموا الزراعة فما لبثوا أن حلوا محل السكان القدامى الذين انصهروا فيهم على مر الأيام ..
وربما كان اختيارهم لتل المعبد يعود الى أن انسان الكهوف الذي احتلوا أرضه وسخروه فيما بعد .. لبراعته الى ما يحتاجونه من الزراعة .. وكان انسان دمشق الأول قد شغل موقع تل المعبد لأغراض دينية بالأساس .. فإنسان الكهوف هو انسان الجبال ورغم تحوله الى الزراعة إلا أنه بقي يعشق الجبال والكهوف .. فهو إن لم يجد الكهوف صنعها فكان شكل منزله الأول لا يبتعد عن شكل الكهوف .. وقد وضع في تربة دمشق كهوفاً في منطقة سكناه شرق المدينة القديمة وعلى تل المعبد ( الجامع الاموي ) والذي هو أعلى تلال دمشق .. لذلك اختار العموريون-الكنعانيون تل المعبد فمنه يمكن الاطلال على غياض دمشق ورياضها ومنه يمكنهم السيطرة على المدينة المحتلة وعلى سكانها بسيطرتهم على معبدها وسدنته - في حال وجودهم - وهو الأقرب الى مصادر مياه دمشق ويتمتع بجو يشعرهم بالصحراء التي تبقى للبدوي كنداء في الأعماق وحنيناً مستمراً .. وقد استمر هذا حتى بعد الفتح الاسلامي اذ نجد أن خلفاء معاوية بنوا القصور في بادية الشام وعاشوا فيها رغم امتلاكهم القصور الفخمة في عاصمة الدنيا حينها دمشق ..
إن هذا التحول من حياة البداوة الى حياة الحضر كان وما زال يتم بنفس الطريقة والظروف .. وإنا لنجد ذلك في كل المدن المحيطة بالصحراء وخصوصاً في بادية الشام بنفس طريقة التحول هذه .. ففي دمشق و حمص و حماه و حلب والمناطق الشرقية ( دير الزور وتدمر .. ) نجد أن البدو يدخلون أطراف المدينة مع ماشيتهم ويستقرون بخيام يبيعون منتجاتهم .. ثم تتحول الخيام الى منشآت بسيطة مما يتوفر لهم من مواد .. ثم لا تلبث أن تتحول اقامتهم العابرة الى اقامة دائمة .. وبإزدياد عددهم الطبيعي بالولادة ينشأ جيل عاش حياة الحضر ولو أنها أقل حضرية من سكان المدينة الأصليين .. فحديثي الولادة هؤلاء ينزعون الى الحياة الحضرية فيبدأون في اتخاذ الأعمال المدنية الأقل شاناً .. وتتطور الامور مع مرور السنين ليصبحوا من أهل المدينة ومن سكانها .. وكلما جاء وافدون بدو جدد وتوسعت المدينة كان مسكن الأوائل يصبح ضمن مناطق المدينة القريبة من المركز .. وفي دمشق (وغيرها الكثير من المدن) كثير من الأحياء التي وجدت ونمت بهذا الشكل ..
أول الهجرات لسكان البادية نحو دمشق كانت عبر الزحف المسمى ( عموري-كنعاني ) .. فقد وصلوا الى دمشق في الألف الثالثة قبل الميلاد وقد كان لهؤلاء البدو معرفة بـدمشق - بشكل ما - وكانت بالتأكيد هنالك مبادلات تجارية ناتجة عن تبادل منتجات دمشق الزراعية مع منتجات البادية التي تمت بصلتها مع أغنام وماشية البدو ومنتجات تلك الماشية ..
جاءت هذه الموجات ووجدت سكان دمشق القدامى ( سكان الكهوف ) يسكنون مناطقهم الزراعية فكان - على عادة البدو - المكان المناسب لسكناهم هي المناطق المجاورة للسكان .. وبما أنهم من البادية وقد تعودوا حياة الجفاف والعيش في الشمس فإن أهم النقاط التي تعجبهم في دمشق هي أطرافها الجافة .. وقد سحرتهم دمشق بمنظرها الأخاذ كواحة خضراء كثيفة وبقيت بالنسبة لهم جنة الدنيا لمدة آلاف السنين .. فكان من الطبيعي أن يختاروا احدى تلال دمشق الأربعة ليشكلوا مخيمهم أو معسكرهم الأول ..
وهكذا .. سيطر الكنعانيون-العموريون على تل معبد حدد .. وبعد أن أصبحوا هم سكان دمشق وسادتها (وقد مرت فترة تقدر بمئات السنين على اقامتهم وتزايدهم العددي ورقيهم الحضاري) بدأت ظاهرة تشكل المدن وتحول القرى الزراعية الى مدن ذات سلطات سياسية وعسكرية .. فقام سكان دمشق هؤلاء بتخطيط المدينة وبناء المعبد اللائق بتقدمهم الحضاري الذي وصلوا إليه .. وقامت السلطة المتنفذة التي أصبح الحل والربط بيدها ببناء قصر يتناسب مع مركزها القيادي والسياسي والعسكري .. وهذا أمر يتطلبه كل حاكم في عصره وتتطلبه كل مدينة .. وقام أصحاب السلطة بشق قناة جديدة مخصصة للمدينة وسكانها فكانت قناة ( بانياس أو باناس - بانا ) وقد تم هذا الحدث في الألف الثالثة قبل الميلاد وربما في النصف الثاني منه .. وقد بني القصر على التلة المقابلة للمعبد بإتجاه الجنوب ( منطقة مادنة الشحم الآن ) فضمت المدينة التلين وما بينهما وأحاطت الأسوار بالمدينة فكان هذا هو السبب لإعطاء الشكل المستطيل للمدينة الاولى ..
استقطبت المدينة الطبقة الغنية من سكان دمشق ورجال السياسة والجيش وكهنة المعبد .. وقد توزعت الطبقات الفقيرة وصغار المزارعين في مناطق السكن القديمة وضمن حقولهم فشكلوا بذلك نواة قرى ( الغوطة ) التي شكلت أيضاً خطوطاً دفاعية اولى تحمي وتنذر المدينة عند أي خطر ..
وبالمقابل قدمت المدينة لهؤلاء السكان الحماية بعد أن شكلت الجيوش المدربة القوية وأمنت تصريف منتجاتهم ومبادلتها بمتطلباتهم .. كذلك أمنت لهم حسن ادارة توزيع المياه ومراقبة هذا التوزيع بشكل مستمر وتطويره بشكل دائم بما يتناسب مع احتياجاتهم ..
ولم تنقطع الهجرة البدوية الفردية أو الجماعية أو الهجرات الكبرى عبر التاريخ .. صحيح ان المؤرخين قد صنفوا هذه الهجرات ضمن تصنيفات أخذت تسميات وأصبحت قاعدة لدراسة التاريخ القديم الا أن الحقيقة ان الهجرة كانت مستمرة يوما بعد يوم .. وان الفارق بين هجرة كبرى واخرى تبلغ حوالي ألف سنة وهذا الرقم يعني تجمع الهجرات الفردية واتحادها مع هجرة كبيرة جماعية لتشكل تجمعاً بشرياً يشكل فيما بعد حضارة ذات صفات متميزة ..
تابع العموريين-الكنعانيين هجراتهم الى دمشق وسكنوا حول المدينة المسورة وبدأ ظهور موجة من الهجرات الآرامية .. وأخذ الآراميون يشكلون بعض الأحياء حول المدينة وكان تجمعهم حول الجهة الشرقية من المدينة بسبب قربها للأراضي الزراعية وانفتاحها نحو المناطق السهلية .. إذ ان الاتجاه نحو الشمال محدد بوجود الأنهار والاتجاه جنوباً موقوف بسبب وجود القصر والقوى العسكرية التي تمنع هذه الطبقة البدوية الجديدة من التجمعات التي قد تسيئ لموقفها الاجتماعي والسياسي والعسكري معاً .. كذلك بسبب عدم وجود مناطق زراعية أو مياه .. أما الاتساع غرباً ومع أن المدينة توسعت غرباً لاحقاً الا أن هذا التوسع بقي أقل منه شرقاً بسبب الأراضي الزراعية الموجودة في الشرق وهو يعني لهؤلاء المهاجرين تبادل المنتجات واطعام وارواء الماشية وفرص العمل ..
وبعد أن استمرت الهجرات الآرامية نحو ألف عام أصبح الآراميون هم أسياد الموقف .. فسيطروا على القيادات العسكرية والسياسية والادارية وأصبحت المدينة ملكهم .. وقد شكلوا دولة قوية بقيت في أوج عظمتها أكثر من خمسة قرون وقاتلت أشرس الغزاة وأبشعهم فتكاً .. وقد استمرت المدينة العمورية-الكنعانية التي تحولت الى صفة (قلب المدينة) ومركزها في استقطاب المركز الأول لها .. وبقيت محتفظة بهندستها وتميزها سواء في البناء أو التخطيط أو مستوى السكان .. وبقيت الأسواق ضمن اطارها أو حول الأسواق القديمة .. بينما بقي معبد حدد بدمشق في أوج عزه ومجده واحتفظ القصر في موقعه واستقطابه للحاكم الجديد وسلطته ورجاله ..
وبينما نشأت الأحياء التالية وفق تخطيط عشوائي الا أنه حافظ على طرق المواصلات التي أوجدتها أبواب المدينة العمورية-الكنعانية وبقيت هذه الطرق محتفظة باستقامة اتجاهاتها حتى قامت السلطة الآرامية (وقد كانت دولة غنية) بإحاطة المدينة وحسب اتساعها بالسور الآرامي الذي ضم المدينة العمورية-الكنعانية ( مركز المدينة الجديد ) والأحياء المتوسعة سواء التي من أصل عموري-كنعاني أو التي احدثت في العهود الآرامية الاولى .. وكانت أبواب المدينة الآرامية استكمالاً لأبواب المدينة الكنعانية-العمورية وعلى الطرقات المتجهة منها الى السور الآرامي مشكلة خطوطاً أوهمت البعض بالتخطيط الشطرنجي للمدينة الرومانية بكاملها وأحدهم يدعى (ايكوشار) الذي أساء الى دمشق العمورية-الكنعانية والآرامية بتلفيق كل آثارهم الى الحقبة الرومانية للمدينة ؟ .. أما الآخر فهو (سوفاجييه) ..
وقد بدت الحاجة الى أراضي زراعية جديدة بعد ازدياد الهجرة الارامية ونمو سكان دمشق .. فاضطرت السلطة الآرامية الى حفر قناة جديدة هي قناة ( ثورا ) التي اعطت دمشق غوطتها الغربية وجعلتها محاطة بالرياض والجنان من كل نواحيها .. وأصبحت سفوح جبل قاسيون ذات حلة من الخضار جعلت من دمشق سفينة جميلة في بحر من الخضرة .. واكتسبت دمشق مساحات جديدة من الأراضي الزراعية مما يعني أعداداً اخرى من المهاجرين ونمواً أكبر .. فزادت مساحة المدينة حتى بلغت الحد الذي اقيمت عليه الأسوار الآرامية .. وبرزت الحاجة من جديد الى المياه بعد أن أصبح ( بانياس ) لا يكفي الأعداد المتزايدة من السكان ..
وقد قامت السلطة الآرامية بشق قناة جديدة لسقاية المدينة .. وأظهرت فروع ( قنوات ) توزعها ضمن الأسوار الآرامية فقط مما ينفي علاقة الرومان في انشاء هذه الأقنية ولكنه لا ينفي امكانية قيامهم باصلاحها وبناء القناطر لها مما جعل بعض الدارسين يعتبروا هذا النهر ( قنوات ) يعود الى العصر الروماني وهذا بالطبع مرتبط بالجشع الأوربي المعروف لكل شيئ حتى بسرقة التاريخ من أهله .. وليس بعيداً عن الاحتمال أن الآراميين قد شقوا قناة بإتجاه الشمال لسقاية مناطق ( جوبر ) و ( القابون ) و ( حرستا ) و ( دوما ) التي تم توسعتها فيما بعد وأخذت اسم موسعها وهو الخليفة الاموي ( يزيد ) .. ومن تعداد سكان مدينة دمشق المحتمل في العهد الآرامي يبين لنا بوضوح حاجات الآراميين للمياه وللأراضي الزراعية بعد أن شكلوا أعلى نسبة للسكان في دمشق ..
علماء الآثار أكدوا استمرار وجود دمشق في عصر البرونز حيث كانت تحمل اسم مملكة آبوم أو آبي وتعني القصب الكثيف .. وكانت مدينة مسوّرة تضم مواقع متعددة ولقد ورد هذا الاسم في النقوش المصرية على أنها تابعة لمصر .. ولكن بعد عصر رمسيس الثالث 1166قبل الميلاد استقلت دمشق عن أي تأثير مصري وأخذت ملامح الهوية الآرامية تبدو عليها سياسةً وثقافة ولغة ..
وهنالك الكثير من الأقوام والدول التي انتزعت دمشق لحكمها .. منهم الحثيين ومنهم الروثاثيين الذين قضى عليهم الحثيين ؟ .. ومنهم سليمان في فترة حكمه فقط .. والكلدانيين الفرس الذين دمروا دمشق حضاريا في فترة وجودهم ..
في العصر الآرامي كانت دمشق مملكة واسعة النفوذ .. وكان اسم آرام وحده يعني دمشق .. واستعمل الآشوريون اسم إيميري شو أي مدينة الإله حدد وتعني دمشق باللهجة الآشورية ..
وقد حكمت دولة دمشق الآرامية وكان ملكها ( حدد ايداري ) كل من حمص و حماه والبقاع و أكناف الفرات وكانت أكثر الدول عداوة للعبرانيين الذين ما انفكوا يهاجمون ويخربون المدن والقرى وكان الآراميين لهم دائما ند قوي أوقفهم عن بلوغ مطامعهم في هذه البلاد .. لا سيما في عهد ملكها ( حزائيل ) وكان عصره زاهراً توج قمة ازدهاره بالانتصار في موقعة جلعاد .. وقد استأثروا بالسيادة على بلاد الشام وقاموا أيضاً بمهمة الدفاع عنها ضد الهجمات الآشورية فجابهتهم وهي تحمل اسم دمشق - آرام 853 قبل الميلاد .. وقد أوقف ( بن حدد ) هذه الهجمات مراراً على شواطئ العاصي حوالي 876 قبل الميلاد ..
توالت النكبات على دمشق الآرامية من أشوريين ويهود وفرس الا أن تأثير هؤلاء على المدينة كان ضعيفاً .. الى أن سقطت دمشق بعد حين بيد الآشوريين .. الذين استنجد بهم ( آخاذا ) ملك اليهود .. فقام سرجون الآشوري بنقل معظم الدمشقيين الى أرمينية حوالي 732 قبل الميلاد .. ويبدو أن الجالية الآشورية التي أحضرها كل من ( تفلات بلاتسر الثالث ) و ( سرجون الثاني ) الآشوريين والتي ضمت من بينها بعض اليهود قد سكنت في المنطقة التي اخترق منها هؤلاء سور المدينة الآرامية بإتجاه القصر .. وقد ظل هذا الحي يضم اليهود منذ ذاك العهد رغم تبدل السكان مراراً .. ويؤيد ذلك ارتباط الحي بإسمهم وبإسم حير سرجون وارتباط منطقة القصر التي احتلها الآشوريين بإسم تل اليهود والنصارى كما جاء في مخطط مدينة دمشق للدكتور صلاح الدين المنجد ..
وبعد هجوم الاسكندر المقدوني على الشرق واكتساحه الممتلكات الفارسية وقعت دمشق ضمن فلك الحكم اليوناني .. فقد احتلها الاسكندر المقدوني عام 333 قبل الميلاد وبعد تقسيم امبراطورية الاسكندر على خلفائه من بعده كانت سوريا من حصة السلوقيين وخلفائهم .. وقد ظهر تأثير الجالية اليونانية التي تكامل نزوحها عبر السنين على مخطط دمشق فسكنت المنطقة الشرقية الملاصقة للسور على عادة اليونانيين من سكناهم المدن المفتوحة قرب أسوارها والى جوارها .. وقد رغبوا في هذا السكن وفي هذا الموقع بالذات لوجود تل هناك وقربها من المياه والمناطق الزراعية التي تخفف عنهم جو دمشق الصحراوي الذي لم يألفوه .. فاختيارهم هذا الموقع كان بسبب طراوة مناخه وارتفاعه النسبي واطلاله على المناطق الخضراء المشجرة .. وقد بنوا حيهم وفق التخطيط الذي تعودوه من شكل شطرنجي ولم يكن هنالك عائق يمنعهم من اتخاذ هذا التخطيط لعدم وجود اشغالات أو أبنية سابقة لهم في المنطقة وخصوصاً الى خارج السور الآرامي .. وأطلق على هذه الحقبة التي امتدت حتى عام 64 قبل الميلاد بالحقبة السلوقية
وقد بقيت المدينة اليونانية مستقلة ومنفصلة عن المدينة الآرامية وضمت تخطيطاً جديداً وشكلاً متميزاً من الأبنية التي اعتمدت الاسلوب اليوناني في البناء والهندسة .. لذلك نجد أن الأنباط عندما احتلوا دمشق سكنوا فيها وسميت بإسمهم فيما بعد ( النبطيون ) ..
وبرزت دمشق في الحقبة 114-95 قبل الميلاد .. ولعل قصر أنطوخيوس الرابع يقع في منطقة ( البريص ) وهو موقع قرب مئذنة الشحم وقد بني على أنقاض القصر الآرامي الذي دمر على يد الفرس فقد كان في الجهة الجنوبية الخطرة للمدينة وعلى أسوارها تماما .. وهو نفسه مكان القصر الذي بني في الفترة العمورية-الكنعانية ..
في عهد السلوقيين كانت دمشق تنتقل من يد الى يد دون أن يكون لها صيت ذائع .. وفي عام 75 قبل الميلاد تملكها أمير نبطي اسمه الحارث .. ثم انتقلت لمدة قصيرة جدا الى يد الملك تيغران الأرمني ..
وفي عام 64 قبل الميلاد سقطت دمشق في يد نواب - بومبي - فأصبحت دمشق مركزاً لجيوش روما وتبعت من ذلك الحين الولاية الرومانية السورية .. كانت في عصر أدريانوس قد حملت لقب - متروبول - أي رتبة عواصم المدن الرومانية .. وجعلها سبتيموس سيفروس قاعدة لولاية سورية الفينيقية .. وفي عصر الأسرة السورية حملت اسم مستعمرة رومانية مما أكسبها الكثير من الامتيازات .. وكانت إحدى المدن العشرة - ديكابوليس - .. وفيها أقيم معبد جوبيتر - المشتري - وكانت المدينة محاطة بسور 1500×750م مازالت بعض آثاره قائمة وكان لها سبعة أبواب تحمل أسماء الكواكب ..
فبعد احتلال الرومان لـدمشق .. سكنت الجالية الرومانية بالمنطقة التي تجاور الجالية اليونانية لنفس الأسباب التي ذكرناها والتي بموجبها اختار اليونان موقعهم .. يضاف الى ذلك رغبة الرومان بجوار أقرانهم الغربيين وهم أقرب اليهم من الآراميين .. وقد أخذ الرومان تل دمشق الرابع والأخير .. ثم اندمجت التلال مع بعضها وقام الرومانيون بإحاطة المدينة المتوسعة بالسور الذي أخذ شكل أحياء المدينة ولم يكن يوماً مستطيلاً كما افترضه بعض دارسي مخطط مدينة دمشق .. ومن الأحياء التي ضمها السور الجديد .. حي اليونان وحي الرومان .. وبقيت الشوارع التي امتدت عن الأبواب الكنعانية الى الأبواب الآرامية التي بقيت على اشتقاقها واتصلت بالأبواب الرومانية ومنها تابعت الى خارج المدينة ..
وفي أواخر القرن الرابع الميلادي أصبحت دمشق ضمن خارطة الدولة البيزنطية .. وخضعت لنفوذ دولة الغساسنة الذين امتد نفوذهم من العقبة حتى الرصافة .. وعهد إليهم البيزنطيون بأمر الدفاع عن سورية ضد الفرس الساسانيين وحلفائهم المناذرة .. ويعود الفضل لله ومن ثم للغساسنة والأنباط في انتشار اللغة العربية في دمشق وضواحيها على حساب السريانية الآرامية .. الى أن كانت الضربة الموجعة لها من الفرس عام 540 م فعاثوا فيها فسادا وتخريبا كعادتهم دائما والى هذا اليوم عن طريق حجاجهم وما يخلفونه من قذارة في كل مكان يذهبون اليه .. لكنها لم تلبث أن عادت الى مجدها بإستردادها من قبل الرومان وعمالهم الغسانيين .. الا أن مجيئ الفرس مرة ثانية عام 614 م قضى على كل حضارة كانت قد وجدت فيها نظراً للؤم الفرس المعروف .. ولم يواسي دمشق استرداد الروم البيزنطيين لها ..
وبقيت تحت سيطرتهم حتى الفتح الإسلامي .. ففي عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. وفي عام 15 للهجرة 636 م أحاطت جيوش المسلمين بدمشق للمرة الثانية وتحصّن الروم بها وأغلقوا أبوابها ..
وقف خالد بن الوليد رضي الله عنه بجنوده على الباب الشرقي ..
وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على باب الجابية ..
وعمرو بن العاص رضي الله عنه على باب توما ..
وشرحبيل بن حسنة رضي الله عنه على باب الفراديس ..
ويزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه على الباب الصغير ..
ودارت بين الجانبين مناوشات واتصالات .. دخل بعدها المسلمون دمشق من ناحيتين .. دخلها خالد بن الوليد رضي الله عنه من الباب الشرقي قتالاً .. ودخلها أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه من باب الجابية سلماً .. وكان هو قائد المعركة .. وأول من تولى حكم دمشق من المسلمين العرب ..
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بدمشق فقال " ستفتح عليكم الشام ، فإذا خيرتم المنازل فيها فعليكم بمدينة يقال لها دمشق ، فإنها معقل المسلمين في الملاحم ، وفسطاطها منها بأرض يقال لها الغوطة " رواه الإمام أحمد ..
وبعد الفتح الاسلامي بقيت المدينة ضمن التوسع الروماني ولم يحدث اختراق الا في الشمال منها حيث توسع السور الشمالي قليلا فظهر حي ( بين السورين ) وحي ( النقيب ) .. وهذا التوسع حدث في العهد الزنكي-الأيوبي عند تجديد السور وترميمه لمواجهة الهمج الصليبيين ..
في العهد الأموي أصبحت دمشق حاضرة الدنيا .. و حظيت مرة من الزمن بجلال وسناء منقطع النظير .. يؤمها العلماء والمؤرِخون والأدباء والشعراء .. وغَدَتْ عاصمة الدولة الإسلامية من بلاد الهند شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً الى بواتييه في قلب فرنسا الآن .. قُرابة قرن كامل .. ولم تحظى أي عاصمة في التاريخ الاسلامي كله بما حظيت به دمشق من اتساع رقعة دولتها الإسلامية المجيدة .. كل ذلك .. ويعامل مؤسسها الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه وكرم وجهه يعامل معاملة مرزولة لحقد دفين في نفوس المنافقين .. عليهم من الله ما يستحقون ..
وفي عام 750م انتهى عصر ازدهارها بقيام الدولة العباسية .. فأهملوها عمداً وخربوا أوابدها ونبشوا قبورها وكان تأثير كل ذلك يعود الى اعتماد العباسيين على لؤم الفرس المعهود .. قبل أن يقضوا بأنفسهم على اولئك الفرس الذين تخفوا تحت عباءة البرامكة كما تخفّى اليهود تحت عباءة الدونمة للقضاء على الدولة العثمانية .. كما تخفّى الملاحدة تحت عباءة الاسم الفاطمي ..
وسادت الفوضى بدمشق بدءاً من العهد العباسي .. وتجاذبها الطامعون من الحكام والإقطاعيين في مصر .. فحكمها الطولونيون 246 هجري ثم الأخشيديون 323 هجري ثم الفاطميون 359-468 هجري .. وخلال فترة الفاطميين البغيضة احترقت دمشق عدة مرات .. وكان العهد الفاطمي بالنسبة لدمشق من أشأم العهود وأسوءها .. ففوق ما لهم من مخازي أخلاقية وادارية فقد تركوا الصليبيين يعيثون فسادا في كل البلاد وهم ينظرون .. وحتى أن بعضهم ادعى الالوهية التي أدت الى ظهور عدة طوائف فاسدة مفسدة منشقة عن الاسلام كانت بلاءً على المسلمين في كل العهود ..
وفي عام 478هــ/ 1085م دخلت دمشق تحت حكم السلاجقة فعادت من تبعية القاهرة إلى سلطة حكام بغداد والخلافة العباسية إلا أنها تبعية اسمية .. وفي عام490هـ/ 1096م تأسست في دمشق دولة الأتابكة "البورية" واشتد الصراع مع الغزاة الصليبيين ملوك القدس في ذلك الوقت وقد حاول الصليبيون غزوها بقيادة بعض ملوكهم ..
وفي عام 549هـ/ 1154م بدأت دمشق تستعيد مكانتها السياسية كعاصمة لدولة قوية عندما دخلت في رعاية نور الدين بن محمود الزنكي القيمري الشهيد وحملت لواء تحرير المناطق المحتلة من الغزاة الصليبيين ووصلت قمة مجدها السياسي والعسكري في صراعها مع الصليبيين عندما أصبحت عاصمة الدولة الأيوبية 571هـ/ 1174م .. وانطلقت منها جيوش العرب المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس من الغزاة 583هـ/ 1187م بعد أن كان الصليبيون قد هددوا دمشق أكثر من مرة .. ولكنهم لم يدخلوها قط بل وابيدت حملتهم الثانية تحت أسوار دمشق عن آخرها ..
ودخلت دمشق في تبعية حكم المماليك في القاهرة منذ عام 1259م .. ثم تعرضت لحملة المغول بقيادة هولاكو الذي نشر فيها الدمار عام 659هـ/ 1260م .. وتكررت مأساة دمشق من المغول ثانيةً على يد غازان ثم ثالثة عام 1401م .. وحلت بالمدينة نكبة كبيرة حيث أصاب الدمار معظم مبانيها وقتل عدد كبير من أهلها واحترقت أحياؤها وانسحب منها المغول بعد بضعة أشهر .. ليتركوها شبه فارغة لمدة نصف قرن من الزمان .. وعادت لنفوذ المماليك - شراكسة القلعة - ثانية فلم تتمكن من جراء ذلك ان تنهض من كبوتها ..
دخلت دمشق في حكم العثمانيين 922هـ/ عام 1516م وأصبحت مركزاً لإحدى الولايات الرئيسية في الدولة العثمانية عدا الحقبة ما بين عامي 1831-1840 حيث حكمها إبراهيم باشا ابن محمد علي والي مصر .. وفي هذه الحقبة توافد إليها الأجانب من قناصل وتجار وسياح وانفتحت على العالم من جديد ..
تم تحريرها من الحكم العثماني في أواخر عام 1918 .. وأعلن فيها حكم عربي في 8/3/1920 ما لبث أن انهار بعد معركة ميسلون في 24/7/1920 .. وخضعت سورية وعاصمتها دمشق للاحتلال الفرنسي .. وفي عام 1925 تفجرت في دمشق وغوطتها أحداث الثورة السورية الكبرى .. حتى تحقق جلاء الجيوش الأجنبية في 17 نيسان عام 1946 فأصبحت دمشق عاصمة دولة عربية مستقلة ..
بذلك .. تشكلت مدينة دمشق القديمة .. وبقيت محافظة على تخطيطها وتواجدها ضمن الأسوار فترة طويلة حتى خرجت بعض الأسواق بإتجاه الجنوب على طريق القوافل الآتية منه وعلى طريق الحج وضمن مدى قنوات مياه المدينة التي تسقي تلك الأحياء الجديدة .. واتسع حي ( الشاغور ) ضمن مدى قنوات نهر ( بانياس ) أما المناطق التي لا تصلها المياه فتحولت الى مقابر عبر مئات السنوات .. وكان ظهور الأحياء الشمالية مثل ( العقيبة ) وسواها ضمن اطار قنوات المياه أيضاً ولم تكن الحالة العامة للبلاد سياسياً وعسكرياً وأمنياً تساعد على اتساع المدينة خارج أسوارها أو بناء سور أوسع .. وظهرت منطقة ( الصالحية ) فكانت فاتحة عهد جديد ما لبثت أن توسعت الأبنية والمناطق السكنية حولها بكافة الاتجاهات .. ولكن ظلت توسعات المدينة عبر مناطق تواجد قنوات المياه الى مطلع القرن العشرين حيث مددت الى دمشق مياه ( عين الفيجة ) .. وأصبح بالإمكان ايصال مياه الفيجة عبر الأنابيب المعدنية والشبكات الحديثة الى أي مكان .. لذلك تفجر الوضع السكاني في المدينة وانتشرت الأحياء وتوسعت خلال بضع عشرات السنين ما لم تتوسعه خلال آلاف السنين
http://alkahf.com/images/OLDamasMap.png
ملف التوصيفات لخارطة دمشق القد