متابعات / نوار خولي
عادات الأكل تختلف من حارة لحارة وحتى من بيت لبيت ..
ولكن هنالك عادات مشتركة تجتمع عليها الفئات أو المدن ..
وعادات الطعام الدمشقية التي عرفتها في صغري وتربيت عليها عديدة .. منها ما هو مشترك بين الناس كلهم .. كغسل الأيدي قبل وبعد والبسملة قبل الطعام والحمد بعده وعدم الحديث واللقمة في الفم .. وعدم فتح الفم أثناء المضغ ..
كان أهلي يؤكدون دائما بذكر الحديث (( كل مما يليك )) .. وكذلك كان علينا أن ( نصغر ) اللقمة فيقولون ( كلو نونة نونة ) أي بلقمات صغيرة .. وأن نأكل الأدام مع الخبز حتى يكفي الطعام الجميع وما زلت الى الآن أتناول الخبز مع كل الأطعمة .. حتى مع الفتوش أحيانا .. وكانت الاسر تخص أطيب الطعام للكبار ولكن الأمر انعكس الآن فأطيب الطعام أصبح للصغار ..
وعادات الطعام ليست فقط في البيت .. فهي في العمل أيضا ..كصاحب الدكان الدمشقي الذي يأتيه الطعام ظهراً في ( سفرطاس أو مطبقية ) .. وكنت في السنوات الاولى في المدرسة احضر معي طعامي في الـ ( مطبئية ) والتي كانت الوالدة الحنون تحضر لي فيها أطيب الأكل الطازج واللذيذ ..أما في العمل .. فإن الذي يحمل ( السفرطاس أو المطبئية ) كان يستخدم من قبل مجموعة من التجار حيث يدور على منازلهم ويحضر لكل تاجر ( سفرطاسه ) .. وقد كان يحمل مجموعة الـ ( سفرطاسات ) بواسطة عصا طويلة على كتفه ويعلقها في الخلف .. وتبقى ( تهزهز كلها ) حتى يوصلها جميعها الى أصحابها ..
خدو هالنكتة .. يقال أن تاجرا شاميا فتح ( سفرطاسه ) وسما بالله ليبدأ فسمع صوت صديقه .. صاحبنا هاد عزموا مع أن طعامه لا يكفي اثنين .. وطبعا فالـصديق لا يرد الدعوة .. قعد وشمر ومد ايدو .. صاحبنا التاجر سبقوا فـ( غمس ) له لقمة وناوله اياها وهو يقول ..
من شان خاطري .. بس هاللقمة ..
وبذلك ( كتّفه ) فلم يعد يأخذ غيرها ....
وتقاليد الطعام في دمشق أساسها اشباع العين قبل الفم لأنها هي التي تقرر الأنفة .. ومن المألوف أن يقولوا ( فلان عينو شبعانة ) .. ولذلك فمن عادة أهل الشام القدماء وهم مشهورون بالكرم أنهم يضعون معجن الخبز الى جانب الضيف كي لا يحسب أن الخبز مقنن .. والدمشقيون عامة معروفون بأنهم يحلفون على ضيوفهم الأيمان المحرجة ليأكلوا ويأكلوا ..
أما العزيمة ( الباردة ) التي يعممون بها اهل الشام كلهم فهي تنسب لحي اليهود .. والصالحية
فيقولون ( عزيمة صالحانية ) .. لأنهم يضعون الماء بعيداً عن ( السفرة ) فإذا عطش الضيف وقام ليشرب قالوا له ( ما حلك تشبع ) فيستحي ويعتبر أنه حان وقت أن يشبع بالفعل ..
وهذه من الفكاهات بالطبع التي لا أساس لها .. تماماً مثل الكلمة المأثورة عن أهل حلب التي يقولها الدماشقة أن ( العزيمة حلبية ) أي ( خيط مطو كل مين عليه شي بيحطو ) وقد عرفت أنهم في حلب يسمونها بـ( العزيمة الشامية ) .. يعني من باب رد الجميل
وهنا فأنا أشهد لأهل حلب أنهم يبالغون بالكرم والإكرام ..
نأتي الآن للطعام في الولائم أو المناسبات ..
ففي الأعراس تولم الولائم لكل المدعويين يوم العرس وأغلب ما كانوا يقدمونه ( صرر الاوزي ) وهي التي عرفت الآن بتقديمها في أول يوم ( الموتة ) ؟
وكلمة ( قوزي ) تعني الخروف بالتركية .. وهو رز باللحم وصنوبر ولوز وفستق ملفوف بعجين ومشوي بالفرن .. ويقدم في الأعراس ايضا .. وربات بقشطة ووربات بفستق .. وهي مثلثات من العجين محشوة بالقشطة أو بالفستق .. وتحشى أحياتا بالجوز على حسب حال صاحب الوليمة وكل ذلك يُسـقَى بمحلول السكر المسمى ( القطر ) ..
وفي النزهات و ( السيارين ) فإن الولائم تتركز غالباً على صنفين هما .. الصفيحة وهي لحم متبل يوضع على أقراص عجين ويشوى بالفرن وهي إما أن تتبل بالبندورة وإما باللبن أو حمض الرمان .. وفي كلا الحالين يوضع معها البصل المفروم والصنوبر وكثيرا ما كان لها أفران تشتهر بها ..
وهنالك أيضا اللحم المشوي ( شقف ) والمعاليق ( رئة الخاروف ) وتسمى الحمرا ..
وأيضا ( الكبدة ) وتسمى السودا .. مع القلوب والكلاوي وكان لها مكان الصدارة في سيارين أيام زمان ..
وعدة السيران لازمة لابد منها .. وهي مناقل الفحم والأسياخ وأدوات السلطة مع الاركيلة وأغراض اللعب كالبرجيس للنسوان وطاولة الزهر للرجال ..
وفي السيران ( يشمر ) الكل ليشتركوا في تحضير الطعام .. وأنا كنت أهرب من الشواء للرائحة التي ( تعلق ) بالثياب ولكنني بعد ذلك علمت أن مركز ( الشوا ) أهم مركز وأصبحت الآن لا أتخلى عنه .. فهو المركز الذي يتيح لي الأكل مرتين .. الاولى بحجة تذوق اللحم اذا نضج .. وكم ( شككت ) السيخ وتفننت في( شكشكته ) بالشقف أو بالكباب .. سقى الله تلك الأيام ..
ولا يكتفوا باللحوم في السيران .. فهنالك الكبب بأنواعها
وهنالك الفول المدمس .. والمسبحة .. والكشكة الخضرا .. والمتبلات .. والبابا غنوج .. والمحمرا .. والسلطات .. والفتوش .. والتبولة التي تؤكل ( مغمسة ) بالخس أو الملفوف .. وصحتين على قلبكم ..
كانت السيارين مميزة بأطعمتها التي يتفنن الدمشقيون بتنويعها وتزيينها عدا عن اتقانهم لصنعها .. ومثلما تحتاج الأطعمة الى الأيد الطيبة .. فإن انتقاء مكان السيران يحتاج الى الخبير أيضا ..
والمكان الأول لسيران الدماشقة كان فيما كان يسمى ( صدر الباز ) وهي المنطقة التي على كتف نهر بردى حيث كان يقام معرض دمشق الدولي .. وكانت كلها بساتين وحدائق ذهبت مع من ذهبوا ...
والأماكن التي في الغوطة لا تعد ولا تحصى ..
ففي كل شبر من الغوطة مكان يصلح لأن يكون سيران ..
وهنالك أيضا الربوة ( قديما ) .. وكيوان ودمر وسائر وادي نبع الفيجة ..
وهنالك منطقة العدوي التي كانت ممتدة الى ما تحت الصالحية والأكراد .. وكانت منطقة جميلة جدا وهواءها كان يسمى بالـ( عناب ) لجودته ..
والله الدايم ..