للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلسورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6017 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 199 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 199 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

     سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد

    اذهب الى الأسفل 
    انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
    كاتب الموضوعرسالة
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:21

    سوريةإذا نظرنا إلى الموقع المحلي الجغرافي السياسي لما يُطلق عليه حالياً اسم سورية، لوجدنا أنها تمتد من البحر المتوسط غرباً إلى العراق شرقاً، ومن تركيا شمالاً إلى الأردن وفلسطين جنوباً، ولبنان في الغرب.

    وضمن هذا الإطار العام تبلغ مساحة سورية الحالية 185ألف كم2. أما إذا نظرنا إلى امتداد سورية من خلال مقياس موقعها الفلكي على خريطة العالم، فهي تمتد على نحو خمس درجات عرض من 19 َ، 32° شمالاً تقريباً، وذلك من أقصى جنوب جبل العرب جنوباً إلى أقصى شمال شرقي الجزيرة شمالاَ، عند ملتقى الحدود الشمالية السورية-التركية مع نهر دجلة، كما تمتد على نحو ستٍ من درجات الطول من 43 َ، 35° شرق غرينتش.

    ويغطي هذا الامتداد المسافة بين رأس ابن هاني على البحر المتوسط، ونقطة التقاء الحدود الشرقية السورية مع نهر دجلة.

    لا يعبر موقع سورية عن أهميته العظيمة، إلا إذا نظرنا إليه من خلال أبعاده الكاملة الحقيقية، والمدى الذي بلغه خلال التاريخ في المجالين العربي والعالمي، إذ يكاد يكون هناك إجماع عالمي على أهميته. وقد برز ذلك بشكل واضح وجدّي في التاريخ المعاصر، بعد الحرب العالمية الأولى، عندما انهارت الإمبراطورية العثمانية، التي كانت سورية قلبها النابض، وعندما حدثت المجابهة بين حركة الاستقلال والوحدة العربية، التي اتخذت من سورية مقراً لها، وبين الحلفاء الطامعين في تلك البقعة الخطيرة من العالم، والذين كانوا أيضاً على موعد مشبوه مع الحركة الصهيونية العالمية، لتحقيق تلك الأطماع. ففي ذلك الوقت، وفي صيف عام 1919 صدر تقرير لجنة «كنغ-كرين» الأميركية، يعبر عن الأفكار التي كانت سائدة آنذاك بالنسبة إلى أهمية موقع سورية، وقد ورد في ذلك التقرير ما يلي:
    «لما كانت سورية جزءاً من رأس الجسر، الذي يربط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا ـ حيث يلتقي الشرق والغرب بصورة فريدة ـ فإن موقعها ذو أهمية إستراتيجية، وسياسية، وتجارية. كما أن له أهمية من زاوية الحضارة العالمية، لهذا يجب أن تتصف التسوية التي توضع لهذه المنطقة بالعدالة، بحيث تبقى على الأقل، ذات نتائج حسنة، لها صفة الاستمرار بالنسبة لقضية نمو حضارة خيّرة في العالم».


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:23

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد مثلها مثل طبيعتها المتنوعة من الصحراء الى الجبال والسهول والبحر والأنهار، ومن هذه الأرض كانت بدايات الإنجازات الحضارية الكبرى، التي صنعها سكان هذه الأرض بجهدهم وتراكم خبراتهم، إنهم أجدادنا القدماء الصيادون الأوائل، وهم من الأوائل الذين عملوا بالزراعة وأسسوا المستوطنات الزراعية الأولى. وفي أوغاريت التي قدمت أول الألوان وأول مدونة موسيقية استطاعوا أيضا أن يقدموا للبشرية العطاء الأغلى وهو أول أبجدية عرفها الإنسان.

    السفينة الفينيقية

    ومن أوغاريت، أبحرَت السفن الفينيقية إلى قرطاجة وإلى العالم كله ناشرة الحضارة في كل أصقاع المعمورة.

    وسورية أعطت روما بعضاً من أباطرتها مثل فيليب العربي وكركلا وإيلاغابال ونبغ فيها مشاهير تركوا بصماتهم الواضحة كالمعمار أبولودور الدمشقي صاحب عمود تراجان الشهير في روما، وباني جسر نهر الدانوب، ومن سورية كانت هندسة الكنائس البيزنطية تعتمد كمرجع في العمارة الكنسية في العالم كله، مثل كنيسة سمعان العمودي وكنيسةقلب لوزة وغيرها الكثير الكثير.

    تعاقب على أرض سورية شعوب وحضارات عديدة: السومريون والعموريون والأكاديون والحثيون والفراعنة، والحوريون والآشوريون والكنعانيون والآراميون والفرس والإغريق والسلوقيون والبطالمة والرومان والعرب الأنباط، والبيزنطيون، والعرب الغساسنة، ثم كان الفتح العربي الإسلامي وتتالت عليها عصور الأمويين، العباسيين، الطولونيين، الإخشيديين، الفاطميين، وتعرضت الى حملات الفرنجة "الحملات الصليبية" المتعددة في عصور السلاجقة والأتابكة والدولة النورية والأيوبيين والمماليك كما تعرضت لغزوات المغول "التتار"، ثم حكمها العثمانيون حتى جاءت الثورة العربية الكبرى، ووضعت سورية بعدها تحت الإنتداب الفرنسي، إلى أن كان الجلاء عام 1946 حيث خرج آخر جندي محتل.

    وآثار هذه الحضارات المتعاقبة الماثلة للعيان في يومنا هذا هي أقل بكثير من تلك التي ما زالت قابعة تحت تراب سورية تنتظر اكتشافها، فمن بقرص، وماري، ودورا أوروبوس، وأفاميا، وتدمر، والرصافة، وبصرى، وشهبا، والقلاع العديدة المنتشرة مثل قلعة شيزر، قلعة المضيق، قلعة صلاح الدين، قلعة المرقب، قلعة الحصن، قلعة جعبر، الى المعابد والمسارح والحمامات والكنائس والأديرة والفسيفساء والتماثيل والنقوش، وأقنية المياه، والمدافن والآثار الإسلامية من فجر الإسلام الى يومنا هذا، ففيها أنشئت أول مدرسة للطب، وأول بيمارستان، وطور علماؤها الفلك والهندسة والرياضيات، والطب والفلسفة وصناعة الساعات والاسطرلابات.

    وتنتشر المساجد في أرجائها وكذلك المدارس والأضرحة والمزارات من الصحابة والأولياء والصالحين إلى الخلفاء والعظماء.





    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:24


    سورية في عصور ما قبل التاريخ:

    في مقدمة مصادر دراسة تاريخ سورية في عصور ما قبل التاريخ ما خلفه إنسان ذلك العصر، منذ نحو مليون عام قبل الميلاد حتى ابتكار الكتابة في صورتها البدائية في نحو 3200ق.م. ففي العصر الحجري القديم 1000000 عام ق.م-100000ق.م، بدأ الإنسان القديم المنتصب القامة «الهوموإركتوس» بصنع أدواته الحجرية وتنظيم شؤون حياته وفق متطلباته. وقد عثر على نماذج من أدواته في ترسبات سرير النهر الكبير الشمالي وحوض العاصي. ويعتبر موقع اللطامنة في شمال حماة من أهم مواقع ذلك العصر، كما تميزت ملاجئ وادي سكفتا في يبرود بأدوات حجرية يبرودية.



    مغارة الديدرية في سهل عفرين
    تم اكتشاف هيكل عظمي كامل لطفل نياندرتال


    ثم ظهر الإنسان العاقل، الذي أقام في مغاور يبرود وكهوف تدمر. وفي العصر الحجري الوسيط (100000-35000 عام ق.م)، بدأ الإنسان ببناء الأكواح والتجمع والتفنن في صناعة الأدوات المناسبة والقيام بفعالية اقتصادية واجتماعية وروحية وفنية، في يبرود والكوم (شمال تدمر) والمريبط في محافظة الرقة وفي نحو 10000ق.م، انتشرت الحضارة النطوفية. وفي العصر الحجري الحديث _35000ق.م-12000ق.م)، تميز الإنسان بإنتاج الغذاء والمهارة في زراعة الحبوب وتربية الحيوانات وإقامة التجمعات السكنية في المريبط وتل الرماد، بالقرب من مدينة قطنا، وإبداع تماثيل الربة الأم، والإيمان بمعتقدات وتكريم الأجداد بالمحافظة على جماجمهم وإبداع الرسوم المختلفة.



    وفي بداية الألف السادس قبل الميلاد، تميز الإنسان بإبداع الأواني الفخارية المختلفة الجميلة. كما عرف الإنسان معدن النحاس في بداية الألف الخامس قبل الميلاد، فأخذ يصنع منه أسلحته وأدواته وتميز هذا العصر الحجري النحاسي بمنجزات حضارية، تجلت في الرغبة في معرفة كل ما يتعلق بالكائنات وخالقها، والحرص على تشييد المعابد، وتطوير الزراعة والإفادة من الري واستخدام الدولاب والفرن في صناعة الأواني الفخارية، وحفر الأختام المبسطة وتنمية التبادل التجاري. وإن إتقان سكان موقع تل حلف (قرب راس العين) صناعة الفخار وتجميله، أعطى اسم هذا الموقع للحضارة، التي ازدهرت في الألف الخامس قبل الميلاد. وقد أصبحت صناعة الفخار من أهم السمات الحضارية، وبدت الوحدة الحضارية تشمل مناطق واسعة، وجسدت روائع الفن، المعتقدات وتأسست التجمعات السكنية على امتداد الطرق التجارية الهامة (مثل موقع حبوبة الكبير في حوض الفرات الأوسط) وابتكر الإنسان رموزاً حسابية وشارات كتابة تصويرية، شكلت المرحلة السابقة لابتكار الكتابة المسمارية في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، فبدأت العصور التاريخية في سورية وتشكلت أقدم الممالك، كمملكة إبلا في تل مرديخ ومملكة ماري في تل الحريري ومملكة أوغاريت في رأس شمرا ومملكة قطنة في المشرفة ومملكة الآلاخ في تل عطشانة.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:26

    عصور ما قبل التاريخ
    تشمل هذه العصور المرحلة المسماة بالحقب الجيولوجي الرابع، الرباعي Quaternary، وهو حقب ظهر فيه الإنسان، تميز بتقلبات مناخية، بين ماطرة حيناً وجافة حيناً آخر، تزامنت مع العصور الجليدية والعصور الدافئة التي حصلت في نصف الكرة الشمالي، وأهم دلائل هذه الدورات المناخية كانت مظاهر جيومورفولوجية، أخذت شواطئ بحرية ومصاطب نهرية قديمة، على سواحل المتوسط وفي وديان الأنهار المهمة، الفرات والعاصي ونهر الكبير الشمالي، واحتوت على معطيات مستحاثية وأثرية غنية عن إنسان عصور ما قبل التاريخ. التي يقسمها الباحثون كما يأتي:

    ـ العصر الحجري القديم (الباليوليت Palaeolithic)، يؤرخ بين 1500000-15000 سنة خلت. ويقسم ثلاثة أقسام: العصر الحجري القديم الأدنى (الباليوليت الأدنى) 1500000-150000 سنة خلت، والعصر الحجري القديم الأوسط (الباليوليت الأوسط): 150000-40000سنة خلت، والعصر الحجري القديم الأعلى (الباليوليت الأعلى): 40000-15000 سنة ق.م.
    ـ العصر الحجري الوسيط (الميزوليت Mesolithic) 15000-10000سنة ق.م.
    ـ العصر الحجري الحديث (النيوليت Neolithic) 10000-5000 سنة ق.م.
    ـ العصر الحجري النحاسي (الكالكوليت Chalcolithic) 5000-3000 سنة ق.م.
    وصل الإنسان أول مرة إلى سورية منذ العصر الحجري القديم الأدنى، قادماً من إفريقيا، سالكاً طريقين طبيعيين اثنين: سواحل المتوسط والانهدام السوري الإفريقي، بدءاً من جنوبي شرقي إفريقيا مروراً بانهدام البحر الأحمر ثم وادي عربة، وادي الليطانين فـوادي العاصي. كان هذا الإنسان من النوع المسمى الهومو إركتوس Homo-erectus أي الإنسان المنتصب القامة، الذي يحمل صفات بشرية واضحة، وإن كانت لا تزال بدائية، تمثلت في حجم دماغه الصغير 1000سم3 تقريباً)، وعظامه الغليظة وقامته القصيرة. كما دلت على ذلك مكتشفات هياكله الأولى من إفريقيا، حيث ظهر منذ مليوني سنة خلت. وجدت الآثار الأولى لهذا الإنسان في سورية في حوض نهر الكبير الشمالي (موقع ست مرخو)، وفي حوض العاصي، (موقع خطاب)، وهي أدوات حجرية، قواطع وفؤوس بدائية، قُدر عمرها بنحو 1500000 سنة خلت، وهي بذلك أقدم دليل لوجود الإنسان القارة الإفريقية، وتنسب إلى ما يُعرف بالعصر الآشولي القديم Old Acheulean الذي استمر حتى 700000 سنة خلت تقريباً. في المرحلة اللاحقة المنسوبة إلى العصر الآشولي الوسيط Middle Acheulean بين 700000 و400000 سنة خلت، تطور الاستيطان البشري، فأصبحت المواقع أكبر وأكثر عدداً وتنوعاً، وطال الاستيطان، أول مرة، البادية السورية، (موقع الميرة) وحوض الفرات (موقع معدان)، ويبقى اللطامنة في حوض نهر العاصي الموقع الأهم من هذا العصر، وهو يمثل معسكراً مؤقتاً لجماعة من الصيادين وملتقطي الخيرات البرية عرفت، أول مرة، استخدام النار، وبنت الأكواخ البسيطة في العراء. في العصر الآشولي الأعلى Upper Acheulean بين نحو 400000 و250000 سنة خلت، ازداد الوجود الإنساني كثافة وبلغ الآشوليون، صنّاع الفؤوس اليدوية Bifaces، قمة تطورهم؛ فوصلوا إلى كل المناطق الجغرافية في سورية والمشرق القديم، دل عليهم خاصة موقع القرماشي في حوض العاصي، والندوية في منطقة الكوم. كُشف في هذا الموقع الأخير عن العديد من المستويات الأثرية الغنية بالأدوات الحجرية والمعطيات المستحاثية، وأهمها العظم الجداري اليساري OS Parietal لإنسان الهومو إركتوس، وهو أكمل وأهم ما وجد لهذا الإنسان في المشرق القديم.

    في المرحلة الانتقالية بين العصر الحجري القديم الأدنى والعصر الحجري القديم الأوسط، بين 250000 و150000 سنة خلت، ظهرت في سورية، إلى جانب الآشوليين، مجموعات بشرية مختلفة تعايشت في الزمان والمكان نفسيهما، وكان لكل منها أدواتها المعينة وحضارتها الخاصة بها؛ منها الهمليون (نسبة إلى بئر الهمل في البادية السورية، حوضة الكوم)، الذين اشتهروا باستخدام النصال والحراب الطويلة، واليبروديون (نسبة إلى موقع يبرود)، الذين اعتمدوا على المقاحف القصيرة والسميكة، في حين تابع الآشوليون صناعة الفؤوس الحجرية التي لم تعد بالجودة ذاتها ولا بكثافة العصر السابق.

    في العصر الحجري القديم الأوسط، منذ 150000 سنة خلت تقريباً، فقد اختفى الهومو أركتوس واختفت معه الحضارة الآشولية، وحل مكانه إنسان النياندرتال Neanderthal صانع الحضارة الموستيرية Mousterian، كان النياندرتال، الذي يُعتقد أنه من أصل أوروبي، أكثر تطوراً، فيزيولوجياً وحضارياً ، من سلفه الهومو أركتوس. حجم دماغه أكبر (1200سم3 تقريباً)، وقامته أطول وعظامه أقل غلاظة، كما أن حضارته أغنى، وهناك ما يشير إلى ممارسته شعائر روحية وأعمال فنية بسيطة، إضافة إلى استخدام القار في تثبيت قبضات الأدوات وإتقان الصيد بالحراب، كما دلت على ذلك مغاور يبرود، شمال دمشق، وجرف العجلة وأم التلال، في منطقة الكوم. في مغارة الديدرية في وادي عفرين كُشف عن هياكل عظمية لأطفال نياندرتاليين، دُفنوا وفق شعائر واضحة، هي الأقدم والأكمل من نوعها في العالم حتى اليوم.

    في العصر الحجري القديم الأعلى، منذ 40000 سنة خلت تقريباً، دخلت سورية مرحلة جديدة، فقد اختفى إنسان النياندرتال وانتهت الحضارة الموستيرية، لأسباب ما زالت مجهولة وحل مكانه الإنسان العاقل Homo sapiens ذو الأصل الإفريقي. لقد حققت مناطق عديدة في العالم، وخاصة غربي أوروبا، نقلة حضارية كبيرة على كل صعيد، إلا أن منطقة الشرق الأوسط، بما فيها سورية، بقيت فقيرة نسبياً، إذ غابت الفنون والشعائر والأدوات العظمية والبناء، وظهرت في هذا العصر حضارات محلية أخذت أسماءها من مواقعها المكتشفة الأولى مثل الأحمرية والعتليتية نسبة إلى مواقع عرق الأحمر وعتليت في فلسطين، والأنطلياسية، نسبة إلى موقع أنطلياس في لبنان، إضافة إلى الحضارة الأورينياسية Aurignacian ذات الأصل الأوروبي على ما يُعتقد.

    في العصر الحجري الوسيط، (الميزوليت) منذ نحو 15000 سنة ق.م، استعادت هذه المنطقة حيويتها وازدهرت فيها حضارات محلية مهمة، مثل الكبارية، نسبة إلى مغارة الكبارا، والنطوفية نسبة إلى وادي النطوف في فلسطين. مارست هذه الحضارات، أول مرة، الفنون والبناء واستخدام الأدوات العظمية والأدوات الميكروليتية الهندسية وما إلى ذلك من الإنجازات التي تطورت على امتداد العصور اللاحقة. تعد مواقع المريبط وأبو هريرة، في الفرات، والباز، في القلمون والطيبة، في حوران، النموذج الأفضل لهذا العصر، عصر قرى الصيادين الأوائل، الذي مهد لنقلة كبرى في العصر اللاحق.

    في العصر الحجري الحديث، النيوليت، منذ 10000 سنة ق.م تقريباً، دخلت سورية والمنطقة في مرحلة تغير جذري، اقتصادي واجتماعي، وتحولت الجماعات البشرية من الاعتماد على نمط حياة التنقل والصيد والالتقاط للحيوانات والنباتات والثمار البرية إلى البناء والاستقرار وممارسة الزراعة، كالقمح والشعير والذرة، وتدجين الحيوانات، كالغنم والماعز والبقر، مؤسسة بذلك قرى المزارعين الأوائل التي ميزت عصر «الثورة الزراعية» أو ثورة إنسان العصر الحجري الحديث Neolithic Revolution التي رافقتها تحولات اجتماعية كبرى، وسادت فيها معتقدات جديدة، منها عقيدة «الربة الأم» و«الثور المقدس» و«عبادة الأجداد»، التي مورست على امتداد منطقة المشرق العربي القديم، من حوض الفرات شمالاً، مروراً بحوضة دمشق وحتى وادي الأردن جنوباً. لقد ظهرت مكتشفات المرحلة الأولى من هذا العصر، السابقة لمعرفة الفخار، من عشرات المواقع المنقبة مثل المريبط وأبو هريرة وبقرص في حوض الفرات وتل أسود وتل الرماد في حوضة دمشق، إضافة إلى مكتشفات حديثة من تل قرامل في منطقة حلب وجعدة المغارة وتل حالولة وجرف الأحمر في حوض الفرات، إذ أعطى الموقع الأخير مكتشفات استثنائية وغير معهودة، منها بيوت العبادة والاجتماعات الكبيرة واللوحات الحجرية الصغيرة التي حملت إشارات رمزية وأشكال طيور وحيوانات، يُعتقد أنها نوع من الكتابات التصويرية الباكرة التي سبقت ظهور الكتابات التصويرية في بلاد الرافدين بنحو خمسة آلاف سنة. في المرحلة الثانية من العصر الحجري الحديث، المرحلة التي اقترنت باستخدام الفخار، تجذَّرت المجتمعات الزراعية، وظهرت قرى جديدة وازدادت كثافة الاستيطان البشري وأصبحت الأواني الفخارية من العلامات المميزة للحضارة والزمن، كما دلت على ذلك مواقع تل صبي أبيض في حوض البليخ ورأس شمرا على الساحل وتل الكرخ قرب إدلب وغيرها.

    وفي نهاية الألف السادس ق.م تقريباً. دخلت منطقة المشرق القديم في العصر الحجري النحاسي، الكالكوليت، إذ استخدمت بعض المجتمعات النحاس إلى جانب الحجر في تصنيع أدواتها. لقد بدأت الشخصية الحضارية لمجتمعات هذا العصر بالبروز أكثر من أي وقت مضى، جسدت ذلك الحضارة الحلفية، نسبة إلى موقع تل حلف في أعالي الخابور في سورية، والتي غطت، في النصف الأول من هذا العصر، المنطقة الممتدة من الموصل شرقاً حتى سواحل المتوسط غرباً. وقد أحدث الحلفيون تطوراً شاملاً في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، لكن أهم ما يميزهم هو الفخار الملون الرائع الذي يحمل زخارف هندسية وطبيعية وإنسانية وحيوانية جميلة، صُنِّع في ورشات متخصصة صدرته إلى مختلف الأرجاء، وكان من أوائل المواد التجارية إلى جانب الأوبسيديان (السبج) الذي انتقل من مقالعه الرئيسة في الأناضول إلى مسافات بعيدة. عُرف عن الحلفيين معابدهم ذات النمط الخاص، بيوت دائرية لها مداخل مستطيلة tholos، وتماثيل «الربة الأم» التي ظهرت عارية عريضة الأرداف تحمل نهديها بيديها وتلفها خطوط ملونة، رمزاً لعقيدة الخصوبة التي استمرت زمناً طويلاً في حضارات الشرق القديم. نحو منتصف الألف الخامس ق.م تراجعت الحضارة الحلفية، بسبب كوارث أو غيرها، وحلت مكانها الحضارة العبيدية، نسبة إلى موقع تل العبيد في جنوبي العراق. كان العبيديون أوسع انتشاراً من سابقيهم فهبطوا جنوباً حتى شواطئ الخليج العربي ومثلوا بذلك أوسع وأول وحدة حضارية عرفها المشرق القديم، امتاز هؤلاء بتطور عمراني لا سابق له، فكانوا أول من شيّد المعابد التي بلغت شأناً مهماً فيما بعد، كما تطورت لديهم الفنون ومنها التماثيل الكبيرة. مع أن الأواني الفخارية العبيدية لم تكن بدقة سابقتها الحلفية وجمالها، إلا أنها غدت أكثر غزارة وتنوعاً، استُخدم في تصنيعها الدولاب البطيء، أول مرة، بعد أن كانت تُصنَّع يدوياً في العصر السابق وشهد عصر العبيد نشاطاً قوياً في المجالات الزراعية والتجارية وغيرها، وتعد مواقع شاغار بازار وتل حلف وتل صبي أبيض وتل منبطح وشمس الدين طنيرة وتل عقاب، في الجزيرة، ورأس شمرا، على الساحل، من أهم المواقع السورية المنسوبة للحضارتين الحلفية والعبيدية اللتين كثيراً ما تتطوران وتتداخلان في المواقع نفسها. في النصف الثاني للألف الرابع ق.م دخلت سورية الشوط الأخير من عصور ما قبل التاريخ، فقد انطلقت من جنوبي بلاد الرافدين حضارة الوركاء، التي استوطنت أيضاً مناطق عديدة في حوض الفرات السوري، وحصل تطور شامل في نمط البناء فظهرت المدن المحصنة ذات الأسوار والأبراج القوية، والشوارع الرئيسة والفرعية والباحات العامة والمشاغل والمعابد والأقنية؛ إضافة إلى تطور في أنماط الفخار والفنون والأختام الأسطوانية والأدوات الفنية والزراعية وغيرها. لكن الابتكار الأهم في هذا العصر كان لوحات الكتابة التصويرية Piclographs المعروفة قبلاً، من موقع الوركاء في العراق، ثم وجدت في مواقع حبوبة الكبيرة وتل قناص وجبل عرودة وتل براك، في الجزيرة السورية، وهي المواقع التي جسدت عصر نشوء العمران وفجر التاريخ في الجزء الشمالي من سورية، وسادت في جزئها الجنوبي الحضارة الغسولية، نسبة إلى تليلات الغسول شمال شرق البحر الميت، التي حققت تقدماً عمرانياً وفنياً ملحوظاً، وإن كان أقل أهمية مما تحقق في المشرق الشمالي.
    العصور التاريخية القديمة
    في بداية الألف الثالث ق.م. ظهر السومريون أكبرَ قوةٍ حضارية في المنطقة، وبدأت مجتمعات الشرق القديم باستخدام البرونز في تصنيع أدواتها وأسلحتها، وبذلك دخلت المنطقة في العصر البرونزي، أو عصر السلالات الباكرة. في القسم الأول من هذا العصر، البرونز القديم، المؤرخ بين 3000 و2000 سنة ق.م. تابعت مدن عصر الوركاء تطورها، ونشأت أولى دويلات المدن City-States في مختلف مناطق سورية وبلاد الرافدين. تستقي المعلومات عن هذه المرحلة لا من المكتشفات الأثرية فقط، وإنما من الوثائق الكتابية وسجلات المؤرخين القدماء، التي تحتوي أسماء المدن والممالك والملوك والأسر الحاكمة والآلهة، إضافة إلى معلومات اجتماعية واقتصادية تدل كلها على تبلور سلطة دينية-مدنية تقود هذه المدن وتشرف على أمورها. كانت دويلات المدن الأولى في سورية شديدة الصلة بمثيلاتها في بلاد الرافدين، وتعد مدينة تل الخويرة، التي لا يُعرف اسمها القديم، وماري ، في سورية، إلى جانب أور وكيش في العراق، الدليل على المستوى الحضاري الرفيع الذي توصلت إليه المنطقة، ودلت عليه المنشآت العمرانية من أسوار وقصور ومعابد وحرف وفنون تنسب إلى السومريين، الذي يُعرفون اليوم، بناء على أحدث المعطيات الأثرية، أنهم سكان البلاد الأصليين وليسوا مهاجرين قادمين من الخارج، كما ظُنَّ قبلاً، ولهم يعود الفضل في ابتكار الكتابة المسمارية التي تطورت من الكتابة التصويرية إلى المقطعية فالأبجدية التي كُتبت بها كل لغات الشرق القديم، مع أن هذه الكتابة مازالت نادرة، في هذا العصر، واقتصرت على بعض النقوش على التماثيل، المخصصة للآلهة والحكام، التي أتت من ماري وتل الخويرة ومواقع رافدية أخرى.

    في منتصف الألف الثالث ق.م تقريباً، بدأ الأكاديون إلى جانب السومريين، يلعبون دوراً متصاعداً في أهميته حتى بلغوا ذروة مجدهم في عهد سارغون الأكادي الأول الذي أسس نحو منتصف القرن الرابع والعشرين ق.م. أول إمبراطورية امتدت من الخليج العربي جنوباً حتى سواحل المتوسط والأناضول شمالاً، كانت سورية جزءاً من القوة السياسية والحضارية للعصر الأكادي، وظهرت فيها ممالك قوية ربطتها بالأكاديين علاقات تعاون أو تحارب حسب الظروف، ويعد موقع تل براك في الجزيرة، حيث كُشف عن قصر أكادي، الدليل الأهم على هذه العلاقات، ومملكة إبلا، تل مرديخ جنوب حلب، هي المثال الأفضل لحضارة سورية ذات شخصية مستقلة وأصيلة، دلت عليها عمارتها وفنونها إضافة إلى الأرشيف، الذي وُجد في القصر الملكي الكبير (القصر G) وتجاوز الستة عشر ألف رقيم، احتوت معلومات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وأدبية، لا تنضب عن هذه المرحلة بحكامها وآلهتها ومعاجمها وأساطيرها وغيرها، كُتبت كلها بلغة إبلائية، قريبة جداً من الأكادية والكنعانية، وهي أقدم لغة معروفة من سورية حتى اليوم. لقد امتد نفوذ إبلا، في عهد حكامها الأقوياء، مثل أجريش حلام وأبريوم وآركب دامو، إلى مناطق واسعة بين الفرات والمتوسط، وكانت ذات علاقات دولية بعيدة من بلاد الرافدين شرقاً حتى مصر غرباً، كما سطع في هذا العصر نجم مملكة ماري، إحدى أهم الممالك الباكرة في الشرق القديم التي أتت منها مكتشفات فريدة، أثرية وكتابية، والتي قاربت إبلا في الكثير من سماتها ودخلت معها في علاقات تباينت بين السلم والحرب، قبل أن تخضع لإبلا، ثم تنتهي هاتان المملكتان السوريتان وتُدمرا على يد الأكاديين؛ إذ تباهى سارغون الأول ثم حفيده نارام سين، بأنهما كانا أول من قضى على إبلا، نحو منتصف القرن الثالث والعشرين ق.م، وتعد مدينة نبادا، في الجزيرة السورية، من المدن المهمة في هذا العصر؛ فإضافة إلى قصورها ومعابدها عُثر فيها على أرشيف كتابي صغير معاصر لأرشيف إبلا، تضمن معلومات إدارية واقتصادية تدل على أن هذه المدينة كانت تابعة لمملكة ناغار التي يُعتقد بأنها كانت تضاهي ماري في أهميتها. وهناك مكتشفات أثرية تدل على وجود ممالك ومدن، أخرى في موقع تل البيعة، توتول، الذي كُشف فيه عن قبور وقصور ملكية غنية وتل السويحات في حوض الفرات وغيره. أما تل موزان، في أعالي الخابور، فقد تبين أنه يتضمن آثار مدينة أوركيش القديمة عاصمة الحوريين. الذين استوطنوا الجزيرة العليا منذ منتصف الألف الثالث ق.م، وكان لهم دور متميز على امتداد الألفين الثالث والثاني ق.م.

    في منتصف القرن الثاني والعشرين ق.م قريباً، انهارت الإمبراطورية الأكادية تحت ضربات الجويين، انطلاقاً من موطنهم في جبال زاغروس في إيران، وأتى عهد جديداً أطلق عليه عصر الإحساء السومري Neo-Sumerian، تراجعت فيه الممالك السورية عن دورها السابق (ربما عدا ماري وناغا) وتركز الثقل الحضاري في مملكة لجش وعاصمتها الدينية جرسو في جنوبي بلاد الرافدين، ومع حلول عصر البرونز الوسيط بين 2000 و1600 سنة ق.م، حصل تحول جذري جديد على الساحة السياسية والحضارية للمنطقة فقد غاب الحضور السياسي للسومريين والأكاديين وبرز نجم البابليين، الذين عاصروا الآشورين والعمورين في بلاد الرافدين، والذي تذكرهم الوثائق الأكادية منذ نهاية الألف الثالث ق.م. لقد أقام هؤلاء البابليون ممالكهم الصغيرة الأولى في بداية الألف الثاني ق.م. في بلاد الرافدين مثل مملكة إيسن (إيشان البحريات) ومملكة لارسا قبل أن يشيدوا صرح الإمبراطورية وعاصمتها بابل، وفي عهد الملك الكبير حمورابي في القرن الثامن عشر ق.م، امتد نفوذ الإمبراطورية البابلية على كامل مساحة المشرق القديم، وعاصرتها في سورية الممالك العمورية، في حين أقام الكنعانيون ممالك على السواحل الشرقية للمتوسط.

    تعد ماري، في عهد ملكها زمري-ليم، إحدى أهم ممالك هذا العصر، كما دل قصرها الفريد ومعابدها وقبورها، وخاصة أرشيفها الضخم الذي تجاوز العشرين ألف رقيم، وكان مصدر معلومات ثرية جداً عن المنطقة وتاريخها، كما لمع نجم ممالك قوية ومزدهرة أهمها مملكة يمحاض، حلب، وملكها ياريم-ليم. وهناك ممالك إبلا (تل مرديخ) وقطْنة وألالاخ وقادش ، إضافة إلى توتول على الفرات وشخنة، ثم شوبات أنليل عاصمة شمسي حدد الأول الذي بسط نفوذه على ماري، ونصَّب ابنه يسمع حدد ملكاً عليها، قبل أن يدمرها حمورابي في منتصف القرن الثامن عشر ق.م تقريباً، لينتقل مركز الحياة إلى مملكة ترقا المجاورة، وهذا عصر تميز أيضاً بدخول الهكسوس، ذوي الأصل العموي على الأرجح، وحكمهم لمصر من عاصمتهم أفاريس (تل الضبعة في مصر العليا)، في عهد الأسرة الخامسة عشرة، قبل طردهم منها وما رافقه من اضطرابات في القرن السادس عشر ق.م، إذ ينسب بعضهم تدمير العديد من المدن الفلسطينية، في نهاية عصر البرونز الوسيط، للمصريين في أثناء مطاردتهم الهكسوس، ولكن يصعب إثبات ذلك تماماً. من جهة أخرى نهاية مأساوية للإمبراطورية البابلية ولممالك عصر البرونز الوسيط التي خضعت لها، وتحالفت معها، إذ بدأ يلمع نجم الحثيين، الهندو أوروبيين، الذين عاشوا في الأناضول منذ النصف الثاني للألف الثالث ق.م. ثم أسسوا مملكة قوية في النصف الأول للألف الثاني ق.م. ومن عاصمتهم حاتوشا (بوغازكوي) في مطلع القرن السادس عشر ق.م، بزعامة ملكهم مورشيلي الأول إلى الجنوب والغرب محطمين كركميش وحلب وإبلا وغيرها ومدمرين بابل، عاصمة حمورابي، التي وقعت، لزمنٍ طويل، بين أيدي الكاشيين، القادمين من إيران قبل أن يسقط هؤلاء أنفسهم على يد العيلاميين في منتصف القرن الثاني عشر ق.م تقريباً. في عصر البرونز الحديث 1600-1200ق.م، وبعد اختفاء الممالك العمورية بدأت تظهر على الساحة قوى جديدة مثلَّها الكنعانيون في بلاد الشام والآشوريون في بلاد الرافدين والحوريون- الميتانيون في الجزيرة السورية العليا: الذين أصبحوا، بعاصمتهم واشوكاني، ربما تل الفخيرية أو تل الحيمدية في الجزيرة، إحدى أهم القوى الفاعلة في المنطقة. وهناك الحثيون في الأناضول، والمصريون في وادي النيل. وقد خاضت هذه القوى الكبرى حروباً طاحنة على النفوذ والخيرات، وكانت السيطرة على سورية أحد أهم دوافع هذه الحروب، التي قادتها المملكة الحديثة في مصر خاصة، والتي يُعرف منها معركة مجدو (تل المتسلم) في فلسطين التي احتلها تحوتمس الثالث في القرن الخامس عشر ق.م، ومعركة قادش في بداية القرن الثالث عشر ق.م. في عهد الفرعون رمسيس الثاني، والتي انتهت باقتسام النفوذ بين الحثيين في شمالي سورية والمصريين في جنوبيها.

    استطاعت الممالك الكنعانية، وعلى رأسها أوغاريت، على الرغم من تواضع قدراتها العسكرية، الحفاظ على دور حضاري متواصل واستقلالية نسبة، وقد بلغت أوغاريت أوجاً عظيماً دل عليه تنظيمها العمراني وقصورها ومعابدها وقبورها وتماثيلها وصناعاتها النفيسة وآثارها العاجية والزجاجية وأدواتها وفخارها، الأهم من ذلك كله أرشيفها الكتابي الذي تجاوز الستة آلاف رقيم وتضمن معلومات تاريخية وأدبية ودينية كانت الأساس الذي نهضت عليه الديانات اللاحقة، ومجمع آلهتها المكون من إيل وبعل وحدد ودجن وعشتار وغيرها من الآلهة التي تتابعت على عبادتها شعوب الشرق القديم، وإن اختلفت أسماؤها من عصر لآخر.

    مثلت أوغاريت نموذجاً فريداً لتأثيرات وتفاعلات رافدية وأناضولية ومصرية ويونانية، أعيد تبلورها في إطار سوري أصيل، بلغ قمته بابتكارها الأبجدية الأولى في التاريخ التي حملها رقيم صغير، وتألفت من ثلاثين حرفاً تُكتب بالخص المسماري، من اليسار إلى اليمين، ثم أصبحت في جبيل اثنين وعشرين حرفاً تُكتب من اليمين إلى اليسار، قبل أن يأخذها اليونان وتغدو أصل الأبجديات الراهنة في العالم.

    إلى جانب أوغاريت ازدهرت في سورية مدن أخرى من بينها ألالاخ ، في منطقة العمق، وأيكالتة في الفرات. وهناك دور كاتليمو على الخابور، التي حملت تأثيرات مجارة، محورية وحثية وآشورية، كما دلت على ذلك قلعتها وأرشيفها الكتابي. والقول نفسه ينطبق على إيمار على الفرات وغيرها من المدن التي عاشت على امتداد النصف الثاني للألف الثاني ق.م.

    في نهاية عصر البرونز الحديث حلت بالمشرق القديم، من جديد، كارثة كبرى، حين اجتاحت المنطقة شعوب غير معروفة أُطلق عليهم تسمية شعوب البحر، قادمة من مناطق مختلفة في حوض المتوسط والأناضول، ومنهم الفلستيون Philistines الذين أعطوا اسمهم لفلسطين. وقد أسقطت شعوب البحر، ذات التسليح القوي والقدرات القتالية العالية، الإمبراطورية الحثية وجميع الممالك الكنعانية على ساحل المتوسط، وهددت مصر محدثةً فوضى واضطراباً شاملين. لقد دُمرت أوغاريت كما هُجرت ممالك أخرى مثل ألالاخ وغابت الحياة عن العديد من المدن مثل تل براك وحماة لأسباب قد لا ترتبط مباشرة بشعوب البحر، وقد تكون بسبب أزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة. هكذا بدأ عصر الحديد الذي استمر بين 1200 و539ق.م، وهو عصر بروز الآراميين كإحدى القوى الفاعلة في تاريخ المنطقة لبضعة قرونٍ مقبلة. أعطت التنقيبات الأثرية والمصادر الكتابية، الحوليات الآشورية والتوراة، معلومات وفيرة عن الآراميين الذين أنشؤوا العديد من الممالك الصغيرة التي حملت أسماء قبائلهم، بينها بيت باخياني وعاصمتها جوزان عند منابع الخابور، وبيت عديني وعاصمتها تل بارسيب وحداتو في الجزيرة السورية، وبيت أغوشي وعاصمتها أرياد في منطقة حلب، وهناك ممالك أرام صوبا وحماة ودمشق وغيرها. اشتهر الآراميون بنمط حضاري خاص ميزته العمارة ومنها المعابد والقصور بمداخلها ذات الأعمدة وهناك منحوتاتهم الحجرية الضخمة وآثار عاجية ومعدنية وكتابات جسدت موضوعات شتى وذكرت حكامهم وآلهتهم وعلى رأسها حدد وبعل وبعل شمسين وغيل ونبو وعشتار، التي كانت امتداداً لآلهة أسلافهم العموريين-الكنعانيين. إلى جانب الآراميين خضع شمالي سورية لتأثيرات لوقية-حثية جديدة Luvian Neohitites، مثل كركميش وسمال ، في حين نشأت على السواحل الممالك الكنعانية والفينيقية التي اشتهرت بالتجارة والصناعات النفيسة من حلي وعاجيات، وسيطرت على حوض المتوسط زمناً طويلاً، كما تدل على ذلك مستوطنات أرواد وجبلة وعمريت ورأس البسيط في الساحل السوري، وجبيل، في الساحل اللبناني، وغزة، في فلسطين وغيرها. إن التاريخ السياسي لممالك عصر الحديد ومدنه معقد ومتداخل؛ وهو شديد الاضطراب، خاض فيه الجميع صراعات وتحالفات متبدلة، كما تعرضوا لاحتلالات وضغوط خارجية، وخاصة آشورية ومصرية. التأثير الأكبر على سورية أتى من الإمبراطورية الآشورية الحديثة، التي تحركت من عواصمها المتتالية، كلخو (النمرود) ودورشاروكين (خور سباد) ونينوى (تل قوينجيق وتل نبي يونس) لتفرض سيطرتها في كل الاتجاهات وصولاً إلى مصر. وما معركة قرقر، في منطقة الغاب في سورية، إلا إحدى المواجهات العسكرية الكبرى التي تحالف فيها ملوك بلاد الشام الآراميون ضد الآشوريين، في منتصف القرن التاسع ق.م. كما تذكر المسلة التي عُثر عليها في كلخو وظهر فيها ملك إسرائيل وهو يقبل الأرض أمام قدمي العاهل الآشوري شلمنصر الثالث.
    تابع الآشوريون ضغوطهم على مدن الآراميين والعرب والفينيقيين وانتهوا إلى فرض سيطرة شاملة على الجميع، بعد أن سقطت مملكتا دمشق وحماة القويتان، وذلك في نهاية القرن الثامن ق.م. وتسجل الحوليات الآشورية والتوراة تفاصيل قاسية من تدمير وحرق للمدن وقتل وتهجير للسكان مارستها الجيوش الآشورية ضد الجميع. إلا أن الإمبراطورية الآشورية نفسها لم تلبث أن سقطت على أيدي الكلدانيين، المتحالفين مع الميديين في إيران، في سنة 612ق.م. لقد دمر الكلدانيون، البابليون الجدد Neo-Babylonians عاصمة الآشوريين نينوى، وجعلوا من بابل عاصمة الدولة الكلدانية. خضعت سورية من جديد لسلطة الكلدانيين الذين احتلوا دمشق، وامتد نفوذهم إلى سواحل المتوسط ومصر، وتميز الكلدانيون بحروبهم التي شنوها على اليهود، وخاصة حين دمر الملك الكلداني القوي، نبوخذنصر، أورشليم (القدس) مرتين وهجَّر اليهود إلى بابل في النصف الأول من القرن السادس ق.م. لكن الإمبراطورية البابلية الحديثة (الكلدانية)، ما لبثت، بعد موت نبوخذنصر، أن انهارت على يد الأخمينيين (الفرس)، في إيران، الذين احتلوا في عصر مليكهم قورش الثاني (العظيم) بابل عام 539ق.م. وقد تابع ملوك الأخمينيين فتوحاتهم الكبرى وأسسوا امبراطورية امتدت من وادي السند في الشرق حتى مصر في الغرب وفرضوا سيطرتهم على فلسطين والجزيرة العربية وسورية التي أصبحت الولاية الخامسة للإمبراطورية وعاصمتها دمشق. وتحتفظ مدينة ماراتوس بآثار واضحة من هذه المرحلة، وعلى الرغم من السيطرة العسكرية للأخمينيين بقيت بلاد الشام تلعب دوراً رائداً تجلى خاصة في اعتماد الآرامية لغة رسمية للإمبراطورية الأخمينية، واستمرار التأثيرات الشرقية التي ميزت العمارة والفنون الأخمينية على مختلف أنواعها. لم تلبث الإمبراطورية الأخمينية نفسها أن سقطت على يد الاسكندر المقدوني الذي احتل سورية عام 333ق.م. وهكذا دخل المشرق العربي القديم في مرحلة جديدة، لم تعد فيها شعوبه تحكم نفسها بنفسها، وإنما خضعت لسيطرة خارجية من دون أن يعني ذلك تراجع إسهاماتها الحضارية على مر العصور.

    سلطان محيسن

    الموسوعة العربية
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:27

    بعد موجات الأكاديين والعموريين والكنعانيين، وصلت موجة الآراميين من شبه الجزيرة العربية، في أواخر النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد. وكانت القبائل شبه البدوية تدعى «أحلامو» قد تحدّثت عنها نصوص مدينة ماري، في نحو القرن الثامن عشر قبل الميلاد، كما ذكرت النصوص الآشورية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد المعارك والتي خاضها الآشوريون ضد هذه الجماعات، التي عرفت في القرن الثاني عشر قبل الميلاد باسم «أحلامي آراميا» وكانت أشهر تلك المعارك بين الآشوريين والآراميين، جرت في مناطق جبل البشرّي وتدمر. واستقرّ الآراميون في حوض البليخ؛ فعرفت منطقتهم باسم «آرام نهاريم» حول مدينة «حرّان» بين نهري الفرات والخابور.
    لقد تأثر تاريخ المنطقة، كما تأثرت حضارات كثيرة بسقوط دولة المنطقة، كما تأثرت حضارات كثيرة بسقوط دولة الميتانيين، واكتشاف الحديد وحسن استخدامه في ميادين الصناعة والحرب، واجتياح «شعوب البحر» الساحل الشرقي للبحر المتوسط حتى حدود مصر، وتمزّق الإمبراطوريتين البيزنطية والحثية إلى دويلات وإمارات، واستقرار الفلسطينيين في بلاد كنعان، فتشكلت ممالك الآراميين في سورية، وأفادت من طرق القوافل، ونجحت في إيصال أحد قادتها «أدد ـ آفال ـ إدين» إلى عرش بابل. وظهرت ممالك الآراميين كقوة عسكرية لها أهميتها في المنطقة، وكمراكز اقتصادية وثقافية، تركت طابعها الحضاري عبر العصور. وكان أشهر هذه الممالك الآرامية:
    ـ في الشمال
    ـ مملكة بيت عديني: عاصمتها «تل برسيب/تل أحمر حالياً»، امتدّت شرقاً حتى نهاية البليخ.
    ـ مملكة بيت بحياني: عاصمتها «غوزانا/تل حلف حالياً» قرب رأس العين على نهر الخابور.
    ـ وفي شرق الخابور الأعلى، أسست القبيلة الآرامية «تيمانيا» عند رأس العين ثلاث إمارات هي:
    ـ نصيبين وحوريزانا وجيدارا.
    ـ وفي شرقها استقرت قبائل سوهو الآرامية في حوض الفرات من «عانة» حتى «ربيقو».
    ـ وفي جهة الغرب منها، تمكن الآراميون من تأسيس:
    ـ إمارة بيت أجوشي، التي كانت تضم حلب و«أرفاد/تل رفعت حالياً»، وكانت مجاورة لمملكة بيت عديني.
    ـ مملكة شمأل/زنجرلي حالياً عند جبال الأمانوس.
    ـ وفي وسط البلاد
    ـ مملكة حماة التي عثر فيها على آثار آرامية.
    ـ وفي جنوبي العاصي والليطاني:
    ـ مملكة آرام صوبا في البقاع.
    ـ مملكة آرام بيت رحوب، تقع جنوبي مملكة آرام صوبا، عند منعطف نهر الليطاني.
    ـ مملكة أرام معكة، كانت تشمل مقاطعة «دان/تل القاضي حالياً» في الجولان.
    ـ مملكة آرام دمشق: أصبحت زعيمة الممالك الآرامية منذ أسسها القائد الآرامي «رزون بن اليدع» حتى سقوطها آخر عهد آخر ملوكها «رصين» بيد تغلات فلاسر، ملك الآشوريين. وإن زعامة مملكة دمشق تفسِّر تسمية ملكها باسم «ملك آرام»، وتوضِّح أسباب اكتشاف نصب ملقارت، الذي نقشت عليه كتابة آرامية، تتضمَّن اسم ملك دمشق «بر حدد» في المنطقة الشمالية.
    ـ مملكة جشور، بين نهر اليرموك ودمشق.
    يُفسر تأسيس الممالك الآرامية في المناطق المختلفة من سورية، تسمية سورية قديماً في ذلك العصر باسم «بلاد آرام»، كما أن اهتمام كثير من الباحثين بدراسة الفن الآرامي، أسهم في إغناء المعلومات عن فن الآراميين في المواقع الأثرية المختلفة ونخص بالذكر منها مايلي:
    ـ غوزانا/تل حلف حالياً، عند رأس العين، على نهر الخابور. أظهرت التنقيبات الأثرية في هذا الموقع حصناً كبيراً مؤلفاً من معبد وقصر.
    ـ شمآل/زنجرلي حالياً: أظهر التنقيب الأثري آثاراً تعود إلى مبنى واحد.
    ـ دمشق: حافظ مكان معبد «حدد الآرامي» على قداسته عبر العصور. وقد عثر في أحد أساسات المبنى على منحوتة بازلتية آرامية، تمثل كائناً له رأس إنسان يعلوه تاج، وله جسم سبع مجنح.
    ـ قلعة حلب: عُثر فيها على منحوتة بازلتية، تمثل كائنين مجنحين متقابلين ومتماثلين.
    ـ عين دارا: يبعد هذا الموقع الأثري عن أرفاد/تل رفعت حالياً، مسافة نحو أربعين كيلومتراً، وقد أظهرت التنقيبات فيه معبداً هاماً وتمثال أسد بازلتي.
    ـ صرين: قرب عين العرب، عُثر في هذا الموقع على نصب يمثل مشهد عربة يقودها رجلان، ونصب آخر نقش عليه رمز رب القمر «سين»، الذي اشتهرت حران وغيرها بعبادته. ويتألف هذا الرمز من هلال فوق رمز الرب مردوخ، كما عثر على تمثال بازلتي ضخم، ارتفاعه 194سم وعرضه 47سم لأمير آرامي، يرتدي ثوباً طويلاً يتوسطه حزام، ويتدلى من الحزام سيف، ويحمل الأمير بيمناه عصا طويلة (الصولجان).
    ـ تل النيرب: يقع جنوب شرقي حلب، ويبعد عنها 6كم، عثر فيه على نصب يمثل سادناً جالساً خلف مائدة وليمة جنائزية، يحمل بيمناه كأساً، وأمامه خادمه، وفي أعلى النصب كتابة آرامية تتضمَّن اسم «اجبار» سادن رب القمر في حران والنيرب، وأسماء أخرى لآلهة (مثل شمس ونرجال). ويعود هذا النصب إلى نحو 730ق.م، كما عُثِر على نصب آخر يمثل السادن «سن ـ زر ـ ابني»، يقف رافعاً إحدى يديه، ويحمل بالأخرى منديلاً وقد نُقشت كتابة آرامية تحت قوس هذا النصب.
    وتميّزت عمارة الآراميين بواجهة قائمة فوق أعمدة، وتقع خلفها قاعة رئيسة لها شكل مستطيل. وتدل النصوص التاريخية على مدى اهتمام قدماء العموريين بفن العمارة العسكرية والدينية والمدنية، ويستنتج الباحثون تأثر الآراميين بالتراث المعماري المحلّي، وحسن إفادتهم منه واعتمادهم عليه في إقامة منشآتهم المعمارية.
    وأبدع النحاتون الآراميون روائعهم النحتية، ويلاحظ أن مادة الحجر البازلتي البركاني لم تساعدهم أحياناً في إبراز التفاصيل بدقة، مما جعل بعض منحوتاتهم يسودها طابع الخشونة. ورأى بعض الباحثين في عدد من المنحوتات الآرامية تأثيراً من الفن الحثي الجديد وغيره. ومزن أشهر الروائع النحتية الآرامية هي:
    ـ تماثيل وأنصاب آلهة: مثل منحوتة تمثل الرب «ملقارت»، ونقش على هذا النصب كتابة تذكارية تاريخية، تتضمن اسم «بر حدد» ملك دمشق، الذي أقام هذا النصب للرب «ملقارت» الذي استجاب لندائه.
    ـ تماثيل أمراء: مثل تمثال أمير من «صرين» قرب عين العرب، تمثال أمير من «عين التل» وتمثال ملك واقف، نقشت على ثوبه كتابة آشورية مسمارية وآرامية أبجدية.
    ـ تماثيل أسود: مثل تمثال أسد مكتشف في «عين دارا».
    ـ كائنات خيالية: مثل منحوتة مكتشف في أحد أساسات مبنى الجامع الأموي في دمشق، تمثل كائناً له رأس إنسان يعلوه تاج، وله جسم سبع مجنّح.
    ـ مواضيع من الحياة اليومية: مثل مشهد صيد، عربة يقودها رجلان.
    ـ رموز: مثل رب القمر «سين». وهناك مجسّمات الألواح، التي تغطّي جدران المباني في مداخل المدن والقلاع.
    ـ وتجدر الإشارة إلى القطع العاجية، التي كانت تزيّن عرش ملك دمشق «بر حدد»، وقد استولى عليها ملك الآشوريين تغلات فلاسر، الذي استطاع أن يقضي على مملكة دمشق الآرامية عام 732ق.م، ويعود منها بغنائم كان منها ما تبقى من روائع المنحوتات العاجية، التي تمثل مواضيع مختلفة مثل: وجه حسناء تجسّد الرّوح وتطلّ على عالم الأحياء، ومشهد بقرة ترضع عجلها...
    وهناك الكتابة المسمارية الآشورية والكتابة الأبجدية الآرامية، المنقوشتان على ثوب تمثال ملك من حجر البازلت، اكتشف جنوب شرقي تل فخيرية جنوب رأس العين، وتتضمّنان اسم «سيكاتي» حاضرة مملكة «غوزانا».
    وهناك أيضاً المعاهدة الآرامية المنقوشة كتابتها على حجر البازلت البركاني، وكانت قد اكتشفت في قناة سجين، فنقلت إلى قرية «سفيرة» قرب حلب، وهي محفوظة حالياً في المتحف الوطني بدمشق. ويعتبر نص هذه المعاهدة أقدم وثيقة تتضمن كتابة باللغة الآرامية، وتدل حروفها عل مدى تشابهها مع الحروف الفينيقية، ومدى العناية بحسن كتابتها ونقشها، وهي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وتتضمن اسم «برغايا» ملك كيتاك، و«متعال» ملك أرفاد/تل رفعت حالياً، الذي كان خصم الملك الآشوري تغلات فلاسر الثالث، الذي استطاع في نحو عام 740ق.م أن يقضي على مملكة أرفاد بعدما حاصرها أربعة أعوام. وقد جاء في نص المعاهدة عبارات تتضمن الخطر، الذي يهدّد «متعال» ومملكته فيما إذا نقض عهده. وهناك روائع الصناعات الفنية والفنون الصناعية، مثل صناعة الأواني الفخارية الجميلة المختلفة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:28

    الممالك الآرامية في سورية:
    في نهاية النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد، ظهرت جماعات الأخلامو والآراميين في شمال شبه الجزيرة العربية، متجهةً نحو الشمال إلى سورية وبلاد ما بين النهرين. ثم أخذت تدريجياً تستقر وتمارس الزراعة وغيرها. وتحدث الآشوريون عن انتصاراتهم على الآراميين، كما شعر الحثيون بخطر الآراميين عليهم، فأرسل ملك الحثيين «حتوشيل الثالث» إلى الملك البابلي، «كادش مان الثالث» في نحو عام 1275ق.م رسالة بشرح له فيها خطر استقرار هؤلاء الآراميين على سلامة الطرق التجارية في حوض الفرات.
    كل ذلك جعل الملك الآشوري «تبكولتي نينورتا» (1255ق.م-1218ق.م)، يقود حملة حربية ضد الآراميين في منطقة جبل البشري، كما شعر الملك الآشوري «آشور بل كالا»، بقوة الآراميين المتزايدة، مما جعله يتحالف مع ملك بابل «مردوخ شابيك زرماتي» لصد الآراميين. ولكن هذا الملك البابلي نفسه، قد أُبعد عن العرش وحل محله الآرامي «حدد ابان دين» (1083-1062ق.م)؛ فوجد الملك الآشوري من مصلحته الاعتراف به والتقرب منه، فتزوج ابنته لأسباب سياسية. وخاض الملك الآشوري «تغلات فلاسر الأول» (1116ق.م-1090ق.م) حرباً ضد الآراميين، الذين كانوا قد وصلوا إلى منطقة كركميش (جرابلس)، وخلد حملاته الحربية ضدهم. وكان الآراميون في بلاد بابل يدعمون البابليين، الذين كانت لهم معهم صلات قومية وثيقة، حتى أنه ورد في إحدى وثائق تل العمارنة في عهد الملك أخناتون (1370ق.م-1349ق.م) والملك البابلي «كاردونياش»، نبأ استيلائهم على المدن برضى حكامها المحليين، مما يفسر صلة الآراميين بالسكان المحليين.
    يعتبر القرن الحادي عشر قبل الميلاد بمثابة ذروة انتشار الآراميين في مناطق شمال بلاد ما بين النهرين. وكان انتشارهم في المقاطعات العديدة، مطابقاً لتقسيماتهم وتنظيماتهم القبلية، وقد تحولت هذه المقاطعات إلى ممالك آرامية ومختلفة من حيث الأهمية والنفوذ. وقد شكلت طوق حصار حول الآشوريين، الذي أصبحوا محرومين من منفذ لهم، كما دفعت الكنعانيين من المناطق الداخلية إلى جهات الساحل؛ فاتخذ الكنعانيون بدورهم من أنفسهم عائقاً دو توسع الآراميين إلى مناطق الساحل.
    أقام الآراميون إلى جانب السكان المحليين العموريين في حوض العاصي، الذي أسموه «أورونت»، ولم يلاقوا أية صعوبات في مناطق سورية الجنوبية، التي كان يسكنها العموريون والكنعانيون. وكان الآراميون يتحالفون مع العمونيين الذين كانت عمان عاصمتهم. وكانت تدمر كمركز لتجمع الآراميين.وفي مناطق غرب الفرات.
    اصطدم الآراميون ببقايا الحثيين ولاسيما في كركميش جرابلس وتمكن الآراميون من انتزاع بعض المدن (مثل بيترو جنوب جرابلس، وموتكينو على ضفة الفرات اليسرى)، والانتشار في مناطق واسعة خصبة، تحدها أرمينيا شمالاً وجبال طوروس والأمانوس وحوض العاصي وفلسطين غرباً، والصحراء العربية جنوباً وبلاد بابل وآشور شرقاً. وأسسوا ممالكهم التي من أشهرها:
    ـ مملكة فدان آرام: عاصمتها حران التي يفيد اسمها معنى طريق. وكانت من أعظم مراكز الحضارة الآرامية.
    ـ مملكة صوبا في سهل البقاع.
    ـ مملكة آرام نهرين (أي نهري الفرات والخابور).
    ـ مملكة بيت باحياني في حوض الخابور: عاصمتها «غوزانا تل حلف» قرب رأس العين. وكان من أشهر ملوكها كابارا.
    ـ مملكة بيت عديني: عاصمتها تل برسيب، واتسعت هذه المملكة حتى نهر البليخ، وكان من أشهر ملوكها آخوني.
    ـ مملكة بيت آجوشي: عاصمتها «أروباد تل رفعت»، كانت تشمل أراضي منطقة حلب.
    ـ مملكة شمأل عند سفوح جبال الأمانوس وفي حوض قره صو.
    ـ مملكة حماة: كان من أشهر ملوكها أرخوليني، وزاكر.
    ـ مملكة بيت رحوب: عند مجرى نهر الليطاني الأوسط.
    ـ مملكة آرام ماعاكا: في الجولان: وتضم منطقة دان/ تل القاضي.
    ـ مملكة جشور بين دمشق ونهر اليرموك.
    ـ مملكة دمشق الآرامية، التي كانت أمل الممالك الآرامية وعقلها المفكر وقلب مقاومتها وصمودها.
    اتبع الآشوريون سياسة قتال الآراميين وإخضاعهم والقضاء عليهم، مما جعل الملك الآشوري، آشور دان الثاني (932-912ق.م) يقاتل الآراميين المقيمين في المنطقة الشمالية الغربية. كما قاد ابنه «حدد ميراري الثاني» (911-890ق.م) حملاته الحربية ضدهم. فهاجم مملكة «غوزانا» قرب رأس العين ومملكة قطنة/المشرفة. كما قاتل الملك الآشوري آشور بانيبال الثاني (883-859ق.م) الآراميين. ومع ذلك فقد استطاعت مملكة بيت عدين الآرامية أن تحافظ على كيانها.
    وبعدما كانت مملكة صوبا أقوى الممالك، دب الضعف فيها، مما جعل القائد الآرامي «رزون بن اليدع»، ينفصل عن ملك صوبا «حدد عزر بن رحوب»، ويجمع حوله رجاله ويؤسس مملكة آرامية جديدة في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد. كان في انتظارها أمور جسام وأحداث كبرى. فقد قادت الممالك الآرامية في مواجهة الجيوش الآشورية في معركة «قرقر» على نهر العاصي في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد ومعارك عام 849ق.م و848ق.م و845ق.م و838ق.م. ففي عام 838ق.م، توجه «شلمنصر الثالث» من جديد بجيشه لقتال ملك دمشق «حزائيل»، الذي كان يتمتع بمواهب عسكرية وعزيمة قوية، جعلته من أعظم المحاربين الآراميين. فقد صمد وأجبر الملك الآشوري أن يعود من حيث أتى.
    بلغ من شدة سيطرة «حزائيل» على الممالك المجاورة، درجة، جعلته يجد من تسلحهم. ووصفت شدة ضغطه عليهم بأنه جعلهم «كالتراب المتصاعد على الأرجل». ووصفه بعض المؤرخين بأنه «أعظم محارب في التاريخ الآرامي».
    في عهد آخر ملوك دمشق الآراميين «رصين» (732ق.م) سقطت دمشق في أيدي الآشوريين؛ فدخلها الملك الآشوري «تغلات فلاسر الثالث»؛ فقتل ملكها «رصين» ونفى كثيراً من سكانها، وقضى على استقلالها وازدهارها وجعلها إحدى المقاطعات الآشورية.
    بسقوط دمشق عام 732ق.م، زالت دعامة كبرى من دعائم مقاومة الآراميين وانتهى عز سيادتهم فيما استمر نشاطهم الاقتصادي ونفوذهم الثقافي، وغدت لغتهم لغة الأدب والتخاطب، بل واللغة الرسمية في الولايات الفارسية في عهد «دارا الكبير» (521ق.م-486ق.م). وكان الآشوريون يعتمدون الكتّاب الآراميين في كتابة وثائقهم. وقد عثر على منحوتة آشورية من عهد تغلات فلاسر الثالث، تمثل كاتباً آرامياً يسجل الغنائم بقلمه على ملفات البردي، في حين أن زميله الكاتب الآشوري كان يكتب على رُقيم طيني النص بالكتابة المسمارية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:30

    ما من حضارة في التاريخ البشري لم تنتج شكلاً من الأدب يعكس صورتها ويعبر عن معاناتها وتطلعاتها، وقد تعاقب على منطقة سورية الطبيعية منذ القديم عدد من الحضارات المحلية الأصيلة والغريبة الدخيلة، مما حوَّل المنطقة إلى بوتقة تلاق وتفاعل وتمازج مثمر، جعل منها بؤرة للإشعاع الفكري تارة، ووسيطاً فاعلاً بين الحضارات تارة أخرى. وعلى الرغم من بعد الشقة الزمنية مع الماضي الغابر، ساعد علم الآثار وبعثات التنقيب المتوزعة في أرجاء المنطقة كافة منذ أوائل القرن العشرين في الكشف عن كثير من تراث هذه الحضارات، بما في ذلك الفكر والأدب الديني والدنيوي.

    أظهرت الحفريات في سبعينيات القرن العشرين في تل مرديخ بالقرب من مدينة إدلب أعداداً كبيرة من الرّقم الطينية، التي كشفت دراستها عن حضرة مملكة إبلا، التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، والتي اعتمدت على الإنتاج والتبادل التجاري مع الممالك المجاورة، وكانت أحد مراكز العلم والأدب المتطورة في ذلك الزمن. ومع أن القسم الأكبر من هذه الرقم مازال قيد الدراسة، فقد عثر الخبراء حتى اليوم على نسختين من ملحمة غلغامش، وعلى كثير من النصوص الأسطورية المرتبطة بآلهة إبلا وملوكها وأبطالها، بشكل يكشف عن طبيعة الحياة الدينية والاجتماعية والاقتصادية في المملكة وجوارها، مدونة باللغة الإبلاوية التي تنتمي، حسب رأي الدارسين، إلى الأسرة السامية الشمالية، أي إلى الحضارة الكنعانية.

    ومنذ عشرينيات القرن العشرين كشفت الحفريات في منطقة رأس شمرا شمالي اللاذقية عن حضارة مملكة أوغاريت الكنعانية التي تعود إلى القرن 14-13ق.م. وقد كشفت دراسة الرقم عن أول أبجدية في التاريخ مؤلفة من ثلاثين علامة كتابية، ودونت بها أعداد كبيرة من النصوص الدينية والحقوقية والتجارية، إلى جانب عدد لافت من الملاحم والأساطير والقصائد التي أثارت اهتماماً كبيراً لدى الباحثين، ولاسيما وأنها تثبت صحة المقاطع المذكورة عن أوغاريت في كتاب «فينيقيا» Phoinikika للكاتب الجبيلي فيلون (64-141م) Philon التي أحالها بدوره إلى سنخونياتن Sanchuniatin البيروتي الذي عاش قبل حرب طروادة (نحو 1200ق.م).

    تعتمد جميع أشعار الأدب الأوغاريتي على بنية موحدة واضحة، بحين يتألف البيت من شطرين، وكل شطر من ثلاث تفعيلات، ويخضع اختلاف الوزن إلى عدد حركات الرفع والخفض في التفعيلة، وتقسم القصيدة إلى مقاطع يتناول كل منها معنى محدداً، وتعتمد الصورة الشعرية المؤثرة على تعدد الصفات وتلونها، على نحو يميل إلى المبالغة أحياناً، ولاسيما عند وصف الآلهة المؤنسنة من حيث عواطفها ونزواتها ورغائبها وعاداتها. ويبدو من التواقيع التي تذيل بعض الرُّقم أن ملك أوغاريت نيقمدو Niqmaddu الثاني (نحو 1350ق.م) قد أشرف بنفسه على تدوينها، إلا أن مؤلفها هو إيلي ميلكو Ili Milku كاهن أوغاريت الأكبر ورئيس مقدّمي القرابين والمطهرين، وقد صاغها بشكل دروس تلقى على أبناء الملك كتوجيهات ومواعظ في الأخلاق والعقائد الدينية وفي السياسة والسلوك الشخصي، وأطلق عليها اسم «اللآلئ»، وهي ملحمة تحكي أخبار الملك الذي امتد ملكه من أوغاريت حتى جنوبي فلسطين، وقاست البلاد في ظله أمرَّ الويلات نتيجة سوء تصرفه سخصياً وسياسياً، وثمة نص آخر بعنوان «دورة بعل» يعد تجسيداً لمعتقدات الخصب ودورة الطبيعة، فـالإله موت Mot يعتل الإله بعل Ba’al. ويمثل بعل المطر والرعد والريح في حين يجسد موت القحط والمحل والجفاف، فتنتقم الإلهة عناة Anat لأخيها وتقتل موت لكنهما ينبعثان مجدداً في مطلع الربيع ليخوضا الصراع ثانية. أما أكثر النصوص إنسانية فهو ملحمة «كِرْتَ» Kirta. فعندما يفقد الملك كِرْتَ جميع أبنائه يشمله رب الأرباب إيل El برحمته ويمنحه ذرية جديدة ويشفيه من أعتى الأمراض. وفي أسطورة دانيل Danel ينتج الصراع الدامي عن تصدي البطل نصف الإله أقهات Aqhat بن دانيل لرغبات الإلهة المحاربة عناة. وثمة نصوص كثيرة أخرى من نوع قصائد المديح أو الرثاء أو الابتهال.

    على الرغم من أن اللغة الآرامية انتشرت من سورية ووادي الرافدين حتى بلغت الهند، ومع أنها صارت لغة الدولة في المرحلة الأخمينية، إلا أن دورها الحضاري على صعيد الأدب كان شبه معدوم، في حين أدّت دوراً بارزاً ولعدة قرون بوصفها اللغة الدبلوماسية بين الممالك ولغة الدواوين وسجلات الملوك والتبادل التجاري، وذلك حتى بروز أحد فروعها، أي السريانية، وارتباطه بانتشار الديانة المسيحية، انطلاقاً من سورية. وفي المرحلة نفسها لمع في سورية اسم الأديب والخطيب والفيلسوف لوقيانس (120-185م) Lukianos المولود في مدينة سميساط Samosata على الفرات، الذي وجّه في مؤلفاته العديدة نقداً ساخراً لاذعاً للظواهر السلبية التي انتشرت في سورية في زمنه كالفساد والتدهور الأخلاقي من جهة والانسلاب الديني من جهة أخرى، إلى جانب حماقة رجال السياسة وضحالة الفلسفة المزيفة المنتشرة آنذاك. كما برز اسم ملياغروس (130-60ق.م) Melegros الذي ولد في بلدة جدارة وقضى حياته في صُوْر يقرض الشعر وينظم الحِكمَ وينشر آراء الفلسفة الكلبية Cynicism، وجمع حكمه المنظومة في كتاب «الإكليل» Stephunos فصار نموذجاً لمجموعات مماثلة.

    يحتل الأدب السرياني المكانة الأبرز في إطار آداب المسيحية المشرقية، سواء من حيث القدم، أم الحجم والأهمية، إذ كان أول إنجازاته ترجمة «العهد القديم»، لكن من رفع السريانية إلى مرتبة اللغة الأدبية هو لاشك بَردَيصان (154-222م) Bardaisan الغنوصي صاحب «كتاب القدر» و«نشيد اللؤلؤة» الذي يعد من دُرر السريانية الأصيلة. أما ماني (216-222) Mani مؤسس المانوية Manism فقد وضع مؤلفاته كافة بالسريانية. وما يميز الأدب السرياني في المقام الأول هو اهتمامه بالموضوعات الدينية المسيحية وكون غالبية مبدعيه من رجال الكنيسة أو اللاهوتيين. وقد بلغ هذا الأدب أولى ذُراه في قصائد القديس أفرام (306-373م) في مديح السيدة العذراء، وكذلك في مؤلفاته النثرية، وقد وُصِف لرقة شاعريته بـ «قيثارة الروح القدس». وكان من أبرز أتباعه ومقلديه الشعراء قوريلونا Qurillona (نحو 400م) وبالاي Balai (نحو 432م) وماروثا Marutha (نحو 400م). وقد أدى مجمع خلقيدونية عام 451م إلى انقسام الشعب السرياني إلى يعاقبة غربي سورية ونساطرة شرقيها، وقد تعمق هذا الانقسام بهيمنة بيزنطة على غربي سورية، وفارس على شرقيها. وفي حماة الصراع بين المذهبين برز اسم فيلوكسينُس Philoxivos المنبجي (المتوفي 523م) الذي يمثل كلاسيكية الأدب السرياني بكتبه التي أنافت على الثمانين. وعندما دخل السريان في ظل الفتوحات الإسلامية كانت ذروتهم الأدبية قد أفلت. وفي هذه الحقبة لعبت السريانية دور الوسيط بين الحضارة اليونانية والحضارة العربية الإسلامية الفتية عن طريق ترجمة أمهات الكتب العلمية والفلسفية والأدبية من اليونانية إلى العربية، مما ساعد في سرعة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية وانتشار اللغة العربية في البلدان المفتوحة. ومن أبرز أدباء هذه الحقبة القديس يوحنا الدمشقي (675-749م) الذي كتب في الفلسفة والخطابة والشعر ومهّد بمؤلفاته لنشأة تعليم اللاهوت في أوروبا. وفي هذه المرحلة ظهر عدد من الأدباء السريان ذوي اللسانين، الذين ألفوا كتبهم ونظموا أشعارهم بالسريانية والعربية، ومنهم ديونيسيوس بن الصليبي (1154-1171م) وابن العبري (1126-1286م) الذي يعد من أبرز وأغزر الأدباء السريان في اللغتين من حيث القيمة الأدبية والفكرية، وفي ظله سار عبد يشوع بن بريخا أسقف سنجار الرمة في نجد (المتوفى 1318م) صاحب كتاب «جنة عدن». وعلى إثر الغزو المغولي ثم الهيمنة العثمانية تراجع الأدب السرياني ولم تعد هناك إبداعات جديدة تستحق الذكر.
    نبيل الحفار

    الموسوعة العربية


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:30

    في عام 333ق.م جرت معركة «أسوس»، شمال غرب سورية، في منطقة بحيرة العمق بين الإسكندر المقدوني والملك الفارسي «دارا الثالث»، انتهت بانتصار الإسكندر وتقدمه في سورية جنوباً.



    بعد بنائه مدينة عرفت باسمه «الإسكندرونة» في أقصى شمال الساحل السوري. واستسلمت له المدن الساحلية والداخلية في سورية، باستثناء مدينتي صور وغزة. فقد قاومته صور ببطولة سبعة أشهر قبل أن تخضع له أخيراً في نهاية عام 332ق.م، وقاومته غزة شهرين بقيادة «باطيس». وبعد استسلام مصر، ومعركة أربيل في شمال العراق، انتهى نهائياً عصر السيادة الفارسية في المنطقة وبدأ العصر المقدوني.



    كان الانتصار المقدوني، مرتبطاً بشخصية القائد الشاب الإسكندر، الذي ما كاد يقود حملته الشرقية للاستيلاء على الهند، ويعود منها إلى بابل في ربيع عام 323ق.م، حتى فاجأه مرض، أودى بحياته؛ فانقسمت الإمبراطورية التي أسسها في الأعوام العشر السابقة. وبالرغم من غنى معظم مقاطعات إمبراطورية الإسكندر بالموارد والمقومات الاقتصادية والبشرية، فإن سورية كانت أهمها. وشهدت المنطقة أحداثاً كا لها آثارها على تاريخها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فترة امتدت حتى الفتح العربي الإسلامي.


    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:32


    سورية في العصر الهلنستي:



    وفي العصر الهلنستي الذي أعقب موت الإسكندر، تقدمت الزراعة في سورية. وكان القمح أهم إنتاج فيها، وانتشرت زراعة الكروم وتحسنت أنواعها. كما اشتهرت بزراعة الزيتون واستخراج الزيت، ومن النباتات التي أدخلها المزارعون في سورية أشجار الفستق. وتميزت بإنتاج أجود أنواع الزجاج والأصباغ والنبيذ والزيت (قدر عدد سكان سورية في العصر الهلنستي بنحو ستةملايين نسمة).



    وفي عام 64ق.م قضى الرومان على حكم السلوقيين في سورية، وضمها القائد بومبي إلى الإمبراطورية الرومانية، كما ضمت مصر إلى الإمبراطورية الرومانية بعد معركة «أكتيوم» عام 31ق.م. وكان الزعماء العرب، حكاماً محليين في تدمر وحمص وبلاد الأنباط. وأسست بعض المدن فيما بينها اتحاداً كاتحاد المدن العشرة (ديكابوليس). وأفادت سورية من السلم العالمي الذي حققه الرومان في زمن الأباطرة الخمسة من عهد نيرفا 96-98م، حتى زمن «ماركوس أويليوس» 161-180م. وعرفت قمة ازدهارها في عهد تراجان (98-117م) وهادريان (117-138م) وتأكدت ذروة قوتها، حين تمكنت الفرق الرومانية في سورية من رفع قائدها «فيسبازيان» إلى العرش الإمبراطوري عام 69م.



    ازدهرت المدن السورية (مثل أنطاكية وضاحيتها دفنة، واللاذقية وأفاميا، وحمص ودمشق وبيروت وبعلبك، وتدمر وبصرى، وشهبا وحريطة:القنوات ودورا أوروبوس. وقد اشتهرت أنطاكية بحياة الترف والمدرجات والحمامات والحدائق والطرق المرصوفة والمضاءة ليلاً والمهرجانات الرياضية. وكانت اللاذقية مركز مسرات يتردد عليه كبار الأغنياء، وقد اشتهرت بنبيذها الذي كانت تصدره إلى عواصم الولايات الرومانية على شواطئ البحر المتوسط. وكانت أفاميا ذات أهمية كبيرة فيها مدرسة الفلسفة. وتطورت دمشق من عاصمة آرامية، قديمة منسية، إلى مدينة ذات فعاليات ونشاطات اقتصادية. وكانت بيروت أهم مدينة ساحلية، فيها مدرسة حقوق واستمرت أهمية بعلبك (هليوبوليس مدينة الشمس) ومنبج (هيرابوليس مدينة الربة هيرا).



    في الجنوب، كان معظم مدن فلسطين وشرقي الأردن القديمة، قد تأثر بالطابع الإغريقي. وفي بيت لحم ولد السيد المسيح، الذي دعا إلى دين جديد متميز بأخلاقية إنسانية، فأخذت الديانة المسيحية تنتشر في سورية وتلفت أنظار العالم بجهود الرسل وعلى رأسهم القديس بولس. وكانت أنطاكية أول مركز لانتشار المسيحية في سورية وخارجها.



    وتمكنت سلالة سورية أن تعتلي عرش الإمبراطورية الرومانية وكان من أباطرتها «كاركالا» (211-217م) وإيلا غابال (218-222م) وانتهى حكمها بموت «إسكندر سيفيروس» (222-235م)، كما تمكن القائد السوري فيليب العربي من اعتلاء عرش روما وحكم الإمبراطورية من عام 244م إلى 249م. ومارس الاقتصاديون السوريون نشاطاتهم في الولايات المختلفة. وكانت سفنهم في القرن الثاني والثالث، تنتقل بين موانئ البحر المتوسط. وكانت جزيرة ديلوس وصقلية من المراكز الرئيسة للتجارة السورية. وكانت بضائعهم التجارية تتألف من الحبوب والخمور والزجاج والمنسوجات والمجوهرات والتوابل وغيرها. وقد أسهمت نشاطاتهم الفكرية في نشر الديانة المسيحية وانتصارها على الوثنية.




    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:33

    تعد العصور الكلاسيكية «السلوقية والرومانية والبيزنطية» من أهم المراحل التي مر بها تاريخ سورية في الأزمنة القديمة، إذ استمرت قرابة عشرة قرون كانت فيها سورية مركز الإمبراطورية السلوقية التي امتدت من البحر المتوسط غرباً حتى حدود الهند شرقاً، والتي عرف حكامها باسم «ملوك سورية» وحروبها باسم «الحروب السورية». كما أنها صارت بعد ذلك أهم ولايات الإمبراطورية الرومانية في الشرق، وبقيت مئات السنين حصنها الحصين في صراعها مع الممالك الفارسية المتعاقبة التي كانت تسعى لبسط سيطرتها عليها، كما أنها شكلت درة ممتلكات إمبراطورية الروم البيزنطية حتى الفتح العربي الإسلامي.

    وتميزت هذه العصور بأحداث جسام وإنجازات حضارية رائعة في شتى المجالات، الاقتصادية والفكرية الفنية والدينية، فقد كانت سورية من أغنى بلدان حوض البحر المتوسط وأكثرها تطوراً وازدهاراً، كما تبوأت قطب الرحى في التجارة الإقليمية والدولية آنذاك، وانتشر أبناؤها في شتى أرجاء المعمورة، فكانوا رسل حضارة وبناء تركوا آثارهم في كل مكان حلّوا فيه، وكانت أرضها مهد الديانة المسيحية ومنها انتشرت إلى سائر بلدان العالم القديم حاملة رسالة المحبة والخير والسلام.

    لقد كانت سورية موطناً ومنطلقاً لحضارة عريقة وموئلاً لحضارات مختلفة، إذ التقى على ثراها الشرق والغرب فتفاعلا وتبادلا الأفكار والخبرات والثقافات، فكانت الحضارة الهيلنستية التي جسدت تلاقي حضارة الشرق العريقة مع الحضارة الإغريقية الوافدة، فهذا الشاعر ملياغر Meleager من أبناء غدرا/أم قيس في الأردن (من مدن الديكابوليس) يمجد الأخوة الإنسانية التي تحققت على أرض سورية بقوله: «لا تظنوني غريباً، فكلنا من وطن واحد هو العالم».

    في تلك العصور برز اسم سورية Syria بشكله الحالي وترسخ استعماله للدلالة بصورة أساسية على المناطق الممتدة من جبال طوروس أساسية على المناطق الممتدة من جبال طوروس في الشمال حتى حدود مصر في الجنوب، ومن الفرات وبادية الشام شرقاً حتى البحر المتوسط غرباً، وكان قد ظهر أول مرة في القرن الخامس قبل الميلاد لدى المؤرخ هيرودوت، ولكن لم يبدأ استعماله على نطاق واسع إلا منذ مجيء الاسكندر الكبير المقدوني. أما قبل ذلك فكانت سورية الولاية الخامسة في الإمبراطورية الفارسية الأخمينية، وعرفت باسم سترابية «عبر النهر» Abar Nahara، التي كانت تضم حسب هيرودوت (التاريخ: الكتاب 3 الفقرة 91) «كل فينيقية وسورية الفلسطينية وجزيرة قبرص» وتدفع جزية سنوية مقدارها 350 تالنته (وهي وحدة حسابية نقدية تبلغ نحو 26كغ من الفضة)، إضافة إلى تقديم السفن اللازمة للأسطول الفارسي. وهنا تجدر الإشارة إلى عمق الصلات التي كانت قائمة بين سورية والعالم الهيليني والتي انعكست في عدد من الأساطير الإغريقية التي جاء أبطالها من الساحل السوري، مثل قدموس مؤسس مدينة طيبة، إحدى أشهر المدن اليونانية القديمة، والأميرة أوروبا Europa التي اختطفها كبير آلهة الإغريق زيوس من شواطئ صور، وأنجب منها مينوس ملك كريت، وهي التي أعطت القارة الأوروبية اسمها. وغني عن القول أن الإغريق يدينون بكتابتهم، ومن ثم بقسط كبير من نهضتهم العلمية والثقافية إلى الأبجدية الفينيقية الكنعانية، التي نشأت على أرض سورية، التي كان لها كذلك دور أساسي في نقل كثير من منجزات الحضارتين المصرية والبابلية إلى الإغريق.

    وبالمقابل فقد بدأت تظهر، منذ القرن الخامس قبل الميلاد، بعض المؤثرات الإغريقية على الصعيدين الاقتصادي والفني، وخاصة في مدن الساحل السوري، حيث أقيمت بعض المراكز التجارية وانتشرت الصناعات الفخارية الإغريقية، كما عمّ تداول الدراخما (الدرهم) الأثينية التي صارت وحدة العامل النقدية الدولية في ذلك العصر.

    العصر الهيلنستي السلوقي
    ولكن ظهور الإسكندر المقدوني وانتصاراته المذهلة على أعظم إمبراطوريات الشرق القديم، وما تلا ذلك من تطورات وتغييرات جذرية طالت شتى المجالات، شكل نهاية عصر وبداية عصر جديد في تاريخ سورية والشرق القديم، إذ كانت معركة إسوس Issos التي جرت عام 333ق.م في أقصى الشمال الغربي من سورية، من أهم المعارك الفاصلة في التاريخ القديم فقد شكلت بداية النهاية للإمبراطورية الأخمينية التي حكمت المنطقة ما يزيد على قرنين من الزمن، كما أنها فتحت أبواب سورية ومصر على مصراعيها أمام الاسكندر، الذي أسس تخليداً لانتصاره الكبير في ذلك الموقع مدينة سماها باسمه، ولا يزال اسمها حياً حتى اليوم في تسمية خليج الاسكندرونة. لم يلاحق الاسكندر فلول الجيش الفارسي المنهزم، وإنما سعى إلى تثبيت سلطانه على سورية والاستحواذ على أساطيلها البحرية، ليؤمن مؤخرة جيشه واتصالاته ببلاد الإغريق، فأرسل قائده بارمنيون Parmenion على رأس قوة من الفرسان لاحتلال دمشق، مقر القيادة الفارسية، حيث أودع الملك دارا الثالث خزينته الحربية وحريمه، فاستولى عليها. أما هو فسلك الطريق الساحلي فجاءته وفود من عمريت وأرواد وجبيل وصيدا تعلن استسلامها، ولكن مدينة صور أبت الخضوع إلا بعد أن أحكم الحصار عليها براً وبحراً وردم البحر الفاصل بين جزيرة صور والبر المقابل لها، وكان انتقامه في غاية القسوة، إذ أعدم عشرة آلاف من أبنائها وباع نحو ثلاثين ألفاً في أسواق النخاسة. ثم تابع زحفه جنوباً فتصدت له مدينة غزة الباسلة شهرين كاملين قبل أن يستطيع دخولها والاستيلاء على مخازنها التجارية الضخمة المليئة بالبخور والتوابل والبضائع النفيسة. وهكذا صار الطريق أمامه مفتوحاً إلى مصر، التي استولى عليها بلا مقاومة تذكر. وبعد أن نظم أمورها ووضع حجر الأساس لمدينة الاسكندرية، انطلق في ربيع عام 331قق.م عائداً إلى سورية فعين عليها أحد قواده المدعو لاوميدون Laomedon وأكمل استعداداته قبل أن يعبر الفرات إلى بلاد الرافدين، حيث جرت قرب أربيل معركة جاوجميلا Gaugamela التي قررت مصير الإمبراطورية الفارسية بصورة نهائية، وتساقطت عواصمها الواحدة تلو الأخرى، وتابع الاسكندر حملته الشهيرة إلى الشرق حتى وصل إلى الهند، ثم قفل راجعاً إلى بابل حيث وافته المنية عام 323ق.م عن عمر يناهز الثالثة والثلاثين عاماً.

    تمزقت إمبراطورية الاسكندر بعد موت مؤسسها، وبدأ كبار قادته صراعاً على السلطة دام عدة عقود، وجرت كثير من المعارك والحروب الدامية على أرض سورية التي كانت محط أطماعهم جميعاً، فعلى أثر مؤتمر بابل نشب أول صدام بين القائد العام برديكاس Perdiccas وبطلميوس والي مصر، انتهى باغتيال برديكاس في جنوبي سورية وعقد مؤتمر تريباراديسوس Triparadeisos (في شمالي البقاع) الذي اقتسم فيه كبار القادة أقاليم الإمبراطورية من جديد، فكانت سورية من نصيب لاوميدون. ولكن بطلميوس سرعان ما بادر إلى طرده واحتل جنوبي سورية، أما شماليها فوقع تحت سيطرة القائد أنتيغونوس مونوفتالموس (الأعور) Antigonos Monophtallmos. وهكذا صارت سورية مثار نزاع بين هذين القائدين، وجرت معركة غزة عام 312ق.م، التي انتهت بانتصار بطلميوس وحليفه سلوقس، الذي تمكن على أثرها من العودة إلى عاصمته بابل. ولكن انتيغونوس عاد وهاجم الحاميات البطلمية في جنوبي سورية وطردها، غير أن محاولته الاستيلاء على البتراء، عاصمة الأنباط باءت بالفشل. وبعد أن استتبت له الأمور في سورية، بدأ العمل على جعلها مركز ملكه فأسس مدينة أنتيغونية (قرب موقع انطاكية لاحقاً) لتكون عاصمة له. وأخيراً جاءت معركة ابسوس Ipsos عام 301ق.م لتحسم الصراع حول إمبراطورية الاسكندر، فسقط انتيغونوس صريعاً وخرج سلوقس منتصراً ليفوز بممتلكاته وعلى رأسها سورية. وكان بطلميوس قد استغل ظروف المعركة واحتل جنوبي سورية ومدنها الساحلية وصولاً على نهر الكبير الجنوبي، وبذلك صارت سورية مقسمة إلى جنوب خاضع للبطالمة، عرف باسم «سورية المجوفة» Koile Syria، وشمال خاضع للسلوقيين سمي «سلوقيس» seleukis. ولكن سلوقس لم يعترف بهذا الواقع، وظل هو وخلفاؤه يطالبون بسورية بأكملها وهكذا نشأت «المشكلة السورية»، التي كانت سبباً للنزاع وقيام سبعة حروب بين السلوقيين والبطالمة امتدت أكثر من مئة عام وعرفت بـ «الحروب السورية». وهكذا صارت سورية جزءاً من مملكة سلوقس، الذي اختارها لتكون قاعدة حكمه ومركز إمبراطوريته التي امتدت من البحر المتوسط حتى حدود الهند وكانت بذلك أعظم الممالك الهلنستية قاطبة.

    عانت سورية من الحروب السلوقية البطلمية التي اندلعت أولاها بعد موت سلوقس، وتجددت في عهد خلفائه، ولكن أعظمها جرى في عهد أنطيوخوس الثالث (223-187ق.م) وهي الحرب السورية الرابعة، إذ التقى الجيشان في معركة رفح عام 217ق.م التي خسرها انطيوخوس، غير أنه عاد وانتصر في الحرب الخامسة عام 200ق.م في معركة بانيون Panion الحاسمة (عند منابع الأردن)، واستولى على جوف سورية وجنوبيها حتى حدود مصر، وهكذا خضعت سورية بأكملها للإمبراطورية السلوقية التي بلغت ذروة قوتها واتساعها. ولكن انطيوخوس دخل في صراع خاسر مع الرومان، فهزم في معركة ماغنيزيه عام 190ق.م التي جردته من ممتلكاته في آسيا الصغرى وبحر إيجه وفرضت عليه دفع غرامة حربية باهظة للرومان. وكان ذلك نهاية عصر القوة السلوقية. وعندما حاول ابنه انطيوخوس الرابع (175-164ق.م) النهوض بمملكته ومد نفوذه على مصر، وأحرز نصراً كبيراً على البطالمة، تدخل الرومان وأجبروه على فك الحصار عن مدينة الاسكندرية والانسحاب إلى سورية. وازداد تدخل الرومان في شؤون المملكة بعد موته، مما أدى إلى قيام أحد المواطنين من مدينة اللاذقية باغتيال المندوب الروماني الذي جاء للتخلص من الفيلة الحربية السلوقية بموجب معاهدة أفاميا، وأدى الصراع المستمر على العرش وازدياد قوة الفرثيين في الشرق، وتنامي الثورات والحركات الانفصالية إلى ضعف المملكة وتفككها شيئاً فشيئاً. فاستغل ملك أرمينيا تيغران (تيغرانيس) تلك الأوضاع واستولى على مناطق واسعة من سورية (83ق.م)، بينما كان الأنباط والمكابيون يوسعون مناطق نفوذهم في جنوبي سورية. وهكذا بدأت سلطة السلوقيين تتقلص وتنهار، وباتت المملكة تنتظر مصيرها المحتوم الذي جاء على يد القائد الروماني بومبيوس Pompeius لذي طرد تيغران ودخل أنطاكية وخلع آخر الملوك السلوقيين وأعلن سورية ولاية رومانية، وانتهى بذلك العصر السلوقي ليبدأ العصر الروماني.
    كان تأسيس المدن من أهم مآثر السلوقيين الذين ساروا على نهج الاسكندر، ويروى عن سلوقس أنه أسس (16) مدينة سماها باسم والده أنطيوخوس، وخمسة باسم والدته لاوديكي وتسعة باسمه وثلاثاً باسم زوجته أبامه. وقد استأثرت سورية بأكبر قدر من اهتمام سلوقس وخلفائه، فقد أسسوا فيها أعظم مدنهم، وعلى رأسها أنطاكية Antiocheia وشقيقاتها سلوقية Seleukeia عند مصب نهر العاصي وأفاميا Apameia واللاذقية Laodikeia. كما أطلق على عدد من مناطقها تسميات مقدونية أو إغريقية فحملت منطقة سلوقية اسم بيريا، وسمي العاصي أورنتس Orontes وجبل الأقرع كاسيوس Kados، وقد بنيت هذه المدن الجديدة وفق مخطط مرسوم يقوم على النظام الشبكي كرقعة الشطرنج، وزودت بالمعابد والمسارح والأندية والساحات العامة (آغورا) والأسوار والمؤسسات المختلفة، وتقدم دورا أوروبوس (صالحية الفرات) نموذجاً لهذه المدن الهيلنستية السلوقية. أما سكانها فكانوا بالدرجة الأولى من الجنود المقدونيين والإغريق، ثم تبعتهم جموع كبيرة من رجال المال والأعمال والتجار والحرفيين والفنانين والخبراء من شتى الأصناف، إضافة إلى أعداد متزايدة من أبناء البلاد الذين شكلوا في كثير من الأحيان جماهير هذه المدن. ولم يقتصر السلوقيون على إنشاء مدن جديدة، وإنما حولوا بعض المدن القديمة العريقة في سورية إلى مدن هيلينية بإعطائها أسماء مقدونية إغريقية وإقامة أحياء جديدة فيها، ومنحها دساتير وتنظيمات بلدية إغريقية، وهكذا سميت حلب بيرويا Beroia على اسم العاصمة المقدونية، ودعيت شيزر باسم لاريسا، والرستن أريتوسا، وحماة إبيفانية Epiphaneia، ودمشق دمترياس Demetrias، والرها إديسا Edissa، ومنبج هيرابوليس Hierapolis، وبعلبك هليوبوليس Heliopolis وحمص إيميسا Emesa، ودورا على الفرات باسم أوروبوس Europos، مسقط رأس سلوقس.

    أما البطالمة في الجنوب، فإنهم اكتفوا بإعادة تأسيس بعض المدن على الطراز الهيليني ومن أشهرها عمان، التي حملت اسم فيلادلفيا Philadelphia وعكا التي سميت بطولمايس Ptolemais. والجدير بالذكر أن معظم هذه التسميات زالت بزوال الحكم السلوقي-الروماني وعادت تلك المدن إلى أسمائها القديمة.

    وقد انتشرت اللغة الإغريقية، بوصفها لغة البلاط والإدارة والثقافة، على نطاق واسع، وخاصة بين أفراد الطبقات العليا السورية من سكان المدن المتهلينة، والذين كانوا يتكلمون اللغتين الإغريقية والآرامية. وقد أنجبت سورية عدداً كبيراً من لشعراء والعلماء والمؤرخين والفلاسفة الذين كتبوا باللغة الإغريقية، التي كانت لغة العلم والثقافة في العالم الهيلنستي. ومن أشهرهم بوسيدونيوس Poseidonions الآفامي (135-51ق.م) الذي كان أعظم عالم موسوعي في عصره ومن كبار المؤرخين والفلاسفة الرواقيين.

    ولكن معظم سكان سورية، وخاصة في الأرياف، ظلوا متمسكين بلغتهم الآرامية وعباداتهم المتوارثة وأنماط حياتهم التقليدية، ويتجلى ذلك في الكتابات والنقوش التدمرية والنبطية. وكانت المحصلة النهائية لهذا التلاقي والتعايش الفكرية والثقافي أن صار أفراد الجاليات الإغريقية مع مرور الزمن أكثر تأثراً بالحياة الشرقية من تأثر السكان الوطنيين بمظاهر الحياة الإغريقية.

    كانت سورية بلاشك العمود الفقري للإمبراطورية السلوقية، وأنطاكية رأسها السياسي وعاصمتها التجارية، وأفاميا قاعدتها الحربية الأولى، في حين كانت سلوقية دجلة عاصمة جناحها الشرقي. ارتبطت كل هذه المراكز السياسية والحربية والتجارية بطرق مناسبة وآمنة، وأضاف إليها السلوقيون شبكة واسعة من الطرق، وكانوا حريصين على تشجيع واستمرار العلاقات التجارية لمملكتهم مع الشرق ومع الجزيرة العربية وعالم البحر المتوسط، كما ازدهرت الزراعة وازداد إنتاج الحبوب والثمار والخضراوات، نتيجة تحسين الأساليب الزراعية واتساع الأسواق والطلب المتزايد لسكان المدن على المنتجات الزراعية، ودخلت زراعات وأصناف جديدة، وازدهرت صناعة الخمور وزيت الزيتون. وحافظت سورية على شهرتها في كثير من الصناعات النسيجية والصوفية والأقمشة الأرجوانية وصناعة الزجاج والخزف والصناعات المعدنية وصياغة الحلي والأحجار الكريمة.

    وهكذا فإن سورية تمتعت في العصر السلوقي، وخاصة في عصر القوة، بازدهار كبير نتيجة تطور الزراعة والصناعة ونمو التجارة واستخدام النقود والأوزان الموحدة واللغة المشتركة، وكان مستوى الحياة مرتفعاً حتى في العصور المتأخرة بشهادة بوسيدونيوس الذي يذكر في تاريخه من القرن الأول قبل الميلاد: «كان جميع سكان سورية آمنين من أي ضيق يتعلق بضرورات الحياة بسبب الوفرة الكبيرة التي تقدمها بلادهم».

    العصر الروماني
    بدأ تدخل الرومان في شؤون ملوك سورية السلوقيين منذ معاهدة أفاميا، وازدادت ضغوطهم مع ضعف المملكة وتفككها، وعندما تفاقمت الأوضاع في الشرق الهيلنستي وباتب تهدد مصالحهم الحيوية، أرسلوا قائدهم الكبير بومبيوس للتصدي للأخطار والقوى المعادية، فقام أولاً بالقضاء على خطر القراصنة الذي استشرى في شرقي البحر المتوسط، ثم هزم ملكبونتوس مثريداتيس Miithridates ألد أعداء الرومان في الشرق وحليفه تيغرانيس ملك أرمينية، وبعد أن استتبت له الأمور في آسيا الصغير زحف نحو أنطاكية وأجهز على المملكة السلوقية، التي لم تعد تضم سوى سورية، وأعلنها ولاية رومانية عام 64ق.م باسم provincial Syria. وفي دمشق بدأ بوبيوس بتنظيم الأوضاع في الولاية الجديدة، فأبقى على الممالك والإمارات العربية القائمة في الرها (الأبجر) وأريتوسا /الرستن (سمسيجيرام) والبقاع والجولان (الإيطوريون) نظير تبعيتها للرومان ودفع الجزية لهم. وهكذا ظلت مملكة الأنباط أكبر قوة في جنوبي سورية أما المملكة الحشمونية اليهودية، فتم تقليص نفوذها وتحرير المدن الهيلنستية التي استولت عليها، ووضعت تحت إشراف ولاة سورية.

    والأساس الآخر الذي بنى عليه بوبيوس تنظيماته هو دولة المدينة، فترك للمدن الهيلنستية حريتها وحكمها الذاتي وسمح لها أن تحتفظ بدساتيرها ومجالسها وحكامها، وهكذا شكلت عشر منها رابطة الديكابوليس Dekapolis، وهي تحالف تجاري ضم مجموعة من المدن في حوض نهر الأردن وجنوبي سورية، تزعمته فيما بعد مدينة دمشق. وبعدها غادر بومبيوس سورية بعد أن عهد إلى القائد إيميليوس سكاوروس Scaurus بإدارتها ووضع تحت تصرفه فرقتين عسكريتين لحمايتها.

    ولمكانة سورية وأهميتها في الشرق، فقد بات يتولى أمورها في العصر الجمهوري حاكم بمرتبة قنصل سابق Proconsul يتمتع بسلطات عسكرية وإدارية واسعة، وغدت بذلك من أرفع المناصب ومطمح كبار القادة.

    كان غابينيوس A. Gabinius أول حاكم روماني مهم على سورية (57-55ق.م)، اتخذ من أنطاكية عاصمة للولاية وحدّ من استغلال متعهدي الضرائب وجشعهم ونزع عن حاكمها لقب الملك، فبات يحكمها بوصفه الكاهن الأكبر. وقد خلفه القائد كراسوس Crassus، أحد زعماء الحكم الثلاثي في روما «إلى جانب بوبيوس ويوليوس قيصر»، الذي منح ولاية سورية لمدة خمس سنوات، وأطلقت يده في الحرب على الفرثيين، ولكنه مُني بهزيمة منكرة في معركة حران عام 53ق.م، فقتل وأسر عدد كبير من جيشه.
    عانت سورية بعد ذلك من ويلات الحروب الأهلية الرومانية التي قامت بين بومبيوس ويوليوس قيصر، ثم بين أنصار قيصر وقتلته، حيث جاء إليها زعماء الحزب الجمهوري، وهو كاسيوس Cassius، ليجند القوات الرومانية في الشرق، فاعترضه دولابلا Dolabella، أحد أنصار قيصر، الذي اعتصم في اللاذقية، فحاصره كاسيوس فيها، واحتلها وانتقم من أهلها. وبعد معركة فيليبي (42ق.م) تعلم ماركوس أنطونيوس أمور الشرق بما في ذلك سورية، وقد استغل الفرثيون تلك الأحداث للقيام بهجوم اجتاحوا فيه معظم أراضي سورية (40-38ق.م) إلى أن تمكن الرومان من طردهم. ومن واقائع تلك الحقبة محاولة أنطونيوس الاستيلاء على تدمر وثرواتها، التي أخفقت، وقيامه بحملتين على الفرثيين انطلاقاً من سورية، حققت الثانية بعض النجاح. كما قام بتعيين هيروديس Herodes (من العرب أدوميين المتهودين) على رأس مملكة هيلنستية يهودية في فلسطين، فكان خير مدافع عن المصالح الرومانية على مدى ثلث قرن (37-4ق.م) وينسب إليه تأسيس مدينة قيسارية (على اسم قيصر) التي ستصبح عاصمة فلسطين الإدارية في العصر الروماني.

    ومع انتصار أوكتافيان /أوغسطس على أنطونيوس وكليوباترة في معركة أكتيوم (31ق.م) وتأسيس النظام الإمبراطوري الروماني، بدأ عهد جديد في إدارة سورية، التي صارت منذ عام 27ق.م على رأس الولايات التابعة للإمبراطور الروماني بوصفه حاكمها الأعلى، الذي يعين مندوباً عنه (Legatus Augusti) بمرتبة قنصل، والياً عليها لمدة ثلاث إلى خمس سنوات في العادة، وكان تحت إمرته أربع فرق عسكرية (ليغون Legiones) عدا القوات المساعدة، إضافة إلى أسطول نهري على الفرات كثيراً ما استخدم في الحروب مع الفرثيين، وأسطول بحري في أهم الموانئ السورية. وهذا يظهر الأهمية العسكرية الفائقة لسورية في الاستراتيجية الرومانية. وقد أُنشئت في عهد أوغسطس مستعمرتان عسكريتان رومانيتان في كل من بيروت وبعلبك. كما جرى إحصاء عام للسكان في أثناء ولاية كويرينوس Quirinus ورد ذكره في الإنجيل، وتأكد وثائقياً من خلال نقش يذكر أن عدد سكان أفاميا (الأحرار) بلغ 117 ألف نسمة وهذا يعد دليلاً على ضخامة المدينة وازدهارها وقتئذ. وقد ارتبط ذلك الإحصاء بتحديد الضرائب المفروضة على السكان والتي صارت جبايتها على أيدي موظفين ماليين، بدلاً من متعهدي الضرائب السابقين، الذين عانت البلاد من جشعهم واستغلالهم. سلك أوغسطس طريق التفاهم والدبلوماسية مع المملكة الفرثية، ونجح في أثناء زيارته الشرق (22-19ق.م) في عقد اتفاق معها، استعاد بموجبه الأسرى والرايات الرومانية السليبة، وضمن بذلك الهدوء والسلام على الجبهة السورية سنوات طويلة. وهكذا سارت الأمور في عهد السلالة اليولية-الكلاودية (14-68م). وفي أواخر حكم نيرون اندلعت ثورة يهودية في أورشليم/القدس، فكلف فسباسيان، قائد جيش الشرق، بقمعها، وفي أثناء ذلك وصلت الأنباء عن نهاية نيرون وانتحاره، فبادرت الجيوش الرومانية المرابطة إلى إعلان قائدها فسباسيان امبراطوراً، وتغلب فسباسيان على منافسيه الآخرين وتبوأ عرش الإمبراطورية عام 69م، وأوكل إلى ابنه تيتوس متابعة الحرب التي انتهت عام 70م باقتحام المدينة وتدمير الهيكل اليهودي، ولم يعد لليهود في أورشليم وجود يعتد به. وكان من نتيجة هذه الثورة أن صارت مقاطعة يودايا Judaia ولاية رومانية. وعاشت سورية بعد ذلك عهداً من السلم والازدهار في عهد السلالة الفلافية (69-96م) وضمت إليها مملكة كوماجينه (الواقع شمالها، على الضفة الغربية للفرات) وكذلك الإمارة العربية في الرستن وحمص.

    شهدت سورية والإمبراطورية الرومانية في عهد الأباطرة بالتبني (الأنطونينيين)، أو الأباطرة الصالحين (96-180م) عصراً من أزهى عصورها شهد عدداً من الأحداث المهمة في تاريخها. فالإمبراطور ترايانوس (ترايان)، الذي بدأ سيرته قائداً لإحدى الفرق العسكرية المرابطة في سورية في ولاية والده عليها (76-96م) اشتهر بحروبه التوسعية الاستعمارية في داكية (رومانية اليوم) والشرق، وبسعيه للسيطرة على الطرق التجارية الرئيسة التي تصل العالم الروماني بالشرق براً وبحراً. وفي إطار هذه السياسة كلف واليه على سورية كورنيليوس بالما Cornelius Pa;lma بالقضاء على مملكة الأنباط وتحويلها إلى ولاية رومانية (106م) حملت اسم الولاية العربية Provincia Arabia يحكمها طبقة الفرسان، وبإمرته فرقة عسكرية (ليغون) ترابط في عاصمة الولاية بصرى التي بدأ صعودها وازدهارها لتغدو واحدة من أهم مدن سورية، كما أمر هذا الإمبراطور بشق الطرق العسكرية فيها وإقامة خط الحدود «gdlds» Limes، الذي امتد من خليج العقبة حتى بصرى بطول 300كم لحمايتها من هجمات القبائل البدوية. ووضع أسطولاً رومانياً في ميناء العقبة، لإحكام السيطرة على شواطئ البحر الاحمر وطريق البخور القادم من جنوبي الجزيرة العربية. وفي عام 114م بدأ الإعداد في سورية لحربه الكبيرة على الفرثيين بتقديم قربان للإله زيوس كاسيوس تيمناً بنجاح حملته، التي اجتاح بها بلاد الرافدين ووصل حتى الخليج العربي، واحتل العاصمة الفرثية طيسفون. وكان ذلك قم الأمجاد العسكرية الرومانية، إذ بلغت الإمبراطورية ذروة اتساعها، ثم عاد إلى أنطاكية وتوفي في كيليكية في طريقه إلى روما عام 117م، وقد برز في عهده المهندس الشهير أبولودور الدمشقي Apollodoros، الذي صمم ونفذ عدداً من أروع المشاريع العسكرية والمدنية، وعلى رأسها عمود تراجان، وسوقه الفخمة وحماماته التي لا تزال تزهو بها مدينة روما.
    شهدت سورية ازدهاراً كبيراً في عهد خلفه هادريان Hadrianus، الذي كان والياً عليها قبل تسلمه العرش والمناداة به إمبراطوراً على أرضها، لذلك كان شديد الاهتمام بها، فأتم الطريق الرئيسي من دمشق إلى البتراء وزار معظم المدن السورية وأغدق عليها الهبات والامتيازات، فتسمت تدمر باسمه Palmyra Hadriana. أما مدينة دمشق التي اشتهرت بسيوفها وأسلحتها وبمعبد الإله جوبيتير /حدد، فقد منحها لقب متروبوليس، أي إنها صارت من أمهات المدن. وقد اندلعت في عهده آخر ثورات اليهود في فلسطين (132-135م) بزعامة باركوكبا، التي سحقتها الجيوش الرومانية ودمرت مدينة أورشليم، التي اعتصم بها المتمردون، ومنع اليهود بعدها دخول القدس، التي أعيد بناؤها وسميت إيليا كابيتولينا Aelia Capitolina وهو الإسم الذي حملته حتى الفتح العربي الإسلامي. أما مقاطعة يودايا فتحولت إلى ولاية رومانية باسم سورية الفلسطينية Syria Palaestina يحكمها وال برتبة قنصل تحت إمرته فرقتان عسكريتان رومانيتان. وأبان حكم ماركوس أوريليوس تعرضت سورية لهجوم فرثي كبير فأرسلت تعزيزات عسكرية إليها تمكنت بقيادة أفيديوس كاسيوس Avidius Cassius من التغلب على الفرثيين ودحرهم والوصول حتى سلوقية دجلة. ولكن الجيوش الرومانية عادت حاملة معه وباء الطاعون الذي انتشر في جميع أنحاء الإمبراطورية وخلف كثيراً من الضحايا في أنطاكية وغيرها من المدن السورية.

    كان أفيديوس من أبناء سورية من مدينة كيروس Cyrrhus وصار والياً عليها بعد انتصاراته على الفرثيين التي منحته شعبية كبيرة. وعندما وصل نبأ كاذب بموت الإمبراطور ماركوس أوريليوس أعلن أفيديوس نفسه إمبراطوراً في أنطاكية عام 175م، ولكن ثورته لم تدم طويلاً، فما إن زحف الإمبراطور على رأس جيشه لمقارعته حتى انهارت ثورته ولقي أفيديوس حتفه على أيدي أحد ضباطه.

    تتالت الأحداث بعد مقتل الإمبراطور كومودوس (192م) فقد نشب صراع على السلطة بين كبار قادة الجيوش الرومانية، وأعلن حاكم سورية آنذاك بسكينيوس نيجر Pescennius Niger نفسه إمبراطوراً، واتخذ من أنطاكية مقراً لقيادته، فلقي تأييداً كبيراً، وتطوع كثير من شبانها في جيشه. ولكن سبتيميوس سفيروس كان قد نجح في الوصول إلى العرش في روما، وبدأ بينهما صراع انتهى عام 194م بهزيمة نيجر ثم مقتله. وكان أول إجراء قام به القائد المنتصر في أنطاكية هو تقسيم سورية إلى ولايتين: سورية المجوفة وسورية الفينيقية، وذلك للحيلولة دون طموح ولاتها وجيوشها إلى عرش الإمبراطورية. كما قام سفيروس بالانتقام من أنطاكية، بسبب ولائها لخصمه المهزوم، فنزع عنها لقب ميتربوليس Metropolis وعاصمة سورية وجعلها «قرية» Kome تابعة لمنافستها، مدينة اللاذقية، التي كانت قد أعلنت ولاءها له. كما منحها لقب ميتروبوليس وجعلها عاصمة سورية المجوفة، وأغدق عليها كثيراً من الهبات والامتيازات، ولا يزال قوس النصر القائم فيها حتى اليوم شاهداً على ذلك. ثم قام سفيروس بحملة مظفرة على الفرثيين والممالك الدائرة في فلكهم واحتل مدينة نصيبين ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة. وفي حملته الثانية عام 198م اجتاح بلاد الرافدين واحتل بابل وسلوقية دجلة والعاصمة طيسقون، وأجبر الفرثيين على التنازل عن شمال الرافدين، الذي صار ولاية رومانية باسم Mesopotamia (الجزيرة السورية).

    أسس سفيروس أسرة حاكمة عرفت باسم السلالة السفيرية أو الليبية-السورية (193-235م)، إذ كان من مواليد لبتيس ماغنا (لبدة في ليبيا) وكانت زوجته جوليا دومنا Julia Domna تنحدر من أسرة كهنوتية عريقة في حمص، فكانت أول إمبراطورة رومانية من أصل سوري. ولذلك حظيت ولايتا إفريقية (طرابلس الغرب وتونس) وسورية بأكبر قدر من الرعاية والامتيازات الإمبراطورية. وتقدم الآثار والمكتشفات الأثرية شواهد كبيرة على حركة التجديد التي طالت معظم البلدان السورية. وأهم حدث جرى في عهد كراكلا (211-217م) كان إصدار مرسومه الشهير الذي منح بموجبه جميع سكان الإمبراطورية الأحرار حقوق المواطنة الرومانية، أي إن سكان سورية قد أصبحوا منذ عام 212م مواطنين رومانيين. وقتل كراكلا في أثناء حملته الفرثية قرب مدينة حران في شمال سورية، ولكن الجنود ثاروا على قاتله ماكرينوس ونصبوا كاهن إله الشمس في حمص إلاغبالوس Elagabalu إمبراطوراً، فكان بذلك أول سوري يتولى عرش الإمبراطورية الرومانية (218-222م)، وكان لجدته، شقيقة جوليا دور مهم في تنصيبه وسياسته، ولكن أعماله وتصرفاته الغريبة ولدت النقمة عليه، فسقط قتيلاً هو وأمه على أيدي حرسه الإمبراطوري، الذي نادى بابن خالته الفتى اسكندر سفيروس إمبراطوراً (222-235م) وتولت الوصاية عليه أمه الإمبراطورة جوليا ماميا، وتميز حكمه بسياسة رشيدة واهتم بأحوال الرعية وشؤون الإمبراطورية. وقد منح دمشق وبصرى حقوق مستعمرة رومانية، كما أغدق الهبات على حمص وبعلبك وصور. ومن مزايا هذا العهد بروز الإمبراطورات السوريات سياسياً وعسكرياً وثقافياً وضمُّ البلاط الإمبراطوري شخصياتٍ لامعةً في القانون والفلسفة والأدب.

    وبمقتل اسكندر سفيروس عام 235م على أيدي جنده، بدأ عصر من الفوضى والاضطرابات لسياسية والعسكرية، وصار الأباطرة ألعوبة في أيدي عساكرهم، وتعرضت الإمبراطورية لأخطار عظيمة في الداخل والخارج. وفي خضم تلك الأحدث تسلم فيليب العربي (244-249م) عرش الإمبراطورية وكان ابناً باراً لموطنه شهبا، التي جعل منها مدينة رومانية هيلنستية تزهو بمنشآتها وأبنيتها الفخمة، وسماها مدينة فيليب Philippopolis. وفي عهده جرى الاحتفال بمرور ألف سنة على تأسيس روما.

    مع قيام الإمبراطورية الساسانية عام 226م تغير المسرح السياسي في الشرق بصورة كاملة، إذ اتخذت سياسة هجومية توسعية سعياً وراء إعادة أمجاد الإمبراطورية الأخمينية الفارسية.

    في سنة 256م هاجم الساسانيون سورية واستولوا عليها وهزموا الجيوش الرومانية بقيادة فالريان Valerianus (259م) الذي وقع في أسرهم، كما أنهم غزوا عاصمة الشرق أنطاكية ونهبوها وتردد صدى هذه الانتصارات في الشرق كله.

    في تلك السنوات العصيبة على الرومان برز أذينة الثاني، أمير تدمر، الذي تصدى للجيش الفارسي بقيادة مليكه سابور، وأحرز عدة انتصارات قادته إلى العاصمة طيسفون. وكافأه الإمبراطور الروماني بلقب قائد الشرق ومقوم الشرق الروماني كله. وهكذا بدأ صعود تدمر الذي وصل أوجه في عهد الملكة زنوبيا التي اتخذت لقب إمبراطورة ومدت سلطانها إلى مصر وآسيا الصغرى، ولكن الإمبراطور أوريليان جند قوى الإمبراطورية وتمكن من التغلب على الجيوش التدمرية في عدة معارك، ثم حاصر تدمر وأسر ملكتها، ولما ثارت المدينة على الحامية الرومانية، عاد ودمر هذه المدينة العريقة (272م) التي فقدت مكانتها وأهميتها بعد ذلك.

    ومع صعود ديوقليسيان عرش روما انتهى عصر الفوضى العسكرية، وبدأ عصر جديد تميز بإصلاحات سياسية وإدارية وعسكرية واقتصادية شاملة غيرت من طبيعة الدولة الرومانية.

    اهتم هذا الإمبراطور بالدفاع عن سورية وتقوية حدودها ضد الفرس الساسانيين، فصار خط الحدود الدفاعي يمتد من جبل سنجار في أعالي الجزيرة عبر الفرات إلى تدمر وبصرى والبتراء وصولاً إلى البحر الأحمر (Strata Diocletiana)، كما زاد من عدد القوات والجيوش لحمايتها من الأخطار. وفي نطاق إصلاحاته الإدارية قسمت سورية عدة ولايات وصارت جزءاً من دوقية الشرق الكبرى، كما تم الفصل بين السلطتين المدنية والعسكرية وزاد إشراف السلطة الإمبراطورية على الإدارة والاقتصاد.

    وقد أدى هذا التنظيم الإداري والعسكري إلى تمتع سورية بعهد من السلم والهدوء، ولكن تلك الحروب والصدامات تركت أثاراً قاسية في العلاقات التجارية مع الجزيرة العربية ومع الشرق وعانت منها تجارة البخور والتوابل والحرير.

    وشهد هذا العصر المتأخر انطلاق الديانة المسيحية وانتشارها بعد حملات الاضطهاد والملاحقة وتحول سكان المدن والأرياف في سورية إلى المسيحية بأعداد كبيرة فاقت مثيلاتها في بقية أنحاء الإمبراطورية. وبدأ اعتراف الإمبراطور قسطنطين عام 313م بحرية العبادة للمسيحيين بدأ عهد جديد من العلاقة بين الدين والدولة الرومانية. وفي عام 325م دعا الإمبراطور إلى مجمع كنسي كبير في نيقية Nicaea من أجل توحيد العقيدة المسيحية بعد أن بدأت تنشأ الهرطقات والطوائف المختلفة، ثم أُنشئت القسطنطينية عاصمة شرقية للإمبراطورية عام 330م ومدينةً مسيحية. وما إن جاءت نهاية القرن الرابع حتى صارت المسيحية الديانة الوحيدة المعترف بها وأغلقت المعابد الوثنية واختفت كل مظاهرها وولدت الإمبراطورية البيزنطية.

    العصر البيزنطي
    كانت سورية في الحقبة التي امتدت من القرن الرابع إلى أوائل القرن السابع الميلادي، أي منذ عهد قسطنطين إلى عهد هرقل، ميداناً للصراع بين الساسانيين والبيزنطيين، شهد مرحلة ساخنة في القرن الرابع وهدوءاً نسبياً في القرن الخامس مرده إلى صلح طويل الأجل بين الدولتين، لكن الحروب عاودت سيرتها الأولى في القرن السادس، وهكذا عادت الجيوش إلى سورية تكتسحها وتخرب مدنها وقراها وتعبث فيها سلباً ونهباً. غير أن ويلات الحروب لم تستطع القضاء على حيوية سكانها ونشاطاتهم وإبداعاتهم الحضارية في شتى المجالات. وقد أسند أباطرة القسطنطينية مهمة حماية الحدود الشرقية السورية والبادية إلى العرب الغساسنة الذين حارب زعيمهم الحارث الفرس وحلفاءهم المناذرة، فقام هؤلاء بمهاجمة سورية عام 529م بقيادة المنذر الذي احتل عدداً من المدن ونهبها.

    وتعرضت بعض المدن الساحلية، وعلى رأسها أنطاكية، لسلسلة من الزلازل القوية (526-528م) دمرت كثيراً من أبنيتها، وما كادت عملية إعادة البناء تنتهي في عهد الإمبراطور جستنيان، حتى جاءت حملة كسرى أنو شروان عام 540م التي اكتسحت مناطق واسعة من سورية ودمرت حلب واحتلت أنطاكية، فقضي على كثير من سكانها، كما لقيت أفاميا وأديسا مصيراً مشابهاً. ولم تستطع عاصمة سورية النهوض بعد هذه الكوارث، فقد تعرضت أيضاً في القرن السادس إلى ستة زلازل متتالية إضافة إلى انتشار وباء الطاعون فيها.

    وفي عام 614م احتل كسرى الثاني في هجوم جديد، دمشق والقدس، وعاث فيهما نهباً وتخريباً، وقد وقع الصليب المقدس في أيدي الفرس وخضعت سورية بكاملها للحكم الفارسي، ماعدا المناطق الساحلية التي بقيت في أيدي البيزنطيين، ثم جاء الهجوم المضاد بقيادة الإمبراطور هرقل الذي قام بست حملات متتالية (622-629م) انتهت بطرد الفرس من سورية واستعادة الصليب المقدس وإعادته إلى القدس في موكب نصر حافل.

    مع انتصار المسيحية في سورية، تنامت القوة الروحية للأساقفة على الصعيد الاجتماعي والسياسي، كما تنامى دور الرهبان وأعدادهم وتأثيرهم في السكان، وخاصة من خلال الاهتمام باللغة والثقافة السريانيتين ورعايتهما، ومن أشهر هؤلاء القديس سمعان العمودي الذي كان في حياته محط تقديس كبير، ثم أقيمت له بعد موته كنيسة عظيمة يحج إليها الناس ضمت عموده الشهير. وقدمت سورية عدداً كبيراً من الشهداء المسيحيين الذين قضوا في سبيل عقيدتهم في سنوات الملاحقة والاضطهاد، فأنشئ في مدينة الرصافة مزار للقديس سرجيوس، الذي كان ضابطاً في الجيش الروماني، رفض إنكار نصرانيته فقتل عام 300م تقريباً، وقد تحول المزار منذ القرن الخامس إلى محجة لا للسوريين فقط، وإنما للحجاج من شتى بلدان البحر المتوسط. وأُنشئت كذلك أربع كنائس كبيرة ومزارات واستراحات للحجيج، وصارت مدينة الرصافة تعرف باسم مدينة سرجيوس Sergiopolis.

    كان هذا العصر عصر ازدهار في سورية، تزامن مع زيادة أعداد السكان، فقد انتشر الاستيطان في معظم المناطق، وتقدم الآثار الكثيرة المنتشرة في الشمال الغربي من سورية فيما صار يعرف باسم المدن الميتة (أو المنسية)، شواهد على الازدهار الكبير الذي عرفته المنطقة، والمتمثل في الكنائس والأديرة والمدافن والبيوت الريفية الفخمة ومعاصر الزيتون وسواها. ويرى الباحث «تشالنكو» أن هذا الازدهار مرده بالدرجة الأولى إلى زراعة شجر الزيتون وتصدير الزيوت التي كان لها سوق رائجة في شرق البحر المتوسط، وكانت التجارة والتبادلات تتركز في المدن، ولكن التجار السوريين انتشروا في كل أنحاء الإمبراطورية، وكانت سورية تصدر المصنوعات الثمينة، مثل الحرير الأرجواني والزجاج من صور وصيدا وبيروت، إضافة إلى مصانع النسيج في كل مكان وصناعة الأسلحة في أنطاكية ودمشق. وقد نظم الحرفيون أنفسهم في تنظيمات حرفية، وكانت الأسواق تغص بالمواد الغذائية الأساسية وبضائع الترف والرفاهية. وكانت سورية أهم مصادر الطقوس الشرقية من القرن الثالث إلى السادس، وخاصة أنطاكية موئل أسقفية الشرق ومقر بطاركتها.

    كانت اللغة الإغريقية لغة الطبقة العليا المثقفة، واللغة اللاتينية لغة الدولة الرسمية، أما اللغة السريانية/الآرامية فكانت لغة جماهير الشعب الواسعة، ولهذا فقد نشأت إلى جانب الطقوس باللغة الإغريقية طقوس أخرى تنافسها باللغة السريانية.

    وكانت أنطاكية مركز الطقوس الإغريقية-السريانية الغربية؛ وكانت الرها/أورفه مركز الطقوس السريانية والإغريقية الشرقية، وكانت كلتا المدينتين تمثلان مركزين روحيين ودينيين رفيعين، إلى جانب مدرستي أنطاكية والرها الشهيرتين، برزت أيضاً مدرسة بيروت الحقوقية، التي أسهم مفكروها الكبار في صوغ قوانين جستنيا وتدوينها، وهي أهم مجموعة قانونية رومانية.

    عانت الإمبراطورية وسورية معها من الحروب والهزات الأرضية والأوبئة، ثم جاءت الصراعات الدينية والهرطقات التي هزت كيان الدولة، وأدت إلى صراعات دموية. وهكذا تعمقت الخلافات المذهبية بين مسيحية الشرق والمذهب الإغريقي-اللاتيني الذي ساد في القسطنطينية، وتعرض أتباع المذهب المونوفيزيقي (الطبيعة الواحدة)، مثلما تعرض النساطرة، للاضطهاد والملاحقة من قبل السلطات البيزنطية، ولذلك رحب سكان سورية بـالفاتحين العرب المسلمين، ووقفوا إلى جانبهم في معركة التحرير، وانسحب قيصر الروم هرقل، و يردد عبارته المأثورة: «سلام عليك يا سورية سلاماً لا لقاء بعده».

    محمد الزين

    الموسوعة العربية
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:34

    الطرق في سورية في العصر الروماني:
    اشتهر الرومان في التاريخ القديم برصف الطرق وتعبيدها وإنشاء الجسور على الأنهار، وقد مكنتهم طبيعة الهضاب الداخلية في سورية وسهولة الحصول على الحجارة فيها، وسطحها المنبسط، من تعبيد تلك الطرق، وكان لهم من موقع سورية الجغرافي والاستراتيجي، بين البحار الخمسة، وعلى تخوم الإمبراطورية الفارسية المنافسة ما يشجعهم أو يدفعهم إلى القيام بذلك، لاسيما بعد أن قضوا على دولة الأنباط العربية، منافستهم التجارية في الجنوب، وبلوغهم البحر الأحمر، منافذ شبه الجزيرة العربية والمحيط الهندي. فقد كانت 22 طريقاً رومانية في سورية تصلها بالأناضول وأرمينيا شمالاً، وبلاد الرافدين والجزيرة العربية ومصر في الشرق والجنوب والجنوب الغربي. وكانت تلك الطرق تتلاقى في مراكز المدن الهامة مثل: أنطاكية، وكلس، وقنسرين، ومنبج، وأورفة وسورى، ودورا أوروبوس (الصالحية) على الفرات، والرصافة، وتدمر، وأفاميا، ودمشق، وبصرى. وفي هذه الأخيرة وحدها كانت تلتقي خمس طرق معبدة، تصلها بكافة الجهات. ومن أشهر تلك الطرق طريق ديوقليسيان، المُحاذي للبادية السورية بين دمشق وسورى على الفرات عبر تدمر، في مواجهة الطريق الملكية الفارسية، التي كانت تنطلق من سوزا وتحاذي في بعض مراحلها الضفة اليسرى للفرات حتى الرقة وحران. وكان بعض تلك الطرق الشمالية يصل حتى ديار بكر على الدجلة في الجزيرة العليا، كما نذكر الطريق الساحلية التي تبدأ من اللاذقية وتنتهي إلى الاسكندرية بمصر. وكان أجمل تلك الطرق، تلك التي كانت تنطلق من أنطاكية (عاصمة سورية في ذلك العصر).
    فعلى تلك الطرق كانت تُنقل التوابل والبخور والذهب من شبه الجزيرة العربية، والمنسوجات من إيران، واللآلئ من الخليج، والحرير من الصين، والطيوب والجواهر والعاج من الهند، والمعادن من آسيا الصغرى، والخشب والملح والحبوب من سورية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:39


    يتصف تاريخ بلاد الشام بصفات وسمات في غاية الأهمية، وتتصدر هذه السمات سمة عراقة هذا التاريخ وقدمه والتواصل الحضاري والعطاء في كافة الميادين. فقد هيأها موقعها للانفتاح على الحضارات الإنسانية على الرغم من خضوعها أحياناً لحكم أجنبي. وفي مجريات حوادث ماضي الشام الطويل، كان للفتح العربي الإسلامي أعظم الآثار عليها، من ذلك ترسيخ عروبتها وتبديل البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعمرانية فيها. فعلى صعيد السياسة الداخلية والخارجية، تحول دور القبائل العربية من الهامش إلى الصميم، وعلى صعيد التمدن: تقدمت مكانة مدن، مثل دمشق وحلب ومعرة النعمان وغيرها، وظهرت مدن جديدة مثل الرملة وغيرها، ولا بد في استعراضنا لتاريخ بلاد الشام في عصر صدر الإسلام، من الحديث عن حركة الفتوحات وما لحق ذلك من أحداث العصر الراشدي ومن ثم قيام الخلافة الأموية، وما حققته هذه الخلافة من إنجازات.

    كانت الصلات قبل الإسلام بين عرب شبه الجزيرة وبلاد الشام قوية جداًَ. فإلى الشام كانت تتجه إحدى رحلتي أهل مكة كل عام، وإلى الشام توجهت أنظار الرسول الكريم (ص)، فكانت قبلته الأولى تتجه نحو بيت المقدس، وإلى الشام وجه الرسول الدعاة وبعث حملة خارج شبه الجزيرة العربية بقيادة أسامة بن زيد، بعد أن كان أبوه زيد بن حارثة قد استشهد على أرض الشام في حملة سابقة إلى جانب جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة في موقعة مؤتة. وتوقفت حملة أسامة بسبب مرض النبي (ص) ثم وفاته، فأمر خليفته أبو بكر بتنفيذ أمر الرسول (ص)، ومضى أسامة لوجهته نحو بلاد الشام. وفي أثناء غيبة أسامة حدثت ردة بعض قبائل العرب، وبدأت حروب الردة، وما إن فرغ أبو بكر من هذه الحروب حتى جهز الجيوش لتحرير الشام من حكم الروم البيزنطيين. وفي عام 13هـ/634م، استنفر الخليفة أبو بكر العرب في بقاع شبه الجزيرة، وشكل أربعة جيوش وعين لقيادتها أبا عبيدة بن الجراح ووجهته مدينة حمص، ويزيد بن أبي سفيان ووجهته مدينة دمشق، وشرحبيل بن حسنة ووجهه شرقي نهر الأردن، وعمرو بن العاص ووجهته فلسطين. ويبدو أن مهمة أبي عبيدة أيضاًَ كانت العمل بمثابة ضابط ارتباط وتنسيق لهذه الجيوش وصلة وصل لها بالخلافة.

    كان أبو بكر كغيره من رجالات قريش، يعرف الشام معرفة جيدة ويعيش وسط آمال تحرير هذه البلاد من سيطرة بيزنطة، وكان مما يشجع على ذلك عروبة سكان الشام ونزعاتهم الاستقلالية، مع ما كانت تعانيه بيزنطة من مشاكل داخلية وانقسامات سياسية وكنسية. دفع الخليفة أبو بكر القوات وفق خطة عسكرية واضحة تستهدف تحرير الشام أولاَ، ثم متابعة الفتوحات في بقية أقطار الأرض انطلاقاً من وضع الشام الاستراتيجي والجغرافي. وكانت تأخذ في اعتباراتها طبيعة المقاتل العربي وأحواله من حيث التسليح والتموين والمقدرة القتالية وطرائق القتال.

    نقود بيزنطية عليها رسم هرقل ملك الروم
    اصطدمت القوات العربية بجيوش بيزنطة فهزمتها، وكان الإمبراطور هرقل في حمص، عندما بلغته أخبار زحف الجيوش العربية وأنباء انتصاراتها وهزائم قواته، فحرك قوات ضخمة بقيادة أخيه تيودور. وصلت أخبار التحرك البيزنطي إلى القادة العرب، فكتب أبو عبيدة إلى الخليفة أبي بكر، يطلب منه المدد، وكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد، قائد جبهة العراق، أن ينجد قواته في بلاد الشام، وقال له في نهاية رسالته: فإذا التقيتم فأنت أمير الجماعة.

    درهم أموي
    اجتاز خالد بن الوليد الصحراء بسرعة مدهشة، وكان عمله من أعظم الأعمال العسكرية شجاعة ومغامرة، ونتج عن ذلك نتائج كبيرة. فقد ظهر خالد مع قواته بشكل مفاجئ للروم في بلاد الشام، واستسلمت له بعض المواقع وهو في طريقه إلى حوران التي سيطر عليها، بعد أن سقطت بيده مدينة بصرى. وقد بعثت أعماله وانتصاراته النشاط والحماسة بين أفراد القوات العربية، وأرسل إلى قادة الجيوش العربية، طالباً منهم أن يلاقوه في منطقة أجنادين ـ على أرض فلسطين ـ. وفي أجنادين أنزلت القوات العربية، المجتمعة بقيادة خالد، الهزيمة بالقوات التي كانت تفوق العرب بعددها وعُدَّتها، وفرَ تيودور إلى أخيه الإمبراطور، يحمل إليه أخبار الهزيمة، مما جعله يرحل من حمص نحو أنطاكية لجمع الجيوش وإعداد ما يلزم لمنع العرب المسلمين من التقدم شمالاً.

    جامع خالد بن الوليد
    في بدايات القرن العشرين
    حررت معركة «أجنادين» عام 13هـ/634م فلسطين من الحكم البيزنطي، وأصبح الطريق بعدها مفتوحاً أمام العرب المسلمين للتوجه نحو دمشق، فتحركت قواتهم نحوها وضربت الحصار عليها بعد أن عزلتها بشكل كامل باحتلالها منطقة ثنية العقاب لمنع وصول نجدات بيزنطية من الشمال، واحتلت المناطق الواقعة على الطريق المؤدية إلى البقاع. وفي أثناء حصار العرب لدمشق وصلتهم أخبار وفاة الخليفة أبي بكر، وبيعة المسلمين بعده لعمر بن الخطاب خليفةً له. وافتتح عمر عهده برسالة، يعزل فيها خالد بن الوليد عن القيادة العامة للقوات العربية في بلاد الشام، ويعهد بها إلى أبي عبيدة بن الجراح. لم يحدث هذا العزل تأثيراً على وضع القوات، وبقي خالد القائد المؤثر والفعال، حيث بقي أبو عبيدة لا يقدم على عمل إلا بعد مشورة خالد، وسقطت دمشق بعد حصار طويل عام 14هـ/635م. وكان لخالد بن الوليد اليد الطولى في تحريرها. وتحركت بعدها القوات العربية شمالاً، فتجاوزت مدينة حماة، وبدأت عملية تطهير بلاد الشام من القوات البيزنطية، لكن هرقل استنفر كل طاقات إمبراطوريته، وأعد جيشاً عظيماًَ يضم الجنسيات المختلفة. وزحفت هذه القوات البيزنطية جنوباً بهدف تحطيم القوة العربية، ووصلت أخبار التحرك البيزنطي إلى أبي عبيدة، وكان في منطقة حمص، فعقد مجلساً حربياً ضم كبار القادة وتباحث معهم، فقر رأيهم على الانسحاب إلى موقع مناسب، يمكنهم من مواقعة الروم في معركة فاصلة، ويسمح لهم بالتراجع عند الضرورة نحو شبه الجزيرة، كما أنهم قرروا الكتابة بذلك إلى الخليفة عمر، يصفون له حالهم ويطلبون المدد.

    قامت القوات العربية بعملية انسحاب عام من كافة المدن والمناطق، التي كانت قد أخذتها، وتجمعت كلها في منطقة اليرموك، وقد ولد هذا الانسحاب الغرور في نفوس قادة الروم.

    تم اللقاء الحاسم على أرض حوران، وكان ظهر القوات العربية باتجاه الصحراء، بينما كانت قوات الروم محصورة بين وادي الرقاد ونهر اليرموك، ونشط خالد بن الوليد في إعداد خطط المعركة نشاطاً واسعاً، وتجلت في هذه المعركة عبقريته العسكرية، وتم فيها تحطيم القوات البيزنطية، وكان ذلك في صيف 15هـ/636م. ومما لاشك فيه أن معركة اليرموك كانت إحدى معارك التاريخ الكبرى، لما نجم عنها من نتائج، فقد استعاد العرب بعدها جميع المناطق التي حرروها من قبل، وتابعوا زحفهم شمالاً حتى جبال طوروس، وانسحب هرقل مردداً قوله: «وداعاً يا سورية، وداعاً لا لقاء بعده».

    لقد حررت معركة اليرموك بلاد الشام من الحكم البيزنطي ورسخت طابعها العربي. وتم للعرب بعد انتصارهم في اليرموك تطهير بلاد الشام من بقايا الروم البيزنطيين، وحرروا بقية المراكز والمدن ومنها مدينة بيت المقدس، التي نالت عهداً خاصاً من الخليفة عمر بن الخطاب الذي عقد مؤتمراَ في الجابية (قرب نوى في حوران) تقررت فيه خطة التحركات العسكرية والإدارية والسياسية المقبلة. وعلى إثر ذلك قامت قوات عربية بقيادة عمرو بن العاص بالزحف نحو مصر لتحريرها من الروم، وزحفت قوات أخرى نحو أعالي بلاد الرافدين ـ الجزيرة، وبعد تحريرها تابعت زحفها في أرض أرمينيا فاستولت على معظمها.

    جعل عمر بن الخطاب بلاد الشام ولايتين، عهد بهما إلى يزيد بن أبي سفيان ومركزه في دمشق، وأبي عبيدة بن الجراح ومركزه في حمص، وجعل الجزيرة ولاية قائمة بذاتها. أما من الناحية العسكرية فقد قسمت بلاد الشام إلى أربع مناطق عسكرية، عرفت بأسماء جند دمشق، وجند حمص، وجند الأردن، وجند فلسطين. وكان جند حمص أكبرها، وقد قسمت فيما بعد إلى قسمين هما: جند حمص وجند قنسرين.

    بدأ العرب المسلمون ينزلون في مدن فلسطين ومناطق الشام بعد تحريرها. وفي عام 18هـ/639م، انتشر وباء الطاعون، وأدى إلى وفاة عدد كبير من العرب، منهم أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبي سفيان، فقام الخليفة عمر بتولية معاوية بن أبي سفيان مكان أخيه يزيد، وعندما أصبح عثمان بن عفان خليفة بعد اغتيال عمر بن الخطاب، أضاف إلى معاوية حكم جميع مناطق بلاد الشام بما في ذلك منطقة الجزيرة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:40

    الطرق في سورية في العصور العربية الإسلامية:
    بعد الفتح العربي الإسلامي لبلاد الشام بقليل، لم تلبث أن أصبحت عاصمتُها دمشق، قاعدة الدولة العربية الكبرى، التي حررت مساحات واسعة من نير الإمبراطوريتين المتنازعتين: الفارسية، والبيزنطية قلب آسيا وشرقيها إلى غربي آسيا عامة وسورية خاصة، ومنها طريق الحرير، كما كانت الثانية تسيطر على الطرق المتجهة غلى شرقي أوروبا وآسيا الصغرى، وكذلك على الطرق البحرية المتوسطية التي تربط كافة بلدان الحوض. وقد كانت معركة ذات السواري في عهد معاوية، بداية الانحسار للنفوذ البيزنطي عن ذلك البحر. ومن هنا أخذت الطرق، العابرة لسورية في ذلك العصر، مداها الكبير في جميع الاتجاهات، في السلم وفي الحرب على السواء. ووجدت طرق جديدة أو تطورت وظائف الطرق، التي أشرنا غليها فيما سبق، وتواصلت طرق البر والبحر في الدولة العربية الكبرى، من بحر الصين والمحيط الهندي حتى البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي.
    ولعب انتشار الدين الإسلامي دوراً كبيراً في ذلك التواصل، ورافقه تطور متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العالم آنذاك، والازدهار الكبير للزراعة والصناعة في سورية، وما كانت تنتجه من حبوب وفاكهة ومنسوجات وأسلحة خفيفة وزجاج وورق وزيوت... إلخ. وكان من الطرق الجديدة التي نشطت في سورية: طريق الحج، وطرق طلاب العلم إلى العواصم العربية، وطريق البخور عبر الحجاز، وطريق الذهب عبر الصحارى العربية.. إلخ. وأُقيمت على جميع تلك الطرق وفي مواقع محددة، ذات أهمية طبيعية وبشرية من بلاد الشام، مراكز ذات نشاطات مختلفة، عند الممرات الجبلية أو الشعاب والأبواب، والمخاضات النهرية والآبار وموارد المياه، ومفارق الطرق، خانات ومزارات ورباطات، ومواقع لأسواق تجارية.. إلخ. هذا إضافة إلى الطرق العسكرية، التي كانت تتبعها الجيوش في تحركاتها السريعة على التخوم بين الإمبراطوريات، حول سورية وعبرها، سواء كانت معبدة أو غير معبدة. وما زال الطريق الذي اتبعه خالد بن الوليد في انتقال جيشه من العراق إلى دمشق عبر بادية الشام لغزاً عسكرياً محيراً. هذا ولم يقلل من أهمية موقع سورية ونشاطاتها، انتقال عاصمة الدولة العربية الكبرى من دمشق إلى بغداد والقاهرة، بل إن فتح مدينة القسطنطينية عام 1492 ـ التي أصبحت عاصمة الدولة العثمانية قبيل استيلاء العثمانيين على معظم الأراضي العربية ـ قد زاد من أهمية موقع سورية، في نواحٍ عديدة جغرافية وسياسية واقتصادية، حيث زالت الحدود بينها وبين آسيا الصغرى، تلك التي كانت ميدان صراع بين العرب والبيزنطيين، وفُتحت أمامها طريق البحر الأسود وشرقي أوروبا وأواسطها، وأصبحت سورية الجسر الإلزامي المتوسط: بين قاعدة الدولة العثمانية وأطرافها المترامية في آسيا وإفريقيا، لذا لم تتبدل أهمية الطرق عبر سورية، وغن تأثرت في العصور الحديثة، بازدياد أهمية الطرق البحرية عبر رأس الرجاء الصالح، أو عبر البحر الأحمر وبرزخ السويس، ثم من بعد، قناة السويس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
    غير أن الطرق شهدت من ناحية أخرى، تطوراً في وظائفها، حسب تطور النشاطات البشرية العالمية، ومظاهرها الحضارية، انتهاءً إلى سورية، أو انطلاقاً منها أو مروراً فيها. وإن قسماً كبيراً منها كان يلقي رحاله في مدن سورية الداخلية، أو يجد منطلقاً جديداً له في الموانئ السورية، عبر البحر المتوسط، حيث يقوم على نشاطاتها تجار من كافة موانئه.
    ولو ألقينا نظرة حديثة على تلك الطرق، بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت على الحدود السياسية من جراء التجزئة الخطيرة لبلاد الشام أو سورية الطبيعية، لوجدناها تتمثل في:
    آ ـ سكة حديد الشرق السريع التي مُدت لتربط بين أوروبا والخليج العربي مارة بشمالي سورية والعراق.
    ب ـ السكة الحديدية الحجازية، التي تصل دمشق بالمدينة المنورة، وهي تتصل شمالاً بسكة حديد الشرق السريع السابقة عن طريق حلب، وتتصل بمصر وبفلسطين عن طريق حيفا، وكان مقرراً أن تمتد هذه الطريق حتى عدن جنوبي الجزيرة العربية.
    ج ـ الطريق البرية للسيارات الشاحنة الكبيرة بين أوروبا وسورية عبر آسيا الصغرى، ومن سورية إلى أقطار شبه الجزيرة العربية والعراق.
    د ـ الطرق المتمثلة في أنابيب نقل النفط، من العراق ومنطقة الخليج العربي من شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الأنابيب المتجهة إلى خليج الاسكندرونة من العراق عبر الأراضي السورية، التي اغتصبتها تركيا، وتتجه إيران إل الاستفادة من هذه الطريق الطبيعية أيضاً، في نقل غازها ونفطها إلى خليج الاسكندرونة السوري. كما أن أنابيب النفط، التي مدها العدو الإسرائيلي، تتبع الطريق الطبيعية التي تنفذ من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط على الساحل الجنوبي الفلسطيني من سورية.
    هـ ـ مجموعة طرق السيارات التي تصل بين دمشق والمدينة المنورة. هذا بالإضافة إلى الطرق المحورية، كتلك التي تصل دمشق بجزيرة ابن عمر على نهر دجلة، عبر تدمر ودير الزور والحسكة، والطريق الواصلة بين حلب وبغداد، مسايرة لوادي الفرات.
    مما تقدم يتبين أن معابر سورية وطرقها الطبيعية، وفي إطار الموقع الجغرافي لا يمكن الإقلال من أهميتها، بسبب ظروف التجزئة السياسية لبلاد الشام، واحتلال الصهاينة، لقسم منها في الجنوب الغربي، الأمر الذي أدى إلى تعطيل خط السكة الحديدية الممتدة من بلاد الشام حتى مصر، والذي يتصل به خط دمشق درعا، عدا طريق السيارات، بين دمشق وحيفا والقاهرة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:41

    استاء العرب عامة، وعرب بلاد الشام خاصة، من سياسة بعض الخلفاء العباسيين في اعتمادهم على العناصر الأعجمية، كاعتماد المأمون على الفرس، واعتماد المعتصم على الترك. وكان من نتائج هذه السياسة اشتعال عدد من الثورات منها ثورة «نصر بن شبث العقيلي» وغيرها في أنحاء بلاد الشام المختلفة. كان اهتمام معظم الخلفاء العباسيين متجهاً نحو بلاد العراق عامة، ونحو بغداد بصورة خاصة، مما جعلهم يهملون بلاد الشام، التي خسرت مركزها المتميز، الذي كان لها في العصر الأموي، كما خسرت دمشق مركزها كعاصمة، وفقدت مزاياها، حيث كان يقصدها الكثيرون من أنحاء دولة الخلافة، ويرد غليها الخراج من الولايات المختلفة، وينعكس كل ذلك رخاء على المدينة وسكانها. وجاءت الصراعات القبلية والثورات المتوالية في العصر العباسي لتزيد في تأخر بلاد الشام اقتصادياً وعمرانياً.



    عهد أبو العباس السفاح لعمه عبد الله بن علي بولاية الشام، ثم أشرك معه عمه الآخر «صالح بن علي»؛ فأعطاه ولاية فلسطين، وأعطى ولاية الجزيرة الفراتية لأخيه عبد الله بن محمد، الذي اشتهر بلقب أبي جعفر المنصور. واعتمد في إدارة البلاد على رجال معظمهم من البيت العباسي.



    عمل العباسيون على محاولة طمس آثار الأمويين في بلاد الشام، وذكرت أخبار أبي جعفر المنصور، أنه أمر بقلع الصفائح الذهبية والفضية، التي كانت على أبواب المسجد الأقصى وضربها دنانير ودراهم، أنفقت في أصلاحه بعد أن أثرت الزلازل فيه.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:42

    سورية اسم غلب إطلاقه على القطر الشامي منذ عهود قديمة، قال البكري (ت 487هـ) «سورية بضم أوله وكسر الراء المهملة وتخفيف للياء اسم للشام»، وفي فتوح البلدان للبلاذري أنَّ هرقل لما بلغه خبر أهل اليرموك وإيقاع المسلمين بجنده هرب من أنطاكية إلى قسطنطينية، فلما جاوز الدرب قال: «عليك يا سورية السلام» يعني أرض الشام.

    والشام والشآم هو الاسم الذي أطلقه الجغرافيون العرب على سورية التي يحدها بحر الروم «المتوسط» من الغرب، والبادية الممتدة من أيلة «العقبةۛ» إلى الفرات، ثم من الفرات إلى حد الروم «جبال طوروس»، وجنوبيها مصر وآخر حدودها مما يلي مصر رفح، أي أن سورية كانت تضم الرقعة التي تشغلها اليوم الجمهورية العربية السورية ولبنان، والأردن وفلسطين، وتلك كانت بلاد الشام على مدى تاريخ طويل، ولم يتم تقسيمها سياسياً إلى دول أربع إلا بفعل الاستعمار في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

    حينما بدأت الفتوحات الإسلامية، كانت سورية «بلاد الشام» قد عادت للسيطرة البيزنطية، بعد أن استولى عليها الفرس مدة تزيد على العقد من السنين، واستطاع هرقل أن يستعيد الصليب الأعظم من الفرس، وأن يعيده إلى بيت المقدس، وقد ورد ذكر الانتصار الذي سوف يحققه الروم في القرآن الكريم في سورة الروم *غُلِبَت الروم في أدنى الأرض وهم بعد غَلَبِهم سيَغلِبون في بضعِ سِنينَ للهِ الأمرُ منْ قَبلُ ومِنْ بَعدُ ويومئذِ يَفرَحُ المؤمِنُون* لم يهنأ الروم البيزنطيون طويلاً بانتصارهم، فقد استطاعت الجيوش العربية أن تحرر سورية من سيطرة البيزنطيين ما بين سنة 13هـ و19هـ/634 و640م، ذلك أن هزيمة اليرموك وفتح دمشق وانتصار العرب في فِحْل «مدينة قديمة في المملكة الأردنية» كان بمثابة تسليم زمام سورية إلى المسلمين، لأنه مَكَّن لهم أن يسيطروا على هذه المنطقة المتوسطة من سورية التي تحمي ظهورهم بالبادية، وأن يتوجهوا بعدها إلى الشمال وإلى الجنوب، أما في الجنوب فانتهى بهم الأمر إلى تحرير بيت المقدس «القدس» سنة 17هـ/638م، التي استسلمت وفتحت أبوابها للخليفة عمر بن الخطاب، وإلى تحرير قيسارية المدينة الساحلية التي أتاح لها مركزها الساحلي أن تتلقى إمداد الروم بحراً، ولكنها استسلمت أخيراً سنة 19هـ/640م أما في الشمال فقد توالت الفتوح بعد حمص، واستطاعت الجيوش العربية أن تدخل حماة وشيزر وقنسرين وحلب وأن تدخل بعد حلب أنطاكية حصن الروم الحصين.

    عمد الخليفة عمر بن الخطاب إلى تقسيم الشام إلى أجناد أربعة وهي جند حمص وجند دمشق، وجيد الأردن، وجند فلسطين، وهذه الأجناد أقاليم استقرَّت فيها فرق من الجيش لحمايتها وقبض أعطياتهم منها، ولقد أوجبت الضرورات العسكرية تقسيم الشام إلى هذه الأجناد، لأن الساحل السوري طويل، وسورية كانت لا تزال مهددة براً وبحراً من قبل البيزنطيين، فكان لابد من إيجاد مراكز عسكرية متعددة لكي يتمكن كل جند من الدفاع عن المدن الساحلية التابعة له، وكانت طرابلس وجبيل وبيروت وصيدا تابعة لجند دمشق، واللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس تابعة لجند حمص، وتبعت صور وعكا جند الأردن، وقيسارية ويافا وعسقلان وغزة جند فلسطين وعمد معاوية بن أبي سفيان عندما تولى الخلافة 4160هـ إلى جعل قنسرين جنداً منفصلاً عن حمص، وأضيفت حلب إلى جند قنسرين بعد أن كانت مضافة إلى جند حمص.

    كانت مراكز هذه الأجناد كلها مدناً داخلية، قنسرين، حمص، دمشق، طبرية، اللد، وبقيت اللد قصبة جند فلسطين، حتى كانت خلافة الوليد بن عبد الملك الذي ولى أخاه سليمان بن عبد الملك جند فلسطين، فابتنى مدينة الرملة واختط مسجدها فصارت القصبة، ونقل إليها بالناس من اللد وأمرهم بالبنيان بالرملة.

    أصبحت سورية بعد الفتح ولاية تابعة لمركز الخلافة في المدينة المنورة، ولم يجمع عمر بن الخطاب أمر سورية كلها وإمرة الأمراء في الحرب والسلم إلا لأبي عبيدة بن الجراح لمكانته ولثقته الكبيرة به، فلما توفي أبو عبيدة سنة 18هـ وزع عمر بن الخطاب أجناد الشام على عدد من الولاة، ولكن الخليفة عثمان بن عفان جمع أجناد الشام كلها والجزيرة وثغورهما لمعاوية بن أبي سفيان الذي كان في خلافة عمر بن الخطاب والياً على جندي دمشق والأردن، ومنحه صلاحيات واسعة فأصبح والياً على الصلاة والحرب والخراج، إن هذه الصلاحيات هي التي مكنت معاوية في تلك المرحلة من تثبيت سلطانه، وهذا ما ساعده بعد مقتل الخليفة عثمان أن يقف في وجه الخليفة علي بن أبي طالب ويرفض مبايعته له، حتى يقتصَّ من قتلة عثمان.
    بمقتل الخليفة علي بن أبي طالب وتنازُل الحسن بن علي، انتقلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان عام 41هـ/661م، الذي تعارف المؤرخون على تسميته بعام الجماعة، لاتفاق كلمة المسلمين بعد طول نزاع، وأصبحت سورية الولاية المركزية واتخذ معاوية دمشق عاصمة للدولة الإسلامية، بسبب موقعها المتوسط وتقاليدها الحضارية، وبقيت دمشق العاصمة الرسمية للدولة حتى خلافة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية الذي نقل سنة 127هـ بيوت الأموال والخزائن إلى حرّان في الجزيرة.

    كانت سورية الولاية الوحيدة التي خضعت للخلفاء الأمويين مباشرة، وكان يساعد الخليفة في إدارتها عدد من الولاة، وقد حاول معاوية، ومن بعده يزيد، أن يعهدا بإدارة هذه الأجناد إلى زعماء القبائل، حسبما توافر لهم من استقرار وكثرة، فكانت قنسرين والجزيرة بأيدي عمال من عرب الشمال أو القيسية، بينما كانت حمص والأردن وفلسطين بأيدي عمال من عرب الجنوب أو اليمانية، إلا أن معركة مرج راهط سنة 64هـ/683م وما نجم عن ذلك من احتدام العصبيات دفعت عبد الملك بن مروان 5686هـ رغبة منه في إبقاء الوحدة الداخلية لما لها من أهمية كبرى في تثبيت دعائم الحكم إلى أن يوسِّد إمارة الأجناد إلى أبنائه وإخوته وأفراد من الفرع المرواني، واتبع خلفاء بني أمية من بعده هذا النهج، ماعدا عمر بن عبد العزيز الذي اتبع أسلوب معاوية في تعيين عمال، وفق الأكثرية القبلية في المنطقة.

    تمتعت الشام بازدهار اقتصادي في خلافة بني أمية، فقد استفادت من فائض الأموال التي كانت ترسل إلى بيوت أموالها ومن أخماس الغنائم التي كان يرسلها القادة من الشرق والغرب، كما أن زوال الحواجز الجمركية القديمة بين العراق وسورية ساعد على ازدهار التجارة مع الشرق، وانعكس هذا الازدهار ولاسيما في الفترة المروانية على النشاط العمراني؛ فقد اهتم الأمويون ببناء المساجد لأنها مظهر من مظاهر سيادة الدين الإسلامي واستقرار المسلمين في الأرض وغلبتهم عليها، وقد بنى معاوية، منذ أن كان والياً من قبّل عثمان، المساجد في الساحل وأخذ يكبر ما ابتني قبل خلافته، وبنى عبد الملك قبة الصخرة وأتم الوليد بناء المسجد الأقصى في القدس، ولكن الأثر الرئيس الذي تقوم عليه شهرة الوليد هو مسجد بني أمية الكبير الذي شيده في دمشق والذي يعرف بالجامع الأموي، والذي كان من أهم المعاهد العلمية لتدريس القرآن والحديث والفقه، وبنى سليمان في خلافته مسجد حلب الكبير الذي كان يضاهي كما يقول ابن الشخنة مسجد دمشق من حيث روعة زخارفه، لأن سليمان جهد أن يكون بناء مسجد حلب معادلاً لعمل أخيه في مسجد دمشق.

    كذلك شيَّد الأمويون القصور الكثيرة التي انتشرت في سورية انتشاراً واسعاً، ولم تكن مقتصرة على منطقة بعينها، بل امتدت من جنوب الأردن إلى الجزيرة الفراتية شمالاً، ومن جوف البادية شرقاً حتى ساحل البحر المتوسط غرباً، واستنتج سوفاجيه Sauvajet «الجغرافي الفرنسي» بعد مسح أثري للمواقع الأموية في بوادي حماة وتدمر ومآب وبلقاء وشمال سورية، أن جميع تلك المنشآت الأموية لها طابع ثابت محدد، هو قصر تلازمه مجموعة أبنية توجد فيها آثار استغلال زراعي، وما أن ظهرت دراسة سوفاجيه سنة 1967من حتى تأثر بها غرابار Grabar الذي ذكر في دراسته التي قدمها لمؤتمر بلاد الشام سنة 1974م، أن هناك أكثر من مئتي مستوطنة أو مشروع زراعي يرجع تاريخها إلى القرن الأول والثاني الهجريين، وذكر أن الهدف الأول من المنشآت الأموية، يُرى في مثال قصر الحير الشرقي وهو عبارة عن استصلاح زراعي.

    هذه الإشارات سواء في مصادرنا أو ما توصل إليه علماء التاريخ والآثار، كلها تشير إلى اهتمام الأمويين بالزراعة، وليس أدل على ذلك من استياء الخليفة هارون الرشيد من واليه على دمشق الحسين بن عمار واتهامه بأنه ولاَّه دمشق «وهي جَنَةٌ بها غدرٌ، تتكفَّأ أمواجها على رياض كالدراري، فإذا به يجعلها أجرد من الصخر وأوحش من الفقر.

    في سنة 132هـ انتقلت الخلافة إلى العباسيين بعد القضاء على دولة بني أمية، واتخذ العباسيون العراق مركزاً لهم وبغداد عاصمة لدولتهم، وخسرت سورية مكانتها كمركز لدولة مترامية الأطراف، وأصبحت مجرد ولاية تابعة لمركز السلطة في بغداد، ولكن الوضع الجغرافي والاستراتيجي والاجتماعي لسورية دفع خلفاء بني العباس الأوائل إلى توجيه اهتمام خاص لهذا الإقليم، فقد خرج البيزنطيون من صراعهم الاقتصادي الحربي مع الأمويين ظافرين، وبقيت بيزنطة لمدة نصف قرن بعد سنة 135هـ/752م القوة الوحيدة التي تملك أسطولاً في البحر المتوسط، وكان الخليفة المنصور يدرك الخطر الذي يحدق بدولته نتيجة عدم امتلاك العباسيين لأسطول قوي في البحر المتوسط، لذلك تتبع حصون الساحل ومدنه فعمَّرها وحصنها، وبنى ما احتاج إلى البناء منها، ثم لما استخلف المهدي أتمّ ما بقي من المدن والحصون وزاد في شحنها بالجند.
    أما العامل الثاني الذي دفع خلفاء بني العباس إلى الاهتمام بسورية، فهو أنها كانت مسرحاً للقبائل العربية التي كان لها دورها السياسي والإداري والعسكري في خلافة بني أمية، وقد تجلى هذا الاهتمام بتعيين ولاة من آل العباس على أجناد الشام حتى عهد الخليفة المأمون وبرز من هؤلاء الولاة صالح بن علي العباسي، الذي ولاه الخليفة المنصور سورية والثغور، وولى ابنه عبد الله بن صالح حمص، والفضل بن صالح دمشق، وقد وليها تسع سنين وهو الذي عمل الأبواب للمسجد الأموي والقبة في الصحن التي تعرف بقية بيت المال وجمع المهدى لإبراهيم بن صالح بن علي جندي دمشق والأردن، وبقي والياً عليها حتى خلافة هارون الرشيد سنة 170هـ. وإذا كان هناك اختلاف في أسماء ولاة دمشق عند اندلاع العصبية أو فتنة أبي الهيذام سنة 176هـ إلا أن هناك اتفاقاً على أنهم من آل العباس، فلما طالت الفتنة أرسل الرشيد جعفر بن يحيى البرمكي إلى سورية ومعه القواد والجند، فسكَّن الفتنة وأطفأ الثائرة، ويذكر الطبري وابن الأثير أ الرشيد أكثر المقام في الرقة لقلقه الناجم عن محبة أهل الشام لبني أمية وهياج العصبية.
    وباستثناء ثورات الشام في فترة توطيد سلطان بني العباس، فالأمن كان مستتباً حتى هياج العصبية في خلافة الرشيد، ثم هاجت المنطقة بكاملها نتيجة الصراع بين الأمين والمأمون، فلما كانت خلافة المعتصم وبدأ الاعتماد على الأتراك، هذا العنصر الجديد الذي لم يكن قادراً على فهم الأسس المعنوية التي قامت عليها الدولة العباسية، ولم تكن له خبرة بالإدارة، ازدادت الفتن لرفض العرب لولاتهم من الأتراك، وبقي ولاة الأجناد من الأتراك عندما سيطر أحمد بن طولون على سورية سنة 264هـ/877م وجمع بين حكم سورية ومصر، واستمر حكم الطولونيين حتى عام 293هـ/905م، ثم عادت بعدها سورية للنفوذ العباسي، ولكن سورية لم تلبث أن خضعت للإخشيديين الذين بسطوا نفوذهم عليها سنة 330هـ/941م فلما دخل سيف الدولة حلب سنة 333هـ/968م قامت بينه وبين الإخشيد وقائده كافور نزاعات وصدامات حتى تم الاتفاق بينهما على أن تكون سورية الشمالية من نصيب سيف الدولة، بما في ذلك حمص وحماة والمعرة وأنطاكية، وسورية الجنوبية من نصيب الإخشيديين، الذين انتهى أمرهم في سورية بعد قضاء الفاطميين عليهم في مصر سنة 358هـ/968م، كما أنهى الفاطميون النفوذ الحمداني سنة 393هـ/1003م. وقد ازدهر الفكر والشعر والأدب في عهد سيف الدولة، كما قاوم سيف الدولة البيزنطيين وقام بالعديد من الغزوات على أراضيهم.

    تسلم نواب الفاطميين حكم سورية حتى موت الحاكم بأمر الله سنة 411هـ، ثم بدأ نفوذهم ينحسر تدريجياً، ففي سنة 415هـ/1024م، نجح صالح بن مرداس أمير بني كلاب في السيطرة على حلب، ولم تقف مطامحه عند حدود حلب وشمالي سورية، بل انتزع بعض أجزاء الساحل السوري من الفاطميين وشارك في العمل على إخراج الفاطمييين منها، فذهب ضحية مطامحه حيث قتل سنة 419هـ/1029م في معركة الأقحوانة، ولكن مقتله لم يقضِ على وجود الدولة التي أقامها، والتي استمرت مع بعض الانقطاع حتى سنة 472هـ/1079م.

    في هذه الأثناء كان السلاجقة قد وطدوا نفوذهم في العراق، وسقطت دمشق في أيديهم سنة 467هـ/1075م وخسر البيزنطيون أنطاكية سنة 477هـ/1093م، والتي كانوا قد استولوا عليها سنة 358هـ بعد وفاة سيف الدولة الحمداني، وانقسمت سورية إلى إمارتين سلجوقيتين إمارة دقاق بن تتش في دمشق وإمارة أخيه رضوان بن تتش في حلب، وقد مثلا جيلاً خاصاً من أجيال السلاجقة، فقد وقفا نفسيهما مع قواتهما للصراع الداخلي والحروب الأهلية، وفي طرابلس ظهرت إمارة بني عمَّار، وإلى الجنوب من طرابلس بقيت المدن الساحلية في أيدي الفاطميين، وفي وسط هذه الانقسامات والفوضى السياسية وصلت جيوش الفرنج الصليبيين إلى مشارف أنطاكية سنة 492هـ/1098م والتي كانت تهدف أول ما تهدف الوصول إلى القدس.

    احتل الصليبيون أنطاكية في تموز 492هـ/1098م، وتوجهت فئة منهم بقيادة بلدوين من مرعش إلى الشرق واحتلت مدينة الرها، واتخذت منها قاعدة لأول إمارات الصليبيين الأربع ومن أنطاكية تابعت جموع الصليبيين زحفها جنوباً، بعد أن جعلوا من أنطاكية مركزاً لثاني إماراتهم، وبعد مرحلة حافلة بالحوادث وصلت هذه الجموع القدس، وتمكنوا من اجتياحها في تموز 1099م/493هـ، بعد حصار شديد عجزت فيه كل من دمشق والقاهرة وسواهما عن تقديم النجدة.

    جعل الصليبيون من القدس مركزاً لثالث دولهم وأعلاها مرتبة، ثم أخذوا يوسعون أملاكهم فاستولوا سنة 502هـ/1109م على طرابلس.

    لقد كانت الضربة التي حلت بعرب سورية إثر احتلال الصليبيين لأجزاء من بلادهم ضربة مروعة، لكنها لم تُعِد على الرغم من فظاعة وقائعها ونتائجها حكام سورية إلى وعيهم، حيث استمروا يتنازعون من أجل السلطان، واستغل الفرنجة هذه الفرصة فوسعوا أملاكهم وجرَّدوا مدينة حلب من جميع أراضيها الشمالية والغربية، ولم يبق لها بعد هذا إلا بعض أراضيها الجنوبية والشرقية.

    استطاع المسلمون بزعامة قادة عسكريين من طراز نادر أن يتغلبوا على الصليبيين وأن يخرجوهم من سورية بعد نضال طويل وصراع عنيف، ومن أبرز هؤلاء القادة عماد الدين زنكي الذي تولى إمارة الموصل سنة 521هـ ثم حلب سنة 522هـ/1128م، وسَخَّر كل طاقات دولته للتحرير، فاسترد من الصليبيين معرة النعمان وكفر طاب والأثارب والمنطقة الشمالية والغربية لمملكة حلب، وفي سنة 539هـ/1146م احتل الرها بعد جهاد عاشته الأمة كلاً وفرداً، وقضى على أولى دول الفرنجة تأسيساً في المشرق، وسدَّ الثغرة التي كانت بين شمالي سورية والجزيرة.

    وتابع نور الدين بعد وفاة والده 541هـ/1146م الجهاد ضد الفرنجة، وتابع ومحاولاته لتوحيد الديار وأهلها وبعث روح الجهاد فيها، ومكنت هذه الروح نور الدين سنة 549هـ/11054 من دخول دمشق بناءً على دعوة أهلها، فوحَّد لأول مرة منذ قرون شمالي سورية مع جنوبيها، واتخذ من مدينة دمشق مركزاً لأعماله. وفي سنة 559هـ/1164م استولى نور الدين على بعض أجزاء إمارة أنطاكية وأمير طرابلس وساقهم أسرى إلى حلب، وفي سنة 567هـ/1171من أعلن صلاح الدين وزير الخليفة العاضد، والذي كان نورد الدين قد أرسله لدعم الخليفة ضد الصليبيين، سقوط الخلافة الفاطمية وخطب للخليفة العباسي المستضيء بأمر الله منابر القاهرة، وكان الخليفة العاضد مريضاً توفي دون أن يدرك ما حدث.

    كان سقوط الخلافة الفاطمية حدثاً خطيراً في تاريخ العالم الإسلامي، فقد عادت وحدة الخلافة وأصبحت الخلافة العباسية الخلافة الوحيدة التي يدين لها المسلمون بالولاء، وتوحدت سورية ومصر تحت قيادة نور الدين زنكي.

    كان نور الدين مولعاً بالعمران، وترك كثيراً من الآثار من المدارس والمشافي والرباطات، كما شجع المثقفين والعلماء، ففي دمشق ألف ابن القلانسي تاريخه وابن عساكر تاريخ دمشق في ثمانين مجلداً، كما أن أسامة بن منقذ من أمراء شيزر، ألف كتابه الاعتبار الذي يعد مصدراً هاماً لدراسة العلاقات التي كانت قائمة بين المسلمين والفرنجة.
    توفي نور الدين سنة 569هـ/1174م وتولى ابنه الملك الصالح إسماعيل الحكم، وعمره إحدى عشرة سنة، ودخل الأمراء الزنكيون وكبار القادة في جيش نور الدين فوراً في تنافس على وصاية الصالح، علماً بأن الخطر الصليبي كان لا يزال جاثماً والإمدادات من الغرب لا تزال تتواصل، ولذلك أصبح لزاماً أن يتقدم أحد أمراء نور الدين الأقوياء ليملأ الفراغ ويوحد الكلمة ويجمع الصف، وكان صلاح الدين الأيوبي غداة وفاة نور الدين يملك قوة كبيرة من العدد والعدة، فهو أمير مصر الغنية وقائد لعدة فرق عسكرية، لذلك رأى من واجبه إعادة بناء الدولة وتوحيد الكلمة ومواصلة السياسة التي بدأها نور الدين، وقد استغرقت عملية التوحيد فترة زمنية امتدت من سنة 570هـ إلى سنة 582هـ، فلما نجح في تحقيق الوحدة بين مصر والشام والجزيرة وديار بكر والموصل، هزم الصليبيين هزيمة ساحقة في حطين سنة 583هـ/1187م تلاها استرداد طبرية وعكا وتبنين وصيدا وبيروت وعسقلان، ثم تحرير القدس في السنة نفسها، وبذلك قضى على المملكة اللاتينية الصليبية في القدس، ثم تابع الاستيلاء على مدن الساحل شمالي فلسطين فاستولى على جبلة وبانياس واللاذقية، ولكن صلاح الدين خسر عكا بعد نضال عنيف نتيجة لوصول الحملة الصليبية الثالثة التي استعادت بعض مدن الساحل، ولكنها فشلت في استعادة بيت المقدس.

    توفي صلاح الدين بدمشق سنة 589هـ/1193م وانقسمت الشام في العهد الأيوبي إلى أربعة ممالك، هي مملكة حلب ودمشق وحمص وحماة، وشهدت سورية في العهد الأيوبي حركة ثقافية وأخرى عمرانية لا مثيل لها نتيجة لترسخ الوحدة وإلى الازدهار الاقتصادي، على الرغم من انهماك الدولة في محاربة الفرنج الصليبيين وتحرير الأراضي المحتلة.

    تجلت هذه الحركة العمرانية توسيع المدن وتجديد أسوارها وتشييد القلاع وفي تزويد الطرقات العامة بالفنادق كمحطات للقوافل وامتلأت المدن بالمباني العامة كالمساجد والمدارس والخانقاهات (دور ضيافة ومنازل للصوفية) والأضرحة الفخمة ذات القباب، وما يزال كثير من هذه المباني باقية إلى اليوم وبعضه بحالة جيدة في المدن السورية الكبرى، وحدث تطور ملحوظ في فنون العمارة العسكرية، فقد فاقت الأبراج والأسوار بارتفاعها وحجمها الكبير وضخامة حجارتها التي يغلب عليها النوع البارز، وأحسن مثال على ذلك قلعة حلب وقلعة دمشق وقلعة بصرى، وهي قلاع لا تزال تحافظ على أصالتها.
    أنهى الغزو المغولي حكم الأيوبيين في سورية منة 658هـ/1259م، بعد قضائهم على الخلافة العباسية واجتياحهم العراق سنة 656هـ/1257م ولكن المماليك الذين كانوا قد تولوا حكم مصر بعد وفاة الملك الصالح نجم الدين أيوب، ومقتل توران شاه سنة 648هـ/1250م، انتصروا في معركة عين جالوت 15 رمضان 658هـ/3 أيلول 1260م، بقيادة السلطان قطز على المغول وطردوهم من سورية، ومن ثمّ دخلت ضمن سلطان المماليك وأصبحت سورية ولاية تابعة لحكام المماليك في مصر، ومع أن المماليك استعانوا ببعض أمراء الأيوبيين في حكم حمص وحماة، فإنهم كانوا يحكمون المناطق باسم المماليك مقابل مبلغ سنوي من المال.

    حظيت دمشق في عهد المماليك بمكان مرموق وغدت بمثابة العاصمة الثانية للدولة، يقيم فيها السلاطين بين حين وآخر يتخذونها مركزاً لعملياتهم العسكرية ضد الصليبيين والمغول، الأمر الذي حفظ لدمشق مركزها السياسي والحربي الذي كان لها في أيام نور الدين وصلاح الدين، وكانت نيابة دمشق في العصر المملوكي من أكبر نيابات الدولة وأهمها، وكانت توكل إلى واليها مهمة الإشراف على سائر ولايات سورية، كنيابة حلب ونيابة حماة ونيابة طرابلس ونيابة صفد، كما كان يكلف بأعمال عسكرية واسعة النطاق للقضاء على العصيان أو الوقوف في وجه عدو خارجي، وكان يطلق على والي نيابة دمشق اسم نائب السلطنة أو نائب الشام أو «كافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس».

    عاشت سورية في ظل السلطنة المملوكية فترة زمنية طويلة بلغت 264سنة، كان الحكم في الدور الأول منها للمماليك البحرية (الأتراك) وكان الحكم في الدور الثاني للمماليك الشراكسة أو الجراكسة.

    إن ما ينعت به نظام الحكم في العهد المملوكي من السوء والفساد والفوضى لا ينطبق على العصر كله، فقد عرف القرن الأول من حكمهم سلاطين عظام جاهدوا في سبيل طرد الغزاة من صليبيين ومغول؛ ففي سنة 664هـ/1265م تمكن السلطان بيبرس من فتح قيسارية وعتليبت وأرسوف، وفي العام التالي فتح صفد وتبنين والرملة، وفي سنة 666هـ/1267م فتح أنطاكية وجاء سقوطها إيذاناً بانهيار البناء الصليبي في سورية، بحيث لم يبق للصليبيين سوى عكا وطرابلس، وسقطت طرابلس في عهد السلطان المنصور قلاوون سنة 688هـ/1289م، وانتهى الوجود الصليبي نهائياً في عهد السلطان الأشرف خليل، حيث استسلمت إمارة عكا سنة 690هـ/1291م، وعادت سورية من كيليكية شمالاً حتى غزة والحدود المصرية جنوباً لا يقطنها إلا أبناؤها، ولا يتمتع بهوائها وخيراتها إلا أهلها الأصليون.
    كان من نتائج تحرير سورية نهائياً من الصليبيين ونجاح المماليك في صد حملة غازان المغولي سنة 698هـ/1298م أن نعمت سورية بالأمن والاستقرار فازدهرت النهضة التي وضعت بذورها في عهد الدولتين النورية والأيوبية، وارتقت الفنون والصنعات وشيدت الجوامع والمدارس والتُرب والحمامات والأسواق والقيساريات وغير ذلك من الأعمال العمرانية.

    مع نهاية القرن الثامن الهجري كثرت حركات التمرد والمؤامرات بين أمراء المماليك، وارتفع إلى سدة السلطنة مماليك ممن ليس لهم مكانة أو هيبة وانعكست آثار الفوضى والعصيان والتنافس على المناصب بين الأمراء على أوضاع البلاد، واتُخذت دمشق في أكثر الأحيان معتصماً للعصاة والمتآمرين والطامعين في السلطنة، وألحقت هذه الأحداث بها الأذى والتأخر وعرضتها للسقوط فريسة للغزو والعدوان، فقد اجتاح تيمورلنك حلب وأخذ يهدد دمشق التي دخلها عام 803هـ/1401م فنهب خيراتها وأموالها وقتل أكثر رجالها وستبقى منهم كل صاحب مهنة أو فن ليأخذه إلى عاصمته سمرقند، ثم أشعل النار في المدينة.

    عاد المماليك بعد رحيل تيمورلنك وعملوا على إزالة آثار الكارثة، وراح السلاطين يحثون النواب على الإعمار، وبت الحياة في مدن سورية شيئاً فشيئاً ولاحت تباشير الازدهار، ولكن العصر كله كان قد تغير ودب الفساد والوهن في أوصال الدولة المملوكية وكثرت المجاعات والأوبئة، وتفشت الفوضى، وكثرت تعديات البدو وشلت حياة المدن والقرى، ثم كانت نهاية المماليك على يد العثمانيين سنة 922هـ/1516م في معركة مرج دابق التي تشتت فيها الجيش المملوكي، وفتح الطريق أمام السلطان سليم العثماني ليضم سورية ومصر إلى سلطانه.

    نجدة خماش

    الموسوعة العربية
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:44

    دخل العثمانيون إلى سورية في أعقاب هزيمة المماليك بمعركة مرج دابق سنة 1616م بقيادة السلطان سليم الأول وسيطروا على حلب، ثم اتجهوا جنوباً فسيطروا على باقي بلاد الشام ليتوالى من بعدها خضوع كامل البلاد العربية باستثناء ما يعرف اليوم بالمملكة المغربية.

    ظلت بلاد الشام طوال أربعة قرون، وسورية من جملتها، خاضعة للدولة العثمانية، ويمكن التمييز في تلك الفترة ما بين حقبتين لكل منهما خصائصها التي تتميز بها من الأخرى.

    أما الحقبة الأولى فتبدأ مع بداية القرن السادس عشر، وتنتهي مع نهاية القرن الثامن عشر، لتبدأ الثانية من بداية القرن التاسع عشر وتنتهي بجلاء العثمانيين عن الأقطار العربية مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918م.

    يتميز العصر الأول، وهو عصر قوة الدولة إلى حد ما، بفرض النظام الجديد الذي جاء به العثمانيون بحيث أبقوا البلاد على التقسيمات الإدارية التي كانت معروفة في العهد المملوكي. فكانت هناك ولاية حلب، ويتبعها ثمانية صناجق، وولاية دمشق ويتبعها تسعة صناجق، وولاية طرابلس ويتبع لها سبعة صناجق، ثم استحدثت ولاية صيدا فيما بعد بسبب تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية والأحداث الداخلية التي طرأت على المنطقة فيما بعد.

    كان جان بردي الغزالي، الذي خان مليكه قانصوه الغوري في معركة مرج دابق، أول والٍ على سورية، وأول من ثار على السلطان العثماني من الولاة، وبسبب تمرده وانقلابه على السلطان قسمت سورية إلى ثلاث ولايات لتسهل السيطرة عليها، وخوفاً من أن تجتمع بإمكاناتها بيد وال واحد.



    السلطان سليمان القانوني
    سادت فترة من الهدوء في بلاد الشام بشكل عام لأكثر من نصف قرن، وكان جميع الولاة الذين تداولوا السلطة من كبار الشخصيات والوزراء العثمانيين الأكفاء، الأمر الذي مكنهم من ممارسة الحكم على النحو الذي تحقق فيه عامل الاستقرار، وقد ترافق وجود هذا النموذج من الولاة مع وجود سلاطين كبار، كالسلطان سليم وابنه السلطان سليمان المعروف بالقانوني، فلا عجب أن وصلت الدولة في هذا العصر إلى أوج مجدها. غير أن بوادر الضعف وأحداث الشغب وما تخللها من عسف وجور الولاة والموظفين بدأت تظهر من بعد وفاة السلطان سليمان القانوني، واعتلاء عرش السلطة من قبل سلاطين غير مؤهلين، كان لعزلتهم خلف أسوار القصور وانشغالهم بالملذات أثر كبير في فساد المؤسسات وانحطاط مستوى الجيش، مما نتج عنه أعمال عنف وتمرد بين صفوف العساكر والأمراء المحليين، بلغت ذروتها في بلاد الشام عند نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر، كثورة علي باشا جانبلاط في جهات كلّس شمال حلب، وثورة فخر الدين المعني في جنوبي سورية.



    قصر العظم بدمشق
    في القرن الثامن عشر ظهر جيل جديد من الولاة والموظفين حظيت غالبيتهم بحماية الصدر الأعظم والكزلار آغا في مقر السلطنة، كآل العظم الذين تشير أغلب المصادر إلى أن أصلهم من معرة النعمان، وأول من ظهر منهم إسماعيل باشا العظم، ثم أخوه سليمان، ثم أسعد بن إسماعيل الذي بلغت الأسرة في عهده ذروة نفوذها في بلاد الشام، وفي الوقت الذي كان فيه هؤلاء ولاة على دمشق كان هناك عدد آخر من أبنائهم يديرون دفة الحكم في المناطق الأخرى، فإبراهيم بن إسماعيل كان والياً على طرابلس، وياسين بك بن إبراهيم كان حاكماً في اللاذقية، في حين كان أسعد في عهد أبيه نائباً على حماة والمعرة، وهكذا كما لو أن بلاد الشام كانت محكومة وراثياً من قبل أفراد هذه الأسرة. ويبدو أن القضاء على تمرد الخارجين على سلطان الدولة، سواء من قبل بعض طوائف الجند كالدلاتية والزرباوات، أم من هجمات البدو التي كانت تستهدف طرق التجارة وقوافل الحج، إضافة إلى إتباع سياسة التوازن بين مختلف القوى المحلية في الولاية الواحدة، كانت كلها عوامل استقرار جعلت سلاطين الدولة العثمانية يفضلون أفراد هذه الأسرة على غيرهم لإدارة أمر البلاد، بصرف النظر عما لحق بهم من عسف وجور مع المصادرة والعزل في كثير من الأحيان.

    تعرضت البلاد عند نهاية القرن الثامن عشر إلى فوضى بسبب الصراع على النفوذ من قبل بعض الأسر، وفي الوقت نفسه تعرضت البلاد الشامية إلى كوارث ومجاعات وأوبئة ساعدت على تنامي هذه الاضطرابات التي انتهت باحتلال دمشق من قبل علي بك المملوكي، ومن بعده أحمد باشا الذي استمر والياً على الشام لعدة فترات، كان السلطان في أثنائها راضياً عن أدائه، لقدرته على إخضاع المتمردين، وبقي أحمد باشا سيد الموقف في بلاد الشام حتى مجيء نابليون إلى مصر ومحاولة سيطرته على الشام سنة 1799م.

    لم يطرأ في هذه المرحلة تعيير جوهري في نظم البلاد أو الطريقة التي كانت تُدار بها، ولعل مردّ ذلك إلى أن ثمة هامشاً من الحرية في الإدارة جعلت الوالي يتمتع ببعض الصلاحيات لإدارة الولاية، فكان الحكم أقرب إلى اللامركزية، وأميل إلى البساطة والمحافظة. أما ما له صلة بالأنشطة الحضارية فيبدو أن الجهود كانت منصبة على الاهتمام بالجيش، لاعتقاد السلاطين أنه العنصر الأساس في مواجهة الأخطار المحتملة، في حين أن المستوى العلمي كان أدنى مما كان عليه في العهود السابقة، إلا من بعض المدارس التي أنشئت في كبريات المدن كدمشق وحلب، وهي ذات طابع ديني بحت، ولكن كان اهتمام الولاة الأكثر بالمنشآت العمرانية التي لا يزال قسم كبير منها باقياً على اليوم، كالتكايا والمساجد والخانات المنتشرة بكثرة في كل من دمشق وحلب على وجه الخصوص.

    تعرّض المشرق العربي في مستهل الفترة الثانية من الحكم العثماني، إلى أحداث هزت الدولة العثمانية، أولها بروز الدعوة الوهابية وإقامة دولتها التي وحدت أقاليم الجزيرة العربية في ظل الأسرة السعودية والثاني بداية الزحف الاستعماري نحو البلاد العربية، والذي استهله نابليون بونابرت بحملته على مصر وبلاد الشام، أما الثالث فهو محاولة محمد علي باشا والي مصر تأسيس دولة قادرة على حماية نفسها، بعد أن فقد الثقة بقدرة العثمانيين على حماية ممتلكات دولتهم، هذه الأحداث كان لها دور مؤثر في تغيير عقلية الإنسان في المشرق العربي، وجعلته يصحو من رقاده ليتحمل مسؤولية الدفاع عن الأرض والإنسان والثقافة إزاء الأخطار التي بدت تلوح في الأفق، مع وصول طلائق القوى الاستعمارية التي راودتها، على ما يبدو، فكرة العودة إلى النمط الروماني القديم.

    كانت ولاية دمشق من وجهة نظر محمد علي لا تقل أهمية عن ولاية مصر، فالبلدان يتمم كل منهما الآخر من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، ومن أجل قطع الطريق على خصومه وأعدائه كان يرى ألاّ مناص من امتلاكهما، وقد واتته الفرصة حينما استغل فرار بعض الفلاحين إلى عكا، فوجه قواته إليها ودخلها سنة 1832م، وتابع تقدمه بسرعة إلى دمشق التي استقبلته منقذاً ومحرراً، وبموجب صلح، كوتاهية، أصبحت ولاية الشام خاضعة لإدارة محمد علي طوال حياته، وعلى الفور بدأ بسلسلة من الإصلاحات كإلغاء الضرائب عن السلع التجارية، وتحسين ظروف المزارعين، وأصبح في وسع التجار والصناع الاطمئنان إلى سلامة أموالهم، ونتيجة لهذه السياسة، فقد تطور الاقتصاد تطوراً ملحوظاً، وانتعشت بسببه المدن السورية، وتعززت الثقة في نفوس الأهالي.

    أما على الصعيد العلمي فقد شملت الإصلاحات قطاع التعليم وأنشئت المدارس الابتدائية في المناطق والنواحي، والمدارس الثانوية في مراكز المدن كـدمشق وأنطاكية وحلب، على النظام نفسه الذي كان سائداً في مصر، وأُقرت القوانين التي كانت تلزم الطلاب بارتداء أزياء خاصة بهم، وشيدت أبنية سكنية ملحقة بالمدارس لإيواء الوافدين إليها من الطلبة، واشتملت المناهج على تدريس المواد الهادفة إلى غرس الوعي القومي في نفوس الدارسين، الأمر الذي جسد فكرة الانتماء القومي إلى الأمة العربية عند غالبية المثقفين العرب مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

    ولعل أهم ما تميزت به سنوات الوحدة ما بين مصر وسورية في عهد محمد علي، مظاهر التسامح الديني ما بين مختلف الطوائف، وإلغاء القيوم التي كان «باشاوات» العهود السابقة قد فرضوها على غير المسلمين من باب تأكيد فكرة المواطنة بين الجميع.

    أما من الناحية الإدارية فقد اعتبرت بلاد الشام ولاية واحدة، قسمت إلى ألوية عاصمتها جميعاً دمشق، وقد أبدى كثير من القناصل الغربيين إعجابهم الشديد بما فعله محمد علي خلال فترة الوحدة.

    كانت الدول الغربية تراقب ما يجري في بلاد الشام عن كثب، ولم تكن لترضى عن الوضع السياسي الجديد، وخاصة إذا كان من أهدافه قيام دولة قوية تجمع ما بين مصر الإفريقية وسورية الآسيوية، مما أفسد على هذه الدول خططها في إطار ما اصطلح على تسميته «بالمسألة الشرقية»، ومع أن هذه الدول كانت على خلافات مستمرة على تدويل المسألة السورية، وتوجهت إلى محمد علي بإنذار تطلب فيه الانسحاب من سورية في غضون عشرة أيام، واستنفرت بالوقت نفسه عن طريق عملائها بعض الجهات للانقلاب عليه مستغلة مسألة التجنيد الإجباري الذي كان قد فرضه إبراهيم باشا على السوريين، وقضية جمع الأسلحة من الأهالي، وتحت وطأة التمرد والعصيان من جانب الأهالي، والضربات التي وجهتها القوات الحليفة بعد نفاد مدة الإنذار، انهارت المقاومة المصرية في الشام وارتدت نحو مصر سنة 1840م، وقضي على أول تجربة وحدوية ما بين سورية ومصر في العصر الحديث، كان من شأنها أن تنقل البلدين إلى مصاف الدول المتقدمة.

    تعرضت سورية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبالتحديد بعد انهيار مشروع الوحدة، إلى عدة أحداث، أبرزها إثارة الفتن الطائفية في دمشق، وبعض الثورات في جبل حوران كثورة 1851م، التي منيت فيها القوات العثمانية بخسائر كبيرة، وثورات عشائر البدو في قرى ونواحي دير الزور، وكان للقناصل الغربيين دور كبير في إثارتها، ولا أدل على ذلك من الدور الخطير الذي قام سفيرا بريطانيا وفرنسا في إثارة الفتنة ما بين الدروز والموارنة في لبنان، والتي امتد لهيبها إلى دمشق وتصدى لها الأمير عبد القادر الجزائري وكبار العلماء والوجهاء.

    تعاقب على ولاية سورية في هذه الفترة عدد من الولاة العثمانيين ترك بعضهم أثاراً حسنة منهم: محمد رشد باشا1863-1866م ومحمد راشد باشا 1866-1871م الذي امتدحه القنصل الإنكليزي المقيم في دمشق بقوله: «في حدود معرفتي لا يوجد والٍ غادر سورية وكان الأسف عليه عاما كهذا الوالي».

    ويعد مدحت باشا من أبرز ولاة هذه المرحلة، وكثيراً ما كان يعرب عن ضيقه وتأففه من تدخلات القنصلين الفرنسي والإنكليزي بالشأن الداخلي بحجة حماية الطوائف السورية، ولهذا الوالي أياد بيضاء في كثير من المسائل، كبناء المدارس الحديثة لصرف الأهالي عن المدارس الأجنبية والتبشيرية، وفي عهده تعاون المسلمون والمسيحيون على إنشاء غرفة للتجارة ومقر للبورصة في بيروت، وتم شق الطرق وتنظيم دوائر العدل وجهاز الشرطة. ومن هؤلاء الولاة حسن رفيق باشا الذي شيد معهد المعلمين في دمشق ومدت سكة الحديد في عهده، ويعدّ حسين ناظم باشا أطول الولاة عهداً 1897-1909م فقد نمت دمشق في عهده نمواً ملحوظاً، وهو الذي أمر بربط دمشق برقياً مع المدينة المنورة، وجرّ مياه عين الفيجة إلى دمشق، وبنى الثكنة العسكرية «الحميدية» التي تشغلها اليوم بعض كليات جامعة دمشق، وكان آخر ولاة الدولة العثمانية على دمشق الوالي رأفت بك، الذي انسحب منها بعد دخول القوات العربية والبريطانية إليها عام 1918م.

    أما حلب فمن أشهر ولاتها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الوالي أحمد جودت باشا، وهو من المؤرخين المشهورين، له «تاريخ جودت» في عدة مجلدات، وكان ذا عناية بالشؤون الثقافية، وناشد ناشد، وكامل باشا، وجميل باشا الذي امتدت ولايته ما بين 1879 و1886، وإليه ينسب بناء المكتب الرشدي العسكري ومشفى الغرباء في حلب، والوالي رأفت باشا 1885-1900م الذي أسف الأهالي بولاية حلب على عزله مع مطلع القرن العشرين.

    دخلت مفاهيم الإصلاح والتغيير على الصعيد القومي والسياسي إلى سورية مع الحكم المصري، فبعد خروج إبراهيم باشا ظل أثر هذه المفاهيم يفعل فعله خاصة بين صفوف المتعلمين والفئات الواعية، وبلغ هذا التفاعل ذروته حينما قدم إلى سورية بعض الولاة المتنورين الذين قادوا حركة التمدن والإصلاح، وأدت المدارس التي تم افتتاحها في هذه الفترة دوراً كبيراً في توعية النشء قومياً وسياسياً، وبدأ الجمعيات بالظهور، وتوالى صدور الصحف، الأمر الذي زاد من وعي الأهالي، فظهر منهم قلة متأثرة بثقافة التغريب أخذت تنادي بالانفصال عن الدولة العثمانية، في حين رأت الغالبية خلاف ذلك، وأخذت تطالب بإصلاح النظم، والقضاء على المفاسد والاستبداد، وتطبيق مبدأ المساواة بين مختلف أعراق السلطنة حفاظاً على تماسكها واستمرارها خاصة بعد ما رأوا أن احتلال فرنسا لتونس وانكلترا لمصر يكشف عن التآمر الغربي على البلاد العربية والإسلامية، لكن تعسف بعض القادة العثمانيين في استخدام صلاحياتهم وظهور النزعة الطورانية ووصول أعضاء جمعية الاتحاد والترقي إلى الحكم، حالت دون تحقيق ما كان يدعو إليه المتمسكون بوحدة الإمبراطورية والرابطة العثمانية، ومما زاد الطين بلة، انحياز الدولة العثمانية إلى المعسكر الألماني، وما قام به جمال باشا من مذابح في سورية ولبنان، كل ذلك جعل النخبة العربية من المتطلعين إلى الحرية توازن بين الحكم التركي واستمرار طغيانه، وإمكانية الاتفاق مع حليف أجنبي يضمن لهم الحرية والاستقلال إذا ما انحازت إلى صفه، فرأت الغالبية منهم أن مصلحتهم في الخيار الثاني. وهكذا بدأ الإعداد للثورة العربية الكبرى، منذ أن أخذت الجمعيات العربية السرية وبعض الشخصيات العربية البارزة بالاتصال مع الشريف حسين بن علي أمير مكة. تطالبه بإنشاء دولة عربية مستقلة عن الدولة العثمانية، تضم الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق، وفي ضوء هذه القاعدة جرت الاتصالات ما بين الحسين وبريطانيا التي اتفق من خلالها على وقوف العرب إلى جانب بريطانيا في الحرب مقابل اعتراف بريطانيا باستقلال المشرق العربي وبالشريف حسين ملكاً عليه. ويظهر من خلال مراسلات الحسين مكماهون أن بريطانيا كانت تتحفظ وتبدي من التأويلات الماكرة ما يجعلها مستقبلاً في حل من تعهداتها لتحقق مآربها الاستعمارية.وحين أعلنت الثورة في الحجاز يوم 10 حزيران 1916م لم يكن يدور في خلد بريطانيا أن هزيمة الحاميات العثمانية في مدن الحجاز ستكون بهذه السهولة، فما إن أعلن الشريف حسين ثورته حتى انضم إليها العديد من الضباط العرب العاملين في الجيش العثماني، وتوالى تحقيق الانتصارات بالسيطرة على كامل الحجاز والأردن وفلسطين ودخول فيصل بن الحسين إلى دمشق في تشرين الأول 1918م، وهذا يؤكد أن عودة العرب للمشاركة في صنع الحضارة من الأمور الممكنة إذا تهيأت لهم الظروف والإمكانيات، غير أن العرب وقبل أن يشتد ساعدهم فوجئوا بالمؤامرة الفرنسية البريطانية التي كشف النقاب عنها في مؤتمر الصلح الذي أعقب الحرب مباشرة، وتبين لهم أن المبادئ التي دعا إليها الرئيس الأمريكي ولسون في الحرية وحق تقرير المصير، ما هي إلا أكاذيب وأوهام في إستراتيجية الغرب، اعتمدها ولا يزال، في التضليل والخداع. ومهما يكن فقد احتلت القوات الفرنسية سورية ولبنان، واحتلت بريطانيا العراق والأردن وفلسطين بحسب نصوص اتفاقية سايكس بيكو السرية، وأنزل العلم العربي من على دور الحكومة في المدن السورية كافة لتبدأ البلاد مرحلة جديدة من مراحل الصراع مع القوى الاستعمارية التي حطمت ما كان قائماً من الوحدة بين العرب حتى في ظل الإدارة العثمانية.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:46

    في ذكرى يوم كيوم السادس من أيار، يتوقف المتأمل ملياً أمام يوم يختصر تاريخ شعب بأكمله، تاريخ شعب امتلأت لحظات وجوده الطويل على هذه الأرض، بمرارات وعذابات لا حصر لها، غزوات واحتلال، ثورات وانتفاضات، وتمرد مستمر حتى الثمالة، تاريخ شعب أبي لم يبتلع ثمرة الظلم، ولم يقبل قيد العبودية أو الاستعمار، ولم يهادن محتلاً أو ظالماً. لقد كانت هذه الأرض على الدوام مأوى الثوار، ومخزن الأحرار، ويوم السادس من أيار يختزن في رمزيته كل ما ذكرنا، وما سنذكر.

    في السادس من أيار، علق السفاح جمال رقاب الأحرار من نخبة المثقفين والسياسيين العرب في دمشق وبيروت على أعواد المشانق، ولكنه لم يتمكن من أن يطفئ حمية هذا الشعب وشعلته الملتهبة، فإذا به ينتفض في كل مكان مطلقاً صرخة الحرية، وما هي إلا أشهر معدودة حتى أطيح بالمستعمر القديم، ولكن مستعمراً جديداً فرنسياً كان يتربص بهذه الأرض وأهلها الدوائر.

    السفاح جمال باشا
    في القدس
    هكذا تحولت ذكرى هذا اليوم لتشمل جميع شهداء الوطن الأبرار، جميع أولئك الذين ضحوا بدمائهم وحياتهم، على أمل حياة جديدة أفضل لأولادهم وأحفادهم ووطنهم، لقد انضمت قوافل من الشهداء إلى قافلة الشهداء الأولى على يد المستعمر العثماني، منها سقطت في النضال ضد المستعمر الفرنسي أو الإنكليزي، في سبيل الاستقلال والحرية وسيادة الوطن، وبعدها قوافل من الشهداء في صراعنا الدؤوب ضد المستعمر الصهيوني وكيانه الغاصب في فلسطين، معارك طاحنة، ما تزال قوافل الشهداء تذهب في أتونها قافلة إثر قافلة، ولن تتوقف، إلا بتحقيق الحرية الكاملة لأرضنا السليبة.


    مقدمة تاريخية:
    كانت الدولة العثمانية مع بداية الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تعاني مشاكل بنيوية عميقة تضعها على حافة الهاوية من حيث قدرتها على المحافظة على وحدتها السياسية وتصديها للأطماع الخارجية. وكانت الدولة العثمانية التي هيمنت منذ حوالي 400 سنة (بعد هزيمة المماليك أمام السلطان سليم الأول عام 1516 في معركة مرج دابق)، قد سادت على العالم العربي بمجمله تقريباً وأخذت دور اللاعب الرئيس في منطقة الشرق الأوسط.

    فرقة من الجيش العثماني
    إلا أن هذه السيطرة المطلقة قد تخلخلت مع مرور الزمن، ومع غياب السلاطين الأوائل القادرين، وأخذ الفساد والظلم ينخران في جسد الدولة المترامية الأطراف، دون أن تتمكن السلطة المركزية من أن تفعل شيئاً، وهكذا استقل البايات والدايات في غرب الإمبراطورية الأقصى، وظهر سطوة محمد علي في مصر، حيث تمكن من إنشاء دولة قوية كادت أن تقضي على سلطة العثمانيين لولا تدخل الدول الغربية السريع والمباشر، لقطع الطريق على احتمال ظهور دولة مستقلة قوية تعارض مخططاتهم في اقتسام جسد «الرجل المريض»، وهو التعبير الذي أخذ يطلق على الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر.

    وهكذا، كان للدول الاستعمارية الكبرى أطماعها الواسعة في تركة الدولة الاستعمارية السابقة والآخذة في الأفول.

    من ناحية أخرى ، لم تكن سياسات الدولة العثمانية تجاه شعوبها كفيلة بضمان تأييد هذه الشعوب ضد أي خطر خارجي، فاعتمادها سياسة تقوم على نهب ثروات البلاد التي احتلتها، ووضع البلاد تحت سلطة ولاة قساة ظالمين وسفاحين، إضافة إلى سياسات التتريك وإهمال التراث الحضاري والثقافي لهذه البلاد، واعتماد سياسية التتريك اللغوي، وخصوصاً في المنطقة العربية القريبة منها (العراق وبلاد الشام)، كل ذلك أورث جذور الثورة والتمرد عند سكان البلاد العرب، الذين ينتمون إلى تراث عريق لا يمكن تجاهله.

    الجيش العثماني
    كانت الخلافة العثمانية قد شهدت نهايتها على يد الأتراك أنفسهم، فبعد استلام السلطان عبد الحميد الثاني العرش في عام 1876 ارتفعت الصيحات المطالبة بإصلاح أحوال الإمبراطورية العثمانية، وشهدت الدولة إنشاء مجلس الأعيان (الشيوخ) ومجلس المبعوثان (النواب) الذي انتخب أعضاؤه مباشرة من الشعب، حيث عرفت بلاد الشام أول برلمان لها، وكان من أعضائه خالد الأتاسي عن حمص وأمين أرسلان عن جبل لبنان وحسين بيهم ونقولا نقاش عن بيروت ونوفل نوفل عن طرابلس. إلا أن هذه الفترة لم تستمر طويلاً إذا سرعان ما تم تعطيل الدستور، وتحول حكم عبد الحميد الثاني إلى نظام بوليسي، واشتدت أعمال البطش والقمع التي لحقت بدعاة الإصلاح السياسي، وعلى رأسهم الأدباء والمفكرين العرب الذين أخذوا يدعون إلى أن ينال العرب حقوقهم القومية والثقافية والسياسية، مما أدى إلى حركة عامة في جميع المجتمعات العربية ترنو إلى تحرير العرب من نير الاحتلال العثماني، وبدأ المثقفون العرب تأسيس الجمعيات التي قادت هذا التوجه العام.

    وفي تركيا نفسها، نشأت جمعيات سياسية هدفت إلى إصلاح النظام السياسي، حيث شكلت هذه القوى حزباً سياسياً معارضاً للسلطان عبد الحميد عرف بحزب تركيا الفتاة، ثم عرف فيما بعد بجمعية الاتحاد والترقي. وقد انضم إليها بادئ الأمر بعض الضباط العرب في الجيش التركي، وتعاطف معها مثقفون بارزون من أمثال عبد الرحمن الكواكبي وأديب اسحق. وتحت تأثير هذا الضغط أعاد السلطان عبد الحميد العمل بالدستور عام 1908، فعمت الأفراح أنحاء البلاد. وعبر الشعراء والمثقفون العرب كالشيخ رشيد رضا وسليمان البستاني وأحمد شوقي عن تأييدهم للمسيرة الإصلاحية في جسم الدولة التركية.

    إلا أن هذا الوضع أيضاً لم يستمر طويلاً إذ سرعان ما أعاد السلطان عبد الحميد تعطيل الدستور، فقرر مجلس الأمة خلع السلطان عبد الحميد ونفيه في عام 1909، وتسلم حزب الاتحاد والترقي السلطة، لكنه بدلاً من أن يمد يده إلى العرب الذين أيدوه في حركته الإصلاحية، عمد فوراً إلى حل جميع الجمعيات والمنظمات التي لا تنتمي إلى الجنس التركي، وأولها جمعية الإخاء العربي العثماني، واتبع سياسية العسف والاستبداد والعنصرية ضد القوميات الأخرى في جسم الدولة التركية مما دفع الأحرار العرب إلى العودة مرة أخرى إلى النضال السياسي لتحرير الأمة العربية والوصول إلى استقلالها.

    مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تحالفت السلطة التركية الجديدة مع ألمانيا، في محاولة منها لإيقاف الانهيار المستمر لسلطتها في البلاد الخاضعة لها، والتي كانت هدفاً لأطماع الدول الكبرى السائدة آنذاك، وعلى وجه الخصوص بريطانيا وفرنسا، مما دفع بالسلطات التركية إلى خوض حرب ضروس مع هذه الدول، وتجنيد أعداد كبيرة من الجنود كانت غالبيتهم من شعوب الدول الخاضعة لسلطتها، وخاصة من بلادنا العربية، فيما عرف لاحقاً بـ«السفربرلك»، وذهبت أعداد كبيرة من شباب العرب إلى هذه الحرب، وكثير منهم لم يعودوا، ولم يعرف أحد أين ماتوا أو دفنوا.

    السفاح جمال باشا
    جمال باشا السفاح:
    ارتأت السلطة التركية، في ظل الظروف التي فرضتها الحرب العالمية الأولى، تعيين قائد كبير يفرض سلطته القوية على منطقة بلاد الشام ومصر التي كانت قد خضعت للإنكليز، فعينت عام 1915 والياً جديداً على سورية خلفاً للوالي خلوصي بك، هو أحمد جمال باشا الملقب بالسفاح.

    وأحمد جمال باشا هو قائد عسكري عثماني ومن زعماء جمعية الاتحاد والترقي، ومن المشاركين في الانقلاب على السلطان عبد الحميد، وقد شغل منصب وزير الأشغال العامة وقائد البحرية العثمانية، قبل أن يصبح الحاكم المطلق في سورية وبلاد الشام.

    وقد خطب جمال باشا أول قدومه إلى دمشق في النادي الشرقي عام 1914م قائلاً:
    «يجب عليكم يا أبناء العرب أن تحيوا مكارم أخلاق العرب ومجدهم، منذ شروق أنوار الديانة الأحمدية، أحيوا شهامة العرب وآدابهم حتى التي وجدت قبل الإسلام، ودافعوا عنها بكل قواكم. واعملوا على ترقية العرب والعربية، جددوا مدنيتكم، قوموا قناتكم، كونوا رجالا كاملين».

    السفاح على أحد مراكب البحرية العثمانية
    إلا أن والي سورية الجديد، لم يكن في الحقيقة إلا مبغضاً للعرب، كارهاً لهم، وكان يبيت في نفسه نية الانتقام منهم ومن حركاتهم السياسية على الأخص، حالما تسنح له الفرصة.

    وكانت مهمة جمال باشا الأساسية تجهيز حملة على مصر للقضاء على السيطرة البريطانية، إلا أنه قبض على زمام السلطة بيد من حديد، واعتمد سياسة البطش، وتلهى عن إعداد الحملة بالعمل على تعزيز سلطته وبسط سيطرته وإقصاء العناصر العربية عن مراكز الإدارة والقرار، وكان من جراء تأخره في إعداد الحملة أن وجد الخصم المصري فرصة ذهبية للاستعداد للدفاع عن نفسه.

    وفي عام 1915 قاد جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال مصر. وفي ليل 2 شباط 1915 اخترق صحراء سيناء التي كانت حينها تفتقر لطرق المواصلات فكانت القوات التركية تصل إلى القناة منهوكة القوى لتحصدها البوارج البريطانية الموجودة في القناة أو القوات البريطانية التي تتحصن على الضفة الغربية للقناة بمدافعها ورشاشاتها ومع أن بعض السرايا القليلة استطاعت اجتياز القناة إلا أن الهجوم فشل فشلاً ذريعاً ولم ينج من الجيش الرابع إلا القليل.

    السفاح مع عدد من ضباطه
    كان للفشل الذريع لهذه الحملة ومسؤولية جمال باشا المباشرة عن ذلك الفشل، وهو الحاكم العسكري المطلق على سورية، أن يصبح عصبي المزاج بشكل دائم، حاد الطباع، وصب جام غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية التي حمّلها مسؤولية إخفاقه، فعمل على استبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك، وفصل الضباط العرب البارزين من وظائفهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة، وأخذ باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت، وقد كانت باكورة هؤلاء إعدام عدد من المناضلين بأحكام عرفية باطلة في عدد من المناسبات، ففي 21 آب من عام 1915 قام بإعدام 11 من المناضلين من مختلف مدن سورية ولبنان.

    لقد أحلَّ جمال باشا السفاح الرعب في قلوب الناس بعصره لشدة قسوته وجبروته وكان يعمل بكدٍّ لاستلام زمام الأمور بهذه البقعة من العالم والانفصال عن تركيا آنذاك ولم يتراجع بحياته قط عن قرار أصدره لدرجة أنه في أحد الأيام أصدر حكمه على أحد الأشخاص المرموقين وابنه بالإعدام وتشفَّعت بهما أغلب دول العالم ورؤسائها فلم يقبل التراجع عن قراره ولشدة الضغوطات السياسية والدولية عليه قبِلَ أخيراً أن يُعدم واحد منهما الابن أو الأب، وأخيراً تمَّ إعدام الابن.

    الإعدامات الجماعية التي أمر بتنفيذها السفاح
    وقد ساق السفاح للمناضلين العرب مختلف التهم من التخابر مع الاستخبارات البريطانية والفرنسية، إلى العمل على الانفصال عن الدولة العثمانية، وهو ما يقال أنه ما كان يسعى هو بنفسه إليه، وأخيراً توج عمله هذا بجريمته التي نفذها في السادس من أيار عام 1916، عندما أعدم 21 مناضلاً ومثقفاً عربياً في كل من بيروت ودمشق، بعد أن أحال ملفاتهم إلى محكمة العاليه العرفية، حيث أديرت المحاكمة بقسوة وظلم شديدين، وبدون أن تحقق أدنى معايير المحاكمات العادلة والقانونية، صامّاً أذنيه عن جميع المناشدات والتدخلات التي سعت لإطلاق سراحهم. وخصوصاً تلك التي أطلقها الشريف حسين بن علي شريف مكة، الذي أرسل البرقيات إلى السفاح وإلى السلطان وإلى الصدر الأعظم، وأوفد ابنه الأمير فيصل بن الحسين إلى دمشق، وقابل السفاح ثلاث مرات في مسعى لإيقاف حكم الإعدام دون جدوى، إذ أن السفاح كان قد عقد النية على تنفيذ مخططه الرهيب.

    السفاح
    بقي أحمد جمال باشا السفاح ممعنا في غيه، إلى أن شعرت الدولة العثمانية بنتائج سياسته الفظيعة فنقلته من سورية وعينت بدلا منه جمال باشا المرسيني الشهير بالصغير، وقد قتل في مدينة تبليسي عام 1921 على يد أرمني يدعى اسطفان زاغكيان، وقد روي عن طلعت بك زميل أحمد جمال في جرائمه أنه خاطب زميله هذا بقوله: «لو أنفقنا كل القروض التي أخذناها لستر شرورك وآثامك لما كفتنا».


    شهداء ما قبل السادس من أيار وما بعده:

    كانت سياسة السلطة العثمانية هي القتل والإعدام بحق المناضلين العرب في تاريخ سابق لاستلام السفاح جمال باشا السلطة وشروعه في عمليات تصفية واسعة النطاق للحركة القومية العربية، والنخبة المثقفة التي تقود هذه الحركة، فقبل ذلك التاريخ وفي العام 1911 تم بقرار من محكمة عرفية بدمشق إعدام ذوقان الأطرش والد سلطان باشا الأطرش مع أربعة رجال آخرين من جبل العرب هم يحيى وهزاع عز الدين ومحمد القلعاني وحمد المغوش، وذلك لتمردهم على السلطة العثمانية، وتصديهم لممارساتها الاستبدادية.‏

    إلا أن عملية القمع الوحشي هذه اتخذت منحى جديداً أكثر حدة وشراسة مع تسلم السفاح جمال باشا السلطة في ولاية سورية، إذ باشر على الفور بسياسة الإعدام بلا رأفة لكل من يشك في نشاطه في الحركة الثورية العربية، ومن ذلك قيامه بعدد من الإعدامات في مناسبات مختلفة لعدد من رجالات الحركة الوطنية والقومية نذكر منهم:

    - الخوري يوسف الحويك، شنق في دمشق، في 22 آذار من عام 1915‏.

    - نخلة المطران ابن بعلبك أعدم في الأناضول في 17 تشرين الأول عام 1915‏.

    - الشقيقان أنطوان وتوفيق زريق من طرابلس الشام، شنقا في دمشق عام 1916‏.

    - يوسف سعيد بيضون من بيروت، شنق في عاليه في 10 آذار عام 1916‏.

    - عبد الله الظاهر من عكار، شنق في بيروت، في الأول من آذار عام 1916‏.

    - الشقيقان فيليب وفريد الخازن من جونية، شنقا في بيروت في 2 أيار عام 1916‏.

    - يوسف الهاني من بيروت، شنق في بيروت في نيسان عام 1916‏.


    السفاح على مركبه البحري

    وهناك من أعدم بعد عام 1916 نذكر منهم:

    - الشيخ محمد الملحم شيخ عشيرة الحسنة في بادية الشام، شنق في دمشق عام 1917‏.

    - فجر المحمود من عشيرة الموالي شنق في دمشق عام 1917‏.

    - شاهر العلي من عشيرة التركي، شنق في دمشق على إثر إعلان الثورة العربية الكبرى عام 1917‏.

    - الشيخ أحمد عارف مفتي غزة وولده، شنقا في القدس عام 1917‏.


    شهداء الحادي والعشرين من آب:

    قدم السفاح أحمد جمال باشا، النخبة المثقفة، الى ديوان الحرب العرفي في عاليه، وحكم عليهم بالاعدام وعلقهم على أعواد المشانق في بيروت صباح 21 آب 1915، وهم:

    - عبد الكريم محمود الخليل: من مواليد الشياح في بيروت 1886، مؤسس المنتدى الأدبي، خريج مدرسة الحقوق.

    - عبد القادر الخرسا: ولد في حي القيمرية بدمشق عام 1885، كان يؤمن بالقومية العربية، وقد هتف بها ساعة تنفيذ إعدامه.

    - نور الدين بن الحاج زين القاضي: ولد في بيروت 1884، وقد استولت السلطات على مراسلات ورد فيها اسمه، فسيق إلى الديوان العرفي الحربي في عاليه، ونال تعذيباً وتنكيلاً في السجن قبل إعدامه.

    - سليم أحمد عبد الهادي: ولد في نابلس 1870، انخدع بوعود جمال باشا فاستسلم له، وأخذ من جنين، وسيق إلى عاليه، وكان نصيبه الشنق في اليوم التالي.

    - محمود محمد نجاعجم: ولد في بيروت 1879، واستقبل موته باسماً هادئاً، وكانت آخر كلمات قالها بتحد: «روحي فداء لعروبة بلادي، واستقلالها، عشت شريفاً وأموت شريفاً».

    - مسلم عابدين: ولد في حي سوق ساروجة بدمشق 1898، أصدر جريدة دمشق التي استمرت سبعة أشهر وكانت منبراً للأدباء، صحفي لامع، كتب في وصيته المؤثرة أن يدفن في دمشق وقد سامح من وشى به والذي كان سبب إعدامه.

    - نايف تللو: ولد في دمشق 1885، عمل صحفياً مراسلاً لجريدة المقتبس، كتب العديد من المقالات الوطنية والحماسية، وقد آثر الموت بإباء وشمم دون أن يعرض غيره للهلاك، وكان صابراً متجلداً، رغم ما لقيه من عذاب وتنكيل.

    - صالح أسعد حيدر: ولد في بعلبك 1884، سلمه عمه إلى جمال باشا، فكان نصيبه الإعدام، وكانت آخر كلماته: «نموت ولتكن جماجمنا أساس الاستقلال العربي»، وقد أمر جمال باشا بنفي أسرته الى الأناضول.

    - علي محمد الأرمنازي: ولد في حماة 1894، أصدر جريدة نهر العاصي 1912، والتي امتلأت بمقالات تطالب صراحة بالاستقلال والحرية، سأله جمال باشا عما يعرفه عن عبد الكريم الخليل فقال لا أعرفه، ولكن أعرف عبد الكريم الذي كان صديقاً لدولتكم، فاستشاط الباشا غضباً لهذا الجواب.

    - محمد المحمصاني: ولد في بيروت 1888، دكتوراه في الحقوق من جامعات فرنسا، ألف كتاباً بعنوان «الفكرة الصهيونية»، عرف عنه الصبر والجلد والتسامي، وصله وهو في السجن أن أهله في حزن عظيم، فأجاب: قولوا لهم «بألا تقلقهم الحوادث ولا تضعفهم الكوارث، فالإنسان يُعرف وقت المصائب.

    - محمود المحمصاني: ولد في بيروت عام 1884 وتخرج في مدرسة بيروت، وكان يتقن اللغات العربية والتركية والفرنسية، عمل موظفاً في مصلحة البرق، قال عند وفاته: «كنت أقرأ في السجن كتاباً يتحدث عن شقيقين قتلا في سبيل تحرير إيطاليا، وقال لأخيه وهو يودعه: عسى أن نكون كلانا من محرري بلاد العرب».

    وقد حاول بعض المقربين لدى جمال باشا السفاح التوسط للعفو عن أحد الأخوين كي يبقى والدهما مفجوعاً بأحدهما، لكنه رفض وأعدمهما في لحظة واحدة، وكان الهدف من ذلك واضحاً، وهو التخلص من القوميين العرب الذين كانوا يطالبون بحق العرب في الحرية والاستقلال.



    شهداء السادس من أيار

    غادر عاليه في الخامس من شهر أيار 1916 قطار محمل بكوكبة من المثقفين والمناضلين تحت حراسة شديدة، ولما وصل القطار مدينة رياق، التقى بقطار محمل بعائلاتهم إلى المنفى في أراضي الأناضول، وكان مشهد اللقاء والوداع مؤلماً مريراً، وقد افترق القطاران بعد ذلك إلى دمشق وحلب، ولما وصل قطار الشهداء محطة البرامكة، منع الجنود الناس من مشاهدتهم، ثم نقلوهم إلى دائرة الشرطة.

    أنيرت ساحة المرجة في الساعة الثالثة من صباح يوم 6 أيار بالأنوار الكهربائية، كما أمرت السلطة العسكرية صاحب مقهى زهرة دمشق بإنارة المصابيح لتسطع بنورها على الساحة، ووقف جمال باشا على شرفة بناية أحمد عزت العابد ليراقب عملية الإعدام، وقد تم إعدام سبعة من الشهداء وهم حسب ترتيب التسلسل في إعدامهم:

    الشهيد البطل
    شفيق المؤيد العظم
    - شفيق بن أحمد المؤيد العظم: ولد في دمشق 1857، وتلقى تعليمه الأول في كتاتيبها، ثم تابع تعليمه في بيروت وعمل فيها، وكان معاون مدير في قلم الدفاتر في سورية، ومترجماً في القصر السلطاني، ثم مندوباً للدولة في صندوق الدين التركي، وكان عضواً بارزاً في مجلس النواب، وله فيه وقائع مشهورة ضد زعماء جمعية الاتحاد والترقي. كان شاعراً وأديباً وكاتباً مجيداً وموهوباً وكان مثقفاً ثقافة عميقة، ويعد مرجعاً كبيراً في علم الاقتصاد والمال. ساهم العظم في تأسيس عدد من الأحزاب والجمعيات السياسية القومية منها: حزب الإخاء العربي العثماني، الحزب الحر المعتدل، حزب الحرية، حزب الائتلاف، ونشط بشدة لنشر أفكار القومية والسعي لاستقلال العرب، فكان ذلك سبباً في إعدامه.







    الشهيد البطل
    عبد الوهاب الإنكليزي
    - عبد الوهاب بن أحمد الانكليزي: ولد في قرية المليحة بـغوطة دمشق عام 1878، ولقب بالمليحي، أما اسم بالإنكليزي لأن جده الرابع كان عصبي المزاج، وكان يقال له: «إنك مثل البارود الإنكليزي» فغلبت عليه هذه الكنية، تعلم في دمشق، ودرس الحقوق في الأستانة،عين قائم مقام في إحدى مناطق ولاية حلب، ومفتشاً للإدارة الملكية في بيروت وبروسة، كما عمل في المحاماة، ويعد كاتباً أديباً من الطراز الأول في اللغة التركية، له العديد من المقالات في السياسة والاجتماع والتاريخ، كان يتقن اللغة التركية والفرنسية والإنكليزية إضافة إلى لغته الأم العربية. قال عنه طلعت باشا الاتحادي المشهور ووزير الداخلية: «لو كان عند تركيا عشرة رجال من عيارك لعدت من أرقى دول العالم»، واقترح عليه الهروب قبل محاكمته فرفض.







    الشهيد البطل
    الأمير عمر الجزائري
    - الأمير عمر عبد القادر الجزائري: وهو حفيد الأمير عبد القادر الجزائري الشهير، ولد في دمشق 1871، وقد شنق بالرغم من أنه كان بعيداً عن السياسة، استدعاه جمال باشا إلى القدس، وحوله إلى ديوان الحكم العرفي بتهمة أنه كان واسطة التعارف بين شكري العسلي وعبد الوهاب الانكليزي وقنصل فرنسا، وفي 14 آذار سجن جمال باشا الأمير علي الجزائري شقيق الفقيد وأوقفه مع ولده حتى يتم تنفيذ الحكم، وبعد إعدامه صادر جمال باشا أملاكه ومنها قصره في دمر، وقد جعله السفاح مستوصفاً للضباط.








    الشهيد البطل
    شكري العسلي
    - شكري بن علي العسلي: ولد بدمشق 1868 وكان عضواً في مجلس الأعيان ومفتشاً سلطانياً، تلقى تعليمه الأول في المدرسة البطريركية ثم في المدرسة البستانية، قبل أن يتابع تعليمه في المدرسة الكلية الأمريكية في بيروت، وأتم دراسته العليا في المدرسة الملكية في الأستانة، وعمل إدارياً في حكومة دمشق. انتخب عضواً في مجلس المبعوثان وعرف بخطاباته دفاعاً عن الأمة العربية ومعارضة التتريك، ولا سيما معارضته بيع الأراضي العربية بفلسطين لليهود بوساطة جاويد بك وزير المالية التركي، حيث أسقط ذلك المشروع في البرلمان التركي، بعدها حقد عليه الاتحاديون وكانوا لا يجرؤون على التعرض له لما يتمتع به من حصانة برلمانية، كان أديباً وروائياً وصحفياً لامعاً.








    الشهيد البطل
    رفيق رزق سلوم
    - رفيق بن موسى رزق سلوم: ولد في حمص عام 1891، درس في حمص وبيروت والأستانة، مؤلف كتاب «حياة البلاد في علم الاقتصاد»، وكتاب «حقوق الدولة»، وجاء في 800 صفحة ولم يطبعه، وألف رواية سماها «أمراض العصر الجديد»، وكان حقوقياً مارس الصحافة وتدريس اللغات الأجنبية (الروسية- اليونانية- التركية)، كان عضواً في الجمعية القحطانية، كما ساهم بتأسيس جمعية العهد، وكانت جريمته كتابة الشعر الحماسي لتهييج أبناء وطنه ودعوتهم للمطالبة بالاستقلال، وكان في عمر الخامسة والعشرين عندما استشهد.








    الشهيد البطل
    الشيخ عبد الحميد الزهراوي
    - الشيخ عبد الحميد الزهراوي: ولد في حمص 1855، ، ودرس في كتاتيب حمص ثم في المدرسة الرشيدية، ومدرسة المعارف، كان طالباً متفوقاً فاق أقرانه وتقدم رفاقه وأترابه في الدرس والتحصيل، وتابع تحصيله العلمي في الآستانة والقاهرة، عمل في الصحافة، وأصدر جريدة المنير في حمص، ولكن السلطات العثمانية ما لبثت أن أوقفت هذه الصحيفة، فسافر الزهراوي إلى الآستانة وعمل هنالك في صحيفة معلومات، انتخب سنة 1908 في مجلس الأعيان (المبعوثان)، وترأس المؤتمر العربي في باريس سنة 1913، وقد تعرض مراراً للملاحقة من السلطات العثمانية. عند إعدامه انقطع الحبل به، فرفع من جديد، وشد من رجليه شداً قوياً حتى قضى نحبه ودفن في مقبرة باب الصغير.








    الشهيد البطل
    رشدي الشمعة
    - رشدي بن أحمد الشمعة: ولد بدمشق 1856، وهو وجيه دمشقي مشهور بمكارم الأخلاق، درس في اسطنبول الأدب والقانون، وشغل منصب رئيس كتاب مجلس إدارة الولاية والمدعي العام للمجلس، انتخب نائباً عن دمشق في مجلس الأعيان (المبعوثان)، وهناك دعا لمكافحة سياسية التتريك والدفاع عن الثقافة العربية، وهو كاتب وشاعر معروف، كانت خلاصة قرار الاتهام الموجه لرشدي الشمعة هي: «كان قد ألقى في دور التمثيل محاضرات تشجع الانفراد العربي واستقلاله، وكان مشتركاً في تشكيلات الجمعية اللامركزية».








    شهداء بيروت في السادس من أيار

    أصدر جمال باشا السفاح أوامره بتنفيذ حكم الإعدام بشهداء بيروت فجر يوم السبت 6 أيار، في ساحة البرج التي أصبحت تعرف لاحقاً بساحة الشهداء، ففي الوقت الذي كان فيه القطار يقل الشهداء السبعة إلى دمشق، كانت المركبات تحمل من عاليه إلى بيروت الشهداء وهم حسب تسلسل الإعدام:

    - بترو باولي: ولد في بيروت 1886، أصدر مع رفاقه جريدة الوطن، ثم حرر جريدة المراقب، وفي تشرين الثاني 1914 اعتقل وسجن في دمشق، ولم يفلح توسط القنصل اليوناني في إطلاق سراحه بادئ الأمر، إلا أنه تم إطلاق سراحه بعد دفع البدل النقدي عن خدمته العسكرية، ثم أفرج عنه، وفي شهر آذار 1916 سيق الى عاليه وجرت محاكمته أمام الديوان العرفي الحربي، وكان استشهاده عبرة وموعظة لأبناء الوطن العربي المخلصين.

    - جرجي موسى الحداد: ولد في بيروت 1880، كان أديباً وثائراً بليغاً، وقد امتهن الصحافة وأقام في دمشق، وكان يبلغ من العمر السادسة والثلاثين حين إعدامه، وقد نشر بعض المقالات الوطنية في جريدة العصر الجديد، يطالب فيها باستقلال بلاده.

    - سعيد فاضل بشارة عقل: ولد في الدامور 1888، اشتد ولعه بنظم قوافي الشعر، وأصدر في بلاد الغربة جريدة صدى المكسيك وتولى تحرير عدة جرائد بالوطن، وترأس تحرير جريدة النصير، كان لولب الحركة السياسية بما يحظى من دعم الرأي العالمي، وفي 10 شباط 1916 قبض عليه وأبدى شجاعة وصبراً وجرأة نادرة حتى في لحظة موته، تقدم إلى منصة الإعدام وهو رابط الجأش ثابت الجنان، وأوصى الطبيب بشد رجليه عندما يتأرجح في الفضاء للتعجيل بالموت.

    - عمرمصطفى حمد: ولد عام 1893، وهو مصري الأصل، لبناني الولادة، درس اللغة العربية على يد أعلامها، وترك بعد استشهاده قصائد جمعت بديوان من مائة صفحة، حاول الفرار مع رفاقه الثلاثة إلى البادية، لكن السلطات التركية ألقت القبض عليهم في مدائن صالح، وسيق إلى السجن ثم المحاكمة فالموت على أعواد المشانق.

    - عبد الغني بن محمد العريسي: ولد في بيروت 1890، أصدر جريدة المفيد وكانت لسان العرب في دعوتهم إلى استقلالهم، وقد أوقفتها الحكومة التركية عدة مرات، وفي عام 1914 انتقل مع جريدته إلى دمشق، ثم اختفى عن الأنظار مع إخوانه الشهداء وقبض عليهم في مدائن صالح، قال قبل إعدامه: «إن مجد الأمم لا يبنى إلا على جماجم الأبطال، فلتكن جماجمنا حجر الزاوية في بناء مجد الأمة».

    - الأمير عارف بن سعيد الشهابي: ولد في حاصبيا 1889، وكان محرراً في جريدة المفيد، ومن المحامين اللامعين، هرب مع رفاقه الثلاثة إلى البادية وقبض عليهم في مدائن صالح، ويعد من رواد القومية العربية.

    - الشهيد أحمد طبارة: ولد في بيروت 1870، دخل معترك الصحافة وكان من البارزين فيها، أصدر جريدة الاتحاد العثماني وجريدة الإصلاح، وامتاز بقلمه البليغ في نصرة القومية العربية، مؤسس أول مطبعة إسلامية في بيروت، لقي أهوال التعذيب، فصمد، اقتيد إلى منصة الإعدام فصعد إليها بإيمان وجرأة مشهودين.

    - توفيق أحمد البساط: ولد في صيدا بلبنان 1888، خدم بالجيش ضابط احتياط، ألقى قصيدة وطنية أنشدها الضباط أمام السفاح جمال باشا، على أثرها أمر السفاح بسوقهم إلى جبهة جناق قلعة، وقد ألقي القبض عليه مع رفاقه في مدائن صالح، كان هادئاً وصابراً عند محاكمته رغم ما لقيه من تعذيب وتنكيل، وهتف على المشنقة: «مرحباً بأرجوحة الشرف، مرحباً بأرجوحة الأبطال، مرحباً بالموت في سبيل الوطن»، ووضع الحبل بنفسه وركل الكرسي.

    - سيف الدين الخطيب: ولد في دمشق 1888، مؤسس المنتدى الأدبي، وينتمي إلى أسرة مثقفة، تلقى العلوم على أعلام عصره وكان شاعراً كاتباً أديباً، قوي الذاكرة، كبير الحجة، ذا شفقة، محباً للخير، واستشهد في سبيل المبادىء الوطنية والقومية التي كان يطالب بها.

    - علي بن محمد بن حاجي عمر النشاشيبي: ولد في دمشق 1883، ويعود أصله إلى القدس، كان مثقفاً ومتعلماً، وفي 1 آذار 1916 ألقي القبض عليه وسيق إلى الديوان العرفي في عاليه، تعرض للتعذيب والإهانات وأعدم شنقاًً.

    - العقيد سليم بن محمد سعيد الجزائري: ولد في دمشق 1879، كان من الضباط العرب بالجيش التركي وخاض حرب البلقان، صرخ بالجلاد: «قل لجمال أن روحي ستظل حية، وستعلم أبناء الوطن من وراء القبر دروس الوطنية»، واستشهد ببزته العسكرية بعدما رفض نزع شاراته ورتبته العسكرية.

    - العقيد أمين بن لطفي الحافظ: ولد في دمشق 1879، من الضباط العرب، عندما وقف على كرسي الإعدام، تناول الحبل ووضعه بنفسه حول عنقه، ولكن الجلاد عاجله بركلة الكرسي قبل إحكام ربطها، تعذب كثيراً حتى قضى نحبه.

    - محمد جلال الدين بن سليم البخاري: ولد في دمشق 1894، كان حقوقياً وعضواً في إحدى المحاكم الكبرى، وضابطاً كبيراً في الجيش التركي، سيق إلى الديوان العرفي الحربي في عاليه لمطالبته بالإصلاحات، حنق الاتحاديون عليه وضيقوا بعداواتهم الخناق عليه.

    - محمد الشنطي: وهو مناضل عروبي من يافا.



    الملك فيصل الأول
    ملك سوريا
    8 آذار 1920
    تداعيات السادس من أيار:

    لم يكن لهذه الجريمة الوحشية أن تمر دون أن تثير عاصفة من المشاعر الملتهبة التي اشتعلت في صدور أبناء العرب جميعاً، ولم نيران الثورة أن اشتعلت ضد نير الحكم العثماني وجلاوزته في كل مكان، واندلعت الثورة العربية الكبرى التي أعلنها الشريف حسين بن علي شريف مكة، والتحق بها المتطوعون العرب من شتى أقطارهم، ولم تلبث قوى الثورة أن استولت على الأراضي والمدن العربية واحدة تلو الأخرى، وهكذا دخلت طلائع قوات الثورة العربية بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين دمشق في 30/10/1918 وسط احتفالات شعبية، وفي 25 كانون الثاني 1919 عقد المؤتمر الوطني السوري الذي أعلن استقلال سورية في 8 آذار عام 1920، وبايع الشعب العربي الأمير فيصل ملكاً على البلاد، منهياً بذلك استعماراً دام 400 سنة.

    ورغم ما تعرضت له البلاد العربية بعد ذلك من غدر وخيانة الحلفاء الذين وعدوها بالحرية والاستقلال بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وتقسيمهم تركة الاستعمار العثماني فيما بينهم، وتراجعهم عن وعدهم بقيام الدولة العربية المستقلة، إلا أن مأثرة شهداء السادس من أيار ورفاقهم، بقيت محفورة عميقاً في ضمائر وعقول وأرواح أبناء الشعوب العربية، كرمز للنضال في سبيل الحرية وإقامة الدولة العربية التي تعيد للعرب حريتهم وشخصيتهم، وتضعهم على سكة التطور والنمو، كي يلعبوا من جديد الدور الفاعل في الحضارة الإنسانية، الذي مارسه أجدادهم خلال مئات السنين.

    وبقي الشعب العربي في سورية يستذكر شهداء السادس من أيار، ويحتفل كل عام باستشهادهم، وتم إطلاق اسم «ساحة الشهداء» على كل من ساحتي المرجة في دمشق، والبرج في بيروت، اللتين شهدتا هذه المجزرة المروعة، إلا أن إقرار المناسبة رسمياً للاحتفال في السادس من أيار كيوم لكل الشهداء لم يتم إلا في عام 1937، على الرغم من محاولة سلطات الانتداب الفرنسي عرقلة ذلك لما فيه من تثبيت لروح التضحية والإباء في سبيل الوطن، ومنذ ذلك الحين والسادس من أيار مناسبة لاستذكار جميع الشهداء وتضحياتهم العظيمة في سبيل الوطن والحرية.




    اكتشف سورية
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:47

    يئس العرب من تفهم الدولة العثمانية لقضاياهم المصيرية وفي طليعتها استقلالهم الإداري، فعقدوا العزم على تخليص البلاد من نفوذها، فقرروا إعلان الثورة التي انطلقت شرارتها الأولى في العاشر من حزيران سنة 1334هـ/1916م حينما أعلن الشريف حسين -أمير مكة المكرمة- الجهاد المقدس على الأتراك في عهد السلطان محمد رشاد الخامس، واحتل جيشه مكة والطائف وجدة ثم المدينة المنورة.

    دخلت قوات الثورة العربية مدينة دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين في مطلع شهر تشرين الأول من عام 1336هـ/1918م أيام السلطان محمد السادس وحيد الدين فانسحب منها الجيش التركي، كما انسحب من بقية المدن السورية حتى تم تحرير كافة الأراضي في منتصف تشرين الثاني من العام نفسه، ثم تشكلت الحكومة العربية برئاسة الفريق رضا باشا الركابي وبموافقة الأمير فيصل عليها.

    وفي الثامن من آذار سنة 1338هـ/1920م نودي بالأمير فيصل ملكاً على سورية، وفي 25 تموز من العام نفسه دخلت القوات الفرنسية مدينة دمشق وغادرها الملك فيصل إلى درعا ثم حيفا في أوائل آب ومنها إلى أوروبا، وبمغادرته انتهت الملكية في سورية بعد أن دامت أقل من ستة أشهر وصارت البلاد تحت الاحتلال الفرنسي.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:48

    في صباح 24 تموز دارت المعركة الفاصلة في ميسلون بين المتطوعين السوريين الذين لا يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف متطوع يحمل معظمهم البنادق والعصي، وبين الجيش الفرنسي المؤلف من تسعة آلاف مقاتل مزودين بخمس بطاريات مدفعية ميدان، وبطاريتان مدفعية عيار 155، وعدد كبير من الدبابات والرشاشات والطائرات.

    استمرت المعركة حوالي ساعتين. استشهد خلالها ما يزيد عن ثمان مائة شهيد ومن بينهم وزير الحربية يوسف العظمة.

    بعدها توجه الفرنسيون فوق جثث القتلى والجرحى باتجاه دمشق، ودخلوها صبيحة اليوم التالي، فاستقالت وزارة هاشم الأتاسي بينما الملك فيصل نَقل مقره من دمشق إلى منطقة الكسوة حيث أصدر مرسوماً ملكياً بتشكيل وزارة جديدة برئاسة السيد علاء الدين الدروبي.

    وفي 27 تموز أذاع الجنرال غورو بياناً أعلن فيه الأحكام العرفية في البلاد. ووجه إنذاراً إلى الملك فيصل يدعوه فيه إلى مغادرة سورية، فغادرها يوم 29 تموز 1920 متوجهاً إلى درعا ثم إلى حيفا، ومن هناك إلى لندن.

    وكانت هذه الأحداث إعلاناً لانتهاء الحكومة العربية ومن ثم الحكم الملكي. وإيذاناً ببداية العهد الجديد، عهد الاستعمار.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:49

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Ds_14043
    البطل يوسف العظمة
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:51

    في ظل اتفاق سايكس بيكو، ووعد بلفور، وبرغم كل الوعود التي منحها الحلفاء للعرب، وبرغم ما انطوى عليه تقرير لجنة «كنغ-كرين» من توصيات، تتعلق بتأييد وحدة سورية ورغبات سكانها، طبقت بريطانيا إدارتها على فلسطين، واحتلت القوات الفرنسية المنطقة الساحلية وأنزلت العلم العربي عن مدينة بيروت، وتُرك للحكومة العربية في دمشق، وعلى رأسها الملك فيصل بن الحسين، المنطقة الداخلية الممتدة من العقبة إلى شمال مدينة حلب.

    وعندما رد السوريون بإعلان استقلال سورية بحدودها الطبيعية في 8 آذار عام 1920 وتتويج فيصل ملكاً عليها، قام الحلفاء، الذين اجتمعوا في سان ريمو في نيسان من ذلك العام باتخاذ قرارات بتطبيق الانتداب على كامل سورية وعلى العراق أيضاً، ووضُع ملحق يتضمن تعهد السلطة المنتدبة على فلسطين بتطبيق وعد بلفور.

    لقد كان واضحاً أن تطبيق الانتداب على سورية يتعذر دون القضاء على حكومتها العربية المركزية في دمشق، وهو ما تولته القوات الفرنسية المتمركزة في بيروت والمنطقة الساحلية، حيث زحفت على دمشق ودخلتها بعد موقعة ميسلون في 24 تموز عام 1920، وقضت على حكومتها العربية، وأصبحت فرنسا بالتعاون مع حليفتها بريطانيا، مطلقة اليد في العمل على تجزئة سورية وتمزيقها، وإعطاء أجزاء كبيرة منها لقمة سائغة لتركيا، بينما بدأت بريطانيا التمهيد لتسليم فلسطين، فيما بعد، لقمةُ سائغة للصهيونية.

    التمزيق الشامل: لم تقف فرنسا عند الحدود التي رسمتها الاتفاقات السابقة، وصكوك الانتداب، من تقسيم سورية بينها وبين بريطانيا، بل قامت في مستهل حكمها المباشر للبلاد، بتحطيم وحدتها، على النحو التالي:

    ـ إنشاء دولة لبنان وتضم: سنجق جبل لبنان وما ضُم غليه من ولاية بيروت (المدينة ولواء طرابلس وقضاء صيدا) والأقضية الأربعة بوادي البقاع (راشيا وحاصبيا البقاع وبعلبك)، التي كانت تتبع ولاية دمشق.
    ـ إنشاء دولة العلويين في منطقة اللاذقية.

    ـ إعطاء لواء الاسكندرونة نظاماً إدارياً خاصاً به، منفصلاً عن إدارة حلب.

    هذا في المنطقة الساحلية من سورية الشمالية الممتدة من خليج الاسكندرونة حتى رأس الناقورة. أما في المنطقة الداخلية، فجعلت من كل من دمشق وحلب دولة منفصلة، كما وأقامت في جبل العرب دولة ثالثة، مقرها السويداء تحت اسم دولة جبل الدروز.

    ومع أن فرنسا عادت فجمعت بين ولايتي دمشق وحلب في دولة واحدة، سمتها «دولة سورية»، إلا أنها استمرت في سياسة تجزئة الأرض، والتفريق بين فئات السكان وطوائفهم في جميع المجالات. غير أن أخطر ما قامت به فرنسا من تمزيق لسورية كان على حدودها الخارجية الشمالية، حيث سلمت كيليكية وقسماً من الجزيرة العليا، ولواء الاسكندرونة إلى تركيا، وأصبحت سورية محرومة من حدوها الشمالية الطبيعية الأزلية، التي كانت عليها في العصر العثماني.

    كانت سورية أو بلاد الشام عصرئذٍ، تؤلف وحدات إدارية ضمن الإمبراطورية العثمانية، وكانت الوحدة الإدارية الكبرى هي «الولاية»، وتسمى الوحدة الإدارية الأصغر «متصرفية» أو «سنجق».

    كانت مدينتا دمشق وحلب، في ذلك العصر، مركزي الولايتين الرئيستين الداخليتين، أما الإقليم الساحلي الرئيسي الأوسط، إلى الغرب من ولاية دمشق، فقد تبدلت عواصمه الإدارية، تبعاً للتطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بين مدن طرابلس وصيدا وعكا وبيروت مع بعض التبدلات في الحدود الإدارية. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر تركزت التقسيمات الإدارية لبلاد الشام مع الجزيرة في خمس ولايات كبرى هي: دمشق، وبيروت، وحلب، وأذنة (أضنة)، وديار بكر، يُضاف إليها ثلاث متصرفيات هي: القدس، وجبل لبنان، ودير الزور.

    ويتضح من هذه التقسيمات الإدارية أن الحدود الشمالية لولايات حلب وديار بكر وأذنة ، هي التي كان ينبغي أن ترسم الحدود بين سورية وتركيا، إثر انفصالها عن الإمبراطورية العثمانية، وهي تتماشى إلى حدٍ كبير مع الحدود الطبيعية التاريخية لسورية. غير أن ما طرأ على الحدود السورية من تغييرات كان شيئاً آخر، بعيداً كل البعد عن الواقع الجغرافي التاريخي.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:52

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Ds_14045
    الجنرال غورو
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:54

    بدأت النوايا السيئة للحلفاء الغربيين تظهر منذ أوائل الحرب العالمية الأولى، فعمدوا إلى الخداع وإلى الاتفاقات السرية، التي أخفوها عن العرب لتنفيذ مآربهم، ولاستغلال الثورة العربية الكبرى على الأتراك العثماني، لخدمة مجهودهم الحربي. وتتجلى بوادر تلك الخطط الاستعمارية الماكرة في: مراسلات حسين - مكماهون المشهورة، وفي ادعاءات فرنسا بمصالح وحقوق لها في سورية الشمالية بزعم أن بعض سلاطين آل عثمان، قد منحوها إياها في بلادنا، وظهرت الإشارة إلى تلك المصالح في الاتفاق الإنكليزي-الروسي عام 1915، ثم في اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا عام 1916. ولقد استهدفت بريطانيا الاحتفاظ بالطرق البحرية المؤدية إلى الهند، بعيداً عن تهديد العثمانيين والألمان باحتلال قناة السويس، والوصول إلى رأس الخليج العربي، لذا احتلت جنوبي العراق المطل عليه منذ أوائل الحرب، وحددت دائرة مصالحها في غربي الهلال الخصيب في اتفاقاتها مع حلفائها، بأنها سورية الجنوبية (فلسطين) المتصلة بسيناء، فقناة السويس، وبخليج العقبة.
    هذا في الوقت الذي اقتصر فيه اهتمام روسيا القيصرية، على سلامة الأماكن المقدسة في فلسطين. وأمام هذا الوضع من تضارب المصالح بين الحلفاء بالنسبة لفلسطين، اتُفق على تدويل الجزء الجنوبي من سورية.
    وجاء اتفاق سايكس-بيكو تتويجاً أولياً لتلك الاتجاهات.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:55

    بيان الثورة السورية الكبرى
    ضد الاحتلال الفرنسي لسورية

    بيان صدر في 23 آب 1925

    إلى السلاح، إلى السلاح

    يا أحفاد العرب الأمجاد. هذا يوم ينفع المجاهدين من جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم. هذا يوم انتباه الأمم والشعوب. فلننهض من رقادنا ولنبدد ظلام التحكم الأجنبي عن سماء بلادنا. لقد مضى علينا عشرات السنين ونحن نجاهد في سبيل الحرية والاستقلال، فلنستأنف جهادنا المشروع بالسيف بعد أن سكت القلم، ولا يضيع حق وراءه مطالب.

    أيها السوريون، لقد أثبتت التجارب أن الحق يؤخذ ولا يعطى، فلنأخذ حقنا بحد السيوف، ولنطلب الموت توهب لنا الحياة.

    أيها العرب السوريون

    تذكروا أجدادكم وتاريخكم وشهداءكم وشرفكم القومي. تذكروا أن يد الله مع الجماعة، وأن إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الأمم المتحدة الناهضة لا تنالها يد البغي. لقد نهب المستعمرون أموالنا، واستأثروا بمنافع بلادنا، وأقاموا الحواجز الضارة بين وطننا الواحد، وقسمونا إلى شعوب وطوائف ودويلات، وحالوا بيننا وبين حرية الدين والفكر والضمير، وحرية التجارة والسفر، حتى في بلادنا وأقاليمنا.

    إلى السلاح أيها الوطنيون، إلى السلاح، تحقيقاً لأماني البلاد المقدسة. إلى السلاح تأييداً لسيادة الشعب وحرية الأمة. إلى السلاح بعدما سلب الأجنبي حقوقكم، واستعبد بلادكم، ونقض عهودكم، ولم يحافظ على شرف الوعود الرسمية، وتناسى الأماني القومية.

    نحن نبرأ إلى الله من مسؤولية سفك الدماء، ونعتبر المستعمرين مسؤولين مباشرة عن الفتنة.

    يا ويح الظلم ‍لقد وصلنا من الظلم إلى أن نُهان في عقر دارنا. فنطلب استبدال حاكم أجنبي محروم من مزايا إنسانية، بآخر من بني جلدته الغاصبين، فلا يُجاب طلبنا بل يُطرد وفدنا كما تطرد النعاج.

    إلى السلاح أيها الوطنيون، ولنغسل إهانة الأمة بدم النجدة والبطولة. إن حربنا اليوم هي حرب مقدسة. ومطالبنا هي:

    1- وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً.

    2- قيام حكومة شعبية تجمع المجلس التأسيسي لوضع قانون أساسي على مبدأ سيادة الأمة سيادة مطلقة.

    3- سحب القوى المحتلة من البلاد السورية، وتأليف جيش وطني لصيانة الأمن.

    4- تأييد مبدأ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان في الحرية والمساواة والإخاء.

    إلى السلاح، ولنكتب مطالبنا هذه بدمائنا الطاهرة كما كتبها أجدادنا من قبلنا.

    إلى السلاح والله معنا. ولتحيا سورية العربية حرة مستقلة.




    سلطان الأطرش
    قائد عام جيوش الثورة الوطنية السورية
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    سحاب
    مشرف ومراسل ثقافي
    سحاب


    الاقامة : بين الياسمين
    المشاركات : 117
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Empty
    مُساهمةموضوع: رد: سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد  Icon_minitime02.04.11 19:59

    شهد شهر أيار على مر التاريخ أحداثاً عظاماً حددت مسارات أمة وخيارات شعب، لكن ما كرسه هذا الشهر من معانٍ سامية، يميزه عن الشهور الأخرى، وخصوصاً لدى الشعب العربي السوري، الذي يُذَّكره أيار بتضحية الذين ناضلوا في سبيل حرية بلدهم واستقلالها، فدفعوا حياتهم ثمناً غالياً للوطن الأغلى، وأغدقوا على مذبح التضحية من خصوبة أرواحهم وطهره دمائهم الكثير.

    لقد حفل شهر أيار في منتصف القرن العشرين بأيام مشهودة سواء على الصعيد العالمي أو المحلي، فمع نهاية الحرب العالمية الثانية بإعلان استسلام ألمانيا النازية في التاسع من أيار من عام 1945، تبدى واقع جديد في العالم مع نشوء توازنات جديدة تحكمه، ورفعت الشعوب التي كانت محكومة بالاستعمار الأجنبي في مختلف القارات صوتها مطالبة بالحرية والاستقلال، في مسعى أن تأخذ بيدها مقدراتها وتتحكم بمسار تطورها وحياتها، وفيما حاول الاستعمار القديم الاحتفاظ بمواقعه السابقة، كان مسار التاريخ يأخذ تطوره الطبيعي، وشعوب الأرض قاطبة ترفع رأسها ووتيرة مطالباتها، ومن بينها شعوبنا العربية التي أحبطها سابقاً حجم الخديعة التي تعرضت لها إبان الحرب العالمية الأولى، وتحويل مسار الثورة العربية الكبرى من إنشاء دولة عربية واحدة، إلى تقسيم العالم العربي كغنيمة حرب بين القوى الكبرى، متمثلة آنذاك بالاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي.

    أما سورية، فقد كانت على موعد مع يوم عظيم، وكما عرفت في السادس من أيار من عام 1916 طعم الجراح التي أعملها أحمد جمال باشا السفاح والمستعمر العثماني في لحوم شهداء الحرية والعروبة، فإنها كانت تنتظر –ويا للقدر- موعداً مماثلاً في شهر أيار نفسه، ولكن هذه المرة على يد المستعمر الفرنسي الذي أطلق وحشيته وشراسته ضد مدينة دمشق، التي ما انفكت تطالب الحلفاء المنتصرين بتحقيق وعودهم التي وَعَدوا بها إبان الحرب العالمية الثانية، بأنهم سيَمنحون الحرية للمستعمرات ما إن يتم الانتصار على النازية في أوروبا.

    ولمّا تراجع الاحتلال الفرنسي عن وعوده، وأراد أن يفرض الأمر الواقع على شعب ودولة اعتادا التمرد والثورة على كل ظالم، انتفض الشعب السوري بكل طبقاته وفئاته ورفض الإذعان لإملاءات القوة الاستعمارية، فكان ما كان من تدمير دمشق واستشهاد عناصر حامية البرلمان السوري، الذين سطروا أروع صور البسالة في مقارعة العدوان الفرنسي والدفاع عن رموز وطنهم وحريته واستقلاله.

    الأرضية التاريخية:
    لعب نشوب الحرب العالمية الثانية دوراً كبيراً في تغيير الأوضاع على المستوى الدولي، فقد انخرطت الدول الاستعمارية الرئيسة في صراع حاد مع دول المحور مما أدى إلى تغير في موازين القوى، إذ وجدت دول كبرى سابقة – كبريطانيا وفرنسا – نفسها عرضة للاحتلال أو التدمير، وتمكنت الجحافل النازية من احتلال أوروبا وروسيا ووضعت بريطانيا فيما يشبه الحصار.

    لكن دخول الاتحاد السوفييتي الحرب على طول جبهته الواسعة ودخول الولايات المتحدة كطرف قوي على الجبهة الغربية حولا مسار الحرب لصالح الحلفاء مجدداً، فأطبقت قوات الحلفاء من الشرق والغرب على ألمانيا مما أدى إلى انكسار القوات الهتلرية، وبدأت تباشير هذه الهزيمة تلوح في عام 1944.

    وضع المستعمرات:
    كانت الشعوب الواقعة تحت الاستعمار تغلي على وقع توالي الأحداث التي هزت العالم، فقد ترافق تعاونها مع الدول الاستعمارية إبان الحرب العالمية الثانية للتخلص من النازية، بآمال عراض لنيل الكرامة والاستقلال، فبدأت الهند كبرى المستعمرات البريطانية تجيش بثورات شعبية سلمية يقودها زعيمها التاريخي المهاتما غاندي، وفي إفريقيا كما في آسيا كانت الشعوب تطمح إلى الاستقلال والحرية كسياق طبيعي بعد الحرب العالمية الثانية التي خاضتها شعوب أوروبا – ومنها شعوب الدول المستعمَرة – تحت نفس الشعارات.

    ولم يكن الوضع في سورية بعيداً عن هذا الاصطخاب العالمي الكبير، ففرنسا – البلد المستعمر – انقسمت بين جماعتين واحدة موالية لألمانيا النازية وعرفت بحكومة فيشي، فيما أعلن الجنرال ديغول الذي كان قائد القوات الفرنسية في الجزائر الانشقاق عن حكومة فيشي وترأس ما كان يسمى حكومة فرنسا الحرة ومقرها مدينة الجزائر.

    وهكذا شهدت سورية صراعاً بين القوات التابعة لحكومة فيشي وقوات حكومة الجنرال ديغول بالتحالف مع الإنكليز، حيث تمكنت القوات المتحالفة من إخراج قوات فيشي من سورية في صيف عام 1941.

    وبعد أن استتب الأمر للقوات المتحالفة قام الجنرال ديغول بجولة في سورية ولبنان اجتمع خلالها بزعماء البلاد، وأصدر قراراً بتسمية الجنرال كاترو مفوضاً سامياً لحكومة فرنسا الحرة في سورية ولبنان.

    وعلى إثر ذلك أذاع الجنرال كاترو (باسم الجنرال ديغول) بيانه الشهير الذي وعد فيه سورية ولبنان بالاستقلال وحق تقرير المصير.



    جريدة القبس 23 حزيران 1941
    سورية تحصل على الاستقلال:
    قام الجنرال كاترو بتعيين الشيخ تاج الدين الحسيني رئيساً للجمهورية الوليدة، وذلك في حفل رسمي دعا إليه المعتمد الإنكليزي والقنصل المصري والقنصل الإيراني وبطريرك دمشق، ونفراً من الرجالات السوريين، وتلا كتاب الاعتراف بالدولة السورية، وطلب من الشيخ تاج الدين الحسيني تولي رئاسة الدولة، فقبل الشيخ الحسيني طلبه.

    إلا أن ذلك لم ينل رضا القوى الوطنية السورية التي كانت ترى في الحسيني ولاءً مطلقاً للسياسات الاستعمارية السابقة، فاشتدت الاحتجاجات والضغوط على الجنرال كاترو لتغيير هذا القرار، ومن ذلك أن الزعيم الوطني المحبوب فخري البارودي، أرسل عريضة للجنرال كاترو يحتج فيها على قرار التعيين هذا جاء فيها:

    «إذا كان في عزم السلطة الشروع في مفاوضات عتيدة لعقد المعاهدات التي ضمنها تصريح الحلفاء، فليست هناك وسيلة صالحة لهذا الغرض إلا استشارة أبناء البلاد عن طريق مجلس نيابي دستوري ينتخب انتخاباً حراً. إنها وسيلة وحيدة، وكل وسيلة سواها ليست إلا إثارة للقلاقل والاضطرابات».

    وبناء على هذا الاحتجاج الواسع، تم في عام 1942 إجراء انتخابات نيابية فازت فيها الكتلة الوطنية. ومع وفاة الشيخ تاج الدين الحسيني في 17 كانون الثاني من عام 1943، ارتأى كاترو أن يتنازل للقوى الوطنية، فقام بتعيين السيد عطا الأيوبي رئيساً للحكومة السورية المكلفة بإجراء انتخابات تشريعية جديدة ورئيساً لدولة سورية بالوكالة.

    وفي 22/3/1943 تم الاتفاق بين ممثلي الحكومتين السورية واللبنانية وبين قائد الجيش الفرنسي في سورية ولبنان الجنرال كاترو على تسليم الصلاحيات الدستورية التي تمثلها سلطات الاحتلال إلى الحكومة السورية، وزف سعد الله الجابري وهو يبكي البشرى للمجلس النيابي وللشعب، حيث عدت تلك الجلسة جلسة إعلان الاستقلال، فعم الفرح والابتهاج كل المحافظات والمدن السورية.‏

    وقد جرت هذه الانتخابات فعلاً في 7 تموز من عام 1943 والتأم المجلس النيابي الجديد، فتم انتخاب فارس الخوري رئيساً له، وانتخب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية السورية، وتألفت حكومة جديدة برئاسة سعد الله الجابري، وكان هذا بداية عهد الجمهورية الثالثة في سورية والتي أصبح اسمها «الجمهورية السورية».

    إلا أن مخططات الاحتلال الفرنسي لم تكن متوافقة مع رغبة الشعب العربي السوري في الحصول على استقلاله الناجز الكامل، ومن ذلك تصريح الجنرال كاترو الذي نشرته صحيفة صوت الأحرار بأن «السلطات الفرنسية ستحتفظ بالجيش الخاص بها إلى ما بعد نهاية الحرب، وأنها لا تقبل أي حل آخر».

    ومر عام 1944 في عملية تسليم واستلام بين إدارات الانتداب والإدارات السورية الناشئة وقد سلمت سلطات الانتداب إلى السلطات السورية جميع المصالح الحكومية ماعدا ادارتين اثنتين: القطعات العسكرية وإدارة الأمن العام.‏‏

    جميل مردم بك
    وطلبت الحكومة السورية ممثلة بوزير خارجيتها جميل مردم بك من المفوض السامي الجديد للحكومة الفرنسية الجنرال بينيه السرعة في تسليم هاتين الإدارتين إلى الحكومة السورية في بداية 1945 ولكن المفوض السامي استمهل لمشاورة حكومته ثم عاد باقتراح غريب، وهو عقد معاهدة جديدة تحدد العلاقات بين فرنسا وسورية لمدة 25 عاماً قابلة للتجديد، ورد عليه وزير الخارجية السورية بأنه جرى عقد معاهدة سابقة بين الطرفين عام 1936 ولكن الحكومة الفرنسية تجاهلتها ولم تصدقها لذا فلا مجال للعودة إلى الوراء!‏‏

    المخططات الفرنسية في بقاء الاحتلال:
    مع اقتراب الحرب العالمية الثانية من نهايتها، أخذت تتبدى شيئاً فشيئاً مخططات المستعمر الفرنسي في الحفاظ على وضعه الاستعماري السابق، وعدم إفساح الفرصة أمام الشعوب – وخصوصاً الشعوب العربية – في الحصول على استقلالها الناجز التام، خصوصاً بعد رجحان كفة الحلفاء في الحرب، وقرب هزيمة ألمانيا النازية، حيث حاولت فرنسا أن تعيد سيطرتها الاستعمارية على بلاد الشام (وخصوصاً سورية) وأخذت تماطل في تسليم كافة السلطات للحكومة السورية الشرعية.

    صورة قديمة لمجلس الشعب
    قضية الجيش الوطني:
    وتبدت هذه المماطلة بأجلى صورها، في ممانعة سلطات الاحتلال الفرنسي بقيادة الجنرال كاترو لقيام جيش وطني سوري مستقل، يأخذ أوامره من الحكومة السورية بدلاً من أن يتلقاها من سلطات الاحتلال، وقد وصلت هذه القضية ذروتها مع مطلع العام 1944، عندما عقد المجلس النيابي جلسة بتاريخ 3-1-1944 احتج فيها بشدة على تصريحات الجنرال كاترو، وطالب النواب فيها بشدة من الحكومة أن تأخذ زمام المبادرة بغض النظر عن الموقف الفرنسي، وتباشر في تشكيل جيش وطني لا علاقة له بالسلطات الفرنسية، وكان قد عقد في اليوم الذي سبقه اجتماع شعبي كبير في منزل أحد قدماء المحاربين طالبت فيها الفعاليات الشعبية والعسكرية بإنشاء جيش وطني وخرج بعدها الشباب الحاضرون في مظاهرة مرددين شعار «ما في عيش بلا جيش»، وقد انتقلت المظاهرات إلى بقية المدن السورية مرددة المطالب ذاتها.

    أثارت قضية تبعية الجيش للسلطات الفرنسية الشعور الوطني لدى كافة طبقات وفئات الشعب السوري الذي رأى فيها مسألة مصيرية يتم فيها تحديد حقيقة استقلال سورية من عدمه، ومع مطلع العام 1945 كانت الأمور قد وصلت إلى ذروتها، فقد عقد المجلس النيابي جلستين بتاريخ 13-1 و24-1-1945 لبحث قضية الجيش وتبارى النواب بالضغط على الحكومة لتقصيرها في هذه المسألة ومحاباة فرنسا، وأكد بعض منهم أن الشعب سيقوم بإنشاء الجيش بالقوة وأن النواب سيدعون كل الضباط والجنود السوريين للانضمام إلى الجيش الوطني فوراً.

    وبتاريخ 1 شباط عقدت جلسة أخرى سرية، واتفق فيها النواب على الخطوات الآتية:
    1- شراء السلاح حتى ولو عن طريق التهريب.
    2- إنشاء نواة للجيش والبدء بتسليحه.
    3- منح الحكومة صلاحية دعوة ضباط الجيش السوري وأفراده للالتحاق بالجيش الوطني.‏

    وبتاريخ 1-5-1945 بحثت القضية مرة أخرى، حيث أصر النواب على عدم البحث بالتشريع الخاص بالجيش قبل استلام الجيش من السلطات الفرنسية.

    وفيما كان النواب يبحثون عن الطريقة التي يدفعون بها السلطات الفرنسية للوفاء بالتزاماتها التي قطعتها على نفسها في إعلان كاترو الشهير، كانت فرنسا تعد العدة لانتهاج أسلوب آخر في التعامل مع المطالب السورية المشروعة، سواء منها الرسمية أو الشعبية، مما دفع الوضع برمته إلى منعطف خطير.

    الجنود السنغاليين في الجيش الفرنسي بسورية
    الأيام التي سبقت العدوان الفرنسي:
    بدأت التحرشات الفرنسية بالحكومة السورية مع إطلالة شهر أيار وانتهاء الحرب العالمية الثانية، ورغم أن الحكومة السورية أعلنت الثامن من أيار يوم احتفال بالنصر على النازية، إلا أن حدة التوتر في البلاد كانت في ارتفاع مستمر، وانطلقت المظاهرات الغاضبة في مختلف المدن السورية.

    الجنرال أوليفا روجيه
    قائد حامية دمشق الفرنسية
    وبتاريخ 18-5-1945 عقدت مباحثات بين وفد فرنسي بقيادة الجنرال بينيه المندوب العام مع وزيري خارجية سورية ولبنان، ورفضت سورية أن يكون الجنرال أوليفا روجيه من ضمن الوفد الفرنسي مما جعله يحقد على سورية والمسؤولين فيها.

    وقد جاءت المطالب الفرنسية أثناء المفاوضات متنافية مع السيادة والحرية واتخذت طابع الإنذار والفرض، وتزامن ذلك مع إنزال تعزيزات عسكرية فرنسية كبيرة في ميناء بيروت، ونتيجة لذلك قررت الحكومتان السورية واللبنانية قطع المفاوضات وتهيئة البلاد لجولة من العنف الذي ستمارسه القوات الفرنسية.

    وقد تزامن كل ذلك مع الإعلان عن الحالة الصحية الصعبة لرئيس الجمهورية السورية الرئيس شكري القوتلي فنشأ عن ذلك ارتفاع في حدة التوتر الشعبي واتسعت المظاهرات الصاخبة فشملت معظم المناطق وارتفعت أصوات النواب تحت قبة البرلمان تدعوا للمقاومة واستدعى جميل مردم بك رئيس الوزراء بالوكالة الزعيم عبد الله عطفة بتاريخ 21-5-1945 لوضع خطة لاستدعاء ضباط وجنود الوحدات الخاصة لتشكيل جيش وطني، وشرعت المدن السورية تتأهب لرد أي عدوان مسلح وقدم المئات من الشبان أنفسهم كمتطوعين لحمل السلاح كما بدأ الضباط والجنود بالالتحاق بقوى الدرك والشرطة وكذلك فعل العديد من النواب اللذين ارتدوا اللباس العسكري وصاروا يتدربون على القتال في ثكنة الشرطة الموجودة في القلعة.‏

    في 23-5-1945 طلب الجنرال باجيت القائد العام للجيش البريطاني التاسع من مقر قيادته في مصر من الجنرال الفرنسي أوليفا روجيه تجنب الأعمال الاستفزازية التي تقوم بها المدرعات الفرنسية المرابطة في شوارع دمشق والمدن السورية وعدم تحليق الطائرات فوق المساجد في أوقات الصلاة، وأبرق إلى حكومته في لندن، يعلمها باستعداد الفرنسيين لانتهاج طريق العنف.

    وقد طلب السفير البريطاني في باريس نزع الفتيل عن الوضع المتفجر في سورية وكان جواب ديغول الرفض وقد كتب في مذكراته بعد ذلك يقول: « بسبب قناعتي بتآمر البريطانيين مع السوريين فإننا لن نرحل إلا إذا كنا مجبرين وسنذهب إلى حد مقاتلة الثوار السوريين والإنكليز معاً» مما يدل على تصميم فرنسا على إبقاء الاحتلال والعدوان.

    بلاغ القيادة العسكرية الفرنسية:
    أصدر الجنرال الفرنسي أوليفا روجيه بياناً إلى القوات الفرنسية صادر عن دائرة الأركان الحربية ب - د رقم 24، جاء فيه:‏

    «أيها الضباط والجنود العاملون تحت العلم الفرنسي، عليكم التقيد بالتعليمات التالية:

    1- وجوب إبادة جميع عناصر الشغب التي تريد إخراج فرنسا من سورية.

    2- وجوب احتلال جميع دوائر الحكومة ومؤسساتها ومنشآتها الثقافية والاقتصادية.

    3- منع اتصال الحكومة السورية مع جميع دول العالم وبالدرجة الأولى مع جيرانها العرب وأصدقائها الدول الاشتراكية.

    4- وجوب تجريد جميع أفراد الشعب من أسلحتهم وآلاتهم الجارحة خلال 24 ساعة من الآن.

    5- وجوب وضع البلاد تحت الحكم العسكري وإعلان الأحكام العرفية».


    ثم وزعت الإدارة العسكرية الفرنسية في البلاغ قواتها على الأماكن الحساسة التي يجب أن ترابط فيها، وأعطت الأوامر لاحتلال مدينة دمشق عند إعطاء أول إشارة إنذار، وأشارت إلى أن السلاح الجوي الفرنسي يستطيع أن يثير الذعر في نفوس السكان، وإذا اضطرت فإنها ستلقي القنابل المحرقة على أماكن التجمعات البشرية والسكانية، وحذر البلاغ الطيارين من الانخفاض كثيراً أثناء الطيران بطائراتهم لأن المعلومات لدى الإدارة الفرنسية تفيد بأن المواطنين يملكون أسلحة متوسطة تستطيع إسقاط الطائرات.

    وختمت الإدارة الفرنسية بلاغها محذرة جنودها في حال تفوقت القوات السورية عليهم في بعض الأماكن، بأن يتلفوا أسلحتهم إذا لم يتمكنوا من استعمالها، خشية أن يستولي عليها المقاومون ويسددوها إلى صدور الفرنسيين.

    بلاغ آخر للجنرال أوليفا روجيه:
    وفي 26 أيار عام 1945 أصدر الجنرال أوليفا روجيه بلاغاً جديداً للفرنسيين استعرض فيه أحداث المقاومة العربية في بعض الأماكن من المناطق السورية، وأشار إلى أن بعض الجنود الفرنسيين أصيبوا بطعنات الخناجر في دمشق وحماة ودير الزور، وأن بعض الضباط حوصروا، وتم القضاء على بعضهم وكاد أن يتم القضاء على البعض الآخر، وحذر البلاغ الفرنسيين من الابتعاد عن الأماكن المخصصة لتمركزهم حتى لا يعرّضوا أنفسهم لأخطار محدقة دون أن يكون في وسعهم الدفاع عن أنفسهم، وأوصى البلاغ الضباط والجنود الفرنسيين أن يتحلَّوا بالصبر وقوة الأعصاب ريثما تنتهي الأزمة التي لا يمكن التغلب عليها إلا بارتكاب مجزرة كبيرة.

    وكانت المعارك في هذا الوقت قد اشتدت في حمص وحماة وحلب واللاذقية وديرالزور بين الفرنسيين والأهالي وسقط فيها العديد من القتلى والجرحى.‏

    أثر القصف الفرنسي على أحياء دمشق
    النية المبيتة للعدوان على دمشق:
    كانت نية الفرنسيين في العدوان على دمشق قد غدت جلية للعيان، حيث نقل العسكريون الفرنسيون عائلاتهم إلى ثكنات المطار والمعسكرات، واستقدموا قوات جديدة نزلت على الشواطئ اللبنانية، وبدؤوا بنشر المصفحات والدبابات في الأماكن الرئيسية الحساسة في دمشق.

    الخطة الفرنسية في العدوان على دمشق:
    كانت الخطة الفرنسية التي وضعها الجنرال الحاقد أوليفا روجيه تهدف إلى ضرب المجلس النيابي السوري وقتل كافة الوزراء والنواب من أجل إحداث فراغ دستوري يسمح للفرنسيين أن يأتوا بأعوانهم إلى سدة السلطة، وضرب مركز الشرطة والدرك في القلعة واحتلال جميع دوائر الدولة وتجريد الشعب من السلاح وفرض الحكم العسكري الفرنسي المباشر.

    وحدد يوم 29 أيار لبدء العدوان حيث كان مقرراً عقد جلسة للمجلس النيابي يحضرها الوزراء في الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه، ومن أجل إيجاد ذريعة لبدء العدوان طلب الفرنسيون من حامية المجلس النيابي أن تصطف لتحية العلم الفرنسي عند إنزاله مساءاً من فوق سارية دارالأركان الفرنسية (دار المندوبية) التي كانت تقع مقابل البرلمان مباشرة (في الموضع الذي شيد عليه بناء السكري فيما بعد).

    العسكريون السوريون يعلنون التمرد:
    في ذلك الوقت كان العسكريون السوريون العاملون تحت إمرة القوات الفرنسية في حالة تململ وتوتر بسبب خطورة الوضع الذي اتضحت أبعاده، وأخذت أعداد كبيرة من الضباط وصف الضباط والجنود يفرون من ثكناتهم ويلتحقون بالقوات الوطنية، فيما رفض أولئك الذين لم يتمكنوا من الفرار تنفيذ الأوامر، مما حدا بالقيادة الفرنسية إلى استشعار الخطر وارتأت القيام بتحرك سريع وحاسم قبل أن يفلت من أيديها زمام الأمور.

    الجنود السنغاليين في الجيش الفرنسي
    أمام مدخل مبنى البرلمان بعد دماره

    وقائع العدوان:
    في تمام الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم 29 أيار 1945، وجه الجنرال روجيه إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي يهدده فيه بانتقام فرنسا من المواطنين السوريين الذين يعتدون على الجنود الفرنسيين، ويطلب إليه أن تقوم قوات الشرطة والدرك السورية المرابطة حول المجلس بتحية العلم الفرنسي عند إنزاله في المساء عن دار أركان الحرب الفرنسية المواجهة للمجلس.

    وكان عدد قليل من النواب قد جاؤوا لحضور جلسة البرلمان ولما لم يكتمل النصاب طلب رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري من النواب الانصراف، وقد ألغيت جلسة مجلس النواب في تمام الساعة الخامسة من بعد ظهر اليوم نفسه، وكذلك انصرف الوزراء الذين حضروا إلى المجلس.

    وعقدت الحكومة الوطنية اجتماعاً سرياً طارئاً في منزل أحد الوزراء لبحث الوضع، بعد أن طوقت المصفحات الفرنسية دار الحكومة والمجلس النيابي، وكانت حشود من جماهير دمشق قد خرجت إلى الشوارع للإعراب عن غضبها على التصرفات الفرنسية في محاولة لفك الحصار عن المجلس النيابي، فوجدت نفسها في مواجهة القوات الفرنسية.

    وقد رفضت حامية مبنى المجلس النيابي (البرلمان) أداء التحية للعلم الفرنسي أثناء إنزاله من على ساريته في دار الأركان الفرنسية الذي يقع في مقابل مبنى المجلس، بعد أن تلقى قائدهم مفوض الشرطة سعيد القهوجي أمراً بالرفض من رئيس المجلس النيابي سعد الله الجابري، فاتخذ الفرنسيون ذلك ذريعة لمهاجمة حامية البرلمان، مستخدمين قوات السنغال، المزودة بالأسلحة الفتاكة من مدافع هاون ورشاشات كبيرة وصغيرة ودبابات ومصفحات.

    بعد قصف البرلمان وتدمير معظم مبانيه
    تم تخريب ونهب ما سلم من الأثاث ومكاتب البرلمان
    في تمام الساعة السادسة وخمسين دقيقة فتح جنود الحامية الفرنسية المرابطون في شارع النصر النار على المواطنين الذين خرجوا في مظاهرات احتجاجية، وفي نفس اللحظة دوى صوت القنابل وطلقات الرصاص وهي تنطلق من دار الأركان الفرنسية تجاه البرلمان، ولم يطل الوقت حتى كانت جميع المراكز الفرنسية في دمشق تشارك في إطلاق الرصاص والقنابل، فيما تقدمت المدرعات الفرنسية لتوجه نيرانها باتجاه مبنى البرلمان بكامل قوتها، بينما استحكم رجال الدرك السوري ورجال الشرطة المولجون بالدفاع عن البرلمان وراء متاريسهم، وشرعوا في مقاومة ضارية لوقف تقدم القوات الفرنسية، معتمدين على أسلحتهم المتواضعة، رافضين الاستسلام لقوات المستعمر، ومدفوعين بحب الوطن والدفاع عن عزته وكرامته، ولم يمر وقتاً طويلاً حتى أخذت ذخيرة المقاومين تنفذ، والخسائر بين صفوفهم تزداد، وهم يقاتلون في مواجهة آلة عسكرية تفوقهم قدرة على نحو كبير، واستمروا بالقتال حتى نفذت ذخيرتهم، عندها اقتحمت القوات الفرنسية مبنى البرلمان لتنفذ أبشع جرائمها الوحشية، بتمزيق أجساد الناجين من المقاومين بالسواطير والحراب، والتمثيل بجثث من استشهدوا، ومن بين المدافعين الذين كان عددهم ثلاثين مقاوماً، استشهد ثمانية وعشرون، وبقي اثنان من عناصر أمن المجلس النيابي، هما شهير الشراباتي (ورد في بعض المراجع باسم شهير الترياقي أو الشراياتي) وإحسان بهاء الدين اللذان استطاعا الفرار والنجاة من الموت المحقق بأعجوبة، بالإضافة إلى الشرطيين إبراهيم الشلاح ومحمد مدور، اللذين تظاهرا بالموت بعد أن رميا نفسيهما بين القتلى، ليصبحا الشهيدين الحيّين، وليرويا فيما بعد وقائع هذه المجزرة الرهيبة، (كما يذكر أبناء عائلة برنية أن شقيق الشهيد عبد النبي برنية – محمد برنية - كان موجوداً وتعرض لنفس المعاملة، ولكن الله كتب له النجاة وأصبح مختاراً لحي برنية فيما بعد). وقد تم التمثيل بأجساد الشهداء أشنع تمثيل وقد شوهدت بعض الجثث بلا آذان وبعضها مقطعة الأيدي وبعضها مفقودة العينين كما شوهدت آثار السواطير على أجسامهم بشكل تقشعر له الأبدان.

    محمد مدور
    شاهد عيان على المجزرة
    شهادة الشهيد الحي محمد مدور:
    وقد روى الشهيد الحي محمد مدور فيما بعد شهادته التي تقشعر لها الأبدان، ومما قاله في تقريره:
    «حوالي الساعة السابعة تماماً من مساء يوم الثلاثاء الواقع في 29 أيار 1945، أنزل الفرنسيون علمهم دون أن نحييه كما كانوا قد طلبوا منا، لذلك فتحوا النار من جميع الجهات، وكنت واقفاً مع ثلاثة من زملائي هم: ياسين البقاعي وأحمد القصار ويحيى اليافي، فما شعرت إلا وهم يسقطون صرعى، فألقيت بنفسي من سدة السلك الدبلوماسي إلى بهو المجلس، وقد كسرت ساقي وزحفت قليلاً حيث شاهدت المفوض سعيد القهوجي ومحمود الجبيلي ومشهور المهايني وإبراهيم الشلاح وهم يطلقون النار على المهاجمين من بنادقهم ويصيحون: «الله أكبر، الله أكبر»، وعندما شاهدوني حاولوا إسعافي، ثم تراجعوا إلى القبو، وبعد لمحة شاهدت العريف عبد الله باش إمام وبيده رشاش كان يطلق منه النار على زمرة من الجنود السنغال لكنهم تغلبوا عليه وطلبوا منه أن يحيي فرنسا والجنرال ديغول، فرفض فقتلوه شر قتلة، ثم مثلوا بجثته. بعدئذ اندفعوا إلى القبو حيث عثروا على المفوض سعيد القهوجي ورفاقه، وبعد أن قتلوهم جميعاً وقطعوهم إرباً إرباً بواسطة السواطير، سلبوا نقودهم وساعاتهم، وأثناء عودتهم مروا بي وأنا ملقى على الأرض مضرجاً بالدماء ،الأمر الذي جعلهم يظنون بأني من الموتى. ثم ساد السكون بعد ذلك وشعرت بأربعة جنود يحملونني ثم يلقون بي بين الجثث في سيارة شحن كبيرة، سارت مدة ثم توقفت، ولا أعلم أين كان ذلك، ثم صعد جندي فرنسي أخذ يركل الجثث واحدة تلو الأخرى، وهو يعدهم، وقد وصل ذلك العدد إلى ثمانية وعشرين جثة، ولما جاء دوري في الركل بدرت مني بادرة حياة، الأمر الذي دعاه إلى إلقائي على الأرض ثم مناداة المشرف على عملية دفن الموتى في حفرة كبيرة، وكان هذا لحسن الحظ من الضباط، فأمر بنقلي إلى المستشفى العسكري الذي كان قريباً من المجلس النيابي، حيث تماثلت بعد مدة للشفاء وعلمت أن ما حصل لي، قد حصل لزميلي إبراهيم الشلاح».

    إبراهيم الشلاح
    شاهد حي على المجزرة
    شهادة الشهيد الحي إبراهيم الشلاح:
    في التاسع من حزيران عام 1945 استدعى المفوض يوسف سقاباشي الضابط في الضابطة العدلية ومساعد نائب الجمهورية بدمشق الشرطي إبراهيم الشلاح إلى مقر شرطة دمشق، مخفر المركز بناء على أمر من مديرية الشرطة العامة القاضي بالتحقيق مع الشرطي السيد إبراهيم الشلاح، وأعد المفوض يوسف سقاباشي التقرير التالي:

    «في الساعة التاسعة من صباح يوم السبت الموافق في التاسع من شهر حزيران 1945 نحن مفوض المركز يوسف سقاباشي الضابط في الضابطة العدلية ومساعد نائب الجمهورية بدمشق نثبت ما يلي: بناء على أمر مديرية الشرطة العامة، القاضي بالتحقيق مع الشرطي السيد إبراهيم شلاح رقم 287 الذي أصيب بجروح مختلفة ضمن البرلمان أثناء الحوادث الأخيرة، وعليه فقد ذهبت إلى مستشفى الإيطالي وقد شاهدته ممدداً على فراشه وهو مصاب بجروح في رأسه وأنفه ويده وساقه وعليه فقد بوشر بالتحقيق معه على الوجه التالي:

    هويته: اسمي إبراهيم إلياس الشلاح من سكان محلة باب توما رقمي 287 شرطي في مجلس النواب عمري 35 سنه متأهل ولي أولاد متعلم سوري.

    إفادته: حدثنا عن كيفية مصرع المفوض سعيد القهوجي ورفاقه وأسباب الحادث الذي أصبت فيه.

    فأجاب: في مساء يوم الثلاثاء الواقع في التاسع والعشرين من شهر أيار 1945 بينما كنت في البرلمان مع بقية المراتب وعلى رأسنا المفوض سعيد القهوجي، وكان اجتماع لمجلس النواب يعقد بالبرلمان في الساعة الخامسة، وإذ بسلطة إفرنسية من الأركان الحربية ترسل إنذاراً إلى الحامية الموجودة في البرلمان من الدرك والشرطة بوجوب أخذ التحية الرسمية للعلم الفرنسي حين إنزاله من على بناء الأركان الحربية وإلا فالسلطة المذكورة مضطرة لإطلاق النار وبالحال انفضت جلسة مجلس النواب لأنه لم يكتمل النصاب القانوني.

    وفي الساعة التاسعة عشرة أنزل العلم الفرنسي ولم يأخذ الشرطة أو الدرك التحية الرسمية للعلم الفرنسي، وبعد برهة عشر دقائق بوشر بإطلاق الرصاص والقنابل وغيرها من الأسلحة المتفجرة على البرلمان من جميع أطرافه، أخذنا بالرد عليهم بالمثل حتى نفدت الذخيرة فدخلنا إلى قاعة البرلمان الداخلية ودام إطلاق الرصاص والمتفجرات حتى الساعة العشرين والنصف تقريباً بشكل متواصل.

    جثث ضحايا القصف الفرنسي لدمشق
    وفي هذه الأثناء طلب مني السيد شفيق المملوك قائد الدرك الصعود إلى الطابق العلوي لإسعاف الجرحى فأخذت معي ثلاثة من الدرك وبينهم السيد ياسين البقاعي وزحفنا كي لا نصاب بشظايا القنابل، أنزلنا الجرحى وأثناء نزولنا أصيب السيد ياسين البقاعي بطلقة رصاص في رأسه وتوفي في الحال، وأخذنا بإسعاف الجرحى في الصالون بوسائل بدائية ومن بين الجرحى زميلي السيد محمد مدور الذي أصيب بشظايا قنبلة، واستمر إطلاق النار حتى تهدمت واجهة بناء المجلس النيابي فسألت عن المفوض السيد سعيد القهوجي فقالوا إنه خرج إلى الحديقة فتبعته ووجدته مع اثنين من الشرطة وهما السيدان مشهور المهايني ومحمود الجبيلي، وإذ بالدبابات والمصفحات تهجم من الباب الخلفي الحديدي وبرفقتها مشاة من السنغال وهم يطلقون النار وكنا أربعة، مشهور المهايني ومحمود الجبيلي وسعيد القهوجي وأنا، واتجهت الدبابات إلى باب المجلس الداخلي وأخذوا يطلقون النار عليه حتى تهدم فخرج رجال الدرك والشرطة الموجودون في المجلس فإذا بالجنود الفرنسيين يطلقون عليهم الرصاص والرشاشات، وما زلنا نسمع أصوات الاستغاثة والأنين وإذ بخمسة من رجال الدرك يدخلون إلى القبو حيث نحن موجودون من النافذة الخلفية، وقد شوهدوا من قبل الجنود الفرنسيين فاتجهت أنظارهم إلينا وأخذوا يطلقون نيران أسلحتهم وكانت ذخيرتنا قد نفدت وطلب منا قائد الحامية الفرنسية الخروج فخرجنا رافعين أيدينا إلى الأعلى فتقدموا منا وأخذوا ينحروننا ويفتشوننا وكانوا يأخذون الأشياء الثمينة كالساعات والخواتم والنقود وغيرها وحاول أحد الجنود أن يخرج خاتماً من إصبع أحد الدرك فلم يستطع إخراجه فما كان منه إلا أن ضربه بساطور على مفصل إصبعه فقطعه وأخرج الخاتم وصاح الدركي من الألم وللحال ضربوه بالرصاص من الرشاشات وما زلنا ننتظر مصيرنا حتى فرغوا من تفتيشهم، وصفونا نحن الثمانية: أربعة من الشرطة وأربعة من الدرك، صفاً واحداً وأخذوا يطلقون الرصاص من بنادقهم وسقطنا جميعاً على الأرض وكانوا يضربون كل فرد يتحرك إذا وجدوه لا يزال حياً.

    ضحايا المجزرة
    وكان نصيبي من هذه الرصاصات رصاصة دخلت في ثديي الأيسر وخرجت من ثديي الأيمن وأخرى في خاصرتي والثالثة في يدي حطمت عظم مشط الكف وحين حركت رأسي ضربني أحد الجنود السنغال على رأسي محاولاً قطعه فأصابني في أنفي وأخذ الدم يسيل على وجهي وحين حركت يدي من دون شعور داس أحدهم عليها بحذائه العسكري فلم أعد أتحرك أبداً وضربني ضربة أخيرة من بسطاره على رأسي لكي يتأكد من موتي وبقيت محافظاً على وعيي الكامل على الرغم من كل هذه الإصابات التي أصبت بها وذلك حفاظاً على حياتي.

    وتوجهوا إلى المفوض السيد سعيد القهوجي فقطعوا يده ورجله وفقؤوا عينه فتوفي في الحال كما قام الجنود بربط أحدهم في شباك البرلمان وأخذوا يضربونه بالحراب في كل أنحاء جسمه حتى فارق الحياة، ثم دخلوا إلى مبنى المجلس فوجدوا السيد عبد اللـه برهان ابن حسين باش إمام فأخرجوه وسألوه عن بقية الأفراد، فقال قتلتوهم اللـه يقتلكم فصاح الجنود تحيا فرنسا فقال فلتسقط فرنسا فما كان من أحد الجنود إلا أن قطع رأسه بضربة ساطور فتدحرج رأسه على الأرض ونفر الدم على باب المجلس ولا يزال أثره موجوداً، وخطا خطوة ونصف الخطوة من دون رأسه ثم سقط على الأرض وكان بدني يقشعر من هول هذه المناظر الوحشية، ثم تركونا وذهبوا إلى جهة البرلمان اليسرى فلويت رأسي إلى الجهة اليسرى، وشاهد حركتي هذه أحد الجنود فأطلق رصاصة على رأسي ولكن اللـه لم يرد إصابتي فلم تنطلق الرصاصة فتركني وذهب.

    وفي نحو الساعة الرابعة والنصف صباحاً جاء بعض الجنود ومعهم سيارة كبيرة وأخذوا ينقلون جثث القتلى من الدرك والشرطة فشعرت أنني بينهم وجثث القتلى فوقي وتحتي وسارت بنا السيارة إلى حيث لا أدري وتوقفت السيارة وأخذوا يلقون الجثث في حفرة كبيرة وحينما وصل دوري بدرت مني حركة، فصاح الجندي هذا حي وألقاني على الأرض، وجاء آخر ومد يده إلى عنقي وحسبته يريد خنقي فصرخت فقال هذا حي حقاً خذوه إلى المستشفى وقال آخر ما فائدة نقله إلى المستشفى؟ وطلب أن يصب عدة رصاصات في رأسي حتى يريحني ولكن اللـه سلمني وذهب صوت الجندي هباء، ونقلت إلى السيارة ثم إلى المستشفى العسكري الفرنسي حيث وجدت نفسي بين يدي الأطباء الدكتور صباغ والدكتور شارل والدكتور بيرقدار وبعدها غبت عن الوعي.

    وفي اليوم التالي شاهدت الدركي عبد النبي برنية مضروب برأسه بضربة ساطور وفارق الحياة بعد مدة وجيزة. ثم جاءت سيارة الجيش البريطاني ونقلوني إلى المستشفى الإيطالي، وهكذا استطعت أن أروي قصة البرلمان لأنني الوحيد الذي بقي حياً من هذه المجزرة الرهيبة والعمل الإجرامي من قوم يدعون المدنية وينادون بشعار الحرية».

    هذا التقرير محفوظ لدى وزاره الداخلية، ونشر بحرفيته.

    شهداء الدفاع عن المجلس النيابي من رجال الدرك والشرطة السورية:

    شهداء 29 أيار
    شهداء الدرك:

    1- وكيل الضابط محمد طيب شربك.
    2- العريف برهان باش إمام.
    3- العريف طارق أحمد مدحت.
    4- الدركي شحادة إلياس الأمير.
    5- الدركي خليل جاد الله.
    6- الدركي إبراهيم فضة.
    7- الدركي محمد حسن هيكل.
    8- الدركي يحيى محمد اليافي.
    9- الدركي زهير منير خزنة كاتبي.
    10- الدركي ممدوح تيسير الطرابيشي.
    11- الدركي محمد أحمد أومري.
    12- الدركي محمد خليل البيطار.
    13- الدركي سعد الدين الصفدي.
    14- الدركي ياسين نسيب البقاعي.
    15- الدركي زين محمد ضبعان.
    16- الدركي عيد فلاح شحادة.
    17- الدركي إبراهيم عبد السلام.
    18- الدركي أحمد محمد القصار.
    19- الدركي جورج أحمر.
    20- الدركي محمد عادل المدني.
    21- الدركي واصف إبراهيم هيتو.
    22- الدركي عبد النبي برنية.
    23- الدركي سليمان أبو سعد.
    24- الدركي أحمد مصطفى سعيد.

    شهداء الشرطة:

    1- المفوض سعيد القهوجي.
    2- الشرطي مشهور المهايني.
    3- الشرطي محمود الجبيلي.

    ويضاف إلى هؤلاء الشهيد الدكتور حكمت التسابحجي الذي أصيب وهو يحاول إسعاف المصابين من مبنى المجلس النيابي.

    وكي تبقى أسماء أولئك الشهداء الأبطال راسخة في أذهاننا، تم اعتبار يوم 29 أيار من كل عام يوماً خاصاً لتخليد ذكرى رجال الأمن الداخلي الذين استشهدوا في ذلك اليوم الأغر، وجميع رجال الأمن الداخلي الذين تتجلى بطولتهم في ميادين الشرف والدفاع عن الوطن وأبنائه.

    جريدة الكفاح
    2 حزيران 1945
    وقد تناقلت الروايات والشهادات بطولات هؤلاء المدافعين الأبطال، ومنهم وكيل الضابط محمد طيب شربك وكان له من العمر 22 عاماً فقط، حيث ظل يدافع عن البرلمان مع جنوده حتى نفذت الذخيرة، فأمر جنوده أن يقاتلوا بالمسدسات حتى نفذت آخر طلقة منهم. وكذلك فعل الشهيد البطل محمد سعيد القهوجي رئيس قوة الشرطة التي كانت تحمي البرلمان. لقد دخل الفرنسيون مبنى البرلمان المدمر على أجساد هؤلاء الأبطال، وعثر على جثثهم المشوهة لاحقاً في حفرة كبيرة في المزة من بين خمسة وعشرين جثة، ثم بعد ذلك شيعوا إلى مقرهم الأخير في مقبرة بلال الحبشي، وتقديراً لبطولتهم الفائقة وتفانيهم المطلق، خرج سكان دمشق إلى قبورهم وهم يذرفون الدموع وينثرون الورود والزهور إجلالاً لعظمة تضحيتهم. وكان هناك اقتراح بنقل رفاتهم إلى حديقة البرلمان وأن يقام لهم تماثيل أمام البرلمان رمزاً لبطولتهم.

    جريدة الكفاح
    3 حزيران 1945
    في تلك الأثناء راحت المدفعية الفرنسية تقذف المدينة بالقنابل مركزة القصف على قلعة دمشق لوجود قوى الدرك والشرطة فيها، واستمر القصف وإطلاق النار حتى الصباح، وقد نتج عن هذا القصف الشديد هدم العديد من الأبنية ومهاجع السجن في القلعة وظلت الجثث تحت الأنقاض ويقال أن عدد الشهداء من درك ومواطنين وسجناء يزيد عن ثلاثمئة قتيل وأصيب هرانت بك قائد الدرك السوري بجراح كما أصيب القادة عبد الغني القضماني وعبد الرزاق قولي وفخري البارودي بجراح أيضاً ولم تنم عين دمشق في تلك الليلة المشؤومة.‏

    جريدة البلد
    5 حزيران 1945
    مذكرة الحكومة السورية:
    وقد أبلغ الاجتماع السري الطارئ للحكومة ممثلي الدول الأجنبية في دمشق المذكرة التالية، التي سلمها إليهم وزير الخارجية:

    «أتشرف بأن أطلعكم على التطور الخطير الذي طرأ على الموقف بسبب الاستفزازات المتواصلة الصادرة عن الجنود التابعين للقيادة الفرنسية.

    إن الأعمال التي ارتكبها هؤلاء الجنود قد تجاوزت كثيراً درجة العنف التي عرفتها البلاد من قبل، فقد صبت المدفعية الفرنسية نيرانها في مدينتي حمص وحماة فقُتل وجرح الكثيرون، وسددت الرشاشات نيرانها دون انقطاع إلى عابري السبيل في دمشق وحلب، وأفضى استفزاز الأهالي في درعا إلى الاصطدام بالقوات الفرنسية وصبت الطائرات نيرانها على الأهالي، والدماء تسفك في جميع المدن السورية تقريباً، والحكومة السورية ترفع صوتها بأشد الاحتجاج على هذه المجازر التي يصاب بها الأهالي الذين لا ذنب لهم سوى تمسكهم بحرية بلادهم واستقلالها، مناشدةً ممثلي الدول الصديقة أن يشهدوا بالوقائع، وأن يتدخلوا لمصلحة قضية سورية العادلة التي هي في الوقت ذاته قضية الشعوب الديمقراطية والمحبة للحرية.

    دمشق في 29-5-1945
    وزير الخارجية».

    إلا أن الوقت كان قد فات لأي تحرك جدي فقد أعملت آلة القتل والدمار الاستعمارية في دماء وجثث المقاومين الحرق والتمزيق والتشويه، بأبشع طريقة يمكن تخيلها، على يد من ادعوا أن قاتلوا النازية للدفاع عن الحرية والديمقراطية وتحقيق كرامة الإنسان.

    تصريح لمطران الأرمن
    جريدة البلد 5 حزيران 1945
    استمرار العدوان في اليوم التالي، 30 أيار 1945:
    مع بزوغ صبيحة اليوم التالي، كان العدوان الفرنسي مستمراً في تدمير مدينة دمشق التي تحول أفقها إلى جحيم، وصبت المدفعية والدبابات والرشاشات حممها على المدينة المسالمة الحرة، فلم يكن يسمع إلا دوي الانفجارات، ودمدمة الرشاشات، واشتعلت الحرائق في كل مكان من المدينة، فامتدت من شارع رامي الذي التهمته النيران بأكمله، إلى المرجة التي احترقت حوانيتها ومكاتبها، وفي ناحية أخرى كان شارع النصر قد شاعت فيه النيران التي وصلت إلى جامع دنكز، وشب حريق كبير آخر في زقاق المغسلة وامتد إلى شارع فؤاد الأول حتى بوابة الصالحية كذلك شبت النار في العصرونية وسوق الخياطين فالتهمت عشرات المخازن والحوانيت وبعض الكراجات على ضفة بردى عند بداية طريق بيروت ودمرتها بالكامل.

    الليلة الثانية من العدوان:
    لم تنم عين دمشق في الليلة الثانية من العدوان، وقد بدأ نزوح الأهالي من الأحياء التي يكثر فيها القصف والحرائق تحت جنح الليل إلى الأحياء البعيدة وبعض قرى الغوطة، حيث استقبلهم أبناء بلدهم بالترحاب محاولين التخفيف عن مصابهم العظيم، كما عملت الجمعيات الإنسانية والطبية كجمعية الهلال الأحمر وطلاب كلية الطب على نقل الجرحى إلى المستشفيات التي لم تسلم هي بدورها من الاعتداءات الدنيئة، فيما تعرض المسعفون والأطقم الطبية إلى خطر الموت، ومنذ ذلك استشهاد الدكتور مسلم البارودي أثناء أدائه واجبه في إسعاف المصابين وكان يرفع علماً أبيض على سيارته، مظهراً مدى الوحشية التي وصل إليها المحتلون.

    الفعاليات السياسية الوطنية في مواجهة العدوان:
    لقد انخرط الشعب السوري بكافة طبقاته وفئاته الاجتماعية والسورية في رد العدوان والدفاع عن الوطن الغالي، وكان لكل منهم دوره في هذه الملحمة الوطنية الكبيرة، وقد اندفع الساسة السوريون إلى مقاومة العدوان بوسائلهم السياسية والدبلوماسية، وبما يتمتعون به من إمكانيات تنظيمية ومادية.

    فقد استدعى رئيس الجمهورية آنذاك شكري القوتلي الذي كان يتعافى من مرض أصابه ممثلي الدول الكبرى وأبلغهم بأنه سينزل إلى الشوارع على نقالة ليستشهد مع أبناء شعبه إذا لم تتحرك دولهم لإيقاف هذه المجزرة المروعة، كما رفض عرضاً من السلطات البريطانية بأن يذهب تحت حماية الدبابات البريطانية إلى الأردن، وقال للسفير البريطاني: «سأموت مع شعبي هنا في دمشق»، وقد نقل السفراء والدبلوماسيون كلامه وطلباته إلى حكوماتهم.

    أما رئيس مجلس النواب سعد الله الجابري فقد غادر البرلمان بعد إلغاء الجلسة وذهب إلى فندق الشرق حيث يقيم، وفور وصوله استهدف الفرنسيون الفندق بنيرانهم بغية اغتياله، إلا أن وجود بطريرك موسكو والاتحاد السوفييتي أنقذه من موت محقق، إذ جاء السفير السوفييتي لأخذه من الفندق وأوصله إلى الحدود اللبنانية، ومنها تمكن من الوصول إلى بيروت، حيث فضح العدوان الفرنسي وأعلم العالم بما يجري، ومن هناك غادر إلى مصر حيث طالب بعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية.

    جريدة البلد
    10 حزيران 1945
    وكان الوزراء والعديد من النواب قد غادروا إلى دار الحكومة (السراي) في ساحة المرجة، حيث استهدفهم جنود الاحتلال المتمركزون في شارع النصر بالقنابل والرصاص، وقد استبسل رجال الشرطة والدرك في الدفاع عن مقر الحكومة وردوا عدة موجات من الهجوم لاحتلال السراي، ومع مجيء الليل، استطاع الوزراء والعديد من النواب مغادرة مقر الحكومة بحماية رجال الدرك السوري واللجوء إلى دار السيد خالد العظم في سوق ساروجة حيث الأزقة ضيقة ولا تسمح بتقدم العربات الفرنسية، لكن قوات الاحتلال أمطرت المنطقة بقنابلها وأصابت عدداً من الدور القريبة في حي السمانة، حيث مات جميع من كان في هذه الدور وتناثرت أشلاؤهم بتأثير ضرب القنابل وكذلك أصيبت بعض الدور في حي العمارة، وقتل قاطنوها.‏


    سورية ترد على العدوان:
    اندلعت أعمال المقاومة في جميع أنحاء سورية ترد على العدوان الفرنسي الشرس، فشهدت أنحاء سورية بشمالها وجنوبها وشرقها وغربها أعمالاً بطولية عظيمة، فقد هزمت القوات الفرنسية في حوران وجبل العرب، كما أظهرت حماة مقاومة ضارية وأوقعت الهزيمة بالقوات الفرنسية وتمكنت من قتل قائدها والكثير من جنودها وأسرت العديد منهم وتم إسقاط طائرتين حربيتين، وفي دير الزور حوصر الفرنسيون في ثكناتهم وهاجم أفراد الشعب كافة المراكز العسكرية في المدينة ودمروها، وكذلك في حلب واللاذقية، كما التحق حوالي 70 % من ضباط القطعات الخاصة و40 % من الجنود بقوى الدرك الوطنية وانضموا إلى قوى الشعب.

    الخسائر المادية والبشرية‏:
    صرح رئيس مجلس الوزراء آنذاك في اجتماع صحفي أن مديرية الصحة في دمشق أصدرت تقريراً رسمياً جاء فيه: أن عدد القتلى من المدنيين بدمشق بلغ 600 شهيد، وأن الجرحى والمشوهين بلغوا 500 جريح، والذين أصيبوا بجراح يمكن معالجتها بلغوا 1000 جريح، وهناك 120 شخصاً من الدرك بحكم المفقودين أما الخسائر المادية فهي جسيمة جداً.

    المظاهرات في بيروت بعد أحداث أيار
    التداعيات الدولية، التدخل البريطاني لوقف العدوان:
    بتاريخ 31-5-1945، أبرق رئيس الوزراء البريطاني تشرشل إلى الجنرال ديغول يطلب منه إصدار الأوامر لقواته بوقف إطلاق النار، وأبرق في نفس الوقت إلى الجنرال باجيت القائد العام البريطاني يأمره باستلام القيادة العليا في الشرق، وإنذار الجنرال الفرنسي بينيه بأن كل عمل عسكري يجب أن يتوقف وأن على القوات الفرنسية الانسحاب فوراً إلى ثكناتها. وقد نصت البرقية التي أرسلها الرئيس تشرشل إلى الجنرال ديغول على ما يلي: «بالنظر للحالة الخطيرة التي آل إليها الأمر في سورية ولبنان، وبالنظر للقتال الدامي، وللحيلولة دون إراقة دماء أخرى، فقد اتخذنا هذه الخطوة حرصاً على الأمن في ربوع الشرق الأوسط كله، وتحاشياً لأي اصطدام بين القوات الإنكليزية والفرنسية، نطلب إليكم أن تأمروا الجنود التابعين لكم التوقف عن إطلاق النار في الحال».

    الدبابات البريطانية في شوارع دمشق
    بعد ذلك وصلت القوات البريطانية من البقاع في لبنان، واستلم الجنرال باجيت القيادة الفعلية وأبرق إلى لندن يقول: «لقد أبيحت المدن للنار والنهب وإن عمل القوات الفرنسية والسنغالية هو تخريب اعتباطي»، ووصل المستر ألن شو وزير بريطانيا المفوض والجنرال البريطاني باجيت ترافقهما أربع مصفحات بريطانية ضخمة إلى منزل رئيس الجمهورية شكري القوتلي، وجاء إلى المنزل أعضاء الوزارة السورية وبعض النواب لاستلام الدوائر السورية ورفع العلم السوري على بناء البرلمان، وخرج الأهالي بمظاهرات رائعة مشت في الشوارع الرئيسية وهم يهتفون للعدل والحرية والاستقلال، واخترقوا أسواق العاصمة وهم يلوحون بالأعلام السورية هاتفين بحياة سورية والاستقلال.

    وقد بعث الرئيس شكري القوتلي برقية شكر إلى تشرشل يشكره على جهوده لوقف العدوان، ولكن الجواب الذي تلقاه من تشرشل كان مستفزاً وخالياً من اللباقة، حيث قال: «الآن وقد أتينا لمساعدتكم، لا تجعلوا مهمتنا أكثر صعوبة بسبب الغضب والمغالاة، إن الفرنسيين يجب أن يعاملوا بالعدل ونحن البريطانيين لا نريد شيئاً مما تملكونه إلا الاعتدال»، وقد ذهب تشرشل إلى أبعد من ذلك في برقيته لرئيس الوزراء العراقي، حيث قال فيها: «لقد أنقذناهم من خطر عظيم وهم يقولون أن هذا واجبنا، إن نظرتهم المتهورة هذه يجب أن تناقش، ليس من واجبنا حفظ الأمن في وسط هذه الزمرة المشاغبة، بل يجب أن نقول لهم : إن السلطة التي خنقت الفرنسيين يمكن بسهولة أن تستخدم ضدهم فيما إذا وضعوا أنفسهم في موقف من أجل نصرة الشعب السوري»، وكما هو متوقع فإن الاستعمار واحد مهما تلونت أشكاله.

    الاجتماع الأول لمجلس الجامعة العربية
    ردود الفعل في البلدان العربية، وموقف الجامعة العربية:
    في لبنان عمت المظاهرات الصاخبة جميع المدن اللبنانية، وعقد المجلس النيابي جلسة طارئة تبرع فيها النواب برواتبهم لعائلات الضحايا، وأعلنت الأحزاب اللبنانية الإضراب خمسة أيام احتجاجاً على ما يجري في سورية. وفي مصر كان الاهتمام بالعدوان على سورية عظيماً جداً، وغادرت بعثتان من الهلال الأحمر المصري مصر إلى سورية لإسعاف المصابين والضحايا. وفي العراق عقد المجلس النيابي العراقي جلسة طارئة، وهدد رئيس الحكومة العراقية البريطانيين أنهم إذا لم يتدخلوا لوقف نزيف الدم فإن حكومته سترسل قوات لمساعدة السوريين. وفي الأردن بلغت المظاهرات الصاخبة أوجها في عمان، وقد تعرض السفير الأردني في دمشق إلى إطلاق نار من الجنود الفرنسيين أدت إلى بتر ساقه في درعا، فيما عقدت الجامعة العربية جلسة طارئة في الرابع من حزيران هدفها نصرة سورية.‏

    نتائج العدوان:

    جرت محاولات عديدة سواء من فرنسا وبريطانيا للإبقاء على المصالح الفرنسية في سورية ولبنان لكنها كانت تقابل بالرفض مع إصرار السوريين على انسحاب جميع القوات الأجنبية من أراضيهم وعدم منح أي امتياز أو وضع خاص لأي قوة مهما كانت، ولما لم يجد الفرنسيون أي أمل في بقائهم قرروا الرحيل لكنهم اشترطوا أن يرحل البريطانيين معهم، وهذا ما حصل بالفعل.

    وهكذا اضطرت الحكومة الفرنسية لإصدار بيان في بيروت وباريس بتاريخ 8 تموز 1945 جاء فيه:

    «لما كانت الحكومة المؤقتة للجمهورية الفرنسية ترغب في إجابة الطلب الذي تقدمت به الحكومتان السورية واللبنانية فيما يتعلق بتسليم الوحدات العسكرية المتطوعة محلياً، ورغبة منها أن تظهر لحكومتي سورية ولبنان نيتها الطيبة عن طريق إرضاءهما إرضاء تاماً بهذه الوحدات، وبما أن الحرب قد انتهت في أوربا ولم يعد هناك أي اعتراض حول الرغبة المشروعة التي أبدتها الحكومتان السورية واللبنانية بشأن تشكيل جيوش وطنية لها.‏

    لذلك نصرح بتسليم هذه القوات إلى الحكومتين السورية واللبنانية وفق تشكيلات ستحدد خلال 45 يوماً على أبعد حد».

    وهكذا سلمت فرنسا خلال شهر تموز 1945 جميع الثكنات العسكرية إلى الحكومة السورية.

    وفي 22 تموز استلمت الحكومة السورية جميع ثكنات الحميدية والعباسية (الجامعة السورية) باحتفال مهيب، وكان آخر الثكنات المسلمة المستشفى العسكري ومبنى الأركان العامة في الصالحية ونادي الضباط، حيث رفع العلم السوري عليها وأصبح الجيش كله تابعاً للحكم الوطني. وتم تعيين اللواء عبد الله عطفه قائداً لهذا الجيش، وشرع مع رفاقه الضباط أركان الجيش بإعادة تنظيمه من جديد.

    وقد تم الاتفاق بين القيادتين في يوم 27 تموز 1945 على نقل مسؤولية الإشراف على القطاعات العسكرية الخاصة إلى الحكومة السورية منذ الساعة صفر من اليوم الأول من شهر آب 1945 الذي كان تاريخ ميلاد الجيش الوطني السوري، ولهذا أصبح اليوم المذكور عيداً للجيش يحتفل به كل عام!‏‏

    وقد عرضت قضية جلاء القوات الأجنبية عن سورية على الأمم المتحدة بتأييد من الاتحاد السوفييتي فاضطرت فرنسا وبريطانيا التعهد بسحب قواتهما بالتدريج، وقد تم ذلك في الساعة العاشرة من يوم الخامس عشر من نيسان عام 1946، واحتفلت سورية بهذه المناسبة السعيدة بتاريخ 17 نيسان عام 1946، واعتبر هذا اليوم – الذي سمي بعيد الجلاء – عيداً قومياً تحتفل فيه سورية بذكرى حريتها واستقلالها.

    وهكذا حققت سورية الاستقلال التام دون أن ترتبط بأي معاهدة تنتقص من سيادتها، ولم ترتبط إلا بميثاق الجامعة العربية وميثاق الأمم المتحدة، فكان لها السبق على كل الدول العربية في نيل الاستقلال التام.

    مصادر:

    * 29 أيار رمز خالد للتضحية والفداء، موقع الأبجدية الجديدة، إعداد: محمود شبلي.
    * من ذاكرة دمشق 29 أيار 1945، مجلة بانوراما، د. محمد أنور الفرا.
    * نحن الشباب لنا الغد، ذكرى 29 أيار، موقع سوريا دوت كوم، محمد عماد حمودة.
    * ننحني أمام قامتكم الشامخة ونقول لكم وداعاً، الوطن، شمس الدين العجلاني.
    * ذكرى تأسيس الجيش العربي السوري، الوحدة، العميد المتقاعد وليد عاروض.
    * التاسع والعشرون من أيار ذكرى العدوان الفرنسي الغادر على دمشق وكافة المدن السورية ماهي قصة العدوان الوحشي الذي كان نهاية الاستعمار الفرنسي لسورية ولبنان ? !، الفرات، العميد المتقاعد وليد عاروض.
    * 29 أيار شاهد حي وملحمة بطولية كتب حروفها رجال حامية البرلمان بدمائهم، موقع الأبجدية الجديدة، جمال حمامة.
    * قصة الجلاء من الألف إلى الياء، الثورة، الدكتور إحسان الهندي.
    * نشأة الشرطة وتاريخها في سورية، تأليف: العميد المتقاعد إبراهيم غازي.


    اكتشف سورية

    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    سورية من أغنى بلاد الأرض بتنوع الحضارات والأثار والأوابد
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات عامة ومنوعة :: فضاء التاريخ والخغرافيا-
    انتقل الى: