للنشر . زائر
| | الشيخ محي الدين بن عربي وأثره الحضاري في حوض المتوسط | |
الشيخ محي الدين بن عربي
وأثره الحضاري في حوض المتوسط
الأستاذ محمد قجة رئيس جمعية العاديات (حلب)
أولاً- تمهيد بقي المتوسط مركز الحضارات العالمية منذ فجر التاريخ حتى القرن التاسع عشر, فعلى شواطئه وفي البلاد المحيطة به قامت حضارات الرافدين وبلاد الشام ومصر القديمة, وامتدت تلك الحضارات شرقاً نحو العمق الآسيوي لتبلغ الهند, وغرباً حتى المحيط الأطلسي.
وشهدت العصور التاريخية المبكرة نشوء الحضارات السومرية والأكادية والبابلية والأشورية والفرعونية والحثية والميتانية والكنعانية والفينيقية. وذلك كله في الإقليم الشرقي للمتوسط والزاوية الجنوبية الشرقية منه.
ثم ظهر الفرس الأخمنيون الذين كانوا همزة الوصل بين حضارات الشرق الأقصى والحضارات القديمة في حوضي النيل والرافدين.
أما على الجانب الشمالي للمتوسط فقد كانت هناك حضارة الإغريق ثم الرومان, وكان لا بد أن تنشأ الصراعات الهادفة إلى بسط النفوذ على المتوسط سياسياً وثقافياً واقتصادياً, فكانت الحروب الإغريقية- الفينيقية, ثم الإغريقية- الفارسية. ثم الحروب الرومانية- الفينيقية في غرب المتوسط وسقوط قرطاجة 146 ق.م .
وكان المتوسط يشهد قيام تلك الحضارات وسقوطها بين مد وجزر. فتارة يغدو المتوسط بحيرة كنعانية فينيقية, وطوراً يصبح بحيرة رومانية, ثم يعود النفوذ إلى جنوب المتوسط وشرقه مع المد العربي الإسلامي بعد الفتوحات الكبرى في القرن السابع للميلاد.
وكأن دورة الزمان توزع الأدوار بين الشعوب والحضارات, ففي حين عرف الألف الثاني والأول قبل الميلاد هيمن قادمة من شرق المتوسط وجنوبه الشرقي. انقلب الأمر إلى هيمنة أوروبية من شمال المتوسط تمثلت بالإغريق رومان والبيزنطيين حتى ظهور الفتوحات الإسلامية, وهي فترة تقارب ألف عام, لتها فترة ألف عام أخرى من الهيمنة الحضارية الإسلامية حتى عصر النهضة الأوربية حينما استطاعت الفترة الاستعمارية أن تبسط سلطان الحضارة الأوربية على العالم, وليس على المتوسط فحسب, وما يزال هذا السلطان مبسوطاً حتى اليوم.
وليس مجال حديثنا الآن فترة الفتوحات الإسلامية أو عصر النهضة الأوربية, بل ننتقل إلى عصر الشيخ محي الدين بن عربي لنتلمس أثره الحضاري في عصره وما تلاه من عصور.
ثانياً-عصر ابن عربي وحياته ومؤلفاته:
يتربع الشيخ محي الدين بن عربي على قمة الهرم الفكري في الحضارة الإسلامية, علماً وغزارة تأليف وشمول معارف.
ولد محمد بن علي بن عربي الاثنين 17 رمضان 560 ه الموافق 28 تموز 1165 م في مدينة " مرسية" في الأندلس, لأسرة عربية عريقة معروفة بالتقى والعلم. وانتقل مع أسرته إلى اشبيلية فدرس هنالك القرآن والحديث والفقه على يد أحد تلاميذ " ابن حزم" إمام المذهب الظاهري في الأندلس. وكان في الثامنة من عمره حين وصل اشبيلية.
وكانت نشأته الأولى نشأة فتى مترف في أسرة ثرية, فقد التقت إلى الصيد ومجالس الأدب, ولم تظهر عليه إمارات الزهد والتصوف . ولكن هذه الصورة تبدلت إثر زواجه من مريم بنت محمد بن عبدون بن عبد الرحمن الباجي. وكانت مثلاً صالحاً في التقى والصلاح والورع.
بدأ ابن عربي تتراءى له في أحلامه عذابات جهنم, وفي تلك الفترة توفي والده, تجمعت الأسباب لديه ليسلك طريق التصوف, وهو لا يزال في اشبيلية.
كانت بلاد الأندلس وقتها تحت حكم الموحدين الذين أسسوا دولة مترامية الأطراف عاصمتها " مراكش" وقد عاصر ابن عربي ثلاثة من خلفاء هذه الدولة هم : يوسف بن عبد المؤمن, ويعقوب المنصور, ومحمد الناصر.
كان الأندلس يغلي بالصراعات السياسية ضد القوى الأوربية الآتية من الشمال مهددة الوجود العربي في الأندلس. وفي الوقت نفسه كان الأندلس ساحة للحركات الفكرية العميقة المستنيرة, وللحوار الفكري بين التيارات المختلفة, وكان خلفاء الموحدين, وبخاصة يعقوب المنصور, على قدر وافر من التسامح وسعة الأفق, ورحابة الثقافة, وقد عرف البلاط الموحدي أعلاماً كباراً في الفكر من أمثال ابن طفيل وابن رشد وابن زهر وسواهم. وقد شهد ابن عربي جثمان ابن رشد محمولاً على بعير ومعه حمل من كتبه.
تتلمذ ابن عربي في التصوف على بعض أعلام عصره من أمثال:
-موسى بن عمران الميرتلي
أبي العباس العرياني
أبي عبد الله مجاهد
أبي عبد الله قسوم.
أبي الحجاج الشبريلي
وتعرف على عجوز تدعى فاطمة بنت المثنى القرطبية فلزمها وأخذ عنها رياضات النفس الصوفية. وتمثلت له شخصية " الخضر" في إطارها المتعبد الورع.
*******
غادر ابن عربي اشبيلية في جولة على مدن الأندلس والمغرب . فزار قرطبة وبجاية حيث التقى بن الحسن الاشبيلي المعروف بأبي مدين, وهو المتصوف المشهور في التاريخ الإسلامي. كما زار تلمسان وتونس, وأقام بعض الوقت في فاس, وعاد إلى الأندلس فزار بعض مدنه , وعاد إلى المغرب حيث زار مراكش عاصمة الموحدين وعاودته الأحلام والرؤى, ثم قصد بجاية ثانية, وتطورت رؤاه إلى حلم رأى فيه أنه يتزوج بنجوم السماء.
كان ابن عربي في الثامنة والثلاثين من عمره حينما اتجه إلى المشرق لأداء فريضة الحج. ولم يعد يومها إلى الأندلس ولا إلى المغرب.
أقام الشيخ ابن عربي في مكة ثلاث سنين تعرف خلالها إلى إمام الحرم المكي المعروف بأبي خاشة. وتزوج ابنته "نظام" وكتب فيها ديوانه "ترجمان الأشواق" وهو شعر رقيق في الغزل الذي يوحي بمعان صوفية رائعة من خلال صور الغزل الحسي الجميل.
كانت بلاد المشرق تحت حكم الأسرة الأيوبية من سلالة صلاح الدين. وكان حكمهم يمتد على مصر والشام والحجاز. وقد قام ابن عربي برحلة طويلة زار من خلالها مدن المشرق. وكان الصليبيون لا يزالون يحتلون أجزاء من أراضي المسلمين في الشام. ولا يزالون في إمارتي انطاكية وطرابلس, وهذا ما يفسر لنا آراء ابن عربي المتشددة في هذا المجال وكراهيته الشديدة للأجانب الصليبين.
في الموصل التقى ابن عربي الشيخ المتصوف "علي بن جامع" ولبس بين يديه خرقة الصوفية.
وفي القاهرة قال بوحدة الوجود فتألب عليه الفقهاء, وأثاروا العامة, ولكن العادل الأيوبي صاحب مصر كان متسمحاً فلم يلحق أذى بابن عربي.
وفي قونية منحه ملكها داراً للسكن قيمتها مائة ألف درهم. وذات يوم طرق بابه سائل يطلب صدقة , فقال له ابن عربي: إنني لا أملك إلا هذه الدار فخذها لك.
وفي بغداد اجتمع حوله نفر من المتصوفة. وعاد إلى قونيه ثم إلى ملطية. ثم قصد مدينة حلب أيام الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي, ولقي عنده ترحيبأ حاراً وإكراماً رغم الضغوط الفقهاء المتشددين ومطالبتهم بطرد ابن عربي أو معاقبته.
استمرت إقامته في حلب حتى 620 ه ثم غادرها إلى دمشق التي لزمها حتى وفاته يوم 28 ربيع الثاني 638 ه الموافق 16/11/1240 م , ودفن هناك.
كما شهد عصر ابن عربي إلى جانب الأطماع الأوربية في شقيها الشرقي , بداية الزحف المغولي الغاشم بقيادة جنكيز خان متدفقاً من الشرق الأقصى بنشر الخراب والدمار في العالم, وبعد حوالي ربع قرن من وفاة ابن عربي كانت الموجة المغولية الثانية بقيادة هولاكو تدك بغداد وتدمر عاصمة الحضارة الإسلامية.
*****
ترك الشيخ محي الدين ابن عربي مئات المؤلفات والكتب والرسائل, في مجالات التفسير والحديث وعلم الكلام, والشعر . ولكن التصوف غلب على أبرز مؤلفاته بحيث بلغ القمة في هذا المجال.
ٍ وقد أحصى له الباحث عثمان يحيى/994/ مؤلفاً بين كتاب ورسالة. بدأ الشيخ ابن عربي التأليف في اشبيلية, وتابع التأليف خلال رحلته الطويلة, ومن العجب أنه خلال أسفاره وتجواله كان يجد الوقت الكافي للكتابة العميقة والموسوعية الشاملة. وفي طليعة مؤلفات ابن عربي تأتي الكتب التالية:
1- الفتوحات المكية: وهو أعظم كتبه, ألفه خلال 40 سنة, بداية من وجوده في مكة وانتهاء بوجوده في دمشق, ويقع في أربعة آلاف صفحة, وهو جامع لكل آرائه في مؤلفاته السابقة , ومادته العلمية ضخمة جداً وعميقة وغامضة في رموزها, ويقسم الكتاب إلى ستة أقسام هي:
1-المعارف
2-المعاملات
3-الأحوال
4- المنازل
5- المغازلات
6- المقامات
وهذه الأقسام موزعة على خمسمائة وستين فصلاً مقدمة ضخمة ومن قوله في المقدمة:
(الحمد لله الذي أوجد الأشياء عن عدم وعدمه. وأوقف وجودها على توجه كلمة لنتحقق بذلك سر حدوثها وقدمها من قدمه. ونقف عند هذا التحقيق على ما أعلمنا به من صدق قدمه.
والصلاة على سر العالم ونكتته. ومطلب العالم وبغيته, السيد الصادق, المد لج إلى ربه, الطارق, المخترق به السبع طرائق, ليريه من أسرى به ما أودع من الآيات والحقائق, فيما أبدع من الخلائق, الذي شاهدته عند إنشائي هذه الخطبة, في عالم حقائق المثال , في حضرة الجلال, مكاشفة قلبية غيبية)
ب-" قصوص الحكم" ويعتبره النقاد أعمق كتبه وأكثرها تركيزاً وتلخيصاً لآرائه الصوفية. وهو عرض مكثف لرأي الشيخ ابن عربي في وحدة الوجود وخلاصة معارفه الواسعة في القرآن والحديث وعلم الكلام والفلسفة بمذاهبها الحديثة والرواقية والمشائية وإخوان الصفا والأشاعرة والمعتزلة ومن سبقه من المتصوفين.
ج- تفسير ابن عربي: وهو تفسير ضخم للقرآن الكريم.
د- محاضرة الأبرار.
ه- ترجمان الأشواق وشرحه المعروف باسم ذخائر الأعلاق
و-الأحاديث القدسية
ز- كتاب الأرواح
ح-كتاب التجليات الإلهية
ط- كتاب الروح القدسية
ي- الحكمة الإلهامية
ك- ديوان الشيخ الأكبر
*****
يقوم الفكر الصوفي عند ابن عربي على قواعد بارزة يمكن تلخيصها فيما يلي:
1-القول بوحدة الوجود.
2- الشك الصوفي والحيرة
3- الزهد الصوفي
4- العلاقة بين الحق والخلق
5- الذات الإلهية
6- الله والإنسان
يرى ابن عربي أن كتاباته تصدر عن النور الإلهي. وإن لا شيء يشفي من الحيرة إلا طريق المتصوفة في مجاهدة النفس, فالعقل الفلسفي يقود إلى الشك. والطريق المؤدي إلى الإيمان وراحة النفس هو الاتصال المباشر بالله واستمداد المعرفة منه. وهذه المعرفة هي الاتحاد بالخالق.
ويرى أن العلوم على ثلاثة منازل:
-منزلة هي علم العقل: وهو يبحث في الدليل وصحة الرأي وفساده
-منزلة علو الأحوال: ويتوصل إليها بالذوق والتجربة
- منزلة علم الأسرار: وهو فوق طور العقل, وهو أشرف العلوم لأنه محيط بكل المعلومات, ويخص الأنبياء والأولياء.
ثالثاً-أثر ابن عربي في الفكر العالمي:
لم ينقسم الباحثون حول مفكر كما انقسموا حول ابن عربي بين مؤيدين ومعارضين, والمؤيدون متحمسون والمعارضون شديدو العداوة ينقلون الرجل إلى دائرة الكفر والزندقة. ومن أبرز مؤيديه في التاريخ الإسلامي المخزومي والفيروز أبادي والصلاح الصفدي وابن العديم والزملكاني والقطب الحموي وعمر السهر وردي والنووي والسيوطي والكاشي والمقري وجلال الدين الرومي والشيرازيان سعدي وحافظ ومن أبرز معارضيه ابن تميمة وابن اياس والبقاعي وجمال الدين بن الخياط وعلي الفارسي وسواهم.
ويعتبر ابن عربي مثلاً للفكر الإنساني الذي ترك بصماته بعيداً عبر الأجيال وعبر القارات, وكان فكره مرآة للنقاء الإنساني في سموه ورفعته: يقول في ترجمان الأشواق:
قالت: عجيب لصب من محاسنه يختال ما بين أزهار وبستان
فقلت: لا تعجبي مما ترين فقد أبصرت نفسك في مرآة البستان
فالإنسان عنده جزء من هذا الكون الجميل بأزهاره وبساتينه (117 ترجمان الأشواق)
بل إنه ينتقل خطوة أهم في فكره الإنساني الواسع الذي عبر عنه من خلال قوله الشهير:
ألا يا حمامات الأراكة والبان ترفقن لا تضعفن بالشجو أشجاني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى الغزلان ودير الرهبان
وبيت الأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالدين ديني وإيماني
( ترجمان الأشواق 246)
وهل هناك اتساع فكري أكبر من ذلك يستوعب ثقافات عصره ومذاهبه وآراءه فيقول أن قلبه يقبلها جميعاً.
بل يمضي ليؤكد ذلك في قوله:
لا أبالي شرق الوجود بنا حيث ما كانت به أو غرباً
كلما قلت: ألا, قالوا: أما وإذا ما قلت: هل , قالوا أبى
لهف نفسي لهف نفسي لفتى كلما عنى حمام غيباً
******
وإذا نحن حاولنا تتبع الأثر الذي تركه الشيخ محي الدين بن عربي في الفكر الإنساني لكان ذلك بحاجة إلى جهد ووقت أكبر من المتاح الآن, ونكتفي ببعض الأمثلة:
1- يرى المستشرق الأسباني خوان ريبيرا أن محي الدين بن عربي قد أثر بشكل واضح في فلسفة رايموندو لوليو. والذي يتصفح كتابات لوليو يجده يتكئ في كثير من الأشياء على الشيخ محي الدين.175 ذخائر الأعلاق تحقيق الشنقيري 1995.
2- يرى المستشرق الأسباني أسين بلثيوس أن ابن عربي قد ترك أثراً كبيراً في كتابات دانتي في كتابه " الكوميديا الإلهية" ويتابعه في ذلك كثيرون . وقد أفردنا جدولاً مفصلاً لهذا التأثير وبخاصة في كتاب الفتوحات المكية وكتاب رحلة إلى الهند.
3- يرى المستشرق الياباني ايزوتسو أن الهاوية وتطورها قد تأثرت بفكر ابن عربي في المجلات الفلسفية والصوفية والمعرفية والتوحيد والحق والمطلق والإرادة ص 18 ذخائر الأعلاق
4- تأثر سبينوزا بموضوع وحدة الوجود عند ابن عربي كما تأثر بموضوع التوفيق بين الحقيقة الفلسفية والحقيقة المعرفية عند البن رشد وقد أوضح د. ابراهيم مدكور تفاصيل وجزئيات دقيقة مقارنة بين ابن عربي وسبينوزا " وحدة الوجود بين ابن عربي وسبينوزا" القاهرة 1972
5- تأثر" لينبتز " بفكر ابن عربي ويمكن ملاحظة ذلك بمقارنة بسيطة
محمود قاسم القاهرة 1972 .
*******
إن الشيخ الأكبر محي الدين بحياته ورحلاته ومؤلفاته يمثل الإطار الحضاري الواسع للبحر المتوسط. فهو قد ولد في مرسية, في أقصى غرب المتوسط . الأسرة ذات أصل عربي صريح ينتهي إلى طيء ,وانتهت حياته في أقصى شرق المتوسط في دمشق, بعد سيرة حافلة بالرحلات العلمية طاف فيها كثراً من مدن العالم الهامة في عصره. وكأنه بهذه الحياة وهذه الرحلات قد ربط شرق المتوسط بغربه رغم الحروب الطاحنة والخلافات العميقة والأحقاد المتراكمة على مر التاريخ.
وينطلق ابن عربي من رؤية عانة شاملة للإنسان رؤية تحترم الإنسان بغض النظر عن عرقه ولونه ومذهبه. والإنسان " خليفة الله على الأرض ط وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " البقرة 30 " والخلافة رتبة كمالية لا يحوزها إلا الوجود الإنساني كما يقول ابن عربي في قتوحاته, وهو بذلك يرفض فكرة أن الإنسان حيوان ناطق, أو يقول : إن هذه العبارة تنطبق على الجماد والنبات والحيوان, والإنسان مزاج خاص. والمزاج الخاص هو الإنسان الحي العاقل الذي يفضل بقية الخلق " الفتوحات المكية " 2/642
إنه الإنسان الذي خاطبه ربه قائلاً : يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدمك ( الانفطار6-7)
فالإنسان لدى ابن عربي يجمع العالم في شخصه , فالعالم إنسان كبير, والإنسان عالم مختصر ( الفتوحات 2/124)
وانطلاقاً من ذلك كانت فكرة حب الإنسان للإنسان لدى ابن عربي تجسيداً لرؤيته أن الإنسان مخلوق تولد من تزاوج الروح الكلي والطبيعة الكلية, فالروح أبوه والطبيعة أمه " الفتوحات" 2/354
ويبلغ الأفق الإنساني سموه الفكري والعرفاني في موضوع وحدة الوجود لدى ابن عربي, فهذه القضية هي بحر الوجود الزاخر الذي لا ساحل له, وهي من حيث ذاتها " الحق" وهي من حيث صفاتها وأسماؤها " الخلق" فهي ‘ذاً الحق والخلق والأول والآخر والقديم والحديث.
وعلى الرغم من وجود هذه العبارة في مصطلحات الصوفية قبل ابن عربي هو الذي أرسى دعائم هذه الفكرة وبلورها وبخاصة في كتابه فصوص الحكم:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا وليس خلقاً بهذا الوجه فاذكروا
جمع وفرق فإن العين واحدة وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر
إن الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي, ابن مرسية والأندلس, والراقد في دمشق. إنما هو تجسيد لرؤية حضارية بين جانبي المتوسط في أفق متسامح غني عميق, أفق يجب أن يقوم على الفهم المتبادل والاحترام المتبادل لكي تتحقق مقولة الشيخ الأكبر في رؤيته الرفيعة للإنسان.
********
أهم المراجع
1. ابن عربي، خائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق ، القاهرة 1995 2. ابن عربي، الديوان الكبير مراجعة وتقديم –محمد قجة-، دار الشرق العربي بيروت 1999 3. ابن عربي، الفتوحات المكية، ت عثمان يحيى القاهرة 1972 4. ابن عربي، فصوص الحكم ، ت أبو العلا عفيفي بيروت 1966 5. ابن عربي، محاضرة الأبرار ، بيروت 6. بالنثيا ، تاريخ الفكر الأندلسي ، القاهرة 1955 7. حبيب الحسيني، أوزان الموشحات العربية ، بيروت1991 8. شوقي ضيف، عصر الدول والإمارات ( الأندلس)، القاهرة 1989 9. محمد زكريا عناني الموشحات الأندلسية، الكويت 1980
10 . أحمد رجائي، أوزان الألحان بلغة العروض، دمشق 1999
11. زكي مبارك ، التصوف الإسلامي، القاهرة 1938
12. محمد العدلوني الإدريسي مدرسة ابن عربي الصوفية، الدار البيضاء 1998
13. عبد الحفيظ فرغلي، محي الدين بن عربي، القاهرة 1968
14 . عثمان يحيى، مؤلفات ابن عربي
15. المقري، نفخ الطيب، ت إحسان عباس –بيروت
16. ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب
17 . بلاثيوس، ابن عربي حياته ومذهبه، القاهرة 1965 الجمعية الكونية السورية |
|