رغم أن الحج أحد الفرائض الخمسة على المسلمين، إلا أن القليل منهم كانوا يستطيعون إليه سبيلاً، فقد كان المسلمون زمن العثمانيين، يتجمعون في دمشق من كافة الولايات لينطلقوا تحت رعاية والي دمشق إلى المدينة المنورة.
وكانت الرحلة تحتاج إلى خمسين يوماً للذهاب على الجمال أو البغال، ومثلها للإياب، يسير فيها الموكب حوالي 500ساعة تحت حراسة عشرة آلاف جندي من المشاة والفرسان والهجانة، وفي ظل ظروف بالغة القسوة من تغير المناخ وهجمات اللصوص وقطاع الطرق والأمراض والأوبئة...
ولقد لاقت فكرة إنشاء الخط الحديدي الحجازي، حماساً لا يضاهى حيث بادر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بالتبرع وجمع التبرعات لتأمين تكلفة المشروع التي بلغت ثلاثة ملايين ليرة عثمانية في مطلع القرن المنصرم. وبالفعل تم افتتاحه في آب 1908 وتسيير أول رحلة عبره، تطلبت خمسة أيام لقطع مسافة 1320 كم من منطقة الحجاز الحالية في دمشق حتى المدينة المنورة، الأمر الذي أثلج صدر المسلمين وأمن راحتهم وطمأنينتهم. خاصة وأن الكثير منهم لا يأمن السفر عبر وسائل أخرى لأسباب صحية أو نفسية..
لكن هذا الخط تعرض للتخريب على يد البريطانيين في 1916، وعادت معاناة المسلمين في الوصول إلى الحج، رغم تنوع الوسائل البرية والبحرية والجوية، وظل الحنين إلى الخط الحجازي ملحاً على الحجاج وغيرهم من التجار وأصحاب الأعمال لحاجتهم للشحن المدني..كما تزايدت حاجة الدولة إلى الشحن العسكري عبر القطار..الأمر الذي دفع الحكومات السورية والأردنية والسعودية على إعادة النظر في هذا المشروع الحيوي دينياً واقتصادياً وعسكرياً..
هذا المقال من جريدة اللواء يخبرنا عن الخدمات الجليلة التي قدمها الخط الحجازي للحجاج المسلمين والمسيحيين، والتي لم تستمر طويلاً. حيث عاد الخط إلى التوقف.
من محطة الحجاز التي لا زالت في مكانها إلى اليوم بنقوشها الإسلامية وأقواسها ـ التي وضع مخططاتها المهندس المعماري الاسباني " ديران" مستلهماً جماليات العمارة الإسلاميةـ والتي تعتبر من أكبر محطات القطار في المنطقة، من تلك المحطة نقل مراسل جريدة اللواء هذه الأجواء والمعلومات عن شؤون الحج والحجاج وقتذاك. تحت عنوان " سفر الحجاج بواسطة الخط الحجازي أحيا آمال المسلمين"
جريدة اللواء* العدد 239 آب 1953
" قال مندوب اللواء الخاص غادرت دمشق أمس القافلة الأخيرة من حجاج بيت الله الحرام، الذين تعهدت المديرية العامة للخط الحديدي الحجازي بتأمين سفرهم وراحتهم من دمشق إلى جدة عن طريق العقية في الذهاب والإياب فنقلتهم في ثلاث أفواج بمعدل ثلاثة قطارات لكل فوج... في لقاء مع الأستاذ معاون مدير الخط الحجازي العم نديم الصواف في مكتبه قال : لقد أدت المديرية المهمة فسهرت على راحة الحجاج على امتداد خط دمشق ـ عمان، وتعاقدت لنقلهم مع الباخرة " انشون " الانكليزية التي لم يسبق أن سافر الحجاج قبل ذلك على متنها، وهي عدا عن كونها باخرة ممتازة للغاية تتسع لأكثر من 1300 راكب، وقد قامت بسفرتين من خليج العقبة إلى جدة نقلت في كل منهما 1000 حاج. أما الباخرة الثانية التي تعاقدت معها مديرية الخط الحجازي فهي( سفينة العرب ) الباكستانية التي قامت بنقل 1300 نسمة في حين أنها تتسع لـ 2100 مسافر.
وتكلم بعد ذلك عن الدعايات المغرضة التي يشيعها المشوشون لصرف الناس عن السفر بواسطة مديرية الخط الحجازي يدعي موقعوها بأنه ليس لدى المديرية غير باخرة واحدة لا يعرف موعد سفرها، وقد نفدت جميع محلاتها، ويدعون أن بواخر البوسطة الخديوية المصرية على استعداد لنقل الحجاج على بواخرها الراسية في العقبة بسعر أرخص ويرجون من فخامة الرئيس إعطاء أمره بتسفيرهم بواسطتها. ولا ريب في أن هذا الادعاء يخالف الواقع لأن المديرية ظلت تبيع تذاكر السفر حتى ساعة رحيل القافلة .. في حين أن الحجاج الذين سافروا بواسطة شركات أخرى ظلوا ينتظرون خمسة أيام في العقبة تحت الخيام...
ودار الحديث عن خسارة الخطوط الحديدية في العالم وخسارة الخط الحجازي بسبب مزاحمة السيارات له، وأضاف أنه بإمكان المديرية تأمين نقل الشحنات والركاب على خطوطها خصوصاً يعد تسيير القطار السريع الذي لا يقف في المحطات الصغيرة وذكر أن المديرية تملك 27 قاطرة بحالة جيدة وعدد كبير من العربات.
وفي خبر آخر أوردته اللواء:
" وصل أول أمس من لبنان فوج كبير من الحجاج المسيحيين يربو عددهم على ثلاث مئة حاج في طريقهم إلى القدس وقد باتوا ليلة في دمشق زاروا خلالها الأسواق والأمكنة الأثرية ثم سافروا بعدها إلى القدس.
وقد قامت مديرية الخط الحجازي بتأمين سفر هذا القوج بالسكة فخصصت لهم قطاراً ممتازاً، كما قررت أن تقوم بتسفير كل حاج مسيحي إلى القدس بواسطة قطرها.."
وكانت الحكومات العربية الثلاثة في سوريا والأردن والسعودية قد اتفقت على تسيير هذا الخط البري للحجاج، وأقرضت الحكومة السورية المديرية العامة للخط الحجازي مبلغ مليوني ليرة سورية، لإعادة تسيير هذا الخط الذي سيعمل في جميع فصول السنة كطريق اقتصادية بين البلدان الثلاثة..
وسبق أن قامت الحكومة بإلغاء الحج بطريق البحر وحصره بالجو بتكلفة 450 ليرة سورية عن كل حاج عدا الرسوم. ضماناً لراحة الحجاج وتجنيبهم المتاعب في السفر البحري حيث في الغالب تكون البواخر بواخر شحن لا تضمن السرعة ولا الراحة للحجاج..
*اللواء
جريدة سورية يومية سياسية زراعية تصدر في دمشق عن جريدتي بردى والمنار
صاحبا الجريدة : منير الريس، المدير المسؤول
بشير العوف، رئيس التحرير
الجريدة عبارة عن أربع صفحات من القطع الكبير