مع دخولنا العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين لازال البعض يقول بان العلمانية دخيلة على بلادنا ، ولكن بعض المواضيع تشير الى غير هذا ، مثل هذا المقال الذي يعترض على تعيين تاج الدين الحسني رئيسا للدولة السورية لانه رجل دين ؟ طبعا كان من الممكن القول بان هذا الخطاب نوع من "التكتيك" للتأثير على الرأي العام والعمل في صالح خصوم الحسيني السياسين، لولا معرفتنا بان التيار القومي العلماني بدأ بالظهور بشكل واضح مع بداية القرن العشرين وكان له دورا اساسي في تشكيل الوعي السياسي في سوريا والمنطقة في نهاية عهد الدولة العثمانية امتدادا الى عهد الاستقلال من الاحتلال الفرنسي.
يعترض الكاتب الذي وقع المقال باسم مستعار ونشر في جريدة الفيحاء لصاحبها قاسم الهيماني ، على ترشيح الشيخ تاج الدين الحسيني ابن محمد بدر الدين الحسيني محدث البلاد الشامية في عهد الدولة العثمانية ، يعترض على ترشيحه لمنصب رئاسة الدولة السورية لانه رجل دين وان عهد حكم رجال الدين للدولة انتهى ..
رياسة الدولة السورية
بقلم كاتب سوري غيور
الفيحاء 1 كانون الثاني 1925
لا تزال رياسة الدولة السورية موضع اخذ ورد بين فخامة المسيودي جوفينيل المفوض السامي والمرشحين لهذا المنصب من السوريين, وقد كان أول المرشحين تاج الدين الحسيني قاضي دمشق ونجل الأستاذ الشيخ بدر الدين الحسيني المحدث الشهير فاجتمع بفخامة المفوض السامي عدة اجتماعات تباحثا فيها على ما روته الصحف في شرائط قبول الرياسة والخطة التي جيب السير عليها غير أن بعض الصحف الدمشقية فاجأتنا بعد ذلك بخبر ترشيح مصطفى بك برمدا ونستنتج من هذا أن الشيخ تاج الدين لم يوفق للوصول إلى ذلك المقام ولا ندري أيكون فشله هذا نهائيا ؟ أم يكون عارضا يمكن زواله .
إننا نحترم الشيخ تاج الدين ونجل مقام أبيه ولكننا لا نرى من مصلحة هذه الأمة إسناد رياسة الدولة إليه فقد ذهب العهد الذي كان رجال الدين فيه يتولون السلطة السياسية والمدنية بسبب أنهم من رجال الدين , وليس في البلاد من يود رجوع ذلك العهد المظلم ونحن إن كنا لا نريد محاربة الشيوخ ولا نتمنى القضاء عليهم في سورية كما حوربوا وقضي عليهم في تركيا إلا إننا مع ذلك لا نرضى أن يتدخلوا في شؤون البلاد السياسية والإدارية ونود أن يظلوا ضمن دائرة وظائفهم الدينية والروحية.
ولسنا نرى من مصلحة الشيخ تاج الدين نفسه إسناد رياسة الدولة إليه لأنه ليس من رجال سلك الحطام فقد يكون الشيخ عالما منفصلا أو إماما يقتدى به أو غير ذلك , ويكون في الوقت نفسه غير مستعد لقيادة جيش أو إقامة جسر أو ترأس دولة وقد رأينا العام الماضي , ورأى الشيخ تاج الدين نفسه ما حل ببعض الرجال الذين انتدبوا لتدريس بعض العلوم في مدرسة حقوق دمشق فقبلوا تلك المهمة وهم ليسوا من أهلها فلما بدأوا بالتدريس ظهر عجزهم للطلاب ففضحوا فضيحة فاحشة واستقال بعضهم وأقيل البعض الآخر.
وليس من ينكر أن رياسة الدولة عمل إدراري سياسي لا يقوم به الا من اعد نفسه له إما بالدراسة الخاصة وإما بالتدرج في الوظائف الإدارية تدرجا قانونيا كاملا .
ولا نظن أن الشيخ تاج الدين ونعيدها هنا الاعتراف باحترامنا لحضرته وإجلالنا لحضرة والده قد درس علوم الإدارة والسياسة في مدرستها الخاصة أو تولج الوظائف الإدارية وتدرج فيها تدرجا يوصله لرياسة الدولة.
ولو كانت رياسة الدولة عبارة عن ركوب السيارة ذات العلم وحضور المآدب وإتقان أعمال التشريفات لكان في قدرة كل فرد من هذه الأمة أن يقوم بذلك المنصب وان يتمتع بامتيازاته ومخصصاته الوافرة , ولكن الرياسة عمل كما قلنا واقل ما يتطلبه العمل الاختصاص والخبرة وقد رأينا بأم العين كيف كانت عاقبة الذين تولوا ذلك المنصب من غير أهله وهذا منقلب صبحي بك بركات لا يزال مائلا أمام الأبصار.