لكل زمن ناسه ـ رجالاً ونساء ـ هذا ما تدلنا عليه الوثائق والشهادات الكثيرة التي جمعها كاتب موسوعة الحرب العالمية الثانية. واحدة من تلك الشهادات هي شهادة ـ الليدي سبيرز ـ التي اختلفت عليها الصورة التي كونتها عن الشرق وسياسييه، وعن المرأة الشرقية وصفاتها وطباعها... هذه المرأة فوجئت بمقدرات رجال الحكومة السورية ولسان حالها يقول كيف لهم أن يتقنوا فنون السياسة والجمع بين قوة الإرادة والمرونة وهم مازالوا تحت الانتداب وما زالت حكومتهم فتية غضة.. ولعلها ولمزيد من الإطراء شبهت فارس الخوري بجدها الأميركي، علماً بأن فارس الخوري يذكره التاريخ ويعرفه ويجله ولا ندري من هو ذاك الجد الأميركي..
كما فوجئت بالنساء اللبنانيات يخرجن للتظاهر والاحتجاج بعد أن تخطين كل القيود والمحظورات التي كانت تبقيهن في البيوت بعيدات عن الاختلاط حتى بالنساء من الطوائف الأخرى. وللتوضيح يجب أن نذكر أن المظاهرات التي تتحدث عنها الليدي سبيرز هنا، هي المظاهرات التي خرجت إثر قيام قوات الانتداب الفرنسي في لبنان باعتقال أول حكومة لبنانية تأسست بعدما ألغت فرنسا انتدابها عن سورية ولبنان 1943، وكانت برئاسة رياض الصلح حيث أنجزت أول أعمالها في تعديل الدستور ليكون الاستقلال تاماً، الأمر الذي أغضب المفوضية الفرنسية.. وجعلها تصب جام غضبها على الوزراء أولاً ومن بعدهم على المتظاهرين والمتظاهرات اللواتي خرجن للمطالبة بالحرية والاستقلال التام..
موضوع اليوم عبارة عن مقتطفات من الجزء الخاص بالمعارك في سوريا ولبنان خلال الحرب العالمية الثانية.
مجلة الحرب العالمية الثانية الجزء 11
"...وفي قاعة خاصة من فندق الأوريان بالاس حيث كان ينزل الجنرال سبيرز، أثناء زيارته لدمشق، تصف لنا الليدي سبيرز زيارة الزعيم الرئيس الأول شكري القوتلي له، وسعد الله الجابري، وفارس الخوري، وجميل مردم بك، وكيف كانوا يتناولون الطعام معه في بعض الأحايين..
لقد أرضاها هؤلاء الزعماء كما تقول، ووجدت فيهم القوة والمقدرة والذكاء والبراعة والثقة بالنفس، فإذا تكلمت عن الزعيم الرئيس، فهو الهادئ المتزن صاحب الوجه النبيل والإرادة الحازمة.. وأما الجابري فرقيق الحاشية، قوي الإرادة... وأما فارس الخوري فقد وجدت فيه صورة لجدها الأميركي، وأما جميل مردم فهو المرن اللين الذكي البارع..
وقد وصفت ـ الليدي سبيرز / فريا ستارك ـ في كتابها (الشرق والغرب) هذه الشخصيات بقولها : إنهم يمثلون أقوى ما في الطبقة المتوسطة المتدرجة في البلاد العربية.. وكان مركزها كالسيدة الأولى في المفوضية البريطانية يساعدها على تفهم الحوادث والاستنتاج أكثر من أي شخص آخر، ثم أنها في الوقت نفسه كاتبة معروفة ولها مؤلفات كثيرة...
ولكن الظاهرة التي تستحق الذكر هي موقف نساء بيروت من الحوادث، فقد أجمع ربات البيوت أمرهن ذات يوم على النزول إلى الشوارع، يؤيدن الحرية، وينادين بالاستقلال، رغم بنادق الأجنبي وسلاحه، ورغم قوته وسفكه، المسلمات منهن والمسيحيات، وكان المسلمات منهن قد رمين بغطاء الرأس جانباً، ورفعن الرأس عالياً فكنت ترى في المقدمة ... وغيرهن ممن يمثلن مختلف الأسر والمذاهب، وقد مشين صفوفاً متراصة في الشوارع، حيث ذهبن إلى دار المفوضية الانكليزية فالأميركية فمفوضيات الدول العربية، فعلن ذلك ثلاث مرات في أيام ثلاثة... وقد عبرت ـ الليدي سبيرز ـ من عجبها يوم رأت سيداتنا ينزلن إلى ساحة المعركة، ذلك أنها تعرف فيهن الخجل والحياء والبعد عن الظهور، وقد فاتها أنه لما وقعت الفاجعة، وحاق بالاستقلال ما حاق من كيد الأجنبي وصلفه، لبست نساؤنا ثوباً جديداً، فتبدل الحياء قسوة والخجل جمرة وأصبح البعد عن الظهور ثورة جارفة.."
* الحرب (2)
الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945)
موسوعة (مجلة) تاريخية مصورة
صاحبها ومديرها : يوسف جادو
بإشراف : عمر أبو النصر (مؤلف تاريخ الحرب العظمى ـ الحرب العالمية الأولى ـ الذي صدر في 51 جزء 1938)
إصدار : دار النشر المتحدة للتأليف والترجمة
صدرت في بيروت أسبوعياً في ثلاثين جزء على صفحات من القطع الكبير عام 1960، مليئة بالصور المميزة والنادرة
تناولت أحداث وأخبار الحرب العالمية الثانية بأسلوب فريد في أوانه، يجمع بين الرواية والشرح والتفسير بالكلام والصور مستخدمة الأحاديث الصحفية والمقابلات مع كبار رجال السياسة والإدارة والأدب وقادة الحرب، معتمدة على السجلات والوثائق والأوراق الرسمية الأوربية المشابهة.
ركزت على انعكاسات الحرب على العالم العربي، وعلى تناول كل الأفكار والتفسيرات ووجهات النظر التي كانت متداولة خلال الحرب، كما شرحت بالصور والكلمات عن الجيوش وأصولهم وأسلحتهم وظروف معاركهم...
وتقول المجلة في مقدمتها أن طموحها أن تكون هذه المجموعة بمثابة دائرة معارف عامة ، حيث أنها عمل لا مثيل له في اللغة العربية، وقد استفادت من أحدث الطرق الفنية في التبويب والتقسيم والأسلوب ... بحيث تضمن الفائدتين المعنوية والروحية..
المجلة ( شكلاً ومحتوى ) تتمة لمجلة سابقة تناولت الحرب العالمية الأولى