مثل كل الدول الاستعمارية لجأت فرنسا إلى إتباع سياسات التفريق والتقسيم للسكان على أسس طائفية ودينية وعشائرية... كواحدة من أساليبها في السيطرة على البلاد، عبر تغذية الانقسامات والتمايزات والنزاعات بين أبناء الوطن الواحد
بغية إشغالهم عن توحيد الجهود والإمكانات ضد المحتل الذي يظل ممسكاً بخيوط اللعبة ويحركها وفقاً لمصالحه التي تقتضي ضرب الكل واستنزاف خيراتهم وطاقاتهم في معارك جانبية...
لكن الشعب السوري أثبت أصالة انتمائه للوطن عبر الثورات التي اشتعلت في كل أنحائه طلباً للاستقلال الذي نادى به كل سوري بصرف النظر عن دينه أو طائفته ...
فرنسا دولة المواطنة وحقوق الإنسان في بلدها، انحطت إلى درك الدول الديكتاتورية العفنة في تعاملها مع مستعمراتها ومحمياتها، وكأن حقوق الإنسان مشرعة للفرنسي أو البريطاني أو الايطالي.. دون غيره من العرب أو الآسيويين أو الأفارقة... سياسة الكيل بمكيالين، أو بالأحرى الكيل بمكاييل مختلفة متلونة حسب الحاجة والموقف، هذه السياسة ليست جديدة، بل قديمة قدم "المكيافيلية" التي رأت أن الغاية تبرر الوسيلة..
إنعاش الذاكرة له أكثر من ضرورة، أولها تفادي الوقوع في مستنقعات التفرقة، حيث لا تخلو مجتمعاتنا ممن يروجون لها مستلهمين السياسات الاستعمارية البائدة، وثانيها مطالبة الشعوب في الدول المتطورة برفض سياسات بلدانها التي تقوم على تصدير أزماتها عبر الاستقواء على البلدان الضعيفة، ورشوة شعوبها ببعض ما تنهبه من خيرات شعوب أخرى ..
وبعد الاستقلال كان أمام السوريين مهمة بناء الوطن الذي دمرت أجزاء منه، وعانى من نقص المؤسسات والخدمات .. وفي معركة البناء أيضاً أثبت الشعب السوري انفتاحه وتحرره وحبه للعمل وتفانيه في خدمة بلده...
شهادات قدمتها نساء سوريات عن مراحل الانتداب، الاستقلال، البناء... سجلتها مجلة هنا دمشق، ويلاحظ فيها الحس الوطني العالي عند السوريات المتناغم مع الحس القومي المتعاطف والمؤيد لحركات الاستقلال العربية أينما وجدت...
هنا دمشق* العدد 185 شباط 1961
الآنسة زكية الصوفي : موظفة في وزارة الثقافة والإرشاد، حاصلة على شهادتها من جامعة السوربون..
"... شخصياً عشت التسلط الفرنسي مرتين: المرة الأولى عشته كانتداب وأنا تلميذة في مدينة اللاذقية التي قاست أكثر من غيرها من الانتداب الفرنسي. إذ أنها كانت منطقة مستقلة عن سوريا يحكمها حاكم فرنسي.. كانت الحياة الاجتماعية حتى ذلك التاريخ لا تختلف كثيراً عما كانت عليه في القرون المتخلفة فالمرأة كانت محجبة (إّذ أول سفور فعلي لم يحصل إلا سنة 1949 فقط) كما أن الانتداب الفرنسي كان يعمل على التفريق الطائفي بين أبناء البلد الواحد ليتمكن من تثبيت قدمه، لاسيما بعد أن أحس بازدياد الوعي وبدنو الانفجار..
ولم تتوان المرأة حينذاك عن الوقوف إلى جانب الرجل فأسهمت الطالبات في المظاهرات والإضرابات وإلقاء الخطب الحماسية..
وعشته مرة أخرى كاستعمار وأنا طالبة في فرنسا. فقد رأيت وحشية الاستعمار الفرنسي في أدق مراحلها. حين إعلان ثورة الجزائر في 1954 فأخذت السلطات الفرنسية تسيء معاملة الطلاب الجزائريين الذين عزفوا عن الدراسة ما داموا محرومين من الاستقلال والحرية ـ بصورة خاصة ـ والطلاب العرب بصورة عامة لا سيما بعد توقيع اتفاقية الجلاء وإنهاء الاحتلال عن القطر المصري ومن ثم حادث تأميم القنال 1956 وما تبعه من عدوان ثلاثي غادر.
الآنسة سهى عيسى : موظفة في مؤسسة المشاريع وحاصلة على شهادتها من بيروت.
فرحة الجلاء فيها فرح وفيها حزن. الحزن عندما نظرنا إلى الطريق الذي خلفناه مثلاً ضرب دمشق، أذكر الجلاء عند خروج الفرنسيين كيف كانت دمشق مهدمة..
أول شيء يجب أن نشكر المرأة التي وجدت في المرحلة الانتقالية مثلاً فرفعت الحجاب ودخلت الجامعة وحياة العمل... والآن نشاهد الأم نساعد الأولاد على دخول المقاومة الشعبية وتبث فيهم الروح القومية وتدفعهم نحو الواجب المقدس، وأنا من دعاة الجندية للسيدات.
سيقوم الاستعمار بكل ما أوتي من قوة لمحاربة فكرة القومية العربية وأنا أرى أن الخطوب تجمع وأكبر مثل اجتماع العرب يوم الاعتداء على بورسعيد لابد للعرب إذا داهم الخطر أي قطر من الالتفاف نحوه مهما كان بينهم من خلافات.. لقد كانت مسؤولية الجيل الماضي إشعال روح الثورة والمطالبة بالاستقلال أما الجيل الحالي فهو جيل بناء وشق الطريق. وعلى المرأة تعليم الأميين ورعاية الأمومة والطفولة.
الدكتورة أميمة سواح :
عندما كنا صغاراً جمعنا الكتب الفرنسية وأحرقناها وأعتقد أن الكثير من الطلبة والطالبات قد فعل ذلك.. وكانت النساء في عهد الانتداب يقمن بنقل الأسلحة وإحضار الطعام والأخبار للثائرين..
الأجيال المقبلة عليها أن تكمل الطريق الذي سرنا فيه وتحافظ على الانتصارات التي أحرزناها، وأنا لا أؤمن بعمل المرأة السياسي إنما ميدانها اجتماعي باستطاعتها أن تكون الأم الموجهة لأولادها والتي تدفع زوجها للقيام بواجبه.."
* هنا دمشق
مجلة فنية ثقافية جامعة مصورة
صدرت نصف شهرية في دمشق عن المديرية العامة لإذاعة الجمهورية العربية السورية عام 1953
المدير المسؤول : المدير العام للإذاعة
رئيس التحرير : سعيد الجزائري
تضمنت الموضوعات التي تصلح للإذاعة من البرامج والتمثيليات والمسلسلات والأخبار والتعليقات السياسية والتقارير الإخبارية والتحقيقات والمقابلات بالإضافة إلى التسالي والعلوم والطرائف وعرض لبرامج الإذاعة السورية خلال نصف الشهر القادم..
كانت عند صدورها تحمل اسم الجمهورية العربية السورية، لكن بعد الوحدة بين سورية ومصر (الجمهورية العربية المتحدة) أصبحت تحمل اسم هنا دمشق.