ساهمت الصحافة بكشف وثائق وأسرار مفاوضات واتفاقيات الدول، ووضعها أمام الرأي العام مخترقة حصون السرية المضروبة حول الدبلوماسية التقليدية عالمياً... وعادة ما يتم اختراق التحصينات السرية عبر أعمال جاسوسية منظمة وطويلة الأمد، لكن للصحافة وسائل أخرى..
هذا ما يكشفه موضوع اليوم، الذي نعيد نشره في وقت تتكاثر فيه التسريبات والوثائق المكشوفة التي يتم الحصول عليها بطرق مختلفة، قد تمضي سنوات قبل أن يتم الكشف عنها (حفاظاً على سرية المصدر المتعارف عليها في ميدان الصحافة).
وسائل الإعلام اليوم والوسائل الالكترونية خصوصاً، استطاعت فتح ثغرة كبيرة في جدار السرية عبر الدخول إلى مواقع الوزارات والمؤسسات العسكرية .. في أنحاء مختلفة من العالم، والنفاذ إلى أدق خفاياها..
تتزايد التساؤلات عن مشروعية تعامل وسائل الإعلام مع الوثائق المسربة، وتطال الاتهامات نوايا ومطامع الأشخاص الذين يسربون الوثائق.. لكن المؤكد أن على الدبلوماسية الحاضرة والمستقبلية أن تصبح أكثر شفافية أمام الرأي العام، إن لم يكن بإرادتها، فسوف تجد نفسها مرغمة على بعض الوضوح والمصداقية تحسباً ليوم آت..
في حواره مع مجلة الإذاعة، كشف ـ مصطفى أمين* ـ بعد سنوات، عن المصدر الذي زوده بنسخ عن المفاوضات التي كانت تجري بين مصر وبريطانيا بشأن جلاء بريطانيا عن السودان، والوضع العسكري بين البلدين...
وقد اخترنا بعض المقتطفات الشيقة من اللقاء مع صحافي وأديب لعب دوراً هاماً ـ مع شقيقه التوأم علي ـ في الصحافة المصرية على مدى أكثر من نصف قرن مضى..
الاذاعة العدد 1286 تشرين الثاني 1957
"... سألته سامية صادق (الصحافية) : سمعنا أنك تستطيع أن تعرف آخر الأخبار وأنت تتحدث عن الجو، فهل هذا صحيح؟
هذه مبالغة طبعاً... وأعتقد أن مبعثها القصة التي حدثت لي سنة 1946، عندما كان رئيس الوزراء وقتئذ مسافراً للمفاوضات في انجلترا وطلب مني مرافقته في السفر.. وذهبت إلى المطار مزهواً، وقد صور لي الغرور أنني الصحفي الوحيد المرافق له، ولكنني فوجئت هناك بأكثر من سبعة من الصحفيين غيري.. وفي انكلترا حاولت أن أنفرد بشيء عن المفاوضات أخص به ـ أخبار اليوم ـ ففشلت.. فكلما ذهبت لمقابلة رئيس الوزراء وجدت الصحفيين من حولي، وإن ذهبت لمقابلة وزيرة الخارجية رأيتهم خلفي.. والمفاوضون أيضاً لا يريدون الكلام.. وفكرت في طريقة، أي طريقة.. وومضت فكرة في ذهني فجأة عندما وقعت عيناي على الفتاة الانجليزية التي تعمل على الآلة الكاتبة تمر أمامي.. فسرعان ما تتبعتها وتعرفت عليها ودعوتها للغداء..
وبعد الغداء قدموا لنا القهوة ومع كل فنجان قطعتين من السكر، ورأيت صاحبتي تضع قطعتيها داخل كيس نقودها ! ولما سألتها عن السبب، قالت أن الحكومة تصرف لهم كمية قليلة من السكر بسبب ظروف الحرب، وأن عندها ابنة مريضة تحتاج إلى السكر.. فقلت لها :
ـ وماذا تفعلين لمن يأتيك بصندوق من السكر؟
فرحت الفتاة وقالت :
ـ أي شيء..
وذهبت إلى غرفتي وعدت لها بصندوق السكر الذي كان معي.. وكانوا قد صرفوا لكل منا صندوقاً قبل سفرنا إلى انجلترا.. وكان الصندوق أمام الفتاة أثمن من عقد من اللؤلؤ ثمنه عشرة آلاف جنيه.. وردت لي الجميل بأن أخذت تكتب كل ورقة من المفاوضات على كربونة جديدة، ثم تعطيها لي أول بأول.. فأنقل ما بها وأبعث بها إلى جريدتي كاملة .. ودهش كل من الطرفين لتسرب المفاوضات كلها إلى ـ أخبار اليوم ـ وحين عدنا إلى القاهرة، اتهمني رئيس الوزراء بأنني " بوظت " ـ أفشلت ـ المفاوضات.. ومع ذلك فقد أحرزت نصراً صحفياً رائعاً..
وتحدث مصطفى أمين عن أثر التلفزيون في الصحافة فقال :
ـ يخطئ من يظن أن التلفزيون سيؤثر على الصحافة عندنا تأثيراً ضاراً .. فأنا أعتقد أن الصحافة ستستفيد جداً من التلفزيون.. فحينما قامت الاذاعة قالوا أنها ستقضي على الصحافة، وكانت النتيجة أن بعض الصحف عندنا كانت توزع 20 ألف نسخة ارتفع توزيعها إلى 150 و250 ألف نسخة... وفي الخارج ارتفع توزيع الصحف بعد التلفزيون لأن الناس أصبحوا يبحثون فيها عن أخبار التلفزيون..
* مصطفى أمين :( 1914 ـ 1997 )
مصري ولد مع شقيقه التوأم (علي) في بيت الأمة ، بيت سعد زغلول قريب والدته
درس الحقوق، ونال ماجستير العلوم السياسية والاقتصادية والصحافة من جامعة جورج تاون في أمريكا
تولى تحرير آخر ساعة
ترأس قسم الأخبار في الأهرام، ثم تولى رئاسة تحرير مجلة الاثنين
ألقي القبض عليه مرارا، وحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التخابر مع المخابرات الأمريكية، عفا عنه السادات، وعين رئيسا لتحرير أخبار اليوم
كان مشرفا على عدد من المشروعات الإنسانية التي أنشأها مع توأمه منها: لست وحدك، دار الأيتام، ليلة القدر
أنشأ جائزة مصطفى وأمين الصحفية، وحصل عليها إضافة إلى الصحفيين الكثير من المصورين ورسامي الكاريكاتير والممثلين منهم: فاتن حمامة، يحيى الفخراني، نور الشريف ، عبلة كامل ، عمار الشريعي ، يحي العلمي..
كانت علاقاته وطيدة مع المطربين: أم كلثوم، عبد الحليم، عبد الوهاب، نجاة..
متزوج وله ابنتين: صفية (على اسم زوجة سعد زغلول) رتيبة (على اسم والدته)
هو وشقيقه علي كانا صاحبي فكرة عيد الأم
مؤلفاته :
أمريكا الضاحكة
تسعة روايات عن سجنه
سنة أولى حب (تحولت إلى فيلم(
فاطمة(تحولت إلى فيلم(
معبودة الجماهير (تحولت إلى فيلم(
الآنسة كاف (تمثيلية إذاعية وتلفزيونية