بيداغوجيا الإدماج إطار عملي
لأجرأة المقاربة بالكفايات
(المدرسة المغربية نموذجا)
إعداد: د.حياة شتواني*
1-السياق العام لاعتماد بيداغوجيا الإدماج في المدرسة المغربية:
اعتمد المغرب منذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين المقاربة بالكفايات كاختيار بيداغوجي بغية الارتقاء بالممارسة التربوية، وتحسين جودة التعلمات أو تجاوز بعض النواقص التي طبعت بيداغوجيا الأهداف. كما تتوخى هذه المقاربة إقدار المتعلم على توظيف واستثمار مكتسباته السابقة في مواجهة مختلف الوضعيات والمشكلات التي تصادفه في حياته اليومية في إطار ربط المدرسة بالحياة، ومحاولة ردم الفجوة بين متطلبات المجتمع، وأداء المدرسة المغربية.
إلا أن بيداغوجيا الكفايات ظلت حبيسة التنظير، ولم يتم أجرأتها وتفعيلها على مستوى الواقع، لأنها ظلت غير واضحة المعالم في أذهان عدد من المدرسين، لعدة أسباب: لعل أبرزها تغييب الجانب التطبيقي في الدورات التكوينية المنظمة لفائدتهم. لذلك ظل الاشتغال بالأهداف هو المعمول به داخل الفصول الدراسية، رغم توظيف المدرسين لبعض المفاهيم المرتبطة بالكفايات مثل الكفاية والقدرة والوضعية المسألة ... مما انعكس سلبا على تعلمات التلاميذ التي ظلت منفصلة وغير منظمة، مما لا يسعف على تخزينها في الذاكرة لمدة طويلة. كما أنها ظلت غير ملائمة لطبيعة المشاكل والوضعيات التي تصادفه. لذلك تبنت وزارة التربية الوطنية ببلادنا المشروع( E1 P8) من البرنامج الاستعجالي القاضي باعتماد بيداغوجيا الإدماج كإطار منهجي لإرساء المقاربة بالكفايات.
2-مفهوم الإدماج:
يعرف المجلس الأعلى للتربية في كيبك الإدماج بكونه "السيرورة التي يربط بها التلميذ معارفه السابقة بمعارف جديدة، فيعيد بالتالي بناء عالمه الداخلي، ويطبق المعارف التي اكتسبها في وضعيات جديدة ملموسة" .
ويستشف من هذا التعريف ما يأتي:
-الإدماج هو ربط المعارف السابقة بالمعارف الجديدة، وتركيبها، ثم توظيفها لحل وضعيات جديدة.
-إن إدماج المكتسبات عملية شخصية وفردية بالأساس، لا يمكن أن يقوم بها متعلم مقام آخر.
-بيداغوجيا الإدماج ليست بديلا للمقاربة بالكفايات، بل إطارا منهجيا لأجرأة هذه المقاربة وإنمائها.
3-أهداف بيداغوجيا الإدماج:
تتوخى بيداغوجيا الإدماج تحقيق جملة من الأهداف منها:
-منح معنى للتعلمات التي ينبغي أن تكون في سياق ذي دلالة وفائدة بالنسبة للمتعلم، ذلك أن هذا الأخير حين يدرك قيمة ما يتعلمه، ويقتنع بجدواه، فإن ذلك من شأنه أن يذكي حافزيته للتعلم، أما إذا كانت التعلمات المكتسبة لا علاقة لها بمحيطه، ولا يمكنه استثمارها خارج المدرسة، فإنه سوف يعتبرها مجرد عائق ينبغي عليه تجاوزه من أجل الحصول على الشهادة، أو المرور إلى السنة الدراسية الأخرى. وإذن، فهذه البيداغوجيا تنمي لدى التلاميذ مواقف إيجابية اتجاه التعلم.
-تمكين المتعلم من النجاح في الحياة من خلال تثمين المعارف والمهارات المدرسية، وجعلها قابلة للاستعمال في الحياة اليومية.
-تحريره من عبء المعارف بالتركيز على الكيف المنهجي لا الكم المعرفي. وغني عن البيان أن المعارف لم تعد غاية في ذاتها كما كان الأمر في التعليم التقليدي، بل وسيلة لاكتساب القدرات ثم الكفايات.
-إقداره على حسن التصرف أمام مشاكل الحياة، وإكسابه الاستقلالية الذاتية في التفكير والتحليل، وتنمية حسه النقدي.
-تحقيق الإنصاف بين المتعلمين، ومساعدة المتعثرين منهم على تحسين مستواهم .
4-مراحل إرساء المشروع:
لقد تم تجريب مشروع بيداغوجيا الإدماج بسلكي التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي الاعدادي على أربع مراحل:
*مرحلة التجريب المحدود: أنجزت خلال الموسم الدراسي 2008م/2009م بتسع مؤسسات للتعليم الابتدائي في أكاديميتي مكناس تافيلالت والشاوية ورديغة.
*مرحلة التجريب الموسع: أنجزت خلال الموسم الدراسي 2009م-2010م بكل مؤسسات التعليم الابتدائي بالأكاديميتين المذكورتين، وأكاديمية وادي الذهب لكويرة، وكذا تجريبها بتسع مؤسسات للتعليم الابتدائي بكل واحدة من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الثلاث عشرة المتبقية.
أما فيما يتعلق بالتعليم الثانوي الإعدادي، فقد شمل التجريب خلال الموسم الدراسي نفسه، ست ثانويات إعدادية بكل من أكاديميتي مكناس تافيلالت والشاوية ورديغة.
*مرحلة التعميم الابتدائي وهي تنجز خلال الموسم الدراسي الحالي 2010م-2011م. ويتم خلالها تعميم بيداغوجيا الإدماج على مستوى مؤسسات التعليم الابتدائي بمجموع التراب الوطني.
أما فيما يتعلق بالتعليم الثانوي الإعدادي، فيتم تعميم بيداغوجيا الإدماج على جميع مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي بأكاديميات مكناس تافيلالت، والشاوية ورديغة، وواد الذهب لكويرة. وكذا تجريبها بست ثانويات إعدادية بالأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الثلاث عشر المتبقية.
ويشمل التجريب المواد التالية: اللغة العربية، واللغة الفرنسية، والرياضيات، والاجتماعيات والتربية الإسلامية، وعلوم الحياة والأرض، والفيزياء والكيمياء، والتربية البدنية.
*مرحلة التعميم بالثانوي الإعدادي تنجز خلال الموسم الدراسي 2011-2012، ويتم خلالها تعميم إرساء بيداغوجيا الإدماج على مستوى جميع مؤسسات التعليم الثانوي الإعدادي بمجموع التراب الوطني .
وقد تم تنظيم دورات تكوينية لفائدة الفاعلين التربويين من مفتشي ومديري وأساتذة مؤسسات التجريب، ومكوني مراكز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي، ومكوني المراكز التربوية الجهوية.
ويتميز المشروع بالمواكبة والتتبع والتقويم من طرف الخبراء ومختلف المتدخلين والفاعلين. وتتم أجرأة عملية الإدماج من خلال تخصيص ستة أسابيع لتعلم الموارد (المعارف والمهارات والمواقف والسلوكات...)، وأسبوعين للإدماج، تتخللهما عمليات تتبع وتقويم تكويني ومعالجة.
5-اقتراحات لإنجاز بيداغوجيا الإدماج:
من أجل إنجاح بيداغوجيا الإدماج، أقترح ما يلي:
-التركيز في الدورات التكوينية التي تنظم لفائدة الأطر التربوية على الجانب التطبيقي، مع اختيار التوقيت المناسب لأجرأتها، وتخصيص غلاف زمني كاف لاستيعاب هذه المقاربة، وما يرتبط بها من أنشطة، بحيث يكون الأساتذة قادرين على تصريفها ميدانيا.
*محاربة ظاهرة الاكتظاظ التي استفحلت في مؤسساتنا التعليمية لأنها تنتصب شامخة لتعيق كل المحاولات الرامية لتجديد المنظومة التربوية، وتحسين أداء المدرسين.
*التقليص من كثافة المقررات الدراسية لأن المدرس بدل أن يركز اهتمامه على تنمية الكفايات لدى المتعلم، يكون هاجسه الأكبر هو إنهاء المقرر.
*جعل المحتويات التعليمية حية وحيوية بحيث تتلاءم مع الوضعيات الإدماجية، وتتجاوب والواقع الاجتماعي والنفسي للمتعلم.
*جعل المتعلم هو محور العملية التعليمية التعلمية والفاعل الأساس لكل نشاط تربوي، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تجاوز المدرس طرائق التدريس التقليدية القائمة أساسا على التلقين الذي لا يزال هو المهيمن في الممارسات الفصلية.
-تخفيض عدد ساعات الدراسة في الأسبوع بالنسبة للمتعلمين، وتقليص البنية الكمية للمواد الدراسية المبرمجة في السنة الواحدة، وتخصيص أوقات الفراغ للأنشطة المدرسية الموازية، خاصة تلك التي تتطلب الخروج من القسم، أو من المؤسسة التعليمية، وذلك قصد استقطاب المتعلمين، وترغيبهم في المدرسة، وبالتالي في التعلم.
-الإنصات إلى مشاكل المتعلمين وتشخيص الصعوبات التي تعترضهم في التعلم، وتعرف ميولاتهم وحاجاتهم وانشغالاتهم وتوجهاتهم، وأخذها بعين الاعتبار أثناء بناء المحتويات الدراسية.
-عدم إغفال آراء وملاحظات ومقترحات أساتذة التجريب، لأنها تكون نابعة من الممارسة الفعلية للعملية التعليمية التعلمية، والاحتكاك اليومي بالمتعلمين.
-إمداد المؤسسات التعليمية بالتجهيزات والوسائل اللازمة لتحسين ظروف العمل.
-إصلاح البنيات والفضاءات المدرسية المهترئة والمتردية.
وفي الختام، أود أن أؤكد على أهمية بيداغوجيا الإدماج في إرساء المقاربة بالكفايات ودورها في تطوير جودة التعلم، وتقوية فعالية المدرسة، لذلك ينبغي على كل الفاعلين التربويين في منظومة التربية والتكوين أن ينخرطوا بحماس ومسؤولية في مشروع تجريب هذه البيداغوجيا، وأن تتكاثف جهودهم م ن أجل إنجازها.
الهوامش:
1(-Xavier Rogiers : « une pédagogie de l’intégration compétences et intégration des acquis dans l’enseignement, 2éme édition 2001 de Boeck université Bruxelles, p : 24.
2)-في حوار مع كزافيي روجز، العلم التربوي: العدد 21824، نونبر 2010، ص: 6.
3)-المذكرة الوزارية رقم 174 بتاريخ 8 نونبر 2010 حول إرساء بيداغوجيا الإدماج، ص: 2-3.