عند ‘‘مقسم بردى‘‘ مقابل ‘‘القصر القديم‘‘ تطل بأقراص أزهارها البيضاء .. تلقي عليه تحية مشتاقة تليق بلقائهما من الربيع إلى .. الربيع
يلتقي ‘‘بردى مع يزيد‘‘ في موقع في ‘‘الربوة‘‘ مقام عليه مقهى شعبي لا أعرف اسمه، فأسميته (ملتقى النهرين) وصحبتك معي إليه وأجلستك على كرسي ‘‘بلاستيك أخضر‘‘ قبالة ‘‘شلاّل المقسم، والبيلسانة التي تجاوره، وشجيرة ورد بلدي زهرية اللون.. شبابية الرائحة و.. الاستعارة
ماء ‘‘بردى ويزيد‘‘ انخفض قليلا عن السد الفاصل بينهما إذ قبل أسبوع كادا يبغيان على بعضهما، لكن مرور الزمن أطاح برغبة الماء في لقاء الماء .. فانحدر المستوى وعاد المشهد: يزيد من فوق وهو فرعه، وبردى من تحت وهو أصله.. مسيرهما منفصل إلى أن يصبا في ‘‘العتيبة‘‘ التي صارت قاعا صفصفا
في الجهة المقابلة، بنايات جديدة بيضاء وفخمة تطل من ‘‘قاسيون‘‘ على المشهد النهري، سكانها فرحون بهذه الإطلالة، لكننا مكتئبون – نحن رواد مقهى ‘‘ملتقى النهرين‘‘من انقطاع النظر نحوالأفق
تينة، إكي دنيا، أكاسيا، صفصاف، حور، وخبيزة يتردد لونها بين الأحمر والزهري ، وصنوبرة وحيدة وعجوز في مدخل مقهى ‘‘القصر القديم‘‘، وشجيرة لا أعرف اسمها فأسميتها ‘‘الخجولة‘‘ يظللن مشهدي مع صديقتي وصاحبينا( محمود درويش وأمجد ناصر) وفيروز التي غنينا لها ( سائليني يا شآم وشام ياذا السيف لم يغب التي نسينا بقية كلماتها لأن أغنية أخرى سيطرت علينا قافيتها: طالت نوى وبكى من شوقه الوتر / خذني بعينيك واهرب أيها القمر، ومن عز النوم تسرقني) ولأننا قرأنا قصيدة أمجد ناصر‘‘سكة العاشقين‘‘ فقد تداعى لحنها العتيق إلى مقدمة الذاكرة ووجدنا أنفسنا نغنيها، ولسبب ما أخذنا لحنها إلى أغنية أخرى ل‘‘لنجاة الصغيرة‘‘ : مش هاين اودعك / أشفوك واسمعك / ماهي واحدة من اثنين / ياتاخدني يارجعك /لادمعك يطفي ناري / ولا دمعي ينفعك/ سافر من غير وداع / ولا إني أودعك
طرطقة الكراسي، ضجيج الشارع العام بسياراته العامة والخاصة، أصوات النساء وضحكاتهن المرتفعة، وسخ المكان، ضوضاء الأولاد و.. هدير الشلال كلهم مجتمعين لم يمنعونا من متابعة قراءتنا لمحمود درويش وأمجد ناصر، ولا من غنائنا لفيروز ونجاة وفايزة أحمد ( ست الحبايب) حيث أنني تذكرت أمي حين كانت تطلب مني أن آخذها إلى مقهى ‘‘المي والخضرة‘‘ كما أسمته هي
ولم تمنعني أبدا من ‘‘رؤيتي‘‘ لك - جالسا قبالة ‘‘شلال المقسم‘‘ إلى جانبي ومعك كامل أعضائك ووجهك الذي لم يعد صباريا تماما ولا مترفقا تماما ولا متجهما تماما ولا حنونا تماما ولا صلبا تماما ولا متفهما تماما ولا نائيا تماما ولا قريبا تماما
أنت كنت في دمشق‘‘حبيبتك التي انتزعت من حضنها غيلة‘‘ كما ذكرتك ‘‘بسمة النسور‘‘ في وداع صديقك وخلك ‘‘محمود درويش‘‘ تسمع ‘‘مش هاين أودعك‘‘ والبقية، وتشم رائحة البيلسانة تأتيك من ناحية النهر، ولا تتذمر من الضجيج والعجيج وكرسي البلاستيك الأخضر غير الأنيق ولا من وسخ المكان الفولوكلوري – على الرغم من..
أنك ..
غير...
مرئي
فقد كنت إلى جانبي
‘‘أراك‘‘
ــــــــــــــــــــــ
مزن الأتاسي
أديبة وكاتبة سورية