كاعلامية ومتابعة للمشهد السياسي في تونس احببت ان اشارك بهذه (القراءة السياسية لبرنامج الحركة الإسلامية في تونس) لإدارة الصراع مع النظام التونسي الذي لا ترى فيه الحركة الاسلامية سوى انه امتداد للاستعمار الفرنسي لتونس الذي بدأ في العام 1881م، وبذلك سلخت عن العالم الإسلامي، واقتطعت من جسد الدولة الإسلامية.
ثم أتى نظام بورقيبة وما وجد نظامه إلا لاختطاف دماء الشهداء الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي وطردوه مذموماً مدحوراً من البلاد، إلا أنه تم الالتفاف على تضحياتهم مراوغة جهودهم ومخادعة الشعب بتبديل وجه الاستعمار الفرنسي بوجه بورقيبة الصفيق.
وهذه وقفات سريعة مع ما يصرح به رموز الحركة الاسلامية مما يكشف بجلاء أننا بصدد برنامج مكتمل الخطة، جلي المعالم، واضح التصورات، مما يوضح أن الحركة الاسلامية تدير معركتها باحتراف:
أولاً: لا بد من وقفة لتحليل بيان حزب التحرير - 2007 ، إذ رسم الشيخ عطاء أبو الرشتة أمير حزب التحرير خريطة تفصيلية للقوى السياسية ومن يقف خلفها، وبيّن أدوات الصراع الدائر بينها وأشار إلى رموزه: كالمرجان، والقلال، والغنوشي، والدبابي بن عمار، محدداً بذلك الأسماء وتبعيتها.
ثانياً: من نفس السياق يمكن قراءة مواقف حركة النهضة ، ومواقف الشيخ راشد الغنوشي، التي تفضل ممارسة الدهاء السياسي على مبدأ "خذ وطالب" فكان التوجه للاكتفاء بالإصلاح السياسي في طروحاته، لتكون النتيجة أن يعلن صراحة يوم 13- جانفي -2011 بأن رأس (بن علي وعائلة الطرابلسي) هما المستهدفان بالإطاحة، بعد تصريح (بن علي) الشهير ] أنا فهمتكم [ .
ثالثاً: كذلك إن الجماعة السلفية تخرج أيضاً مطالبةً بنفس المطالب السابقة، داعيةً إلى إسقاط الحكومة، وإخراج جميع أذناب (بن علي) من السلطة.
ومن نافلة القول أن اقتلاع نظام (بورقيبة) بحد ذاته جزء من برنامج حزب التحرير وحركة النهضة والإسلاميين - عموماً-, كما أن قلع نظام (بن علي) هدف مرحلي معلن وواضح، بل يمكننا القول أن الجمع هم القوة السياسية الوحيدة التي كانت تدعو لقلع النظام و ترفض تغيير الأزلام بالأزلام، بل إن لديهم البديل الجاهز.
ومن متابعة تطور الحدث في الميدان نلاحظ عدة أمور:
1- كيف أن شباب الحزب، وحركة النهضة، والسلفيين والإسلاميين عموما عملوا بصمت في الأحداث طيلة شهر (من 14ديسمبر -14 يناير) وما يثبت هذا ما شوهد من كمّ غفير من المظاهرات، لاسيما أن شرارة المظاهرات انقدحت في أحياء تصتبغ بالصبغة الإسلامية، ويسيطر عليها الشباب الاسلامي، وهذا واقع تواترت الأخبار بنقله وهو مما لا يماري فيه الا مكابر.
2- يلاحظ أنه لم يقم الإسلاميون بتسريب هذه الفعاليات والصور والبيانات إلا بعد فرار بن علي
على سبيل المثال يعلن الإسلاميون في مساء 15 -1 عن التوجه إلى السجون لتحرير الأسرى بعدها بساعات تحرق السجون من قبل النظام، ويطلق سراح السجناء في سجون أخرى، وفي أقل من أربع وعشرين ساعة تعلن الحكومة الجديدة عفوا عاما عن المعتقلين السياسيين.
3- يصرح إعلامي من حزب التحرير ا داعيا الى إسقاط حكومة الغنوشي بعد ساعة من إعلانه .
4- الشيخ الغنوشي يتمهل لليوم الثاني معلنا أن الانتفاضة مستمرة حتى اقتلاع كل جذور النظام، فبعد أقل من أربع وعشرين ساعة يرفع السقف في 16 -1 انه لابد من إخراج أذناب بن علي من السلطة .
5- أن يعلن الإسلاميون أن الانتفاضة ستنتقل إلى المدن خارج تونس العاصمة، ولن تكون داخل العاصمة فقط وكأنها جولة جديدة لانتفاضة جديدة، أو لتكون استدراجاً لقوى معينة من الجيش خارج العاصمة .
6- الهتافات والعبارات في المظاهرات الشعبية المتأججة يوميا هي نفس العبارات التي ينادي بها كل اطياف الإسلام السياسي بذات ألفاظها ، فالشارع يرفع شعارات تطبخ بمطابخ هذه الحركات ، والحركات تبرز وكانها المعبر الوحيد عن إرادة الشارع وتكاد تجزم انها تصدر عن غرفة عمليات مشتركة.
فمن الواضح أن الإسلاميين لموا الشمل ووحدوا الصفوف، وما خطبة القرضاوي إلا إعلان صارخ عن هذا التنسيق، ومن الواضح أنهم يسيرون على خطة موضوعة مسبقا ومن غير استعجال للنتائج فملامح المرحلة القادمة باتت واضحة ، ويمكن تلخيصها بما يلي :
1- اقتلاع كل جذور النظام التي يعتبرها الإسلاميون من مخلفات ونفايات الاستعمار الفرنسي التي فرضت على الشعب التونسي المسلم منذ 1956 أو بالأحرى منذ عام 1881.
2- ترقب انتحار ما يسمى المعارضة التي كانت تعيش في كنف الاستعمار وأزلامها (بن علي وبورقيبه) وهؤلاء الذين مارسوا الانتحار السياسي بمجرد اللهاث وراء عظمة الوزارات التي لوح لهم بها النظام.
3- إن الحركة الإسلامية تدفع الأمور باتجاه تشكيل لجنة تأسيسية لإقرار ما يسميه الاسلاميون ميثاق الأمة .
وستكون هذه هي المفردات التي ستسمعوها في الاسابيع القادمة
مشروع ميثاق شعب تونس المسلم
الميثاق مجموعة من القواعد يؤمن بها الشعب التونسي ، ويجعلها وجهة نظره في الحياة، ويتخذها مصدراً لدستوره وقوانينه.
والشعب التونسي المسلم شعب ناشئ، لانه يريد انشأ دولة له، ويبدأ حياة جديدة غير حياته التي كان يعيش عليها، وتونس الثورة تعتبر نفسها دولة ناشئة حديثاً وبادئة في حياة اسلامية جديدة غير حياتها الأولى.
وازمة تونس اليوم بدأت حين انفصلت تونس عن جسم الخلافة العثمانية في عام 1881، حول الاستعمار تونس مثلها مثل كل الاقطار الاسلامية الى كيان تابع للكافر المستعمر ووضع لها ميثاقاً، سمّاه الميثاق الوطني، أما الشعب التونسي فهو من عرق من أمة عريقة الوجود راسخة الأركان ثابتة القواعد والأحكام، إذ أنها تعتمد في كافة مناحي حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على عقيدة أساسية واحدة وحيدة، وهي وحدها العقيدة الصحيحة، إذ تركزت في نفوسهم أفكار وأحكام جعلتها وجهة نظرها في الحياة، واتخذتها مصدراً للأحكام التي تنظم الدولة وسائر العلاقات، أو ما يسمونه بالدستور والقوانين.
فالشعب التونسي لم يكن إلى المستعمر الفرنسي لكي يفكر ويضع ميثاقا لها مستمدا من جان جاك روسو والعقد الاجتماعي البائس، فالشعب التونسي قد تركزت عنده عقيدة سياسية معينة، وتركزت لديه قواعد معينة جعلها وجهة نظره في الحياة، وسيتخذها مصدراً للأحكام التي تقوم مقام الدستور والقوانين.
هذا وإن لدى المسلمين مصدرين عظيمين للدستور والقوانين هما القرآن الكريم والسنة المطهرة.
وعليه فإن ميثاق الأمة الاسلامية، القائم على أساس الكتاب والسنة، المؤكد تقديم رابطة الإسلام على أي رابطة وطنية أو رابطة قومية، أن الابواق الاستعمارية الناعقة ليل نهار في أذن الشعب التونسي وسائر أعضاء الأمة الإسلامية ، يرفض كل منتجات الغزو التبشيري والثقافي، ثم السياسي والعسكري، من الدول الغربية الكافرة المستعمرة لبلاد المسلمين.
أن أبناء الأمة الإسلامية الأكفاء -في تونس- يدركون تمام الإدراك ويعون كامل الوعي أن الصفة السياسية والصفة التشريعية للإسلام، بل للإسلام وحده، وأن العقيدة الإسلامية هي العقيدة السياسية.هذا على الرغم من مرور قرن أغبر من تحكم الكفر بتونس الأبية، إلا أنه لم يضعف تَصوُّر الإسلام عقيدة ونظاماً للحياة والدولة والمجتمع، في أذهان التوانسة المخلصين.
لذلك فإن هذا الشعب التونسي المسلم العظيم من أبناء الأمة الإسلامية العريقة صحا من غفوته، وأفاق من كبوته، بعد ما تجرعه من المعاناة الشديدة التي عاناها على يد المستعمر الفرنسي وأزلامه (بورقيبة وبن علي)، وأدرك التوانسة المأساة الحقيقية التي لحقت بهم من جراء إبعادهم عن الإسلام،وإقصائه عن حياتهم بكافة مناحيها، من جراء سيطرة الغرب وأفكاره وأنظمته، وعملائه. وبعد أن كشفت الغرب على حقيقته البشعة، وأدركت فساد أفكاره وأنظمته، وفساد الأفكار والأنظمة الاشتراكية والشيوعية، وفساد القومية والإقليمية، ومدى خطرهما عليها، وعلى كيانها كأمة.
بمجرد رفع الحاجز رجع الشعب التونسي إلى إسلامه ليجد فيه الحل لمشاكله، وأصبح هو أمله في الخلاص، وفي إنقاذه مما يعانيه ويكابده، فقرروا إعادة الإسلام إلى الحياة شريعة ونظاما، تشريعاً وتنفيذاً.
وبناء على ما تقدم فان من الطبيعي أن الشعب التونسي يشعر بضرورة تغيير المجتمع الحالي، وهو يؤمن بالكتاب والسنة ويومن بصلاحيتهما ليكونا ميثاق الأمة، وأن يُتخذا مصدراً وحيداً للدستور والقوانين.
وعليه فإن هذا الميثاق جاء ليوضح خطوطاً عريضة تشرح ماهيَّة الدولة التي تقوم على أساسهما، وطريقة تنفيذ القوانين المستمدة منهما، من أجل تفعيل استعمالهما كأسس تشريعية، وهذه الخطوط العريضة ما هي إلا محاولة بلورة لصورة هذا الميثاق ..
ولكن هل يستمر هذا التحالف الى نهايته ام تدخل حسابات الغنيمة لتسرق احلام الاسلام في تونس الجواب
الله اعلم الله اعلم الله اعلم
حُرّر في
22 جانفي
بقلم: كوثر البشراوي حافظ
الاعلامية والباحثة في الشؤون الإسلامية
.