العصامي

مشارك المشاركات : 5 . :

العصامي
تحدثنا في مقال سابق " هذا مذهبي" عن مذهب "طه حسين " في الحياة وقد اخترته لعدة أسباب أهمها انه كان عصامياً) فمن هو العصامي وما أصل هذا اللقب ؟
العصامي " في اللغة العربية هو من " مَنْ ســاد بشرف نفسه وليس من ساد بشرف آبائه " فلهذا تقول العرب . كن عصامياً ولاتكن عِظامياً" " فالعصامي بالمفهوم الحاضر هو الذي ينجح في تكوين نفسه سواء نشأ في أسرة ميسورة أو في أسرة معدومة ، ويقال إنه يقابلها في اللغة الإنجليزية " صانع نفسه" وعند الفرنسيين العصامي هو " ابن عمله " أما سبب هذه التسمية في اللغة العربية فهي منسوبة لشخص يقال له "عصام" شاب استطاع بذكائه وحكمته وثقافته ثقافة عرب ذلك العصر وهي : معرفة أنساب العرب وأيامهم وأشعارهم والقدرة على التحدث بها و
هذا الشاب النبيه استطاع أن يصل إلى مجلس الملك النعمان ابن المنذر وأن يكون من أخص ندمائه بل أصبح حاجبه ، والنعمان رجل متقلب المزاج من النقيض إلى النقيض حتى اشتهر أن له في السنة يومان ( يوم نُعْـم ويوم بُـؤْس . فمن صادف يوم نعمه فليبشر بالهدية ومن صادف يوم بؤسه فليس له إلا المنية، فكان الوفود إذا أرادوا الدخول على الملك وقابلهم الحاجب " عصام " استشاروه، واستوضحوه. فيشير عليهم بالدخول أو عدمه وينصحهم بما يقولون وما لا يقولون وبما يفعلون وما لا يفعلون حتى الشعراء المشهورون والأكبر منه سناً يستشيرونه ، حدث ذات مرة أن النابغة الشاعر المشهور الذي ينسب إليه بداية شعر الاعتذار – جاء يريد الملك وكان متوجساً منه فقال للحاجب : ما وراءك ياعصام ؟ فأصبحت مثلا وهو يريد بالسؤال عن مزاج الملك وقد قال الشاعر في عصام هذا البيت:
نفس عصامٍ سودت عصاما
وعلمته الكرّ َوالإقداما
ويقصد ب" سـوَّدت" أي جعلته سيدا وعصام هذا " عصام بن سَهْبر الجرمي " فأصبح كل شخص يعتمد في نجاحه وشهرته على نفسه يقال له : عصامي ))وعندنا من العصاميين والحمد الله الكثير فمن الكتاب المشهورين " العقاد وطه حسين ، وجرجي زيدان ،وسعد زغلول وغيرهم وقد اخترت ثلاثة نماذج من العصاميين في اتجاهات مختلفة فأول هؤلاء "علي مبارك " الذي يعد ويلقب بـ"المعلم الأول " في مصر وقد عاش في القرن التاسع عشر (1823-1893 م) وُلِـد بإحدى قرى الصعيد في مصر ونشأ في أسرة فقيرة مُـعْــوِزة ، ولما بلغ السادسة من عمره أدخله والده الكتاتيب مثل غيره من أبناء القرية ولكن لم تطل مدة إقامته في الكتاتيب لأن طموحه كان أكبر من سِـنه فكان يريد أن يكون من الكتبة الذين يجيدون إمساك الدفاتر وتدوين الحسابات وربما أنه كان ينظر لهم بنوع من الاحترام لندرتهم في ذلك الوقت فبحث له أبوه عن أحد هؤلاء الكتبة ليعيش معه ويكسب صنعته وخبرته ليكون كاتبا – لكن إقامته عند هذا الكاتب لم تطل إذ حدث ذات يوم أن الكاتب أراد أن يمتحن تلميذه وهو في بيته وبين أبنائه فسأله " ياعلي واحد ×واحد كم يساوي فأجاب علي يساوي اثنان فما كان من المعلم إلا أن قذف تلميذة بمقلاة كانت قريبة منه فشج رأسه وأسال دمه . فكانت النهاية ثم انتقل إلى ثان ٍوثالث لم يكن معهما بأحسن حظ من الأول. وأثناء تنقله بين القرى وهو في التاسعة أو العاشرة من عمره خاوي البطن خالي الجيب سقط في الطريق من الإعياء والحمى فمر به رجل من القرية وأشفق عليه ، وأخذه إلى بيته واعتنى به لمدة ما يقارب الشهر حتى استرد عافيته وقد سمع وهو في القرية أن مكتباً افتتح لتسجيل أبناء القرية لنقلهم إلى مدرسة حديثة " في القصر العيني "فسجل اسمه وأنتقل لتلك المدرسة ولما أتم الابتدائية فيها انتقل إلى ثانوية جديدة افتتحت في بولاق وتخرج منها ،وكان نصيبه مع المبتعثين إلى فرنسا لأنه من المتفوقين ، ولما رجع من فرنسا شغل وتنقل في مناصب متعددة في التعليم ، وكل منصب يسند إليه في التعليم يجد فيه ويعطيه كل جهده وطاقته وكان مثالا للمثقف المخلص لبلده وأمته ، فأنشأ المدارس وعممَّ التعليم في أنحاء مصر وافتتح "دار الكتب " التي أصبحت مرجعا ثقافيا لطلاب الجامعات " وأنشأ" (دار العلوم)التي خرجت أجيالاً من المعلمين في اللغة العربية والعلوم الدينية والذين أصبح الكثير منهم من أعيان الأدباء والمؤلفين هذا هو النموذج الذي يقتدي به ،وإذا أخذنا نموذجاً من الغرب " للعصامية " وإن كان ممن يندر تكرارهم فهذا " توماس أديسون " صاحب الفضل الكبير على البشرية "صاحب المصباح الكهربائي " (هذا العبقري مخترع المصباح الكهربائي ) وليس الكهرباء ، هذا العــالم الذي الكل يعرفه بدون استثناء من لم يعرفه بشخصه فلابد أن يعرفه بأثره ، أما نشأته وكيف توصل إلى ما وصل إليه ، فيبدو أن القليل يعرفها . فهذا (العصامي )الذي استطاع أن يحول فشله في المدرسة إلى أعظم نجاح أمريكي ولد في إحدى " مدن – ولاية ميتشجان ، وفي السابعة من عمره أدخله أبوه المدرسة ، لكنه لم يمض في المدرسة سوى "ثلاثة أشهر " حيث استدعت المدرسة أباه وطلبت منه أن يصطحب ابنه معه من المدرسة لأنه بلغ حدا من الغباء والبلادة لا يستطيع معها الاستمرار في المدرسة فعاد به أبوه إلى البيت ولم يكن أبوه آنذاك بأحسن ظن بابنه من المدرسة ثم يأتي دور الأم "والأم مدرسة " كما قال حافظ وهذه الأم أي مدرسة ، مدرسة أخرجت للبشرية طالباً أي طالب لم تستطع المدارس تخريجه، هذه الأم عز عليها أن ترى وحيدها قعيد البيت بلا دراسة ولاعمل . فعقدت العزم أن تقوم بما لم تستطعه المدارس. فقررت أن تتولى تدريسه بنفسها مهما كلفها من جهد ومشقة وبدأ الصبي يستجيب لتدريس أمه ولم يمضِ أكثر من ثلاث سنوات حتى أجاد القراءة والكتابة فتشجعت أمه وبدأت تجلب له الكتب المبسطة التي تناسب سنه في العلوم والتاريخ والفنون وأصبح الصبي مغرما بها هو يبحث عن تلك الكتب . إلا أن هذا الصبي رغم أنه لم يتجاوز الثانية عشر من عمره لم يرضه أن يكون عاله على والديه فعمل بائعاً للصحف في الشوارع ثم انتقل إلى بيعها في القطارات فيما بين المدن . ثم وسع تجارته فأصبح يجلب معه أكياس الحلوى والفول السوداني إلى جانب الصحف ثم أضاف إليها بيع الكتب الخفيفة للمسافرين ولكنه غير مقتنع بهذا كله فاشترى آلة طباعة صغيرة وقرر أن يصدر مجلة ذات أخبار ونوادر خفيفة وأصدرها ونجح وكل عمله هذا كان في القطار ، ولكن هذا العمل لم يقنعه ، فبدأ يفكر في اختراع آلة تلغراف فأخذ يصطحب معه في القطار بعض الأسلاك المختلفة وبعض الزجاجات المملوءة بالمواد الكيميائية ، وذات يوم انفجرت زجاجة واشتعلت فيها النيران فكاد أن يكون حريقا في القطار وبسرعة أخمدت النار وجاءه قائد القطار مُـحْـنَـقا وقذف به في أول محطة توقف بها ورمى وراءه ببقية أدواته .فلما نظر إليه موظف بالمحطة بثيابه الرثة وجسمه النحيل أشفق عليه ووعده بوظيفة مسؤول تلغراف بالمحطة . وابتدأ الفتى عمله نشيطا جادا
أما تجاربه ومعمله الصغير فقد خصص له والده حجرة صغيره في أعلى البيت واستمر في قراءاته وتجاربه لكنها في البيت فأصبحت على حساب عمله فكثر تأخره عن العمل بسبب النوم والتعب فاضطر موظف المحطة إلى فصله من العمل.
وبدأ بالبحث عن عمل جديد ودخل على صاحب شركة "شركة للذهب " فلما دخل إذا بصاحب الشركة في أشد الارتباك وعلم منه أن الموظف المسؤول في الشركة أغمي عليه ، فتوقفت لهذا السبب عدد كبير من بيوت الأوراق المالية .
المتعاملة مع الشركة ، فاقترح " أديسون " اقتراحاً عملياً لتلافي مثل هذا الحدث مستقبلا ، فنجح الاقتراح فعينه موظفاً في الشركة بمرتب وقدره (300دولار ) ثم اتصل الشاب بمدير " شركة تلغراف " وعرض عليه أن يخترع له آلات مختلفة للأسهم وغيرها بتكلفة "40ألف دولار " فقبل وبهذا المبلغ استطاع أديسون أن ينشأ مصنعاً لنفسه فيه مالا يقل عن ثلاثمائة عامل واستمر يجري تجاربه في معمله .إلى أن جاء عام ( 1878م ) حيث تمكن من اختراع " المصباح الكهربائي الذي أشتهر به ولو أخذنا نموذجاً " للكبار من كتاب العالم ، فإن " تشارلز ديكنز " أبلغ مثل هذا الكاتب أشهر أدباء الإنجليز بعد شكسبير " إنه صاحب " أوليفر تويست " وقصة مدينتين " و "الآمال الكبيرة " ومذكرات بكويك وغيرها من الروائع الأدبية " ويأخذك العجب عندما تعرف أن هذا العملاق الأدبي ولد في كوخ في إحدى ضواحي المدن الإنجليزية ، وأنه بلغ التاسعة من عمره لم يدخل أي مدرسة لفقر أبيه وضيق ذات اليد ، فأبوه كاتب بسيط في البحرية الإنجليزية ، وأمه امرأة بسيطة ساذجة لا تحسن تدبير شئون البيت ، ومما زاد الطين بله أن الأب رغم فقره وحاجته فهو محب للفخفخة والمظهر حتى إنه يستدين أضعاف مرتبه مما اضطر دائنيه أن يجلبوه إلى السجن واضطر بقية أفراد الأسرة الأم وبنيها أن يلحقوا به في السجن وذلك لعدم استطاعتهم العيش بالمنزل إلاابنهما "تشارلز" فإنه ذهب إلى مكتب أولي يتعلم فيه القراءة والكتابة يشرف عليه قسيس القرية ومكث فيه قرابة السنتين أتقن خلالهما القراءة والكتابة ، وكان أبوه قبل دخوله السجن يقص عليه بعض الحكايات ويروي له بعض النوادر فأصبح الصبي له ميول نحو القصص والحكايات ونقد المجتمع فاستفاد من وجوده بالمكتب الأولي في قراءة بعض الكتب المنوعة المكدسة في المكتب ولكنه اضطر لترك المكتب ليبحث عن أي عمل يكسب منه رزقه ليعيل نفسه وليساعد أسرته التي في السجن فعمل في مصنع صغير للدهان الأسود . مهمته فيه أن يعبئ من هذا الدهان في زجاجات ويلصق عليها أوراق كتب عليها محتويات ما بداخلها ، وظل يبحث عن عمل أفضل ، فجاءت الفرصة لترك هذا العمل الذي اضطر إليه .
عندما وجد وظيفة لدى كاتب عدلٍ. وقد تعلم " فن الاختزال عنده ثم انتقل إلى مراسل لإحدى المحاكم المدينة ، ثم التحق بصحيفة أسبوعية أسسها أحد أعمامه من هنا بدأ يكتب بعض المقالات الأدبية ثم عرض عليه ناشره أن يكتب قصة مصورة مسلسلة من (19)حلقة فأقبل الناس على قراءتها بنَــهم ، وبدأ اسمه ينتشر واستمر في الكتاب حتى جاء اليوم الذي نشر فيه أولى روائعه قصة " أوليفر تويست "وقد بدأ في كتابتها متسلسلة عام (1838م)من هنا انطلقت شهرته الأدبية وانتشر صيته في أوروبا كلها وتعداها إلى أمريكا وأصبح الناشرون يتنافسون على نشر أعماله إنها العبقرية والعصامية . [b]

[b]

الإدارة المشاركات : 3446 . :

مررت وقرأت

تحبة لك

مشارك المشاركات : 5 . :

شكرا على لطفك وردك

موضوع: رد: العصامي 30.12.10 5:52

موضوع مفيد
لك محبتي استاذ عبداللة