بنت تايه الرأي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان ياما كان في قديم الزمان شيخ قبيلة
وكان صديقاً لرجل شامي امضى معه حوالي ثماني سنوات من التعامل التجاري.
ذهب يوماً إلى الشامي ليشتري منه بضاعة، فأصرّ هذا على أخذه إلى البيت ليكرمه وقال له: أنت تزورني من سنين وأنا أقدم لك اللازم في الدكان وهذا لا يناسب الصداقة بيننا، فوافق الشيخ.
وفي بيت صديقه أبصر الشيخ ثلاث فتيات كأنهن البدور، فخطر في باله أن يتزوج بواحدة منهن فسأل صديقه: هل أنا عزيز عليك؟ فقال الصديق: نعم فقال الشيخ إنني أطلب يد إحدى بناتك هؤلاء. فقال الشامي: لنر رأيهن فقالت الكبرى لا، وكذلك قالت الوسطى: أما الصغرى فقد وافقت. فقال لها الشيخ: سوف تحملين قربة الماء على ظهرك، فقالت: لا مانع عندي من ذلك، فأضاف وتحملين الفأس للتحطيب؟ فقالت: أفعل كما تفعل بنات البدور، فأضاف: وتخبزين على (الصاج)(1)؟ فقالت نعم أخبز ثم قال: وتحلبين النعاج؟ فقالت: أفعل ثم قال: وتركبين على النوق (الجمال) وترحلين بعيداً؟ قالت: افعل كل ما تفعله بنات البدو. وكان قصده أن يعرض عليها الحقيقة عندهم، لترفضها إذا أرادت. فقال له أبوها (عندما رأى منها هذا الاستعداد): أنا أعطيتك.
أخذها الشيخ وأركبها على الجمل، مثل عادة الشوام، من دون رحل عليه.
وبعد أن تزوجها في بلاده قال لها: سأسميك بابنة تايه الرأي، وأنجبت منه ثلاث أولاد، وتوقفت بعدهم عن الإنجاب.
وذات يوم سألها ابنها الأصغر واسمه سعد: ما سبب اسم تايه الرأي الذي تنتسبين إليه؟
ففكرت في هذا الاسم وشعرت بوجاهة سؤال ابنها وعاتبت زوجها قائلة: أليس من العار أن تسمي أبي بهذا الاسم؟ فرد عليها بأنه سيرسل لأبيها حزيرتين (لغزين)، فإذا عرفهن ناداها باسمها العادي قبل الزواج وإلا فإنه سيبقى على هذا الاسم. فسألته عن هاتين الحزيرتين فقال: الأولى عن أخف الخفيف ما هو؟ والثانية عن أثقل الثقيل ما هو؟
فشدت على جملها وركبت هودجها، وسافرت قاصدة بلاد الشام. فأكرمها أبوها في زيارتها له ثم أخبرته بما هي آتية من أجله وبموضوع اللغزين. فقال لها: أخف الخفيف هو القطن، وأثقل الثقيل هو الرصاص. ففرحت بهذه الحلول، وحمّلها أبوها هدية وأرسلها إلى زوجها.
خرج أبناؤها يلاقونها في أطراف البلدة ليعرفوا مسبقاً هل اهتدى الجد إلى الجواب الصحيح. وسأل ابنها الأصغر عن هذا الأمر فقالت له أمه: لقد حل جدك هذه الحزازير، وذكرت له الحلول، فقال الصغير الذكي: أخف الخفيف على الغانمين ثقيل: أين أن أية كلمة سيئة ولو كانت صغيرة على الرجال الكرام ثقيلة ولا يتحملونها. وأثقل الثقيل على الغانمين خفيف أي أن كل شيء على الكرام ولو كان ثقيلاً فهو عندهم ممكن وخفيف.
ومشوا أدراجهم إلى البيت بعد أن أوصاها ابنها أن تقول لزوجها كما قال هو لا كما سمعت من أبيها.
فسألها قائلاً: يا بنت تايه الرأي هل عرف أبوك الحزازير؟ فقالت نعم: فسألها عن الحل فأجابت بما أشار ابنها، فرضي به. ولكنه فكر قائلاً: إن الشامي لا يستطيع أن يصل إلى هذا المستوى من الذكاء، وربما كان ابنه الذكي (ابن الشيخ) هو الذي قام بالحل. وصمم أن يكشف الحقيقة بنفسه. فصرخ بابنه قائلاً: إن أخاك قد مات. فقالت زوجته: كيف مات لقد استقبلوني ولم يكن بهم أي مرض. فعرف أن ابنها هو صاحب الحل. فنادى أولاده وسألهم من فك الحزيرة؟ فقال الصغير أنا. فقال له: بما أنك عرفتها فأنت الشيخ من بعدي. فقدم الصغير أخاه الأكبر فقال أبوه: وإذا مرض فأجاب الصغير، فليكن أخي الأصغر. فقال الأب: وإن كان قليل الفهم؟ فرد الصغير: وحينئذ أكون أنا. فقال له أبوه إذا أتاك اثنان متخالفان: خاين وغانم (بخيل وكريم) فكيف تصلح بينهما؟ فقال: آخذ من مال الغانم وأرضي الخاين فيذهبان متراضيين. فقال الأب: وإذا أتاك الاثنان خائنين (بخيلين)؟ فقال الابن: أقسم بينهما بالسواء. قال الأب: وإذا أتاك اثنان كريمان؟ فقال الابن الكريمان يتراضيان قبل أن يصلا إليّ. قال الأب: اشهدوا إنه الشيخ من بعدي. واكرماً لهذا الشاب الصغير الذكي لم يعد يسمي أمه ابنة تايه الرأي.
================================================== =========================
هوامش الحكاية :
1- لوح من المعدن
***
اللبيب والإشارة
================================================== ==========================
نذر أحد الرجال، إن رزقه الله بولد، أن لا يخرجه من البيت قبل أن يكتمل عمره خمسة عشر عاماً. وفعلاً، جاء يوم حملت امرأته ووضعت مولود ذكراً، ففرح به وظل يحوطه بعنايته ويحافظ على أن لا يخرج من البيت، فلما اكتمل السنوات التي حددها سمح له بالخروج.
حينما خرج الفتى رأى مجموعة من الناس في سفر وموكب، اعجبته، فذهب إليهم يسألهم فقالوا: ذاهبون إلى الحج. فأسرع إلى أمه يطلب إليها أن يشارك هؤلاء الناس سفرهم. عارضت الأم ذلك، وعرضته على الأب فعارض أيضاً، ولكن ابنها ما زال يلح عليهما حتى وافقا.
حطت القافلة في بعض المواقع للاستراحة، فاتفق إن كانت خيمة هذا الشاب قريبة من خيمة خضراء لابنة أحد الملوك، وكانت جميلة تعلق بها قلبه، وعند العودة من الحج أبصر الشاب هذه الفتاة تشير بإشارات ظلت غامضة بالنسبة إليه، رآها تغمز مرة بإحدى عينيها، ومرة بطرف كمها، وثالثة باصبعها إلى الأعلى ليظهر عليها الخاتم.
عاد إلى أهله فوجد أنهم قد خطبوا له فتاة من بين الأقارب، رفضها، وأصر على البحث عن الفتاة التي رآها في الحج، ولكن مقاومته لم تستطع أن تصمد لإصرار أبويه وأهله، في وجوه ممن خطبوها له على غير رغبة منه فيها.
لذلك جعل يضع بينه وبين زوجته، عند النوم، سيفاً، وحينما تكرر منه ذلك أخبرت زوجته أمها به. فأشارت عليها أن تسأله عن السبب، فسألته فأخبرها بقصة الفتاة التي تشغل ذهنه منذ أن ذهب للحج، وذكر لها الإشارات الغامضة فقالت له: غمزة العين هي الإشارة إلى بنات الملوك، وإشارة الأصبع التي بها الخاتم تعني أنها وحيدة أبويها، وأن مسكنهم بجوار صائغ، والإشارة بالكم معناها أنهم يسكنون أيضاً بجانب خياط (ترزي).
في الصباح خرج الشاب يبحث عن صاحبة هذه الأوصاف، فنال منه الجهد والتعب وهو يبحث حتى وصل إلى صائغ وخياط يشتغلان قريبين بعضهما من بعض، ففرح بذلك وشعر بتحقق آماله، فقرر أن يتقرب من الصائغ لتنشأ له سمعة من التعامل معه فلعل اسمه يعرف في هذا الحي وتكون الفتاة من بعض المتعرفين عليه، فطلب إلى الصائغ أن يصنع له خاتماً من الذهب، وبعد أن صاغه الصائغ قاسه على إصبعه ثم قال خذه لك هذا صغير على اصبعي، ثم طلب منه أن يصوغ خاتماً آخر. ثم أهداه إياه لأنه -في رأيه- أكبر من اصبعه، ثم طلب إليه أن يصنع له خاتماً ثالثاً، فحدد له الصائغ ساعة محددة ليأتي ويتسلمه.
تحدث الصائغ إلى زوجته في أمر هذا الشاب وأعطاها الخاتمين، فتحدثت زوجته مع الفتاة، وكانت تسكن قريبة منها، في الأمر نفسه، فأخذت الفتاة منها أحد الخاتمين، وطلبت إليها أن تريها هذا الشاب حينما يعود لتسلم الخاتم الثالث فوافقت.
حين مجيئه إلى الصائغ كانت الفتاة تقف بإحدى النوافذ فظهر البشر على وجهها بشكل واضح كما هو على وجهه، فلم تتمالك نفسها من أن تشير إليه بابريق من الزجاج ومزهرية ورد. لكنه لم يحصل من هذه الإشارات شيئاً.
عاد إلى زوجته فحكى لها ماحدث معه، فقالت له: إن إبريق الماء يرمز إلى نافورة الماء، والمزهرية ترمز إلى الحديقة، وكانت بالمدينة حديقة كبيرة جميلة يقصدها الأعيان والوجهاء.
ذهب الشاب إلى هذه الحديقة ليتقابل مع هذه الفتاة في مكان حددته له فمنعه الحارس من الدخول لأن ابنة الملك سوف تزور الحديقة بعد قليل، فجعل يقنع الحارس بأنه مريض ويحتاج إلى كان صحي هادىء يريح فيه جسمه وأعصابه، فلم يوافق الحارس إلا ببعض قطع النقود التي رماها في جيبه، حيث قال له: لا تطل المكوث داخل الحديقة.
أخذ الشاب يطوف ويطوف حتى انتهى إلى النافورة فجلس إليها، فسيطر عليه النعاس فنام، وحينما وصلت الفتاة إلى مكانها وجدته نائماً فلم توقظه واكتفت بأن وضعت بضع حصوات في جيبه وعادت من حيث أتت.
وجد في جيبه عدداً من الحصى حينما أفاق، فعجب لها من أين أتت إلى جيبه وخرج من الحديقة فقال له الحارس: قلت لك لا تطل المكوث في الحديقة. لئلا تراك ابنة الملك. وها قد أتت إلى الحديقة وخرجت منها فماذا لو رأتك فيها؟ فأدرك أنها هي التي وضعت الحجارة الصغيرة في جيبه.
عاد إلى زوجته وأخبرها بهذه الإشارة الجديدة فقالت له: إنها تريد أن تقول لك من خلال هذه الحصوات أنك لا زلت صغيراً على الحب، لا زلت طفلاً يلعب بالحصى مع الأطفال، وهذه هي الآن لعبة تناسبك أكثر من غيرها.
عاد إلى بيتها ثانية وجعل يحوم حوله، فرأته، فأشارت له بسبع حبات من الرمان مشققات وسبع غير مشققات. لم يفهم مغزى هذه الإشارة كما لم يفهم ما سبقها من إشارات. قالت له زوجته في البيت، إنها تقول له: اذهب إلى قصرها وستجد فيه سبعة أبواب وعليك أن تقفل كل باب تفتحه بعد أن تدخل.
أسرع إلى قصرها واجتاز الباب الأول وظل يخترق الأبواب دون أن يغلقها مما لحقه من الفرح وانشغال الذهن، وأخيراً وصل إلى غرفتها فألقاها تجلس على سريرها، فسرت به سروراً بالغاً، واستغرقهما الحديث في أول لقاء صريح ولم يفطنا إلى مرور ساعات الليل وهي تنقضي، وما زالا في سهر وسمر حتى غلبهما النعاس ولم يعلما متى أخلدا إلى النوم، ولم يطفئا الضوء الذي كان يضيء عليه الغرفة.
لفت الضوء المشتعل إلى ساعة متأخرة من الليل انتباه الحراس فنظر إلى غرفة ابنة الملك فوجدوها نائمة وعندها شاب غريب، أذهلهما المنظر، ثم حملا الشابين وأدخلوهما السجن، وأوصلا الخبر إلى الملك، فلم يصدق ما يسمع، حيث أصر أن يتأكد بنفسه مما يقولون. فأتى إلى السجن،
أما الشابان فحينما استيقظا وجدا نفسيهما في السجن، طلب الشاب من بعض الناس الذين رآهم أن يقولوا لزوجته «يا قطان قطنك احترق» ففهمت زوجته ما يريد فأحضرت صردين من الحلوى وأسرعت بهما إلى السجن، منعها الحراس من الدخول لأن الملك على وشك زيارة السجن، فقالت لهم: لقد نذرت أن أوزع هذين الصدرين من الحلوى على المساجين، وهذا نذراً للمحابيس، وبما أنكم موظفون في السجن فإني أعطيكم هذا الصدر، واسمحوا لي أن أدخل لأوزع الصدر الآخر إلى من بداخل السجن.
ألهت الحلوى حراس السجن فاجتازت البوابة إلى حيث زوجها، فألبسته ثيابها ولبست ثيابه، وأعطته الحلوى وقالت له اخرج فوراً من السجن.
غادر الشاب السجن ولم يفرق الحراس بين الداخل إليه والخارج منه.
وصل الملك إلى السجن وطلب أن يرى بسرعة الشاب الذي ينام عند ابنته فحينما تحقق منه أمر أن يساق الاثنان إلى ساحة الإعدام، فجعلت زوجة الشاب تصرخ وتولول وتقول: هكذا تقابلون ضيوفكم. لأفضحنكم بين الناس جميعاً، ثم كشفت عن نفسها فتحقق الملك أنها امرأة لا شاب كما قد كان يحسب، فاعتذر لها الملك عما بدا منه من تسرع، ثم رجاها أن تخبره بقصتها.
فقالت له: لقد وصلت إلى ابنتك لأخطبها إلى أخي، ولم أكن أستطيع أن أصل إليها بغير هذه الطريقة، وأخذنا السهر والليل فنمت بجانبها، ماذا في ذلك من جريمة تستحق أن نساق من أجلها إلى السجن، إنني سوف أفضحكم في جميع أقطار الدنيا.
هدأ الملك من روعها ثم ذكر لها أنه موافق على فكرة زواج ابنته من «أخيها» لقاء ما أخطأوا في معاملتها، ثم عاقب الحراس الذين أخبروه أن شاباً ينام عند ابنته.
تزوج الشاب العاشق من معشوقته صاحبة الإشارات والألغاز، تزوج من ابنة الملك وعاشا معاً حياة سعيدة.
****
فرط رمّان ذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الله يمسيكّو بالخير. هان هان يا صاحبين الحكي والكلام فيه هالأستاذ بيجي بصير بكرّي(1) في هالبلد. أستاذ. هاذا غول. يوم بيجي هالغول. بتيجي هالبنت بتصير (زي ما بكوا(2) الاستاذية من زمان، عزمان بلادنا بكا بالدور مونة(3) الواحد). كاللّها: يا فرط رمان ذهب؟ كالت: نعم يا سيدي. كلها: اليوم الدور عليك. كالتله: نعم يا سيدي.
راحت كالت يما(4)؟ كالتها يمّا، كالت: سَوي(5) لي الجاجة(6) والكماجة(7)، وبدي أروح أودي لسيدي، اليوم الدور(8) عليَّ.. كالت: بي حاظر. سوت بيظ. سوت صحن بيظ. وسوت صحن، اللي قدرها الله عليه سوته، وحملت، ولبست بابوج(9) الذهب. وكالتها يما سوّي جوز جاج، لبست بابوج الذهب، وحملت الجاجة والكماجة وبابوج الذهب، وراحت تودي له.
يوم صارت في باب الدار في باب المدرسة لكته(10) معلّك -بعيد -عنكو- هالبغل وبوكل(11) فيه! البنت عاودت تجري، نست البابوج في باب المدرسة، وحطت صحن البيظ والجاجة والكماجة وشردت، لحكها الغول، كالّها: فرط ورمان وذهب؟ كالت: نعم سيدي. كالّها: شو اريتي من سيدك عجب، تنسيتي الجاجة والكماجة وبابوج الذهب، باب العتب(12)؟
كالت له: شفته بصلّي ويصوم، ويعبد الرب الكيّوم(13)، ويكرّي في الولدات(14)، لأجل التوبة والإحسانات.
كان يوم بيجي يكولّها: فرط ورمان وذهب.. (تكرار سؤاله وجوابها) كل يوم بيجي بكولها هيذ(15). كالت هذا دين يكفّر العابدين، أنا بدّي اطلع من المدرسة -بطلِّع العابدين. طلعت من المدرسة، راحت، كعدت. اصوّر(16) هالهدم(17) الحرير اللي سبحان اللي خالكه. كالوا هاذا لمين يصلح؟ للسلطان، بنت السلطان عادة(18) هيْهْ(19)، والله وَدُّوْالِه(20)، كِبرْ (21)، هدِمْ هالحرير وحَطُّوه عندَهْ في الليل، شدّها (من بين) فِيْديْها(22)، وسَحَبْهَا من بين اخوتها، (وكرر معها السؤال وردت عليه بنفس الجواب).
ثاني يوم اصوَّر(23) خروف. كالُوا هالخرُوف ما يْصَلح غير للسلطان. رد عاوَدْ شَدّها فِيدَها، ونَتَعها(24) من بين اخوتها، (وكالّها السؤال وردت عليه بالجواب). شو بِدنا في الطويل(25) زَيْ ما كالت هذيكت(26) الخطَرة(27) كالّها. كالت والله لَهِجّ (28)، مَكَلَتِش(29) تْكُول(30) لبوُها(31) ولا لَمَّها(32) ولا لمخلوك، كالت والله لَهجّ من هالبلاد اللي بعرفني فيها.
راحت، تكول راحت مثل ما تروح من عمان على الكدس(33)، كطْعت بلاد بعيدة. والله لفَّت(34) لكت(35) هالبدلة هالراعي. إمْمعَّ طه(36) في هالطريق، ولبستها عراسها(37) طاقية، كصكصت شعرها وصارت (بعيد عنكو- زي الشحاد، أي كرعة(38)، يكولُولْها يا اكرع(39) لِبستْ طاقية اكرع وراحت. والله وكفت(40) باب هالحاصل(41)، الحاصل ملان تنك(42) سمن، كلّه سمن، وكفت باب هالدكان. كال والله، صاحب الدكان باع يوميتها بحوالي ثلاثين اربعين ليرة. كالّه والله منعول(43) أبو كرعتك يا اكرع، والله شفنا(44) على وجهك الخير، بطحش حذانا(45)؟ كله: بطيح. والله في هالليل كعدت في هالدكان، هُمّا حطوّة في الدكان وروّحوا صاحبين الحواصل، وهو في هالحاصل في الليل، اجا عليها (نفس السؤال ونفس الجواب). كام على تنك السمنة بعطَّه(46) كلياتها ودشّره وسحب حاله وراح.
اجو الصبحيات(47)، صاحت السمنة لكي كل هالسمنة مبعّط(48)، بَتَع(49) كتل. كالّه: يا منعُول أبو كرعتك خرّبت ادياري، راحوا شَكُوا عليه.. كالهم: أنا لا معاي(50) شِبْرية(51) ولا مَعَايْ مُوْس، كُمت(52) إلا هوا مْبَعَّط(53)، مَكَلْش يكُول(54) عاود راح قطعْ عثاني بلد. كول كطع نواحي مادبا غاد(55)، ملِحْكِش(56)، ظل صابر عليه تَمنُّه(57)، يعني ابعد. عاوَدْ وكِف باب هالدكان حاصًل كماش(58) من كل شي، فِجُواه(59) من جَمَعين اللبس فيه، والله لُخرى(60) الله فتح عليه، باع له بخمسين ستين ليرة، كالّه والله يا اكرع شُفْنا(61) عوجهك الخير. ابتكعدش(62) عنّا؟ كلّه: بَكْعُد. في الليل سكّروا عليه ونام في هالحاصل. اجا عليه (كالها نفس السؤال واجابت بنفس الجوال) هد(63) عهالكماش قرّطه قرَّطُه(64)، مَخَلاّ (65) منه ولا حاجة، وسحب حاله وراح.
اجا صاحب الكماش، الصبح، حَنْدَل(66) فيه كَتِل (67)،منعول أبو كرعتك خَرّبت ادياري. كَلَّه: شُو بّدي اسَوِّيلكو(68) أنا ما كُمِت(69) إلا هوا ممعَّط(70)، سحب حالُه وكالت: أنا لَوْكْتِيش(71) بدي اظل في هالدنيا. ندَّت وراحت. وين راحت؟ نواحي الشام، يَمْ (72) ابعدتِ المشوار، راحت نواحي الشام.
والله هناك، رمت بدلِة الاكرع عنها، ولبست، صارت مهي بدلة، الثوب عليها، وحوايجها عليها لابسة. هناكَ لفَّت(73) عدار هالسلطان كَعْدَت في جنب هالدار. كعدتْ جِمعة، جمعتين عند الناس، طًلْعِت هالعَبّدة بتكول: يا سِتّي والله في بِنْت كاعده ورا هالحيط، بنت سُلْطان هِيْهْ، في الزين ما خلّت، وفي الحلاه ما خلت. كالت: نادوا عليها. نادوا عليها، كعْدَت عندهم جمعة، جمعتين، بتيجي شهر يعني هيذْ. كالها السلطان: يا بنت؟ كالت له: نعم. كالّها: إبْتِتْجَوّزي؟ كالت بَجَوَّز بالحلال لا عاش الحرام.
اجوّزت. يوم اجوّزت دخل عليها جابت منه ولد. اجا عليها في الليل (يا فرط رمان... إلا حسانات)! كامت، يوم كامت راحت، كام اجا عليها خَلّع اسنانها ومغمّلْها(74) بدم، مغملها، مغملها، واخذ الولد وراح! والله غاب عنها سنتين معاد مبدْها(75) تحْبَل في الولد الثاني. ردت حبلت جابت أخرى ولد. يوم جابت أخرى ولد (رجعت عليه) رجع عليها (كلها... الا حسانات)! مَغْمَلْها بدم، مغملها، واخذ الولد. جابت ثلث اولاد، والثلاثة أخذهم! عاودت حبلت، جابت أُخْرى بنت، عاود عليها أخذها. كال جُوْزها هاذا دين بطلع العابدين! أنا بدّي لَوكْتيش أظل صابر، ثلث أولاد وبنت مدريتْ وين دارت فيهم. طَيَّحَتْهم(76) في الأرظ(77) اكْلَتْهم: ذبحتُهم، أنا بدي أحُّطها في سُوكِ(78) الهُجرة، حطَّها في سوك الهُجرة، كعدت سنة، سنتين، مرمية في هالسكيفة(79) في سُوك الهجرة. راح يِطُل بيجي عليها عادْ هو. أخذ ولادها ويُطُل عليها!
يوم من الليّام بدّا يروح يحج. بُكُلُّها يمَّا أنا بدِّي أروح احج. كَلتْلُه: يَمَّه الله يرظى عليك الله يوفقك، الله ينجحك، الله يريحك، تروح يمّا على هالقطيعة(80) اللي غريبة بلاد، مالها غُربة(81) مِسلم، إتْكُلّها شوبدك. تُجْبُر بخاطِرْها ىِجْبُر خاطرَك. راح (كالها شو بدك يا فلانة؟ أنا بدّي أروحْ أحجْ)! ودّا كَلَّها أنا بُرُحِش(82)، ودّا أمَّه، كَلْها انتي رُوحي كُوليلْها، كالَتِلْها يَمَّا الله يرظْى عليك، أبو فلان بِدّا يُروح يحج، شو بدَّا يجيبْ لَكْ؟ كالت: يجيب لي مْجَربة(83) الحِنَّا وعلْبِهةِ الصّبْر، كان بدّش(84) يجييهن ريتْ اجمالَه يُشِخِّين(85) دم!
هناك بعد ما حج وخلص وركب عالجمل وبدّا يمشي( بكوا(86) من زمان يروحوا ع الجمال يحجوا) ركبوا على الجَمَل ومشى، يوم مشى إنهظْ في الجمل صارِ الجمل يُشخّ دَمْ! كال آ واللهِ إنْسِيت علبةِ الحِنّا ومِجْربة الصبر اللي وصتني عليهم إم محمد. اخذهن يوم أخذن أعطاها إياهن. اتكولْ يَا مجْربة الحِنّا يا عِلْبة الصبر اصبري زي ما صبرت. مَكَلَتِش(87) تِصبُر طَقَّت(88) مجْرَبة الحِنَّا مِجْرَبة الصبر وفكْعَت(89)، والله بعد يوم، يومين، بعد ما كَعُدوا، وكامُوا هالا فراح والليالي الملاح، بعد ما روّح من الحجاز، كال يمّا أنا بدي أجَّوَّز! راح صار يفر(90) لكي(91) بنت هالحلال، حَط عليها ودخَل عليها. وليلة ما بدّا يُدْخُل، يَم (92) ليلة دَخِلْتَه، وسوُوا هالسُّفرة(93) وكَدَّموها إلا الغول جَاي، جايب (الأربع) الثَلْث أوّلاد، والبنت، كالّها: خذي هاي هَذي أول أولادك وهذولَه ثلثْ شعرات من شعراتي، وكُلّ مذَّايَكْتي(94) إدعْكي(95) منهن شعْره. كالتلُه يَمّا هيْ أبوكُو الليلة بِدَّا يُدْخل، رُوحوا عليه خُشوّا عليه هي السفرة محطوطة(96)، من كِل صحن خذوا منه لُكْمة(97) هَيِّمَّا بكولولكو(98) اطلعوا بَرّه(99) بصيروا يَرحّمُوا عليكُوا. كولوا: هو الدَار دار أبُونا واجوا الغُربُ يطْحُونا(100). خشوَّا هالولاد سبحان اللي خالكهم، ولا ولاد أولاد إمْلُوك، ذي اولادِ املُوكَه، خَشُّوا الأربعة ورا بعظْهم البعظ، كلهم مَشُّوا، عالسّفرة طَوّالي(101) من الصحن هاذْ لُكْمة ومن الصحن هذا لُكْمة. صارِن النسوان يرحِّمن عليهم وكالوا: هي! الدارْ دارْ أبُونا واجُوا الغُرُب يُطْحُونا؟ والله البنت أجَت كَعدَت تركُص كُدَّام أبوها. الأولاد كَعَدُوا كُدَّام ابوهُم الزَلَمة ماحَ (102) على أولادُه لِكِيهم أولادُه. كال هاذِي الفَرْحَة التَّامة. كاموا صاروا يُرُكْضُوا ويغَنُّوا ويُطْبْخُوا لمين للاولاد، وعاودوا العروس لَهِلْهَا(103). رَجَعَّوا العروس لَهِلْهَا، وصار العُرْس للأولاد. كالها: يَمّة؟ كالتلْه: نَعْم. كالْهَا الصبحيات طيّحي(104) أم محمد على سُوكِ الحَمَّام واقطعي لها من أعلى جَنْس من أعلي بَدْلات.
راحتَ ع الحمام طلعْنِ الجاريات معها، حَمَّمنْها وعَطَّرِنْها ولَبَّسِنْها، وشو صارَتَ لك عَرُوسُ جديدة، عاود عليها، وصار العُرْس إلها، وطار الطير الله يمسيكوا بالخير.
ـــــــــــــ
هوامش الحكاية :
1- يدرّس. من يقري
2- كانوا
3- مؤونة
4- يا أمي
5- اعملي
6- دجاجة
7- سندويش
8- ترتيب الوجبة
9- حذاء خفيف
10- لقيته، يأكل
11- العتبة
12- القيوم
13- الأولاد
14- هكذا
15- تشكل
16- لباس الرجل الفلسطيني
17- معروف
18- هي
19- ارسلوا له
20- لباس رجل
21- في يديها، ظهر في صورة
22- جذبها
23- القصة الطويلة
24- تلك
25- المرة
26- تخرج في البرية
27- لم تفعل
28- تقول
29- لابيها
30- لأمها
31- القدس
32- دارت
33- وجدت
34- ممزقة
35- على رأسها
36- صلعاء
37- ليس على رأسه شعر
38- وقفت
39- دكان
40- صفائح
41- ملعون
42- رأينا
43- إلا تشتغل معنا صبياً في الدكان
44- مزقه
45- الصباح
46- مخرق
47- بدأ
48- معي
49- خنجر
50- صحوت
51- ممزق
52- لم يقل لهم الحقيقة
53- وابعد
54- لم يلحق بها
55- حتى إنه
56- قماش
57- في داخله
58- الثاني
59- رأينا على وجهك
60- الا تشتغل عندنا؟
61- هجم
62- مزقه
63- لم يبق منه
64- بدأ
65- قتلا، ضرباً
66- ماذا اعمل بكم
67- صحوت
68- ممزق
69- إلى متى
70- رأسا
71- وصلت إلى
72- مرغها
73- تريد
74- انزلتهم
75- الأرض
76- سوق
77- السقيفة
78- المقطوعة
79- ليس لها قريب
80- لا اذهب
81- جراب
82- لا يريد
83- يتبولن
84- كانوا
85- لم تقبل
86- ماتت فجأة
87- ماتت فجأة
88- يبحث
89- وجد
90- بالذات
91- المأدبة
92- إذا تضايقت
93- احرقي
94- موضوعة، جاهزة
95- لقمة
96- يقولون
97- خارجا
98- يطردونا
99- رأسا
100- مال
101- انتظرن
102- لئلا
103- أي مال إليهم قلبه
104- نظر مليا
105- لأهلها
106- خذي
*****
الطوير الأخضر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان يا ما كان في سالف العصر والأوان، رجل يعيش مع ابنه وابنته اللذين توفيت أمها، وظل هو يربيهما ويعتني بهما. وكانت فتاة من الجيران تحسن إلى الفتاة وتغسل لها الثياب، وتساعدها عندما تغتسل. وما زالت هذه الجارة كذلك إلى أن قالت للفتاة اليتيمة ذات يوم: «اطلبي من أبيك أن يتزوجني، لأعتنبي بك وبأخيك أكثر». فعرضت الفتاة الأمر على أبيها فأجاب: «أخشى أن تغدر بك وبأخيك فأكون أنا قد ظلمتكما بها». أما الصبي فكان يقول لا تتزوج يا أبي! وما زالت الجارة تلح على الفتاة، والفتاة تلح على أبيها حتى تزوج من هذه الجارة.
(رُوحْ يا يوم تعالْ يا يوم، رُوحي يا سَنة تعالي يا سَنَة) كبر الصغير واصبح يافعاً، فاختارت زوجة أبيه يوماً كان فيه زوجها غائباً وقتلت الصبي، وقطعته قطعاً قطعاً، ووضعت بعض قطعه في الطعام، ليقدم أمامهم حينما يعود الأب، انتقاماً منه لأنه كان يطالب أباه ألا يتزوج!. فعلت ذلك به أمام أخته التي كانت تنهمر من عينيها الدموع الساخنة الصامتة، والمنظر يفتت قلبها، فتقول لها زوجة الأب: إذا أخبرت أباك بما رأيت فسيكون هذا مصيرك أيضاً!
وبعد أن خرجت المرأة من المكان لبعض شؤونها، جمعت الأخت عظام أخيها المطروحة على الأرض ووضعتها في حفرة في حديقة البيت.
وحينما عاد الأب سأل عن ابنه فقالت له زوجته: ذهب إلى بيت جده، وقدمت له الطعام المهيأ، ولما اطمأن على ابنه شرع يتناول الطعام، وجعل هو وزوجته يرميان بالعظام خارجاً أثناء الأكل، وكانت الابنة تلقف هذه العظام وتقدفنها في الحفرة في الحديقة.
وفي صباح اليوم الثاني كانت مجموعة من النساء جالسات قريباً من المنزل وفيهن زوجة الأب والأخت، فتحولت عظام الصبي إلى طائر وأخذ يغني ويقول:
أنــــــا الطــــويـــــر الأخـــضــــــر مــــــــــــرة أبــــــــوي ذبحــــــــتـــني
وأبوي العَرسْ أكل من لحمي واختي الحنونة حن الله عليها
جــــــــــــمــــــــعت عظمــــــــــــــاتي وحـــطـــــــــتــــهـــــم فـــــــي اجننــــــاتي
فتعجبت النساء مما يسمعن من غناء، ثم سكتن ليسمعن فسمعن الطير يقول: لا أغني إلا عنها، تلك المرأة ويشير إليها ويقول: لتفتح فمها، فحملتها النساء على أن تفتح فاها، ففتحته، فألقى فيه أبرة مسمومة، فماتت على الفور فأضاف الطائر: وتلك الفتاة فلتفتح حجرها، ففتحت حجرها فألقى فيه المال والفضة والزمرد والذهب والماس مما لا تستطع أن تحمله.
وهذبت إلى عظام أخيها فوجدت أنها قد تحولت إلى ذهب.
وعاشت مع أبيها حياة سعيدة...
وطار الطير تتسموا بالخير..
*****
لم تشبع «نجمة» من اللحم
ـــــــــــــــ
كان يا ما كان، في قديم الزمان، رجل اسمه «جدار» يحكم بلاد الشام. وكان تضم لبنان والأردن وفلسطين. وكان جدار يمشي مع الفرسان إلى كل قرية أو مدينة ليجمعوا الضرائب. وكانت المدن ومنها القدس تتذمر من هذا الأمر.
وفي إحدى القرى، ذهب أحد الرجال إلى الحاكم الأعلى يلتمس منه عفواً من هذه الضرائب. ونجح في ذلك وكانوا ينادونه بالرجل (الزكم) وهو ذكي، حقاً، وشجاع.
ذهب أهل تلك القرية إلى (جدار) يقولون له: بأن الزكم أعفي من دفع الضريبة، فطلبه جدار إلى المحكمة. وما أن وصل إلى مسامع أهل القرية أن الزكم قدم إلى المحكمة، هرب الرجال إلى الجبال، لأنهم سبب محاكمته ولم يبق في القرية سوى هذا الرجل. وكانت النساء تأخذ إليهم الطعام.
وتشجعت امرأة ذات يوم، وقالت للنساء معها: ما رأيكن أيتها النساء أن نأخذ إلى رجالنا اليوم شيئاً من الزبل! بدلاً من الطعام العادي فهم يخافون من رجل واحد! فوافقت المستمعات وذهبن إليهم ورمين الزبل بين أيديهم وقلن: لستم رجالاً! كيف تخافون من رجل واحد؟ فتشجع الرجال وذهبوا ليقتلوا (الزكم)، فوجدوه عند الحلاق. فأمروا هذا الحلاق أن يذبحه بموس الحلاقة، فرفض خوفاً منه. فحمل رجل منهم بندقيته وأطلق عليه النار فقتله.
ولما علم جدار بذلك جهز جيشاً ليهجم على تلك القرية. هاجمها وطوقها، ومر عنهم رجل في الليل فقال لهم: ماذا تريدون منهم؟ فقالوا نريد أن «نفعل ونترك» في نسوان هذه القرية وحينما سمع الرجل هذا الكلام أخبر أهلها بذلك، فرحّل الرجال النساء والحلال والغنم وسائر المواشي، وحمل كل رجل منهم سلاحه.
وفي الصباح هجم جدار على القرية، ولكن رجالها استبسلوا وقتلوا معظم الجنود، وأسروا(12) رجلاً! وما أن علم أهل القرية حتى مزقوا ثيابهم من الأمام ومن الخلف فظهرت منها أجسامهم، وكان مختار البلدة يطلق على بندقيته اسم نجمة، اشتد القتال، وطلب جدار من مختار القرية وقف إطلاق النار، فقال لهم إني أريد أن أشاور زوجتي فقالوا له؟ «شو» تنشاور زوجتك؟ فقال نعم، أريد أن أشاورها. فذهب إلى مكان لا يبعد سوى عدة أمتار، فوضع أذنه على فوهة البندقية ثم رجع وقال لهم: لا أريد أن أوقف إطلاق النار لأن نجمة لم تشبع من اللحم. وفي النهاية وقف إطلاق النار بعد شروط. فجمع مختار القرية جداراً وجيشه، ودعاهم إلى الغداء، فوضع منسفاً كبيراً في أسفله (هيطلية) وفي وسطه الصينية، وفي الأعلى رز مفلفل، وقال لهم: إن الحرب بيننا مستمرة فإما الحرب وإما الخروج من القرية! وفعلاً تم الخروج من القرية، وتحررت القرية من نير «الاستعمار».
****
المعز بن صالح
ــــــــــــــــــــــــــ
يحكى أنه كان أمير من الأمراء، في بلدة في فلسطين، اسمها (يِبْنَة). وهاذا الرجل اسمه معز بن صالح. والحكاية أنه أسبابها معروفة. وكله التمشي بالمعروف.
وهذا المعز بن صالح كان الله معطيه من نعايم الله، من مواشي والأنعام والخيل والحبوب وما أشبه ذلك. فأجدبت بلاد الشرق فصار ييجوا(1) عليه إكْفُول إكْفُول(2)، مِشَان(3) يوخذوا منه مونة، مثل قمح، مثل شعير، مثل.. وَرَدْ كَفِل(4) بعد ما حَمَّلْهِن. بِدْهم(5) يدفعوا له، كلهم واصل، خلص(6) واصل، على معز بن صالح.
ثاني سنة أجدبت البلاد، برضه(7) رِجع، برضه رجعوا، حَمَّلْهِم زات(8) الشي، وراحوا. أجا واحد شيخ ثاني معاه، كَفَّل وحَمَّل حبوب، وبِدُّه يدفع له، كَلَّه خَلَص(9) واصل، كله على مين؟ كله على الله سبحانه وتعالي. كلّه يا إمْعِزْ بِن صالح أنتَ في آخر السلم من فوق، يعني أكثر من هيك مَبْتِطلَعِش(10)، إذا جار عليك الزمان انصى(11) سلطان الغدير في الشرق. كله والله يا سيدي احنا هاذا من فضل الله، إنشا الله ما بجورش(12) علينا الزمان.
راحت الأيام أجت الأيام، دارت الدواير أصبح معز بن صالح ما يملك إلا على الجواد تبعه(13) وعلى العجوزة تبعه(14) ذاكت(15) فيه الدنيا، شو، كلته بنت عمه؟ كالتله يا رجل اذَّكَّر ما عُمْرَكِش(16) اعمِلت معروف في حياتك مع هالناس اللي نروح نلطي(17) في جنبهم، بَلْكي(18) على الله هوّن عسيرها؟ كال بلى والله اعملت مع شيخ فلان في شرق الأردن. كلّه عليه، رحلوا من فلسيطن عاشرق الأردن.
يوم يوم هانا هانا هانا، حطوا على، سأل عن الشيخ، والَّه هَاي(19) الشيخ، هاي العرب وهاي الديوان، ديوانَه، حَطّ.. خربوشة(20) هالكيَاس، وقعد في جنب هالعرب، وسيَّر(21)، عاوين، عالشِق(22) ، وإلا زَلْمَتنا، اللي محمّضله الكَفْلين(23) حبوب عاسنتين(24) في الشق، وأنه هو بعينه ما يخفيه، اخفى عنه وخلَّى حاله ما بعرفش(25). هاذا الشيخ اللي في الأردن خلا حاله(26) ما بعرفه. كاله شو صنعتك يا ظيف؟ كالّه صنعتي زيما إنت شايف. كال: سمو لِحْيان. الشيخ اللي عمل الفلسطيني معاه معروف كال سموه لحيان. روح يا حيان تع(27) يا حيان، روح يا حيان تع يا حيان.
يوم ما زات(28) الليّام جهزوا الكَفِل، وبِدْهم يرَوْحُوا يتكيلوا(29) من سلطان الغدير، العرب اللي كاعد عندهم معز بن صالح في شرق الأرد في اله قصير، كاله يا خوي وين بدك تروح؟ كاله بدي أروح نكتال من سلطان الغدير كالّه اعمل معروف خذ هالجراب بَلْكي على الله يرزكنا فيه شويه.
حب أنو(30) هذا(31)؟ هاذ معز بن صالح الفلسطيني. كال: بلى. أخذه، أخذ معاه هالجراب وحط هالورقة فيه وكتب فيه:
سمونا لحيان يا كاسِبِ الثنا من بعد ما كنا أصحاب اجميل
وضع هالورقة في هالجراب، وأعطوها لَقَصيره وراح. اكتالوا من سلطان الغدير، وصدروا، لَمِنْهم(32) طلعوا من العرب فطن الزلمة (33) للحيان، للأمانة اللي معاه. كال يا عرب، استنوا(34)، والله في قصيرنا ودّا معاي أمانه، جراب لسلطان الغدير، بلكي(35) على الله رزكه(36)، حَطْلَه(37) فيه رطلين حب. رجع كَلَّه يا سلطان فيه والله واحد ظعيف حذانا(38)، ودّا هالأمانة معانا، ما معاه نقود، تحطله رطل حب، يومن كت(39)، آ، كال بلى، فتح الجراب وإلا فيه هالورقة باسم معز بن صالح، ومكتوب فيها إني أنا عند الشيخ الفلاني:
وسمانا لحيان يا كاسب الثنا من بعد ما كنا صحاب اجميل
وذكر له أني أنا سَلَّفت(40) معاه معروف. هذا الشيخ سلطان الغدير لما قرأ الورقة. كال للبدوي: رَجِّع الجراب، كله قوام(41) لعقيد(42) القافلة، وخَيْرُد(43) الكافلة لورا(44). وهاذا أمر من السلطان سلطان الغدير. راح ردوا، كالَّه: هذوله الكافلة محمَّلات لِلْحَيان اللي عندكو(45) اللي بتسموه لحيان، إله لا فايدة ولا راس مال، اتوصلوهن وترجعوا، اجاركم توخذوا نكلة على حسابي. كالُوا مليح(46) روّح هالكَفِل(47). وين عالحيان عها الخربوشة (48). افتح يا لحيان افتح يا لحيان، حط هالحبوب ورجعه، أخذوا أجارهم كمان(49) نكله من سلطان الغدير. سلطان الغدير بعث لمعز بن صالح، معز بن صالح راح جهز حاله، وبنى هالبيت وعمل هالبوش(50) وهالحلال وتعال واتفرج.
سلطان الغدير ركب(51) بالجيش تبعه، وكفَّل عالحيان بعد ما تقهوى عنده جاب شيخ العرب اللي هوكا عد عنده اللي سماه اللحيان، وكاله ما تعرف مين اللي عندك؟ كاله هذا اللحيان. كاله ما هو معز بن صالح اللي أعطاك على سمتين وكفا عربك في سنين المحل، وفوق ما تكرمه وتعطيه ند المعروف اتسميه لِحْيان؟ معنى زي خدام، كله: ومن راس إنه كل البوش تبعك وبوش عربك هذا كله للحيان، للحيان اللي يسمُّوه لحيان، للمعز بن صالح، ما تعرف إنه هذا المعز بن صالح؟
أخذ البوش منه وأعطاه لمعز بن صالح، وكال يا معز بن صالح أنا معاك لما اقطعك(52) فلسطين.
والله وهاذا اللي رد المعروف بالمعروف وهاذي الحُدّيثَية خلصت، وطار الطير الله يمسيكو بالخير.
ــــــــــــــــــــــــ
هوامش الحكاية :
1- يأتون
2- قوافل قوافل
3- لأجل
4- وصلت قافلة
5- يريدون
6- نهائياً
7- أيضاً
8- نفس
9- لا ترقى
10- اقصد
11- لا يجوز
12- التابع له
13- ضاقت
14- طول عمرك
15- نسكن
16- ربما
17- هذا هو
18- بيت شعر صغير
19- ذهب يسهر عند
20- بيت الشعر الكبير
21- القافلتين
22- على مدى سنتين
23- لا يعرفه
24- ادَّعَى
25- مختصرة من تعال
26- ذات
27- يشتروا حبوبا
28- مَن
29- هذا
30- حتى أنهم
31- رجل
32- انتظروا
33- ربما
34- رزقه
35- وضع له فيه
36- عندنا
37- نفض
38- قدمت
39- حالا
40- رئيس
41- ليرد
42- إلى الوراء
43- عندكم
44- جيد
45- قافلة
46- الكوخ
47- أيضاً
48- المواشي
49- عرج
50- أوصلك
*****
من الحكايات الشعبية الفلسطينية
الراوية: امرأة في السبعينات من عمرها، من قرية رمون في منطقة رام الله.
أم عواد والغولة
ــــــــــــــــــــــــــ
في هالنسوان في هالبلد. تواعدن في يوم انّهن يروحن يغسلن عالعين في جنب البلد. وهنّ يحكين في هالحكي وما أجا منه، بقى في هالغولة متخبية ورا هالسنسلة. سمعت اللي اتفقن عليه في النهار.
في الليل، وجه الصبح، اجت على هالوحدة منهن دارها مِطِرفه وسوّت حالها من النسوان اللي تواعدن. المره اللي اجت عليها، اسمها إم عواد. ندهت عليها من باب الدار البرانية: "هيه يا ام عواد! يالله زمّي أواعيك خلينا نروح نغسل".
قالتلها: "مين هذي؟"
قالتلها: "أنا إم فلان".
قالتلها: "طيب".
الدنيا بقت نص شهر، والقمر ظاوي. فكّرت إم عواد إنها الدنيا نهار. حطت هالأواعي في هاللجن [1] وزمته.
قالتلها الغولة: "هاتي ابنك معاك لنروح نطوّل".
أخذته معاها. مشين. والغولة مشت قدامها. يوم ما زلّين جدر البلد، بحّرت [2] إم عواد لاقت المره اللي قدامها إجريها يقدحن نار. خافت وعرفت إنها غولة [3].
قالتلها: "بدي إرجع".
: "ليش؟"
قالتلها: "نسيت دماية [4] جوزي وبذبحني إذا مغسلتهاش. خذي هالولد واسبقي عبين ميجي [5].
حطت اللجن والولد عندها وروّحت رماح [6]، طبلت عجوزها قالتله: "سخن هالعكرات [7] يا خريب البيت. هالقيت بتيجي وبتوكلنا قبل ما حدا يفزعلنا [8]".
سخنوهن تصرن يغلين. الغولة عبين ما أكلت الولد وهيذ [9]، رجعت تتوكل إم عواد وجوزها. نادت من باب الدار البرانية: "هيه يا ام عواد، خذي زبيرة عواد، سويها فتيتيلة".
يوم ما الزلمة سمع هيذ، قال لمرته: "كلامك مزبوط يا حريقة الوالدين. هذي غولة".
صارت الغولة تبحش ورا الباب ودست حالها من تحت العتبة. يوم ما صار راسها ورقبتها لجوا كبّ أبو عواد الزيت المغلي فوق راسها. قالتله: "ثنّ!" قالها: "معلمتنيش إمي [10]". فقع راس الغولة وماتت.
وهذ خريفيتي طار عجاجها وعليكو بدالها [11].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الراوية: امرأة في السبعينات من عمرها، من قرية رمون في منطقة رام الله.
ملاحظة
عن كتاب " قول يا طير " لابراهيم مهوي وشريف كناعنة الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت .
حواشي
[1] اللجن: الطشت.
[2] بحرت: أمعنت النظر.
[3] من صفات الغيلان في التراث الشعبي أن أرجلها تقدح شرراً عندما تمشي. وبصورة عامة ترتبط الغيلان في المخيلة الشعبية بالشرر ولهب النار والاحمرار.
[4] الدماية: اللباس الشعبي الفلسطيني الذي يرتديه القرويون. وفي وصف هذا اللباس، أنظر: كناعنه، الملابس، ص 203-205.
[5] عبين ميجي: حتى أعود.
[6] رماح: ركضاً.
[7] العكرات: بقايا زيت الزيتون العكرة.
[8] يفزعلنا (يفزع لنا): يهب لنجدتنا.
[9] وهيذ: هكذا.
[10] في المعتقدات الشعبية، الغولة يجب أن تقتل بضربة واحدة، وإلا فإنها تعود الى الحياة بالضربة الثانية.
[11] من الصيغ التي تنهى بها الحكايات الشعبية. وهذه الصيغة غير مألوفة في أية حال.
******
جبينة / حكاية شعبية فلسطينية باللهجة الفلسطينية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان مرّة زلمة ومرته، المرة لا بتحبل ولا بتجيب، أجا زلمة ببيع جبنة ولبنة. شرت المرة منه جبنة وفاتت على بيتها وقالت "يا ربي يا حبيبي! تطعمني بنت بيضة مثل قرص الجبنة واسميها "جبينة" روح يا يوم وتع يا يوم. المره حبلت وخلفت بنت طلعت شلبية وسمتها إمها "جبينة" كبرت البنت وصارت صبيّة.
أجا مرّة أمير عندهن وشافها واعجبته. طلب من إم جبينة إنو يتجوزها، قالتله: "أنا بغربش" لكن في النهاية وافق اهلها وكان عندهن خدّامة فطلبوا منها ان ترافقها. لما قرب موعد العرس، ركّبوا "جبينة" على الفرس مزيّنة ومزبّطه، وساقت فيها الخادمة عَ بلد العريس. قبل ما تمشي "جبينة" امها اعطتها خرزة تعلقها بصدرها وقالتلها: "بس تكوني بضيق نادي هي يمّا، بسمعك وبرُد عليك".
مشيت العروس هي والخادمة. بالطريق الخادمة تعبت، قالت "لجبينه": انزلي بدي اركب مطرحك. نادت "جبينه": "هي يما"!. أمها قالت للخادمة:" سوقي ياخادمة!". ساقت الخادمة مسافه كبيرة. ولما تعبت قالت لجبينة :" انزلي بدي أركب مطرحك"، قالت "جبينه": "هي يما بدها تنزلني وتركب مطرحي: قالتلها الام:" سوقي يا خادمة سوقي" .ساقت الخادمة فتعبت وقالت لجبينه:"انزلي تركب مطرحك". نادت أمها- قالتلها بصوت واطي:"سوقي يا خادمة"!
ساقت فتعبت . نزلوا يشربوا من بركة المي ولما نزلت جبينة تغسل وجهها وقعت الخرزة منها. ولما مشوا قالت لجبينة:"انزلي بدي أركب مطرحك". صارت جبينه تنادي أمها، معدتش أمها ترد عليها. قالتلها الخادمة:" خلص لا في امك هون ولا إشي". أجت الخادمة نزّلت "جبينه" عن الفرس وركبت مطرحها.
بالطريق وصلوا ع ارض مشحره. أجت العبده مرمغت "جبينه" بتراب المشحر السّودة،فتغير لون جبينة. ودهنت الخادمة حالها بالشيد فصارت بيضه مثل "جبينه".
ركبت الخادمة الفرس، و"جبينه" تسوق فيها، توصلوا دار العريس. فاتت واستقبلوها وتجوزت الأمير. قالت الحماة للخادمة اللي عملت حالها عروس: "قومي اشلحي واتغسلي بتتريحي". قالت العروس: "أنا نظيفة وبديش افوت اتغسل.
عيالها عندهن وز وغنم، راحت جبينه اللي هي اسا الخدامة ترعى الوز والغنم بالوعر، وصارت تغني وتقول "يا طيور وطايره، يا وحوش غايره، سلموا ع أمي وأبوي، وقولوا جبينه بالوعر راعيه". تيصير الطيور والوز والغنم والشجر يبكوا معها. صار العريس يلحق "جبينه" عَ الوعر فيشوف شو بتساوي، أجا سمعها لما حكت هيك وعرف انها هي العروس الحقيقية، والخادمة عملت لعبه وضحكت عليها.
روّح العريس عَ الدار وقال لإمو تقول للعروس تفوت تتغسل وتفرفك حالها. فاتت قامت بينت على حقيقتها، وفوتت جبينه تتغسل صارت توج وج.
وهيك عرفوا الحقيقة وسجنوا الخادمة و"جبينه" تجوزها الأمير وعاشوا بثبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات.
وطار الطير ومسيناكم بالخير
**************
الليرة الذهبية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُحكى أنَّ رجلاً ميسوراً ، كان له ولد وحيد ، بالغت أمُّهُ في تدليله والخوف عليه ، حتى كبر ، وأصبح شابَّاً ، لايتقن أيَّ عمل ، ولا يجيد سوى التسكع في الطرقات ، واللهو واقتراف الملذَّات ، معتمداً على المال الذي تمنحه إيَّاه أمُّهُ خفيةً ، ودون علم والده !
وذات صباح ، نادى الأب ولده ، وقال له :
- كبرت يابني ، وصرتَ شابَّاً قويَّاً ، ويمكنك ، منذ اللحظة ، الاعتماد على نفسكَ ، وتحصيل قوتِكَ بِكَدِّكَ وعرق جبينك .
قال الابن محتجَّاً :
- ولكنني لا أتقنُ أيَّ عملٍ ياأبي !
قال الأب :
- يمكنك أن تتعلَّم .. وعليكَ أن تذهب الآن إلى المدينة وتعمل .. وإيَّاكَ أن تعود منها قبل أن تجمع ليرةً ذهبيةً ، وتحضرها إليَّ !
خرج الولد من البيت ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمُّه ، وأعطته ليرة ذهبية ، وطلبت منه أن يذهب إلى المدينة ، ويعود منها في المساء ، ليقدِّم الليرة إلى والده ، ويدَّعي أنَّهُ حصل عليها بعمله وكَدِّ يده !
وفعل الابن ماطلبت منه والدته ، وعاد مساءً يحمل الليرة الذهبية ، وقدَّمها لوالده قائلاً :
- لقد عملتُ ، وتعبتُ كثيراً حتى حصلت على هذه الليرة . تفضل ياأبي !
تناول الأب الليرة ، وتأملها جيِّداً ثم ألقاها في النار المتأججة أمامه في الموقد ، وقال :
- إنَّها ليست الليرة التي طلبتها منك . عليكَ أن تذهب غداً إلى المدينة ، وتحضر ليرةً أخرى غيرها !
سكتَ الولد ولم يتكلم أو يحتج على تصرُّف والده !
وفي صباح اليوم الثاني ، خرج الولد يريد المدينة ، وما إن تجاوز الباب ، حتى لحقت به أمه ، وأعطته ليرة ثانية ، وقالت له :
- لا تعد سريعاً . امكث في المدينة يومين أو ثلاثة ، ثم أحضر الليرة وقدِّمها لوالدك .
تابع الابن سيره ، حتى وصل إلى المدينة ، وأمضى فيها ثلاثة أيام ، ثم عاد ، وقدَّم الليرة الذهبية لوالده قائلاً :
- عانيتُ وتعذَّبتُ كثيراً ، حتى حصلتُ على هذه الليرة . تفضَّل ياأبي !
تناول الأب الليرة ، وتأملها ، ثم ألقى بها بين جمر الموقد قائلاً :
- إنها ليست الليرة التي طلبتها منكَ .. عليكَ أن تحضر غيرها يابني !
سكتَ الولد ، ولم يتكلم !
وفي صباح اليوم الثالث ، وقبل أن تستيقظ الأمُّ من نومها ، تسلل الابنُ من البيت ، وقصد المدينة ، وغاب هناك شهراً بأكمله ، ثمَّ عاد يحمل ليرة ذهبية ، وقد أطبق عليها يده بحرص كبير ، فقد تعب حقَّاً في تحصيلها ، وبذل من أجلها الكثير من العرق والجهد . قدَّم الليرة إلى أبيه وهو يبتسم قائلاً :
- أقسم لكَ ياأبي أن هذه الليرة من كدِّ يميني وعَرَقِ جبيني .. وقد عانيت الكثير في تحصيلها !
أمسك الأب الليرة الذهبية ، وهمَّ أن يُلقي بها في النار ، فهجم عليه الابنُ ، وأمسكَ بيده ، ومنعه من إلقائها ، فضحك الأب ، وعانق ولده ، وقال :
- الآن صِرتَ رجلاً ، ويمكنك الاعتماد على نفسكَ يابني ! فهذه الليرة هي حقَّاً ثمرة تعبكَ وجهدك ، لأنَّكَ خفتَ على ضياعها ، بينما سَكَتَّ على ضياع الليرتين السابقتين ... فَمَنْ جاءهُ المال بغير جهد ، هان عليه ضياع هذا المال .