تفاقمت في الاونة الأخيرة ظاهرة الأطفال المشردين في شوارع العاصمة وازداد تأثير ما يتعرضون له من مخاطر مثل الادمان على بعض المواد الضارة كشم “الثنر” وشــــــــرب الكحول وممارسة الاحتيال والسرقة والتسول، مما دفع العديد من الجهات الحكومية مثل دائرة الرعاية الاجتماعية والمنظمات والجمعيات الانسانية الاخرى
التي تشكلت بعد الحرب الى وضــــــــــع هذه الظاهرة نصب اعينها وفي مقدمة اهتماماتها ولتسليط الضوء على حالة اولئك الاطفال المشردين الذين اصطلح على تسميتهم باطفال الشوارع كانت لنا جولة استطلاعية في اماكن تواجد اولئك الاطفال حيث عشنا اجواءهم القتينا بعدد منهم واســـــتمعنا لقصصهم.
الطفل علاء كاظم 10 سنوات التقينا به قرب نفق ساحة التحرير في الباب الشرقي وهو في حالة يرثى لها حافي القدمين ملابسه رثة يمتهن التسول..سألناه عن الاسباب التي دفعت به الى هذه الحالة فقال:
-تركت اسرتي مع شقيقي الاكبر قبل ثلاث سنوات بعد وفاة والدتي وزواج والدي من امرأة اخرى التي سرعان ما تمكنت من السيطرة على بيتنا وكانت تذيقنا شتى انواع العذاب، وبسبب فقر والدي اضطررنا الى ترك البيت.
*وماذا عملت طيلة هذه المدة؟
-في بادئ الامر انضممنا انا وشقيقي لمجموعة من الاطفال وكان يتولى امرنا احد الاشخاص حيث كان يجبرنا على النشل والسرقة والتسول في الشوارع والمقاهي ونعود اليه مساء بماحصلنا عليه من نقود مقابل اطعامنا والسماح لنا بالاقامة والمبيت في منزله القديم، وقد تعلم اخي عادل الادمان على الكحول وشم الثنر. وهل كان هناك اطفال اخرون؟
لا اعرف بالضبط ثمانية اوتسعة، وكانت معنا فتيات صغيرات ايضا.
*واين تقيم الان؟
-احيانا في كراج السيارات واحيانا في دار خربة قديمة في البتاويين وفي الصيف انام مع بعض الصبية في حديقة الامة!
وبعد فقدان شقيقي عادل الذي لا اعرف عنه شيئا منذ احداث الحرب تعرفت على بعض الصبية واصبحت تجمعني بهم علاقة قوية.
ثم انتقلنا الى طفل اخر ويبدو عليه الحزن والألم وكان يبيع علب السجائر في كراج العلاوي وسالناه عن اسمه وعمره فقال:
-اسمي عادل عبدالله وعمري 11 سنة.
*هل تعيش مع عائلتك؟
-كلا فمنذ احداث الحرب تركت عائلتي ولا اعرف عنهم شيئا او اين يسكنون.
*ما الذي اجبرك على تركهم؟
-الفقر، فوالدي رجل كبير وعاجز وقد فقد بصره في حادث ولم يستطع اعالتنا.
*هل والدتك على قيد الحياة؟
نعم ولكنها كبيرة السن ايضا.
*وماذا تفعل الان؟
-كما ترى ابيع علب السجائر واحيانا المكسرات للمسافرين في المحطة العالمية للسكك او في العلاوي.
*وهل تكسب من ذلك كثيرا؟
-كلا.
*واين تقيم الان؟
-في المحطة مع عدد من الاولاد ونسكن في احدى عربات القطار القديمة.
*هل دخلت المدرسة سابقا؟
-نعم قضيت فيها اربع سنوات ثم تركتها.
*الا تحن للعودة اليها؟
-نعم احن اليها كثيرا ولكن مافي اليد حيلة!
متسولات بعمر الزهور
اما الحالة الاخرى التي رصدناها في جولتنا فهي حالة فتاة عمرها 13 سنة ترتدي ملابس رثة تتسول في الطرقات، قالت انها تركت منزل عائلتها في البصرة قبل سنتين.
قلنا لها: ما الاسباب التي دفعتك لهجر عائلتك؟
اجابت والدموع تترقرق في عينيها:
بعد وفاة والدي اصبحت وحيدة فلجأت الى احدى قريباتي ولم امكث عندها طويلا لاسباب خاصة فتركت منزلهم وجئت الى بغداد للبحث عن خالتي التي لم اعثر عليها حتى الان.
*واين تقيمين الأن؟
لم تجبني ونظرت الي نظرة ملؤها الحزن والحسرة وتركتني ومضت في طريقها مسرعة.
مسح ميداني لاوضاع الاطفال
هذه بعض الصور المأساوية التي رصدناها اثناء تجوالنا في شوارع بغداد وهناك حالات كثيرة جدا مماثلة لاطفال تركوا منازلهم وعوائلهم بسبب الفقر والفاقة والتفكك الاسري.
والتقينا بالدكتور سنان احمد احد الباحثين في منظمة حماية الطفولة الذي تحدث عن هذه الحالة المأساوية فقال:
-ان منظمتنا تقدم خدمة انسانية جليلة للأطفال اليتامى والمشردين المهددين بالمخاطر الذين اصطلح على تسميتهم بـ “اطفال الشوارع” والخدمات المقدمة اليهم تنحصر بين خدمة الايواء والاصلاح والتأهيل لكي يتسنى لنا بعد ذلك اعادة دمجهم بالمجتمع من جديد وبالتالي الحاقهم باسرهم وعوائلهم ان كان لديهم اسر او عوائل وتحويلهم الى اطفال اسوياء اقوياء صالحين نافعين لانفسهم ولعوائلهم وللمجتمع الذي يعيشون فيه. واضاف: ان العاملين والباحثين في المنظمة قاموا بمسح ميداني شامل في عدة مناطق من مدينة بغداد منها منطقة الباب الشرقي حيث يتواجد اولئك الاطفال بكثرة قرب حديقة الامة وشارع السعدون وشارع ابي نؤاس وقد بادرت المنظمة الى رعاية عدد من هؤلاء المشردين ومتابعة احوالهم وعن تقييم المنظمة لسلوك اولئك الاطفال كونهم ضحايا للوضع الاسري والاجتماعي والاقتصادي المتردي فأجاب قائلا:
ان نظرتنا لهم نظرة تعاطف ملؤها الحنان الابوي لانهم بالتأكيد اطفال ابرياء ومحرومون ليس لهم اي ذنب بل ان اسرهم والمجتمع الذي يعيشون فيه قد جنى عليهم وجعلهم يحترفون مختلف الاساليب لكي يوفروا عيشهم.
احيانا تصدر عنهم ردود افعال هي انعكاس لما يعانون منه من متاعب نفسية كحالات الغضب والعنف لكن هذا لا يحدد سلوكهم بشكل عام ولكن بقليل من الصبر وقليل من الرعاية والتأاهيل والاصلاح والتوجيه مع التأكيد على الجانب العاطفي وابداء الحب لهم يمكن تغييرهم نحو الاحسن والافضل.
ومع ان الكثير منهم مدمنون على التدخين وشرب الكحول وشم مادة “الثنر” فقد اتفقنا مع ادارة مستشفى ابن رشد على معالجتهم وفق برنامج علاجي يشرق عليه اطباء متخصصون ويتم علاجهم داخل دار الرعاية حيث وفرنا لهم كل المستلزمات الطبية من ادوية وعقاقير خاصة بالعلاج.
اما من كانت حالتهم صعبة فيتم علاجهم في مستشفى ابن رشد حيث يخضعون للعلاج والرعاية الطبية وفق برنامج خاص لمدة اسبوعين اعد خصيصا لهم الى ان يحسن وضعهم الصحي ويعودون الى حالتهم الطبيعية.
الرعاية الاجتماعية ورأيها في الموضوع
الظاهرة وانعكاساتها على المجتمع قائلا:
ظاهرة الاطفال المشردين من الظواهر الخطيرة التي لها انعكاسات وابعاد مأساوية على تنشئة الاجيال الصاعدة في مجتمعنا.
وهذه الظاهرةاجتاحت مجتمعنا العراقي خصوصا بعد الاحتلال فازداد عدد الاطفال الاحداث المشردين الذين فقدوا الحنان العائلي ومنهم من فقدوا اثر عوائلهم بسبب فوضى الحرب وما بعدها.
*ماهي الاجراءات التي اتخذتموها لمعالجة هذه الحالة وتطويقها؟
-لقد اتخذنا عدة اجراءات للتخفيف من وطأة هذه الظاهرة فدور الدولة تهدف الى رعاية الاطفال الصغار الاحداث الذين يعانون من حالات لهم للتعويض عن الحنان العائلي الذي افتقدوه وتجنب كل ما يشعرهم بانهم دون الاخرين وتؤمن الدور للأطفال احتياجاتهم من مسكن ومأكل وملبس ومصروفات جيب وفقا للتعليمات التي تصدرها الادارة.
وتستقبل دور الدولة من كان عمره لا يزيد على 18 سنة وممن يعاني من مشاكل اسرية او فقدان رعاية الابوين بسبب الوفاة او العوق او التوقيف او الحجز او انه مجهول النسب او من تقرر المحكمة المختصة او اية جهة ادارية ذات اختصاص لأبداعه فيها لمدة قصيرة او طويلة.
ودور الدولة على ثلاثة انواع هي:
دور الدلة للأطفال لحين اتمامهم السنة الثانية عشر ودور الدولة للأحداث من السنةالثالثة عشر لحين اتمامهم الثامنة عشر، ويجوز تمتد يدها سنة اخرى.
*كيف تفهمون ظاهرة الاطفال المشردين داخل مجتمعنا؟
-ان ظاهرة الاطفال المشردين والمتسولين هي ظاهرة عالمية لا يكاد يخلو مجتمع منها وتكون النسبة متغيرة غالبا من مجتمع الى اخر، وفي نفس المجتمع الواجد تظهر بكثافة في مكان وتقل في مكن اخر.
وهذه الظاهرة لها اسبابها ومن جملة الاسباب، الفقر والبطالة والتفكك الاسري وغياب الوعي والجهل لدى الاسرة في عملية التنشئة السليمة علاوة على الكوارث التي يمر بها ذلك المجتمع كالحروب وغياب الامن وعدم الاستقرار والامراض وفي مجتمعنا العراقي استشرت هذه الظاهرة بعد الاحداث الاخيرة التي مربها البلد وما واكبها من غياب الامن وكثرة العاطلين عن العمل والفقر المدقع وانتشار الامراض وفقدان الاب او الام او كليهما وضعف البنى التحتية للأسرة وعزعزة القيم والتقاليد، كل هذه الامور مجتمعة ادت الى بروز هذه الظاهرة حتى كاد لا يخلو شارع او زقاق او اتقاطع مروري من هؤلاء الاطفال المشردين والمتسولين، وبامكاننا ان نعتبرهم ضحايا هذه الظروف فبدلا من ان يمارس الطفل حقه الطبيعي بان يعيش حياة حرة كريمة ويحيا في بيئة صحية وان يجلس على المقاعد الدراسية ويتعلم، اصبح مثقلا بهموم العمل والاستغلال الجنسي والاستغلال المعنوي. نتيجة هذه الظروف كان لابد من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان تاخذ دورها الحقيقي لرعاية هذه الشريحة المتضررة في المجتمع باعتبارها هي المعنية برعاية الاطفال الايتام والمشردين والمتسولين والمعاقين وقد ادى هذا الى تشكيلفرق عمل من الباحثين الاجتماعيين للبدء في حملة لجمع المشردين والمتسولين ممن هم في سن 18 سنة فما دون وبدأت الحملة الاولى فعلا بتاريخ 2005/3/20 وبالتنسيق مع وزارة الداخلية كجهة ساندة لفريق العمل.
الحملة تمت على مراحل المرحلة الاولى والتي ابتدأت من تاريخ 3/20 ولغاية 28/3 تم جمع 119 متسول ومشرد حيث كان عدد الذكور 86 وعددالاناث 33.
اما المرحلة الثانية بدأت بتاريخ 4/4 ولغاية 4/17 حيث تم جمع 83 مشرد ومتسول بلغ عدد الذكور 49 وعدد الاناث 34 وبدأ المرحلة الثالثة بتاريخ 4/25 وانتهت بتاريخ 5/11 وكن عددهم 66 بلغ عدد الذكور 48 وعدد الاناث 18. اما الحملة الرابعة فبدأت يوم 5/16 وانتهت 7/4 حيث كان عددهم 87 مشرد بلغ عدد الذكور 63 وعدد الاناث 24 والحملة لا تزال مفتوحة لا تتوقف حتى القضاء على هذه الظاهرة.
ان الحملة هي حملة علاجية ووقائية فبعد القاء القبض على الاطفال المشردين والمتسولين يتم اجراء دراسة عن حالة كل طفل على حدة وبعدها يتم ايداعهم في المؤسسات الايوائية وحسب الجنس والعمر لحين اكمال الاجراءات القانونية فإذا ظهر للطفل ولي امر فعلية ان يقوم بتقديم كفالة ضامنة بمبلغ مليون دينار لاسترداده.
وقد اكتشفنا من خلال بحوثنا المستمرة ان اغلب المشردين والمتسولين من الاطفال هم من المتسربين والهاربين من المدرسة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية تعمل بالتنسيق مع وزارة التربية على اعادتهم الى مقاعد الدراسة فهناك مدارس تابعة لوزارة التربية خاصة باليافعين من تسع سنوات فما فوق تهتم بهم وترعاهم دراسيا.
تشير الدراسات الخاصة بحماية الطفولة ان ظاهرة الاطفال المشردين تفاقمت في الاونة الاخيرة وازداد عددهم بعد احداث الحرب حيث بلغ عددهم اكثر من ( 100) الف طفل مشرد في العراق بحسب أحصائيات وضعتها بعض المنظمات الانسانية وهذا يدعو الجمعيات والمنظمات المهتمة بحماية الاطفال ورعايتهم الى العمل بجد وحرص اكثر من اجل انقاذ اولئك الاطفال من يعيشونه.
وان نقوم الجهات المسؤوله وعلى رأسها وزارتي الصحة والعمل والشؤوت الاجتماعية بتكثيف جهودها في سبيل ذلك.
قـاسم عبـد الحميـد
االصباح العراقية