تكسّرت النصال على النصال

الإدارة المشاركات : 3446 . :

تكسّرت النصال على النصال
لاجئ فلسطيني في لبنان

عند الحديث عن اللاجئ الفلسطيني في لبنان، نحار من أين نبدأ، وكيف نفسر هذا الأمر، هل حقاً يريدون مساعدتنا على العودة، من خلال حرماننا من الحقوق المدنية والاجتماعية، بل والإنسانية؟! كيف يمكننا أن نتفهّم هذا المنطق، ونعذر من يفعل بنا ذلك، لأنه أدرى بمصلحتنا، ويعيش همَّنا اكثر منا، ويتمتع ببعد نظر يفوق مداركنا، ويتخطاها نحو المعارف النورانية والمنازل العلوية لأهل الخطوة!!

وفوق ذلك كله، علينا أن نشكره، وقد يتوقع منا أن نحبه، نظراً للخدمات التي يرهق نفسه بها، وينظر إلينا بعين الرحمة (عين واحدة فقط) التي تعتبر أن غرفة واحدة يتملّكها الفلسطيني خارج مخيمه، ستعني التوطين. في الوقت الذي تُشغل عينه الثانية (للمفارقة: هي عين الرحمة أيضاً) بأن لا يُعاد بناء مخيم نهر البارد لأن بناءه يعني –بشكل أو بآخر- التوطين أيضاً.
إنه ينظر إلى أوضاعنا من عين عليا متجردة عن كل ما يؤثر بها من عوامل خارجية، أما نحن فمحكومون بهذه العوامل التي ستجعل تفكيرنا ناقصاً من الناحية العلمية، إذ ننظر إلى أوضاعنا، من قهر الأيام، من أرق الليل وعتمة النهار في بيوت لا يدخلها الضوء، من غابات الإسمنت، من قلب البطالة والفقر، من غذاء ناقص، وطبابة فاشلة، وتعليم متدنٍّ، وأونروا لا تسمع صوت المستغيثين، مجاميع من البشر لا تعرف معنى الحماية القانونية والإنسانية.
قد يُعجبه، مشهد الغضب الشعبي في مخيم برج البراجنة في بيروت حين تغيب عنه الكهرباء لأسبوع كامل، إلى حدّ تعفّن الجثث في براد المستشفى! فيخرجون من المخيم والشرر يتطاير من أعينهم لتشعل النيران على الطريق فيقطعوها، فتعود الكهرباء في اليوم التالي بقدرة قادر.
وقد يُعجبه أيضاً، مشهد «الشتاء من تحت»، يصلح لاسم فيلم، حين هطلت الأمطار عند الزخّة الأولى على المخيم، ففاضت المياه في «جورة التراشحة» من الأرض، دون أن يحرك أحد ساكناً.. فيؤكد لنفسه أن هؤلاء سيفتقدون موضوعية لجنة الدراسات في مكاتبها المكيفة!
بالطبع لن يستطيع ذلك أهل الحارة التي أخرجت نحو ثلاثين شاباً كادوا يقتلون مدير المنطقة بالأونروا بسبب تقصيرها. ثلاثون شاباً تغطس أرجلهم بمياه الصرف الصحي التي استفزتها الأمطار فخرجت متدفقة، ويشتغلون بالرفش والمعول والجاروفة ومضخات المياه، ويستقدمون صهريجاً ضخماً على حسابهم لسحب المياه، دون أن تنجح عملياتهم، فيؤجلونها إلى صباح اليوم التالي، ويحاولون من جديد، ولا يفلحون إلا بجرف أرض لمسافة خمسة عشر متراً.. وكل ذلك وهم صائمون!
كل هذا، ويريدوننا أن نقتنع، بأنّ مصلحتنا لا تكمن في نزع هذه النصال من جسد أبناء المخيمات، بل أن نزوّدها النصال الإضافية «الممتعة»، التي تشعرنا كم أن قضيتنا تستحق التضحية، وخاصة إذا كانت هذه التضحية، «ظلم ذوي القربى!!».
فيزيدون علينا تكرماً، منعنا من حق العمل في أكثر من سبعين وظيفة، ومنعنا من حق التملك وتسجيل العقارات أو توريثها إلى ورثة شرعيين، ومنعنا من حق العمل السياسي والمدني لصالح القضية الفلسطينية ومنه العمل الإعلامي والنقابي والثقافي والاجتماعي ومنع إنشاء جمعيات ومؤسسات مختلفة وترخيصها لممارسة هذا الحق، ومنعنا من إعمار المخيمات والمحافظة عليها، وحرماننا من حق التعلم والاستشفاء. وعدم الرد على بعض المطالب القانونية مثل إعادة تسجيل اللاجئين المشطوبين من سجلات وزارة الداخلية اللبنانية، ووقف الشطب من القيود لأي لاجئ مسجل في لبنان، ومعالجة قضية فاقدي الأوراق الثبوتية، بحث الوضع القانوني للمحكومين والمطلوبين الفلسطينيين وتسويتها، ومعالجة مشكلة وثائق السفر للمسجلين في وزارة الداخلية وغير المسجلين في وكالة الأونروا (NR).
الحديث في هذا المجال يطول.. ولنا «عودة» إليه، من دون خطر التوطين