المجموعة (3) سورية
الوضع في هذه المنطقة مختلف تماماً عن المجموعتين السابقتين، فإن الحضارة المادية والفكرية لسورية متفوقة تماماً على باقي أجزاء الإمبراطورية العثمانية بل وتتطابق في كثير من جوانبها مع حضارة جنوب أوروبا، فهي ند لإسبانيا أو البحر الكاريبي أو صقلية. ويعزى هذا الاعتراف إلى عدة عوامل:
)أ) أن الحكم الأموي قد استبدل المسيحية بالإسلام بكثير من التحفظ والحذر. (ب) أن القدس كانت على الدوام محط احترام كقبلة المسيحيين في حجهم، (ج) أن السنوات الطويلة التي استغرقتها الحروب الصليبية كانت سبباً لإجراء مفاوضات وتسويات مستمرة واستقدام مؤقت للقانون الأوروبي، وتمخضت عنها تقاليد جديدة في الاتصال والتعامل وتبادل الأفكار مع أوروبا، (د) أن السياسة الماكرة للفرنسيين للاستفادة قدر الإمكان من الأدب العربي لأغراض فكرية ودينية وسياسية، (هـ ) استمرار المد والجزر لموسمي الحج والسياحة، (و) تطور البلاد بفضل طرق سكك الحديد التي أقامها الفرنسيون ، (ز) الهجرة المؤقتة لعدد كبير من السوريين المسيحيين والمسلمين للولايات المتحدة الأميركية ومن ثم العودة إلى سورية، ومن جانب آخر لدينا ملاحظة حول الشعر العربي والفلسفة العربية من الجزيرة العربية والتي لم تتمازج أو تتأثر بالنفوذ الفارسي أو التركي، فالأتراك العثمانيون لم يكن لهم تأثير يذكر على السوريين، وقد استخدموا السوريين بكثرة في حكم البلاد، وفي تعيين الضباط منهم في الجيش المحلي، وتعتبر كل من القدس ودمشق وبيروت ولبنان وحلب من المناطق الرئيسية ذات التأثير والنفوذ. ففي القدس يعيش المسلمون والمسيحيون جنبا إلى جنب في تنشئة واحدة وذلك بسبب مخاوفهم من اليهود في جانب منه وبسبب ضرورة التعامل فيما بينهم الذي تفرضه عليهم مواسم الحج والسياحة.
أما دمشق فهي مركز الإسلام في سورية، وسكانها نزاعون إلى التعصب غير أن هناك نزعة قوية للتسامح في أوساط كبار رجال الدين المسلمين، كما أن هناك ميلاً شديداً نحو الثقافة الفرنسية والإنكليزية في أوساط الأجيال الناشئة المنتمية للطبقة الأرستقراطية. ومثل دمشق مثل حمص وحماة وإن كانت نزعة التعصب في هاتين المدينتين أسهل إثارة في دمشق.
وأما بيروت التي تعتبر الباعث الأقوى للتأثير الأوروبي على العقلية العربية والسورية نظرا لوجود الكلية اليسوعية الفرنسية والكلية البروتستانتية، فقد شهدت في السنوات الأخيرة مزيداً من التآخي بين المسلمين والمسيحيين وهي الينبوع الطبيعي لفكرة القومية العربية أي القومية العربية التي تضم المسيحي والمسلم والدرزي. وأما لبنان فهي معقل التأثير السياسي الفرنسي وذلك من خلال سيطرة طائفة اليسوعيين على الموارنة. وتعتبر لبنان أكثر مناطق سورية تطورا وتقدما، ورغم ذلك فلا تزال هناك بعض مشاعر الخصومة والعداء بين الموارنة والدروز من جانب والموارنة والمسلمين من جانب آخر سائدة خارج جبل لبنان، علماً بأن الطبقات المتعلمة والمثقفة تحاول بجهود حثيثة تحييد هذه المشاعر واجتثاث هذا الشر.
وأما المنطقة الأخيرة والواقعة بين طرابلس ولواء الاسكندرية ومرعش ومسكين فيمكن وصفها بسورية الألبية (أو سورية الجبلية) هنا يتركز التأثير والنفوذ التركي نظراً لاختلاط الأتراك مع المستوطنين الأكراد، ولوجود الأرمن في الكثير من أجزاء هذه المنطقة. ونتيجة لذلك ظهر جيل جديد من الأتراك يمكن اعتبارهم عربا نظرا لانتمائهم للجيل الثاني من الأتراك. كما تزداد الاستجابة للقضية الأرمنية والتي من شأنها أن ترص صفوف الدهماء من الناس إلى جانب الأتراك في القضايا السياسية.
المجموعة 4: العرب والأكراد معاً
العوامل الرئيسية المؤثرة في هذه المجموعة هي:
ـ ديار بكر - أورفا
ـ شمال الجزيرة
ـ الموصل ـ كركوك ـ بغداد
تتألف ديار بكر- أورفا من أقوام تركية كردية وهي متورطة بشكل كبير في مذابح الأرمن وبالتالي فهي لا تعتبر جزءاً من الحركة العربية. أما منطقة شمال الجزيرة فسكانها من الأكراد والعرب البدو وهم ضد سكان مدينة ديار بكر. ويقف الأكراد في هذه المطقة إلى جانب العرب في مناهضتهم للأتراك، وهم حتى الآن غير متورطين في القضية الأرمنية. أما الموصل فهي منطقة ممتازة للحركة العربية، والعلاقات بين المسيحيين والمسلمين بشكل عام جيدة وإذا توافرت عوامل خارجية جيدة يمكنها أن تندمج بسهولة. أما كركوك فهي واقعة تحت التأثير الكردي، لكن الأكراد المثقفين يقفون إلى جانب العرب. وأما بغداد وإلى الشمال منها فهي تحت تأثير الوجود الفاعل لليهود والشيعة. فأما الشيعة فهم بحاجة إلى التضامن بينما اليهود الذين يبلغ تعدادهم نحو 50.000 نسمة فهم موالون للعثمانيين ولحزب الاتحاد والترقي، أما باقي العرب في هذه المنطقة فهم يقفون بالطبع مع العرب وكذلك حال أتراك بغداد أي الأتراك ما قبل العهد العثماني.
ملاحظة أخيرة
المسلمون الهنود ضد العرب عرقياً وسياسياً. أما العرب من جانبهم فينظرون إلى الهنود بكثير من الاحتقار بسبب فقرهم وتكوينهم الجسماني وجهلهم بالدين. والهنود كونهم مع الأتراك فهم ضد العرب، وهذه تشكل لنا فائدة عظيمة في حال نجاح الحركة العربية.
مكتب الشؤون الخارجية
11 (يوليو- تموز) 1916
نعتقد بأنه يمكن الإعلان عن الانتفاضة العربية في أراضي المسلمين التابعة للإمبراطورية البريطانية وفق الخطوط الرئيسية التالية: «يرنو العرب الذين ابتلوا لسنوات عديدة بسوء الحكم التركي إلى اليوم الذي يستعيدون فيه حريتهم المفقودة ولهذا كان التمرد ضد تسلط الأتراك في الجزيرة العربية مألوفا في السابق». وأن سوء أفعال الحكومة الحالية في القسطنطينية وتبعيتها للنفوذ الألمان قد أجبرت تركيا على التورط في حرب مشؤومة وأوصلت الأمور إلى حافة الهاوية. ولقد قرر شريف مكة وغيره من زعماء الجزيرة العربية بأن الوقت قد حان للتخلص من نير الحكم التركي والدفاع عن استقلالهم». «إن بريطانيا العظمى كانت على الدوام تنظر إلى التطلعات العربية بعين التعاطف. ولكنها وبسبب صداقتها التقليدية بتركيا كانت مرغمة على إبداء التحفظ في الماضي. أما وقد ارتمت تركيا الآن في أحضان دول المحور فإن بريطانيا تجد نفسها في حل من ارتباطاتها، وأنه يمكنها الآن أن تقدم دليلاً على تعاطفها مع العربي الذين اصطفوا إلى جانب الحلفاء ضد عدو مشترك». «تبقى سياسة بريطانيا العظمى ثابتة فيما يتعلق بعدم التدخل بكافة القضايا الدينية، وأن لا تألوا جهدا في تأمين وحماية الأماكن المقدسة من أي عدوان خارجي عليها». «أن من الأمور الثابتة التي لن تتغير في السياسة البريطانية أن تبقى هذه الأماكن المقدسة تحت حكم وسلطة المسلمين المستقلة». «إن الحالة الراهنة للحرب تلقي بالكثير من الصعوبات والمخاطر في طريق أولئك الراغبين بالقيام بالحج، غير أن الإجراء الذي اتخذه شريف مكة ينعش الآمال بأن الترتيبات التي سيتم اتخاذها في العام المقبل ستمكن الحجاج من زيارة الأضرحة المقدسة وأداء مناسكهم بأمن وسلام». يرجى إبداء ملاحظاتكم على ما سلف عن طريق البرقية.
صقر العبادل
منتدى بني عبد الله