أدت الطفرة الهائلة التى أحدثتها موضوعات حقوق الإنسان وحرياته والتطورات السريعة والمتلاحقة على الساحة الدولية بشأنها ، إلى تعاظم الاهتمام العالمي بتلك الموضوعات وأصبحت عالمية هذه الحقوق والحريات وعدم قابلتها للتجزئة أو التنازل ، تعني بالمقام الأول توحيد هذه الحقوق والحريات بدول العالم أجمع ولكل إنسان فى كل زمان ومكان ثم ضمان توفيرها لدى الأنظمة القانونية الوطنية للدول الأعضاء ولذلك فإن عالميتها لن تتحقق بدون وطنيتها كما وأن وطنيتها كذلك لن تتحقق بدون عالميتها فالأمرين متلازمين ووجهين لعملة واحدة ، ولن يستقيم التركيز على إحداها دون الأخرى ، أو العناية بإحداهما وإهمال الأخرى وكلاهما يجب أن يتحقق.لتسود للإنسانية إنسانيتها ويسعد الذين يحملون صفاتها بكينونتها سواء لأنفسهم أو للبشر أجمعين.
وأصبحت المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان تشتمل بصفة خاصة على وجهين من المسئولية للدول الأعضاء فيها ، فهى مسئولة عن إنفاذها فى مواجهة المجتمع الدولي من خلال الآليات الدولية والإقليمية المشكلة بهدف حماية ورصد ومراقبة تنفيذها ، وإن اختلفت حدود الإلزامية لما يصدر عن هذه الآليات من توصيات أو قرارات وتبلغ مداها فى صدور أحكام قضائية ملزمة ، وتعد ازدواجية المعايير والانتقائية وتسييس موضوعات حقوق الإنسان من أهم المشكلات المعاصرة على الصعيد الدولى دون الإقليمي الذى حظى بالتطبيق القضائى فى كل من التجمعين الأوربي والأمريكي ، ولعل القرار الصادر عـن الجمعية العامـة للأمـم المتحـدة برقم 56/153 فى 3/2/2002 ( بناء على تقرير اللجنة الثالثة ) والذى يدعو فى البند الخامس منه إلى التأكيد على أن رعاية حقوق الإنسان والاعتراف بالقيام بها لكونها تمثل الاهتمام الشرعي للمجتمع الدولي يجب أن يقوم على مبادئ الحيادية والموضوعية ولا يجب أن يستخدم لغايات سياسية ، خير دليل على ذلك.
ثم تأتى مسئوليه الدولة الطرف قبل مواطنيها والموجودين فى أراضيها فى توفير وضمان وحماية هذه الحقوق والحريات وفقاً للمعايير الدولية ، وتعد أهم المشكلات المعاصرة على هذا المستوى الأنظمة القانونية والسياسية بالدول النامية والغير المستقرة والتى يرتبط أداؤها بالإمكانيات المتاحة طبقاً لظروفها ولاوضاعها ولمواردها والتى ينتج عنها تردى الأوضاع الوطنية بشكل عام ، وهشاشة السلطات التشريعية والقضائية بصفة خاصة مما يشكل عبئاً كبيراً أمام هذه الدول للقيام مسئوليتها على أراضيها.
وتهدف الدراسة المعروضة إلى التعرف على النظام القانونى المصرى بالنسبة لموضوعات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وكيفية تناول النظام القانونى المصرى هذا الشأن وسنحاول بإيجاز من خلال هذه الدراسة الإجابة على الأسئلة الهامة والتى تبدو منطقية وطبيعية حول مدى إلتزام النظام القانونى المصرى بالالتزامات الناشئة عن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والمنضمة لها مصر ، ومدى كفالة وسائل الانتصاف الوطنية لضمان هذه الحقوق والحريات على أرض الوطن للكافة من مواطنين أو أجانب.
وإن كنت أرى أن الإيجاز فى مثل هذه الأمور قد يكون مخلاً ولكن ، كنت حريصا فى الوصول إلى هدفين الأول هو تقديم دراسة مبسطة وسهلة يستطيع المتخصص والغير المتخصص الإلمام بجوانبها بقدر من اليسر وبغير عسر ، والهدف الثانى الحرص على التوعية والتعريف بالحقوق والحريات المحمية بمقتضى الدستور والقانون ليس فى إطار أن هذه التوعية التزام بمقتضى الاتفاقيات الدولية المنضمة لها مصر ولكن من خلال قناعتى أن هذه المعرفة هى الضمان الحقيقي لهذه الحقوق والحريات والأساس الأول فى إنفاذها والتمسك بها وضمان عدم الخروج أو التنازل عنها. كما وأنهـا تشكل فى ذات الوقت الأسـاس المنطقي والعلمـي لخلـق مكون متطور ومتنامى لثقافة حقوق الإنسان لتكون منهاجاً وأسلوباً ونظاماً يغطى منظومة الحياة اليومية لكل إنسان فى كافة دوائر علاقاته الاجتماعية.
وختاما نود القول أن اقتناعنا وإدراكنا الواعي لمصلحتنا الجماعية يقتضي الإيمـان ، بأن الحرص على حقوق وحريات الآخرين واحترامها هو الطريق الأمثل لحرصنا على حقوقنا وحرياتنا.
ولعلنا بهذا الجهد المتواضع نكون قد وضعنا تحت يد القارئ ما يستزيد به علماً ومعرفة فى هذا المجال الحيوي والجديد ، وما قد يعينه على تبصير الآخرين بحقوقهم وحرياتهم ووجباتهم قبل أنفسهم والمجتمع والوطن.
ونتيجة للاهتمام المتزايد بمواضيع حقوق الإنسان على المستوى الدولى والمحلى ونتيجة لرغبة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي كعادتها فى مواكبة التغيرات العالمية وتأكيداً لدورها فى ترسيخ مبادئ التنمية البشرية وتأكيدا لدور مشروع تنمية القدرات فى مجال حقوق الإنسان الذى يرعاه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فى تضمين البعد الخاص بحقوق الإنسان فى التعاملات اليومية وتوضيح أن النظام القانونى المصرى مرتبط ارتباط وثيق بمبادئ حقوق الإنسان لذلك فقد اهتم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع هيئة المعونة الدنماركية والسفارة الهولندية ومؤسسة فورد فونديشن بطباعة هذا الكتاب كمرجع علمي هام يحتاجه ويستخدمه جميع العاملين فى مجال حقوق الإنسان لما يحتويه من كم هائل من المعلومات القيمة التى تعمل على تنمية قدرات العاملين فى مجال حقوق الإنسان وهو هدف أساسى يسعى إليه مشروع تنمية القدرات فى مجال حقوق الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
المستشار سناء سيد خليل
البوابة القانونية