من أهم أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فقد آخى بينهم على الحق والمساواة وعلى أن يتوارثوا فبما بينهم بعد الممات، بحيث يكون أثر الأخوة الإسلامية أقوى من أثر قرابة الرحم، قال ابن القيم الجوزية " ثم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك وكانوا تسعين رجلا نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله عز وجل {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }(الأنفال75) رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة" (زاد المعاد،3/63).
ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبية الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه. وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأخوة مسؤولية حقيقية تشيع بين هؤلاء الإخوة .وحسبنا دليلا على ذلك ما قام به سعد بن الربيع الذي كان قد آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمان بن عوف إذ عرض على عبد الرحمن بن عوف أن يشركه في بيته وأهله وماله في قسمة متساوية، ولكن عبد الرحمان شكره وطلب منه أن يرشده إلى سوق المدينة ليشتغل فيها، ولم يكن سعد بن الربيع منفردا عن غيره من الأنصار فيما عرضه على أخيه بل هذا شأن عامة الصحابة في علاقتهم وتعاونهم مع بعضهم.
- كتابة وثيقة بين المسلمين وغيرهم:
ذكر ابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم تمض له سوى مدة قليلة في المدينة حتى اجتمع له إسلام عامة أهل المدينة من العرب، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا أسلم أهلها، عدا أفرادا من قبيلة الأوس، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار وادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم.(ابن هشام، 1/502-503).
أولا:- وثيقة التحالف الإسلامي: تعد هذه الوثيقة أهم ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بتأسيس الدولة الإسلامية في المدينة، فقد أزاح بها كل ما كان من حزازات الجاهلية والنزاعات القبلية، وفي ما يلي بعض نصوص الوثيقة: هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم:
- أنهم كانوا أمة واحدة من دون الناس.
- المهاجرون من قريش على ربعتهم[1] يتعاقلون[2] بينهم وهم يفدون عانيهم[3] بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وكل قبيلة من الأنصار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم[4] الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
- وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا[5] بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
- لا يقتل مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافر على مسلم.
- وان ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم.
- وأنه لا يحل لمؤمن أن ينصر محدثا (أي من أحدث منكرا غير معتاد) ولا يؤويه.
وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله، وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل،( أي لا يشارك في تصريف الأمور ولا في الشهادة عليها).
ثانيا: المعاهدة مع اليهود:
كان لابد -لتأمين سلامة المجتمع الجديد- من تنظيم العلاقة بغير المسلمين في هذا المجتمع فكانت هذه المعاهدة مع اليهود، وكانوا أقرب من يجاوروا المدينة من غير المسلمين، فعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدة ترك لهم فيها مطلق الحرية في الدين والمال ولم يتجه إلى سياسة الإبعاد والمصادرة والخصام. وجاءت هذه المعاهدة ضمن المعاهدة التي تمت بين المسلمين أنفسهم. وأهم بنودها:
- إن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، كذلك لغير بني عوف من اليهود.
- وأن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم.
- وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة،.
- وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
- وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول اله صلى الله عليه وسلم.
وبإبرام هذه المعادة قامت الدولة الإسلامية الراشدة تحت قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم.
منقول للفائدة