*( لوركا .. مختارات شعرية )
فيدريكو غارسيا لوركا
ترجمة / مروان حداد
منشورات وزرارة الثقافة ـ سوريا
*أريد العودة الى الطفولة
ومن الطفولة الى الظل
أتذهب ايها العندليب ؟
اذهب
اريد ان أعود الى الظل
ومن الظل الى الزهرة
أتذهب ايها الشذى
.........
أريد أن اعود الى الزهرة
ومن الزهرة
قلبي
"""""""""""""""""""
من قصيدة ( منعطف) ص 89
أثناء الحرب الأهلية الإسبانية اغتيل واحد من أهم شعراء إسبانيا عبر العصور ، الشاعر فيدريكو غارسيا
ماركو .. وكان رحيلة مأسوياً ولعل رحيله فيه شئ من غموض الشعر ، حيث ساقته مجموعة الفاشست
وبعدها اختفى لوركا .. ولم يعثر له حتى على قبر .. لكنه بحياته القصيرة فوق هذه الأرض ، التمع بقوة
وسرعة كشهاب ، وتجذر مثل زيتونة ، فظل شعره يغذي قلوب الملايين ويهب الشعراء أبهى صور الإبداع
وكذلك فعل مسرحه ، ثم كانت حياته سيرة نبيلة لشاعر وهب نفسه لقيم العدالة والحرية والجمال في هذه
الأرض .. أما موته فقد ضرب المثل العظيم في الرسالة الإنسانية التي أداها لوركا .
:::::::::::::::::::
في العربية ترجم للوركا الكثير ، في الصحف والمجلات والكتب ، ومن تلك الأصدرات كتاب
( لوركا .. مختارات من شعرية ) الكتاب الذي استطاع المترجم مروان حداد ان يقدم إلينا به ترجمة جميلة
ومتميزة .. وفيها سبع وعشرين قصيدة بين قصيرة وطويلة ــ وحوت المجموعة رسومات للوركا نفسه
زينت الصفحات والغلاف معا ـ والشاعر السوري نزيه ابو عفش كتب على غلاف المختارات :
( ثمة دائما جديد ما ، نكتشفه ـ كأنما للمرة الأولى ـ في شعر لوركا الذي سبق أن عرفناه ، ودائماً
تصل الينا أشعاره التي كتبها قبل ليلة القتل في حقل الزيتون ، وكأنه لم يمت ، او كأن هذه الأشعار
لم تكن سوى هبة مقدسة قادمة من كوكب آخر يشبه الأرض ، ويعاني مرارة الحب ، والقتل ، وجنون
الأنسان : إنها هبة الموتى الى حياة تفسد ، او تكاد
ولوركا اذ يمجد الحياة ، يغني لها متجاوزا ماهو مألوف وعادي .. كأنه يصنع معجزة من ورق وحبر
وأنين وحب ، ولهذا فإنه يظل هدفاً دائما لرصاص الطغاة !
هو ذا معنا مرة اخرى ، معنا وشبيه بنا ، يأتينا صوته حاراً وعميقاً ، كشهقة أخيرة لإنسان تتضور
روحه من الخوف على نفسه وعلينا
لوركا معنا .. مرة اخرى ، في ترجمة ربما هي ـ بين ترجمات كثيرة ، الآرق والأغنى والأكثر أخلاصا
لأسرار الشعر : لوركا برائحته وصوته )
::::::::::::::::::::::
تشيع في أشعار لوركا دائما أجواء الحب ، وهنا يبرز الغجر الذين احبهم ، وخبرهم طويلاً في بلاده
فظلوا عنده رموزاً كبرى للعشق الجارح والجارف معاً
وسبق للشاعر ان كتب مجموعة قصائد موضوعها المباشر الغجر والحب الغجري ، حتى انه أدخل في
بعض قصائده جملاً ومقاطع من اغنيات غجرية شغف بها
في قصيدة ( أمبارو ) يخاطب الشاعر تلك المرأة :
أمبارو
كم أنت وحيدة في بيتك
بثيابك البيضاء
تسمعين نوافير الماء ا لرائعة
في فناء دارك
والتغاريد الصفراء الواهنة
للكناري
في المساء ترينها تتمايل
شجرات السرو مع العصافير
بينما تطرزين على مهل
حروفاً على النسيج
أمبارو
كم أنتِ وحيدة في بيتك
بثيابك البيضاء
أمبارو
وما اصعب أن أقول لك :
أحبك
--------
ص 15
أن الحب في شعر لوركا مؤس ومرتبك وتلقائي وعجائبي معاً .. حيث نجد ( الحب الذي رحل ولم
يعد ) و ( الرمانة قلب يخف فوق المروج )
في القصائد موت حي إن صح التعبير ، فلوركا يقدم لنا فش عره موتاً نابضاً بالحياة ، انه يشعر
أنه حياة اخرى يعيشها ، ويتأمل من خلالها الحياة ، فتختفي الوحشة والظلمة ،
ونستمع عبرهما الى صوت لوركا يردد
(حين اموت
اتركو الشرفة مفتوحة
الطفل يأكل البرتقال
من شرفتي أراه
الحصّاد يحصد القمح
من شرفتي أراه
حين أموت
اتركوا الشرفة مفتوحة )
ويقول في موضع آخر
في الجبل
تدو مقبرة القرية
مثل حقل مزروع
ببذور الجماجم !! )
وتنقلنا هذه المختارات الى خاصية من خصائص قصائد الشاعر ،اذ تشيع فيها روح طفولية عذبة
تترواح بين النطر الى الأشياء بعيني طفل برئتين وحالمتين ، وبين تلك القصائد الشفافة التي تشبه
أغنية أطفال حنونة كما في قصيدته القصيرة ( أغنية صافية )
- ماما
اريد ان أكون فضة
* إبني
ستبرد كثيرا
- ماما اريد ان اكون ماء
* ستبرد كثيرا
-ماما طرزيني في وسادتك .
* هذا نعم !
الآن حالاً !!
الأطفال دائما عالم ينشر الفرح حوله ، لا يستطيع الشاعر الا ان يرى الدينا مغمورة ببهجة
حيث الأطفال يحركون صمتها ، ويعبثون برتابتها
يخرج الأطفال فرحين
من المدرسة
مطلقين في جو نيسان الدافئ
أغنيات رقيقة
أي فرح يغمر الصمت العميق
للزقاق
صمت تمزقه قطعاً صغيرة
ضحكات من فضة جديدة !
وفي شعر لوركا امران قد يبدوان متناقضين ، حيث نجد الصورة البسيطة الطفولية ، والصورة
المغرقة في غموضها ، ولا ننس ان الشاعر تأثر بالسريالية في شعره ، لهذا نلاحظ تلك الصور
العجيبه ( سماء عجوز ، سماء من ذهب ) ( جماجم مزهرة فوق جبال الرصاص ) ( يقطر الحزن
من الأثاث ) ( تطفو كلماتي في الهواء مثل قطع فلين فوق الماء ) ( الماء يطوي ناراً من الصرخات)
:::::::::::::::::::::
وكما لاحظنا من الشواهد السابقة أن لوركا يعمد إلى بناء قصيدة محكمة ومهندسة أحيانا
فالتقطيع صارم ، والجمل تتوالى بعناية ، وهناك آليات دائمة تميز قصائده ، مثل تكرار كلمة
أو جملة او حتى مقطع ، وقد نجد أحيانا بناء متنامياً ، يبدأ وينمو ويصل إلى خاتمة في شئ
من القص الشعري المقصود ، وتؤدي الآلوان دوراً هاماً كرموز ودلالات على حالات شعرية متنوعة
أضافة إلى تقابلات في مشهد مدروسة ، كما نجد في قصيدة ( صياد )
غابة صنوبر سامية
أربع حمامات تحلق عالياً
أربع حمامات
تطير وتعود
تحملها ، جريحة ..
ظلالها الأربعة ..
..............
غابة صنوبر وضيعة !
اربع حمامات ترتمي على الأرض !
-------------------
ص 29
مختارات لوركا هذه ستمنحنا ذلك العبق الشعري الذي تبعثه قصائد ذلك العاشق القتيل
الذي يمشي مساء مخلفاً على الطريق ماء حزنه كما يقول .
والحزن ملمس أساس في شعر لوركا حيث ينبع من الحب والحياة والموت والتأمل والطبيعة
وقد نقل إلينا المترجم قصيدة شفافة إسمها ( قصيدة البكاء ) تتلامح فيها مجموعة من خصائص
شعره ، وتعكس قدرا كافياً من عذوبة روحه وعذابها
أغلقت شرفتي
لأني لا اريد أن اسمع البكاء
لكن من وراء الجدران الرمادية
لا يُسمع إلا البكاء ..
.........
ملائكة قليلون يغنون
كلاب قليلة تنبح
ألف كما تطبق عليها راحة يدي
...........
لكن البكاء كلب هائل
البكاء ملاك هائل
البكاء كمان هائل
..........
الدموع تكـُّم فم الريح
ولا يـُسمع إلا البكاء
--------------
ص 52
ـــــــــــــــــــــــــــــت
عطر مطر