كل عيد وأنت لنا العيد والوطن.ها نحن نقف بين يديك هذا الصباح كما في كل صباح.نمد أيدينا إلى السماء.وبكل إيمان وخشوع نصلي لله في عليائه،سائلين إياه جل جلاله أن يطلق سراحك من بين براثن الاغتصاب.أن تعود لنا كما كنت على مدى الأيام.أن يمن علينا بنعمة الرجوع إلى مغانيك.أن تكتحل عيوننا ببهاء طلعتك الأبية،وشموخ جبينك الوضاء.أن تكبر أجيال أطفالنا في أحضانك،وتكبر بهم.يومها تصبح كل أيامنا وليالينا أعيادا وأعراسا.فأنت أنت وحدك العرس والعيد والحب والوطن.
كل عيد.. وأنت لنا العيد والوطن. ها نحن مرة أخرى ولن تكون الأخيرة.. لا يعترينا اليأس رغم الشدائد والصعاب. نأتيك على أجنحة أشواقنا التي لا تبرح قلوبنا، وحبنا الذي لن تخبو له جذوة، وإصرارنا على أن تعود لنا ولأجيالنا من بعدنا. ها نحن جئناك نهتف باسمك، نكحل أعيننا بسنا فضاءاتك القدسي، نجدد عهودنا لك. ها نحن نهتف أن لا عيد إلا يوم خلاصك، ويوم تطل شمس لا تغيب، هي شمس حريتك، أيها الغالي المفدى.
كل عيد وأنت لنا العيد والوطن. أيها الشامخ الجبين. مكلل أنت بغار الكبرياء، معطر بأريج الإباء. رائحة التاريخ فواحة الشذا تتسامى من ذرات ترابك أمجادا.. تضيء فضاءات أيامك السابحات في العلى. أيها العاشق لون الحرية راية ترفرف في سمائك. وشعلة خالدة من إضاءاتك. لأنك حالة عشق تتحدى الانطفاء. تنتفض جوارحك على كل يد غارقة بالإثم تمتد لتسرق ألوان طيف رؤاك وتدفنها في غياهب النسيان والظلام. فأنت أقوى من الظلام والنسيان.
كل عيد. وأنت لنا أيها الوطن المرسوم في عيون الأجيال رؤى خضراء مجنحة بالتحدي والإصرار. ملونة بالعشق الذي لا يعرف الصمت ولا الرحيل. مسيجة بالفداء يا سيد الفداء. يا وطن الجرح المكابر ما أعياك نزيفه المدرار. تهزأ بالجرح وحربة الجلاد.
كل عيد. وأنت لنا العيد والوطن. جراحك لعنة تتفجر شظايا قهر في صدر الجلاد. تفرش له الطريق علقما وجمرا. جراحك غيمة من دخان الإحباط تظلل إحساسه بالكآبة. تطارد أحلامه المتساقطة حلما حلما على قارعة الباب. تنآى به الأهواء حائرا يحط رحاله على مدارج السراب. وتتجدد أنت انبعاثا من رحم الرماد. يا طائرا تسري الحياة في شرايين أجنحته إلى الأبد.
كل عيد. وأنت لنا أيها الوطن الساكن في وجدان إنسانك. والمسكون فيك هذا الإنسان. ما زال عشاقك يدخلون محرابك أفواجا أفواجا يرتلون لك أنشودة الحرية. هاماتهم ترنو إلى السماء بكبرياء. تتوج جبين زمانك بغار التمرد. تملأ الكؤوس أنخاب انتصار، وتقيم أعراسا لعيد حريتك الموعودة به الأجيال. ويومها تسترجع الأعياد لونها المضمخ بالحرية، المتفيء ظلال المجد والفخار.
كل عيد. وأنت لنا يا وطن الشهداء. عاشوا رماحا تشق أسنتها المدى إلى صدور طغاة غربان الليل الجاثمين على أنفاس الفجر المنتظر الذي تصلي له عيون الأطفال ليلد شمس الحرية. ويوم لامست شفاههم ثراك الطهور لتطبع القبلة الأخيرة على جبينك الأشم استحالوا إلى مشاعل تضيء فضاءات أجيال خرجوا من رحمك وسيخرجون يرسمون بالنور والنار ملحمة تلون زمانك بالسؤدد وتعطر مكانك بالإباء.
كل عيد. وأنت لنا يا وطن الجرحى. روت دماؤهم ثراك العطشان لمطر الحريـة. وهل إلا دماء جرحاك مطر الحرية ينهمر مدرارا على مغانيك جبلا جبلا سهلا سهلا رابية رابية واديا واديا. وهل غير دماء جرحاك تحمل الربيع إلى ربوعك فيتجذر زيتونك ويشمخ صفصافك. ويشتعل ترابك قناديل عشق وياسمين.
كل عيد. وأنت لنا يا وطن الأسرى. تمردوا على قيود عبودية الزمن الملطخة كفاه بالسواد والطغيان. أسراك أيها الوطن الأسير وهبوك شبابهم مهرا لعرس حريتك. تحدوا المستحيل ركبوا الأهوال. شقوا غبار الموت والدمار. وها هم الآن خلف القضبان يطرزون لك من عنادهم وشاح كبر. وينظمون لك من إصرارهم مسبحة حرية. ويرسمون لغدك من سنا محياهم شمسا لا تغيب. شمسا لنهارات وعد لا يخيب.
كل عيد. وأنت لنا العيد والوطن. هذا الدم الطهور مطر أخضر يتوضأ بقطراته ثراك الحالم بصلاة الحرية. هذا الدم الطهور كأس مترعة بالعشق قربانا لمغانيك. لعل شقائق النعمان والنسرين. لعل الياسمين. لعل كل الأزاهير تصحو من غفوتها فترسم من جديد خارطة وجودك الحتمي. لعل الأطيار المهاجرة ترجع إلى أفنان أشجارك الواقفة في وجه الريح السوداء.
كل عيد. وأنت لنا العيد والوطن. لعل الشمس تطل على نهاراتك المتمردة على عتمة الليالي السود. لعل الابتسامة التي غادرت عيون أطفالك ذات يوم تورق مرة أخرى في أحداقهم وتزهر أملا بالحياة. لعل العيد الذي حلمت به الأجيال يرجع إلى أحضانك. وهل عيد غير ظلالك يتفيؤها العاشقون الساهرون انتظارا لصباحاتك السابحة بالسنا الأبدي. وهل عيد إلا أنت يا وطني يوم تعود لك شمسك التي لن تغيب ثانية عن آفاقك.
كل عيد. وأنت لنا العيد والوطن. نحن عاهدناك أن تكون لنا كاملا مكملا. لن نفرط بواحدة من ثوابتنا. سوف نصبر ونصابر. لن يعترينا الوهن ولن ينال منا القنوط. خطانا لا تعرف إلا أنت عنوانا. ولا غيرك اخترنا وطنا مهما قست الأيام والليالي.
بقلم:د.لطفي زغلول