المناضلة الحقوقية هيفاء حيدر من الأردن
تحاورها عن مجلة فرح نعيمة الزيداني "إننا كنساء جزء لا يتجزأ من حركة هذا المجتمع وبالتالي تقع على عاتقنا مسؤولية في البناء و الفعل و العمل معا"
ضيفتنا لهذا العدد من فرح رائدة من رواد العمل النسائي في عالمنا العربي وكاتبة مهتمة بتحليل نفسية المرأة في علاقتها بالذات أولا وبالآخر ثانيا.
إنها هيفاء حيدر من الأردن,امرأة دائمة السعي لمزيد من التحصيل الأكاديمي,
لم تكتفي بدراسة علم الاجتماع بل درست أيضا الحقوق من أجل تقديم مزيد من الإرشاد للسيدة المعنفة , حصلت على" ماجستير دراسات امرأة "من الجامعة الأردنية كي تزيد من معارفها في قضية النساء و المسألة النسوية التي ما تزال من القضايا المثيرة للجدل في عالمنا العربي بشكل عام.
نرحب جميعا بالأستاذة هيفاء حيدر من الأردن, المناضلة النسائية التي تنطلق من ثقافة متينة وفكر ثوري هما دعامتها في نضالها المتواصل من اجل إحياء القوة الكامنة بعمق كل امرأة عربية لتنتفض ضد العنف والتهميش.
في البداية,نود أن تحدثي قراء فرح عن هيفاء حيدر كناشطة حقوقية أولا ,وكامرأة ثانيا؟بداية أتقدم بالشكر لحضرتكن على إتاحة هذا الحيز من المساحة لي.
قد يكون من الصعب أن نفصل بين أدوار المرأة التي نعيشها وأنا بالتأكيد واحدة من آلاف السيدات اللاتي تتداخل لديهن العديد من المهام و الأدوار في نطاق العام و الخاص لحياتنا نحن النساء.
لقد كانت على الدوام هيفاء المرأة الحقوقية و المناضلة تبتعد كل واحدة منهما عن الأخرى وما تلبث أن تقترب كلاهما من بعض من جديد.
وربما يعود الإحساس بالظلم و عدم المساواة التي نعيشها نحن النساء إلى دفعنا للأمام نحو معرفة حقوقنا و أن ننشط بها من أجل الأنثى و المرأة فينا , و هذا ما يزيد الإصرار لدي على زيادة المعرفة بهذه الحقوق مما يجعل مسؤوليتي اتجاه المرأة تزداد يوما بعد يوم.
كيف تقيمين الوضع الحالي للمرأة الأردنية بشكل خاص والعربية بشكل عام؟نحن كنساء عربيات نشكل جزءا من مجتمع ما زال يعاني العديد من الإشكاليات و التناقضات في نفس الوقت , ولا نستطيع أن نتحدث عن العنف أو عدم المساواة اللذان تعاني منهما المرأة دون القول أن مجتمعاتنا عموما ما زالت تعيش تحت جلباب الأجنبي وملاءاته السياسية منها العسكرية و الاقتصادية ,وهذا يولد العديد من التأثيرات الاجتماعية و الثقافية التي تنال منها المرأة الحظ الأوفر في العنف و تحمل العديد من المسؤوليات نتيجة هذا الوضع مع ذكرنا بأن قضايا النساء عموما لم تكن يوما على أجندة حكوماتنا العربية ,ونحن كنساء في الأردن جزء ينطبق عليه إلى حد ما ما ينطبق على المرأة العربية في العديد من الدول التي ما زال فيها النظام الذكوري هو صانع القرار ومطبقه, وما زالت النظرة للمرأة بأن دورها الأساس هو بين جدران البيت وربما نتذكر هنا أنه علينا كنساء أن نبادر بدق جدران الخزان كي لا نموت خنقا .
يتم تزيين بعض الهيئات والوزارات بعنصر نسائي كي يتراءى للبعض أن المرأة قد حصلت على حقوقها ,وفي نفس الوقت هناك نداءات من بعض الإسلاميين "كلما أشتد ضغط الأزمة الاقتصادية"للدعوة إلى عودة النساء إلى المنزل لتوفير فرص العمل للرجال .
لذا فوضع النساء لا يبشر بخير في ظل تنامي الأزمات التي تتيح بدورها للفوضى أن تعم وتتيح المجال للعديد من الآراء و الفتاوى التي تقوض من أي نجاح أو مكتسب للمرأة الفرد و للمرأة على صعيد عام ,ويبدو ذلك من خلال الصعوبات التي نواجهها كنساء في سعينا لتحقيق أي منجز يذكر.
ماهي العراقيل التي تقف أمام تفعيل دور المرأة في مجتمعاتنا العربية؟هذا سؤال كبير,"كبير جدا" بحجم المسألة التي يتناولها وليس من السهل أن تتم الإجابة عليه بفقرة أو فقرتين كون هذا السؤال يتناول بعض القضايا الرئيسة في مسيرة قضية النساء بشكل عام.
ومن الصعوبة بمكان أن نتكلم عن العراقيل دون أن نتطرق لكيفية وجود وأساس و جذور هذه العراقيل والتي بدورها تشكل إشكاليات و محاور مفصلية في قضية العنف ضد النساء.
مجتمعاتنا كانت و ما زالت تغرف من ماضي سحيق مجموعة القيم و المنظومات التي تشكل علاقاتها الاجتماعية الغير متوازنة و الغير متكافئة ما بين أفراد المجتمع بالنسبة لعلاقة المرأة بالرجل وما يدور ويؤطر كل هذه العلاقة, وربما كان الاتكاء الدائم على العادات و التقاليد حينا" وحينا آخر" على الدين ومنظومته تجاه المرأة هو أفضل السبل للهروب من المناقشة الجدية و الهادفة لقضايا النساء وتمكينهن من الوصول إلى مواقع متقدمة لصنع القرار.
والتساؤل الذي نطرحه هنا لماذا دائما" ما تتوافر الإرادة السياسية للعديد من الأمور وقضايا المجتمع, وفي نفس الوقت تغيب هذه الإرادة عندما يتم الحديث عن المرأة و قضاياها "ويبرز إلى السطح مباشرة دور العادات و التقاليد و يحتل الدين المرتبة الأولى للرد على كل تساؤل سيطرح حول المرأة و دورها ومكانتها .إن تزايد العنف و التمييز ضد النساء هو نتيجة حتمية لهذا التقصير و لهذا الدور الذي يعطى بالتناوب للحديث عن قضايا النساء ولتبسيط الأمور وكأن قضايا النساء خلقت وكتب لها أن تبقى على الهامش عصية على الحركة باتجاه المركز المسيطر عليه من قبل الرجل وأدواته المتعددة في مجتمعاتنا .
لذلك فإن المعيقات تتعدد وتتشابك مع بعضها لتشكل نسقا من المعيقات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الدينية التي تحتاج لبرامج و خطط تبنى على إرادة سياسية وشعبية من أجل الحصول على التغيير المنشود في مجتمعنا , ولعل الجانب القانوني الذي يجب أن يعكس مجمل التغيرات و المنجزات التي تحقق لصالح النساء يحتل موقعا هاما في موقعه من العراقيل .و لا يكفي تغيير النص القانوني بل نحن بحاجة إلى إحداث التغيير في العقلية التي ستطبق هذا النص وكيف تنظر لقضايا النساء كجزء من قضايا المجتمع ككل يقاس تقدمه بموقعها وتخلفه بانكفائها .
وهل ترين أن الجمعيات الحقوقية النسائية تسير وتناضل بوتيرة توازي التصاعد المستمر لحالات العنف والتمييز ضد المرأة؟لا بد أن نذكر أن هناك حركة مستمرة في مجتمعاتنا للمؤسسات و الهيئات و القوى التي تعنى بقضايا الإنسان عموما و النساء خصوصا" كون حقوقنا وقضايانا هي جزء من حقوق وقضايا الإنسان في عالمنا المتحرك هذا.
نعم لدينا العديد من هذه المؤسسات التي تطرح بدورها العديد من البرامج وتقدم عدة خدمات للنساء, ويسجل لبعضها النجاح الجزئي في ملامسة هموم و قضايا النساء كفئة مضطهدة في مجتمع منقوص التجربة على صعيد حقوق الإنسان. وأقول نجاح جزئي لأننا ما زلنا نفتقر للعمل الجماعي وللتشبيك فيما يخص القضايا الأكثر أهمية و مفصلية في حياة النساء إن كانت قضايا تخص الجانب الحقوقي و القوانين التي ما زالت تنتقص من حقوق النساء أم تلك القضايا المطلبية الحياتية و كذلك القضايا التي تحتاج إلى برامج توعية و تدريب وتأهيل للنساء المعنفات وغيرهن حتى يتسنى لنا الحديث عن البدء في سلم أولويات قضية النساء ومتطلباتها المفروضة.هذا العمل الجمعي للعديد من المنظمات و المؤسسات عليه أن يتكامل مع جهود رسمية حكومية لديها الإرادة في إنجاز خطط و برامج للتغيير في مستوى و مكانة المرأة .
لا يمكننا الحديث عن عمل أحادي الجانب و إلا ستكون نظرتنا منقوصة فالجهد على المؤسسات الرسمية و غير الرسمية و الفعاليات و الهيئات النقابية و الحزبية كذلك ,وهذا أيضا" موضوع" آخر للنقاش حول دور ومسؤوليات كل منهم, لذلك من الصعوبة أن نتحدث عن مقدار النجاح و الإخفاق في هذا الجانب إلا بشكل مقتضب حيث باستطاعتنا القول أن وتيرة العمل لا تسير أو توازي كل هذا الكم الهائل من العنف بأنواعه المتعددة وأشكاله المتصاعدة وكذلك التمييز الذي نعيشه نحن النساء العربيات في ظل واقع اقتصادي يتردى يوما تلو الآخر وواقع اجتماعي و ثقافي يزداد فيه فقر المعرفة و فقر الحريات الديمقراطية كذلك.
استطاعت الأستاذة هيفاء حيدر تحقيق العديد من الإنجازات في مجال عملها كاختصاصية مهتمة بمساعدة النساء ضحايا العنف و التفكك الأسري.
حدثينا عن أنشطتك في هذا الميدان؟اسمحوا لي أن أتحدث هنا عن الخاص و العام في حياتي في هذا المجال الواسع و الشاسع حيث باتت مساحة الخاص تتقلص لتندمج بالعام ليأخذ الخاص عمومية و العام خصوصية في حياتنا كنساء و في مسيرة كل منا على حدة.
وموضوع العنف ضد المرأة و التمييز الواقع عليها لم يكن مجرد عمل خضته كوظيفة على مدار عقدين من الزمن" تقر يبا" , بل كان قصة حياة عشت جزءا منها, وعايشت قصة كل امرأة قابلتها بكل تفاصيل المشكلة وانتميت لها وشعرت الإحساس بالظلم والمهانة التي تحسها . وتبادلنا الآراء و الخيارات المتاحة لكل واحدة منهن بوصف العنف الذي يقع على النساء تتلاقى أنواعه و أشكاله وتتفق وتختلف قدرة النساء على فهم العنف بداية و القدرة على التعاطي والمواجهة من جهة أخرى لكل واحدة من النساء .
والعنف الذي تواجهه المرأة و كذلك التفكك الأسري لم يعد من الخصوصية بمكان بحيث يصعب الحديث عنه أو الخجل منه بل بات يشبه تفاصيل الحياة التي نعيشها , بات يشكل جزءا منها , يورث كما تورث أشياء أخرى بين ذكور العائلة وينتقل بين الأسر بشكل سلس حتى ليحسبه الفرد منا جزءا من منظومة العائلة على النساء تقبله تارة لأجل الأولاد وتارة خشية الفضيحة و العيب وتارة لمخافة العوز و الفاقة اللذان ستعيشهما المرأة إذا ما قالت لا بوجه الظلم , كل هذا يحدث ونحن نواجه بصمت غير معتاد, ونتحرك بصعوبة لمواجهة الظلم الذي يقع علينا , كان هذا الواقع دافعا" دائما" لي إلى العمل الدءوب و إلى مزيد من التمكين المهني و الأكاديمي حتى يتسنى لي أن أقدم أفضل خدمة لبنات جنسي في تمكينهن و تمكيني أنا كذلك من مواجهة هذا الغول المسمى العنف الذي علينا مواجهته و الصمود بوجهه ليتسنى للمرأة أن تعيش بالحد الأدنى لكرامتها التي كانت تصل عند البعض منهن للإهدار في اليوم الواحد عدة مرات .
لم يكن هذا العمل سهلا على الإطلاق , كنت كمن يعمل في حقل من الألغام ممكن أن ينفجر اللغم تحت أقدامه في أي لحظة , تحركت ضمن مجتمع لم تكن المرأة فيه من أولويات الاهتمام , وما زالت النساء تعيش كوابيس قيم مستمدة على الأغلب من عادات و تقاليد تناستها الأزمنة لكنها تطفو على السطح بين لحظة وأخرى , ونحن نتحدث عن امرأة, فرد واحد لكننا نعمل مع امرأة هي في وسط الزحام لمجموعات تملي عليها وتحدد لها وترسم لها في معظم الأوقات مسيرة كل شبر من حياتها .لذلك كان لا بد من العمل مع العائلة (الزوج و الأولاد و الأخوة و الأخوات, مع الأب و الأم ) كل على حدة ومجتمعين في بعض الأحيان ,و المرأة متلقية لكل هذا الكم من الآراء و الأحاديث و القرارات ,ونحن نعيش مجتمع العائلة الممتدة و القبيلة و العشيرة حتى الآن لذلك لم يكن سهلا أن ندخل ميدان مواجهة العنف و تمكين النساء .
لقد تطلب هذا العمل الكثير من الدقة و المخاوف و المسؤولية فنحن نتحدث عن أنفسنا و عن عائلاتنا و عن مصائرنا و مستقبلنا و التفكك يصيب جوهر الأسرة وكل فرد منها يناله نصيب لذلك قلت أن العمل كان يفوق العمل الوظيفي ليصل إلى حد الانتماء و حمل هموم المرأة إلى البيت و الرد على المقابلات التلفونية لساعات و لمدد طويلة لا نحسب للزمن حسابا هنا إلا بمقدار ما نحقق من تقدم في مسيرة المرأة و عائلتها .
نعيش في مجتمعات تبيح للرجل أن يخطئ وترى في خطا المرأة جريمة لا تغتفر ,ففي الأردن مثلا تحدث سنويا عدة جرائم باسم الشرف تذهب ضحيتها فتيات صغيرات وقعن ضحية تربية مغلفة بالتابوهات .
كيف تنظرين أستاذة هيفاء من موقعك "كفاعلة اجتماعية وكمناضلة حقوقية" لما يحدث؟ولماذا لازال الرجل العربي يتجاهل كل القوانين حين يتعلق الأمر بخطأ ترتكبه المرأة؟سؤال آخر يثير العديد من التساؤلات ويشكل هما يوميا للنساء لما يحمل في طياته من ذكرى أحداث مؤلمة ألمت بالعديد من النساء على مدار عقود وهي ترى بأم العين هذا التمايز و التفاضل لصالح الرجل فيما يقال مسموح له ممنوع عليها . مسموح له ومستحيل لها , يحق له ولا يحق لها , هو رجل وهي امرأة ناقصة عقل ودين , هي قاصرة وهو كامل متكامل راشد, وهي غير راشدة ولو بلغت من العمر عتيا". وأكثر من ذلك .
إن مفهوم الشرف كمفهوم اجتماعي و إنساني بتقديري يرتبط اشد الارتباط بكرامة الإنسان و احترامه لذاته أولا" وللآخرين ثانيا", و تعلقه بالمثل و الفضائل التي من المفترض أن يتحلى بها الجميع على الأغلب في مجتمع من المفروض أن تتساوى به القيم و المعايير الأخلاقية التي تخص أفراده .
و هذا يعني إذا ما أخذنا بالكلام أعلاه أن مفهوم الشرف أوسع بكثير من محاولة حصره في إطار ضيق محدد ومحصور الكلمة بحيث يكون مقيدا" بالتعريف, و من المؤكد أن المجتمعات التقليدية العربية تربط أحكام الشرف بالمرأة بحيث تصبح الممارسات الجنسية أو الروابط العاطفية خارج مؤسسة الزوجية خرقا لا يغتفر للشرف و هو شرف يتجاوز الفرد ليصبح شرف الأسرة أو العشيرة ككل .
و مع المتغيرات المتسارعة في بنية المجتمع و عاداته و تقاليده فإن تعريض شرف الأسرة للانتهاك ما زال يلقى ردا ثأريا دمويا في الغالب و تدفع المرأة حياتها ثمنا له في مجتمع يرى أن قتل النساء المتهمات أو تحت الاتهام يستند إلى مبررات اجتماعية كافية لممارسة العقاب و إيقاعه بيد فرد يستند إلى رأي وموقف جماعة نأت بالقانون جانبا لبرهة من الزمان وهذا يؤسس لبعد ثاني قانوني حيث تتجه القوانين إلى إيقاع عقوبات بسيطة جدا على مرتكبي القتل و غالبا ما يتم الاكتفاء بالسجن لفترة بسيطة .
وأرى هنا أن هذه الظاهرة مرتبطة بالنظام الطبقي الأبوي على مدى التاريخ و في هذا النظام يعاقب الأضعف (المرأة) حيث إنها دائما هي الضحية , إن مثل هذه الأمراض الاجتماعية تحتاج إلى جهود كبيرة من اجل إعادة صياغة مجتمع متطور جديد يرتكز على احترام حقوق الإنسان و هذا يحتاج إلى توعية ثقافية و تغيير جذري للمفاهيم و المعتقدات الخاطئة و السائدة حتى اللحظة في مجتمعاتنا.
ماهي في نظرك الخطوات الكفيلة بوضع حد لنزيف الدماء الأنثوي ؟لابد من الحديث على أكثر من صعيد للعمل من اجل الحد من هذه المشكلة وسيأخذ الجانب التوعوي الدور الرئيس هنا فالوقاية المسبقة من الجرائم التي ترتكب باسم الشرف تتم عبر التقليل من احتمالات وقوع الجريمة من خلال الدور الوقائي التوعوي عبر المحاضرات والتثقيف للفئات المستهدفة في المجتمع من الرجال و النساء .
و كذلك التأثير على الرأي العام عبر الضغط والحملات التي تقام بهذا الشأن بما في ذلك صانعي القرار وفي مواقع الدولة الرسمية وسلطاتها الثلاث .
وأيضا" لا بد من مساعدة الضحايا من خلال إيجاد برامج متخصصة منها دور الإيواء لضحايا العنف و جرائم الشرف من أجل حماية المرأة من التهديد أو القتل , على قاعدة التأكيد على قيمة المرأة كإنسان يجب أن توفر له الحماية الكاملة و تصان حقوقه و تحترم دون أي تمييز.
و من خلال الواقع و الممارسة نلاحظ أن جرائم الشرف هي الجرائم الوحيدة التي تتخلى فيها كل من السلطة التنفيذية و السلطة القضائية عن دورهما الطبيعي في تطبيق القانون حيث أن لكل جريمة عقاب وفقا للقانون أما في هذه الحالة فأن السلطة القضائية تتخلى عن صلاحيتها في معاقبة المرأة التي ترتكب فعلا يعرضها للقتل بدافع الشرف و تحيل هذا الحق للأفراد خارج سلطة القانون لمعاقبة المرأة بما لا يتناسب و حجم الفعل مما يشكل انتهاكا صارخا لحقوقها و إنسانيتها و كذلك لحقوق المجتمع و القانون مما يشيع الفوضى و يحرض على الجريمة في المجتمع.
هل استطاع قانون الأحوال الشخصية الأردني الجديد أن يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية وان يضبط العلاقات داخل الأسرة؟العدالة الاجتماعية مطلب رئيسي من مطالب المنظمات و الحركات النسوية بشكل عام و لكل النساء بشكل خاص فغالبا" ما ننظر إلى قانون الأحوال الشخصية كمنظم للعلاقات الأسرية ومؤسس للبت في القضايا التي تخص الأسرة ,إنه بحاجة إلى الكثير من التعديل في ظل التطور الذي حصل منذ عقود من الزمن فرضت تغيرات لا بد أن يأخذ بها القانون وربما نحن بحاجة لمراجعة التزامات الأردن كما بقية الدول العربية بشأن التعديلات الواجبة بما يتوافق مع اتفاقية القضاء على كافة أشكال العنف ضد المرأة مع التأكيد على أهمية و ضرورة رفع التحفظات من قبل هذه الدول على الاتفاقية وخاصة تلك التحفظات التي تمس جوهر حقوق المرأة لذلك نرى أن التعديلات التي حدثت لم تكن بالمستوى المطلوب وهنا لا بد أن أعرج على القانون بتاريخيته كالتالي في العودة إلى الجذور التاريخية له قبل تطبيق القانون الحالي والذي يسمى قانون الأحوال الشخصية لسنة 1976 حيث كان يطبق قبله قانون حقوق العائلة وأن الجهة المختصة بالنظر في قانون الأحوال الشخصية هي المحاكم الشرعية وهناك قوانين أخرى تابعة للمحاكم الشرعية ،
ضبط العلاقات داخل الأسرة بحاجة إلى تشريع يقر بالتساوي حقوق كل من الطرفين من أجل تحقيق عدالة اجتماعية ، وطالما هناك مذاهب و فتاوى, وقانون أصول محاكمات لا تتيح للمرأة الوصول إلى أروقة المحاكم كما الرجل. فأننا نشعر أن أي تعديل ، صحيح أنه خطوة للأمام لكن دائما" ما نتخوف من أن تكون هذه الخطوة كي يعاد بنا خطوات إلى الوراء" وربما وجدنا أن أمور الزواج و العلاقات الاجتماعية و الخلافات و التفكك من جهة أخرى هي قضايا تمس المجتمع ككل وحقوق مواطنيه بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أم العرقية فإن القانون المدني الذي ينظم كافة أمور وعلاقات الأفراد يبعضهم من جهة وبعلاقتهم مع الدولة من جهة أخرى و انطلاقا من أن الجميع متساوي أمام القانون كما يقر الدستور الأردني نرى أن قانونا" مدنيا" سوف يخرجنا من هذه الدائرة.
هناك من يرى انه من العبث المطالبة بحقوق المرأة في مجتمع لا حقوق فيه أساسا للرجل, وفي هذا الصدد تقول د.سعاد عبد الحميد أمينة المرأة بالحزب العربي الناصري:" قبل أن نتحدث ونبحث عن حقوق المرأة يجب أولاً إعطاء المواطن حقوقه السياسية, حقه في التعبير والمشاركة والممارسة وحق الإضراب والمظاهرات وبعد ذلك نتحدث عن حقوق المرأة العربية, لأنه لا يمكن الحديث عن جزء من كل..."
ما رأيك في هذه المقولة؟أتفق مع هذا الكلام مئة بالمائة ويجب أن أنوه أننا دائما" كمناضلات من أجل حقوق المرأة "نحن قبل كل هذا مناضلات من أجل حقوق الإنسان وعزته وكرامته ، ومن أجل مجتمع عربي تسوده العدالة و الحرية و الديمقراطية.
نعرف تماما"أن حقوق المرأة ستبقى منقوصة وحقوق الرجل مستباحة ما دمنا لا نعيش حياة ديمقراطية حقيقية وما دمنا بعيدات عن المشاركة الفعلية في مواقع صنع القرار.إننا كنساء جزء لا يتجزأ من حركة هذا المجتمع وبالتالي يقع على عاتقنا مسؤولية في البناء و الفعل و العمل معا" مع الرجل لكن هذا لن يرى النور و النجاح ما دمنا لسنا أحرارا" في حرية الرأي و التعبير وفي إيجاد الفرص المتكافئة في العمل وفي الانخراط في النقابات و الأحزاب التي يجب أن تكون رافدا" وموجها لبوصلة تقدم المجتمع و ازدهاره "رجالا و نساء " سوية.
في مقال لك بعنوان جسد سالب تقولين: "وددت أن أبين تلك العلاقة التي تبنى مع جسد المرأة بناءا على معطى إنه جسد سالب لا حق لها بامتلاكه وبالتالي التحرك في فضاء خاص بها ، بالتأكيد لا أرى العلاقة مبنية على كون جسد المرأة هو السالب والآخر هو الموجب فكلاهما يحمل بعض من سمات الآخر لكن ليس على أرضية التناقض بل التكامل هذا إن وجد ".
كيف بمنظورك الوصول إلى تحقيق التكامل المنشود؟إنها من المسائل الشائكة عزيزتي . هنا يفرض التابو نفسه وبقوة وهنا ندخل المجال الخاص لفضاء المرأة , إنه الجسد الذي لا نملك حق الحديث معه أو عنه, إنه الغائب عن الفعل والمتلقي له في نفس الوقت . إنه السالب الذي لا يحتاج للقطب الموجب كي يعطي حسب قوانين الفيزياء ,لأنه أريد له أن يبقى جسدا" سالبا" مرغوبا" ومحبوبا" وحاضرا" كما يريد الآخر , هذا الآخر الذي طالما كان فاعلا" على أجسادنا وملقيا" بالتهم تلو التهم صانعا" حتى الرداء الذي علينا أن نلقيه على جيوبنا , من أجل أن نبقى في دائرة الفراغ الذي لا ينتهي , جسد يبدأ بالفعل و التفكير من الرقبة نحو الأسفل و عند الآخر أختار المحور المعاكس في الاتجاه من الرقبة نحو الأعلى , هو يفكر كما يملي عليه العقل وهي تقودها قدماها لما يطلبه قلبها . لذلك ترى المرأة نفسها في علاقة إشكالية مع جسدها الذي يسبح في فضاء الآخر ,تسعى كي تؤمن طلبات مواصفات السوق في هذا الجسد , وهو يسعى إلى قولبة هذا الجسد كما مواصفات السلعة في السوق .
العلاقة شائكة لأننا كما تعودنا على الخوف و الصمت نتوارثه كي نورثه , لا نستطيع أن نتحدث بجرأة عما تمليه العلاقة مع جسدنا ونبقيه قاب قوسين أو أدنى من التابوهات التي تمليها علينا ثقافة الخوف و العيب و الحرام , هكذا نجد أنفسنا بعيدات عن التأثير وقريبات من التأثر بالآخر كما تملي شروط التبعية و المهادنة . إنه الجسد المشبع بالسالب والذي عليه أن يهيم في فراغ خارج الجاذبية إلى اللانهاية التي سيظل يتطلبها الآخر.
نشكر الأستاذة هيفاء حيدر وندعوها لتوجيه كلمة مفتوحة للمرأة
العربية من منبر فرح ؟الشكر لكن "أولا" ولجهودكن .
وقد لا أكون في موقع يؤهلني لتقديم كلمة للمرأة العربية حيث أشعر بالمسؤولية إزاء ذلك , لكني دائما" ما أفكر بأن فهمنا للواقع الذي نعيش ورؤيتنا عن كثب لقضايانا اليوم كي نؤسس لمستقبل أفضل يكون دائما" بزيادة الوعي و المعرفة وبالإيمان بأننا قادرات على صنع عالم أجمل لحياتنا نساء ورجالا .
[b]حوار من انجاز نعيمة الزيداني[/bمجلة فرح