الرهاب المدرسي ومخاوف الأطفال
إن المخاوف أكثر انتشاراً عند الأطفال مقارنة بالكبار، وعادة ما تبدأ هذه المخاوف ثم تختفي دون سبب واضح. تتذبذب لديهم المخاوف وتكون شديدة أكثر من تلك التي تصيب الكبار. ان هذا الأمر ينطبق على معظم مشاعر الأطفال والتي غالباً ما تكون متغيرة ويُعبر عنها بصورة عنيفة. ولأن مخاوف الأطفال شديدة فمن الصعب التفريق بين المخاوف الطبيعية وحالات الرُّهاب غير الطبيعية.
فالخوف هو استجابة فطرية تجاه مؤثرات محددة يمكن التفريق بينه وبين مشاعر أخرى في السنة الأولى من العمر. إن الإجفال (ردة الفعل السريعة لأي حركة غير متوقعة، كأن يُطرق الباب ثم يقفز الشخص بصورة مُبالغ بها، وهذا كثير الحدوث عند الأطفال) هو رد فعل يُظهره المواليد ويمكن الاستدلال به على الخوف الطبيعي لاحقاً. إن أي عمل غير متوقع ومفاجئ للمولود يجعله يرفع يديه وقدميه إلى أعلى وقد يبكي. بعد عمر ستة شهور يمكن أن نُفرق وبصورة واضحة ما بين الإجفال والخوف الذي يُرى كرد فعل للغرباء. يظهر الخوف من الحيوانات في فترة لاحقة.
تتغير المخاوف العامة كلما كبر الطفل. في العمر ما بين سن الثانية والرابعة يكون الخوف من الحيوانات هو أكثر المخاوف شيوعاً ولكن بعد هذا العمر تظهر المخاوف من الظلام أو المخلوقات الخيالية. يتلاشى الخوف من الحيوانات لدى البنين والبنات بصورة سريعة ما بين سن التاسعة والحادية عشرة، أما بعد مرحلة البلوغ فإن نسبة قليلة جداً من الناس يكون لديها أمثال هذه المخاوف.
إن بعض المخاوف لا تتلاشى بمرور الزمن. فالخجل والتوتر بصفة عامة عند مقابلة أشخاص لأول مرة يستمر حتى مرحلة البلوغ. فمثل هذه المخاوف وجدت عند حوالي نصف مجموعة تقدر بحوالي 6آلاف طفل من أطفال لندن تم اجراء دراسة عليهم على الرغم من وجود مخاوف أخرى قليلة مثل الخوف من الظلام والحيوانات. يخطئ كثير من الآباء تقدير عدد تلك المخاوف التي تصيب أطفالهم. في مجموعة أطفال من منطقة كاليفورنيا تبلغ حوالي ألف طفل كان حوالي 90في المائة منهم لديهم خوف بعينه في المرحلة ما بين سن الثانية والرابعة عشرة. إن تكرار حدوث تلك المخاوف يتلاشى كلما تقدم الطفل في العمر. تكون قمة التكرار هذه في حوالي الثالثة من العمر. في دراسة أخرى أجريت في منطقة ليستر في انجلترا على 142طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين الثانية والسابعة وجد عند حوالي الثلث منهم مخاوف محددة تلاشت معظمها بعد مرور حوالي السنة ونصف السنة.
الحالات المعيقة نادرة:
على الرغم من أن المخاوف تنتشر وسط الأطفال إلا أن تلك الأنواع الرُّهاب التي تعيق حياتهم تكون نادرة. في مسح ميداني تم اجراؤه في جزيرة وايت (في بريطانيا) لحوالي ألفي طفل وجد فقط عند 16منهم مشاكل رُهابية تجاه واحد أو أكثر من المثيرات خمسة منها كانت بسبب العناكب وستة بسبب الظلام. من مجموع 239طفلاً تم تحويلهم لقسم الأمراض النفسية كانت لدى عشرة فقط منهم مشاكل رُهابية محددة.
يسبب الرُّهاب عند الأطفال نفس درجة الإعاقة التي يؤدي إليها عند الكبار. طفل في السابعة من عمره كان يشكو من خوف شديد من الحشرات الطائرة، خاصة الكبير منها، استمر لمدة عامين. يقول الطفل "تخيفني الحشرات الطائرة جداً وأخشى أن تلسعني وتسبب لي ألماً وتقول والدته حين يواجه طفلها الحشرات الطائر: "يصبح شاحباً، يتصبب عرقاً، تعتريه برودة في جسده ويرتعش ثم تخور ساقاه" انه يهرب في أي اتجاه إذا رأى حشرات طائرة، ثم تشل حركته. فهو لا يلعب خارج منزله في فصل الصيف ويجبر على الذهاب إلى المدرسة أوقات الدراسة. لقد هرب مرتين على الأقل تجاه شارع مزدحم حين رأى حشرات طائرة.
لقد أوضحت معظم الدراسات التي أجريت حول الخوف عند الأطفال أن البنات لديهن مخاوف أكثر من الأولاد. لكن هل يرجع هذا إلى أن الأولاد مطلوب منهم أن يكونوا أكثر شجاعة، وأن يخفوا مخاوفهم تلك؟ أم أن هناك اختلافاً عضوياً (بيولوجياً) يجعل البنات أكثر خوفاً من الأولاد، هذا ما لم ندركه بالضبط ولكن من المحتمل أن يكون كلا الاحتمالين يحمل نوعاً من الحقيقة.
البيئة الاجتماعية:
إن المكان الذي يعيش فيه الطفل يؤثر أيضاً في الأشياء التي تخيفه. فالأطفال الذين يعيشون في القرى والأرياف يخافون من الحيوانات أكثر من أطفال المدن. على كل حال فإن الأشياء التي لم يشاهدها الطفل قط وليس لها وجود في منطقته قد تكون هي مصدر خوفه. بعض المخاوف قد تُكسب بتقليد أشخاص آخرين في الأسرة والذين لديهم نفس هذه المشاكل. نجد حوالي سُدس (1/6) الأشخاص البالغين يشكون من مخاوف يعاني أشخاص مقرّبون لهم من رُهاب مثلها. وقد وُجد خلال الحرب العالمية الثانية في انجلترا ان أولئك الأطفال الذين لم يبلغوا سن المدرسة في خوف من الغارات الجوية إذا كانت أمهاتهم يخشونها. وبالمقابل فقد لا يشعر الأطفال بأية مخاوف إذا كان هناك شخص بالغ يثقون فيه موجود ساعة حدوث أمر مخيف.
رُهاب المدرسة:
تمر على عدد كبير من الأطفال لحظة من اللحظات يُظهرون فيها ترددهم في الذهاب إلى المدرسة. وفي أحيان قليلة يتحول هذا التردد إلى رفض صريح للذهاب إلى المدرسة. قد يكون الرفض للذهاب إلى المدرسة مشكلة حقيقية عندئذ يُسمى "رُهاب المدرسة".
على الرغم من أن معظم الأطفال يظهرون نوعاً من التوتر حيال المدرسة في وقت من الأوقات إلا أن هذا التوتر يكون عمره قصيراً سرعان ما يختفي دون الحاجة إلى علاج. لكن حالات الرفض المزمنة في الذهاب إلى المدرسة تشكّل مشكلة يجب مواجهتها.
يختلف رفض الذهاب إلى المدرسة عن التغيب (أو التهرّب) حيث أن هذا الأخير لا يرفض فيه الأطفال الذهاب إلى المدرسة ولكنهم يقومون بعدة أمور حتى يكونوا بعيدين عن أسوار المدرسة، ويتسكعون في الشوارع إما لوحدهم أو مع بعض زملائهم الهاربين مثلهم دون علم والديهم والذين يعرفون هذا الأمر من ادارة المدرسة، إن التهرّب من المدرسة مرتبط بسلوكيات جنوح أخرى، تغيّر متكرر للمدرسة، غياب الوالدين (أو أحدهما) في فترة الطفولة، وعدم انضباط سلوكي داخل المنزل، عادة ما يظهر هؤلاء المتهربون مستويات دراسية متدنية.
بالمقارنة بأولئك الأطفال الذين يتهربون من مدارسهم فإن الأطفال ذوي رُهاب المدرسة يُعلنون رفضهم صراحة في الذهاب إلى المدرسة وليس لديهم أية سلوكيات جنوح، ولا يوجد عندهم ماضٍ لغياب الوالدين عن منازلهم، ولهم سجل مشرّف في مستوياتهم الدراسية والسلوكية. كما أن لديهم أعراضاً جسمانية للتوتر أكثر من أقرانهم المتهربين خصوصاً صعوبات الأكل والنوم، آلام البطن، الغثيان، والتقيؤ. إن الطفل عادة وبكل بساطة يرفض الذهاب إلى المدرسة. قد لا يُعطي الأطفال الصغار أية أعذار لهذا الرفض، أما الكبار منهم فيرجعون هذا الأمر إلى العديد من المخاوف التي تجابههم في الحياة المدرسية. فقد يشتكون من ضعفهم أمام أطفال أقوياء أكبر منهم أو من سخرية الآخرين منهم، أو إنهم خجولون من مظهرهم. كذلك قد يخشون من خلع ملابسهم أمام أطفال آخرين أو غسل أجسادهم مع مجموعة أطفال أو بعد الانتهاء من ألعاب وتمارين رياضية. كما أن الأداء السيئ في الألعاب أو النشاط المدرسي أو الخوف من المدرس تكون أسباباً لرفض الذهاب للمدرسة. ثمة مجموعة قليلة من الأطفال قد يظن أن مكروهاً يمكن أن يقع على أمهاتهم حين يغيبون عنهن في المدرسة. أما البنات فقد يصيبهن القلق في أن تفاجئهن العادة
الشهرية كما أن البنات والأولاد يتوترون عند حلول مرحلة البلوغ أو الدورة الشهرية. ثمة أسباب أخرى يذكرها هؤلاء الأطفال حيال رفضهم الذهاب إلى المدرسة مثل الخوف من الإغماء أثناء الطابور الصباحي أو نوبات القيء.
يُظهر الطفل مخاوفه ليس بصورة مباشرة فحسب ولكن في صورة أعراض جسمانية للقلق والتي عادة ما تظهر في الصباح الباكر حين يُطلب منه مغادرة البيت إلى المدرسة. تشمل هذه الأعراض: الغثيان، التقيؤ، آلام الرأس، الإسهال، آلام البطن، ألم الحلق، وأوجاع الساقين. كما أن صعوبات الأكل، اضطرابات النوم، ومخاوف أخرى يجدر ذكرها. إن شكاوى الطفل هذه قد تزيد توتر الوالدين تجاه طفلهما وتؤدي عاجلاً أو آجلاً إلى اتفاق مفتوح أو ضمني بأنه يتوجب عليه البقاء في المنزل. حالما تأكد الطفل من بقائه في المنزل فسرعان ما تختفي شكاويه تلك لتظهر صباح اليوم التالي عندما يحين وقت العودة إلى المدرسة. هذه صورة نموذجية لطفل كان يشكو من غثيان وقت الفطور وقد يتقيأ، قاوم كل محاولات تطمينه التي قامت بها أمه القلقة عليه حتى وصلت الأزمة إلى نهاية باستسلام الوالدة وسماحها له بالبقاء في المنزل، حينها شعر بالتحسن إلا أنه يتمارض عند الضغط عليه للذهاب إلى المدرسة.
يتزايد رفض الذهاب إلى المدرسة عند معظم الأطفال تدريجياً في فترة تزايد التردد في الذهاب والذي يتحول إلى رفض صريح. قبل الوصول إلى هذه المرحلة فإن الطفل نجده متوتراً، يبكي بكثرة، يبدو قلقاً غير قادر على النوم، يشعر بالغثيان، يشكو من آلام في بطنه حين يأتي وقت الذهاب إلى المدرسة. إن الإصرار على الحضور إلى المدرسة يؤدي إلى الخوف وقد يبدو الطفل شاحباً، مرتعشاً، ويتصبب عرقاً بغزارة. يظهر الخوف عند بعض الأطفال صباح السبت بعد عطلة نهاية الأسبوع. أو في اليوم الأول لفصل دراسي جديد، أو في يوم العودة إلى المدرسة عقب اجازة مرضية. كما أن هناك مثير شائع لهذا الخوف ويتمثل في التحويل من مدرسة إلى مدرسة جديدة أخرى في أي مستوى دراسي لمرحلة تعليمية. كذلك هناك مثيرات وإن بدت غير شائعة يبدأ معها رفض الذهاب إلى المدرسة مثل: موت، رحيل، أو مرض أحد الأبوين.
إن العمر الذي يظهر فيه رُهاب المدرسة هو بطبيعة الحال سن الدراسة. تصل الحالات إلى قمتها عادة في تلك المرحلة العمرية التي يحدث فيها تغير أي من سن الحادية عشرة إلى الثالثة عشرة والتي تصادف الفترة التي ينتقل فيها معظم الأطفال من المدارس الابتدائية إلى المدارس المتوسطة (الإعدادية).
إن معظم مواقف الوالدين تكون في بعض الأحيان مهمة في حالات رُهاب المدرسة. عادة ما يدلل الوالدان أطفالهم بإفراط. فبعض أمهات الأطفال المصابين برُهاب المدرسة يجعلن أطفالهن يعتمدون عليهن اعتماداً كلياً، كتعويض لعلاقتهن الزوجية الفاشلة! عندما يكون هناك إشكال عاطفي زائد ما بين الأم والطفل فإنهما الاثنان قد يحتاجان إلى علاج لأن علاج الطفل وحده قد يزيد من قلق الأم لدرجة أنها قد توقف علاجه.
عادة ما يُقال أن رُهاب المدرسة ما هو إلا اسمٌ آخر لرفض الذهاب إلى المدرسة، على أساس أن الحالة ليست هي خوف من المدرسة بتاتاً ولكنه الخوف من الابتعاد عن الأم. إن هذه النظرة ما هي إلا نظرة أحادية. فمعظم الأطفال في خوف من المدرسة أكثر من خوفهم من الابتعاد عن أمهاتهم. نعم بعضهم يخاف من الاثنين، من المدرسة والانفصال عن الأم.
مهما كان سبب رُهاب المدرسة تبقى النتائج المترتبة على هذا الغياب الطويل وخيمة وتظل مدى الحياة. فالطفل يفقد مشاركته لأصدقائه، ويفقد تنمية مهاراته الاجتماعية داخل المدرسة، ويتأثر تعليمه. إن تعود وتجنب المواقف غير السعيدة قد يكبر لدرجة أن ذلك الفرد في سنوات لاحقة يتعامل بسلبية شديدة مع المشاكل التي تواجهه في المستقبل الوقت الذي يجب علينا أن نتعلم كيف نحل مشاكلنا منذ سن مبكر.
العلاج :
يتبع علاج رهاب الأطفال نفس علاج الرهاب عند الكبار، يمارس الطفل ألعابه تلك والتي تقربه بصورة متواصلة من الأشياء التي يخاف منها والإبقاء عليه معها حتى لا تعود تشكل مصدر خوف يهرب منها. قد يمازحه شخص ما أثناء لعبه، يعطيه قطعة حلوى ويثني عليه في تقدمه هذا. انه من المفيد جداً أن يشاهد الطفل الخائف اطفالاً آخرين يقومون بنفس العمل...
العلاج:
... فمثلاً الطفل الذي يخاف من الكلاب يشعر بشجاعة أكثر وهو يرى طفلاً آخر في نفس عمره وجنسه يربت على ظهر كلب. طريقة مفيدة أخرى لمساعدة الأطفال لتبديد خوفهم من الحيوانات هي اقتناء قط صغير حتى يعتادوا عليه ويلعبوا معه، وبمرور الوقت يكبر الحيوان ويصبح الطفل خالياً من تلك الحساسية تجاه ذلك الحيوان، لقد عالج طفلة كانت لديها مخاوف تجاه القطط وهي في عمر ثلاث سنوات ونصف بإحضار قطة صغيرة إلى المنزل وتم تعليمها كيف تلعب معها، لقد زالت مخاوفها سريعاً وأصبحت كثيرة الالتصاق بتلك القطعة عندما كبرت وأصبحت قطعة كبيرة.
السخرية :
عند علاج رهاب المدرسة لابد من التأكد أولاً من أن الأحوال داخل المدرسة محتملة، وأن الطفل لم يكن مثار سخرية الآخرين، وأن متطلبات اكاديمية غير ضرورية لا يطلب منه اداءها. إن هذه المشاكل يجب مواجهتها مباشرة. فإذا كان الوضع داخل المدرسة لا يبدو أنه غير مناسب وأن المشكلة الرئيسية هي أن الطفل يخاف من مواقف تعتبر طبيعية فإن أهم نقطة في العلاج هي الإصرار القوي على العودة إلى مدرسته والبقاء هناك مهما كانت درجة كراهيته لهذه الفكرة. إن مشاركته الاستمتاع بما يقوم به في المدرسة والثناء عليه وعلى ادائه واجباته قد يساعدان كثيراً في هذا الأمر.
إن عودة الطفل إلى مدرسته يحتاج إلى تعاون مدرسيه والذي يجب عليهم تفهم موقفه. عند إجبار الطفل على العودة إلى المدرسة رغم معارضته وهو يصرخ ويبكي قد يشعر الأبوان انهما اصبحا عديمي الرحمة. عادة ما يتوقف الطفل عن البكاء حين يصل فصله. حتى تأتي هذه اللحظة قد تصاحب الأم أو الأب نظرات غضب من الآخرين تدينهما على قسوتهما مع هذا الطفل. لقد حدث هذا الموقف لاحد الزملاء الأطباء حينما شعر ابنه الصغير ببعض الخوف من المدرسة عقب انتهاء اجازته المرضية بعد إصابته بالتهاب في اللوزتين. اتباعاً لأسس العلاج المعروفة، والتي تقول بأن العودة المبكرة إلى تلك الأماكن التي تثير الخوف هي اسرع وسيلة لتخفيف المخاوف، اصطحب هذا الزميل الطبيب معه ابنه معي في السيارة وذهبنا معاً حتى باب المدرسة فما كان منه إلا أن بدأ في الصراخ بصوت عال ليلفت انتباه تلك العيون الفضولية من حولهم. حينما دخل إلى فصله حلت عليه السكينة وسرعان ما اندمج مع أقرانه في نشاطاتهم المدرسية بكل سعادة. وخلال ثلاثة أيام كان يهرول سعيداً إلى مدرسته صباح كل يوم دون أدنى همهمات اعتراض أو تذمر. لفترة سنتين في كل مرة كان عليه العود إلى المدرسة بعد انقضاء إجازة طويلة كانت لديه بعض الاعتراضات ولكنها اختفت سريعاً بعد اخذه إلى المدرسة بكل حزم.
هل يمكن تعليم الأطفال كيفية التعامل مع القلق؟
ثمة أمر يجب أن يتعلمه الأطفال، وهو أنه لابد من توقع حدوث القلق وعلينا جميعاً أن نكون مستعدين لمواجهة الصعوبات والتغلب على المواقف المفزعة، إنه من السهل تنشئة الطفل على اتخاذ موقف شجاع إذا عاش وسط بيئة شجاعة بطبعها أسهل من ذلك الطفل الذي ولد جباناً، مع التسليم بأن هناك بعض الأطفال أكثر شجاعة من الآخرين.
ولأن التشبه بالوالدين أمر مهم لدى الطفل لأنه يتمثل كثيراً بمواقفهما. فإذا رأى الطفل أن والديه على اهبة الاستعداد لمواجهة المواقف المرعبة فإنه غالباً ما يكون جاهزاً لفعل نفس الأمر ويكون على والديه تحفيزه عند قيامه بهذا العمل، على كل حال لايجب علينا أن نطلب من الطفل في كل الأوقات أن يفعل شيئاً فوق استطاعته. كما أنه من غير المفيد أن يرى الطفل شخصاً آخر يدعي الشجاعة فحسب ولكنه يقوي قناعته الشخصية بأنه شخص جبان. حينما يكون الطفل ذا ثقة في نفسه بما فيه الكفاية فإن مقداراً من التشجيع يجب توجيهه لهذا الطفل كي يواجه مواقف أقل إثارة للخوف حتى يفقد كل مخاوفه تلك.
إن الطفل يحتاج إلى مساعدة أثناء مواجهته لمخاوفه حتى انتهاء كل هذا الخوف.
وإن الأطفال والكبار أكثر ما يظهرون خوفهم حين يضعفهم المرض أو التعب الشديد، أو عند الإصابة بالاكتئاب. أنه من الأفضل ايقاف محاولات مواجهتهم للمواقف المخيفة في مثل هذه الأحوال لأن هذا يزيد الخوف بدلاً من أن يعينهم على التخلص منه. إن هذا المحاولات يمكن تشجيعها لتعطي مردوداً أفضل وقت شعور الفرد بأنه في أتم صحة.
يستجيب الأطفال والكبار بدرجة كبيرة إذا تم تهيئتهم قبل فترة من مواجهتهم لتلك المواقف المثيرة للتوتر، واخبارهم بما يمكن توقعه، وأن يتعلموا كيف يتصرفون ازاءها.
قبل البدء في أي إجراء علاجي للأسنان يمكن للأطفال أن يقوموا بزيارات اولية لعيادات طبيب الأسنان فيجلسوا على كرسي الأسنان الذي يرتفع وينخفض فيعتبرون هذا الأمر كلعبة ثم يقوم الطبيب بالكشف على اسنانهم دون إجراء أي خطة علاجية ويؤجل العلاج إلى وقت لاحق. يمكن أن يصبح طبيب الأسنان صديقاً لهم بدلاً من أن يتحول إلى بعبع يخيف الأطفال. ينطبق نفس هذا الأمر على زيارات الطبيب. إذا كان على الأطفال دخول المستشفى بغرض العلاج فمن الأفضل زيارة المستشفى مسبقاً حيث يقابلون الممرضين والممرضات ويخلقون معهم نوعاً من الصداقة قبل التنويم.
نتيجة الانفصال:
إن القلق الشديد يسبب الانفصال يمكن منعه بأن يذهب الأطفال في إجازات بعيداً عن منازلهم بصبحة بعض اقاربهم أو اصدقائهم على أن يكون ذلك لمدة ساعات ثم يومين ثم تزداد الفترة طولاً في اوقات لاحقة. يجب تشجيع الاطفال على القيام برحلات والمشاركة في معسكرات مع اصدقائهم. أما بالنسبة لبقية أنواع الرهاب الشائعة فمن الأفضل أن يتعلم الاطفال أسس الصحة العامة ومن ضمنها النظافة، النظام، العادات الحسنة على أن يتم هذا الأمر برفق ولين.
تغيير الكوابيس إلى أحلام تفوّق:
هناك مثال باهر للطريقة التي يمكن معها تعليم الأطفال كيفية مواجهة قلقهم أورده عالم الانسانيات " انتروبولوجي" استيوارات. وصف هذا العالم كيف تتعامل قبيلة في ماليزيا تسمى السينوى مع أي طفل يروي لهم قصة حلم مقلق مثل حلم بالسقوط. حين يروي طفل السينوي هذا حلماً يدور حول السقوط، يجيبه اقرانه الكبار بكل حماسة :"إنه حلم مدهش، إنه من أفضل الأحلام التي يحلم بها رجل، أين سقطتَّ؟؟ وماذا اكتشفتَ هناك؟".
يعاد نفس هذا التعليق حين يروي الطفل حلماً عن التسلق، السفر، الطيران، أو حتى حلماً مؤلماً. يجيب الطفل في البداية، كما يحدث في مجتمعاتنا، أن ذلك الحلم لم يكن أبداً رائعاً، فقد كان خائفاً لدرجة أنه صحا من نومه قبل أن يسقط في مكان آخر. فيجيبه الكبار " لقد كان ذلك خطأً"
إن هذا التصرف الماليزي اوردناه هنا لكي يتعلم الآباء في مجتمعنا بأن مشاركة الطفل خوفه حتى في حلمه، كما هو الحال في هذه القبيلة التي تعيش في مناطق نائية يساعد الطفل في التغلب على خوفة المرضى.
إننا الآن نمر في فترة مختلفة عن التي عشنا فيها عندما كنا اطفالاً. في تلك المرحلة، كانت المملكة العربية السعودية لم تصل إلى ما وصلت اليه الآن من تقدم ومدنية. فقبل ثلاثين او اربعين عاماً كانت معظم مدن المملكة بلداناً صغيرة ومجتمعات بسيطة لذلك لم يكن الرهاب (الخوف المرضي) للأطفال في تلك الايام مثلما هو هذه الأيام في عصر التواصل الاعلامي الكبير والانفتاح على الثقافات المتعددة. الآن أصبح الاطفال يشاهدون افلاماً خيالية، في كثير من الاحيان لا يستطيع خيالهم استيعاب هذه المشاهد، وكذلك التفريق بين الخيال والواقع.
إن الرهاب عند الاطفال أمر مهم أن يتفهمه الوالدان، وبالذات الأم فهي الأكثر قرباً والتصاقاً بالطفل، ومنها يتعلم الطفل عاداته وسلوكياته التي سوف تستمر في أغلب الأحيان معه حتى في الكبر. يجب على الأم عدم تخويف الطفل خاصة الصغير الذي لم يدرك من الأشباح أو بعض الشخصيات الخيالية في الأفلام الخاصة بالأطفال (افلام الكرتون) بل يجب عليها دائماً التركيز على عدم ترهيب الطفل من هذه الامور، وأن تشرح له باستمرار بأن هذه الاشياء مجرد خيال وأمور لاتمت للواقع بصلة. ان كثيراً من الآباء والامهات لا يعلمون أن الطفل يستوعب ما نقوله له بأكثر مما نتوقع.
الأدوية النفسية:
يفضل دائماً تجنيب الأدوية النفسية بقدر المستطاع، خاصة في حالات القلق والرهاب، ولكن ثمة حالات يكون معها استخدام الأدوية النفسية امراً لاغنى عنه.
عند استخدام الأدوية النفسية للأطفال، فيجب توخي الحذر في ذلك، وحبذا لو كان ذلك عن طريق طبيب متخصص في الطب النفسي للأطفال، بوجه عام يجب أخذ المحاذير التي تتم عادة عند استعمال هذه الأدوية مع البالغين وكبار السن. تختلف الجرعات عادة في الاطفال وفي معظم الحالات تكون الجرعات أقل منها عند البالغين.
في حالات الرهاب يتم علاج معظم الحالات عن طريق العلاج النفسي، ولكن في بعض الحالات التي يكون فيها الطفل مضطرباً بشكل كبير فإن استخدام جرعات من مضادات الاكتئاب يكون مفيداً، ويجب شرح العلاج بصورة واضحة للوالدين، ماهو العلاج وكيفية عمله، والاعراض الجانبية للعلاج، وبشكل تقريبي المدة التي سوف يستمر عليها الطفل في اخذ العلاج.
عادة يكون الوالدان قلقين بشكل واضح عندما يستخدم طفلهما أدوية نفسية، حيث مازالت الأدوية النفسية لها صورة سلبية عند عامة الناس، وربما يواجه الطبيب معارضة من الوالدين بشأن استخدام طفلهما دواء نفسياً، لذلك فمهمة اقناع الوالدين ليست أمراً سهلاً بالنسبة لاستخدام أدوية تساعد الطفل على التغلب على القلق والرهاب.