الغيرة عند الأطفال ومسئولية الأبوين
د/ لمياء عبدالفتاح
يتعرض الطفل أثناء نموه إلى اضطرابات معيّنة قد تؤثر بصورة سلبية على مسيرة نمائه وبناء شخصيته السوية في المستقبل، فقد أوضحت دراسات الشخصية والصحة النفسية وعلم نفس النمو، أن مشكلات الطفولة واضطراباتها لها دور كبير في نشأة الانحرافات السلوكية والاضطرابات النفسية والعقلية في مراحل النمو التالية، وأن توافق الفرد وصحته مرهون بمدى توافقه وصحته في الطفولة.
من هنا ندرك أهمية دراسة مشكلات الطفولة لمعرفة أسبابها وطرق الوقاية منها وعلاجها قبل أن يستفحل أمرها، فهي تمثل خط الدفاع الأول ضد الاضطرابات والانحرافات السلوكية المستقبلية. فمنذ لحظة انطلاق الطفل من البيت إلى المدرسة أو مرحلة ما بعد عامه الخامس تكون البداية الحقيقية في مشواره مع الحياة، ففيها تبدأ عمليات الذكاء، نمو الشخصية، الرصيد الاجتماعي، والقدرات الأساسية كالفهم والإدراك والتذكر وما إلى ذلك، هنا يجب أن تدرك الأسرة أن تربية الطفل فن يجب فهمه، وأن تفهم طبيعة أبنائنا فكرياً وعاطفياً ونفسياً وبدنياً، لا أن نتركه ليكتشف عالمه بنفسه فيفشل ونخسره لا قدر الله.
وهناك بعض المشكلات النفسية التي يصاب بها الطفل، منها: التبول غير الإرادي، الكذب، قضم الأظافر، الغيرة، ولنعرض لإحدى هذه المشكلات وهي مشكلة الغيرة.
والغيرة: هي استجابة انفعالية معروفة اجتماعياً، وهي خليط من الغضب والخوف والحب، وهي من الانفعالات الواضحة في الطفولة المبكرة، وظهورها ينتج عن فقدان الطفل حب من حوله، أو تصوره فقدان هذا الحب.
أو أنه ذلك الشعور المؤلم الذي ينتج من إخفاق الشخص في الحصول على أمر مرغوب ونجاح شخص آخر في الحصول عليه مما يحرجه ويؤثر على عزة نفسه.
فالغيرة عند الأطفال هي مظهر طبيعي للنمو في الطفولة، وليست مرضاً، بل هي ألم داخلي عند الطفل وشعور بالمعاناة نتيجة منافسة واقعية بينه وبين من يغار منه، وبهدف الفوز والسيطرة. والشعور بالغيرة مرتبط بنمو المشاعر والعلاقات، والطفل يبني أولى علاقاته مع الأم، ويبدأ الارتباط العاطفي والحسي معها منذ الأيام الأولى للولادة، وخلال سبعة أشهر تقريباً من الولادة تصبح العلاقة بين الطفل والأم علاقة مليئة بالعواطف المتبادلة، حيث تتوطد علاقات الانتماء والأمان العاطفي، بل إن غياب الأم لأي سبب يؤدي إلى حالة من التوتر والقلق والخوف لدى الطفل.
وعادة تظهر الغيرة في السنوات الأولى من حياة الطفل، وعندما يبلغ الطفل من العمر عشر سنوات، فأكثر ما يكون التعبير عن الغيرة هو التحول إلى نوع من الوشاية بالشخص الذي يغار منه، إلا إذا ساعدت ظروف البيئة الأسرية المحيطة بالطفل على تخفيف وطأتها وإخفائها.
والغيرة أمر طبيعي ومنتشر بين معظم الأطفال إن لم نقل كلهم، غير أنه كثيراً ما يتطرف هذا الانفعال ويطغى على الشخصية، وقد يكون سبباً من أسباب شقاء الطفل ويحول دون توافقه الاجتماعي.
ومن الملاحظ أن الغيرة إذا اشتدت عند المرء في صغره لازمته في كبره؛ فالطفل الغيور قد يصعب عليه أن يوثق صلاته مع أترابه، ويشعر بالخيبة والإهمال والضعف والظلم، فيرتكز حول ذاته بشدة، ويميل إلى العزلة وتجنب الآخرين، أو أن يسلك سلوكاً عدوانياً ليجذب إليه الأنظار.
أسباب الغيرة
وقد يكون جهل الوالدين في التعامل مع الأطفال هو السبب في تكريس الغيرة، وخاصة عندما يفاجأ هذا الطفل بأن أمه توجه عنايتها إلى إخوته الأصغر منه وتهمله، فينتابه الهم والقلق مما يزيد الأمر خطورة.
ومن الأسباب أيضاً مقارنة الطفل بأخ أو أخت في التحصيل الدراسي أو في القدرات العقلية أو في المواقف السلوكية أو في المظهر الخلقي، خاصة إذا كانت هذه المقارنات تكرر وبشكل مستمر، فإن ذلك يثير الغيرة بين الأطفال على الرغم من أن الآباء لا يقصدون من ذلك إيقاع الضرر بأطفالهم. وهم بذلك لا يعلمون أن مثل تلك المقارنات تخلق مشاكل نفسية لدى أطفالهم، مما يؤدي إلى عدم الثقة بالنفس ويؤثر على توافقهم النفسي والاجتماعي داخل محيط الأسرة وخارجه.
ومن أهم أسباب الغيرة، التي تلعب دورها وبشكل أساسي في حياة الطفل تلك النزاعات والتوترات بين الأبوين، وخاصة إذا كانت تحدث أمام الأطفال مما ينعكس سلباً على حياتهم.
وقد يعبر الطفل عن غيرته باللجوء إلى بعض الحيل الدفاعية، التي من خلالها يعوض ما فقده من حب أو ثقة من أبويه، ويظهر ذلك من خلال تبوّله غير الإرادي، أو إظهار تخوفه من أشياء معينة أو التمارض في بعض الأحيان، أو امتناعه عن تناول الطعام، مما يؤدي إلى نقص في الوزن وضعف في الصحة، مما يقلق الأهل إلى حد كبير.
ما الطريقة لعلاج الغيرة
إن من أهم الأساليب والوسائل التي يمكن من خلالها معالجة الغيرة عند الطفل
- تجنب الاهتمام الزائد بالذكور على حساب الإناث، وعدم إعطاء الذكور امتيازات، وتفضيلهم على الإناث، لأن ذلك يثير الغيرة في نفوس البنات، ويخلق شعوراً بأنها الأضعف أو الأقل حظاً عند والديها.
- تجنب المقارنة بين الأبناء ومدح أحدهم على حساب الآخر بسبب الاختلاف في الهيئة الخلقية، أو في التفوق المدرسي أو السلوك أو في الجنس.
- عدم المبالغة في توجيه المزيد من الرعاية للمولود الجديد، وإهمال الطفل الأكبر، فالمسألة مسألة موازنة، وإعطاء كل طفل حقه من الرعاية والاهتمام.
إذا يجب علينا أن ندرك أن الأطفال هم اللبنة التي يقوم عليها بناء المجتمع في المستقبل فيجب علينا أن نحسن تربيتهم، ونكوّن شخصيتهم، ونغرس فيهم حب الآخرين، والتعاون ضمن نطاق الأسرة، وأن نتفادى تكريس المظاهر السلبية في نفوسهم لكي يكونوا أولاداً صالحين.
------
المصدر مجلة منارات