امتلكتم القلم والورقة وامتلكتم المال، فأنتجتم مشاهد القتل والدماء والعري. وتوهمتم الجرأة، فرأيتم زعزعة القيم جرأة، وخلخلة المثل جرأة، وتشويه ما أمنت به الناس واعتقدته جرأة، فصرتم كذاك الذي يخرج إلى الشارع فيمزق قميصه ويشطّب صدره ويصدر عبارات تخدش الحياء وتؤذيه
ثم يسب ويشتم رجال الحي الكبار و........... إلى أن ينتهي في السجن، ليخرج بعدها معتبراً نفسه بطلاً ويعتبره من هم على شاكلته بطلاً، وكل بطولته أنه خدش الحياء علناً وصاح بأعلى صوته بعبارات تسيء إلى المقدس لدينا أياً كان نوع هذا المقدس ودرجة تقديسه. فانطبق عليه وعليكم (القائمين على المسلسل والمدافعين عنه) ما يقوله سلطان الطرب جورج وسوف في شارة المسلسل: "ناس بالوهم كبرت". وهم الجرأة، واختراق المحظور، ودك حصون المقدسات!
أين هي الجرأة، وأين تلك الجراح العديدة التي لامسها مسلسل، هو خليط غريب عجيب من الأشخاص، معظمهم مأزوم في داخله، تارة بسبب المال والنفوذ وأخرى بسبب الجهل وثالثة بسبب ثقافة بلهاء لم تعرف كيف تتعامل مع جيل في مقتبل الشباب، فأوصلته إلى التنقل من تجربة عاطفية إلى أخرى والتقلب بين أيدي العابثين والاستهزاء بالمعلم واتهامه بسلوكيات منحرفة.
و تحت تأثير الوهم المسيطر على النص والحوار والإخراج، نجد وزارة التربية تأخذ الإتهامات على محمل الجد وتحسم أمرها. كل ذلك ليصل المسلسل إلى حكمته العظيمة "الخلل العاطفي عند المدرس والمرشدة التربوية كادت توقع السيدة الفاضلة نادين في براثن خطيب ابنتها". فلا دور للفكر والعلم والثقافة.
ثم ودون أي ربط بصري أو نفسي أو حتى عقلي، يخرج علينا في كل حلقة،كمارد علاء الدين،لكن بصورة شريرة، مشهد لشباب في زيّ وصورة باتت تقليداً ساذجاً لكل من أراد أن يتكلم عن الإسلام والإرهاب، صورة قدمتها كأول من قدمها الدوائر البوشية في أمريكا، وأرادو وعملوا لتكون هذه الصورة هي الإسلام والإسلام هو هذه الصورة، وها نحن نتلاقى معهم في هذا المسلسل في صدفة عجيبة، وأنا هنا لا أستغرب أن يترجم هذا المسلسل إلى عدد من اللغات ويعرض في القنوات الأمريكية وغيرها فهو بالتحديد ما يريدون قوله.
لا أريد ان أتحول إلى ناقد فني للمسلسل فالنقاد كثر. لكنني أتوجه إلى مفتولي العضلات الفكرية والثقافية، خاصة في مواقع الانترنيت، مؤكداً على الوهم الذي يخوضون غماره، داعياً المختصين إلى تفنيد ما أقوله ونفيه، أو تأييده وإيضاحه.
إن التعري والتفلّت في اللباس والمشاهد المثيرة في الفضائيات ـ في مجتمع يعاني شبابه من تأخر سن الزواج ـ غذاء رئيسي ويومي للتطرف.
سادتي أبطال الدفاع عن المرأة وحرية التعبير والرأي الأخر، أبداً لم تكن المشكلة في عرض واقعنا اليومي، إنما مشكلتنا الأساس هي في تشويه واقعنا اليومي، والإصرار على أن هذا التشويه غير المتقن هو الحقيقة. والويل كل الويل لمن يعترض فهو في الدرك الأسفل من المواطنية وهو في الدرك الأسفل من الإنسانية.
فأنا أقبل منكم التأذي من النقاب واعتباره مصيبة المصائب، وأتفهم التطبيل والتزمير لمسلسل لامس شغاف قلوبكم، وأتذكر التطبيل والتزمير لرواية "وليمة لأعشاب البحر" في حينها التي أرى أنها، وأمثالها، تقيأت هذا المسلسل الأسطورة.أقبل كل ذلك وأفهمه وأتفهمه، لكني لا أجد تفسيراً لتبرمكم بالرأي الأخر، والإساءة إليه قولاً ولفظاً، دون مقارعته الحجة بالحجة والفكر بالفكر.
*- المقال تعقيب على أراء نشرت على صفحات مرصد نساء سوريا وهو موجه إلى هذا المرصد بشكل خاص.
محمد نديم مصطفى،