مهرجان دمشق السينمائي الـسادس عشر... متابعات

الإدارة المشاركات : 3446 . :

مهرجان دمشق السينمائي الـسادس عشر
ربما كان مهرجان دمشق السينمائي من القلاع الثقافية الحداثية


الكـاتب:	نجيب نصير

ربما كان مهرجان دمشق السينمائي من القلاع الثقافية الحداثية المتبقية في مسيرة الثقافة السورية، ليس لأن إداراته المتعاقبة تتميز باكتمال معرفي ما، أو لأنها تحقق نجاحات عز نظيرها، بل لأن السينما أصبحت اليوم بحاجة لحماية اجتماعية, والمهرجان بشقه الجماهيري يشكل تلك الحماية، فالمهرجان بصفته مدعوماً من الدولة يقدم ما عليه, ويبقى دور المجتمع لدعم هذا النوع من الثقافة التي تشكل في دول العالم من حولنا جهازاً أساسياً لتشكيل الهوية من جهة وللتعامل مع العولمة من جهة ثانية، لذلك ومع أن المهرجان يبدو كهدية لعشاق السينما إلا أنه دعوة للمجتمع للمشاركة في صياغة الهوية الوطنية في ظل تلاطم موجات الاتصالات الثقافية (الأنفوميديا) فالهوية لا توجد بالوراثة وإنما تصنع من مهرجان فني هنا وميدالية ذهبية في محفل رياضي من هناك ومن صرح يشاد أو من مبدع يحصد جائزة كنوبل وأمثالها، من هنا يبدو المهرجان مسألة جدية على الرغم من الاختلاف حول كمية الإنتاجات السينمائية السورية أو الأزمة الذي يعاني منها المجتمع في سوريا بخصوص انقطاع الناس عن التوجه إلى صالات السينما، وهذا وحده يحتاج إلى دراسة إحصائية واجتماعية مفردة وموسعة.
في كل الأحوال تم افتتاح المهرجان برعاية أعلى هيئة من الدولة، أي برعاية السيد الرئيس بشار الأسد، وهذا ما يعطي الحدث ليس أهمية خاصة فحسب بل يعطي فكرة عن نوايا الدولة بالتوجه إلى ثقافة حداثية توازي المحيط الإقليمي والدولي لمجتمعات العولمة، حيث ظهرت تأثيرات هذه النوايا في حفل الافتتاح الذي اعتمد صيغاً فنية حداثية معترفاً بأفضال السينما والسينمائيين من كل أصقاع الدنيا في محاكاة محترمة عبر الرقص والأداء التمثيلي تقدم ما هو أكثر من الشكر لصناع السينما من أكثر من بلد من بلدان العالم الذين صدروا لنا ثقافة قابلة للحوار هذا الحوار الذي تم مع جمهورنا أولا ومن ثم مع سينمائيينا الذين شاركوهم بهذا الحوار الكوكبي اذا صح التعبير.
أكثر من (أربعمائة) فيلم هي الوجبة التي قدمتها إدارة المهرجان للناس وليس لمحبي السينما فقط، (أربعمائة) فيلم من شتى أصقاع العالم ومن شتى الثقافات ومن شتى وجهات النظر الفردية والاجتماعية تقدم خلال (عشرة) أيام على شاشات دمشق المرتجلة وكأننا في دعوة لإعادة صياغة ثقافتنا الاجتماعية التي بدأت، وربما أكثر، رياح الجنوب بخلخلتها في محاولة لاستعادة التخلف الثقافي الذي شكل في الماضي هدفاً واضحاً سعى المجتمع لأزالته بكافة تجلياته، أما اليوم فنحن في مواجهة تخلف من نوع آخر ربما يمكن وصفه بتخلف التخلف أو بالتخلف المتخلف الذي يظهر ملتبساً بشكل ذرائعي بقضايا الاحتشام الثقافي و(حركشات) الحياء العام الذي لا تبدو له مشارف أو حدود قبل نشر ثقافة العتمة والانعزال عن العالم.
في مهرجان هذا العام تبدو السينما السورية، كإنتاج فقط، بخير حيث يعرض المهرجان (أربعة) أفلام روائية طويلة جديدة وهذا رقم غير مسبوق بالإضافة إلى كمية لا بأس بها من الأفلام القصيرة التي تعتبر المختبر الأول للسينمائيين الشباب والتي أعطت احتفالية دمشق عاصمة ثقافية الفرصة للعديد منهم لتقديم تجاربهم الأولى وهنا لا بد من التنويه بدور الاحتفالية في هذه الدورة من مهرجان دمشق السينمائي حيث شاركت باستقدام مجموعة من النجوم الأوروبيين (كاترين دونوف - كلوديا كاردينالي - فرانكونيرو) للمشاركة في فعاليات مهرجان هذا العام، ومن المعلوم كم يشكل حضور المشاهير أي مهرجان من تأثير على شهرة المهرجانات وحضورها في الأعلام العالمي.
(أربعة) أفلام سورية حصيلة مشرفة في ظروف المؤسسة العامة للسينما، فها هو المخرج ريمون بطرس يقدم ثالث تجاربه الروائية الطويلة كاسراً التقليد المضني لسينما المؤلف الذي التصق بالأفلام السورية، وكأنه قدر وطريقة وحيدة لإنتاج الأفلام فقدم فيلما عن رواية خيري الذهبي حسيبة وعلى الرغم من محاولة بطرس قسر الكلام باتجاه تبني النص إلا أن تجربة الإخراج عن نص لمؤلف آخر تبدو أثرى من نص يكتبه المخرج نفسه وأكثر إخلاصاً للسينما كفن احترافي حداثي، من جهة ثانية وعلى نفس منوال النص الذي لم يكتبه مخرجه قدم وليد حريب وماهر كدو عملين مختلفين الأول اجتماعي معاصر عن سيناريو لحسن سامي يوسف بعنزان (سبع دقائق إلى منتصف الليل) وهو عمل إنساني حساس يذهب إلى الناس العاديين في حياتهم اليومية من دون أي وهم أو شعارات بينما يذهب الثاني إلى أجواء الثورة السورية عن نص للألفة الإدلبي وسيناريو لمحمود عبد الواحد ليستعيد أدبياً أجواء تلك المرحلة، أما عبد اللطيف عبد الحميد فقدم من كتابته فيلماً حنوناً عن أجواء الستينيات من القرن الفائت في مقارنة واضحة بين أطفال تلك المرحلة التي يبدو الضجر والعزلة إحدى أهم تجلياتها.
أما السينمائيون الشباب فهم في هذا المهرجان أكثر حيوية وحماساً، فها هو سوار زركلي يقدم فليلماً متميزاً، على الصعيد السوري والعربي، حول جريمة الشرف، كما قدم عمرو علي (16) سنة ابن المخرج حاتم علي، فيلماً جريئاً ولماحاً يستحق التنويه بالإضافة إلى مجموعة من الشباب المتحمسين الجدد الذين دعمت إنتاجاتهم إدارة احتفالية دمشق عاصمة للثقافة.
المهرجان أصبح سنوياً وهي خطوة مشكورة، ولكنها تحتاج إلى توسيع قاعدة التحضير ومأسستها، لأن نجاح هذه الخطوة يعني إمكانية تقديم مهرجانات سينمائية أخرى في مدن أخرى وفي اختصاصات سينمائية أخرى، لأن هكذا مهرجانات تبدو كالفيتامينات يجب تزويد الجسم بها إذا ما نقصت منه، السينما جزء من الثقافة الحداثية التي يحتاجها مجتمعنا بشدة.

مهرجان دمشق السينمائي الـسادس عشر... متابعات

مهرجان دمشق السينمائي الـسادس عشر... متابعات :: تعاليق

مهرجان دمشق السينمائي الـسادس عشر... متابعات

مواضيع مماثلة

مواضيع مماثلة