للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلكعك علىالرصيف / غسان كنفاني 610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6017 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 110 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 110 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحث

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
    كعك علىالرصيف / غسان كنفاني Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

     كعك علىالرصيف / غسان كنفاني

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    متابعات
    مختارات
    متابعات


    المشاركات : 1292
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

    كعك علىالرصيف / غسان كنفاني Empty
    مُساهمةموضوع: كعك علىالرصيف / غسان كنفاني   كعك علىالرصيف / غسان كنفاني Icon_minitime04.09.10 17:34

    كعك علىالرصيف

    أتكون محض مصادفة غربيةإنني التقيت به, الآن, في نفس المكان الذي شاهدته فيه أول مرة؟

    لقد كانمقرفصا هناك؟ كأنه لم يزل كذلك حتى اليوم: بشعره الأسود الخشن, وعينيه اللامعتينببريق رغبة يائسة, منكباً على صندوقه الخشبي يحدق إلى لمعان حذاء باذخ..لقد استطاعتصورته أن تحفر في عظم رأسي قبل عام واحد, حينما رأيته في تلك الزاوية بالذات, لالشيء غير عادي, سوى أنني ـ أنا نفسي ـ كنت احتل هذه الزاوية قبل عشر سنوات, حينماكانت المحنة على اشدها, وكانت طريقتي في مسح الأحذية تشابه طريقته إلى حد بعيد, كانالحذاء بالنسبة لي هو كل الكون:رأسه وكعبه قطبان باردان, وبين هذه القطبين كانتتتلخص دنياي.

    وقبل عام, حين مررت به, قاءت شفتاه عرضا آليا دون أن تنظرعيناه إلى الحذاء:
    ـ أستطيع أن أحوله إلى مرآة، يا سيدي..
    وبدافع من رغبةخاصة, تعوضني عن شهور طويلة من الأسى, ركزت قدما على حدبة الصندوق حيث تيسير لي أنأشاهد خطاً عريضاً من العرق يبلل ظهر قميصه الأزرق المتسخ, وكانت عضلات كتفهالضامرة الصغيرة تنقبض وتنبسط, وكان رأسه يهتز بانتظام..
    ـ هذا حذاءرخيص..

    لم أحس الإهانة على الإطلاق, فلقد كان شعوري حينما كنت أشاهد حذاءرخيصا يشابه شعوره, لكني لم اكن اعبر عنه بهذه السذاجة, كان الحذاء الرخيص يشعرنيباقتراب غامض بيني وبين العالم.. ورغم ذلك, فلقد رغبت في تغير الحديث..
    ـ كمعمرك؟
    ـ إحدى عشر سنة..
    ـ فلسطيني؟

    هز رأسه فوق الحذاء, دون أنيجيب, أحسست بأنه يخفي شعورا بخجل صغير..
    ـ أين تسكن
    ـ في المخيم
    ـ معأبيك؟
    ـ لا, مع أمي..
    ـ أنت طالب أليس كذلك؟
    ـ نعم.

    ونقر بإبهامهعلى النعل, ثم طالعني بعينين صافيتين, باسطاً كفه الصغيرة تجاهي, وأحسست بخيط رفيعمن الأسى في حنجرتي, وتنازعي شعوران حادان: هل أعطيه أجرته فحسب؟ أم أزيد عليها؟كنت حينما أعطى اجري حسب استحقاقي أحس شرف عملي, ولكنني حين كنت أوهب هبة ما كنتاقبلها وشعور بالإهانة يتراكم فوق سعادتي في أنني كسبت اكثر...

    لقد طوانيالمنعطف مبتعدا عن نظراته وهي تلسع ظهري ذلك أنني أعطيته استحقاقه فحسب...وحينمانظرت خلفي كان قد صرف نظره عني وتابع تحديقه إلى ارض الشارع راغبا في اصطياد حذاءآخر..

    ولكن صلتي "بحميد" لم تنته بانتهاء هذا المنظر.. فبعد اقل من شهر واحدعينت مدرساً في مدارس اللاجئين, وحين دخلت إلى الصف لأول مرة شاهدته جالسا فيالمقعد الأول.. كان شعره الأسود الخشن اقصر من ذي قبل, وكان قميصه المهترىء مجردمحاولة فاشلة لستر عريه.. وكانت عيونه مازالت تلتمع ببريق رغبة يائسة..
    لقد سرنيانه لم يعرفني, ورغم انه من الطبيعي أن ينسى ماسح الأحذية زبائنه العابرين فلقد كنتأخشى من كل قلبي أن يتذكرني, ولو فعل لكان وجودي في الصف حرجا لا مهرب منه.. وطوالدرسي الأول كنت أحاول عبثاً أن انتزع بصري عن وجهه المكتسي بتحفز مشوب بقلقصغير..لقد كان الصف كله مزيجاً من عدد كبير من أشباه حميد , صغار ينتظرون بفارغالصبر صوت الجرس الأخير كي يشدوا أنفسهم إلى أزقة مترامية في مجاهل دمشق الكبيرةيصارعون الغروب من اجل أن يكسبوا العشاء.. كانوا ينتظرون الجرس بتوق جائع كييتوزعوا تحت السماء الرمادية الباردة, كل منهم يمارس طريقته الخاصة في الحياة... وكانوا يعودون, إذ يهبط الليل إلى خيامهم أو إلى بيوت الطين حيث تتكدس العائلةصامتة طوال الليل إلا من أصوات السعال المخنوقة.. كنت أحس بأنني ادرس أطفالا اكبرمن أعمارهم.. اكبر بكثير, كل واحد منهم كان شررا انبعث من احتكاكه القاسي بالحياةالقاسية.. وكانت عيونهم جميعهم تنوس في الصف كنوافذ صغيرة لعوالم مجهولة, ملونةبألوان قاتمة, وكانت شفاههم الرقيقة تنطبق بإحكام كأنها ترفض أن تنفرج خوف أن تنطلقشتائم لا حصر لها دون أن يستطيعوا ردها..كان الصف إذن عالما صغيرا.. عالما من بؤسمكوم لكنه بؤس بطل..

    وكنت أحس بينهم بشيء من الغربة.. وأورثني هذا الإحساسرغبة جامحة في أن أحاول الوصول إلى قلوبهم قدر استطاعتي..

    كان حميد طفلاًمتوسط الذكاء, ولكنه لم يكن يدرس بالمرة.. وكنت أحاول باتصال أن ادفعه ليدرس ولكنهذا الدفع لم يكن يجدي..
    -حميد, لا تقل لي انك تفتح كتابا في بيتك... انك لاتدرس على الإطلاق..
    -نعم يا أستاذ
    -لماذا لا تدرس ؟
    -لأننيأشتغل..
    -تشتغل حتى متى ؟

    وتطل العيون الواسعة الحزينة فيما تأخذالأصابع الصغيرة تدور باضطراب طاقية متسخة.. ثم يهمس صوت بائس:
    -حتى منتصفالليل.. أستاذ.. إن الخارجين من دور السينما يشترون كعكي دائما إذاانتظرتهم..
    -كعك؟ أنت تبيع كعكا ؟
    ويرد صوته بخجل هامس:
    _ نعم يا أستاذ.. كعك..
    -لقد كنت أظن.. لا اذهب إلى مكانك.. اذهب!

    وطوال تلك الليلة, كنتأتصور المسكين الصغير يدور حافيا في شوارع دمشق النظيفة ينتظر خروج رواد السينما.. كنا في تشرين, وكانت السماء تمطر في تلك الليلة.. وتصورته واقفا في زاوية ما راعشاكريشة في زوبعة.. ضاما كتفيه قدر جهده إلى بعضهما, وداسا كفيه في مزق ثوبه محدقاإلى صحن الكعك أمامه.. منتظرا شخصا ما يخرج من القاعة جائعا كي يشترى كعكة.. شخصين.. ثلاثة.. ويتسع فمه بابتسامة, يائسة ويحدق إلى ميازيب تشرين منجديد.

    وفى اليوم التالي.. شاهدته في الصف, كان النعاس يأكل عيونه, وكانترأسه تنحدر على حين فجأة إلى صدره, ثم ينهضها بعجز.
    -أتريد أن تنام يا حميد؟
    -كلا يا أستاذ..
    -إذا أردت أن تنام فلسوف آخذك إلى غرفة المدرسين..
    -كلايا أستاذ..

    ولكنه كان يبدوا منهكا بصورة حادة, وهكذا, اقتدته إلى غرفةالمدرسين, كانت غرفة عارية إلا من صورة رسمها مدرس الرسم الفاشل ببقايا ألوانالطلبة، وكانت المقاعد الثقيلة منثورة تحت الجدران الرطبة وحول مائدة صغيرة تكدستعليها أكوام الدفاتر والكتب, لقد وقف حميد في باب الغرفة, مستشعرا كما يبدوا إحساساغريبا, كان قلقا بعض الشيء, وكانت طاقيته تدور بين أصابعه الصغيرة, وعيونه تتناوبالتحديق إلي, والى الغرفة..

    - نم على أي مقعد, سوف نضع حطبا فيالمدفأة.
    تحرك بطيئا إلى المقعد القريب, وجلس فوقه نصف جلسة, فيما إلتمعت عيناهبسعادة الدفء.
    -هل بعت كثيرا من الكعك ليلة أمس ؟
    -ليس كثيرا..

    كان فيصوته رنة أسى عميق, وكان وجهه يرتجف:
    -لماذا ؟
    -نمت, نمت أثناء انتظاريانتهاء الفيلم, وحينما صحوت كان كل شئ قد انتهى.
    -نم الآن, سوف أعود إلىالصف.

    ولكنني لم أعرف كيف أتممت درسي, كنت أحس بقلق غريب, وكنت أخشى أنأنفجر بالبكاء أمام الطلبة.

    وفى الفرصة كان حميد يغط في نوم عميق, وكان انفهالصغير مازال مزرقا من فعل البرد إلا أن الدم كان قد بدأ يرد إلى وجنتيه. لم يسألأحد من الأساتذة أي سؤال, إذ أن حوادث كثيرة من هذا الطراز كانت تحدث كل يوم, واكتفى الجميع برشف الشاي صامتين.

    وطوال الأيام التالية كنت ابحث عن طريقةادخل فيها إلى حياة حميد دون أن يمسه فضولي, وكانت هذه العملية صعبة للغاية, إذ أنكل طالب في مدرسة النازحين كان يصر على الاحتفاظ بمأساته الخاصة, وضمها بعنف فيصدره..كأنما كان هنالك شبه اتفاق مشترك على أن هذا واجب وضروري..

    إن الأشياءالصغيرة, حينما تحدث في وقتها, يكون لها معنى اكبر منها, اقصد أن هنالك بداية صغيرةلكل حادث كبير..

    ففي أحد الأيام آتى أخي الأصغر إلى المدرسة يحمل طعامالغداء لي, وحينما أعلمني خادم المدرسة بذلك, أرسلت حميدا إليه كي يأخذ منه أوعيةالأكل. وعندما عاد حميد أحسست بأنه أهين بكيفية أو بأخرى, ولذلك طلبت منه أنيراجعني في غرفة المدرسين, أثناء فرصة الغداء.

    دخل حميد غرفة المدرسين قلقاكالعادة, كنت وحيدا, ورغم ذلك فان قلقه لم يبارحه, كانت أصابعه تدور طاقيتهباضطراب, وكانت عيونه تلتمع كعادتها..
    ـ حميد, هل أعجبك أخي؟
    ـ انه يشبهأخي..
    لم اكن أتصور أن الموضوع سوف يطرق بهذه السرعة...ولذلك فلقد سألتمتعجبا:
    ـ أخوك؟ أنني اعرف أن لك أختين فحسب..
    ـ نعم. ولكن أخي مات..
    ـمات؟..
    أحسست باضطراب أنا الآخر, فهذا الصغير يضم صدره الضامر أسراركبيرة..
    ـ كان اصغر منك..ها؟
    ـ كلا..اكبر مني..
    ـ كيف مات؟
    ولكن حميدلم يجب, وشاهدته يغالب دمعا غلبه في نهاية الأمر, وامتلأ وجهه الصغير بدمع غزير اخذيمسحه خجلا بعض الشيء...
    ـ حسنا..لا تتكلم ..أتعرف إن أخي أنا الأخر مات؟
    ـصحيح؟
    ـ نعم.. لقد دهسته سيارة كبيرة..
    كنت اكذب..ولكنني رغبت في أن أشاركأحزان الصغير بكيفية ما..وشعرت بان كذبتي أخذت طريقها السوي إلى رأسه إذ التمعتعيناه بأسى مفاجئ ومضى يحكي ببطء:
    ـ أخي لم تدهسه سيارة...لقد كان يعمل خادما فيالطابق الرابع..وكان سعيدا..
    كان حميد يستخدم بذراعيه كي يوضح كلامه وكانت دموعهتنساب دون أن يشعر..
    ـ لقد اطل في قفص المصعد فقطع المصعد رأسه وهو يهبط..
    ـمات؟

    كان السؤال سخيفا, ورغم ذلك فلقد أحسست بضرورته من اجل أن أهدهدقشعريرة مفاجئة تكلبت في جسدي..وهز حميد راس ثم سال فجأة:
    ـ هل قطعت السيارة راسأخيك؟
    أخي؟آه..نعم..نعم لقد قطعت رأسه..
    ـ هل حزنت عليه كثيرا؟
    ـنعم..
    ـ هل تبكي عندما تتذكره؟
    ـ ليس كثيرا...
    ـ قل لي يا أستاذ... هل لكأب؟
    ـ طبعا , اعني نعم, لماذا؟

    خطا نحوي وسأل بلهفة راعشة:
    ـ هل هوبخير؟
    ـ نعم..لماذا؟..

    تكهفت عيناه بأسى فاجع وشعرت بان للمأساة ذيولاتعصر رئتيه...ولكنني كنت على يقين بان حميد سوف لن يجيب على أي سؤال...لقد انطبقتشفتاه بإحكام مصر..ويمم عيناه شطر الحائط العاري...كان بنطاله قصيرا ممزقا وكانقميصه الأزرق متسخا مهترئا...وحين شاهدني أطالعه باستغراب لململم نفسه واحمر وجههقليلا وازدادت سرعة الطاقية الصوفية الدوارة بين أصابعه.

    لقد بدأت مشكلةحميد تدخل شيئا فشيئا فيما بعد, إلى حياتي.
    كنت لا أستطيع على الإطلاق أن أكونعابرا في حياته, متفرجا إلى مأساته, ومن بين عشرات المآسي التي حفل بها صفي لمتجذبني إلا عيون حميد البائسة اليائسة..صرت أفكر فيه على الدوام.وكثيرا ما كنت اقررأن أبدأ بنفسي, خارج المدرسة, بحثا متصلا حول حياة حميد..بل لقد فكرت يوما في أنابحث عن طريقة تجعل أمر مساعدته ماليا شيئا طبيعيا لا يحمل رائحة الإهانة..ولكن كلشيء كان يدور مجهدا حوالي, وكان ينتهي إلى الفشل أمام العيون التي تحتوي, إلى جنبالأسى , شيئا كثيرا من الكبرياء والتعالي..

    إلا أن علاقتي بقضية حميد أخذتتخفت شيئا فشيئا بعد سلسلة من الأحداث الصغيرة جعلتني احمل نقمة غريبة على هذاالمخلوق الصغير, المقعد, المكوم فوق أسرار, لا تنتهي إلي لتبدأ, ولا تبدأ إلالتستمر..فلقد حدث ذات يوم أن شكا إلي حميد أستاذا زميلا أهانه إهانة بالغة.ولقد قالحميد, يومها, وهو يحدق إلي مكشرا بعض الشيء:
    ـ إنني يتيم...وإلا لكنت استدعيتأبى..
    ـ هل..أبوك ميت؟..
    قال بخجل وهو يطأطئ رأسه:
    ـ نعم..
    ـ لماذا لمتقل لي ذلك من قبل؟
    لم يجيب حميد على سؤالي واكتفى بان هز رأسه باتصال., وصمت:
    ـ أنت الذي تصرف على عائلتك إذن؟
    ـ نعم..أنا الذي اصرف..أن أمي تكسبقليلا من تنظيف مخازن وكالة الغوث..ولكنني أنا اكسب اكثر..

    وصمت حميد قليلاثم اندفع قائلا وهو يبسط كفيه الصغيرتين مستعينا بحركاتهما:
    ـ إنني اشتري كلثلاث كعكات بعشرة قروش..أبيع الكعكة الواحدة بخمسة قروش..
    ـ أما زلت تنام وأنتتنتظر خروج رواد السينما؟..
    ـ كلا..لقد تعودت السهر..

    هل من الضروري أنيعترف المدرس, بين الفنية والأخرى, بأنه يلجا إلى الغش كي يعين طالبا مسكينا علىالنجاح؟.لقد كنت أنا افعل ذلك..كانت علامات حميد جيدة على الدوام رغم انه كان متوسطالمستوى, لكني لم اشعر قط بعدالة علاماتي بقدر ما كنت اشعر هذه العدالة حينما كنتأسجل علامات حميد..

    ولكن القضية لا تتحرج هنا على الإطلاق, لقد بدأت تتحرجفقط حينما أخذت اشك في سلوك هذا "الحميد" وفي كلامه لي, بل وفي دمعهأيضا..

    وفي عصر يوم قائظ من أيام نهاية العام نقل ألي تلاميذ الصف أن خادمالمدرسة ضرب حميدا ضربا قاسيا حينما كان يحاول عبور حاجز المدرسة هاربا, وحينمااستدعيت الخادم إلى غرفة المدرسين كي أعاتبه وجدتني أواجه رجلا يتمتع بقناعة غريبةبأنه إنما فعل عين الصواب, ضاربا عرض الحائط بكل مفاهيم التربية النموذجية التيحاولت أن أوضحها له..حينذاك لم أجد بدا من أن أواجهه بمنطقه الخاص:

    -أليسحراما يا أبا سليم أن تضرب يتيما؟
    جأر أبا سليم مادا رأسه تجاهي وقد عقد ذراعيهعلى صدره:
    -يتيم؟ إن أباه لوح, أكتافه تملا الدنيا..
    -حميد لهأب؟

    سألت متعجبا.. فيما أتاني نفس الجواب مكررا بصلف:
    -إن أباه لوح.. تملا أكتافه الدنيا..

    أحسست بإهانة تصفع صدري..وساءني أن يكون الصغير قد بنىعطفي عليه فوق أكاذيب منحطة.. شعرت بأنني لم اكن سوى مغفل طيب القلب وان كلالعلامات التي جعلتها تخطو من فوق ضميري بارتياح تضحك في وجهي الآنبشراسة..

    وطوال الطريق إلى بيتي كانت كلمات أبى سليم تعرك رأسي ويدوي صداهافي حنجرتي..وكنت احدث نفسي زاعما لها أن اؤلئك الملاعين الصغار هم في الحقيقة اكبربكثير من أعمارهم وان الخطأ كان في أنني عاملتهم على انهم أطفال فحسب, لقد تغاضيتعن كونهم رجالا صغار يستطيعون الوصول إلى ما يريدون بأية طريقة تخطر على بالهم..وانلعبة حميد على أستاذه ليست في نظره سوى لعبة بائع كعك على زبون نصف سكران تنتهيبشراء كعكتين, أو كعكة بسعر كعكتين ..

    ورغم هذا الكلام, فأنني لم استطع أنأتخلص من شعوري الحاد بأنني أهنت على يد حميد إهانة بالغة, وأخذ تفكيري يسير فيالطريق الذي يؤدي إلى إيجاد انتقام ما..أنني اعتقد الآن بان القضية تافهة, وانتفكيري كان اتفه, ولكنني لم اكن أرضى لحظتذاك بأن أتنازل قيد أنملة واحدة عن حقي فيأن امسح الإهانة..

    ولكن الذي حدث فيما بعد لم يستطع أن يهدهد غضبي, بل علىالعكس, لقد زاده أواراً على أوار..واستشعرت بعدها ألما ممضاً يعتصر صدري بلاهوادة..فلقد قصّ علي طالب ثرثار كيف ماتت أم حميد قبل شهور طويلة بعد أن وضعت طفلةميتة..
    ووجدتني أغوص في دوامة من الأكاذيب كومها حولي هذا الحميد الصغير ببراعةلا تكاد تصدق...

    أتت نهاية احتمالي في غداة يوم قائظ, كنت عائدا فيه منالمدرسة فرأيته فجأة بعد غياب طويل..

    أتكون محض مصادفة غريبة أنني التقيت بهفي نفس المكان الذي شاهدته فيه لأول مرة؟
    كان مقرفصا هناك خلف صندوقه الخشبيالملوث بالدهان, يحدق إلى الشارع راغبا في اصطياد حذاء ما...فيما وقفت أنا نصفمصعوق أكاد لا اصدق أنني أرى بائع الكعك المزعوم, وأحسست بالإهانة تجترح حلقي, وحينما استطعت أن أميز ماذا كنت افعل وجدتني ممسكا بياقة الصغير أهزه بلاهوادة..وأفح باتصال:
    ـ أيها الكذاب..
    رفع الصغير عيونه أمامي مفتوحة حتىأقصاها, ممزوجا لمعانها بمعنى من معاني الخوف المفاجئ, ورأيت شفتيه تتحركان دون أنتستطيعا النطق بينما فشلت محاولته الصغيرة للخلاص من بين قبضتي..

    وعدت اكرروقد أحسست بشيء يهوي في صدري أمام الصمت اليائس:
    -أيهاالكذاب...
    -أستاذ..
    قالها باسترخاء رافعاً إصبعه بصورة آلية ونظر حواليهباضطراب ثم اعترف راجفاً:
    -نعم يا أستاذ أنا كذاب, ولكن اسمع..
    -لا أريد أناسمع شيئاً..
    ضاقت عيونه وخيل إلى أن دمعة توشك أن تسقط وعاد صوته يرجف منجديد:
    -اسمع يا أستاذ..
    -آيها الكذاب...آنت تعيش مع أمك... فليس كذلك أيهاالكذاب ؟
    -كلا يا أستاذ..كلا..إن أمي ميتة ولكنني لا أستطيع أن أقول..فحينماماتت أمي طلب والدي منا أن لا نقول شيئاً عن موتها..أن نصمت..

    تراخت قبضتيوسالت بضعة:
    -لماذا ؟
    -لم يكن يملك أجرة الدفن...وكان خائفاً من الحكومة.. أسدلت ذراعي إلى جنبي؛ واستطعت آن التقط خوف الصغير الساذج الذي استمر حتى اليومدون مبرر ولكنني خفت أن أكون مخدوعاً فعدت أصيح, ولكن بليونة أكثر...

    -وأبوك؟ قلت لي أنه مات... أليس كذلك ؟
    -لم يستطع حميد أن يتماسك أكثرفأدار وجهه إلى الحائط وأخذ يبكي فيما سمعت خلال نشيجه صوته الضعيف:
    -إنه لميمت.... إنه مجنون يدور في الشارع نصف عار..لقد جن بعد أن شاهد رأس أخي يقطعهالمصعد...
    -جن؟
    -نعم... لقد أطل أخي داخل قفص المصعد من أجل أن يستقبلأباه..وشاهد أبي المنظر بأم عينيه؛ فأخذ يعدو في الشارع..

    قلت, مستشعراًالدوار يتكلب في صدغي:
    -لماذا قلت لي أنك تبيع الكعك؟ هل تستحي من صنعتك ؟ لانتنظرات حميد , وحدق إلي بعيون شفافة قائلاً بخجل:
    -لا.. لقد كنت أبيع كعكاً, وأول أمس عدت إلى هذه الصنعة..
    -ولكنك كنت تكسب كثيراً ؟
    -نعم, ولكن..
    -وعاد الرأس الصغير ينوس كعادته كلما تعرض لخجل أكبر منه, ودق بالفرشاة على سطحالصندوق دقات منتظمة هامساً دون أن يرفع بصره..
    -كنت أجوع آخر الليل...وكنت آكلكعكتين أو ثلاثة.

    لم أدر كيف أتصرف, هممت أن أطلق ساقي للريح, ولكني وجدتنيأضعف من أن أفعل.. وبقي الرأس الصغير بشعره الأسود الخشن منحنياً, ودون أن أحس رفعتقدمي وأركزتها على حدبة الصندوق..
    بدأت الكفان الصغيرتان تعملان بحذق فيما أخذالرأس الخشن يهتز فوق الحذاء, ثم وصلني الصوت إياه قائلاً ببساطة:

    -أستاذ... أنت لم تغير حذاءك منذ عام... هذا حذاءرخيص.




    الكويت 1959
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    كعك علىالرصيف / غسان كنفاني
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات ..أدبية وثقافية :: مختارات وقراءات أدبية :: من الأدب الفلسطيني-
    انتقل الى: