للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة شارك معنا بجمع المحتوى الادبي والثقافي العربي وذلك بنشر خبر او مقال أو نص...
وباستطاعت الزوار اضافة مقالاتهم في صفحة اضف مقال وبدون تسجيل

يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الموقع
او تريد الاطلاع والاستفادة من موقعنا تفضل بتصفح اقسام الموقع
سنتشرف بتسجيلك
الناشرون
شكرا لتفضلك زيارتنا
ادارة الموقع
للنــــشـر ... ملتقى نور المصباح الثقافي
للنــــشـر ... مجلة نوافذ الادبية
للنشر....ملتقى المصباح الثقافي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أدب ـ ثقاقات ـ مجتمع ـ صحة ـ فنون ـ فن ـ قضايا ـ تنمية ـ ملفات ـ مشاهير ـ فلسطين
 
الرئيسيةاعلانات المواقعالمنشوراتأحدث الصورالتسجيل مرايا الظلام  / مي  أسامة 610دخول
نرحب بجميع المقالات الواردة الينا ... ويرجى مراسلتنا لغير الاعضاء المسجلين عبرإتصل بنا |
جميع المساهمات والمقالات التي تصل الى الموقع عبر اتصل بنا يتم مراجعتها ونشرها في القسم المخصص لها شكرا لكم
جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها فقط
هــذا المـــوقــع

موقع وملتقيات أدبية ثقافية منوعة شاملة ، وسيلة لحفظ المواضيع والنصوص{سلة لجمع المحتوى الثقافي والأدبي العربي} يعتمد على مشاركات الأعضاء والزوار وإدارة تحرير الموقع بالتحكم الكامل بمحتوياته .الموقع ليس مصدر المواضيع والمقالات الأصلي إنما هو وسيلة للاطلاع والنشر والحفظ ، مصادرنا متعددة عربية وغير عربية .

بما أن الموضوع لا يكتمل إلا بمناقشته والإضافة عليه يوفر الموقع مساحات واسعة لذلك. ومن هنا ندعو كل زوارنا وأعضاء الموقع المشاركة والمناقشة وإضافة نصوصهم ومقالاتهم .

المواضيع الأكثر شعبية
عتابا شرقية من التراث الشعبي في سوريا
تراتيل المساء / ردينة الفيلالي
قائمة بأسماء خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية.. سوريا
موسوعة المدن والبلدان الفلسطينية
الـنـثر في العصر الحديث.
"الشاغور".. الحي الذي أنجب لــ "دمشق" العديد من أبطالها التاريخيين
سحر الجان في التأثير على أعصاب الانسان
مشاهير من فلسطين / هؤلاء فلسطينيون
قصة" الدرس الأخير" ...تأليف: ألفونس دوديه...
كتاب - الجفر - للتحميل , الإمام علي بن أبي طالب ( ع )+
مواضيع مماثلة
    إحصاءات الموقع
    عمر الموقع بالأيام :
    6017 يوم.
    عدد المواضيع في الموقع:
    5650 موضوع.
    عدد الزوار
    Amazing Counters
    المتواجدون الآن ؟
    ككل هناك 174 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 174 زائر

    لا أحد

    أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 1497 بتاريخ 04.05.12 19:52
    مكتبة الصور
     مرايا الظلام  / مي  أسامة Empty
    دخول
    اسم العضو:
    كلمة السر:
    ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
    :: لقد نسيت كلمة السر
    ***
    hitstatus

     

      مرايا الظلام / مي أسامة

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    متابعات
    مختارات
    متابعات


    المشاركات : 1292
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

     مرايا الظلام  / مي  أسامة Empty
    مُساهمةموضوع: مرايا الظلام / مي أسامة    مرايا الظلام  / مي  أسامة Icon_minitime01.09.10 5:38

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كاتبة وقاصة سورية
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مواليد ٢٣ آب أغسطس عام ١٩٨٠ في اللاذقية
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تقيم اليوم في مدينة طرطوس
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] تخرجت من جامعة تشرين عام ٢٠٠٥ بشهادة ليسانس باللغة الإنجليزية




    هذهة بعض كتاباتها

    فالسّاكِتُ عن الحُلمِ
    يا أنا
    أحْمَقْ
    ترجّلت من الحافلةِ بهدوئها المعتاد، سلكتْ مَنحى الطريقِ متّجهةً لبيتِ والدِها. بدا وجْهها مجلّلاً بالتعبِ، و شعورٌ بالجوعِ و الإعياءِ خيّمَ على ساعتها. وضعتْ يَدها على الجرسِ، ما كانتْ تُريدُ اِنْتزاعها حتّى تَستبقَ الوقت و تختصرَ الأفعال. أطلّ وجهُ ابنتها زُهى الصغير المحبّبِ من خلف الباب..
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ماما عادت، ماما هُنا ..
    وأخذتْ ابنةُ الرابعةِ بالقفزِ غيرَ آبهةٍ بثقلِ أفعالها على والدتها المُستنزفةُ من التعبِ:
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] جهّزي أشياءكِ زُهى، أنا مُستعجِلة.

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] (الآنَ ستقولُ لي أمّي اِبقي للغداءِ، و قبل أن أجلسَ ستبدأُ بغناءِ طلباتها المُلحّة: يا ابنتي لا عزاءَ للراحلين، اِصحي لنَفسك؛ قِطارُ العُمرِ لا ينتظرُ أحداً، حتّى أنتِ.
    مَصيرُ ابنتك للكِبرِ ثمّ استدراكَ حياتها، الوحدةُ شعورٌ قاتلٌ ستعجزينَ عن مواجَهته..). أعرفُ أنّ الإنسان مُصمّم لتحمّلِ الكثيرِ من الأشياءِ، مِثلَ الحُزنْ، الجَرح و الألم، لكنّهُ غيرَ مُصمّمٍ للتعايشِ مع الوحدةِ، صحيحٌ هذا، لكنّني فقط لا أستطيعُ سماعَ وعْظِها اليوميِّ بما لا يُجدي معي نفعاً.
    لملمتْ زُهى حاجِياتها، و أجْهزتْ أملُ على حديثِ والِدتها قبلَ أن يَبدأ خَاتمةً إيّاهُ بـ شكراً أمّي،أراكِ قريباَ، وانطلقتْ بابنتها إلى بيتها غيرِ البعيدِ.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ماما، جدّي يقولُ أننا سَننتقلُ لبيتهم قريباً، هلُ هذا صحيح؟هل سَأتركُ غُرفتي و سَريري و ألعابي و حِصاني الأبيض، و سأنضمّ إليهم؟
    تابعتْ وكأنّها تُناجي نفسها: بَيتُهم كبيرٌ وجميلٌ لكنّ بيتنا أجْمل، فيهِ مكانٌ لكلّ أشيائي. ثمّ أنني ألعبُ هناكَ دونَ خشيةٍ من صُراخ جدّتي عنِ الفوضى التي أحدِثُها، ولا الألعابِ المُبعثرةِ هُنا وهناك..
    ماما، لا أريدُ تَركَ مَنزلنا! إنّه بيتي!
    ضَغطتْ أملُ دونَ قصدٍ على يدِ ابنتها و كأنّها تكبتُ القهرَ الذي سَيخرجُ توّه مع كلماتها: لا تَخشي شيئاً يا زُهى، لن يحدُثَ هذا أؤكّد لك. لن أفعلَ شيئاً لا يُرضيك.. وكأنّها أعطتْ ابنتها جَرعةُ اطمئنانٍ فانتشت و تلاشى خوفها، أفلتتْ يدَ والدتها وبدأتِ الوثبَ و التنقّلَ على جنبات الرصيف مُدندنةً أغنيةً بلحنٍ طفوليّ بسيط.. كم يُمزّق الطفل بعثرة انتمائه، والتهديدُ بتجريده من ملكيّته، فهو حريصُ عليها ليسَ من بابِ علمٍ بماهيّتها، إنّما لأنّه لا يزال طِفلاً جاهلاً لطعمِ الفقدِ وحاجتهِ كدرسٍ مُلازمٍ للحياة.
    دقائقٌ ماجَت فيها الأفكارُ في رأسها ثمّ ألفت الباب أمامها، وزهى تدفعه برجلها لتجتازَ الحديقة و تبدأ القفزَ على الدرج.
    أدارتْ المُفتاح في ثقبِ البابِ و دخلتْ تُسابقها الطّفلة، نَسمةٌ مُثلجةٌ تلفُّ المكانَ بوحشةٍ غيرَ مقيتةٍ بقدرِ أساها. وضعتْ حقيبتها و تأهّبت لصلاتها، فقضتها . دلفتْ إلى المطبخِ لتستدركَ صُراخَ مَعِدتها فأعدّت طبقَ الطعام. سألت ابنتها أن تشاركها الأكل..: أُريدُ أن ألعبْ. كانَ جوابُ زُهى المختصرْ..فتابعتْ طعامها بصمتِ المنهوك.
    ..
    " أحتاج للقليلِ من الراحةِ الآن، الصُداع يشتدّ عليّ. واحتاجُ بعدها للذهابِ إلى السّوقِ، فزُهى بحاجةٍ لبعضِ الأشياءِ و المطبخِ أيضاً. لا أدري كَمْ مِنَ الوقتِ سأحتملُ هذا الوضع، ربّما لو كنتُ هانئة البالِ أكثر لكان الأمرُ اختلفَ، أو هان بعضُ الشيء؛ يا ربّ أنا مرهقة، ما عُدتُ احتمل. يقطعُ سَربَ أفكارها صَوتُ طِفلتها: ماما، الخالُ محمّدٍ على الخطّ، ألم تسمعي رنّة جوّالك؟..
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نعم يا محمّد، خير؟
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هل هاتِفُكِ معطّلٌ أم أنّك لمْ تَسمعيه؟
    الهاتفُ؟ لا حسناً دعني أرى..اِلتقطتِ سمّاعةُ الهاتف، لتجدهُ أبكمَ كالحائط.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] حسناً محمّد، لا أريدُ إحداثَ مُشكلة، هل هُنالك مِن شيء؟

    لا كُنتُ أطمئنّ عليكِ، هل أنتِ بخير ؟
    نعم شكراً لك، سأتّصلُ بكَ حالما أُصلِحُ العطل..
    أغلقتْ السمّاعةُ بهدوءٍ لا يُشبِهُ داخلها، الصفعاتُ مِن حولها تزدادُ، مجبرةٌ هيَ على الوقوفِ صامِتة، إن لمْ يكُن مِن أجلِها فمن أجلِ ابنتها.
    مدّتْ رَأسها خارجَ النافذةِ لترى سِلكَ الهاتفِ يتأرجحُ مَقطوعاً للمرّةِ العاشِرة. سكونٌ فظيعٌ اجتاحها، غَرِقت في مَقعَدِها و الهواجِسُ تنتابها كالحُمّى، لا تعرفُ مِن أينَ تأتيها الفِكرةُ لتنبُذَ أُختَها، شللٌ تامٌّ ضاعَفه التّعب، أفقدَها القُدرةُ على التركيزِ. .."بعضُ المشاعرِ أوهى من بعض، كلّها تقفُ حائلاً بين المرءِ و مداركـه. كلّها تلوّنُ واقعاً ما مُجبرٌ الإنسانُ على خوضهِ بأطيافٍ ما كادَ خياله يتصوّرها"..لن أدع مشاعري تعترض قدرتي على الحكم الصحيح أبداً!
    ابتسامةٌ عَلتْ مُحيّاها فجأة، تذكّرتْ جارتَها الألمَـانيّةُ جانيت، و حديثُها مَرّة: أنتم المسلمون تعيشون في تناقضٍ مَرَضيٍّ مُضحك. آويتُ منكم مُستأجرين كُثر، راقبتكم جيّداً طوالَ سِنين، لم أعرفْ قطّ أينَ العيبْ، أفيكم أم في تعاليمكم. تقولونَ المرأةُ و حِجابها صونٌ لها و إعلاء لقيمتها، ولا أراكم إلّا تكذبون.لا قيمةَ للمرأةِ عندكم،لا قيمة و لا ثمن.
    فحين تكونُ المسكينةُ ابنةَ رجلٍ ما، ترى الأبّ أو الأخّ يتحكّم في عددِ أنفاسها فيحسبها كي لا تُسرف فيها، وحين تتزوّج، إمّا أن تُصبح رجلاً تقوم بكلّ أعباءِ المنزلِ و الأولاد لانشغال زوجها عنها، أو تصبحُ جاريةً يسومها القهر في إلزامها بالكثيرِ من الأشياء التي لا قِبل لها بها، وشبحُ الطلاقِ أو الزواج بأخرى دائماً يتقافز أمامها. و يا لسوءةِ عُمرها إن طُلّقت أو ترمّلت، و أنتم تقولون عن هذا " شرع" ليس فيه حرام و لا إثم، لكنّكم تُلبِسون المرأة ثوبَ الخطيئةِ و تبدؤون برجمها إن كنتم غرباء عنها، إنّما لو أنتم أهلها، لن تفعلوا أكثر من مجرّد "وأدها" تحت التراب، حتّى و إن كانت مظلومة! أنتم مُرضى حقّاً، وحالتكم مستعصية!
    تَذكُرُ وقتها كم جادلتْ، وكم استلّتْ من براهين لتثبتَ لها خطأ معتقدها، وكم تمثّلت بزوجها خالد طِيبَ طباعِ المسلمينَ و جمال أنفسهم. لكنّ جانيت، رغم احترامها لخالد، قالت أنّه "بوهيميّ " و ليس مسلماً. فهو يعيش على "الفِطرة" أو على هامش الحياة، وكأنّه طارئ عليها. كان كلّ كلام جانيت صحيحاً، حتّى عن خالد. فقد كان هكذا حقّاً، بِعُمرِه القَصير.
    كان عديمَ الإحساسِ بالمسؤوليّة، لا يَشغلهُ إلّا إثباتُ نفسه بلا شيء، يتنقّلُ دائماً من عملٍ إلى عملٍ بحجّة ُتعب نفسيّته. يحيلُ نهارهُ ليلاً و يُشَرِّكُ الليلَ حتى لا يَشعُر به. ثمّ تراه و قد آبَ إلى ذاتهِ و اعتزلَ الدنيا في لوحاتٍ يرسُمها و يركِن إليها. كم مرّت عليها مِن أيّام معهُ و هي تبيتُ على الطّوى، تشتهي كسرةَ الخُبزِ الحافِ . كم كانت غُربتها الأولى إلى جانبهِ قاسية، حتّى وَجَدَت عملاً، وصارتْ بالفعلِ هي الرجل. من عَملِها أكلا، ومن مالها بَنَتْ هذا البيتِ الذي يضمّها مع ابنته، وجهّزته. لكنّه كان يصحو من عمههِ كلّ حين، فيُحصّل بعض النقود ليرميها أمامها. كانتْ ترفِقُ به دائماً، فقد كانت تحبّه. بكلّ المساوئِ فيه، بكلّ طفولته المفرطة، بكلّ أنانيّته. لمْ تسمحْ لحظةً لنفسها بإزعاجهِ، حتّى عندما بكى وقتما صارحهُ الطبيبُ بِضُعفِ قُدرَتِه على الإنجاب، شدّتْ من أزرهِ. و أقنعته بعمليّة يحصلان من خلالها على "ضنا "، ثمّ تكفّلت هي بالمصاريف و الولدِ أيضاً.
    و حتّى بعدَ موتِه لم يَهُن عليها. لم تقلْ لأحدٍ لماذا المنزلُ مسجّل باسمها. لماذا، و خلالَ عشرِ سنواتٍ مِن الزواجِ لم تُنجِب إلّا زهى. حتّى كيفَ مات، حين دهسهُ القطار، وهو نائمٌ مُفرطُ الثمالةِ على سِكّته. احتفظتْ بتاريخهِ لنفسها، لم تُشرك بِه أحداً. ضنّت على صورتهِ من الاهتزازِ أمامَ الجميعِ، أوّلهم ابنتهما. لم تنطقْ هي بحرفٍ لأحد، رغم الحربِ الشعواءِ التي تخوضُها مع أهله. رُغمَ محاولاتهم المستمرّة لإهانتها، لنزعِ ابنتها منها، لتحميلها ذنبَ خسارتهم لابنهم، وماله معه. لإلقاءِ تُهمة "قلّة ذريّته " على عاتِقها بدعوى انشغالها بعملها وعَدمِ اهتمامها بتكوينِ أُسرة..
    كلّ هذا بسببِ المال. فابنهم رَحلْ، و هم أحقُّ بمالهِ، هكذا يقولُ المشرّعُ الإسلاميّ، ليسَ لهُ سوى ابنةٍ واحدة. كيفَ يُعطي زوجته و يَحرم ابنته و إيّاهم ثمرةَ غُربته؟ رَغمَ كلّ الذي لا يزالُ يحدث لها، بَخُلتْ على راحَتِها بالحقائقِ. و أغلقتْ مزلاج التناسي عن عمرٍ مرّ وانتهى.

    كانتْ تُريدُ دائماً أن تَصرُخَ في وجوهِهم، أن تُخبِرهم أنّه مالها، تعبها، وأنّ ابنهم لمْ يتعبْ يوماً في شيء، اللّهمَ إلّا إذا اعتبروا ذهابهُ إلى عملهِ مرّةً أو اثنتين أسبوعيّاً تَعَب!
    ذكّرَتهُم بوصيّةِ اللهِ ورسولهِ في اليتيم، وأنّ هَذهِ الطفلةُ تَحْمِلُ اسمَ ابنهم واسمَهُم. حنّنتهم أنّها أيمٌ، بحاجةٍ لدعمهم لها حتّى و لو بالكلامِ، لا لعدائهمِ الغيرِ مسبّبٍ. فلا يلبثون إلّا قليلاً، ويعودون.
    ساعةً برمي الأوساخِ أمامَ البابِ، وأخرى بِقطعِ سِلكَ الهاتِفِ عَنها، وثالثة بشتمها أمام ابنتها و نعتها بأقبح الصفات. الكلامُ معهم لم يعدْ مُجدياً، فقد ازدادت آثامهم في سِجلّاتي حَتّى ما عادَ هنالكَ من مُتّسع.
    و بسرعةِ البرقِ، دونَ وعيٍ لما تفعل، ذهبتْ إلى دولابها حيثُ الأوراق جميعها، لململتها على عجلٍ، فتحتِ البابِ و انطلقتْ صاعدةً إليهم.
    عِندَ ظهورِ أوّلَ وجهٍ خلفَ البابِ الموارِبِ، بدأتِ الصراخ:
    إليكم إيصالاتُ رواتبي و قسائمُ السحبِ البنكيّة، أقساطُ بناءِ هذا البيتِ و كِساءُه. كُلّها تُثبِتُ انتماءَه لي، ليسَ كعَطيّةٍ من أحد.
    وهذهِ أوراقُ أُخرى، تُثبِتُ أنّ ابنكم كانَ عاطلاً عنِ العملِ، و هاكم ما يؤكّدهُ كعاطلٍ عَنِ الإنجابِ أيضاً. كلّه بمالي و تعبي و سهر لياليّ أنا، أنا ليس هو. هل يرضيكمُ نهشَ لحمي؟..؟
    هل تعرفون شيئاً؟
    جارتي المسيحيّةُ كانتْ أشفقَ مِنكُم عَليّ، رَعَتْ ابنتي حينَ جُعت و جاعتْ وَلم أجد محيصاً سوى العودةِ إلى العملِ حتّى أعينها على الحياة.
    أنتم لستم إلّا وحوشٌ تزيّنُ رؤوسكمُ الأغطية و وجوهكمُ الذقونَ و أسماءَكم الألقابَ ظانّينَ بها العِصمةُ من غضبِ اللهِ و أنتم لا تستخفونَ من معاصيكم. أخجلُ من انتماءِ ابنتي لأمثالكم. أكرَهُها لأنّها مِنكم و تَحمِل اسمكمْ، أكرَهُها. أنهتْ كلامها، و دونَ انتظارٍ لردّ من أحدٍ أدارتْ ظهرها، ليقعََ بَصرَها على وجهِ ابنتها الشاحبِ، و قد تَبِعتها!
    كانت قدْ نسيت بابها مفتوحاً فلحِقتِ الصغيرةُ أمّها ..
    زهى لا تصدّقي كلامي أنا أحبّك ..
    لم تكد تتمُّ عبارَتها حتّى خَطفَ العمُّ الطّفلةَ بعنفٍ، مهدّدا الأمّ أنه سيشكوها لتهجّمها عليهم، وأنّها غيرُ كفءٍ لتربيةِ الطّفلة فهي إنسانةٌ مريضةٌ تريدُ الانتقامَ بتشويهِ صورةَ ولدهم الميْتُ بِحقدها.
    لحِقتْ أملُ به، تَمدّ يدها إلى زهى: لا، خذوا كلَّ شيءٍ إلّا ابنتي. أنا لا أريدُ شيئاً مُطلقاً، فقط زهى..
    إنّها ابنتي و لن احتملَ الدُنيا دونَها ..إنّها ابنتي..يا ظَلَمَة.. يا ظَلَمَة.. .. ماما..ماما، أنا أعرفُ أنّني ابنتكِ ولن أصدّق غير هذا الكلام لأنني أحبّك و أنت تحبّينني! ماما ..! أنا زُهى..
    استيقظي لا تخافي.. فالدنيا لم تُظلم بعد!
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    متابعات
    مختارات
    متابعات


    المشاركات : 1292
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

     مرايا الظلام  / مي  أسامة Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مرايا الظلام / مي أسامة    مرايا الظلام  / مي  أسامة Icon_minitime01.09.10 5:41

    الموتُ في بِلادي يُشبِهُ الحياة

    مي محمد اسامة

    قاصة سورية



    ثَمّةَ أُناسٍ يقولون عنّي أنني مجنون. بعضهم ينظرُ لي بعين السخرية، والآخر بطرفِ الشفقةِ الخجولة. حسناً، أنا لستُ مجنوناً، ولا حتّى مختلفاً، أنا أفكّر وأعمل، بطريقة لا تعجبهم .
    فقد كنتُ أقضي مُعظم نهاريَ في المسجد، أتحدّثُ وأخطبُ في الناسِ، عن ضرورةِ الجهادِ في هذا الزمنِ السيّئ. الجهادُ ضِدَّ النفسِ، وضِدَّ اليهودِ وأمريكا الخائنة. وأحثّهم على التفكّرِ في سوادِ أنفاقِ حياتنا التي لا بَصيصَ نورٍ يلوحُ منها. عنِ السوءِ الذي تردّينا فيهِ حتّى أدْرَكَنا العجزُ وأصبحنا بهائمَ اللهِ في برسيمهِ، بعدَ أنْ كُنّا خيرَ أمّةٍ أُخرجت للناسِ. وفي المساءِ أتنقّلُ بينَ محطّاتِ الأخبارِ، لأرى القهرَ بعيني، وأسمعَ الذُلّ بأذنـي؛ أوبينَ الكُتبِ فأنبشُ أكاذيبَ إسرائيل الحاقدةِ على البشريّة، وليسَ فقط على العربِ أوالمُسلمين.
    في المسجدِ، تلتفُّ بعضُ الشبيبةِ حولي، أُناقشهم ويناقشوني. يصدّقونَ على كلامي وبعضهم يرفضه. ثُمّ، وغالباً بعدَ يومٍ واحدٍ فقط، يأتي إليّ أبوأحدهم أوأخوه فيشتمني، ويطلبُ منّي الاهتمامَ بأموريَ الخاصّةِ، وعدمِ تعبئةِ أدمغةَِ الصغارِ بالغثِّ من الكلام. أحياناً، يُنهي أحدُهم حَديثَهُ بالبصقِ عليّ، إذ أسأله: هلّا قُلتَ لي ما هوالكلامُ السمين، الذي يُعجبكم فِعلاً؟
    جارُنا أبوممدوحٍ، صديقُ والدي منذُ القديمِ، يتلبّسُ أحياناً روحهُ- رحِمَهُ الله- ويخاطبني:أنتَ غريبٌ يا عِمران، لمَ لا تهتمّ بدروسك أوالبحثِ عن عَمل، أليسَ أفضلُ لكَ مِن جعلِ نفسكَ أُضحوكةً للناسِ بكلامكَ الفارغ؟ أخبرْتُهُ بقسوةٍ لا تُشبهني، أنّ كلاميَ ليسَ فارغاً، وأنَّنا نتّجهُ كعربٍ مُسلمين للجحيم، بكاملِ التأهّبِ وأعلى درجاتِ الاستعداد.
    أخْبرتُه أنّ أمريكا تَعملُ كمربية أطفال لنا، فتُعطينا المخدّرَ والمُهدّئَ كي تَضمَنَ بكمنا، ثمّ تمتصُّ دماءنا ونحن نيام؛ وترعى ابنتها الشرعيّة بحقوقنا نحن، وتغذّيها بمستقبلِ شبابنا لا شبابها هي. حديثنا يومها كان طويلاً، طويلاً جدّاً لم أعدْ أذكُره كلّه. لكنني قُلت فيهِ أنّ شعوبنا مُستغلّةٌ في سَبيلِ قَوتِها، وأنّ شبابنا يأخذونَ دروساً إعلاميّة مركّزة في الانحِلالِ ليبتعدوا عمّا يجمعهم بحقٍّ ألا وهوَ الدّين ومن ثمّ العروبة. وأنَّ العصبيّةَ بعدَ أن ألغاها نَبيُّ الإسلامِ عادتْ كما كانت بل وأسوأ. وأننا نتبجّحُ ونفتخرُ بمحمّدٍ، ونحنُ أشدّ الناسِ بُعداً عنهُ وعن مِنهاجه. وأنّنا أكثرُ أنانيّة من عَلقةٍ تَمتصُّ دماءَ مُضيفها.
    طلبَ يومَها منّي أبوممدوح إتمامَ دِراسَتي إن كنتُ أريد إفادةَ وطني فعلاً، فصرختُ كم منَ العلمِ مهدورٌ في بِلادي، وكم مِن تعيسٍ بشهادةٍ عاليةٍ يتعلّمُ حديثاً صُنعة اِصطيادِ الذُباب. هزَّ رأسَهُ وكأنّهُ يئسَ منّي ورحلَ دونَ أن يَنِبس.
    الشيخُ أبوبكري كانَ حالهُ معي أسوأ، إذ كانَ يخطبُ الجُمعة في الناس. كانتِ خِطبتهُ عن المهرِ والزواجِ ومؤخّرِ الصَّداق والنفقة. ضَحكتُ مِنهُ حتّى كِدتُ أقعُ على ظهري. رفعتُ صوتي وسألته: هل تتحدّثُ عن الزواجِ وقد صيّرتهُ عقولكم وأفعالكم شيئاً مقرفاً؟ هلْ تتحدّثُ عن أشياءٍ نحنُ نجهلها، أم نتعمّد الجهلَ بها؟
    أرجوكَ تحدّثْ عن شيءٍ لهُ قيمةٌ أكثر. فالشباب، وخلالَ السنواتِ القادمةِ سيتوقّفُ في ظِلِّ هذه الأحوالِ عن طَلبِ الزّواج، سيلجأ للعرفيّ والمِسيار وكلّ ما خفّ حِملهُ ورخُصَ ثمنهُ لأننا تلقّينا الذلّ تلقيناً فاستطعمناه . ما رأيك إذاً يا شيخ، أن تتحدّثَ عن الجُرأةِ في الحقّ؟ عن عدمِ السّكوتِ عن الظُلم؟ عن حاجتنا لخشية الله؟ عن حاجَتنا للكرامةِ فعلاً.
    أما كان أجدادُنا أعزّ البشر؟ أليسَ لنا من ميراثهم أيّ نصيب؟؟ صرخَ الشيخ يومها: اخرسْ أيّها المعتوه. ما أنتَ إلّا أحمق جاهل. ثمّ، من قالَ لك أنّك عربيّ؟ أوأجدادك عرب؟ أنت مجرّد تركيّ هجين ودخيل!
    ألم تنظر لنفسك أولأبيك؟ لجميع أفراد عائلتك ؟ أنتم لستم عربا ، لذا لا تنتسب لهم غصباً وابتعد عن مسجدي الآن. ضحكتُ ملءَ أشداقي من ثورته، سألتُهُ هل أنتَ شيخٌ حقّاً ؟ ما الذي لا يجعلني عربيّاً ؟ لونُ بَشَرَتي أم لونُ شعري؟ ما الذي يُميّزُ العربَ قُل لي؟ سَمَارَهُم أم شُعورهم السّوداء؟ ما رأيكَ بالأفارقةِ يا شيخي أواللاتينيين؟كلّهم سُمرٌ وعيونهم سوداء، هل هم عربٌ على هذا؟ً قل لي؟ ماتَ جَدّي شهيداً في حربِ العربِ ضدّ المُستعمرِ، وجدُّ جدّي مدفونٌ هُنا. ثُمَّ إنّه لا يعنيكَ أكثرُ من كوني أَشهَدُ أن لا إلهَ إلّا الله وأنَّ مُحمّداً عبدهُ ورسوله، هذا وحده كافٍ ليحْرُم عليك طردي من المسجد.. أدرتُ ظهري وذهبتُ ولم أعُد أذهبُ لذاكَ المسجِدِ أبداً.
    اعتكفتُ في البيتِ والهمُّ يأكلُ في طبقي، عليَّ أن أفعلَ شيئاً ما. لذا قررتُ التطوّعَ في الجيش، وممارسةُ ما أعظُ بِهِ دونَ انتظارٍ لأحد. عِندما قدّمتُ أوراقيَ للالتحاقِ بالجيش، رفضوني؛ الحُجّة أنني ولدٌ وحيدٌ لأمّه. أقسمتُ لهم أنّني وحيدٌ ليس فقط لأمّي، بلْ وحيدٌ جِدّا في هذه الحياة. كلّهم ماتوا حتّى جدّتي التي ربّتني، لبّت نداءَ ربّها مُنذُ عامين. سِخروا مِنّي كأنّني مجنونٌ فعلاً، وعِندما ألحَحتُ في الطلب، شدّني أحدُهم مِن كتفي وألقاني خارجـاً. عُدتُ أجرجرُ قدميّ إلى البيت يتآكلني العذاب.
    حتّى أنّك ترفضُ من يُريد خدمتكَ أيّها الوطن، فقط قل لي لماذا.؟ أيّامٌ أخرى مرّتْ، وأنا لا أعي ماذا سأفعل، تحوّلتُ إلى كائنٍ يستهجن كلّ ما حوله، ونفسه أيضاً.. إلى أن شاهدتُ ذلك القذر يوماً وهويضربها.
    نعم، شاهدتُ بأمّ عيني على شاشة التلفاز أمس، جنديّ يهوديٌّ مُعفّن، يضرِبُ عجوزاً كجدّتي بعقب بندقيّته. طاشَ منّي العقلُ وما عادَ ثاوياً، وألفُ هاجسٍ بدأ يعتمرني.. أخيراً عَرفتُ ماذا سأفعل. لملمتُ أشيائي وأغلقتُ مسكني، وسافرتُ على أوّلِ حافلة. ذاهبٌ أنا لغزّة، حيثُ أعرفُ شخصاً ما كان جارا لنا هنا، ثمّ عاد إلى بلاده. قلتُ لنفسي سأعيشُ كما يعيشون، سأقاتلُ معهم، وسأموتُ إن ماتوا، لا فرق. عِند الحدودِ، صادفتُ الكثيرَ من القذرين، كنت أودّ لوأنّني أحملُ رشّاشاً فأبيدهم، أوأقلّهُ، تمنّيت لوأبْصِق في وجوههم وألعنهم.
    الجوّ كانَ شديدُ الحرارةِ، لكنني كنتُ أرتعشُ كمن يهذي من الحمّى. سألني كَبيرُهم الأقذر: لمَ أنتَ ذاهبٌ هناك؟ قلتُ له أنّ خالةَ والدتي مريضةٌ، وأنني في طريقي لعيادتها. -ألم تجد سوى الآن؟ أخبرته أنّها إجازاتي الصيفيّة، وكما هوظاهر على جوازي، فأنا أعشقُ السفر. رانَ لي قليلاً بعد أن قلّب وثائقي في يده، ختمَ الجواز، ثمّ أدار ظهره وبصق هو..غير مهمّ، المهمّ أن أدخل غزّة. في كلّ شبرٍ، وعند كلّ تقاطع هنالك حاجز. وجوهُ الناسِ قد تؤلم ناظريها، لكنّها بالفعل غيرُ حزينة، منقوشٌ عليها التجلّد والصبر الجميل، الأنفة والشموخ، والتسليم المطلق بنذالتنا – نحن إخوانهم.
    استبدّ بي الحرّ أكثر وأضناني العطش، وأنا أتنقّلُ مِن مكانٍ لآخر، اسْتدلُّ على عُنوانِ مُنذر، ولمّا أجده. وعندما عثرتُ فجأة، عمّن يقودني إليه، وقبلَ حاجزٍ ما بخطواتٍ قليلة..تمثّلَ لي ذاتُ المشهدِ وذاتُ المشاعِرِ المنكوبة.. جُنديّ قَذرٌ أحمق، ينكأُ فتاة في ميعة الصبا، بعقب بندقيّته طالباً منها نَزعَ عباءتِها، مُتذرّعاً بإخفائها شيء ما. لا أدري أهوالحرّ أم العطش، أوحتّى القهر ما أفقدني وعيي..
    إلّا أنّ ما أذكره تماما هوالآتي : أذكرُ أنني توحّشت فجأة ،تركتُ أغراضي كالملسوعِ على الإسفلتِ وانقضضتُ على ذلك المتوحّش، أعملتُ فيه ركلاً وسبّاً لتخليصها، وطبعاً، ما كان لوحده. شيءٌ ما من خلفي هبطَ على رأسي، آلةٌ حادّة. فارَ الدمُ حارّاً مِن رأسي على إثرها.وكأنّ الدم كان وقوداً فأشعلني. تابعتُ الصُّراخَ والركلَ بقوّةٍ أكبرْ، وكيفما طالت يدايَ وحيثما وصلت.
    يا وحوش يا سفلة ، يا قتلة يا مخادعين..أنتم سببُ انهيارنا، أنتم كفّار خرّبتم بلادنـا،لوّثتم عِرضنا يا أقذار البشر، يا شرذمة الخلق.. تحوّلت نافورةُ الدمِ في رأسي لشلّالٍ أغرقني..أيادٍ كثيرة تتنازعني وبعضها يدفعني. كنتُ متألّماً جدّا، ولا زلت أتخبّطُ في الصياح، وأتلقّى الضرب، ورأسي يؤلمني بشدّة.. من وسط الألم والدم، شاهدتُ فجأةً وجهَ جدّتي.. فنسيت الألم أو،غادرني هو. أردتُ أن أقوم فأركض وأحضنها، فقد اشتقتها كثيراً..
    لكنّ وجهها ما كان باسماً كعادته، بل متألّماًً. كنتُ سعيداً جدّا برؤيتها، فما عُدت أشعرُ بِشيء،لا أسمع شيء، ولا أرى إلّاها وسطَ مرجٍ أخضرَ واسعٌ جميل.. أخذت أجري بسرعة لألحقها، خِفتُ أن تختفي. سمعتُ صوتَ بُكائِها ..سألتها أتبكين عليّ، هزّت رأسها بأن نعم..
    ابتسمتُ وقلتُ لها: لا تحزني أبداً عليّ فأنا بخير، أنا لم أعُدْ متألّماً. رجوتُها أن لا تبكي، حتّى وإن كُنتُ سأموت. سألتُها ما هوَ الموت؟ ما هي الحياة؟
    أنا أحيا يا جدّتي ولكنّ في أعماقيَ يقبعُ إنسانٌ ميْت، إنسانٌ حياتُه تُشبه اللاشيء، فارغةٌ حتّى من أيّ شيء، كلّنا هكذا يا جدّتي، كُلّنا..
    لذا، لا تبتئسي بموتي أبداً يا جدّتي، فالموتُ في بلادي، يُشبه الحياة كثيراً.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    متابعات
    مختارات
    متابعات


    المشاركات : 1292
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

     مرايا الظلام  / مي  أسامة Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مرايا الظلام / مي أسامة    مرايا الظلام  / مي  أسامة Icon_minitime01.09.10 5:43

    حقيبة سفر

    مي محمد اسامة

    قاصة سورية



    فركَ يديهِ بعدَ أن ألقى بقايّا لفائفِ الطّعامِ في سلّةٍ قربَ الرصيف، تابعَ سيره ببطءٍ كما بدأهُ، في يدهِ بعضُ حقائبِ التسوّق، و في
    رأسهِ ضجيجٌ عالٍ من تصادمِ أفكار لم يعِ أيّها له الأولويّة بعد.
    صخب السيّاراتِ و البشرِ المتدافعة من حوله لا يَصلُ أذنيه، يُصمّه حالهُ،يكاد يُعميه،لا يخفى تخبّطه عمّن يراه.
    يسيرُ دون غايةٍ أو وِجهة، يعلمُ يقيناً أنّه عائدٌ إلى مكانِ إقامته لكنّ تبيّن الوجهات الآنيّة، أمرٌ لم يعد يشغلهُ أكثر، لعّله سيصل.
    اقتربت الإجازة، و عليه أن يعود إلى أسرته. تداعبه صورة طفليه الصغيرين، ليث و لؤيّ، كم يفتقدهما، يحادثهما يوميّا، يطلبان منه تقريبا كلّ شيء.
    يحدّثانه أحياناً عن الروضة، أطفال الجيران و الألعاب الجديدة. يقولان أنّهما يفتقدانه بشوق كبير، في فؤاده أيضاً يرتع كمّ هائل من الشوق لهما، لكنّه، و بعد عمرٍ مديد الوحدة في بلاد الغربة، اعتاد صداقة وحدته حدّ الألفة.
    سيعودُ الآن إلى بيته، إلى زوجتهِ التي لم يخترها إلّا بدافع النصيب، لكن، و للإنصاف،يعترف أنّها امرأة جيّدة، فيها كلّ مواصفات الزوجة – المثال.
    صحيحٌ أنّها لم تحاولِ الولوجَ لحظةً إلى عقله أو قلبه أو حتّى التفكّر بسؤال ما يدعى " ماذا تحبّ أو تشعر". معاملته كإنسان قبل أن يكون رجلاً – زوجاً – أباً.
    إلّا أنها ارتضته رغم علمها بسفره الطويل و غيابه المتكرر عنها، وقبلت أيضاً بالعيش مع والدته و شقيقاته في منزل واحد، و ليس ذلك لضيق ذات اليدّ، إنّما لأنّه رجل البيت بعد وفاة والده و هجرة أخيه الأكبر نهائيّا عن البلد.
    وقف أمام واجهةٍ برّاقة، يظنّ من يطالعه، أنّه يرهقها تنقيباً، لكنّ عينيه تعملان في مكان، و دماغه في مكان آخر منفصلٌ تماماً.
    بعد غدٍ تبدأ الإجازة، الكلّ من حوله سعداء يتسوّقون ، يختارون الهدايا الأفضل للتعبير عن شوقهم للأهل و الأحباب، للتعويض عن طول مدّة الغياب،لإيجاد مكان في قلوبهم بعد أن تعفّرت صور وجوههم بغبار النسيان.
    و إنّه لسعيدٌ أيضا، لكنّ شغاف قلبه تنبض بغرابة لم يعهدها ،القلق استحلّ المساحة العُظمى من قلبه..
    سيعود إلى بيته. حيث ليس بإمكانه ممارسة وحدته أكثر، حيث لن يحظى بمساحة تنتمي له وحده، فكلّ أمكنته هناك، مستباحة، حتّى سريره، هنالك من يشاركه فيه.
    لا مكان لأشيائه كي تحظى بحرّيتها، و حرّيته هوَ في الكشف عنها أو إبقائها طيّ الخفاء.
    أوراقه و القصاصات الكثيرة، كتبه، اسطوانات موسيقاه، أفلامه المفضّلة، ملفّات بحوثه و ألبومات صوره، كلّها هنا تحظى بمكانٍ لائق، مرتّب منظّم، ليس مشاعاً لأحد و لا حتّى لزميله في السكن.
    كلّها، بأماكنها تنتمي له، "ملكه " للأعماق لا يطّلع عليها إلّاه.
    و حين السفر، يصطحب من متعلّقاته الشخصيّة ما يحتاج، يضعها في حقيبة جلديّة منفصلة عن حقائب الملابس و بقيّة حقائب الهدايا، تأخذه الحيرة حين وصوله في كيفيّة إخفاءها عن المترصّدين.
    فالدواليب في غرفته مشتَركةٌ مع زوجته، و مشترَكة كلمة جيّدة إذا ما جاء لواقع أنّ دولابه، وبحكم غيابه شبه الدائم،محتلّ من قبلها –زوجته- و من أطفاله أيضا.
    لذا دائما ما يبقي الحقيبة – الذات، مغلقةٌ بقفلٍ أو كلمة سرّ، يضعها كما هي إمّا داخل خزانة، أو على الأرض قريباً من السرير.
    و غالباً ما تخيّل أنّ ذاته، و وجوده هناك في بيته الخاصّ، كامنٌ في تلك الحقيبة، و أنّها مصيره. سيغلقها يوما – بعد انتهاء فترة مشاعيّته – و يعود بها إلى حيث ينتمي- تنتمي.
    و كأنّ انتماءه أصلاً لم يكن هناك مطلقاً. كأنّه لم ينتمِ يوماً إلّا لذاته القابعة داخل الحقيبة!
    قهقهةٌ مدويّة تدهمه فجأة، و كأنّها تصدر عن غيره، تباغته. تدير رؤوس الناس من حوله إليه..
    ما أتفه الإنسان، أينَما حلّ أو ارتحل،لا يسكن حقّا إلّا نفسه، يتعلّق بها لدرجة الجنون ثمّ، يتحدّث عن الإيثار و المشاركة..
    أيّ مشاركةٍ و هو الحريص كلّ الحرص على ذاته، من أن تنالها و لو قليلاً، عيونُ الآخر و إن كان من لحمه و دمه ؟
    أيّ مشاركةٍ و المحورُ في داخله، لا يدور إلّا من حوله دون أن يشعر ؟
    على أيّ معنى و بناءً على ماذا يطلق اسم "شريك حياة " ؟
    بماذا يشاركك ؟
    بعدّ أيام الحياة المنقضية تباعا،و إطلاق أسماء عليها و حصرها في تواريخ قد لا يعنيك قدومها أو رحيلها و تكرارها ؟
    بأفعالٍ تراها بعينك و يراها بعينه، و لها في الذاكرة سجلّات مختلفة؟
    أم بإشغالك حتّى الملل بطعامٍ و شراب و زيارات و مصاريف ؟
    أهكذا هي المشاركة ؟
    أهذه هي الحياة..؟
    ماذا تقرب هذه الحياة لإنسانيّتك؟
    ؟
    ربّما – قال لنفسه – كان الخطأ فيّ، فأنا عشت غريباً طوال عمري، تارة بين أهلي و طوراً أعيش معنى الغربة الحقيقيّ، لذا تعلّمت أن لا أبوح بفكرة واتتني أو حزن غمرني، أو حتّى إظهار مشاعري لغير مرآتي..
    أنا إنسان ضنين بالمشاركة، فلم ألوم الغير؟
    رمق ببصره المسافة أمامه، مليئة كانت بالبشر، تخايلهم أشباحاً، وجوها سيراها في عمره مرّة تمرّ من أمامه دون أثر..ولكنّهم..حقّاً بشر!
    عاود انغلاقه و ترتيل أفكاره..
    الإنسان منّا لغزٌ مضحك، سرّ عصيّ يستتر خلف حوائط لا تشبهه، أمانٍ يناظرها لتعطيه قيمة أمام غيره. بينما يرقد هو ذاته في جلده، يقيس الدنيا على هواه و يرتضيها أو.. يأمل فيعلنها!
    تابع سيره بنفس البطء، بخطى أثقلتها هلوسات أحاديثه الأخيرة..
    أنا و ذاتي في حقيبة، جميلة هذه الفكرة، هل حيث أرحل تذهب الحقيبة أم العكس كما يبدو أصحّ ؟
    هل قيمتي تكمن في أشيائي التي أحبّها، تعنيني كجزء من ذاتي، أم أنّ قيمتها تكمن في حبّي لها ؟
    ما هي هذه الأشياء أصلاً حتّى حازت محبّتي ؟
    هل هي صنعتني أم أنا من صنعها ؟
    أم لأنّها "ملكي" ؟
    و أصلا.. من أنا ؟
    ما هي هذي الحياة كلّها بأحمالها وذاكرتها و سجلّاتها و حتّى أشيائنا الأثيرة ؟
    هزّ رأسه كمن وقع في شرك أسئلة لا منجى لها.. لا جواب لها ، و لا نهاية أيضاً..أحسّ بثقل ما يحمله في يده..و كأنّه تذكّر للتوّ..فروحه تلبّست فجأة بحملٍ غريب..
    وضع الحقائب من يده على الرصيف، مسح براحتيه بقايا دمع تغرغر في مقلتيه، لا حزنا كما أقنع ذاته، إنّما من القهقهة التي كادت تخنقه.
    عاود حمل ما ترك و أسرع خطاه هذه المرّة، ليبلغ البيت، لم يعد أمامه متّسع من الزمن، أزف الوقت و عليه أن يجهّز الحقيبة.
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
    متابعات
    مختارات
    متابعات


    المشاركات : 1292
    . : ملتقى نور المصباح الثقافي

     مرايا الظلام  / مي  أسامة Empty
    مُساهمةموضوع: رد: مرايا الظلام / مي أسامة    مرايا الظلام  / مي  أسامة Icon_minitime01.09.10 5:45

    بداية لا تشبه الأمس




    مي محمد اسامة

    قاصة سورية



    التواصل، الكلام وكيفيّة التعبير عن أنفسنا، شيء نبدأ تعلّمه في وقت مبكّر جداً من هذي الحياة، منذ نعومة أظفارنا، والمفارقة في الأمر، أننا كلّما كبرنا وأجدنا الكثير من المفردات، تضاءلت قدرتنا تدريجيّا على إيجاد ما نقوله، حتّى قدرتنا على طلب ما نريده حقّا.
    ذلك المساء، وعند عودتي إلى المنزل، لم ألتفت كثيرا لحديث أعينهم. رغبتي في عدم التلفّظ بشيء أنهكتني. حاولتُ تجاوزُهم في المجلس بحثِّ الخُطى، ليأتي صوت أمّي المنهك بالأسى خلفي:
    كيف أصبحت يا محمّد؟أشغلتَ خاطري عليكَ يا ضوءَ عيني. .
    بخير. . بخير. . مع همهماتٍ متلاحقة، أغلقتُ باب غرفتي، صومعتي كما يحلو لشقيقاتي مناداتها، خلفي. أسندتـُه بظهري ملتقطاً أنفاسي المتلاحقة الصادرة من أعماقي، نفثاتُ نيرانٍ لا أنفكّ أُخمدها، لتشتعلَ من جديد. .
    أجلتُ ناظري في غرفتي، نظيفةٌ كما دائماً، جديدةٌ أيضاً كما دائماً.
    تسحقني مراراً فكرة عدم التآلف مع الأشياء، عدم استمرارها معي في العيش طويلاً بدعوى «القِدم» فأنا أوّلاً وأخيرا «جديدهم الغالي»!
    وعلى هذا فقد أفردوا لي طريقاً ممهّداً لدرجة الغثيان، طريّ حدّ القرف. .
    أورثني «طريقهم» لي، الكثير من العلل، أوصلني للسقم أخيراً. .
    أتحسسُ ظرفَ الدواء القابع في جيبي، جولةٌ حول العالم، بدقّة أكثر، حول أطبّاء العالم مع حقيبةٍ مليئة بصورٍ وتحاليل دون جدوى، حتّى أسئلتهم وعلاجاتهم لم تكن ذات جدوى هي الأخرى: صداعٌ نصفيّ سيلازمني لحتفي، متصاحباً مع هذه المسكنات التي تقتلني، ليس من عدم جدواها فقط، إنّما مع آثار التعاطي التي تُدخلني في حالاتٍ كهذه. أتمنّى لو أقذفُ به بعيداً، لو أستطيعُ الصراخ دون توقف، لو تشفق دمعتي عليّ من ذاتي فتغادرني.
    سِرتُ صوب النافذة المغلقة، ثمّة ذبابة تحاول اقتحام الزجاج، تناطحه بعنادٍ أخرق، ذبابة حمقاء كمعظم البشر، ممن يحاولون مقايضة ما يألفون أو ما لديهم. . بما يجهلون أو لا يملكون على مبدأ كلّ ممنوع مرغوب. . حتّى لو خسروا جرّاء هذا. . حياتهم.
    يوقظني من فكرتي صوت جوّالي المبحوح، أنقضّ عليه لأكتم خَرقَه، لأخرسه وأرميه بعيدا عنّي، فراشي الواسع شديد البرودة، المزيّن بوسائد ريشٍِ زرقاء مذهّبة، تغريني بدفن رأسي لأبكي، لولا الصقيع الذي يلازمني.
    لا أريد دخول دوّامة الأمس، أوجاعي تأنّ في صدري كنبضٍ منتظم.
    أذرعُ الغرفة جيئة وذهاباً، أرفع رأسي للسماء، ألقي نظرة على وجهي في مرآتي اللامعة، تلك التي لا تعرفني أبدا.
    أتهيّأ لمعاودة الخروج، أصطدم بفكرة "أمّي " التي تنتظرني خارجاً، غارقة في الأسى.
    أمّي التي وهبتني الحياة بعد خوفٍ مرير من سيف طلاقٍ مرفوعٍ فوق رأسها، بدعوى خمسة من البنات أنجبتهم لزوجها\جلّادها.
    جئتُها سادساً، معلناً انتصارها الدامي على الشبحِ الذي أرقها، حاملا الخلودَ كما يُعتقد، لذكورةٍ لا تشبه الرجولةَ في شيء، إلا في كومةِ شعيرات تحتلّ الوجه والجسد، وبعض من غُلظة تغلّف الصوت والروح.
    أمّي، تلك الأنثى المرهقة رغم الثراء الذي تعيش فيه، الحزينة رغم احتفاظها بقلب زوجها و اسمه. هل أنظر في وجهها؟
    هل أقدر. . ؟
    تتعثّر خطواتي قليلاً، تُجزِمُ أنني عاجز عن البقاء ساكناً، وأنني إذا بقيت، ألف صوتٍ سيتوثّب خارجاً منّي.
    أسرعت بالخروج من الصومعة، لا تزال أمّي في ذات المكان بذات النظرة الكسيرة.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] محمّد يا نور عيني. . لا تزد عذابي يا غالي. . تعال إليّ. .

    حسم قلبي الجدال واقتربت، لم أجرؤ على النظر في عينيها، وزّعت نظراتي بعيداً، أمْسكتْ يدي بين يديها، حرارةُ عاطفٍة بدأت تسري كالكهرباء، رجفةٌ احتلّت أوصالي، وصلتْ إلى أعماقي بذاتِ السكون الذي أتصنّعه.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] عبير. . هاتي العصير الذي أوصى به الطبيب.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لا لا أريد.
    قفزت كالملسوعِ من خَشية الأذى، أدرتُ القفل بلحظة، لفحةٌ من الهواء البارد استقبلتني. . رذاذ قطرات الطلّ الربيعيّة.
    عبير؟ ضحيّة أبي، مثلنا جميعا. هي وحدها من أحبّ من بناته، أو هكذا ادّعى. لبّى لها كلّ رغباتها، وهبها ما تمنّت طوال حياتها، ميّزها في العلم والمال وحتّى المصروف عن باقي أخواتها، صباح سعاد وحتّى جميلة، تلك الجميلة حقّا. أتعبَ والدي جمالها حتّى تخلّص منها بتزويجها في السابعة عشرة.
    أمّا عبير، فقد عاشت في الحُلمِ حقّا. تنقّلت من رفاهيّة بيتنا لبيتٍ أكثر رفاهيّة، بيت ابن عمّي، زوجها، في المدينة المجاورة.
    والدي و بطريقته الملحّة، أقنعها بأنّها لن تخسر شيئا لتنالَ رضاه كما أرضاها، بل ستربح الشيء الكثير وستعيش كما عاشت وأكثر، وأنّ عبد الله ابن أخيه سيكرمها لنسبها وجمالها وعلمها.
    صدّقت المسكينة الكذبة، وفي ليلة مثل ليالي الأساطيرِ رحلت، لتعود ليلاً أيضا، بعد ثلاثة أشهر كاملة كسيرة النفس، والجسد، من أثر ضرب زوجها السكّير المقامر.
    أخذت نفساً عميقا لأصحو من ضرب الذكريات على دماغي، على غير هدىً قادتني خطواتي، إلى لا مكان، خَطر مازن على بالي، تأتيني ذِكراه كلّ ذاتِ حالة كهذه. رحلَ منذُ أعوام. لم تحتمل صباح فكرة القُرب من الجلّاد (أبي)، الذي حاربهما طويلا حين أرادا الزواج. مع أنّ صباح ذات أخلاق مثاليّة. على الأقلّ في نظر الجميع، إلّا أنّه أراد هندسة حياتها كيف يشاء.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لكنّها حياتي يا أبي، وأنا موافقة.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إنّه فقير لا يمِلك قشّة.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] معه علمٌ وإيمان وثقةٌ بنفسه، هذا ما يعنيني، ثمّ. . لا نستطيعُ شراءَ السعادةِ بالمالِ يا أبي. .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بالطّبع نستطيع. . المالُ يشتري كلّ شيء، هذه العبارة كِذبةٌ نخبرها الفقراء فتبقيهم بعيداً عنّا. بعد زواجِهما على مضضٍ من الجلّاد، غادرا إلى استراليا. . اشتقتُ لهما كثيراً جدّا. . . . . . . . . . . . . . . . . .

    وصلتُ إلى الجسرِ حيث وقفت. غالبا ما يتراءى لنا الأمس كتيّار ماءٍ يجري تحت جسرٍ كهذا، تيّارٌ نلقمه أخطاءنا، أحلامنا الضائعة، حبّنا الغبيّ أيّام المراهقة، الرغبات التي أسقطنا وجودها والفرص التي لاحت لنا مرّات ولم نحسن التقاطها، معتقدين برميها خلاصنا وراحتنا. لكن عاجلا أو آجلا، سيرتدّ هذا التيّار المُترع بأحمالنا إلى صدورنا، عند أدنى تذكِرة، أو وميضِ أمسٍ يعترينا، أشعلتُ سيجارتي أتعلل بها السلوى، أنفثُ دخانها لهيبَ صدري. . صوتُ أغانٍ تصدح من بعيد، تصيبني بالضجر كالعادة. . . أتابعُ سيلَ أقدامي وأفكاري.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لم أنا هكذا؟هل هي موروثات جينيّة أم موروثات تربويّة؟ تمنّيت دائما في سرّي أن أشعُر كالآخرين، أن أغضبَ حتّى مثلهم، أن أحزنَ بصوتٍ مرتفع دون أن أنكفئ على داخلي، أن أبكي على نفسي كما تنزل دمعتي على غيري. حتّى أنّي تمنّيت فعلاً أن أقع في الحبّ، أن أجيد التحدّث عنه كما يتحدّث عنه الجميع. يسخرُ بعض أصدقائي من برودي، بعضهم يُشعرني بحسده، على تعاملي اللا مبالي مع كلّ شيءٍ حولي، على قبولي الأعمى لكلّ طعنات الحياة دون تأثيرٍ يذكر.
    تلتمعُ أضواءٌ بعيدة في عيني، زاهيةٌ غسلها ماءُ المطر الرقيق، اجتهد في الاقتراب منها. ( باليه ) المقهى الصغير على زاوية الشارع، غارقٌ بأبخرة هذا المساء البارد. ادفعُ الباب، رنّة صغيرة للباب رافقت دخولي، بعض أبصارِ الجالسين حاصرتني، روائح دخان عميقة رحبّت بي في المكان، قليل من الدفء أيضا. على طاولةٍ قريبة من النافذة، وحدي جلست، كوبَ قهوة زكيّ الرائحة تتصاعدُ منه الأبخرة أمامي. أقلّب الوجوه المحيطة بي في محاولة لرسم بعضٍ من حكاياتهم كعادتي.
    سألتني صباح مرّة، وهي تُعدّني ليومي الأوّل في المدرسة: ماذا تريد أن تمتهن حين تكبر بإذن الله يا حبيبي؟ أجبتها: سائق سيّارة. . ضحكت ملء أشداقها: سائق؟ مثل عمّ وهيب؟ قلت لها: أريد أن يصبح عندي سيّارة لأقودها. . ! بعد سنوات ستّ في تعلّم القراءة والكتابة، عاودتُ الإجابة: سأصبح كاتبا قصصيّا، سأكتبُ قصصاً لا يموتُ فيها أحد، ولا يتألّم فيها أحد.
    الجانبُ المظلمُ من الأشياءِ لا يُعجبني، قصصي لن يكون فيها ظلمٌ ولا مشقّة، ولا حبيب يهجر حبيبته أو يموت في النهاية.
    أرتشفُ القهوة قبل أن أُشعل لفافة أخرى. المقهى المكتظّ بروّاده يشغلني قليلاً عن يأسي، وجوهٌ تبتسم، لعلّها سعيدة، أو ربّما تدّعي السعادة لتقمعَ فضولَ الآخرين لا أكثر. وجوهٌ غارقة في الثرثرة تلوكُ ألسنتها الكلام والطعام معاً. وجوهٌ أخرى ترتدي الصمت تحلّق في البعيد. أغاني متقطّعة هادئة تلفّ المكان، شاشةٌ كبيرةٌ معلّقة لا صلةَ بينَ ما تعرضهُ وبين أصواتِ الأغاني، مجرّدُ جذبٍ للأنظار. الليل الذي يزورنا مبكّرا في مثل هذا الوقت من العام.
    عود لفنجاني ولفافتي الثالثة، أحدّثهما كما لم أتحدّث من قبل، سنيني باتت حبالاً تلتفّ حول عنقي، أيّامي تستشعر الخواء كثيراً، وروحي ضاقت بها نفسي.
    معاودة الصداع تقودني للجنون، لابتلاع حبّات لا أريد ابتلاعها، لا أحسَبها مسكّنات أبداً، أخبرتُ الطبيبَ الليلة الفائتة بهذا، أخبرته أنّي اعتقدها شظايا زجاج ابتلعها لتشرخ روحي، يؤلمني مفعولها بعد نوبة الصداع أكثر مما يقتلني الوجع.
    أطلب فنجاناً آخر من نادلٍ يتصنّع الابتسام، في عينيه بعضٌ من الرثاء على وحدتي، أتراني استحقّ الرثاء؟ . . . طفولتي. . . كانت جميلة حقّاً. كنتُ وسمير نفعل كلّ ما لا يُفترض بنا فعله، نخرق كلّ حدّ مستطاع. حتّى في المدرسة، لم أكن طالبا مجدّا أبداً، بل ربّما كنت أقلّ الجميع إحساساً بالمسؤوليّة، أمارسُ ما يحلو لي متى بدا لي، مع هذا لم يشتكِ منّي أحد من المدرّسين، ليس لأنني ابن فلان، إنّما لأنني على حدّ قولهم لم أقلل احترام أيّ منهم، وكنت ذكيّا لحدّ ٍأحبوه، وعلى هذا مضت سنين دراستي على خير.
    في الجامعة اختلف الكلام، كنت أحبّذ الدراسة في جامعة بعيدة، بيروت مثلا أو حتّى دمشق، ربّما كي أكفّ عن الحياة " مُسبقة التخطيط".
    أريد دراسة التجارة والاقتصاد، هذا الفرع غير متواجد هنا في حمص. أريدك مهندساً، مدنيّا أو كهربائيّا، أو حتّى بإمكانك دراسة هندسة البترول \ بترو كيمياء. لا أهوى هكذا أشياء، أريدُ دراسة الاقتصاد.
    هل تتخلّى عنّي وعن أسرتك؟ أنت وحيدي، لن تذهب من هنا.
    وبعد عبور الأمنية كسحابة تبشّر بأمل، نفختها أناملُ الريح بعيداً فجأة، بتوصية وإصرارٍ من أبي. .
    كنت رغم كلّ شيء ولداً مطيعا، أسعى لإرضائه ما استطعت. أبي، ذاك الذي لم يكتفِ قطّ بعمله المرهق الذي يستغرق نهاره، بل تجاوزه إلى ممارسة هوايته المفضّلة، القمع.
    القمع، إمساك خيوط الدمى من حوله، وتحريكها كيف يشاء. أمّي، أخواتي، موظّفيه، وصولاً إليّ بدعوى الحبّ والاهتمام. بدعوى الحبّ ولاهتمام يحرمني من قراري، من ميولي التي أحبّ متعللا تجنيبي الأخطاء والحُزن، لم يدر بخلده قطّ أنّ الأخطاء ربّما هي من تصنع حياتنا وأنني بحاجة لتعلّم الحياة من منطلقي أنا لا من منطلقه وأنّ الأحزان تصقل القلب وتجلي الروح. أبرر له أفعاله دائما، وأعزو ضعف أمّي أمامه لحبّها له، أما ضعفي، إن لم يكن ورثة أمّي لي، فهو محاولتي الواهنة في تلبّس الطاعة حبّا بالله.
    . . . أضعُ النقود على الطاولة، استعدّ للبردِ خارجاً، ألتحفُ همّي وأعاود المسير، عشوائيّا كما خرجتُ أوّلا. هل أعودُ إلى المنزل؟ لازال الحبل يخنقُ أنفاسي، كأنّي هارب منهم، من كلّ من حولي، وأنا الهاربُ من نفسي. في طرقات وطأتها أقدامي كثيرا، طرقات لم أطأها من قبل، قادتني خطواتي المتعثّرة، غارقُ في اجترارِ أمسٍ بعيد إلى ذاتِ الجسر، ومشهد التيّار الرهيب.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] محمّد تلك الفتاة تناظرك. . يشيرُ مازن مطلقاً ضحكة خبيثة.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] طبعا تناظرني، فأنا أكثركم وسامة وجاذبيّة. .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أنت أجملنا سيّارة فقط يا مغفّل. .

    مازن -الذي يكبرنا بكثير من الأعوام، اضطراره للعمل وتفويت الجامعة، أرجعه إلينا. سمير وماجدٌ وأنا، وأروع أيّام جامعة قضيتها في حياتي. رغم بعض الكدر الذي رافق بدايتنا مع المحيط هناك. من المفترض أننا نضجنا، النضوج في مفهوم معظمهم يحتوي العديد من الرذالة الأخلاقيّة، شُرب، أحزاب، فتيات و تفاهات أخرى تصل أحيانا إلى المقامرة. لم يكن يعنينا أيّ من هذه الأمور، لا الشرب ولا حتّى الفتيات وإن كان تحت ستار الحبّ كما يدّعون. وأنا شخصيّا، كما يعرف سمير والبقيّة، لا تهمّني أيّ فتاة تناظرني، بل أكره من تقع في حبّي. دائماً ما رمقتُ في عين من يحبّ ضعفٌ أمقته، بالفعل أمر غريب حين أمعنه تفكيراً، لكنّه أنا وعليّ قبول ذلك.
    حين أمعنه تفكيراً، لكنّه أنا وعليّ قبول ذلك.
    أكره ضعفنا أمام من نحبّ، إحساسنا الداخليّ أننا ضعفاء و به نقوى، أكره حاجتنا له، فأنا قويّ كما أنا لا أحتاج أحداً.
    سبع سنواتٍ في دراسة هندسة الكهرباء، تلك التي تستغرق فقط خمسة، لكننا كنّا سعداء، لم نكن نريدُ لهذه الأيّام أن تنتهي. . أو ربّما هو القدرُ الذي أبقاني هناك لأعرفها.
    كنّا في السنة الأخيرة، نزور الجامعة فقط كي نلتقي لا لشيء آخر، لتذوّق إحساسنا كطلبة مع موادٍ قليلة تفصلنا عن التخرّج، كحلمٍ لا نريد له نهاية.
    في يومٍ ربيعيّ، أشهرٌ قليلة قبل الامتحان، صادفتها. لم يلفتني أبدا جمالها ولا مظاهر العزّ أو الأبهة التي تشرق في محيّاها، ما أثار إعجابي فعلا هو أنّها لم ترني، أو ربّما رأتني وتجاهلتني كأنني لم أكن. غرقت في تأمّل تلك الثقة التي تلفّها، كيف لم أدركها طوال تلك السنوات، الكبرياء الذي يسكن عينيها البنيّتان، لا مبالاتها بكلّ من حولها أسرتني. صحوت على سخرّية بدأها الشباب، ضحكت معهم ولا زالت نظراتي معها. حبّ؟ لا ليس حبّاً، من يعتقد بإمكانيّة الوقوع في الحبّ من النظرة الأولى، غبيّ. القبولُ هو صنو الخطوة الأولى، و الاعتقادُ بإمكانيّة الحبّ. الحبّ أكبر من مجرّد نظرة.
    تنتابني القشعريرة فجأة، أُحسّ بالبرد الآن، لم تعد ركبتاي تقوى على حملي، استدرت لأسير في الاتجاه الآخر، علّني أحظى بمقعد أو مكان مشرع الأبواب ينتظرني.
    لم تكن خطأً في حياتي، فأنا المخطئ هنا، باستطاعتي أن أختار لوم الظروف، القدر، أبي أو الناس من حولي، وباستطاعتي أيضا مسامحة نفسي على ما حدث لأنّ هذه الحياة تنتمي لي. كان قراري بيدي، أنا المُلام الوحيد. أنظرُ إلى ساعتي، تتعانقُ عقاربها على الحادية عشرة، صمتٌ و حُلكة ظلام، وشلّال أمس يخطِف أنفاسي.
    لن أدّعي أنني لم أنم ليلتها، إنّما فعلاً تبلبلَ خاطري، ربّما هي تلك الصورة التي يحتفظ بها جميعنا في أعماقه، الخيال الذي مجرّد مصادفته تفتحُ عليك أبوابا لا حصرَ لها، أمانٍ لا نهاية لها وإمكانيّة سعادة غريبة. في اليوم التالي تأنّقت أكثر، وضعت من كلّ عطر أمتلك، حلقت ذقني سألت أمّي مراراً كيف أبدو، لمعة عينيها الضاحكتين أنّها كشفتني حكاية أخرى. ذهبت مبكّراً جدّا كأنني المتفوّق الوحيد في هذا العالم وأنّ اليوم هو فيصل النجاح. سخرية أصدقائي لا غنى عنها طبعا، لكن ما كان في داخلي فقط هو مجرّد شوق لأراها مجدّدا، لأعرف ماهيّة ما أشعر لأتأكّد من أنّها موجودة –حقيقة. و الملل الذي انتابني لطول ساعات الانتظار، لازال مضرب المثل بين أصحابي، فلم تظهر إلّا في الثانية عشرة. ورغم وقوفي في طريقها مثل "المخبول" إلّا أنّها ومجددا، لم ترني. سخريّة الأصدقاء الحقيقيين في مثل هكذا مواقف تنقلب شفقة، حاولوا إبهاجي، تشتيت تركيزي ومن ثمّ محاولة التحرّش بها. لكنّها في الداخل. خطر لماجد فكرة البحث عن سيّارتها التي نزلت منها أمس و سؤال السائق عنها، أرسلنا مازن بدلاً منه لمكالمة السائق، مع فنجان قهوة وعلبة سجائر و بعد أن نعتنا بالبرجوازيّة ونعتناه بالشيوعيّة امتثلَ وأمره لخالقه.
    لينا، هذا هو اسمها، طالبة في السنة الأولى مدني. عِرف سميرٌ والدها، من معارف والده، كلام كثير قيلَ عنهم، ما تثبتت منه هو الآتي: بيئتها غريبة.
    عندما ساورني الشكّ اتجاه هذه العبارة وسألتُ أكثر: والدها رجل متحرّرُ الفكرِ، واسع الأفُق، ربّى أولاده على المساواةِ الفكريّة والحريّة بين أبناءه وبناته، و تعليمهم الاعتماد على أنفسهم في صنع قراراتهم رغم غناه ونفوذه.
    أهذا أمر يستحقّ وصفه بالغريب؟ أن يعتقدَ الإنسانُ أن حياةَ غيره وإن كان من صُلبه، حياةٌ قد تعتمد عليه في البداية، لكنّ هذا الاعتماد، لا يخوّله الحقّ بتملّكها في النهاية فهي ليست حياته، أمرٌ هو الواقع المطلوب، لا الغريب.
    بقدرِ ما أدهشني تعليقاتهم، بقدر ما وثقت أنّها المطلوبة. عشرةُ أيّام بعدها وأنا أعترِضُ طريقها، عشرةُ أيّام وأنا أحاول فقط لفتَ انتباهها. المضحك أنّها رمقتني ببعض النظرات، فسّرها لي الشباب كالآتي: أحمق، معتوه، أحمق !
    ما أجمل حمق تلك الأيّام، كيف طاوعتني ذاكرتي على خيانتها؟
    وصلت صوبَ البيت، رمقتُ النوافذ، الأضواءُ الخافتةُ دلّتني على نومهم. أفتحُ البابَ بهدوءِ سارقٍ آثم، نظرات سريعة أطمئنّ فراغَ المكان، أنسلّ على مهل. أقفلتُ صومعتي دونهم، تمددت على فراشي ولا زلت لاهثاً، رغم أنّ رائحة حزني تعطّرت بذكراها.
    بعد أيّام العتهِ العشرة، وقفتُ جازما على التحدّث معها. صفعتني شمسُ الربيع كجزاء لجرأتي، ولكنني بقيت منتظراً. .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لماذا تبتسمين كثيراً وحين ترمقني نظراتك، تكفّهرين؟ وقفتْ مثل البلهاء، التفتت حولها مذهولة: أتخاطبني؟
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أعتقد هذا. .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هل أعرفك؟
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لا إنّما أريد التعرّف إليك. . .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] حسناً، قُلتَ تُريد؟

    أومأت برأسي أن نعم.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أنا لا أريد. شكرا.

    سارتُ وتركتني كالمعتوه فعلاً. .
    بعد محاولاتٍ عديدةٍ عقيمةٍ أخرى، حَدث وصادفتها في مقصف الجامعة تقرأ كتاباً، توجّهت مباشرةً إليها، فقد التبستني صفة مغفّل وانتهى الموضوع، جلستُ قبالتها:
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] اسمي محمّد الأدهم عمري خمسة وعشرون عاماً، السنةُ الأخيرة كهرباء.

    منذُ شهرٍ وأنا أحاولُ التعرّف بك وأجابهُ بالرفض، لستُ من الشباب العابث أبداً، بإمكانك التأكّد من ذلك، أنا فقط أودّ أن أعرفك أكثر.
    بنفس البلاهة الباردة، مع نظرة ثاقبة هذه المرّة، أجابتني: حسناً، اختصر.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لا أدري كيف ولماذا صُعقت بردّها، لكنني استدركتُ الموقف بسرعة: أريد اقتراض بعض النقود. . سيارتي ينقصها البنزين وأصدقائي جياع يطلبون طعاماً وأمّي ستضربني إن أضعتُ ثمن الخبز وأنا جائعٌ أيضا وأبحث عمّن يتوسّط عند المدرّس لإنجاحي في المادة و. . . . . بعد موجة الضحك تلك، تحدّثنا كثيراً وكثيرا جدّا، عن أبيها، إخوتها عن دراستها التي اختارتها عن سابق رغبةٍ منها، عن قصص أجاثا كريستي و فورستر، كتب جبران وقصائدَ سيدني عن الطعام والسفر.
    ثلاثُ ساعاتٍ ونصف اختصرت حياة كاملة، لم أشعر بمرورها، وددت لو بقينا هكذا أكثر، لأتعمّق فيها أكثر، قد لا تشبهني بالفعل، لكنّ هذا لا يعنيني، ما يعنيني أنّ داخلها ينتمي إليّ. الرّقة التي تخفيها تحت ستار قوّتها، آسرة، عدا عن فكرها الثاقب وجمالها أيضا. كم من الساعات بعد أن غادرتْ، بقيتُ لم أتكلّم فيها لا أعرف. كأنّها أخذت كلماتي منّي، وبقيتُ خلفها كالطفل يتلمّس ملامح وجهٍ غريبٍ لأوّل مرّة. بدأ الغمز واللمز، والسخريّة منّي، الشباب اتخذوني "سُخريّا". سميرٌ، من ضمنهم، هذا الذي يحبّ ابنة الجيران، دائما ما يتفاخر بأنّه يحبُّ " حبّاً مثاليّا "، أنا لست مثله، لا أؤمن بالحبّ الكامل، الحبّ المثالي الذي لا تشوبه شائبة، ولكنّي أعتقد بوجود نوع من الأشخاص يرتبطونَ معاً بشكلٍ يصعُب تفسيره ويصعب أيضاً فصمه.
    شهوري النهائيّة في الجامعة، كانت الشهور التي شكّلت حياتي بوجهها الحالي، القبيح. عشت للأعماق، حلاوة ترقّب اليوم الآتي، الاستعداد وتحضير الكلام، استعدادي الخفيّ غير المقصود، كما كلّ البشر، لارتداء الوجه المثالي أمام من نحبّ، علّة بشرية مبتذلة ولعبة نمارسها بقناعة الحمقى، لم أعاني معها منها، كلماتٌ مثل أكره ولا أريد ولا يعجبني، تتكرر دائما، لم تحاول أبداً خداعي، ولا تدّعي حبّ الشيء إذا لم تحبّه فعلاً، كانت في قمّة الوضوح، وكنتُ في قمّة الغباء. أعتقد أنني أحببتها بل أكثر، شُغفت بها هي كما هي بكلّ ما تكره وجلّ ما تحبّ، بطريقتها البسيطة في التعاطي مع الأشياء، بحزمها الذي كان ينقصني منه الكثير. أخبرتُ أمّي عنها، أخبرت صباح وسعاد وعبير، حتّى الشغالة أخبرتها عن عزمي الزواج بعد التخرّج. فصّلت الحُلم واخترتُ ألوانه، وبدأت بحياكته في الهواء.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] اِبنةُ مـَنْ؟
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] منير الراوي.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أ أحمق أنت أم تدّعي الحماقة؟
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] . . . . . .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] منير الراوي صاحبُ العائلةِ التي لا تهاب أحداً؟ بناته من أكثر بناتِ البلد قوّة وشكيمة، هل تريدُ الزواج بمن تسحقك؟ بمن تصيغ كلامها أوامر و نواهي؟

    أنت لا تحتاجها، أنت تحتاج لفتاةٍ مطيعة تلبّي كل طلباتك وهي صامتة فأنت وحيدي.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لا أريد ما تريده يا أبي، أريد الزواج بلينا و أظنّها تريدني. . ومن ثمّ لينا قويّة الشخصيّة لا قويّة عضلات أو سيّئة أخلاق.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الموضوع هو ذاته، شخصيّتها هي لسانها لا عضلاتها يا غبيّ، ستتحكّم فيك حتى تحرمك من شخصيّتك أنت وتصبح أنت و كلّ عائلتك التي تحبّك، لعبتها.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أنت تبالغُ يا أبي.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لا لست أبالغ، لن نتخذها لك زوجة، كلامنا انتهى.

    وكأنّ ماءا حارّا سقط على رأسي، فقدت القدرة على النظر فيمن حولي، زاغَ بصري وهويت جالسا كأنني خُرقة بالية يطوّحها الهواء. معتادٌ أنا على تسخيفه رغباتي، تفضيل ما يريد على ما أطلب، لكن أن تصل إلى حرماني من لينا مستخدماً نتّخذها؟ ذلك الذي سأعجزُ عن التعايش معه.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] استهدِ بالله يا أبا محمّد، ابنك متعلّق بهذه الفتاة، سُمعتها وسمعة عائلتها لا غبار عليها، أناس طيّبون وعائلة ممتازة، والولد يحبّها.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الولد مراهق لا يعرف مصلحته يا امرأة، فاصمتي.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قلبه اختارها.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] قلبه لا زال يتعلّق بكلّ سيارة جديدة يراها فيلحّ على شراءها ثمّ ينسى أمرها و يطلب غيرها.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هل الزواج مثل السيّارة؟ الزواج قرار حياته الأكبر، دعه يتّخذه بنفسه.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أقسمت عليك بالله يا أبا محمّد إلا فعلت و. . .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لا تُقسمي يا امرأة، محمّد. .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نعم. . أتت كحشرجة المقبل على الموت.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] دعني أفكّر بالأمر قليلا، هل هذا ممكن؟
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أرجوك يا أبي. .

    بعد أربعة أيّام قضيتها في السرير، نوبتيْ صُداع أوقفتا الطبيب عند رأسي، طلبات لتحاليل وصور وأشّعة، ألمُ رهيبٌ أعجز عن تخيّله.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] عليك أن تسافر يا محمّد. . أوّلا فرصة للنقاهة، ثانيا لإجراء فحوصٍ شاملة تطمئننا عليك. حجزت لك في مستشفى الإم بارك في زيوريخ. وهم بانتظارك.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لا أبغي السفر الآن يا أبي.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لزام عليك هذا، هل تريد الزواج وأنت معطوب؟ خذ هذه الأوراق، ضع توقيعك عليها لأجهّز لسفرك قريبا. .

    تلك الكلمات هيّأت لي للحظة، إمكانيّة تقبّل أبي للفكرة، كنت أفكّر في حال عدم قبوله، أن أتزوّج بلينا وألحق مازن وصباح. لكنني أعجزُ عن الوقوف كثيرا في وجهه، تعلّمت طاعته منذ كنت طفلاً صغيراً، لا لخوفي منه إنّما لأنّني في أعماقي، خشيت الله فيه كما علّمتني أمّي، وصرت أُطيعه في كلّ ما يريد، وعكس ما أريدُ غصباً عن داخلي.
    بعد ثمانية أيّام، كنت و أحمدُ، ابن عمّتي الموظّف في شركتنا على متن الطائرة، اتصلت قبلاً بلينا، أبلغتها ما حصل، لم أُخفِ عنها شيئاً، أحسست أن اختلاق كذبة أ أو حتّى تزويق الأمور لن يجدي، و لو كذبتها وعَرِفت، سأكون الخاسر معها، وأبي المستفيد الوحيد. تواعدنا على أنّ أكلّمها أسبوعيا لحينِ عودتي.
    عند هبوط الطائرة وترجّلنا منها، فوجئنا بالبرد، الخريف في بلدتي لم يكن قد بدأ بعد. أدخلوني المستشفى، فحوصات وأجهزة يُدخِلونَ بها جسدي، وأطبّاء تسأل وأنا أجيب. في اليوم الرابع، وبعد انتهاء كامل الفحوصات و نتائج التحاليل، هنّأني الأطبّاء، لديك صداعٌ نصفيّ لا أكثر. لا علاج له إلّا قدرة الله، مسكّنات قبل النوبة قد تقيكَ طورها الأصعب، حُقنٌ في حال بلوغها الذروة. لائحةٌ طويلة من المحظورات، ولائحة أقصر بالمسكّنات.
    أبلغ أحمدُ والديّ بالنتيجة، انتقلنا إلى الفندق أيّاماً قليلة بانتظار الحجز، فرصةٌ للتعرّف على المدينة، سأستغلّها. صورة لينا لا تفارق رأسي، تفكيري بالقادم لا ينفكّ يشغلني للنخاع.
    الواحِدةُ ليلاً، لا زلت بكاملِ ملابسي، اعتدلتُ جالساً على السرير، جرعتُ قليلاً من الماء، أشعلتُ سيجارة أخرى.
    بعد يومين من تجوالي في زيوريخ أزُف وقت اتّصالي بلينا، لم أصدّق نفسي أنني أحدّثها، نسيتُ قصّة الصداع والألم والمدينة، و طفقتُ أسمعُ وأتحدّث كأنني تعلّمت توّاً الكلام. حدّثتها عن الجمال هنا وعن البرد الذي يكادُ يفتك بنا، الطرقات الواسعة شبه الخالية من البشرِ طيلة النهار تقريباً، والمساءات المزدحمة. قُلت لها أنني أراها في كلّ واجهة أنظرها، في ظلِّ كلّ إنسان يسير أمامي. أبلغتني يومها أنّ دوامها الجامعيّ قد بدأ، وأنّها كرهت الجامعة لغيابي عنها.
    أحسست يومها أنني سعيد دون سبب، سعيدٌ لدرجةِ البكاء فرحاً لغير غرضٍ معلوم. بعد انتهاء المكالمة مع وعد منّي بتكرارها اليوم التالي في نفس الموعد، داهمني النعاس، و براحةٍ هذه المرّة، استغرقت في النوم فترة طويلة قبل أن أشعر بيد أحمد تهزّني برفق: والدك على الهاتف. .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] صباح الخير. . : محمّد، هل تذكر الأوراق التي وقّعتها بنيّ؟

    . . . . . . . . . استغربت حدّ الدهشة سؤاله، حتّى نبرته أزعجتني.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ما بها؟
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] إنّها أوراق انتسابك لمعهدٍ عالٍ في لوزان للحصول على الماجستير هناك.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لكن. . لكننّي. . لا أعتقد أنني أريد هذا، أريد العودة وإتمام مشروع زواجي الذي فاتحتك فيه.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أعرف مخططاتك مسبقاً ولكن، ألم تقل أنّها طالبة سنة أولى؟ أليس مبكّرا مشروع الزواج قبل بلوغها العشرين؟ وأنت أيضا لا زلت في السادسة والعشرين، عِش بعضا من حياتك قبل التضحية بها كلّها أنت ناضج يا محمّد، لا تتصرّف كالأطفال. .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] . . . . .
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] سنتان فقط، ستعود بعدها للزواج والاستقرار / أؤكّد لك. أوراقُك جاهزة، وموّقعة. حظّاً سعيدا.

    الغبن، إحساس انقضّ عليّ فجأة، بدرجة عالية الحدّة، أوقفتْ أفكاري عن العمل. أشياء كثيرة تحدث لي دون أن أطلبها، مواقف قد لا أقدر على استيعابها تأتي كضربة على رأسي. . سنتان؟ وحدي في بلد غريبة واسعة لم أخترها أساسا بإرادتي؟
    بقيتُ صامتاً طوال النهار، أرقب الساعة بتململها البطيء أمامي، إلى أن حان وقت مكالمتي لها.
    عندما وصلني صوتها البعيد، أجهشتُ بالبكاء، أخبرتها كم أشعر بالوحدة والضآلة، أخبرتها بأنّ النضوج حالة كذبٍ نرتديها لملائمة أجسادنا الضخمة، ليس هنالك من ناضج في الحياة، النضوج مجرّد لباس نستر به الطفل في أعماقنا. أخبرتها أنني في مأزق اسمه أبي، لا أعرف سبيلاً للخلاص منه.
    بعد صمتٍ عميقٍ انتهجته بالاستماع إليّ، طمأنتي أنني سأكون بخير، وأنّه رغم كلّ شيء والدي، أي أنّه الأعلم بشأني وشأن مستقبلي، حريصٌ عليهما. أخبرتني أنّها بالفعل تريد إنهاء دراستها، وإن حدث ودخلتُ حياتها عنوة، فذلك قدرٌ رحبّت هي به وإن كان غير مخططٍ له. وأنّ الأشياء الفجائيّة التي تحدُث سواءَ أكانت هذه الفرصة أو علاقتنا، قد تكون الأشياءَ الأجمل في حياتنا إن أجدنا استغلالها فعلاً ولم نتصرّف بغباء. راحةٌ غمرتني يومها، وكأنني عُدت إلى الواقع مجدداً، فوجدته أجمل، أنْضَجَتْ بكلامها المتّزن الرؤيا في عيني فقبلتها. و ارتضيتُ الاستمرار في ذات الطريق الذي لم يكن باختياري، مع اتّفاق بأن أهاتفها إسبوعيّا، في موعدٍ معيّن.
    بعد تلك المكالمة بيومين، أعطاني أحمد أوراقي واعتمادي الماليّ، رافقني إلى محطّة القطارِ موّدعا، ورحلت. واجهت الحياة لأوّل مرّة بمفردي تماماً.
    انشغلتُ بتحصيل اللغة ومن ثمّ إكمال المعاملاتِ الورقيّة و وثائق الدراسة المطلوبة فترة من الزمان، اتّخذتُ من شِقّةٍ صغيرة مسكناً لي في أجمل شوارع المدينة. عشت حياتي كأنني رجل آليّ مبرمج على التحوّل إلى إنسان مساءَ كلّ يوم جمعة، الساعة التاسعة، حين تجمعنا الأسلاك معا.
    بعد مرورِ أربعة أشهر، أتى يوم الجمعة كالعادة، كنت في غاية الإنهاكِ بعد انتهاء اليوم الدراسيّ، ارتميت على الكنبة في الصالةِ الباردة، ممارساً لعبتي المفضّلة: مراقبة عقارب الساعة. حين تعامدت العقارب معلنةً التاسعة، طلبتُ الرقم بشغفِ المُشتاق، المتلّهف للحصول على الدفء من صوتها.
    صوتٌ غريب طرق مسامعي. صوتُ رجل. اعتقدت أنني مخطئ في البداية، أعدتُ طلب الرقم بدقّة أكثر، أتى نفس الصوت ليطرق أذني.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مساءُ الخير
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مساءك سعيد، محمّد؟
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نعم.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أهلا يا بنيّ، أنا منير والدُ لينا.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أهلا بك يا عميّ.
    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] محمّد. كنت أودّ لو عرفتكَ في ظروفٍ أفضل ولكن. . لا يبدو أنّ الأفضلَ سيأتي بيننا. والدكَ يا محمّد، منذُ اللحظةِ التي غادرتَ فيها البلد، وهو يمارسُ الضغوط عليّ وعلى أسرتي، مرّات بالكلام عن الخصوصيّات مع العملاء وتجّار السوق ومرّة بالتهكم على سُمعة ابنتي التي ارتبطت بك دون إذني. حاولتُ مراراً من أجلها ومن أجلك، أن أُفهمه أنّ ابنتي حرّة في اختيارها، وأنّها وبعد لقاءكما الثالث أخبرتني بكلّ شيء وأعطيتها الضوء الأخضر لعلمي بقدرتها على الاختيار بوضوح ولعلمي أيضا بمن تكون وما هي بيئتك رغم اعتراضي على منهج والدك القاسي المعروف للقاصي والداني. لكنّ الأمور ساءت جدّاً بيننا واعتقد أنّه حكم بالإعدام على أيّ ارتباط قد يأتي بين أسرتينا. . اعذرني يا بنيّ، هذا قرار مشترك بيني وبين ابنتي، قرارٌ نهائيّ.

    كعادتي، أتقبّل الضربات التي تهبط فجأة على رأسي بالصمت الثقيل. . لم أنبس ببنت شفة طيلة ثلاثة أيّام. لم أدرك يوماً أنّ الشرّ موجود في هذي الحياة بهذه الكثافة. في الطفولة نتعلّم أنّ قوّة الخيرِ و دائما تنتصر على الشرّ في النهاية، لكنّنا كلّما كبرنا أكثر، نُدرك أكثر، أنّ الأمر ليسَ بهذه البساطة، فآثارُ الشرّ، تبقى ظاهرة دوماً في كلّ الوجوه. الشرّ، هل تراني أتمثّله في والدي؟؟
    عد تلك الأيّام الثلاثة، حزمتُ أمتعتي، وعدت إلى زيوريخ. صديق لي في المعهد أمّن لي عملا هناك. لا أريد متابعة شيء ليس اختياري أصلا، لا أريد أيّ رابط بأبي ولا حتّى ماله ولا أريده أن يعرف أصلاً بمكاني.
    أجهدتُ نفسي في العمل كي لا أفكّر بشيء، رئيسي أكبرَ فيّ الذكاء والاجتهاد، وطبعا عملي لمدّة أربعة عشر ساعةٍ متواصلة يوميّا، مع إجازة إسبوعيّة: نصف يومٍ فقط.
    انخرطتُ في العمل، وفي الحياة، مارستُ الشُرب وتعلّمت طريقَ النساء، لعبُ الورق أيضاً، أصبحت محترفاً. نسيت بلدي وكلّ من فيها، أهاتفُ سمير وماجد كلّ فترة، مازن وصباح أسبوعيّاً. ذهبت لزيارتهم في عطلة لي، وعشت حرّاً، كما اعتقدت أخيراً. بلا جذورٍ تربطني بأحد، بلا عوائقِ أهلٍ يلاحقونني كيفما يمّمتُ وجهي، بلا ارتباطٍ لا أقوى على الوفاءِ به. عشت هكذا لثلاث سنوات، أيقنتُ النضوج أحياناً، وفي أحيانٍ أخرى أغرق في أحلامِ الأطفال فأعود للهزأ بتلك الكلمة. بعد عيد ميلادي الثلاثين بأسبوع، رنّ هاتفي بإصرارٍ شديد، كنتُ نائما فأيقظني، على الطرفِ الآخر أتاني صوتُ أحمد: والدك في المستشفى، حالته خطرة. أقفل السماعة دون أيّ زيادة، وخزةٌ طفيفة أحسستها في قلبي، لا يزال رغم كلّ شيء، أبي. نهضتُ بتثاقل، أخذت حمّامي ثمّ اتّصلت بسمير، طالباً منه التأكّد من الخبر الذي أتاني. بعد ظهر نفس اليوم ردّ سمير اتّصالي: والدكَ انتابته أزمة قلبيّة، بعد التأكّد من حالته، ثَبُت احتياجه لتغيير عدّة شرايين في قلبه. نقلوه إلى مستشفى القدّيس جاورجيوس في بيروت بانتظار العمليّة.
    على وجهِ السرعة أعددت جواز سفري، حقيبة بها بعض الملابس، استأذنت لأسبوعين من العمل و أوّل طيّارة متّجهة إلى بيروت، كنت على متنها.
    حالةُ والدك عسيرة، عدا انسداد الشرايين، يعاني من الضغطِ الدمويّ المرتفع وعدّة أمراض جانبيّة مثل الحساسيّة لكثيرٍ من الأدوية التي يتطلّب علاجه بشدّة استخدامها.
    الحلّ يا دكتور؟
    عليه المكوث في المستشفى شهر كامل لإجراء اختبارات الحساسيّة، وقد تأخذ وقتا أكثر، ومن ثمّ يتقرر موعد العمليّة.
    ستّة أشهر، وجلّادي مرميٌّ بخالصِ ضعفه على فراش في المستشفى، وصلَ إلى الموت مرّات عديدة ولكنّه جبّار حتّى على الموت. بكيتُ قليلا لا أنكر، إنّما يبدو أنني بكيت شفقة على نفسي منه ومن حياتي معه. عملي تمّ فصلي منه، اتّصلتُ بصديقتي أولغا، طلبتُ منها إنهاء عقد إيجاري والاحتفاظ بأمتعتي. وسكنت المستشفى مع والدتي.
    والدتي التي قبّلت الأرض عند رؤيتي، قالت لي أنني أصبحت كبيراً، و وسيماً كأنني أوروبّي حقّ. والدتي التي علمت بفعلة أبي معي، وردّت عليها كعادتها بالدموع والخنوع المهين. بعد مرور سبعة أشهر، تمّ تغيير الشرايين على خير، وقضى ثلاثة أسابيع نقاهة في شقّة أخذناها في الأشرفيّة قرب المستشفى نفسه.
    مير صديقي القديم، لم يتخلّ عني لحظة، كلّ عطلة يأخذها يتمثّل أمامي لمساندتي. الصديق الجيّد، هو الذي يقوم بدعمك عند وقوعك في مأزق، أو سؤالك عمّا ألمّ بك من أحزان أو ألم و من ثمّ مواساتك، الصديق العظيم مثل سمير، هو الذي يتصرّف دائما، وكأنّ شيئا لم يحدث، أيّ نقطة متابعة معك، يُكمل فيها وكأنّه ما فاتك لحظة زمن.
    سألتُ سمير عن البشرِ جميعا، فقط كي يوصلني السؤال إليها، آه كم اشتقتُ لها. أخبرني سمير أنّها غادرت البلد بعد سنةٍ على سفري لحِقت بأخيها في أمريكا بعد أن جعل والدي سيرتها على كلّ لسان. الإشاعات في بلدتنا، مثل الهواء المحمّل بالروائح، يشتمّه الجميع، يشتُمونه، ثمّ يعيدون إصداره.
    وأعود لأبي، كان يخاطبني كأنّني لم أبتعد عنه لحظة، بنفس القسوة التي عهدتها منه طوال عمري، بنفس الجبروت يلمع في عينيه. كرهته أكثر رغم كلّ شيء عاناه أمامي، وكأنّ قلبي قُدّ من جلمود. انتظرت حتّى عدنا إلى بلدتنا، وأبلغتهم عزمي بمعاودة السفر. بدأ بالاعتراض قائلا أنني الأغبى فيمن عرف، أنني عديم الإحساس بالمسؤولية وأنني أحمق. واجهتهُ للمرّة الأولى، بكلّ ألم ألبسني إياه تلك السنين، بكلّ حلمٍ حطّمه بيديه. قلت له أنني حرّ و أنّها حياتي أسيّرها كما أشاء. وأنني لا أريد مساعدته ولا أحتاج منه إلّا الابتعاد عن طريقي. أخبرته أنني كنت مطيعا جدّا، فضّلت رغباته دوما على ما أريد، بدءا بالألعاب التي كان يختارها هو انتهاء بتخصصي الجامعي الذي اختاره. لم أفلح يوما في جعله يحبّني أو يختار أن يحبّ ما أريد. قلت له أن مخزون الطاعة نفذ عندي وأنني أصبحت حرّاً. جابهني بدموع والدتي، رغبتها في تزويجي بعد أن قطعت الثلاثين. قلت لهما أنني لا أبالي، وأنّ الزواج لم يعد يعني لي شيئا، الحياةُ بمطلق الحريّة، أثمنُ من ارتباطٍ بإنسان قد يكرهني، لأنني أنا شخصيّا أكره نفسي، أكره ما صنعاه فيّ، أكرهه.
    حجزتُ مقعدا على الطائرة المغادرة بعد يومين. عُدت إلى زيوريخ، استلمتُ أغراضي من أولغا، أنهيت مسائلي العالقة، اتّصلت بمازن على ملبورن، طلبتُ منه إيجاد عملٍ لي فقد كرهت زيورخ، كرهت ارتباطي بأمكنة لا أنتمي إليها، كرهت ارتباطي بأيّ شيء، طالما ارتباطي بجذوري هي التي أورثتني الضياع.
    سافرتُ إلى استراليا، شهور قلائل و عُدتُ سيرتي الأولى في زيورخ، حتّى مازن وشقيقتي، قلّت رؤيتي لهما، كرهت رؤية انعكاسي في عيون الناس التي تعرفني حقّا. أخذني العمل ومباهج حياة عشتها للثمالة. هربتُ من نفسي كثيراً، أوقات طويلة تجنّبت فيها الخلود للوحدة ولو دقيقة، تجنّبت التفكير بالأمس، اعتبرته شبحاً يطاردني إلى اللا مكان، سيطاردني إلى أن أتدثّر الموت يائساً من الحياة. حاولتُ العثور على حبّ جديد، البدءُ بحياة جديدة، لكن البدايات تحتاج لنفسٍ طويل، ما عاد لديّ ما أتنفّسه أصلا. غرقتُ في الحياة دون تفكير، تعرّفت على الكثير من النساء، ما أن تصل علاقتي بهنّ للارتباط، أتهرّب بأي عذر، وأقطع سبيلها إليّ تماماً. تِسعُ سنوات وأنا أحيا دون حياة، دون أمل، دون يأس. دون أيّ حلم أتمنّى تحقيقه، أيّ هدف أسعى إليه. حياة فارغةُ المعنى مرتبطةٌ بعقاربِ الساعة التي تدور دون توقّف، بالتقويم الذي نقذف قصاصة تاريخ كلّ يوم فيه إلى المهملات، لنبدأ يوما آخر له ذات المصير مساءاً. حياة، لا شيء فيها يذكر، لا شيء في تلك الأيّام يشبهني أو يعنيني. وكما أنّ لكل بداية، نهاية أكيدة، مهما تشعّبت الطرق أو الخيوط، مهما التفّت، مصيرها هو ذاته، أن تنتهي في وقت ما، هذه المرّة بصوت صباح: والدك تعرّض لحادث مريع، فقد كان آتيا إلينا كي يراك، الطقس باردٌ كما تعلم في الشتاء، الجليد يكسو الطرقات. سرعته الجنونية أدّت إلى تزحلق سيّارته، دورانها عدّة مرّات حول ذاتها، قبل أن تصطدم بعارضة الطريق. حزمنا أمتعتنا جميعاً، مرّة أخرى، نحن الهاربين منه كلّنا، وعدنا. في المستشفى، قالوا لنا أنّ الخطر شديد، وأنّه لن ينجو ربّما.
    بعد خمسة أيّام توقّفت أجهزة إنعاشه ورحل.
    بعد أن حوّل حياتنا جحيماً من المال الذي أمدّه بالسلطة، بالجورِ الذي مارسهُ مطلقاً على أبناءه، بعد تضحيته بي وبعبير و صباح، رحل، رحلَ وكأنّه لم يكن، كأنّه ما فعل شيئا. أقنعتُ نفسي بعدها أنّ صباح تحدّته لما أرادت، ولم تلبس ثوب الضحيّة، فحازت النصر وتابعت حياتها. أنا وعبير، ربّما عن ضعف، أو عن رضا مارسنا الطاعة والغباء حتّى خرجت دفّة حياتنا عن طريقها القويم لأننا رأيناها من خلاله لا من أعيننا. لم يكن موته صاعقة ولا مفاجأة، لا مفرحاً ولا محزناً، كان فقط غريباً لدرجةِ الابتذال.
    أوّل أمس، اجتمعتُ مجدّداً و بعدَ خمسة عشر عاماً و سمير، مازنٌ و ماجد، نحن الأربعة، هناك عند الجسر، وقفنا وظهورنا للمياه تجري وراءنا.
    ماجد فشِل زواجه لاختيار والدته السّيئ. سميرٌ لم تبدأ حياته بعد، ابنةُ الجيران التي أحبّها خدعته، ألقته وراءها بكلّ نذالة وتزوّجت غيره. مازن حاز من حياته على كثير مما أراد ويستعدّ للسفر بعد ساعتين ومعاودة حياته. وأنا، الخالي الوفاض إلّا من بعض الندوب غير الظاهرة. المسؤولُ عن أمّي، عن شركة أبي، عن كلّ عبيده \ موظّفيه. و عن حياة ظلّت خمسة عشر عاماً تلاحقني.
    كلّنا متضررون، كما يظهر، كلّ البشر. بعضنا متضرر أكثر من بعض. كأننا نحملُ الأضرار في أعماقنا منذ الطفولة. نُعطي بقدرِ ما نأخذ، ونُحدث أضرارا أخرى، في أنفسنا، في الناس من حولنا في الحياة جمعاء، ثمّ قد نفطن مجددا إلى ما أحدثناه، فنبتدئ بعمل تصحيحات لما نقدر، علّنا نقدر يوماُ.
    لم يبقَ الكثير لبداية النهار، ذلك الذي سأبدأ فيه العيش كأنا، كإنسان لا يخشى الانتماء، إنسان غير هارب من شيء، ولا حتّى ذاته، إنسانٌ يريد فعلا أن يعود إنساناً.
    هل سأقدر على بداية جديدة بعد سنوات كثيرة من الهروب؟
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    مرايا الظلام / مي أسامة
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    للنشر....ملتقى المصباح الثقافي :: فضاءات ..أدبية وثقافية :: فضاء الأقلام المتوهجة..-
    انتقل الى: