ارتقى إلى ذلك المكان الشاهق، وتسلق السارية فتعلق بها؛ ليتقلد منصبه بين الرايات المرفرفة.
أحب الألوان…وتمرغ بها فتح علبة الألوان الزاهية،والدامسة.
أمسك بالريشة الناعمة،وبادر بتلوين نفسه بمهارة رسام تخرج من مدرسة الألوان السائدة. فوقع اختياره على أبعاد متنافرة صفاء الأبيض مع دموية الأحمر سواد الدجى مع عفوية الأخضر
عشق هذه الألوان الأربعة، ووكلها شعارًا له في الأيام الخالية…
افتخر بمعانيها،وبسيطرتها،وبنضالها معه،وبتحملها لشظف العيش،وصمودها في وجه الفصول الأربعة..أرخى أجنحته..وروضها على السكينة والهدوء،فلم تعد هناك ريح قوية تساعده على التحليق…والتحديق…رفع بصره إلى السماء فوجدها كالحة قاتمة تشيع فيها الفوضى والغمام،ولمح في طيات الضباب المأساوي نجمة سداسية تحوم حولها بعض النجوم الخماسية.
حرك رأسه النابض يميناً…وشمالاً؛فتموجت الألوان استغراباً،وزراية للأمر الواثب…وتكونت بذلك خلفية للوحة زيتية تبحث عن عنوان وأمان…اعتلجت صدره الغصة من فداحة المنظر الراهن.
(وتساءل:ألم يعلن مذيع النشرة الجوية أن السماء ستكون هادئة رقيقة رقة المخمل النائم؟) أدرك أن الكلام مخالف للأوضاع..فقطع على نفسه عهداً بأن يتفقد الأحوال العاتية. اتكأ على منسأته..وهبط السلالم البعيدة.وما أن وصل إلى الدرب اللاحب اقتحمته الحبائل والأرزاء من كل جانب..آزرته الحجارة والمقالع والسواعد.
شارك في جنازة الشهيد المناضل…فكان كفناً للجسد الصارم،وسار في مسيرة تشييع البطل الغانم(ومافتئ ينقب عن الأجساد الضامرة؛ليكون ردءاً لها ورداءً).
مازال يستند على عصاه الخشبية؛يجوب المدن والضواحي… واستمر سرب الحجارة يقذف من كل المذاهب..
واجهته الغماغم والزمازم بالاعتراض والتفاوض…وتحول إلى مفرش يبسط على الموائد والزوائد.
فعاصر عهد المقبوحين المعتدين على حرية الضراغم..بهتت ألوانه،وتفشت الغثاثة في كيانه الضاوي..واستفحل الداء؛ نتيجة لوبيل الوباء.
واصل جولاته وصولاته حتى دنا من القبة الذهبية،فتماسكت ألوانه وأضلاعه حتى بلغ الأوج والارتفاع،فغرس عوده في الصخرة الشريفة.
خففت ألوانه بنبض الحياة المؤقت.
شعر بريق الغيث يباكيه ويواسيه…نظرإلى الأسفل ليراقب الخاشعين الحامدين المبتلين. أتموا الفرائض…والتفوا حوله هاتفين:
بيض صنائعنا…خضر مرابعنا. سود وقائعنا…حمر مواضينا…
حدّ…انغماس الليل
رعشةٌ من قدح مسفوحة… انسكبت
على جسدها المتهدل..
والغموس…
أرقدها رهينة بين أضلع الصبر
تفشي سرها…سر الملاذ
على دقات طبل
تزفُّ امرأة الهبات
على سفحها صفقت(!) خصل
ترقص على خصور المسجيات
******
من فتات الرماد شبعنا..
كطعم النار…ينهش أحشاء الليل
سفكنا فيه دمو(؟) ودما(؟)..وشربنا
شربنا…
نزيف برقوق نيسان… من قلب غسّان
وتمرغنا في الهذيان
نسفنا ما بقي من العصيان
وقعنا في فخ الحسان
*******
ألا يا ويح قلبي..بهوى الشقراء تدلها
تطوق بحبل من مُنى.. من أرادها أدهرا
تنوء بملامح الشرق.. أشبرا
تشفي الغليل الموقد..قدر أنملة
أهي غانية(؟) في رحم العروبة..متمددة
******
نغمس لقمة التحنيط في براكين الحزن
نغمس عصارة الروح في مراسيم الدفن
نغمس_عين السحر_ 11 شوكة في منابع الجفن
*******
سارٍ خاف قطيعه
كوجه من نِحاس
وآتٍ
كسرمد من نُحاس
وجثا الصمت على ركبتي أُناس (!)
*********
أهو الديجور.. اعتدى على مصباح
وأراق عُذريته على الإسفلت والطرقات
وهاج…وهاج حتى الانغماس.
مها ابو النجا
كاتبة فلسطينية