أستغرب موقف بعض الصحف العربية والمصرية بوجه أخص من المؤتمر الصحفى الذى عقده السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مساء الاثنين الماضى 9 / 8 الذى عرض فيه مجموعة من المعلومات المثيرة التى تتهم إسرائيل بالضلوع فى قتل رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى.
فقد لاحظت أن قسما منها تجاهل المؤتمر بالكامل ولم يأت له على ذكر، وأدهشنى أن صحفا أخرى أبرزت رد الفعل الإسرائيلى على تصريحات نصرالله وادعاء المتحدث باسم حكومتها أنه «كلام سخيف مثير للسخرية».
أدرى أن تلك الصحف المعبرة عن الحكومات «المعتدلة» والقريبة منها لها موقفها المخاصم والمتهم للسيد حسن ولحزب الله لأسباب مختلفة، لكننى لم أتصور أن تلك الخصومة بلغت حدًّا يجعلها تتبنى الموقف الإسرائيلى حين يكون الرجل مشتبكا معها، الأمر الذى يعبر عن مدى البؤس الذى وصل إليه التناقض العربى العربى.
وهو ليس بؤسا فقط، بل إنه فجور أيضا، لأنه بات يتم الجهر به أمام الملأ بجرأة خلت من أى حياء. وهذا التحيز لوجهة النظر الإسرائيلية لا نجده فى بعض الصحف المصرية فحسب، وإنما نلمحه أيضا فى بعض الصحف العربية الصادرة فى لندن.
وهى التى باتت تقول صراحة إن العدو لم يعد إسرائيل، ولكنه إيران، ويتحدثون نفس اللغة التى يعبر عنها غلاة المحافظين اليمينيين فى الولايات المتحدة الأمريكية.
السيد نصر الله فى المؤتمر الصحفى قدم مجموعة متكاملة من اعترافات الجواسيس الذين ذكر أحدهم أنه اقترب من الدائرة الأمنية للرئيس الحريرى واستطاع إقناعه بأنه مستهدف من قبل حزب الله. فى الوقت ذاته كانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تراقب بيت الحريرى وترصد خط سيره من بيته إلى مكتبه أو إلى المنتجع الذى يقضى فيه عطلاته.
كما كانت تراقب بيت شقيقه، وتتبع الأماكن التى يتردد عليها أنصاره وجماعة 14 آذار. وهو ما يثير شكوكا كثيرة حول القصد من كل ذلك، سواء فيما خص الرئيس الحريرى نفسه أو ما خص جماعة 14 آذار، الذين أرادت إسرائيل أن تنال منهم لكى تتجه أصابع الاتهام مباشرة إلى حزب الله وحلفائه فى تجمع الثانى من آذار.
مما ذكره السيد نصر الله أيضا أن جاسوسا لبنانيا من الذين جندتهم إسرائيل كان فى موقع اغتيال الحريرى قبل 24 ساعة من حدوث التفجير الذى أودى بحياته، وأن طائرة إواكس إسرائيلية حلقت فى سماء لبنان يوم الحادث، كذلك تم رصد نشاط كثيف للطيران الإسرائيلى فى اليوم ذاته.
وأثناء استعراضه للشهادات عرض نماذج من صور الأقمار الصناعية التى نجح حزب الله فى استقبالها بعد اختراق الرسائل التى كانت تبعث بها طائرات الاستطلاع الإسرائيلية. فى السياق ذاته قال «السيد» إن الرئيس الراحل حافظ الأسد أخبره بأن قائدا عربيا نقل إليه فى دمشق رسالة أمريكية خلاصتها أن واشنطن مستعدة لاستمرار الدور السورى فى لبنان إذا ما استجاب لشرطين اثنين هما: نزع سلاح حزب الله، ونزع سلاح المخيمات الفلسطينية. وهو العرض الذى رفضه الرئيس السورى آنذاك.
أبدى الأمين العام لحزب الله دهشته من أن اعترافات عملاء إسرائيل بما احتوته من إشارات ودلالات مهمة لم تأبه بها لجنة التحقيق الدولية فى اغتيال الحريرى، فى حين رحبت بمعلومات أخرى أدلى بها بعض شهود الزور، مما أدى إلى سجن أربعة من كبار الضباط لمدة أربع سنوات، قبل أن تثبت براءتهم ويطلق سراحهم. وهو موقف دال على أن تسييس القضية له بوادره من البداية.
إزاء ذلك فلا يستبعد أن تكون اللجنة قد أعرضت عن مساءلة الجواسيس الإسرائيليين أو الضباط الذين استخدموهم من جهاز الموساد، حتى تظل إسرائيل بعيدة عن الشبهات. وليس أدل على ذلك من أن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية.
لويس مورينو أوكامبو، رفض التحقيق فى العدوان الإسرائيلى على غزة، لاقتناعه بأن ذلك العدوان لا يشكل جريمة حرب، رغم أن تقرير القاضى الدولى جولدستون أدان موقف إسرائيل وطلب التحقيق فيما ارتكبته إسرائيل من جرائم خلال تلك الحرب.
ان أهمية تسليط الضوء على احتمالات ضلوع إسرائيل فى اغتيال الحريرى، تكمن فى كونه يشكل أحد مفاتيح التعرف على الحقيقة فى تلك الجريمة، فضلا عن أنه يشكل خيطا يمكن من خلاله التعرف على المسئولين عن ارتكاب العديد من جرائم القتل الأخرى التى ارتكبت فى لبنان، وأريد بها إثارة الفرقاء وإشعال نار الفتنة بينهم.
ولا يقل أهمية عن هذا وذاك أن الكشف عن تلك المعلومات يتيح لنا أن نتعرف على طبيعة الأنشطة الاستخباراتية والتآمرية التى تمارسها إسرائيل فى مختلف الدول العربية،
منتهزة فرصة بلاهة البعض منا الذين صدقوا أن إيران هى الخطر وهى العدو.